Translate

الاثنين، 20 فبراير 2023

الامراض القلبية وخطرها علي الفرد والمجتمع رائد فؤاد باجوري

الامراض القلبية وخطرها علي الفرد والمجتمع رائد فؤاد باجوري 

إهــداء  

إلى من سهرت وعلمت وتعبت وأدبت إلى الحبيبة الغالية أمي ...

 

إلى والدي الفاضل، في غربته أعاده الله سالمًا غانمًا ...

 

إلى إخوتي الكرام جعلهم الله من المهتدين المصلحين ...

 

إلى كل من يعمل على إصلاح قلبه من مسلم ومسلمة ...

 

مقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله r وبعد:

 

فقد أطلعني أخي في الله تعالى/ رائد بن فؤاد باجوري إمام وخطيب جامع حسوبة بجدة على الكلمات المباركات التي جمعها مسترشدًا بالكتاب والسنة ونصوص العلماء وواقع الناس اليوم، فوجدت أنه قد وفق في اختيار موضوع مهم جدًا يحتاجه الناس في كل عصر ومصر ألا وهو بيان أمراض القلوب المحبطة للأعمال الصالحة من اتباع الهوى المذموم، والمفضي لا محالة إلى الغفلة وقساوة القلب، وما يتصل بذلك من حقد وحسد وعين، وعجْب وكبر ورياء وسمعة، ثم عشق مكشوف لكثرة دواعيه مع قلة الإيمان ونفور الحياء من حياة كثير من المجتمعات.

 

وحيث أن هذا الجهد مفيد ونافع والحاجة ماسة إليه لما ذُكر فإني أسأل الله لكاتبه دوام التوفيق ومواصلة العناية بمثل هذه الموضوعات، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... 

وكتبه الفقير إلى الله تعالى: 

د/ محمد الداه بن أحمد بن الطالب عيسى الشنقيطي 

مكة المكرمة 8/3/1422

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة

 

الحمد لله، نحمده ونستعنيه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{.

 

}يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{.

 

}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{([1])، وبعد:

 

فإن الله عز وجل لم يخلق خلقه ويتركهم هملاً وسدى }أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ{

[المؤمنون: 115]، بل جعلهم موردًا للتكليف، ومحلاً للأمر والنهي، وألزمهم فهم ما أرشدهم إليه وقسمهم إلى شقي وسعيد – جعلني الله وإياك من أهل السعادة – وأوضح لهم الطريق والسبيل: }إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا{ [الإنسان: 3]، وأعطاهم مواد العلم والعمل: من القلب والسمع والبصر والجوارح نعمةً منه وفضلاً، فمن سخر ذلك في طاعة ربه عز وجل ومرضاته فقد قام بشرك ما أوتيه من ذلك، ومن سخره في إرادته وشهواته ولم يرع حق ربه عز وجل فقد أفسد وما أصلح وخسر وما أفلح لأنه لا بد من الحساب على حق هذه الأعضاء: }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا{ [الإسراء: 36].

 

ولما كان القلب لهذه الأعضاء كالملك المتصرف في الجنود التي تتلقى الأوامر عنه ويستعملها فيما شاء فكلها تحت عبوديته وقهره، بل وتكتسب منه الاستقامة والزيغ وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله»([2])؛ فهو ملكها والمتصرف فيها، وهي المنقادة لما أمر ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده ونيته، وهو المسؤول عنها كلها لأن كل راع مسؤول عن رعيته، كان الاهتمام بتصحيحه وتسديده وتقويمه أولى ما اعتمد عليه السالكون، والنظر في أمراضه وعلاجها أهمّ ما تنسك به الناسكون؛ لأن مرض القلب خطير، أخطر وأضر على المرء من مرض البدن، ومرض القلب خفي قد لا يعرفه صاحبه؛ فلذلك يغفل عنه، وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه؛ لأن دواءه في مخالفة الهوى، وإن وجد الصبر لم يجد طبيبًا حاذقًا يعالجه([3])، ونحن اليوم في زمن صرفنا فيه أوقاتنا للعناية بمظهرنا في لباس ومنزل ومأكل ومشرب ومركب، وغير ذلك من أمور نظهر بها أمام الناس.

 

لأن البعض قد يظن أن الناس بهذه الأمور تقدره وتحترمه وتشير إليه ببنانها ولكن نسينا أو تناسينا أو تجاهلنا أو عميت علينا «أو قل ما شئت من عبارات» أمرًا مهمًا أن نتعاهده وأن نهتم به ألا وهو تلك المضغة (القلب) نعم إنه القلب فهو ذو أمر عجيب وشأن عظيم؛ إذ تأمل في واقعنا اليوم كم من قلوب قست وتحجرت عياذًا بالله فما أصبحت تنكر المنكر – أو يتمعر الوجه في سبيل الله – ولا تعرف معروفًا فتتناصح به وتدعو إليه؛ بل كم من أحقاد وضغائن وكم من شرور وأحساد بين الناس بين القريب وقريبه بل بين الإنسان ونفسه.

 

كم من الذنوب جاهر صاحبها بها دون حياء من الله؟ وكم ... وكم ... كل ذلك سببه مرض هذا القلب ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

القلب فضائله كثيرة ومزاياه عديدة ([4])، بل آيات عديدة من كتاب الله عز وجل تتحدث عن عظم هذا القلب، ولكن لا تعمى الأبصار، وإنما تعمى القلوب التي هي في الصدور ([5])، لذا أردت أن أجعل هذه الكلمات في أمراض القلوب مسهبًا القول قليلاً سائلاً المولى عز وجل أن يقيني وإياكم أمراض القلوب ويجعل قلوبنا حية مؤمنة منقادة لفاطرها وخالقها وبارئها إنه جواد كريم ...

 

والله أستعين في كل عمل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إليه قصدي وعليه المتكل ([6])

 

 

 

* * *

 

أهمية الحديث عن أمراض القلوب

 

لا يخفى عليك أيها المسلم عظم هذا القلب الذي ركبه الله في الإنسان؛ إذ بصلاحه يصلح غيره وبفساده يفسد غيره، ولذلك فالقلب له أهمية كبرى ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يحرصا على إصلاحه والاعتناء بتنقيته من الشوائب؛ لأن القلب إذا مرض أصبح مَوْطنًا لتجمع الأمراض فيه، والحديث عن أمراض القلوب يكتسب أهمية خاصة؛ وذلك لعدة أمور:

 

1- أن الله سبحانه وتعالى أمر بتطهير القلوب وتنقيتها وتزكيتها بل جعل من غايات الرسالة المحمدية: تزكية الناس، وقدَّمها على تعليمهم الكتاب والحكمة؛ قال تعالى: }هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{ [الجمعة: 2].

 

2- أن القلب في حياة الإنسان كما ذكر أنفًا أنه هو الموجه والمخطط، والأعضاء والجوارح تنفذ، فإذا طهر القلب من الأمراض، وأطاع الإنسان ربه وعبده حق العبادة، وتحسنت أخلاقه واستقامت أحواله سَعِدَ في نفسه وأسعد غيره.

 

3- القلب مناط التكليف؛ فالقلب محل نظر الله تعالى؛ فقد أخبر النبي r: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم». وأشار بأصابعه إلى صدره الشريف ([7]).

 

4- صلاح القلب صلاح للفرد والمجتمع، وفساده ومرضه فساد وداء على الفرد والمجتمع، وهذا ما سيظهر إن شاء الله من خلال قراءة آثار الأمراض القلبية في الصفحات القادمة.

 

5- كثرة انتشار أمراض القلوب في هذا الزمن – ولا حول ولا قوة إلا بالله – إذا فسدت فيه النيات وتعاظمت البليات، فانتشر الحسد والحقد والكراهية وسوء الظن والكبر والنفاق وغير ذلك، وأصبح الشر يضرب بأطنابه وما ذاك إلا لفساد القلوب وتغير النفوس والركون إلى الدنيا؛ نعم، هذا هو الشرك الذي ابتلينا به في هذا الزمن إلا من رحم الله، ونسأل الله أن نكون من المرحومين؛ فأصبحت الدنيا تعبد؛ فكم من عبد للمال؟ وكم من عبد لتجاراته وعقاراته؛ بل قل: كم من عبد للذاته وشهواته! كثرت الذنوب وقست القلوب وكثرت العيوب وجفت الدموع، وما ذاك إلا لمرض القلوب وقسوتها: أين الخشوع؟ وأين الخضوع؟ وأين اللجوء إلى الله عز وجل؟

 

كل هذا وغيره كان دافعًا لي لكتابة هذه الكلمات سائلاً المولى جل وعلا أن يجعل فيها خيرًا كثيرًا ونفعًا عظيمًا وأن يجعلها لي ذخرًا يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ...

 

هذا وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ...

 

الهوى

 

لغة: قال ابن منظور – رحمه الله – هوى النفس إرادتها، وقيل: محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه، قال تعالى: }وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{ معناه: نهاها عن شهواتها وما تدعو إليه من معاصي الله – عز وجل ، وقيل: الهوى: هوى الضمير، ومتى تكلم بالهوى مطلقًا لم يكن إلا مذمومًا حتى يُنعت بما يخرج معناه عن الذم كقولهم: هوى حسن، وهوى موافق للصواب ([8]).

 

واصطلاحًا: قال الكفوي – رحمه الله: «ميل النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع»([9]).

 

وقال ابن الجوزي رحمه الله: «ميل الطبع إلى ما يلائمه»([10]).

 

واتباع الهوى: هو إيثار النفس إلى الشهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل ([11]).

 

 

 

* * *

 

ذم الهوى وضرره من الكتاب والسنة

 

وأقوال السلف الصالح

 

فهذا أحد أمراض القلوب الخطيرة التي قلَّ من يفطن إليها اليوم كثير من الناس إلا من رحم ربك، فكم وقع في شراكه فأصبح عبدًا له؛ يقول – جل وعلا: }أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ{

[الفرقان: 43].

 

فسمى الله – تبارك وتعالى – الهوى إلهًا والمتبع عبدًا لهواه، وكم من الشهوات أتبع أصحابها هواهم فيها فضعفوا وأفسدوا في الأرض وتمادوا وأسرفوا على أنفسهم وانغمسوا في المعاصي ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ والسبب اتباع الهوى؛ يقول ابن الجوزي: «اعلم أن الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل قد خلق في الإنسان لضرورة بقائه فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل، وإلى المشرب ما شرب، وإلى المنكح ما نكح، وكذلك كل ما يشتهيه، فالهوى مستجلب له ما يفيد كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي فلا يصلح ذم الهوى على الإطلاق وإنما يذم المفرط منه ذلك وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضار»([12]).

 

فالهوى مذموم منه ما أفرط صاحبه في حق نفسه وغيره كما يرى ابن الجوزي – رحمه الله ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما ذكر الله – عز وجل – الهوى في موضع من كتابه إلا ذَمَّه. ومن ذلك قوله تعالى: }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{ [النازعات: 40].

 

قال المفسرون: هو نهي النفس عما حرّم الله عليها ([13]).

 

وقال تعالى: }وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{ [الكهف: 28].

 

وقال تعالى: }بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ{ [الروم: 29].

 

وقال تعالى: }فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا{ [النساء: 135]؛ أي: تعدلوا وتميلوا عن الحق.

 

ولقد جاء الهوى كذلك مذمومًا على لسان رسول الله r، ومن ذلك ما أخرجه الترمذي – رحمه الله – عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «الكَيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله»([14]).

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي r أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»([15])؛ فعلم بمفهومه أنه من كان هواه مخالفًا لما جاء به النبي r من الله – عزّ وجلّ – فهواه أمر مذموم لا يدل على إيمان صاحبه.

 

وجاء كذلك عن السلف الصالح رضي الله عنهم ورحمهم، ما يدل على ذمهم للهوى والتحذير منه بل وكف النفس ونهيها عن اتباع الهوى؛ ومن ذلك ما قاله الإمام مالك بن دينار: «بئس العبد عبد همه هواه وبطنه»([16])، ويقول بشر الحافي: «اعلم أن البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه»([17])، وقيل للمهلب بن أبي صفرة: «بم نلت ما نلت؟» قال: «بطاعة الحزم وعصيان الهوى»، وقال الحسن البصري: «الهوى شر داء خالط قلبًا»، وقال أبو سليمان الداراني: «أفضل الأعمال خلاف هوى النفس»، ولقد تغنى بعض الشعراء في ذم الهوى ومخالفته؛ لأنه سبب في الهوان والتردي؛ فهذا الأصمعي يحدث أنه سمع رجلًا يقول:

 

إن الهوان هو الهوى قلب اسمه

 

 

 

 

 

 

 

 

فإذا هويت فقد لقيت هوانا

 

 

 

وسئل ابن المقفع ([18]) عن الهوى فقال: «هوان سرقت نونه».

 

فنظمه شاعر فقال:

 

نون الهوان من الهوى مسروقة

 

 

 

 

 

 

 

 

فإذا هويت فقد لقيت هوانًا ([19])

 

 

 

ويقول الإمام الشافعي:

 

إذا حار أمرك في معنيين

 

 

 

 

 

 

 

 

ولم تدر حيث الخطا والصواب

 

فخالف هواك فإن الهوى

 

 

 

 

 

 

 

 

يقود النفوس إلى ما يعاب ([20])

 

 

 

ويقول أبو العتاهية:

 

خالف هواك إذا دعاك لريبة

 

 

 

 

 

 

 

 

فَلرب خيرٍ في مخالفة الهوى ([21])

 

 

 

وقال آخر:

 

يا عاقلاً أردى الهوى عقله

 

 

 

 

 

 

 

 

ما لك قد سدت عليك الأمور

 

أتجعل العقل أسير الهوى

 

 

 

 

 

 

 

 

وإنما العقل عليه أمير ([22])

 

 

 

فاعلم عبد الله أن الإنسان إذا انقاد واتبع شهوته فإن ذلك يجعله في صفوف الحيوانات والبهائم، وتجلب له الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولذلك يقول الله – جل وعلا – عن الذي نهى نفسه عن الهوى - اقرأ ما يقول جل وعلا: }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{ فما هو جزاؤه؟! قال تعالى: }فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{ [النازعات: 41].

 

فكان هذا هو جزاؤه فأنعم به وأكرم من جزاء؛ جعلني الله – وإياك – من أهل الجنة؛ فأثر الهوى على الفرد خطير؛ فهو يوقعه في المهالك والهوان، وكذلك المجتمع؛ فإنما هو مجموعة أفراد، فيصبح كما قال الجاحظ «أن متبع هواه بالبهائم أشبه من الناس؛ لأن أغراضه وما يطلبه لا يكون إلا لاتباع شهوته ولذته فقط، ومن يكون بهذه الصفة يقل حياؤه ويكثر خرقه»([23]).

 

ويستوحش من أهل الفضل، ويبغض أهل العلم، ويودّ أصحاب الفجور، ويستحب الفواحش، ويسر بمعاشرة السخفاء، ويغلب عليه العزل وكثرة اللهو، فمحب اللذة إذا تعذرت عليه الأحوال من وجوهها جرّته شهوته إلى اكتسابها من غير وجهها ومن تنتهي به شهوته إلى هذا الحد فهو أسوأ الناس حالاً ويصبح من الأشرار الذين يخاف خبثهم ويصير واجبًا على متولي السياسات تقويمهم وتأديبهم وإبعادهم ونفيهم حتى لا يختلطوا بالناس ([24]).

 

ومن خلال ما قرأت أخي الكريم يتضح لك جليًّا سبب الهوى وانقياد المرء له وأن أكبر سبب في ذلك هو البعد عن الله – جل وعلا – والانغماس في الذنوب والمعاصي واتباع الشهوات والنفس الأمارة بالسوء وغير ذلك من أمثال مصاحبة أهل الأهواء ومن ابتلى باتباع هواه والانقياد لملذاته وشهواته ومجاراتهم في ذلك.

 

ومن البلاء وللبلاء علامة

 

 

 

 

 

 

أن لا يرى عن هواك نزوغ

 

وأسوق إليك كلامًا قيمًا لابن القيم رحمه الله في ذلك([25])؛ إذ يقول رحمه الله: «فإن قيل: كيف التخلص من هذا (اتباع الهوى) مَنْ قد وقع فيه؟

 

قيل: يمكنه التخلص بعون الله وتوفيقه له بأمور:

 

أحدها: عزيمة حر يغار لنفسه وعليها.

 

الثاني: جرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها.

 

الثالث: قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة والشجاعة كلها صبر ساعة، وخير عيش أدركه العبد بصبره.

 

الرابع: إيثار لذة العفة وعزّتها وحلاوتها على لذة المعصية.

 

الخامس: فرحه بغلبة عدوه ورده خاسئًا بغيظه وغمه وهمه حيث لم ينل منه أمنيته والله يحب من عبده أن يراغم عدوه ويغيظه.

 

قال تعالى: }وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ{ [التوبة: 120].

 

السادس: التفكر في أنه لم يخلق للهوى، وإنما خلق لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصية الهوى.

 

السابع: أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إلا من باب هواه.

 

الثامن: أن الله – جل وعلا – جعل الهوى مضادًا لما أنزله الله على رسوله وقسم الناس إلى قسمين: أتباع الوحي، وأتباع الهوى قال تعالى: }فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ{ [القصص: 50].

 

التاسع: أن مخالفة الهوى توجب شرف الدنيا وشرف الآخرة وعزّ الظاهر والباطن.

 

العاشر: أنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله – جل وعلا – في ظل عرشه وجدتهم إنما نالوا ذلك الفضل بمخالفة الهوى ([26]).

 

 

 

* * *

 

قسوة القلب

 

لغةً: قال ابن فارس – رحمه الله: القاف والسين والحرف المعتل في كلمة (قسو) يدل على شدة وصلابة ([27]).

 

والقسوة غلظ القلب، وهي قسوة الحجر؛ فتأويل القسوة في القلب ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه ([28]).

 

واصطلاحًا: قال المناوي – رحمه الله : القسوة: غلظ القلب.

 

وقال العز بن عبد السلام: القسوة تصلب القلب ونبوته عن اتباع الحق ورقته (أي القلب) ولينهُ بخلاف ذلك.

 

وقال الجاحظ: القساوة هي التهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى، وهي خلق مركب من البغض والشجاعة ([29]).

 

فالقسوة داء دوي ومرض خطير – أسأل الله أن يجيرني والقارئ الكريم منه – كيف وقاسي القلب لا موعظة تؤثر فيه، ولا دمعة تخرج من عينيه؛ كيف وقاسي القلب لا يرحم صغيرًا، ولا يراعي في الله حرمة، ويعيش في تيه وظلمة؛ فهو مرض خبيث يقعد عن الخير ويصد عن الهداية حتى يضرب الشر بأطنابه وتغرق الفطرة في بحر الشهوات، فإذا قسَا القلب – عياذًا بالله – فهو علامة مرض القلب وإيذان بتتابع الأمراض عليه – ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ذم القسوة في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم:

 

لقد ذم الله – عز وجل – في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد قسوة القلب فقال تعالى: }فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ{ [الزمر: 22].

 

وذم الله بني إسرائيل عندما اختبروا وابتلوا في مدى الطاعة والاستجابة فما ازدادوا إلا لجاجة فقست قلوبهم، فقال الله عنهم: }ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً{ [البقرة: 74].

 

وقال تعالى: }أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ{

[الحديد: 16].

 

وحذر النبي r من قسوة القلوب؛ ففي الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله r أنه قال: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي»([30]).

 

وجاء عن سلف هذه الأمة أبرّها قلوبًا وأقلّها تكلفًا ما يَذُمُّ قسوةَ القلب؛ فهذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يبعث إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاث مائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال رضي الله عنه: «أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم»([31]).

 

وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: «إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابًا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم واستلذته، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم فقالوا: تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، ومن كره أن يتابعنا قتلناه ففعلوا ذلك»([32]).

 

وقال مالك بن دينار: «ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب»([33]).

 

ولعلك بعد ذلك تتساءل أيها القارئ الكريم عن أسباب قسوة القلب، فأقول وبالله التوفيق: أسبابها كثيرة – ولا حول ولا قوة إلا بالله – ومنها ([34]):

 

1- كثرة الكلام بغير ذكر الله كما في حديث عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال r: «لا تكثروا الكلام بغير الله»([35]).

 

2- ومنها: نقض العهد مع الله – عز وجل ، قال تعالى: }فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً{([36]).

 

قال ابن عقيل يومًا في موعظة: «يا من يجد في قلبه قسوة احذر أن تكون نقضت عهدًا مع ربك فإن الله يقول: }فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ{».

 

3- ومنها: كثرة الضحك؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال r: «كثرة الضحك تميت القلب»([37]).

 

4- ومنها: سماع الغناء، وهي ظاهرة خطيرة محرمة تهاون المسلمون فيها؛ فما عاد بيت يخلو منها – إلا من رحم الله – بل وأصحابها يجاهرون بها، ويرفعون أصواتهم، ويزعجون المسلمين، وتعلّقت القلوب بها فقست – ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

5- ومنها: كثرة الذنوب؛ قال تعالى: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{. [المطففين: 14].

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي r قال: «إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{»([38]).

 

قال يحيى بن معاذ: «ما جفّت الدموع إلا لقساوة القلوب، وما قَسَّتِ القلوب إلا كثرة الذنوب، ولا كثَّرت الذنوب إلا كثرة العيوب».

 

ومن هذا وغيره يتضح لنا أن قسوة القلب لها مضار على الفرد والمجتمع وتأثير خطير، ومن تلك الآثار والمضار أنها: تذهب اللين والرحمة والخشوع من القلب، وصاحبها بعيد من الله بعيد من الناس؛ بل إن القسوة تزيل النعم، وتحل النقم، وتؤدي إلى تفرق المسلمين وطمع العدو فيهم في وقت المسلمون أحوج ما يكونون فيه من تآلف ومحبة ووئام ورحمة وجمع للكلمة وتوحيد للصف.

 

وأخيرًا وبعد أن عُرف المرض وأعراضه وأضراره بقي العلاج؛ فما من داء إلا وأنزل الله له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله.

 

ومن علاج قسوة القلوب:

 

أولاً: ذكر الله – عزّ وجل ؛ قال تعالى: }أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28].

 

وشكا رجل إلى الحسن قسوة قلبه فقال له رحمه الله: «أدنه من الذكر»([39]).

 

وقال يحيى بن معاذ: «دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السَّحَر، ومجالسة الصالحين»([40]).

 

وجاء عنه r: «إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد». قيل: فما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: «تلاوة كتاب الله وكثرة ذكره»([41]).

 

ثانيًا: الإحسان إلى اليتامى والمساكين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله r قسوة قلبه فقال له: «إن أحببت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم وأطعم المسكين»([42]).

 

وسأل رجل الإمام أحمد فقال: يا أبا عبد الله، كيف يرق قلبي؟ قال له: «امسح رأس اليتيم».

 

ثالثًا: زيارة المقابر، وهذه سنة تكاد أن تهجر؛ بل قل: قد هجرت إلا ممن رحم الله – عز وجل ؛ فما عاد أحد يدخل المقبرة ويزور المقابر إلا عند دفن قريب أو عزيز؛ أما غير ذلك فهو من قليل؛ فأسأل الله أن يرحم الحال، ولذلك تعلقت القلوب بالدنيا، ومالت إليها، والنبي r يقول: «نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر الموت»([43]).

 

وفي زيارة القبور فوائد منها: تُذكر الموت، تُقصر الأمل، وتُرقق القلب، وتُورث الخشية.

 

وذكر ابن أبي الدنيا عن محمد بن صالح التمار قال أنَّ صفوان بن سليمان كان يأتي البقيع فيمر به ويراه، ثم قرَّرَ محمد التمار يومًا أن يتبعه؛ ففي كل مرة يجلس إلى قبر ويبكي، يقول: فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر فقال ابن المنكدر: «إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات، كلما عرضت له قسوة»([44]).

 

وقال زياد النميري أحد الصالحين: «ما اشتقت إلى البكاء إلا مررت عليه، قال له رجل: وكيف ذلك؟ قال: إذا أردت ذلك خرجت إلى المقابر فجلست إلى بعض تلك القبور، ثم فكرت فيما صاروا إليه من البلى، وذكرت ما نحن فيه من المهلة. قال: فعند ذلك تختفي أطواري»([45]).

 

رابعًا: أكل الحلال: فكيف يكون في قلبه رقة وخشية من الله – عز وجل – وهو يرتكب ما حرم الله على عباد الله فيأكل أموال الناس بالباطل والحلف والكذب، وما اتقى الله – عز وجل – حق التقوى، ولا استحيا منه حق الحياء، ولذلك تحري الحلال ضروري للمسلم بل فرض كما قال أهل العلم رحمهم الله.

 

يقول ابن قدامة – رحمه الله: «اعلم أن طلب الحلال فرض على كل مسلم»([46]).

 

يقول تعالى: }يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا{ [المؤمنون: 51].

 

ويقول رسول الله r: «إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين»([47]).

 

وقد كان السلف الصالح رحمهم الله ورضي عنهم في الحلال ويدققون فيه.

 

فتأمل صدِّيق الأمة رضي الله عنه، تقول عائشة – رضي الله عنهما: «كان لأبي غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاءه يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر فقال الغلام: أتدري ما هذا؟ قال: وما هو؟ قالت: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه»([48]).

 

وسئل الإمام أحمد – رحمه الله – بم تلين القلوب؟ قال: «يا بني، بأكل الحلال».

 

* * *

 

الحقد

 

مرض قلبي خطير يدل على الضغن والكره والبغض ([49])، وهو أصل الحسد كما يرى أهل العلم – يرحمهم الله ؛ فالحسد متولد من هذا الداء، وهو كذلك ثمرة الغضب؛ فهو حامل للصفات الذميمة التي توقع صاحبها في المهالك.

 

لغةً: قل ابن منظور – رحمه الله : الحقد إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها، والحقد الضغن؛ وهو الحقيدة، والجمع حقائد؛ قال أبو صخر الهذلي:

 

وعد إلى قوم تجيش صدورهم

 

 

 

 

 

 

بغشي لا يخفون حمل الحقائد

 

ورجل حقود: كثير الحقد. وقال الجوهري: الحقد: الضغن وجمعه أحقاد. يقال: حقَدَ عليه وحقد وأحقده غيره ([50]).

 

اصطلاحًا: قال الجرجاني – رحمه الله: الحقد: هو طلب الانتقام، وتحقيقه: أن الغضب إذا لزم كظمه بعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه صار حقدًا ([51]).

 

قال الجاحظ: الحقد هو إضمار الشر للجاني إذا لم يتمكن من الانتقام منه فأخفى ذلك الاعتقاد إلى وقت إمكان الفرصة ([52]).

 

سبب الحقد:

 

قال الغزالي – رحمه الله: إن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرضه بوجه من الوجوه أبغضه قلبه وغضب عليه ورسخ في قلبه الحقد عليه.

 

والحقد يقتضي التشفي والانتقام فإن عجز المبغض الحقود أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى من خصمه الزمان، وقد يحدث الحقد بسب خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله ([53]).

 

ولذلك ترى تقاربًا بين الحسد والحقد؛ لأنهما متلازمان؛ فيمكن أن تنطبق أسباب الحسد على أسباب الحقد؛ غير أن هناك اختلافًا يعرف بما ذكر هناك وما سيذكر هنا إن شاء الله.

 

 

 

* * *

 

ذم الحقد من الكتاب والسنة

 

وأقوال السلف الصالح

 

قال الله تعالى في محكم التنزيل: }يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ{ [التوبة: 64]؛ فدلت هذه الآية معنى أن المنافقين يحقدون على المسلمين، ولذلك كانوا يحذرون من أن يفضحوا ولكن فضحهم الله – عز وجل ، وسيفضح كل منافق بإذنه تعالى، والمتأمل في كتاب الله – عزّ وجل – لا يجد كلمة «حقد» في القرآن وإنما جاءت معنى، وكلها تدل على أن صاحبها صاحب خلق ذميم وقلب مريض ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتأمل معي أخي هذه الأحاديث النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم التي تدل على أن سلامة الصدر ومحبة الخير للمسلمين وعدم الحقد عليهم وحمل الضغينة عليهم ينال الإنسان بذلك الدرجات العالية والأجور الغالية ...

 

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كنا جلوسًا مع رسول الله r فقال: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة». فطلع رجل من الأنصار تنطفُ لحيته من وضوئه قد علّق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي r مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي r مثل مقالته أيضًا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي r تبعه عبد الله بن عمرو فقال: إني لاحيت ([54]) أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا؛ فإني رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي، فعلت؟ قال: نعم.

 

قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه يأتي معه تلك الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئًا؛ غير أنه إذا تعار – تقلب – على فراشه ذكر الله – عز وجل – وكبر حتى لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله r يقول لك ثلاث مرات: «يطلع عليكم رجل من أهل الجنة». فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك؛ فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله r؟

 

قال: ما هو إلا ما رأيت. فلما ولَّيت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك([55]).

 

ووجه الشاهد من الحديث كما قرأنا أنه رضي الله عنه ما كان يحمل في صدره غلاً ولا حقدًا ولا حسدًا على مسلم؛ فبلغت به هذه الأمور ما ذكر الصادق المصدوق فتأمل هذا الفضل من الله – عزّ وجلّ.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا»([56]).

 

وقال زيد بن أسلم – رضي الله عنه : دخلت على أبي دجانة وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟  فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين؛ كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي سليمًا ([57]).

 

قال ابن القيم رحمه الله: «من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهواته؛ إذ القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله تعالى بقدر تعلقها؛ القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها، وإذا غُذَّي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الدغل ([58]) رأى العجائب وألهم الحكمة»([59]).

 

وقال عنترة ([60]):

 

لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب

 

 

 

 

 

 

 

 

ولا ينال العلا من طبعه الغضب

 

 

 

دواء وعلاج الحقد:

 

أما علاج الحقد فيكمن أولاً في القضاء على أصله وهو الغضب، فإذا حدث ذلك الغضب ولم تتمكن من قمعه بالحلم وتذكُّر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما، فإن الشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا، وعليه أن يحذر نفسه عاقبة الانتقام، وليعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته وأنه سبحانه بيده الأمر والنهي لا رادَّ لقضائه ولا معقب لحكمه؛ هذا من ناحية العلم، أما العمل فإن عليه أن يكلف نفسه أن يصنع بالمحقود عليه عندما اقتضاه حقده فيتبدل الذم مدحًا والكبر تواضعًا وعليه أن يضع نفسه مكانه ويتذكر أنه يحب أن يُعامل بالرفق فيعامله كذلك ([61]).

 

مضار وآثار الحقد:

 

إن الحقد كما قرأت – أيها الكريم – داء دفين يفتك بالفرد والمجتمع وله عواقب وخيمة، والأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى ائتلاف أكثر من أحقاد بينها؛ كيف وأعداؤنا يتكالبون علينا من كل حدب وصوب ورئيسهم في ذلك إبليس - عليه لعنة الله ؛ إذ يقول النبي r: «إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»([62]).

 

قال بعض أهل العلم – يرحمهم الله : ليس أروح للمرأ ولا أطرد لهمومه، ولا أقرّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، ولذلك كان من دعائه r: «اللهم اهد قلبي واسلل سخيمة صدري»([63]).

 

إن الحقد هو المصدر الدفين من الرذائل التي رهّب منها الإسلام؛ فالافتراء على الأبرياء جريمة يدفع إليها الكره الشديد (الحقد)، وقد عدّها الإسلام من أكبر وأقبح الزور، أما الغيبة فهي متنفس حقد مكظوم وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظن وتتبع العورات، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم أو خصائصهم البدنية أو النفسية، وقد كره الإسلام ذلك كله كراهية شديدة، بل بغضها، بل وحرمها، وكان الأجدر بهم أن يتحولوا ويلجؤوا إلى ربهم يسألونه سبحانه وتعالى من فضله العظيم، وأن يجتهدوا حتى ينالوا ما ناله غيرهم؛ إذ خزائنه سبحانه ليست حكرًا على أحد، والتطلع إلى فضل الله – عز وجل – مع الأخذ بالأسباب هي العمل الوحيد المشروع عندما يرى فضل الله ينزل على شخص معين، وشتان ما بين الحسد والغبطة، وما بين الطموح والحقد([64]).

 

فيا من أتعب نفسه وأجهدها بحقده وغلَّه على إخوانه أقول لك: كفَّ عن هذا ودع الخلق للخالق، واعمل ليوم شديد حرُّه طويل مقامه وتذكر قول الله – عز وجل – على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام: }وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ [الشعراء: 87-89].

 

فاحرص على أن تلقى الله بقلب سليم؛ اللهم سَلِّم قلوبنا من الأمراض والأحقاد واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك رؤوف رحيم».

 

 

 

* * *

 

الحسد

 

وهو مرض لا يقل خطورة عن سابقيه؛ فكم أصيب به كثير من الناس على حين غفلة من التحصينات والأوراد الشرعية؛ فتناثرت جثث وهام، وتردت نفوس كرام، سلوا المقابر كم من قبور فيها ملئت بسبب هذا المرض والداء الفتاك «الحسد».

 

والحسد: كراهة النعم وحب زوالها عن المنعم عليه.

 

وقال الجرجاني – رحمه الله: «الحسد تمني نعمة المحسود إلى الحاسد»([65]).

 

وقال الماوردي – رحمه الله: «حقيقة الحسد شدة الأسى على الخيرات تكون للناس الأفاضل»([66]).

 

يقول الشيخ عطية سالم – رحمه الله: «أما حقيقة الحسد فيتعذر تعريفه منطقيًا»([67]).

 

ولقد ذم الله – تبارك وتعالى – الحسد في كتابه العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فقال تعالى: }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{ [الفلق: 1-4].

 

فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به تبارك وتعالى من شر الحاسدين، وأهل الكتاب حسدوا المسلمين على الإسلام؛ قال تعالى: }وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ{ [البقرة: 109].

 

فالحسد صفة من صفاتهم الخبيثة؛ ولذلك هم اليوم في كل رقعة من رقاع الأرض يذبحون المسلمين ويقتلونهم وينتهكون الأعراض، لأنهم يقولون ربنا الله وإن الله على نصرهم لقدير.

 

ولقد حذر النبي r من الحسد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا»([68]).

 

وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي r قال: «دب إليكم داء الأمم؛ الحسد والبغضاء؛ هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يُثبت ذلكم لكم، أفشوا السلام بينكم»([69]).

 

وقوله r: «لا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد»([70]).

 

ولقد ذم السلفُ الصالح - رضي الله عنهم ورحمهم - الحسد، وعَدُّوه خلقًا ذميمًا وداءً خبيثًا وذنبًا عظيمًا، وعملوا واجتهدوا على تنقية قلوبهم مما يشوبها من أمراض، ومنها: «الحسد»؛ فهذا معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – يقول: «ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود»، وقال رضي الله عنه: «كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها»، ولذلك قيل:

 

كل العداوات قد ترجى إماتتها

 

 

 

 

 

 

 

 

إلا عداوة من عاداك عن حسد ([71])

 

 

 

يقول الحسن البصري رحمه الله: «يا ابن آدم لِمَ تحسد أخاك؟ فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلم تحسد من أكرمه الله؟! وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار؟!».

 

الله أكبر؛ فما أجمله من كلام؛ فالحسن رحمه الله قال العلماء: كلامه فيه من كلام النبوة. قلت: كيف لا وهو تربى في بيت النبوة – رحمة الله عليه.

 

وقال بعض السلف: «الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء - يعني حسد إبليس عليه السلام - وأول ذنب عصي الله به في الأرض - يعني حسد قابيل لأخيه هابيل حتى قتله»([72]).

 

ولقد عدَّ أهل العلم الحسد من الكبائر، ومنهم ابن حجر رحمه الله ([73]).

 

وكان للشعراء نصيب في شعرهم في بغض الحسود والتحذير من شره ودائه؛ فهذا ابن المعتز يقول:

 

اصبر على كيد الحسود

 

 

 

 

 

 

فإن صبرك قاتله

 

فالنار تأكل بعضها

 

 

 

 

 

 

إن لم تجد ما تأكله ([74])

 

وقال آخر:

 

يا حاسدًا لي على نعمتي

 

 

 

 

 

 

 

 

أتدري على من أسأت الأدب

 

أسأت على الله في حكمه

 

 

 

 

 

 

 

 

لأنك لم ترضى لي ما وهب

 

فأخزاك ربي بأن زادني

 

 

 

 

 

 

 

 

وسد عليك وجوه الطلب ([75])

 

 

 

 

 

وقال الإمام الشافعي – رحمه الله – في مداراة الحسود:

 

وداريت كل الناس لكن حاسدي

 

 

 

 

 

 

 

 

مداراته عزَّت وعزَّ منالها

 

وكيف يداري المرء حاسد نعمة

 

 

 

 

 

 

 

 

إذا كان لا يرضيه إلا زوالها ([76])

 

 

 

الفرق بين الحسد والغبطة:

 

اعلم – رحمني الله وإياك – أن هناك فرقًا بين الحسد والغبطة، وعلى المسلم الحصيف أن يكون على علم ودراية بهما؛ فالحسد كما علمت داء وشر ونقمة، أما الغبطة فهي ما جاءت على لسان رسول الله r في الحديث الشريف: «لا حسد إلا في اثنتين»([77])، وذكر الرجل ينفق ماله في سبيل الله، وقارئ القرآن الذي يتلوه آناء الليل وأطراف النهار؛ فهذان من يحسدهما يسمى «غبطة»؛ أي أنه يتمنى أن يكون لديه ما لدى أخيه المسلم من خير وفضل دون تمني زوال النعمة أو يرزأ صاحب النعمة في نعمته.

 

وقال بعض أهل العلم – رحمهم الله – أن الغبطة صفة المؤمن والحسد صفة المنافق.

 

دواعي الحسد:

 

ذكر الإمام الماوردي – رحمه الله – أن دواعي الحسد ثلاث([78]):

 

أ- بغض المحسود؛ فيأسى عليه بفضيلة تظهر أو مَنْقبة تُشكر؛ فيثير حسدًا قد خامر بغضًا، وهذا النوع لا يكون عامًا، وإن كان أضرَّها؛ لأنه ليس يبغض كل الناس، ولذلك ذكر الله – عز وجل – عن أعداء الدين - وخاصة اليهود والنصارى - أنهم تسوؤهم ويتحسرون إذا رأوا المسلمين في فضل ومنعة؛ وما ذلك إلا لأنهم يحسدوننا على نعمة الإسلام العظيمة التي ما قدرناها حق قدرها؛ إلا من حرم الله، ولذلك يقول تعالى: }إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا{ [آل عمران: 120].

 

2- أن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه فيه واختصاصه به  فيثير ذلك حسدًا.

 

3- أن يكون في الحاسد شح بالفضائل وبخل بالنعم فيسخط على الله – عز وجل – في قضائه ويحسد ما منح من عطائه لغيره وإن كانت نعم الله عنده أكثر ومنحه عليه أظهر، وهذا النوع من أخبث الحسد.

 

4- إعجاب الحاسد بنفسه كما قال إبليس معللاً لامتناعه من السجود: }أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ{ [الأعراف: 12].

 

دواء الحسد:

 

وهنا أتحدث عن كيفية معالجة هذا المرض الخبيث «الحسد»؛ بحيث لا يكون المرء مفسدًا لنفسه وعلى أخيه؛ بل وعلى مجتمعه؛ بل ويقي نفسه من حسرات وآهات وتألم وعيش في صراع بعيد عن الله – عز وجل – منشغلاً بالدنيا لاهٍ عن ذكر الله؛ ومنها:

 

1- اللجوء إلى الله والاعتصام به سبحانه وتعالى؛ فهو من أنجح الأدوية.

 

2- أن يرضى بقضاء الله وقدره وما قسمه الله له ولا يرى أن يغالب قضاء الله فيرجع مغلوبًا؛ ولا أن يعارضه في أمره فيردّ محرومًا مسلوبًا.

 

3- أن يتفكر في زوال هذه الدنيا، وأنها لا تبقى على حال، وأن ما يملكه هو أو غيره سيزول؛ فنهاية كل حي الموت.

 

4- أن يشتغل بمعالي الأمور ويشغل نفسه بطاعة الله – عز وجل ؛ ففي ذلك صرفٌ عن تتبع الناس.

 

5- القراءة في سير الصالحين ونظرتهم إلى الدنيا، وتنافسهم من أجل الآخرة والفوز برضوان الله – عز وجل.

 

6- أن يعلم صاحب هذا المرض أنه ممقوت عند الله تبارك وتعالى منبوذ عند خلقه لا يسود ولا يقود.

 

مضار الحسد وآثاره على الفرد والمجتمع ([79]):

 

1- إسخاط الله تعالى في معارضته واجتناب الأوزار في مخالفته؛ إذ ليس يرى قضاء الله عدلاً ولا لنعمة من الناس أهلاً.

 

2- حسرات النفس وسقام الجسد، ثم لا يجد لحسرته انتهاء ولا يؤمل لسقامه شفاء.

 

3- مقت الناس له؛ حتى لا يجد فيهم محبًا، وعداوتهم له حتى لا يرى فيهم وليًا؛ فيصير بالعداوة مأثورًا وبالمقت مزجورًا.

 

4- جالب للنقم ومزيل للنعم.

 

5- يوجد الحقد والضغينة في القلب، ودليل على سفول ودناءة النفس.

 

* * *

 

مبحث متفرع

 

أحببت أن أفرد هذا المبحث أيها القارئ الكريم؛ وذلك لأهميته ولأنه جزء من حديثنا السابق؛ فهو داء متولد عن داء، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ذلك هو «العين»، والعين حق كما قال r ([80])؛ فكم من الشرور وقعت من هذه العين – بقدر الله! تَفَكُّك أُسَرِيٍّ، وهدمٍ للمنازل، وإهلاكٍ للحرث والنسل، كم عانى منها مسلم طوال حياته حتى أدخل قبره! بل كم رقد على السرير لا حراك به، وغير ذلك كثير مما يندى له الجبين من واقعنا الأليم؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنك لتعجب من أقوام يفخرون بأن يؤذوا إخوانهم المسلمين بأعينهم؛ بل ويتنافسون في ذلك ويظنون أن هذا شرفًا ورفعة وقوة ومنعة، وما دروا أولئك المساكين – بل المفسدين – أنهم ارتكبوا إثمًا وضللوا على عباد الله بأفعالهم وأقوالهم؛ فأسأل الله أن يكون في هذا المبحث بلاغٌ وذِكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

 

يقول الشيخ عطية سالم – رحمه الله:([81]) يقال في الحسد: حاسد. وفي العين: عائن. ويشتركان في الأثر ويختلفان في الوسيلة والمنطق؛ فالحاسد: قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه ... ([82]).

 

والعائن: لا يعين إلا ما يراه، والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين، وقد يعين ما يكره أن يصاب منه بأذى؛ كولده وماله، ومن هنا يتبين الفرق بين الحسد والعين.

 

خطورة العين ([83]):

 

1- أكثر ساكني المقابر فيها: عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله r: «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس؛ يعني العين» [السلسة الصحيحة رقم 747].

 

2- تُدخل الرجلَ القبر والجمَلَ القدرَ: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «العين تُدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر» [صحيح الجامع: (4023/4).

 

وقال المناوي – رحمه الله: «تدخل الرجل القبر: أي تقتله فيدفن في القبر، وتدخل الجمل القدر: أي إذا أصابته أو أشرف على الموت ذبحه مالكه وطبخه في القدر».

 

3- تكاد تسبق القَدَر: عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله r: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استُغسلتُم فاغسلوا». [رواه مسلم/ باب الطيب].

 

4- سرعة تأثيرها في أجساد الأطفال: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «رخص النبي r لآل حزمٍ في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: «مالي أرى أجساد بني أخي ضارعة يصيبهم الحاجة؟ قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم. فقال: «ارقيهم». قالت: فعرضت عليه فقال: «ارقيهم». [صحيح مسلم: 2198].

 

5- الجن يعينون كذلك: فعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي r رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: «استرقوا لها؛ فإن بها النظرة». [البخاري مع الفتح 11/372].

 

والسفعة: نظرة؛ يعني من الجن.

 

قال ابن القيم – رحمه الله – في الهدي: «العين عينان: عين إنسية، وعين جنية»؛

 

لذلك كان من حكمة الشارع الحكيم – جل وعلا – أن شرع للمسلم ذكره تعالى في كثير من المواطن ليتقي بها شر أعين الجان وأذاهم؛ ومنها المواطن التي تنزع فيها الثياب؛ كدخول الخلاء؛ قال r: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث». [متفق عليه].

 

وعند إتيان الزوجة (الجماع) فقد شرع للمسلم أن يقول: «بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا». [صحيح البخاري 6/141].

 

وكذلك عند دخول المنزل وغير ذلك؛ ومن هنا فاحرص أخي الكريم على ذكر الله – عز وجل – على الدوام؛ بل ولا يزال لسانك رطبًا بذكره – جل وعلا؛ فالنبي r يقول: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت»([84])، فاختر لنفسك أن تكون من أي صنف، وداوم على ذكر الله حتى يحفظك الله من أعين الإنس والجن.

 

أسباب الوقاية من شر العين ([85]):

 

1- التعوذ بالله من شر العائن، والتحصن به سبحانه واللجوء إليه.

 

2- تقوى الله – عز وجل – وحفظه عند أمره ونهيه؛ فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره.

 

3- التوكل على الله؛ فمن توكل على الله فهو حسبه، والتوكُّل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم.

 

4- التوبة إلى الله – عز وجل – من الذنوب التي سلَّطَت عليه أعداءه من الحساد؛ فإن الله تعالى يقول: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{ [الشورى: 30].

 

5- الصدقة والإحسان ما أمكنه؛ فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ودفع العين وشر الحاسد، ولو لم يكن في ذلك إلا تجارب الأمم قديمًا وحديثًا لكفى به، فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها ولا عرَّضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله، وهو كفران النعمة، وهو باب إلى كفران المُنعم.

 

6- وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقِّها عليها، ولا يوفَّق له إلا من عظُمَ حظُّه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذن بالإحسان إليه؛ فكلما ازداد أذى وشرًا وبغيًا وحسدًا ازددت إليه إحسانًا وله نصيحة، وعليه شفقة، وما أظنك تصدق أن هذا فضلاً عن أن تتعاطاه؛ فاستمع الآن إلى قوله تعالى: }وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{ [فصلت: 34].

 

علاج العين بعد إصابتها:

 

فإذا عرفت العائن الذي أصاب بعينه فحمدًا لله وشكرًا فاذهب إليه أو ادعه ثم اجعله يغتسل، وجاءت صفة الغسل في كتب أهل العلم – رحمهم الله – متعددة، أذكر هنا ما جاء في حديث سهل بن حنيف أن رسول الله r دعا عامر بن ربيعة وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه، ألا بَرَّكْتَ، اغتسل له». فغسل عامر رضي الله عنه - وهنا وجه الشاهد - وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح، ثم صبَّ على سهل، فقام ليس به بأس رضي الله عن الجميع ([86]).

 

وهنا أودّ أن أشير إلى أمر دلَّ عليه هذا الحديث الشريف؛ وهو أمر الاغتسال؛ فبعض الناس قد يتضجر إذا قيل له اغتسل لأخيك؛ فقد تجد عبارات منه؛ كأن يقول: «وعلى أي شيء أحسده؛ ما عنده شيء حتى أحسده عليه ...» وغير ذلك من العبارات؛ ولكن تأملوا معي في الحديث وانظروا إلى صحابة النبي r كيف يمتثلون لله ولرسوله r، ولذلك أقول: من دعي إلى أن يغتسل لأخيه مظنة أنه أصابه بعينه فلا بأس أن يغتسل؛ وذلك لأمور:

 

أولها: الأجر والمثوبة؛ لامتثال أمر النبي r: «وإذا استغسلتم فاغسلوا»([87]).

 

الثاني: إبراء للذمة فقد تكون أعنته دون قصد منك ودون أن تدري.

 

الثالث: وتطييب نفس أخيك المسلم وجبر لخاطره ودفع للغيبة عن نفسك ودرء للشبهة ... وإذا لم تعرف العائن فاقرأ وانفث على نفسك بهذه الرقى أو يرقيك غيرك فلا بأس ([88])، ومن هذه الرقى من كتاب الله – عز وجل؛ كسورة الفاتحة وآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، والقرآن كله شفاءٌ ورحمة من عند الله – عزّ وجلّ.

 

ومن سنة المصطفى r: «بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك».

 

- أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.

 

- اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته – اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك ([89]).

 

وغير ذلك من الأدعية والأوراد مما ثبت عنه r يحافظ عليها المسلم يحفظه الله – عز وجل – ما دام ذاكرًا له جل وعلا.

 

مسألة في حكم من قتل أو أتلف شيئًا بالعين ([90]):

 

قال ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري في كتاب الطب ما نصه: وقد اختلف في جريان القصاص بذلك. يعني بالعين.

 

فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئًا ضمنه، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرًا. اهـ.

 

ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك؛ بل منعوه وقالوا: إنه لا يقتل غالبًا ولا يعد مهلكًا.

 

وقال النووي في الروضة: ولا دية فيه ولا كفارة؛ لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له، كيف ولم يقع منه فعل أصلاً، وإنما غايته حسد وتمنٍّ لزوال نعمة، وأيضًا فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلك الشخص ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة؛ فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين. اهـ.

 

ولا يعكر ذلك إلا الحكم بقتل الساحر؛ فإنه في معناه، والفرق بينهما عسير، ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم: أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأنه يلزمه بيته؛ فإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به؛ فإن ضررَه أشدُّ من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس، وأشدُّ من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة.

 

قال النووي: وهذا القول صحيح متعين، لا يعرف عن غيره بخلافه. اهـ.

 

وبتأمل قول القرطبي والنووي بدقة لا يوجد بينهما خلاف في الأصل؛ إذ القرطبي يفيد كلامه بما يتكرر منه بحيث يصير عادة له.

 

والنووي يقول: إنه لا يقتل غالبًا. وعليه فلو ثبت أنه يقتل غالبًا وتكرر منه ذلك، فإنه يتفق مع كلام القرطبي تمامًا في أن ما أتلف بعينه وكان معتادًا فهو ضامن. وهذا معقول المعنى والله أعلم ([91]).

 

وختامًا أيها الحاسد أو العائن أقول لك: اتق الله – عز وجل – اتق الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، اتق الله ولا تسخط على أقدار الله ولا تكفر بنعمة الله عليك، لماذا تنظر إلى من فوقك في الدنيا لتنافسهم وتحاسدهم ولا تنظر لمن هم فوقك في العلم والدين فتزاحمهم، لماذا تزاحم وتجاهد من أجل دنيا فانية وأجساد بالية، ولا تزاحم لرفع درجاتك في الآخرة، لماذا تنظر على من هم أكثر من مالك أو هم أعلى من منصبك ولا تنظر إلى من صلى أكثر منك وصام أفضل منك ونال أكثر مما نلت؟ فاتق الله واعلم أن كل واحد في هذه الدنيا مما أعطي أو أخذ منه فإنما هو بعطاء من الله بقدر سابق وقضاء لازم؛ قال تعالى: }نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{ [الزخرف: 32]، واعمل على مجاهدة نفسك ضد نوازع الحسد فإن رأيت ذا نعمة فازدردته عينك فحاول تقديره وخدمته، وإن أعجبت بنفسك فردها إلى التواضع وإظهار العجز والافتقار، والله الهادي إلى سواء السبيل، ولا تنس قول: «ما شاء الله لا قوة إلا بالله».

 

 

 

* * *

 

 

 

العجب

 

لغة: قال ابن منظور – رحمه الله: «الزهو، ورجل معجب مزهو بما يكون منه حسنًا أو قبيحًا».

 

وقيل: العجْب فضلة من الحمق. وأما العجَب - بتحريك الجيم المعجمة - فهو: إنكار ما يرد عليك؛ لقلة اعتياده، وأصله في اللغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله قال: قد عجبت من كذا. وإنما يتعجب الإنسان من الشيء إذا عظم موقعه عنده، وخفي عليه سببه ([92]).

 

اصطلاحًا: هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المُنعم – عز وجل - ([93]).

 

وقال القرطبي: «إعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لما يعين الكمال مع نسيان نعمة الله فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم»([94]).

 

وسُئل ابن المبارك رحمه الله عن العجب: قال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك، لا أعلم في المصلين شيئًا شرًا من العجب ([95]).

 

الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح – رحمهم الله – في ذم العجب:

 

فمن الكتاب: قوله تعالى: }لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ{؛ أي: إذا رأوا أنهم كثيرون ولن يغلبوا من قلة فلم تفدهم هذه الكثرة، وعندما لجؤوا بالله كان لهم النصر والتمكين ([96]).

 

وقوله تعالى حكاية عن صاحب الجنتين: }وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا{. فرأى نفسه وافتخر وأعجب بذلك فكان لجنتيه ما كان معلوم في هذه الآيات؛ نتيجة عجبه وافتخاره ونكران فضل الله عليه.

 

ومن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل ([97]) إلى يوم القيامة»([98]).

 

وعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ{؟ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا؛ سألت رسول الله r فقال: «بل ائتمروا بمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوىً متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك – يعني بنفسك – ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر؛ الصبر فيه مثل قبض على الجمر؛ للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله»([99]). وزادني غيره قال: يا رسول الله أجر خمسين منهم. قال: أجر خمسين منكم.

 

وروي عن ابن مسعود – رحمه الله: «لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحبّ إليَّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا»([100]).

 

وعن مسروق – رحمه الله – قال: «كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله».

 

ومرَّ بالحسن البصري – رحمه الله – شابّ عليه بزة له حسنة فدعاه فقال له: «ابن آدم معجب بشبابه محب لشمائله، كأن القبر قد وارى بدنك، وكأنك قد لاقيت عملك، ويحك؛ داو قلبك؛ فإن مراد الله من العباد صلاح قلوبهم»([101]).

 

الفرق بين العجب والكبر:

 

ذهب كثير من العلماء – رحمهم الله – إلى أنه لا فرق بين هذين المرضين، وأنهما شيء واحد، وذهب المحققون إلى أن بينهما فرقًا؛ لأن الكِبْر خلق باطن يصدر عنه أعمال ومنها: رؤية النفس فوق المتكبر عليه، والعُجب يُتصور ولو لم يكن أحد غير المعجب.

 

وقال الماوردي – رحمه الله: «الكبر يكون بالمنزلة والعجب بالفضيلة؛ فالمتكبر يجل نفسه عن رتبة المتعلمين، والمعجب يستكثر نفسه عن استزادة المتأدبين»([102])، ويرى آخرون أن الكبر متولد من العجب وكلاهما هلاك ووبال والله المستعان.

 

منشأ العجب:

 

قال الغزالي – رحمه الله: «علة العجب الجهل المحض»([103]). قلت: وقلَّة الإيمان التي تجعل الإنسان يعتز ويمتن، ويرى نفسه فوق الآخرين؛ كذلك فساد النية؛ وهذا أمر خطير، وكم من حقوق وواجبات ضيعت من أجل ذلك – ولا حول ولا قوة إلا بالله – وأول منشئ لذلك هو مرض القلب وعميانه.

 

آثار العجب على الفرد والمجتمع:

 

إن للعجب آثارًا خطيرة على الفرد؛ وإن لم يكن من آثاره إلا أن يظهر على صاحبه الكبر لكفى به خطرًا وعظمًا، ورحم الله الإمام الذهبي إذ يقول: «لا أفلح والله من زكى نفسه أو أعجبته»([104])، ثم تذكر يا عبد الله: أين العمل حتى يعجب الواحد منا - والله المستعان ؟! أين قيام الليل؟! وصيام النهار؟! أين نحن من خير البشر r الذي كانت تتفطر قدماه في قيام الليل وغير ذلك من أعماله إلا أنه كان من المتواضعين المخبتين لله – عز وجل؟! أين أنا وأنت من أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال للنبي r يومًا عندما سأله: ما تركت لأهلك؟! قال: «تركت لهم الله ورسوله». فرضي الله عنك يا أبا بكر؛ ما أُعجب بنفسه يومًا، ولا رأى أنه أعلى من غيره؛ قال رضي الله عنه يوم خلافته: «أيها الناس؛ إني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم».

 

واليوم.. الواحد منا لو أنفق قليلاً أو قام ليلاً أو صام نهارًا أو ... أو ... لظنَّ نفسه أتقى خلق الله على البسيطة – ولا حول ولا قوة إلا بالله - ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: «إذا خفت على عملك العجب، فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب؛ فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله».

 

فنسأل الله أن يرحم الحال ويحسن لنا الختام.

 

العجب يؤدي إلى نسيان الذنوب وإرجاء التوبة ويؤدي إلى التقليل من الطاعات والتقصير فيها وهذا له أثره على النفس، وأثره على المجتمع، العجب بالرأي يؤدي إلى الإصرار على الخطأ والبعد عن الإفادة من مشورة المخلصين والعلماء الناصحين؛ بل العجب يؤدي إلى الغرور والتعالي على الناس؛ مما يجعله مكروهًا منبوذًا وإن كان صاحب علم وعمل ([105]).

 

علاج العجب:

 

إلى كل من أعجب بعمله أو بعلمه أو بنفسه أو غير ذلك، أسأل الله لي وله العفو والعافية، وأن يستر عيوبنا؛ أقول له: مهلًا يا عبد الله واستيقظ من سباتك فغيرك وهم سادات الصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا يخافون الآخرة ولم يعجبوا بأعمالهم؛ لأنهم عرفوا الله وقدروه حق قدره؛ فإذا كان هذا حالهم فكيف يتكل من ليس في مثل مراتبهم؟ بل تأمل قول معلمهم r إذ يقول: «لن يُدْخِلَ أحدًا منكم عملُه الجنةَ». قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»([106]).

 

والآن نترك المجال للإمام ابن حزم – رحمه الله – ليصف لنا علاج العجب؛ إذ يقول: «من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه فإن أعجب بفضائله، فليمتحن ما فيه من الأخلاق الدنيئة، فإن خفيت عليه عيوبه جملةً حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه أتم الناس نقصًا، وأعظمهم عيوبًا، وأضعفهم تمييزًا، وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل؛ فإن أعجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها، وفي كل رأي قدرته صوابًا فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك وأخطأت أنت، فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك صوابه، فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك وهكذا كل أحد من الناس بعد([107]) النبيين صلوات الله عليهم».

 

وإن أعجبت بعملك فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه؛ فوالله لتجدنَّ من ذلك ما يغلب على خيرك، ويعفي على حسناتك؛ فليطل همك حينئذ، وأبدل من العجب تنقصًا لنفسك، وإن أعجبت بعملك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك تعالى؛ فلا تقابلها بما يسخطه؛ فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولَّد عليك نسيان ما عملت وحفظت، ولقد أخبرني عبد بن طريف – وهو من أهل العلم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث – أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم، لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته، وأنه ركب البحر فمرَّ به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ، وأخل بقوة حفظه إخلالاً شديدًا، لم يعاوده ذلك الذكاء بعد ...

 

ويقول ابن حزم عن نفسه: «وأنا أصابني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظه إلا ما لا قدر له فما عاودته إلا بعد أعوام، ثم تذكر وتفكر أيضًا في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم، وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيرًا، فلتهن نفسك عندك حينئذ»..

 

إلى أن قال – رحمه الله: فإن استحقرت عيوبك ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس وتمثل اطلاعهم عليها؛ فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مُسكة ([108]) من تمييز ([109]).

 

 

 

 

 

* * *

 

 

 

الكبر

 

لغة: قال ابن منظور – رحمه الله([110]): الكبر بالكسر (كسر الكاف المهملة): الكبرياء. والكبر: العظمة والتجبر. وقيل: الرَّفعة في الشرف. وقيل: هي عبارة عن كمال الذات، ولا يوصف بها إلا الله تعالى.

 

يقال: تكبَّر، واستكبر، وتكابر. وقيل: تكبر من الكبْر، وتكابر من السن. والتكبر والاستكبار: التعظيم، وقوله تعالى: }سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ{

[الأعراف: 146].

 

قال الزجاج: أي اجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي. قال: ومعنى يتكبرون: أي أنهم يرون أنهم أفضل الخلق، وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وهذه الصفة لا تكون إلا لله خاصة؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد مثله.

 

واصطلاحًا: ما قال r في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه: «الكبر بطر الحق وغمط ([111]) الناس».

 

وقال الإمام الغزالي – رحمه الله: «هو استعظام النفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير».

 

وقال الكفوي – رحمه الله: «التكبر: هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلب ذلك التشبع وهو التزيُّن بأكثر مما عنده»([112]).

 

وقال الجاحظ في تهذيب الأخلاق: «هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس واستصغارهم والترفع على من يجب التواضع له».

 

الكبر مفتاح الشقاء:

 

الكبر مرض قلبي خطير وآفة عظيمة هائلة؛ يورد المهالك ويُكسب الرذائل ويبعد المرء عن الخير والفضائل، يبعد عن الجنة ويقرب من النار – عياذًا بالله – كما جاء في الصحيحين عنه r قال: «قالت النار: أوثرت بالمتكبرين».

 

قال الإمام الغزالي – رحمه الله([113]): والمتكبرون هم الذين أراد الله أن يضلهم؛ فجعل صدرهم ضيقًا حرجًا كأنما يصَّعد في السماء؛ فالمتكبر هو الذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلاً، وبقي في العمى فاتخذ الهوى قائدًا والشيطان دليلاً. ثم قال – رحمه الله: وكيف لا تعظم آفته، وقد قال r: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»([114]).

 

يقول الإمام ابن قدامة – يرحمه الله: واعلم أن الكبر خُلُقٌ باطن تصدر عن أعمال هي ثمرته فيظهر على الجوارح، وذلك الخلق هو رؤية النفس على المتكبر عليه؛ يعني: يرى نفسه فوق الغير في صفات الكمال؛ فعند ذلك يكون متكبرًا؛ وبهذا ينفصل عن العجب؛ فإن العجب لا يستدعي غير المعجب، حتى لو قدر أن يخلق الإنسان وحده تصور أن يكون معجبًا، ولا يتصور أن يكون متكبرًا ([115]).

 

ومعنى كلامه – رحمه الله – أنه يرى أن المتكبر لا يمكن أن يكون إلا مع الغير، والمعجب حتى لو لم يكن غيره معه ورأى نفسه لكان معجبًا.

 

وبمعنى أقرب أن المتكبر (على غيره) والمعجب (في نفسه وعلى غيره).

 

الأدلة من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح في ذم الكبر:

 

إبليس - عليه لعنة الله – إمام المتكبرين وسابقهم إلى سِجِّين، تكبّر على ربَّ العالمين.

 

قال الله تعالى عنه: }وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ{ [البقرة: 34].

 

وقال تعالى عن قوم فرعون: }فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ{ [الأعراف: 133].

 

وقال تعالى: }وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{ [الجاثية: 7، 8].

 

وقال – جل وعلا – عن المنافقين: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ{ [المنافقون: 5].

 

وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل وتشير إلى أن الكبر خلق ذميم؛ بل وكبيرة من كبيرات الذنوب كما ستقرأ، ويظهر لك - أيها القارئ الكريم - في حكم الكبر – إن شاء الله.

 

ومن السنة المطهرة ما جاء على لسان نبينا وقدوتنا r سيَّد المتواضعين وإمام المتقين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «احتجَّت النار والجنة؛ فقالت هذه: يدخلني الجبارون المتكبرون. وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين. فقال الله – عز وجل – لهذه: أنت عذاب أعذَّب بك من أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها»([116]).

 

وعنه - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: «يقول الله سبحانه: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحدًا منهما ألقيته في جهنم»([117]).

 

وعنه كذلك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر»([118]).

 

ومما جاء عن السلف الصالح – رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين – ما قال الفاروق – رضي الله عنه: «وإذا الرجل تكبر وعدا طوره، رهصه الله في الأرض وقال: اخسأ خسأك الله؛ فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير، حتى إنه لأحقر عندهم من الخنزير»([119]).

 

وقال الحسن البصري – رحمه الله: «السجود يذهب بالكبر، والتوحيد يذهب بالرياء»([120]).

 

وقال الماوردي – رحمه الله: «الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل، وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب؛ لأن الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة؛ فالمتكبر يجلّ نفسه عن رتبة المتعلمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدبين»([121]).

 

وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في الفوائد: «أركان الكفر أربعة: الكبر، والحسد، والغضب، والشهوة».

 

ووصف أحد الشعراء الإنسان فقال:

 

يا مُظهر الكبر إعجابًا بصورته

 

 

 

 

 

 

 

 

انظر خلاك فإن النتن تثريب

 

لو فكر الناس فيما في بطونهم

 

 

 

 

 

 

 

 

ما استشغر الكبر شبَّان ولا شيب

 

هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة

 

 

 

 

 

 

 

 

وهو بخمس من الأقذار مضروب

 

أنف يسيل وأذن ريحها سهك ([122])

 

 

 

 

 

 

 

 

والعين مرفضة والثغر ملعوب

 

يا ابن التراب ومأكول التراب غدًا

 

 

 

 

 

 

 

 

أقصر فإنك مأكول ومشروب ([123])

 

 

 

أسباب الكبر:

 

للكبر ثلاثة أسباب: سبب في المتكبر: وهو العجب، وبهذا يتبين أن الكبر متولد من داء قبله هو العجب؛ وكلاهما هلاك وبوار.

 

والسبب الثاني: يتعلق بالمتكبر عليه، وهو الحقد والحسد.

 

والسبب الثالث: يتعلق بغيرهما، وهو الرياء.

 

فنسأل الله السلامة والنجاة؛ فهو مرض لا يتولَّد منه إلا أمراض؛ كل واحد أشرّ من الذي قبله، والموفَّقُ من وفقه الله وشرح صدره لهداه ...

 

درجات الكبر:

 

قال ابن قدامة – رحمه الله – في مختصر منهاج القاصدين: اعلم أن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاث درجات:

 

الأولى: أن يكون الكبر مستقرًا في قلب الإنسان منهم؛ فهو يرى نفسه خيرًا من غيره؛ إلا أنه يجتهد ويتواضع؛ فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة إلا أنها قد قطع أغصانها.

 

الثانية: أن يظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس والتقدم على الأقران والإنكار على من يقصر في حقه؛ فترى العالم يُصعّر خدَّه للناس كأنه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدَّب الله به نبيه r حين قال: }وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ [الشعراء: 215].

 

الدرجة الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه كالدعاوى والمفاخرة وتزكية النفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التكبر بالنسب؛ فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملاً.

 

قال ابن عباس - رضي الله عنهما: يقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك؛ وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى؛ قال تعالى: }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{ [الحجرات: 13].

 

والكبر بالمال يكثر بين التجار والملوك ونحوهم.

 

والكبر بالجمال يكثر بين النساء، ويدعوهن إلى التنقيص والغيبة وذكر العيوب، والكبر بالأتباع والأنصار بين الملوك؛ بالمكاثرة بالجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين.

 

وفي الجملة؛ فكل ما يمكن أن يعتقد كمالاً، فإن لم يكن في نفسه كمالاً أمكن أن يُتَكَبَّرَ به؛ حتى إن الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور ويرى أن ذلك كمالاً. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أنواع الكبر:

 

الكبر أنواع ثلاثة:

 

الأول: الكبر على الله تعالى، وهو أفحش أنواع الكبر؛ وذلك مثل تكبر فرعون ونمرود؛ استنكفا واستكبرا أن يكونا عبدين لله تعالى، وكل من على شاكلتهم ممن ينفون قدرة الله تعالى؛ كالطبيعيين والملاحدة؛ فسحقًا لهم ولعقولهم.

 

الثاني: الكبر على رسول الله r؛ بأن يمتنع المتكبر من الانقياد له تكبرًا وجهلاً وعنادًا – هذا في حياته r ؛ ككفار مكة وغيرهم، وقس على ذلك كلَّ مَن تكبَّر على سنته r فلم يقمها، وظنَّ فيها الظنون، أو جحد ما جاء عنه r وقدح فيها ظلمًا وعلوًا.

 

الثالث: الكبر على عباد الله؛ بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه؛ فيتأبى عن الانقياد له ويترفع عليه، وهذا وإن كان دون الأولين إلا أنه عظيم إثمه؛ لأن الكبرياء والعظمة إنما يلقيان بالله تعالى وحده ([124]).

 

حكم الكبر:

 

عدَّ الإمام الذهبي ([125]) – رحمه الله – الكبر من الكبائر ([126])، ثم قال: وأشرُّ الكبر مَنْ يتكبر على العباد بعلمه ويتعاظم في نفسه بفضيلته؛ فإن هذا لم ينفعه علمه؛ فإن طلب العلم للآخرة كسره علمه وخشع قلبه واستكانت نفسه، ومن طلب العلم للفخر والرياسة وبطر على المسلمين وتحامق عليهم فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – وقد عدَّه كذلك الإمام ابن حجر – رحمه الله – من الكبائر.

 

قلت: ولا يغيب عن بال من رزقه الله علمًا وبصيرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r في أول من تُسَعّرُ بهم نار جهنم – أجارني الله وإياكم منها.

 

آثار الكبر ومضارّه على الفرد والمجتمع:

 

لا أظن أن صاحب القلب السليم والفطرة السليمة؛ بل من في قلبه إيمان بالله – عز وجل – وحياء وتقدير له تبارك وتعالى، يخفى عليه أثر الكبر وضرره حتى قبل أن يقرأ هذه الوريقات؛ أما - والعياذ بالله – صاحب القلب المطموس والنفس المريضة فهو حقيق أن يعمى عليه كبر نفسه وتعاظمه على عباد الله – عز وجل – ظنًا منه – المسكين – أنه كبير لا يوجد أكبر منه، وعظيم لا يوجد أعظم منه، ومن أجل ماذا؟ المال كثير حصَّله؟ أم لسيارات فارهات؟ أم لعقارات وعمارات؟ أم لمناصب ودرجات؟! أنسيت فرعون وهامان وقارون؟ أما قرأت عنهم في كتاب الله – عز وجل : ما أغنى عنهم ما حصلوا عندما تجبروا وتكبروا! وكم من فراعنة يعيشون بيننا وفي مجتمعنا قلوبهم قاسية، وأنفسهم لاهية، نسوا الله فنسيهم! نعم؛ نسوا أن الله هو الكبير، وهو سبحانه المتكبر العظيم، ذو الكبرياء له التَّعالي عن صفات الخلق، فكيف تتكّبر على خلقه وأنت من خلقه؟!

 

فاستيقظ أيها المتكبر، واربأ بنفسك، وتذكر الموت وسكرته، والقبر وضمته، والصراط ودقته، واِلآخرة وهولها!

 

واعلم علمًا يقينًا أنك ميت، وإن مات خير البشر r أفأنت تخلَّد؟!

 

الكبر طريق موصل إلى غضب الله ويورث البعد من الله، وصاحبه مستحق لعذاب الله.

 

الكبر هلاك للنفس ومذهب لبركة العمر، وجزاء صاحبه الطرد من رحمة الله والانصراف عن آيات الله تبارك وتعالى؛ قال تعالى: }سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ{ [الأعراف: 146].

 

علاج الكبر:

 

وفي نهاية المطاف؛ أما آن للمتكبر أن يخشع قلبه وتردع نفسه، وأن يعرف قدره، إذا أراد ذلك وسأل عن العلاج وأراد الخلاص! فها هو ابن قدامة – رحمه الله – يأتيك بالوصفة، فالتزمها ودع عنك «سوف».

 

يقول رحمه الله: اعلم أن الكبر من المهلكات، ومداواته فرض عين، ولك في معالجته مقامان:

 

الأول: في استئصال أصله وقطع شجرته؛ وذلك بأن يعرف الإنسان نفسه ويعرف ربه؛ فإنه إذا عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه أن ينظر في أصل وجوده بعد العدم؛ من تراب، ثم من نطفة خرجت مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة؛ فقد صار شيئًا مذكورًا بعد أن كان جمادًا لا يسمع ولا يبصر، ولا يحس ولا يتحرك؛ فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه.

 

وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله: }مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ{ [عبس: 18، 19].

 

ثم امتن عليه بقوله: }ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ{؛ فأحياه بعد الموت، وأحسن تصويره، وأخرجه إلى الدنيا؛ فأشبعه وآواه، وكساه وهداه وقواه؛ فمن هذا بدايته؛ فأي وجه لكبره وفخره؟!

 

ثم بعد ذلك يكدح في الدنيا ويصيبه فيها ما يصيبه ويعتريه من أمراض وبلاء ويستلذ الشيء فيرديه ويروم الشيء فلا يناله، ثم لا يأمن أن يسلب حياته بغتةً؛ هذا أوسط حاله وذلك أول أمره، وأما آخر أمره فالموت الذي يعيده جمادًا كما كان، ثم يُلقى في التراب فيصير جيفة منتنة، وتبلى أعضاؤه، وتنخر عظامه، ويأكل الدود أجزاءه، ويعود ترابًا يعمل منه الكيزان، ويعمَّر به البنيان، ثم بعد طول البلى تجمع أجزاؤه، ويحضر عرصة القيامة فيرى أرضًا مبدلة، وجبالاً مسيَّرة، وسماءً منشقَّة، ونجومًا منكدرة، وشمسًا مكوَّرة، وأحوالاً مظلمة، وجحيمًا تزفر، وصحائف تنشر، ويقال له: }اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا{ [الإسراء: 14]؛ فتفكر في الحال والمصير وتخير لنفسك إلى أين ستصير؛ فمن كان هذا حاله فلِمَ يتكبر! بل وكيف يتكبر! نعوذ بالله من موت القلوب وسقمها.

 

ومن العلاج العملي التواضعُ بالفعل لله ولعباده؛ وذلك على استعمال خُلُق المتواضعين، والتعرف على الضعفاء والمساكين، ومجالستهم والإكثار من قراءة سيرة سيد المرسلين؛ فهو إمام المتواضعين r؛ إذ كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيده r فتنطلق به في حاجتها ([127]).

 

ومن عَرَضَ  له التكبُّرُ من جهة النسبِ فليعلم أن هذا تَعَزُّزٌ بكمال غيره ثم يعلمْ أباه وجَدَّه؛ فإن أباه القريب نطفةٌ قذرة، وجدَّه البعيد تراب.

 

ومن عرض له الكبر بالجمال فلينظر إلى باطنه نظر العقلاء، ولا ينظر إلى ظاهره نظر البهائم، وليعلم أن الذي جمله قد جمل غيره، وأن الذي جمَّله قادر على أن يخفي ما جمَّله به.

 

ومن اعتراه الكبر من جهة القوة، فليعلم أنه لو آلمه عرقٌ أعجز من كل عاجز - وإن حمّى يومٍ - تخلل من قوته ما لا يعود في مدّه، وإن شوكةً لو دخلت في رجله لأعجزته، وذبابةً لو دخلت في أذنه لأقلقته؛ فأين القوة والمنعة؟!

 

ومن تكبَّر بسبب الغنى فليتأمل فيمن ملكوا الدنيا! ولكن أين هم اليوم؟! ما أغنى عنهم مالهم، ما أغنت عنهم قصورهم التي شيدوها؛ بل وتأمل حال قارون؛ آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة؛ أي أنَّ مفاتيح خزائن أمواله تثقل الجماعة القوية عن حملها؛ فما ظنك بالخزائن، فتكبَّرَ وقال: }إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي{، فلينفعه علمه إذًا! فإذا الله – عز وجل – يقول: }فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ{ [القصص: 67-83]([128]).

 

ومن تكبر بسبب العلم فليعلم أن حجة الله على العالم آكد من الجاهل، وليتفكر في الخطر العظيم الذي هو بصدده؛ فإن خطره أعظم من خطر غيره، كما أن قدره أعظم من قدر غيره، وليعلم أن فوق كل ذي علمٍ عليم ([129]).

 

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر

 

 

 

 

 

 

 

 

على صفحات الماء وهو رفيع

 

ولا تكن كدخان نار يعلو بذاته

 

 

 

 

 

 

 

 

إلى طبقات الجو وهو وضيع

 

 

 

 

 

 

 

* * *

 

 

 

الرياء

 

لغةً: الرياء: مصدر قولهم: راءاه يرائيه رياء، وهو مأخوذ من مادة (رأى) التي تدل - كما يقول ابن فارس - على نظر وإبصار بعين أو بصيرة؛ يقال من ذلك: راءى فلانٌ وفعل ذلك رئاء الناس (ورياء الناس)؛ وهو أن يفعل شيئًا ليراه الناس ([130]).

 

وقال ابن منظور – رحمه الله: يستعمل "راءيت" و"استرأيت" بمعنى (استشرت)؛ يقال: استرأيت الرجل في الرأي. أي استشرته، وراءيته (كذلك). قال عمران بن حطان:

 

فإن تكن حين شاورناك قلت لنا

 

 

 

 

 

 

 

 

بالنصح منك لنا فيما نرائيكا

 

 

 

أي: نستشيرك.

 

أما قول الله تعالى: }يُرَاءُونَ النَّاسَ{، وقوله تعالى: }الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ{؛ فليس من المشاورة؛ ولكن معناه: إذا أبصرهم الناس صلوا وإذا لم يروهم تركوا الصلاة ([131]).

 

أما التعريف الاصطلاحي للرياء:

 

قال الجرجاني – رحمه الله : الرياء: ترك الإخلاص في العمل بمراعاة غير الله فيه ([132])؛ قال ابن حجر – رحمه الله : الرياء: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها ([133]).

 

الفرق بين الرياء والسمعة والنفاق:

 

قال التهانوي: الفرق بين الرياء والسمعة أن الرياء يكون في الفعل والسمعة تكون في القول.

 

وقال ابن عبد السلام: الرياء أن يعمل لغير الله، والسمعة أن يخفي عمله ثم يحدث به الناس ([134]).

 

أما الفرق بين الرياء والنفاق فيتمثل في أن الرياء الإظهار، والنفاق الأصل فيه الإخفاء؛ إذ المرائي يظهر نيته الحقيقية في طلب المنزلة عند الناس؛ أما المنافق فإنه يخفي على الناس ما بداخله ويظهر خلافه، وقد يلتقي الأمران: الرياء والنفاق (الأصغر) في عمل المنافق؛ كما قال الله – عز وجل – في شأن المنافقين: }يُرَاءُونَ النَّاسَ{ [النساء: 142]؛ أي: بإظهار مجرد الطاعة، وقد يختلفان كما في قيامهم (أي المنافقين) إلى الصلاة كسالى وعدم ذكرهم الله إلا قليلاً، والمرائي عكس ذلك؛ فهو يظهر النشاط ويكثر الذكر أمام الناس لينال مكانة عندهم؛ بخلاف المنافق ([135]).

 

ذم الرياء في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم:

 

فنعوذ بالله من النفاق والرياء والسمعة؛ لقد ذم الله – عز وجل – في كتابه المجيد الرياء وأهله، وجاء كذلك على لسان رسول الله r وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان من سلف هذه الأمة الصالحين؛ فمن الكتاب قوله تعالى: }فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ{ [الماعون: 4-6]؛ فأخبر سبحانه أن لهم الويل مَنْ هذه صفاتهم ؛ نسأل الله النجاة.

 

وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ{ [البقرة: 264].

 

وقال تعالى محذِّرًا عباده المؤمنين: }وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ{ [الأنفال: 47].

 

وأما الأحاديث؛ فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله r: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»([136]).

 

وعن محمود بن لبيد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر». قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء؛ إن الله تبارك وتعالى يقول يوم يجازي العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون بأعمالكم في الدنيا فانظروا: هل تجدون عندهم جزاءً؟»([137]).

 

وتأمل هذا الحديث العظيم الذي تقشعر منه الجلود لما فيه من معان عظيمة، ولما لهذا الداء من عواقب وخيمة تدل على خسارة المرائي يوم العرض على الله، وتأمل من أي الأصناف هؤلاء.

 

ولقد قرأت كتابًا ([138]) يتحدث عن حياة الشيخ الألباني – رحمه الله – أنه بكى وأخذت دموعه تسيل على خديه عندما قرأ عليه هذا الحديث العظيم.

 

وقال الإمام أبو العباس القرطبي ([139]): هذا وعيد شديد، والتخلص منه بعيد؛ إذ الإخلاص في طلب العلم عسير، والمجاهد نفسه قليل. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

والحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدت، قال:كذبت؛ ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها؛ قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت؛ ولكن تعلَّمْتَ العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها؛ قال:فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت؛ ولكنك فعلت ليقال: هو جواد. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار»([140]). فنعوذ بالله من الخذلان، ونعوذ به سبحانه من الضلال والخسران يوم العرض عليه.

 

ومما جاء على لسان السلف الصالح – رضي الله عنهم ورحمهم – مما يذم الرياء أن أبا أمامة – رضي الله عنه – أتى على رجل وهو في المسجد وهو ساجد يبكي ويدعو، فقال: «أنت. أنت! لو كان هذا في بيتك».

 

ورأى عمر – رضي الله عنه – رجلاً يطأطئ رقبته فقال له: «يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك؛ ليس الخشوع في الرقاب؛ إنما الخشوع في القلوب»([141]).

 

وسأل رجل سعيدًا بن المسيَّب فقال: إن أحدنا يصطنع المعروف يحب أن يُحْمَدَ ويُؤْجَرَ! فقال له: أتحب أن تمقت؟ قال: لا. قال: «فإذا عملت لله عملاً فأخلصه»([142]).

 

وعن ابن عيينة قال: بكى ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ – المعروف (بربيعة الرأي) – يومًا، فقيل: ما يبكيك؟ قال: رياء حاضر، وشهوة خفية، والناس عند علمائهم كصبيان في حجور أمهاتهم؛ إن أمروهم ائتمروا، وإن نهوهم انتهوا ([143]).

 

وغير ذلك مما يكثر عنهم – رحمهم الله – مما يدل على صفاء قلوبهم ونقاوتها، وحسن نياتهم مع خالقهم – جل وعلا.

 

أقسام الرياء: ذكر الإمام الغزالي – رحمه الله – أن الرياء خمسة أقسام ([144]):

 

الأول: الرياء في الدين بالبدن؛ وذلك بإظهار النحول والصفار؛ ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة الآخرة وأهل الدنيا؛ بإظهار السَّمن وصفاء اللون واعتدال القامة.

 

الثاني: الرياء بالهيئة والزِّيِّ؛ وذلك بتشعيث شعر الرأس، وإبقاء أثر السجود على الوجه، وغلظ الثياب وتقصير الأكمام والتقنع فوق العمامة؛ لتنصرف الأعين إليه بالتمييز بتلك العادة، وأما أهل الدنيا فبالثياب النفيسة، والمراكب الرفيعة، والتجمل في الملبس والمسكن.

 

الثالث: الرياء بالقول: ويكون من أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار؛ لإظهار غزارة العلم وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس، وأما أهل الدنيا فيكون رياؤهم بالقول؛ بحفظ الأشعار والتفاصح بالعبارات ونحوه.

 

الرابع: الرياء بالعمل؛ كمراءاة المصلي بطول القيام والركوع وإظهار الخشوع؛ أما أهل الدنيا فبالتبختر والاختيال؛ مما يدل على الجاه والحشمة.

 

الخامس: المراءاة بالأصحاب والزائرين؛ كأن يطلب المرائي من عالمٍ يزوره ليقال: إن فلانًا قد زاره فلانًا، ومن ذلك كثرة ذكر الشيوخ.

 

درجات الرياء:

 

فالرياء درجات بعضُها أشدُّ من بعض، وذكر ابن قدامة أنها أربع درجات ([145]):

 

الأولى - وهي أشدها وأغلظها: أن لا يكون مراده بالعبادة الثواب أصلاً؛ كالذي يصلي بين الناس، ولو انفرد لم يصل.

 

الثانية: أن يفسد الثواب مع الرياء قصدًا ضعيفًا – أي أهم شيء عنده إظهار العمل؛ بحيث إذا كان خاليًا لم يفعله فهو قريب من الأول في كونهما ممقوتين عند الله تعالى.

 

الثالثة: أن يكون قصد الرياء والثواب سواءً؛ بحيث لو انفرد كلُّ واحد منهما عن الآخر لم يبعثه على العمل؛ ولكن لو اجتمع القصدان انبعث فيه الرغبة في العمل؛ فهذا قد أفسد مثل ما أصلح، ولا يسلم من الإثم.

 

الرابعة: أن يكون اطلاع الناس عليه مقويًا لنشاطه، ولم يطلع عليه أحد لم يترك العبادة؛ فهذا يثاب على قصده الصحيح، ويعاقب على الفاسد.

 

حكم الرياء:

 

عدَّ الإمام الذهبي – رحمه الله – الرياء ضمن الكبائر، وذكر أدلة من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح وأقوالهم مما ذكر ([146])، وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله : الكبيرة الثانية بعد الشرك بالله. وقال: شهد بتحريمه الكتاب والسنة وانعقد عليه إجماع الأمة، ثم قال بعد ذكر الأدلة: المعنى في تحريمه وكونه كبيرة وشركًا مقتضيًا للَّعْن أن فيه استهزاءً بالحق تعالى؛ ومن ثَمَّ كان الرياءُ من كبائر الكبائر المهلكة، ولذلك سماه الرسول r الشرك الأصغر، وفي الرياء أيضًا تلبيس على الخلق لإيهام المرائي لهم أنه مخلص مطيع لله تعالى وهو بخلاف ذلك ([147]).

 

أثر الرياء على الفرد والمجتمع ([148]):

 

اعلم – رحمني الله وإياك – أن للرياء آثارًا مضرَّةً وآفاتٍ مهلكةً، ومن تلك الأضرار:

 

1- أنه محبط للأعمال وسبب لمقت الله، وأنه من المهلكات والموبقات.

 

2- الرياء دليل على غاية جهل المرائي.

 

3- الرياء يحوِّل العملَ الصالحَ إلى نقيضه؛ فيحمل صاحبه به وزرًا بدلاً من أن يكون له أجرًا أو سترًا.

 

4-

 

الرياء يفضح أصحابه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة.

 

5- الرياء يورِّثُ القلب ظلمةً وقسوة ويورِّث صاحبه كذلك كسلاً وجفوة.

 

علاج الرياء:

 

وبعد أن علمت أخي هذا الداء الخطير وهذه الكبيرة المهلكة؛ إذ قلَّ أن ينجو منها أحد إلا من وَفَّقَه الله وفتح على قلبه وقذف فيه نور الإيمان – جعلني الله وإياكم منهم – فأعوذ بالله من الخذلان؛ يعمل المرء ويعمل ثم يأتي يوم القيامة وأعماله مردودة في وجهه؛ لأنه لم يكن يفعلها لله – عز وجل ؛ وهذا عين البوار وأصل الخسران؛ قال تعالى: }قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا{ [الكهف: 103، 104].

 

وإليك – يا رعاك الله – علاج هذا الداء سائلاً ربَّ السماء أن يجعله علاجًا ناجعًا لي ولك من شرك الرياء:

 

يقول ابن قدامة – رحمه الله: إذا عرفت أن الرياء محبط للأعمال، وسبب لمقت الله تعالى، وأنه من المهلكات، فمن هذا حاله فجدير بالتشمير عن ساق الجد في إزالته.

 

وفي معالجته مقامان:

 

الأول: قلع عروقه وأصوله التي فيها انشعابه.

 

الثاني: دفع ما يخطر منه في الحال.

 

فالأول: يقول – رحمه الله: اعلم أن أصل الرياء حبُّ الجاه والمنزلة، وإذا فصل رجع إلى ثلاثة أصول: هي حبُّ الذات، والحمد، والفرار من ألم الذم والطمع فيما في أيدي الناس، وشهد لذلك حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل يقاتل بشجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء؛ فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»([149]).

 

فمعنى قوله: «يقاتل شجاعة»: ليذكر ويحمد. و«حمية»: يأنف أن يقهر أو يذم، و«رياء»: ليرى مكانه، وهذا هو لذة الجاه والمنزلة في القلوب.

 

وقد لا يشتهي الإنسان الحمد، ولكنه يحذر الذم؛ كالجبان بين الشجعان يثبت ولا يفر لئلا يُذَمَّ، وقد يفتي الإنسان بغير علم كذلك حذرًا من الذَّمِّ بالجهل؛ فهذه الأمور الثلاثة هي المحركة للرياء.

 

وعلاجه: أن الإنسان يقصد الشيء ويرغب فيه إذا ظن أنه خير له ونافع؛ إما في الحال أو المآل، وقد يقول قائل: إن الرياء فيه نفع في الحال؛ وهو أن تنال من الثناء والمقال. أقول: نعم؛ ولكن تذكر مآلك، وكيف تكون أمام الله – عز وجل – يوم يقوم الأشهاد، وكلهم بزاد وأنت بغير زاد؛ ولكن يأتيك الجواب: أنك كنت مرائيًا غير مخلص لله – عز وجل ؛ فعملك مردود؛ لأنك أشركت فيه مع الرب الودود – عز وجل ؛ فبذلك يكون أجدر للنفس أن تجتنب وتقطع الرغبة في الرياء.

 

ثم اعلم أن رضى الناس غاية لا تدرك وأنهم إذا مَدَحوا اليومَ ذَمُّوا غدًا، وإنْ مدَحُوا فإن مدحَهم لا يزيد رزقًا ولا أجلاً، ولا ينفعه فقره وفاقته؛ فإنهم عجزة لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا؛ فإذا تقرر ذلك عند المرء فترت رغبته في الرياء وأقبل على الله بقلبه؛ فإن العاقل لا يرغب فيما يضره ويقل نفعه ([150]).

 

وأما الطمع فيما أيدي الناس فعلاجه: أن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والإعطاء، وأنه لا رازق سواه، ومن طمع في الخلق لم يخل من الذل والخيبة، وهَبْ أنه وصل لمراده فلا يخلو من المنة والمهنة؛ فكيف يترك ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد مَنْ عنده أدنى كرامة ([151]).

 

والثاني ([152]): يحتاج إلى مجاهدة وقلع مغارس الرياء من قلبه بالقناعة، وإسقاط نفسه من أعين الناس، واحتقار مدحهم وذمهم، ومالك وللخلق علموا أو لم يعلموا والله عالم بحالك؛ فأي فائدة في علم غيره.

 

ثم قال – رحمه الله: ومن الدواء الناجع أن يعوَّد نفسه إخفاء العبادات، وإغلاق الأبواب دونها كما تغلق الأبواب دون الفواحش؛ فإنه دواء في الرياء مثل إخفاء الأعمال، وذلك يشق في بداية المجاهدة؛ فإذا صبر عليه مدة التكليف سقط عنه ثقله وأمده الله بالعون؛ فعلى العبد المجاهدة، ومن الله التوفيق.

 

قلت: والله – عز وجل – يقول: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ [العنكبوت: 69].

 

فاللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، ولا تجعل لعبد ولا أمة فيها نصيب.

 

اللهم ارزقنا الإخلاص وجنبنا الرياء يا حي يا قيوم يا رب العالمين.

 

اللهم طَهِّرْ قلوبنا واغفر لنا ذنوبنا وتولَّ أمورنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقلّ من ذلك ولا أكثر يا جواد يا كريم.

 

العشق

 

داء عضال، ومرض قتال، يتعدَّى إلى البدن فكأنه مسلسل بالأغلال؛ مسلك خطِر، وموطئ زَلِق، وبحر لُجِّيًٌ، أصحابه غفلوا حتى غدت قلوبهم غُلْفًا؛ لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا إلا ما أشربت من هواها.

 

اسأل الجدران عنهم؛ ماذا يكتبون عليها! وماذا يرسمون من كلمات العشق واللهف واللوعة والفتون! اقرأ ما يكتبون على دفاترهم وفي مذكراتهم وفوق كتبهم، وفي دورات المياه وأماكن الخلاء؛ بل وانظر إلى ما ينقشون من إشارات ورموز على أكتافهم وفي أيديهم، عالمٌ مليءٌ بالآلام والآمال ومحفوفٌ بالمخاطر والأهوال، آهاتٌ وزفراتٌ، أنّاتٌ وحسراتٌ، تذوب معه الأرواح، ولا يقع معه الارتياح، كم من كبد مقروحة، وقلوب مجروحة؛ هذا وإن البلاء بهذا الداء قد عمّ وطمَّ ([153])؛ ذلك أن محركاته كثيرة، والدواعي إليه متنوعة متشعبة؛ فلا عجب إذا كثر ضحاياه، وذاقوا من بلاياه.

 

أسأل الله لي ولكم النجاة، وأن يجعل قلوبنا مفطورة بحبه وحبَّ نبيه r.

 

تعريفه لغة واصطلاحًا:

 

قال ابن فارس – رحمه الله: عشق: العين والشين والقاف أصل صحيح يدلّ على تجاوز حدّ المحبة؛ نقول: عشق يعشق عشقًا وعَشَقًا ([154]).

 

قال ابن منظور – رحمه الله: «العشق فرط الحب، وقيل: هو عجب المحب بالمحبوب؛ يكون في عفاف الحب ودعارته، ورجل عاشق من قوم عشاق، وعشيق مثال فسيق: كثير العشق».

 

قال أبو العباس أحمد بن يحيى: سمي العاشق عاشقًا لأنه يذبل من شدة الهوى كما تذبل العَشَقة إذا قطعت، والعَشَقة شجرة تخضرّ ثم ترقّ وتصفر ([155]).

 

وتعريفه اصطلاحًا:

 

قال ابن عبد البر – رحمه الله: سئل بعض الحكماء عن العشق فقال: شغل قلب فارغ ([156]).

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: «وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها، وقد يقترن به بغضها لما ينفعها، والعشق مرض نفساني، وإذا قوي أَثَّرَ في البدن فصار مرضًا في الجسم»([157]).

 

وقال أرسطو: « العشق جهل عارض صادف قلبًا خاليًا لا شغل له من تجارة ولا صناعة»([158]).

 

أنواع العشق:

 

العشق يقع بين طرفين: عاشق ومعشوق، وقد يكون كل واحد منهما عاشقًا لصاحبه، وقد يكون العشق من أحد الطرفين دون الآخر. وأنواع العشق التي تقع لا تكاد تخرج عن أربعة أنواع وهي:

 

1- عشق الرجال للنساء، وهذا الأغلب.

 

2- عشق النساء للرجال، ولكنه دون الأوَّل؛ إذ النساء وصفهن الحياء؛ أما في هذا الزمن فنسأل الله العفو والعافية.

 

3- عشق الرجال للرجال: فمن الشباب من لم يجد من يحب من الفتيات، وكذا حيل بين بعض الفتيات وبين ما تشتهي من حب محبوب فبدأ الانحراف والانتكاس في الفطر والفكر، والسيئة تجر أختها وتنادي في مثيلتها: تعالي ... تعالي؛ فعشق الشابُّ شابًّا مثلَه يتصوره في ثياب حبيبته، يشتاق إليه ويغار عليه، ويتلهف للقائه، ويحب ملاقاته ومسامرته؛ فوقع أولئك في الفواحش الآثمة، والمعاصي المحرمة؛ كفاحشة قوم لوط، وكالعادة السرية، وغير ذلك، وتعلقت القلوب بغير علام الغيوب، وأَحَبَّ المخلوقين كمحبة أحسن الخالقين ([159]).

 

4- عشق النساء للنساء: وهذا إن لم يكن يُعرف سابقًا إلا على وجه الندرة، إلا أنه شاع وانتشر، وفشا حتى عمَّ الشر؛ فأصبحتَ تسمع أن هذه الفتاة تعلقت بزميلتها وعشقتها وتلك أخرى قد هامت بمعلمتها وشغفت بها، وثالثة متيَّمة بتلميذتها مستهامة بها؛ فتجد الواحدة منهن تكلف بمن تحبها غاية الكلف، وتراعيها أشد المراعاة, وتتمنى الظفر منها بابتسامة أو نظرة أو محادثة، وتجدها تؤمل بالحصول على هدية منها أو تتمنى لو ظفرت بشيء من مقتنياتها؛ بل ربما تعمدت الجلوس في مكانها إذا قامت منه وتسارع إلى المرور في الطريق الذي مرت به.

 

أرسلت إحدى المعجبات رسالة لمن أحبتها حبًا ملك عليها السمع والبصر ... لا أقول حبًا الله؛ بل مع الله عياذًا بالله؛ تقول في رسالتها: «حبك غطى علي كل حب ... صدقيني ... لا أحب أحدًا سواك ... أنت وحدك ... نعم وحدك ... لقد ملكت علي كل كياني ... كل فكري ... كل حياتي ... لقد شغلت قلبي بالتفكير فيك وحدك دون سواك.. صدقيني ... اعلمي أن قلبي لا ينصرف عن ذكراك...». وأنا أقول: ماذا بقي لله!([160]).

 

قلت: وماذا أبقت لله ولرسوله r القائل: «والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»([161]). فأسأل الله لنا ولها الهداية والرشاد.

 

أقوال أهل العلم في خطر العشق وضرره:

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والعشق مذموم مطلقًا؛ لا يمدح في محبة الخالق ولا المخلوق؛ لأنه المحبةُ المفرطة الزائدة عن الحد المحدود، وأيضًا فإن لفظ «العشق» إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي؛ لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين، وهو معروف كثيرًا بالفعل المحرم.

 

وأما محبة الرجل لامرأته أو سُرِّيَّته ([162]) محبة تخرجه عن العدل؛ بحيث يفعل لأجلها ما لا يحل ويترك ما يحب، وحتى يفعل من مطالبها المذمومة ما يغيره في دينه ودنياه؛ مثل: أن يخصَّها بميراث لا تستحقه، أو يعطي أهلها من الولاية والمال ما يتعدى به حدود الله، أو يسرف في الإنفاق عليها، وهذا في عشق من يباح له وطؤها فكيف بعشق الأجنبية والذكران من العالمين؛ ففيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو - أي «العشق» - من الأمراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه، ثم قد تفسد عقله، ثم جسمه»([163]).

 

وقال بعض الحكماء: «الجنون فنون، والعشق من فنونه».

 

وقالوا: «والعشق هو الداء الدوي الذي تذوب معه الأرواح، ولا يقع مع الارتياح؛ بل هو بحر مَن ركبه غرق؛ فإنه لا ساحل له، ولا نجاة منه»([164]).

 

ويقول ابن حزم – رحمه الله – مبينًا أن العشق فضح المستور وأزال من نعمة وأفقر من غنى، وأسقط من مرتبة، وشتت من شمل: «وكم من مصون الستر، مسبل القناع، مسدول الغطاء، قد كشف الحب ستره، وأباح حريمه، وأهمل حماه، فصار بعد الصيانة علمًا وبعد السكون مثلاً»([165]).

 

وقال ابن القيم – رحمه الله: «قالوا: وكم أكبَّت فتنة العشق رؤوسًا على مناخرها في الجحيم، وأسلمتهم إلى مقاساة العذاب الأليم، وجرَّعَتْهم بين أطباق النار كؤوسَ الحميم، وكم أخرجت من شاء الله من العلم والدين؛ كخروج الشعرة من العجين، وكم أزالت من نعمة، وأحلت من نقمة! وكم كشفت من عورة! وأحدثت من روعة، وأعقبت من ألم، وأحلت من ندم، وكم أضرمت من نار حسرات! أحرقت الأكباد، وأذهبت قدرًا كان للعبد عند الله وفي قلوب العباد، وكم جلبت من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء! فلو سألت النعم: ما الذي أزالك؟ والنقم: ما الذي أدالك؟ والهموم والأحزان ما الذي جلبك؟ والعافية ما الذي أبعدك وجنَّبك؟ والستر ما الذي كشفك؟ والوجه ما الذي أذهب نورك وكسفك؟ والحياة ما الذي كدرك؟ وشمس الإيمان ما الذي كوَّرك؟ وعزة النفس ما الذي أذلك، وبالهوان بعد الإكرام بدلك؟ لأجابتك بلسان الحال اعتبارًا إن لم تجب بالمقال حوارًا.

 

ثم قال رحمه الله: هذه والله بعض جنايات العشق على أصحابه لو كانوا يعقلون، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن ذلك آية لقوم يعقلون»([166]).

 

وكان للشعراء نصيب في بيان خطر العشق وضرره:

 

قال أبو تمام:

 

أما الهوى فهو العذاب فإن جرت

 

 

 

 

 

 

 

 

فيه النوى فأليم كل عذاب ([167])

 

 

 

وقال أحدهم:

 

العشق مشغلة عن كل صالحة

 

 

 

 

 

 

 

 

وسكرة العشق تنفي لذة الوسن ([168])

 

 

 

وقال آخر:

 

جنت بمن تهوى، فقلت لهم

 

 

 

 

 

 

 

 

العشق أعظم مما بالمجانين

 

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه

 

 

 

 

 

 

 

 

وإنما يصرع المجنون بالحين ([169])

 

 

 

 

 

تولَّع بالعشق حتى عشق

 

 

 

 

 

 

فلما استقلَّ به لم يطق

 

رأى لُجَّةً ظَنَّها موجةً

 

 

 

 

 

 

فلما تمكن منها غرق

 

ولما رأى أدمعًا تستهمل

 

 

 

 

 

 

وأبصر أحشاءه تحترق

 

تمنى الإفاقة من سكره

 

 

 

 

 

 

فلم يستطعها ولم يفق ([170])

 

ويمكن أن نستخلص أضرار العشق إجمالاً، وهي:

 

1- الظلم.

 

2- فاحشتا الزنا واللواط، ولما لم يكن من الأضرار إلا هما لكفى بهما ضررًا وهلاكًا وخطرًا.

 

3- اشتغاله عن مصالحه الدينية والدنيوية.

 

4- عذاب قلبه ومرضه بمعشوقه.

 

5- مرض بدنه زيادة على مرض قلبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أسباب العشق:

 

إن لكل مرض أسبابًا تكون حاملةً له وعاملاً رئيسيًا في جلب هذا المرض – بعد قضاء الله وقدره – وإن العشق مرض وداء خطير من أهم أسبابه – أسأل الله العافية والسلامة:

 

1- الإعراض عن ذكر الله سبحانه وتعالى: فما أن يُعرض العبد وينصرف بقلبه عن فاطره ومولاه وخالقه إلا تربص بهذا القلب وأصبح سهلاً ومرتعًا لأمراض القلوب وموتها.

 

2- الجهل بأضرار العشق: والجهل بحَدِّ ذاته داءٌ؛ فما بالك لو اجتمعت الأدواء على المرء كيف يصبح أو أيّهم يعالج؟ نعوذ بالله من الخذلان والخسران، وصدق من قال:

 

وفي الجهل قبل الموت موتًا لأهله

 

 

 

 

 

 

 

 

فأجسامهم قبل القبور قبور

 

 

 

3- الفراغ: قال ابن عقيل الحنبلي – رحمه الله: «وما كان العشق إلا لأرعن ([171]) بَطَّال، وقَلَّ أن يكون في مشغول - ولو بصناعة أو تجارة - فكيف بعلوم شرعية أو حكمية»([172]).

 

4- وسائل الإعلام بجميع أنواعها: وأقصد تلك التي تخدش الحياء وتقسي القلب من أغان ماجنة وصور مائعة، ومسلسلات فاضحة، ومناظر فاتنة، وأفكار مخرِّبة أخذت ممن لا دين لهم ولا حياء؛ فتعلقت الشابة بالفنان، والشاب كذلك بآخر أو أخرى، وأصبحوا من جماهيرهم أو حزبهم (زعموا)؛ فَوَلَهَتِ المرأةُ وتَلَوَّعَ الرَّجلُ ما عَلَقَ في الذهن من أغان وموسيقى ونغم وصور وقصص وروايات ووهم.

 

5- التهتك والتبرج والسفور: فذلك من أعظم محركات العشق؛ لأنه سبب للنظرات الغادرة والنفوس القاصرة، وفي هذا (التبرج والسفور) كلام نفيس للشيخ الفاضل بكر أبو زيد – حفظه الله ونفع به ؛ إذ يقول: «ومن أشأم هذه المخاطر وأشدها نفوذًا في تمييع الأمة وإغراقها في شهواتها وانحلال أخلاقها، سعي دعاة الفتن الذين تولَّوا عن حماية الفضائل الإسلامية في نسائهم ونساء المؤمنين إلى مدارج الفتنة، وإشاعة الفاحشة ونشرها، وعدلوا عن حفظ نقاء الأعراض وحراستها إلى زلزلتها عن مكانتها، وفتح أبواب الأطماع في اقتحامها؛ كل هذا من خلال الدعوات الآثمة، والشعارات المضللة باسم حقوق المرأة وحريتها ومساواتها بالرجل... وهكذا من دعوات في قوائم يطول شرحها تناولوها بعقول صغيرة، وأفكار مريضة، يترجلون بالمناداة إليها في بلاد الإسلام وفي المجتمعات المستقيمة؛ لإسقاط الحجاب وخَلْعِه، ونشر التبرج والسفور والتعري والخلاعة والاختلاط، حتى يقول لسان حال المرأة المتبرجة: هيت لكم أيها الإباحيون ... وقد تلطفوا في المكيدة فبدؤوا بوضع لبنة الاختلاط بين الجنسين في رياض الأطفال، وبرامجهم في وسائل الإعلام، وركن التعارف بين الأطفال، وتقديم طاقات – وليس باقات – الزهور من الجنسين في الاحتفالات، وهكذا يُخْتَرَقُ الحجاب، ويؤسَّسُ الاختلاط بمثل هذه البدايات التي يستهلها كثير من الناس!!»([173]).

 

6- إطالة البصر: وهو سهم مسموم من سهام إبليس.

 

وكما قيل:

 

كل الحوادث مبدؤها من النظر

 

 

 

 

 

 

 

 

ومعظم النار من مستصغر الشرر

 

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها

 

 

 

 

 

 

 

 

فتك السهام بلا قوس ولا وتر

 

 

 

قال ابن القيم – رحمه الله: ولما كان النظر أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه وإباحته في موضع الحاجة ([174])، وهذا شأن كل ما حُرِّم تحريم الوسائل؛ فإنه يباح للمصلحة الراجحة ([175]).

 

7- المعاكسات الهاتفية: فهي من أعظم ما تجرّ إلى العشق؛ فقد تكون الفتاة حصانًا رزانًا لا تزن بريبة، ولا تحوم حولها شبهة، هي من بيتِ طُهْرٍ وعفاف؛ فما هي إلا أن تتساهل في شأن الهاتف، وتسترسل في محادثة العابثين حتى تقع فيما لا يحمد عقباه؛ فربما وافقت صَفِيقًا يغرها بمعسول الكلام، فتَعْلَق وتقع في شراكه، ولا يخفى أن الأذن تعشق قبل العين أحيانًا، وربما زاد الأمر عن ذلك فاستجرَّ الفتاة حتى إذا وافقت غرَّر بها ومكر بها وتركها بعد أن يلبسها عارها، وربما تبادر الفتاة عبثًا منها وجهلاً فتقع في هذا الفخ وتدمن هذه العادة؛ فلا ترى بعدها سعادة، والحامل على المعاكسات في الغالب تساهلُ الكثير من الناس في شأن الهاتف أو الجهل بعواقب المعاكسات أو من باب التقليد أو حب الاستطلاع، وأولاً وأخيرًا قلة مراقبة الله – عز وجل – السميع العليم ([176]).

 

آثار العشق على الفرد والمجتمع:

 

يمكن تلخيص ذلك من أضرار العشق التي ذكرت سابقًا؛ بالإضافة إلى أن العشق إذا تمكن من القلب واستحكم وقوي سلطانه أفسد الذهن وأحدث الوساوس، وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم؛ فلا ينتفعون بها ([177])، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأسأل الله العافية والسلامة.

 

علاج العشق:

 

بالرغم من خطورة العشق وضرره على الناس أفرادًا وجماعات - وانظر إلى كلام ابن القيم – رحمه الله – إذ يقول: «وهذا العشق داء أعيى الأطباء دواؤه، وعزَّ عليهم شفاؤه، وهو – لعمر الله – الداء العضال والسم القتال الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى استنقاذه من إساره، ولا اشتعلت ناره إلا وصعب على الخلق تخليصه من ناره»([178]) - ولكن ليس بشيء على الله بعزيز، وما من داء إلا وأنزل الله له دواء، وهو كما يقول ابن الجوزي - رحمه الله: «إنما يوصف الدواء لمن يقبل»([179])؛ فإليك الدواء، أسأل الله أن يجعله شفاء؛ شفاء لا يغادر سقمًا:

 

1- الإخلاص لله عز وجل: فإذا توجَّهَ العبد لله – عز وجل – وصدق في توجهه وإخباته وبكى حرقةً وألمًا وانطرح بين يدي مولاه ذليلاً ضعيفًا، فهو سبحانه الذي ربَّاه وربَّى الناس جميعًا بنعمه وفضائله، ويرى الله صدق لجوئه وانكساره عندئذ يعينه ويمده بلُطْفه ويصرفه عنه كل سوء؛ يقول شيخ الإسلام – رحمه الله: «وإذا كان العبد مخلصًا لله اجتباه ربه، فأحيى قلبه، واجتذبه إليه؛ فينصرف عنه ما يضارّ ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من حصول ضد ذلك»([180]).

 

2- غض البصر: وكفى بذلك واعظًا ومؤدبًا كلامِ الله العليِّ القدير إذ يقول – جل وعلا: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ{ [النور: 30، 31].

 

واعلم – يا رعاك الله – أن في حفظ البصر فوائد عظيمة وأمنًا من فتن فظيعة؛ إذ في غض البصر تخليصُ القلب من الألم والحسرة، ويورِّثُ نورًا وإشراقًا وحلاوة يجدها في قلبه، وتأمل – سبحان الله – كيف مَن يغضُّ بصره لا تأتيه التخيُّلات ولا تشتهي نفسه ولا تتحرك غرائزه نحو صور رآها أو أماكن أتاها، وبين مَن يطلق بصره يمنة ويسرة لا يغيب عنه شارد ولا وارد؛ كيف تجده يتألم ويتحسر؛ فهو يتمنى أن يرى تلك المرأة مرة ومرة، ويتمنى أن يكمل مشهدًا رآه ولا يقطعه قاطع ولا يشغله شاغل؛ فهو في شغل وألم وحسرة وندم؛ فنسأل الله العافية والسلامة، وفوائد غض البصر كثيرة، ويكفي أن الله أمر بهذا، وما على المسلم والمسلمة إلا أن يقولا: سمعنا وأطعنا.

 

3- الاشتغال بما ينفع؛ لأن من لم يشغل نفسه بالطاعة شغلته بالمعصية، وللأسف أن تجد اليوم من شباب المسلمين ذكورًا وإناثًا بل حتى قدواتهم – إلا من رحم ربك – قلَّ أن يشتغل بما يعود نفعًا له ولأمته، نعم؛ هذه الأمة الإسلامية التي صدق قول الشاعر فيها:

 

أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد

 

 

 

 

 

 

 

 

تجده كالطير مقصوصًا جناحاه

 

 

 

فتجدهم على الأرصفة، وفي المقاهي، وفي مدرجات الملاعب وغير ذلك، يحملون في صدورهم آهات وحسرات؛ لأن في أنفسهم طاقات، ولكن للأسف لم تسخر وتوجه التوجيه السليم؛ فعشقت النفوس وتعلقت القلوب جهلاً وضلالاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومما يشغل به المرء نفسه طاعة الله؛ نسأل الله أن يشغلنا بطاعته وذكره وتلاوة كتابه وطلب العلم وكل ما فيه خير، وفي ديننا شاغل أفضل وأحسن وأكمل مما يشتغل به كثير من الناس اليوم!!

 

4- المحافظة على الصلاة: قال تعالى: }إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ{ [العنكبوت: 45].

 

وكان r إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان وصيته r في سكرات موته: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم». ولكن يوم أن ضيَّع أقوامٌ الصلاةَ ضيَّعهم الله – عز وجل.

 

5- النظر في حال العشاق: وما هم عليه من العذاب، وكيف كانوا يعيشون على هامش الحياة؛ فصاحب الهمة العالية والنفس الأبية لا يرضى أن يكون مرصوصًا لا يؤبه به؛ فالعشق لا يليق به؛ لأنه ذلك وتدني للنفس؛ فما الذي خبَّل مجنون ليلى! وما الذي غدا بلبِّ جميل بثينة! إنه العشق الذي ألبسهم ثوبه وكساهم حلَّته – بل ظلمته – فخابوا وما ربحوا وخسروا وما ظفروا ([181]).

 

6- الزواج: ففيه خير كثير من إحصان الفروج، وغض البصر، وغير ذلك.

 

والنبي r يقول: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج»([182]).

 

الخاتمة

 

«أسأل الله حسنها»

 

وفي نهاية المطاف، وبعد أن عشنا مع هذه الأمراض القلبية وتعرفنا على لأوائها وويلاتها، وما تجُرُّه من مفاسد على الأفراد والجماعات، فإنه لأمر «حقيق» بالمسلم أن يفطن له وأن يراقبه؛ لا سيما القلب؛ لأن حياة القلب خيرٌ كبير ونفع عظيم، وإذا كان أطباؤنا الكرام – من المسلمين – يقولون ويسطّرون بأن أمراض القلوب خطيرة من وجهة نظر طيبة، فإني أقول كذلك: الأمراض المعنوية التي ذكرت وغيرها لا تقل خطورة عنها؛ بل هي أشد منها؛ وذلك لأن المرض القلبي «المعنوي» يعيش صاحبه سليمًا خاليًا من الأوجاع من حيث الكشف عليه طبيًا؛ ولكن قلبه مطموسٌ منكوسٌ – كالكوز مجخيًا – لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، قد اشرأبَّ فتنًا وهو يظن أنه سليم معافى، وأي أمر أشد خطورة على المرء أن يظن أنه على هدى ورشاد، وهو – عياذًا بالله – على ضلال وفساد؛ مثل أولئك الذين قال الله فيهم: }أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ{

[فاطر: 8]؛ فأسأل الله أن نكون من المهتدين.

 

فاحرص يا عبد الله على صلاح قلبك وتعاهده حتى تنقيه وتصفيه من الشوائب والأمراض، وأعظم أمر وأفضله أن يكون هذا القلب مفطورًا بحب الله – عز وجل – وذكره والأنس به؛ فعندها ينجلي الضلال وتذهب الحيرة وتنجلي الظلمة ويبقى هذا القلب نقيًا تقيًا فيه نور من عند الله وبرهان.

 

وفي الختام.. فما ذكر من هذه الأمراض – نسأل الله السلامة والعافية – إنما هو على سبيل الإشارة والتلميح لا على سبيل الحصر والتعداد؛ حتى يراجع كل واحد منا نفسه؛ بل ويحرص على سلامة قلبه، والإمام ابن القيم – رحمه الله – يقول: «والمقصود أن يكون مَلِكُ الأعضاء - وهو القلب - قائمًا بعبوديته لله سبحانه هو ورعيته، وأما المحرمات التي عليه فالكبر والرياء والعجب والحسد والغفلة والنفاق والشك؛ وهي نوعان: كفر ومعصية ... إلخ».

 

فانظر: جعَلَ – رحمه الله – من أمراض القلوب ما هو كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.

 

اللهم اهد قلوبنا واسلل سخيمة صدورنا، ووفقنا لكل عمل صالح ورشيد، واغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأساتذتنا ولسائر عبادك المسلمين؛ إنك جواد كريم وبالإجابة جدير والحمد لله رب العالمين.

 

وكتبه:

 

رائد بن فؤاد بن عبد العزيز

 

إمام وخطيب جامع حسوبة

 

جدة – الفيصلية

 

المراجع والمصادر ([183])

 

* القرآن الكريم:

 

* تفسير الإمام الطبري – دار الفكر – ط1420هـ.

 

* تفسير القرآن العظيم – الإمام ابن كثير – دار التراث – القاهرة.

 

* التفسير القيم – الإمام ابن قيم الجوزية – تحقيق: أحمد الفقي وجمع محمد الندوي – دار العلوم الحديثة.

 

* تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان – الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – مكتبة الرسالة – الطبعة الأولى.

 

* أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن – الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – دار الفكر – ط 1415.

 

* الحديث الشريف:

 

* صحيح البخاري – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى.

 

* صحيح مسلم – تحقيق: أحمد شمس الدين – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى.

 

* سنن أبي داود – إشراف مكتبة البحوث والدراسات الإسلامية – دار الفكر.

 

* سنن النسائي – ضبط: صدقي العطار – دار الفكر – ط 1415.

 

* سنن الترمذي: تحقيق: أحمد شاكر – دار الكتب العلمية.

 

*سنن ابن ماجه – تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي – دار الكتب العلمية.

 

* مسند الإمام أحمد – بيت الأفكار الدولية – ط 1419.

 

* المعجم الكبير – للطبراني – تحقيق: حمدي السلفي – الدار العربية – بغداد.

 

* جامع العلوم والحكم – لابن رجب – مكتبة الرياض الحديثة.

 

* الترغيب والترهيب – للمنذري – تحقيق: سعيد اللحام – دار الفكر – ط 1419.

 

* حلية الأولياء وطبقات الأصفياء – للأصفهاني – تحقيق: مصطفى عبد القادر – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى.

 

* العقيدة:

 

* فتح المجيد – تعليق: عبد العزيز بن باز – دار الندوة الجديدة.

 

* اللغة والأدب:

 

* معجم مقاييس اللغة – لابن فارس – تحقيق: عبد الله هارون – دار الفكر – الطبعة الأولى.

 

* لسان العرب – ابن منظور – دار صادر – الطبعة الثالثة.

 

* الصحاح – للجهوري – تحقيق: أحمد عطا – دار العلم، بيروت.

 

* ديوان الإمام الشافعي – تحقيق د: إميل يعقوب – دار الكتاب العربي.

 

* ديوان أبو العتاهية – تحقيق: مجيد طراد – دار الكتاب العربي.

 

* التعريفات – للجرجاني – دار الفكر – الطبعة الأولى.

 

* الأخلاق والرقائق:

 

* مختصر منهاج القاصدين – لابن قدامة المقدسي – تحقيق: محمد بكر – دار إحياء الكتب العربية.

 

* العبادات القلبية – د/ محمد عقيل موسى – دار المجتمع – الطبعة الأولى.

 

* ذم الهوى – لابن الجوزي – تحقيق: د. مصطفى عبد الواحد.

 

* أدب الدنيا والدين – للماوردي – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولى.

 

* ذم قسوة القلب – لابن رجب – تحقيق: د. الوليد آل فريان – دار عالم الفوائد – الطبعة الأولى.

 

* الرقة والبكاء – لابن أبي الدنيا – تحقيق: محمد خير رمضان – دار ابن حزم – الطبعة الثالثة.

 

* الزواجر – لابن حجر الهيتمي – مكتبة مصطفى الحلبي – الطبعة الثانية.

 

* علام يقتل أحدكم أخاه – لخليل أمين – دار ابن الأثير – الطبعة الأولى.

 

* الفوائد – لابن القيم – تحقيق: محمد الخشت – دار الكتاب العربي – الطبعة الخامسة.

 

* خلق المسلم – محمد الغزالي – دار القلم – الطبعة الأولى.

 

* إحياء علوم الدين – أبو حامد الغزالي – دار الكتب العلمية.

 

* التواضع والخمول – لابن أبي الدنيا – تحقيق: أحمد عطا – دار الكتب العلمية.

 

* الكبائر – للذهبي – دار الفكر – الطبعة الأولى لله.

 

* أين نحن من أخلاق السلف – عبد العزيز بن نصار، بهاء الدين عقيل – دار طيبة – الطبعة الثالثة.

 

* مداواة النفوس – لابن حزم – تحقيق: عادل أبو المعاطي – دار المشرق العربي الطبعة الأولى.

 

* العشق – محمد الحمد – دار الوطن – الطبعة الأولى.

 

* ومن الحب ما قتل – عبد اللطيف الغامدي – دار القاسم – الطبعة الأولى.

 

* الآداب الشرعية – لابن مفلح – تحقيق: مركز الدراسات والبحوث – مكتبة الباز – الطبعة الأولى.

 

* حراسة الفضيلة – بكر أبو زيد – دار العاصمة – الطبعة الأولى.

 

* ففروا إلى الله – لأبي ذر القلموني – دار الفضيلة.

 

* التراجم:

 

* نزهة الفضلاء – د/ محمد بن حسن الشريف – دار الأندلس الخضراء – الطبعة الثالثة.

 

* الموسوعات:

 

نضرة النعيم في أخلاق الرسول r - بإشراف: صالح بن حميد، عبد الرحمن بن ملوح – دار الوسيلة – الطبعة الأولى.

 

 

 

* * *

 

 

 

الفهرس

 

إهــداء

 

تقـديم

 

مقدمة

 

أهمية الحديث عن أمراض القلوب

 

الهوى

 

ذم الهوى وضرره من الكتاب والسنة

 

وأقوال السلف الصالح

 

قسوة القلب

 

ذم القسوة في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم

 

علاج قسوة القلوب

 

الحقد

 

سبب الحقد:

 

ذم الحقد من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح

 

دواء وعلاج الحقد

 

مضار وآثار الحقد

 

الحسد

 

الفرق بين الحسد والغبطة

 

دواعي الحسد

 

دواء الحسد

 

مضار الحسد وآثاره على الفرد والمجتمع

 

مبحث متفرع

 

خطورة العين

 

أسباب الوقاية من شر العين

 

علاج العين بعد إصابتها

 

مسألة في حكم من قتل أو أتلف شيئًا بالعين

 

العجب

 

الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح في ذم العجب:

 

الفرق بين العجب والكبر:

 

منشأ العجب:

 

آثار العجب على الفرد والمجتمع:

 

علاج العجب:

 

الكبر

 

الكبر مفتاح الشقاء:

 

الأدلة من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح

 

في ذم الكبر

 

أسباب الكبر

 

درجات الكبر

 

أنواع الكبر

 

حكم الكبر

 

آثار الكبر ومضارّه على الفرد والمجتمع

 

علاج الكبر

 

الرياء

 

الفرق بين الرياء والسمعة والنفاق

 

ذم الرياء في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم

 

درجات الرياء

 

أثر الرياء على الفرد والمجتمع

 

علاج الرياء

 

العشق

 

أنواع العشق

 

أقوال أهل العلم في خطر العشق وضرره

 

أسباب العشق

 

آثار العشق على الفرد والمجتمع

 

علاج العشق

 

الخاتمة

 

المراجع والمصادر

 

الفهرس

 

 

 

([1]) خطبة الحاجة التي كان النبي r يعلمها أصحابه وكان السلف رضي الله عنهم ورحمهم يقدمونها بين دروسهم وكتبهم وخطبهم وانظر رسالة عظيمة الفائدة الموسومة بخطبة الحاجة للشيخ العلامة/ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.

 

([2]) رواه الإمامان ومسلم عن النعمان بن بشير.

 

([3]) مختصر منهاج القاصدين – ابن قدامة 17.

 

([4]) أحيل القارئ الكريم إلى كتاب لمؤلف معاصر بعنوان: «العبادات القلبية وأثرها في حياة المؤمنين» للشيخ/ محمد بن عقيل موسى حفظه الله فليُقرأ غير مأمور، وكذلك القلب ووظائفه في الكتاب والسنة للشيخ سلمان اليماني وهو رسالة في درجة العالمية.

 

([5]) والآية في سورة الحج: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» [آية: 46].

 

([6]) بيت نظم من منظومة عبد ربه في اللغة العربية.

 

([7]) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب.

 

([8]) لسان العرب: 15، 137.

 

([9]) الكليات: 962.

 

([10]) ذم الهوى: 62.

 

([11]) نضرة النعيم: 10، 3752.

 

([12]) ذم الهوى – ابن الجوزي – ص20.

 

([13]) تفسير الإمام الطبري: (15-62).

 

([14]) أخرجه الإمام الترمذي، كتاب الرقائق والورع.

 

([15]) أخرجه الطبراني في أربعينه وانظر: جامع العلوم والحكم حديث 41.

 

([16]) ذم الهوى – ابن الجوزي – ص25.

 

([17]) المصدر السابق.

 

([18]) نضرة النعيم (9/3764) الأخلاق المذمومة.

 

([19]) ابن الجوزي – ذم الهوى – ص33.

 

([20]) ديوان الشافعي  - ص48.

 

([21]) ديوان أبو العتاهية: 33.

 

([22]) أدب الدنيا والدين للإمام الماوردي – ص35.

 

([23]) الخرَق: أي كثير حمقه وصار أحمقًا.

 

([24]) تهذيب الأخلاق – مختصرًا ص: 15-16.

 

([25]) نقلاً من مطوية لدار الوطن – أسباب التخلص من الهوى وكذلك رسالة في أمراض القلوب للمصنف – رحمه الله -.

 

([26]) من أراد الاستزادة فيراجع غير مأمور كتاب «ذم الهوى» ص: 14-15.

 

([27]) معجم مقاييس اللغة: (5- 87).

 

([28]) لسان العرب: (15- 180).

 

([29]) نضرة النعيم: (10/5422).

 

([30]) أخرجه الترمذي في الزهد برقم (2411) – وقال: إسناد حسن غريب.

 

([31]) رواه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة رقم: (1052)، وابن ماجه في الفتن (باب 18 حديث رقم: 1).

 

([32]) تفسير ابن كثير (4/311-312).

 

([33]) ذم قسوة القلب – الإمام ابن رجب الحنبلي – تحقيق د/ الوليد آل فريان.

 

([34]) الإمام أبو نعيم في الحلية (8/269).

 

([35]) للاستزادة انظر رسالة: ذم قسوة القلب – الإمام ابن رجب.

 

([36]) سبق تخريجه والحديث بأكمله ص24.

 

([37]) انظر: سنن ابن ماجه حديث رقم: (4193) كتاب الزهد.

 

([38]) رواه الإمام أحمد في المسند (2/297)، واللفظ له، والإمام الترمذي في الجامع رقم: (3334) وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح.

 

([39]) الرقة والبكاء – لابن أبي الدنيا – ص: 62.

 

([40]) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/142).

 

([41]) أخرجه البيهقي في الشعب رقم: (1859).

 

([42]) رواه أحمد (2/263)، والإمام الهيثمي في المجمع (8/160) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

 

([43]) رواه مسلم – كتاب الجنائز (2/73).

 

([44]) أهوال القبور الإمام ابن رجب – ص: 227. بتصرف.

 

([45]) ذم قسوة القلب الإمام ابن رجب الحنبلي ص: 32.

 

([46]) مختصر منهاج القاصدين – ابن قدامة – ص: 94.

 

([47]) تفسير ابن كثير (2/565).

 

([48]) انظر: صحيح البخاري.

 

([49]) لسان العرب (3/154).

 

([50]) الصحاح (2/466).

 

([51]) التعريفات ص95. وذكر مثله ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين ص203.

 

([52]) تهذيب الأخلاق ص33.

 

([53]) إحياء علوم الدين 1923، 193.

 

([54]) خاصمت وجادلت. تبعه: أي تبع الرجل الأنصاري.

 

([55]) رواه الإمام أحمد (3/166)، والإمام المنذري في الترغيب والترهيب في باب الترهيب من الحسد (348) وقال رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي.

 

([56]) رواه الإمام مسلم.

 

([57]) نزهة الفضلاء (1/42).

 

([58]) الدغل: الفساد ويعني به فساد القلب من الغل والحقد.

 

([59]) الفوائد ص134.

 

([60]) خلق المسلم – الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – ص93.

 

([61]) نضرة النعيم (10/4432).

 

([62]) رواه مسلم (4/304) في باب تحريش الشيطان.

 

([63]) السخيمة: الحقد والغل، والحديث رواه الترمذي (3551) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

 

([64]) خلق المسلم – للشيخ الغزالي – بتصرف.

 

([65]) التعريفات.

 

([66]) أدب الدنيا والدين – 232.

 

([67]) أضواء البيان (9/162).

 

([68]) صحيح البخاري – كتاب الأدب – وصحيح مسلم كتاب البر والصلة – 170 واللفظ له.

 

([69]) جامع الترمذي كتاب صفة القيامة وقال محقق جامع الأصول: له شواهد وهو بها حسن.

 

([70]) صحيح النسائي وقال الشيخ الألباني: حسن.

 

([71]) موسوعة نضرة النعيم في مكارم وأخلاق الرسول الكريم r: 4426. وقرأت في موضع آخر: «مودتها» بدل «إماتتها».

 

([72]) أدب الدنيا والدين ص: 167.

 

([73]) الزواجر – الإمام ابن حجر الهيتمي (1/52).

 

([74]) أدب الدنيا والدين ص: (179).

 

([75]) الترغيب والترهيب – للإمام المنذري – (3/555).

 

([76]) ديوان الشافعي ص: 121.

 

([77]) صحيح البخاري (كتاب التوحيد)، صحيح مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها).

 

([78]) أدب الدنيا والدين ص: 176.

 

([79]) نضرة النعيم (10/4429).

 

([80]) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال r: «العين حق ونهى عن الوشم» صحيح البخاري (4/30) باب العين حق.

 

([81]) أضواء البيان 146.

 

([82]) وكما ذكر سابقًا عن الحسد.

 

([83]) انظر: «علام يقتل أحدكم أخاه» لأبي المنذر الشيخ خليل بن إبراهيم. أكثر نقاط هذا المبحث منه.

 

([84]) رواه الإمام البخاري.

 

([85]) التفسير القيم – لابن القيم (585 – 593).

 

([86]) الحديث بتمامه انظر: موطأ الإمام مالك – رحمه الله – (1746) برواية يحيى بن يحيى، ومن طريق مالك أخرجه الإمام الشافعي في الطب من سننه الكبرى على تحفة الأشراف (1/66)، وانظر: صحيح الجامع (4/37).

 

([87]) رواه الإمام مسلم في كتاب الطب.

 

([88]) حديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه معروف في رقية سيد الحي من أحياء العرب.

 

([89]) علام يقتل أحدكم أخاه – لأبي المنذر الشيخ خليل بن إبراهيم.

 

([90]) هذه المسألة مذكورة كاملة في كتاب أضواء البيان (166/9) في تفسير سورة الفلق.

 

([91]) انتهت المسألة من أضواء البيان.

 

([92]) لسان العرب (1/582) باختصار.

 

([93]) إحياء علوم الدين (3/370).

 

([94]) ذكره ابن حجر في الفتح (10/307).

 

([95]) نزهة الفضلاء – الشيخ محمد عقيل موسى – (2/769) نقلاً من كتاب العجب.

 

([96]) سورة الأنفال: 25، انظر: تفسير السعدي رحمه الله ص293.

 

([97]) الجمّة: هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين. والتجلجل: هو أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد (الفتح: 307/10).

 

([98]) رواه الإمام البخاري – باب من جر ثوبه خيلاء (4/44).

 

([99]) رواه أبو داود (4341/4) في كتاب الملاحم واللفظ له، ابن ماجه في كتاب الفتن (2/1330).

 

([100]) مختصر منهاج القاصدين ص255.

 

([101]) نضرة النعيم (11-5377).

 

([102]) أدب الدنيا والدين – ص: 231.

 

([103]) إحياء علوم الدين (3/371).

 

([104]) أين نحن من أخلاق السلف/ عبد العزيز بن ناصر، بهاء الدين بن فاتح ص28.

 

([105]) نضرة النعيم (5370) بتصرف.

 

([106]) رواه الإمام البخاري في كتاب المرضى (حديث – 3) والإمام مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار (4/306) واللفظ له.

 

([107]) هكذا في الأصل – ولعله «عدا».

 

([108]) أي: بقية.

 

([109]) مداواة النفوس – 139-144 باختصار.

 

([110]) لسان العرب (5/129).

 

([111]) أي: الازدراء بهم واستحقارهم.

 

([112]) الكليات: 28.

 

([113]) إحياء علوم الدين (3/345) بتصرف واختصار.

 

([114]) رواه الإمام مسلم (1/93) باب تحريم الكبر.

 

([115]) مختصر منهاج القاصدين (248).

 

([116]) رواه الإمام البخاري (4/318) واللفظ له، ومعنى هذه الأولى: النار، وهذه الثانية: الجنة.

 

([117]) رواه الإمام مسلم (4/196)، والإمام ابن ماجه (2/4174) واللفظ له.

 

([118]) رواه الإمام مسلم (1/100).

 

([119]) شرح السنة – الإمام البغوي (8/390).

 

([120]) التواضع – لابن أبي الدنيا – 273.

 

([121]) أدب الدنيا والدين – 231.

 

([122]) أدب الدنيا والدين ص233، والسَّهِك: الكريهة. لسان العرب (10/445).

 

([123]) إحياء علوم الدين (3/ 353، 354).

 

([124]) الزواجر – (1/97-72) بتصرف يسير.

 

([125]) الكبائر – 78.

 

([126]) ولا يخفى على لبيب الآيات والأحاديث وغير ذلك مما ذكر وأكثر في عدَّ الإمام الذهبي – رحمه الله – الكبر من الكبائر.

 

([127]) وفي هذا كتب السيرة وغيرها تتحدث عن أخلاقه r وكتيبات، وغيره كثير موجود مطبوع في مكتباتنا بحمد الله.

 

([128]) تأمل وتفكر وتدبر قراءتها، فسبحان الله العظيم يُعزّ من يشاء ويُذلَ من يشاء كل ذلك بيده.

 

([129]) مختصر منهاج القاصدين (353-354) بتصرف واختصار.

 

([130]) مقاييس اللغة – لابن فارس (2/472-473) باختصار.

 

([131]) لسان العرب – ابن منظور – 14/296.

 

([132]) التعريفات: 119.

 

([133]) فتح الباري 11/344.

 

([134]) نفس المصدر السابق.

 

([135]) نضرة النعيم: 4552.

 

([136]) قيل: معناه: من قصد بعلمه الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله يجعله حديثًا عند الناس ممن أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة. وقيل غير ذلك. انظر: فتح الباري (345/11) والحديث رواه الأئمة البخاري ومسلم والترمذي.

 

([137]) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/500) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد (1/102).

 

([138]) التنبيهات المليحة 17.

 

([139]) المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (701).

 

([140]) رواه الإمام مسلم (1905).

 

([141]) نزهة الفضلاء (1/281)، وإحياء علوم الدين (3/296).

 

([142]) الإحياء (3/296).

 

([143]) نزهة الفضلاء (1/523).

 

([144]) إحياء علوم الدين 3/297، وذكر قريبًا منها ابن قدامة – رحمه الله – في كتاب مختصر منهاج القاصدين (234).

 

([145]) مختصر منهاج القاصدين- 237.

 

([146]) انظر في ص91/94 من الكتاب.

 

([147]) الزواجر (1/44)

 

([148]) نقلاً من كتابي نضرة النعيم (11/4568)، ومختصر منهاج القاصدين (241).

 

([149]) رواه الإمام البخاري.

 

([150]) مختصر منهاج القاصدين – بتصرف.

 

([151]) مختصر منهاج القاصدين – 242 – 243. بتصرف يسير جدًا.

 

([152]) من قوله: «المقام الثاني».

 

([153]) ومن الحب ما قتل – العشق. بتصرف.

 

([154]) معجم مقاييس اللغة (4/321).

 

([155]) لسان العرب (10/251-252).

 

([156]) العشق – الشيخ/ محمد بن إبراهيم الحمد ص6.

 

([157]) أمراض القلوب وشفاؤها ص60.

 

([158]) روضة المحبين – للإمام ابن القيم – 154. وهو كتاب مفيد نافع أطال مصنفه – رحمه الله – فيه النفس عن الحب والعشق وما يتعلق بهما فلينظر غير مأمور.

 

([159]) ومن الحب ما قتل – الشيخ/ عبد اللطيف بن هاجس ص13.

 

([160]) نفس المصدر السابق ص16.

 

([161]) رواه الإمام مسلم (1/74) باب وجوب محبة الرسول r.

 

([162]) السرية: الأمة التي بوأها سيدها منزلاً وهي مأخوذة من السر.

 

([163]) أمراض القلوب وشفاؤها 62.

 

([164]) روضة المحبين ونزهة المشتاقين – الإمام ابن القيم الجوزية – 197.

 

([165]) طوق الحمامة ص39.

 

([166]) روضة المحبين ص: 202 باختصار.

 

([167]) ديوان أبي تمام.

 

([168]) العشق ص: 14. والوسن: أول النوم.

 

([169]) ومن الحب ما قتل ص: 8، والعبودية – شيخ الإسلام ابن تيمية – ص: 97-98.

 

([170]) العشق ص: 35.

 

([171]) الأرعن: الأهوج من منطقه، والرعونة: الحمق والاسترخاء. لسان العرب (13-183).

 

([172]) الآداب الشرعية والمنح المرعية – الإمام ابن مفلح (3/1113).

 

([173]) حراسة الفضيلة ص: 7.

 

([174]) موضع الحاجة: كالنظر إلى المخطوبة، والنظر إلى الوجه في الشهادة وغيره.

 

([175]) روضة المحبين ص: 112.

 

([176]) أسباب العشق مشتقاه من كتيب «العشق» ص: 31-54 باختصار وتصرف.

 

([177]) ففروا إلى الله – الشيخ أبي ذر القلموني ص: 185.

 

([178]) الجواب الكافي ص: 390.

 

([179]) ذم الهوى ص: 443.

 

([180]) العبودية ص: 95.

 

([181]) من أراد الاستزادة عن خطورة العشق فلينظر غير مأمور – إلى كتيب «العشق» للشيخ/ محمد الحمد، وهو معاصر، وكتاب «روضة المحبين» و «الجواب الكافي» للعلامة ابن القيم – رحمه الله ؛ ففيهم نفع وفائدة عظيمة.

 

([182]) رواه الإمامان البخاري في كتاب الصوم والنكاح ومسلم في كتاب النكاح (2/327).

 

([183]) المراجع: تلك الكتب التي تناولها الباحثون المتأخرون، والمصادر: تلك الكتب القديمة التي نقل عنها المتأخرون، هذا للعلم والفائدة والله أعلم.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع ابن حجر الهيتمي الباب الثاني{الجزء الثاني}

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع/الباب الثاني المحتويات  القسم الأول: اللعب بالنرد  القسم [الثاني]: اللعب بالشِّطرَنج  القسم الثالث: ...