Translate

الأحد، 19 فبراير 2023

ج5.وج6.الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد

ج5. الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد
موافق للمطبوع

322
عليهم في الجهر بالتسمية في أول الفاتحة ثم عاد إلى مراكش وهي كرسي ملكهم فجاءة كتاب ملك الفرنج يتهدده من جملة كتابه باسمك اللهم فاطر السموات والأرض وصلى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته فمزق يعقوب الكتاب وكتب على ظهر قطعة منه ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجتهم منها أذلة وهم صاغرون الجواب ما ترى لا ما تسمع وأنشد ) ولا كتب إلا المشرقية عندنا * ولا رسل إلا الخميس العرمرم ) ثم سار إليهم وعبر بحرسبتة إلى الأندلس ثم رحل منها فدخل بلادهم وأوقه بهم وقعة لم يسمع بمثلها ولم ينج منهم إلا ملكهم في عدد يسير وبلغت الدروع من المغنم ستين ألف ردع ولم يحص عدد الدواب وكان من عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم ثم عاد إلى أشبيلية والتمس الفرنج صلحهم فصالحهم ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم والتحسين بناها على جانب البحر المحيط وسماها دار الفتح ثم رجع إلى مراكش وكان محبا للعلم والعلماء يصلي الدنانير اليعقوبية وكان قد عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم قال ابن خلكان أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج مثل أبي الخطاب بن دحية وأخيه أبي عمر ومحي الدين بن عربي الطائي نزيل دمشق وغيرهم وتوفي يعقوب بمراكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق لتترحم عليه المارة وقيل انه تجرد من الملك وذهب إلى المشرق فمات خاملا قال اليافعي سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن شيوخ المغرب راموا أن يعارضوا رسالة القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة فذكروا إبراهيم بن أدهم وقالوا لا تتم لنا

(4/322)


233
المعارضة إلا بملك مثله فلما تزهد يعقوب وانسلخ عن الملك ثم لهى ذلك وبويع بعد يعقوب لوالده محمد الناصر فاسترجع المهدية من الملثم سنة ست وتسعين وخمسمائة قال ابن كثير في هذه السنة والتي بعدها كان بديار مصر غلاء شديد فهلك الغني والفقير وعم الجليل والحقير وهرب الناس منها نحو الشام ولم يصل منهم إلا القليل من وتخطفتهم الفرنج من الطرقات وعزوهم في أنفسهم واغتالوهم بالقليل من الأقوات وفيها توفي أبو جعفر القرطبي أحمد بن علي بن أبي بكر المقرئ الشافعي إمام الكلاسة وأبو إمامها ولد سنة ثمان وعشرين بقرطبة وسمع بها من أبي الوليد بن الدباغ وقرا القراءان ت على أبي بكر بن صيف ثم حج وقرأ القراءات علي ابن سعدون القرطبي ثم قدم دمشق فأكثر عن الحافظ ابن عساكر وكتب الكثير وكان عبدا صالحا خبيرا بالقراءات وفيها أبو اسحق العراقي العلامة إبراهيم بن منصور بن المسلم الفقيه الشافعي المصري المعروف بالعراقي ولد بمصر سنة عشر وخمسمائة ولقب بالعراقي لاشتغاله ببغداد بها على أبي بكر الأرموي تلميذ أبي إسحق الشيرازي وغيره وبمصر على القاضي مجلي وشرح المهذب في نحو خمسة عشر جزءا متوسطة وتخرج به جماعة وتوفي في جمادي الأولى وفيها اسمعيل بن صالح ابن ياسين أبو الطاهر الساعي المقرئ الصالح روى عن أبي عبد الله الرزاز مشيخته وسداسياته وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو سعيد الرارني براءين مهملتين نسبة إلى راران قريو بأصبهان

(4/323)


324
خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الاصبهاني الصوفي ولد سنة خمسمائة وروى عن الحداد ومحمود الصيرفي وطائفة وتوفي في ربيع الآخر وتفرد بعدة أجزائ وفيها علاء الدين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن أطر ابن محمد بن بوستكين سلطان الوقت ملك من السند والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى بغداد وكان جيشه مائة ألف فارس وهو الذي أزال دولة بني سلجوق وكان حاذقا بلعب العود ذهبت عينه في بعض حروبه وكان شجاعا فارسا عالي الهمة تغيرت نيته للخيفة وعزم على قصد العراق فجاءه الموت فجأة بدهستان في رمضان وحمل إلى خوارزم وقيل كان عنده أدب ومعرفة بمذهب الأمام أبي حنيفة مات بالخوانيق وقام بعده ولده قطب الدين محمد ولقبوه بلقب أبيه وفيها مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل الكلابي الحلبي الشافعي الفرضي مدرس مدرسة صلاح الدن بالقدس سمع الحديث من جماعة وحدث وصنف للسلطان نور الدين الشهيد كتابا في فضل الجهاد وهو واد بني جهبل الفقهاء الدمشقيون وأحد من قام على السهرودي الفيلسوف وأفتى بقتله مات بالقدس عن أربع وستين سنة وفيها القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محي الدين صاحب ديوان الإنشاء وشيخ البلاغة ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة قيل أن مسودات رسائله لو جمعت لبلغت مائة مجلد قال عبد اللطيف البغدادي في تاريخه كان ثلاثة أخوة أصلهم من بيسان وكان أحدهم بالإسكندرية وبها مات وخلف من الخواتم صناديق ومن الحصر والقدور والخزف بيوتا مملوءة وكان متى رأى خاتما أو سمع به اجتهد في تحصيله واشتراه واما الأخ الثاني فكان له هوس مفرط

(4/324)


325
في تحصيل الكتب وكان عنده مائتا ألف كتاب ومن كتاب نسخ كثيرة حتى من الصحاح ثمان عشرة نسخة وأما الثالث فالقاضي الفاضل وكان يحب الكتابة فصد مصر ليشتغل بالأدب فاشتغل به وحفظ القرآن وقال الشعر والمراسلات وخدم الأكابر فلما ملك أسد الدين احتاج إلى كاتب فأحضر إليه فأعجبه نفاده وسمته ودينه ونصحه فلما تملك صلاح الدين استخلصه لنفسه وحسن اعتقاده فيه ووجد البركة في رأيه ولذلك لم يكن أحد في منزلته وكان نزها عفيفا نظيفا قليل اللذات كثير الحسنات دائم التجهد ملازم القرآن والاشتغال بعلوم الأدب غير انه كان خفيف البضاعة من النحو لا عريا منه لكن قوة الدربة توجب له عدم اللحن وكتب ما لم يكتبه أحد ولما عظم شأنه أنف من قول الشعر وكان لباسه لا يساوي دينارين وثيابه البياض ولا يركب معه أحد ولا يصحبه سوى غلام له ويكثر زيارة القبور ويشيع الجنائز ويعود المرضى وكان له صدقات ومعروف كثير في الباطن وكان ضعيف البنية رقيق الصورة له حدبة يسترها الطليسان وفيه سوء خلق لا يضر أحدا ولأصحاب الفشائل عنده موقع يحسن إليهم ولا بمن عليهم ويؤثرا أرباب البيوت ومن كان خملا من ذوي النباهة ويحب الغرباء ولم يكن له انتقام من أعدائه بل يحسن إليهم وكان دخله كل سنة من إقطاعه ورباعه وضياعه خمسون ألف دينار هذا سوى التجارات من الهند والمغرب وغير ذلك وسوى ضيعة من السلطان تسمى ترنجه تعمل أثنى عشر ألف دينار وكان يقتني الكتب من كل فن ويجتلبها من كل جهة وله نساخ لا يفترون ومجلدون لا يسأمون قال لي بعض من يخدمه في الكتب أن عدد كتبه قد بلغ مائة ألف كتاب وأربعة عشر ألف كتاب هذا قبل أن يموت بعشرين سنة وحكى لي ابن صورة الكتبي قال أن ابنه التمس من نسخة حماسة ليقرأها فقلت

(4/325)


326
للفاضل فاستدعى م الخادم أن يحضر شدات الحماسة فاحضر خمسا وثلاثين نسخة يقول هذه بخط فلان وهذه بخط فلان حتى أتى على الجميع ثم قال ليس فيها ما تبتذله الصبيان فاشترى له نسخة ولم يزل معظما بعد موت صلاح الدين عند ولده العزيز ثم الأفضل ومات فجأة أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال واستيلاء الأدبار كان أمر بإصلاح الحمام وقت السحر فأصلح وجاءت ابنته تخبره بذلك فوجدته جالسا ساكتا فهابته لأنه كان مهابا فطال سكوته حتى ارتابت فقدمت قليلا فلم تر عليه أثر حركة فوضعت يدها عليه فخر صريعا وأخذ في النزع وقبض وقت الظهر وقت رجوع عسكر مصر مهزوما ودخل الملك الأفضل فصلى عليه ودفن بالقرافة وكان له يوم مشهود وفي حدبة القاضي الفاضل ابن سناء الملك ) حاشا لعبد الرحيم سيدنا الفاضل * ما تقوله السفل ) ) يكذب من اقل أن حدبته * في ظهره من عبيده حبل ) ) هذا قياس في غير سيدنا * يصح لو كان يحبل الرجل ) وحدثني من أثق به أن الفاضل دخل مع أبيه مصر لطلب الإنشاء وكان إذا ذاك المقدم بها فيه ابن عبد الظاهر فقصده وطلب منه الاشتغال عليه بذلك فقال له ما أعددت للأنشاء قال ديواني الطائيين يعني أبا تمام الطائي والبحتري الطائي فقال مختبرا لقابليته اذهب فانثرهما ذهب ونثرهما في ليلة واحدة وعرضهما عليه فقال له يقرب أن تصير كاتب إنشاء انتهى وقال ابن شبهة في تاريخه كان له بمصر ربع عظيم يؤخر بمبلغ كثير فلما عزم على الحج ركب ومر به ووقف وقال اللهم انك تعلم أن هذا الربع ليس شيء أحب إلى منه اللهم فاشهد أني وقفته على فكاك الأسرى وهو إلى يومنا هذا وقف وهو الذي زاد في الكلاسة بدمشق مثلها ولما حفرها وجد تحت الأرض أعمدة رخام قائمة على واعد رخام وفوقها مثلها وأثر العمارة تحت الأرض ليس له

(4/326)


327
نهاية كأنه كان معبدا ووجد فيه قبله نحو الشمال وله مدرسة بالقاهرة هي أول مدرسة بنيت بالقاهرة وكان صلاح الدن يقول ما فتحت البلاد بالعساكر إنما فتحتها بكلام الفاضل وله مائتان وخمسون ألف بيت من الشعر انتهى مخلصا وفيها تاج الدين أبو منصور عبد العزيز بن ثابت بن طاهر البغدادي المأموني السمعي بكسر السين المهملة والسكون نسبة إلى السمع بن مالك بطن من الأنصار الخياط المقرئ الفقيه الحنبلي الزاهد قال أبو الفرج بن الحنبلي كان رفيقنا في سماع درس ابن المنى من الزهد والعبادة إلى حد يقال به تمسك بغداد وكان لطيفا في صحبته توفي يوم الأربعاء تاسع عشرى شعبان ودفن بباب حرب وفيها عبد اللطيف بن أبي البركات اسمعيل بن أبي سعد النيسابوري ثم البغدادي ابن شيخ الشيوخ كان صوفيا عاميا روى عن قاضي المارستان وابن السمر قندي وحد فقدم دمشق فمات بها في ذي الحجة وفيها ابن كليب مسند العراق أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعيد الحراني ثم البغدادي الحنبلي التاجر ولد في صفر سنة خمسمائة وسمع من ابن بيان وابن نبهان وابن زيدان الحلواني وطائفة ومات ربيع الأول ممتعنا بحواسه قاله في العبر وفيها الأثير محمد بن محمد بن أبي الطاهر بن محمد بن بيان الانباري ثم المصري الكاتب روى عن أبي صادق ومرشد المديني وغيره وروى ببغداد صحاح الجوهري عن أبي البركات العراقي وعمر وزالت رياسته وتوفي في ربيع الآخر وله تسع وثمانون سنة وفيها الشهاب الطوسي أبو الفتح محمد بن محمود بن محمد بن شهاب الدين نزيل مصر وشيخ الشافعية توفي بمصر عن أربع وسبعين سنة ودرس وأفتى

(4/327)


328
ووعظ وتخرج به الأصحاب وكان يركب بالغاشية والسيوف المسلولة وبين يديه ينادي هذا ملك العلماء وبنى له الملك عمر بن شاهنشاه المدرسة المعروفة بمنال العز وانتفع به جماعة كثيرة وكان جامعا لفنون كثيرة معظما للعلم وأهله غير ملتفت إلى أبناء الدنيا ووعظ بجامع مصر لفنون كثيرة معظما للعلم وأهله غير ملتفت إلى أبناء الدنيا ووعظ بجامع مصر مدة ذكر أبو شامة انه لما قدم بغداد كان يركب بسنجق والسيوف مسللة والغاشية على رأسه والطوق في عنق بغلته فمنع من ذلك فذهب إلى مصر ووعظ وأظهر مذهب ألاشعري ووقع بينه وبين الحنابلة أمور وقال غيره وكان معظما عند الخاص والعام طويلا مهيبا مقداما يرتاع منه كل أحد ويرتاع هو من الخبوشاني وعيه مدار الفتوى في مذهب الشافعي وتوفي في ذي القعدة وفيها ابن رزيق الحداد أبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي شيخ الاقراء ولد سنة تسع وخمسمائة وقرأ على أبيه وعلى سبط الخياط وسمع من أبي علي الفارقي وعلي بن علي بن شيران وأجاز له خميس الجوزى وطائفة وتوفي في رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة فيها كان الجوع المفرط والموت بالديار المصرية وجرت أمور تتجاوز الوصف ودام ذلك إلى نصف العام الآتي فلو قال قائل مات ثلاثة أرباع أهل الأقليم لما أبعد وأكلت لحوم الآدميين وفي شعبان كانت الزلزلة العظمى إلى عمت أكثر الدنيا قال أبو شامة مات بمصر خلق تحت الهدم قال ثم تهدمت نابلس وذكر خسفا عظيما إلى أن قال وأحصى من هلك في هذه السنة فكان ألف ألف ومائة ألف

(4/328)


329
وفيها توفي اللبان القاضي العدل أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد التميمي الأصبهان مسند العجم مكثر عن أبي علي الحداد وله إجازة من عبد الغفار السروي توفي في آخر العام وفيها أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجي الأزجي الحنبلي مفيد بغداد ومحدثها كتب الكثير وعنى بهذا الشأن وحدث عن أبي بكر بن الزاغوني وطبقته وسمع منه ابن النجار وتكلم فيه وهو وشيخه ابن الأخضر وأجاز للحافظ المنذري وتوفي يوم السبت ثالث جمادي الآخرة عن أربع وخمسين سنة ودفن بمقبرة باب حرب وفيها ظافر بن الحسين أبو منصور الازدي المصري شيخ المالكية كان منتصبا للإفادة والفتيا وانتفع به بشر كثير وتوفي في مصر في جمادي الأولى وفيها أبو محمد بن الطويلة عبد الله بن أبي بكر المبارك بن هبة الله البغدادي روى عن ابن الحصين وطائفة وتوفي في رمضان وفيها أبو الفرج بن الجوزى عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن جمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القسم ابن النضر بن القسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه القرشي التيمي الكبرى البغدادي الحنبلي الواعظ المتفنن صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها وسمع من علي بن عبد الواحد الدينوري وابن الحصين وأبي عبد الله البارع وتتمة سبعة وثمانين نفسا ووعظ من صغره وفاق فيه الأقران ونظم الشعر وكتب بخطه مالا يوصف ورأى من القبول والاحترام مالا مزيد عليه وحكى غير مرة أن مجلسه حرز بمائة

(4/329)


330
ألف وحضر مجلسه الخليفة المستضئ مرات من وراء الستر وذكر هو انه منسوب إلى محلة بالبصرة تسمى محلة الجوز لوما ترعرع حملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر وهو خاله فاعتنى به وأسمعه الحديث وحفظ القرآن وقرأه على جماعة من القراء بالروايات وسمع بنفسه الكثير وعنى بالطلب ونظر في جميع الفنون والف فيها وعظم أنه في ولاية ابن هبيرة قال في آخر كتاب القصا والمذكرين له مازلت أعظ الناس وأحرضهم على التوبة والتقوى فقد تاب على يدي إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل وقد قطعت من شعور الصبيان اللاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف قال ولا يكاد يذكر لي حديث إلا ويمكنني أقول صحيح أو حسن أو محال ولقد أقدرني الله على أن ارتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ وقال سبطه أبو المظفر كان زاهدا في الدنيا متقللا منها وما مازح أحدا قط ولا لعب مع صبي ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها وما زال على ذلك الأسلوب إلى أن توفاه الله تعالى وقال الموفق عبد اللطيف كان ابن الجوزى لطيف الصوت حلو الشمائل رخيم النغمة موزون الحركات لذيذ المفاكهة يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون لا يضيع من زمانه شيئا يكتب في اليوم أربع كراريس ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدا إلى ستين وله في كل علم مشاركة وكان يراعي حفظ صحته وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة يعتاض عن الفاكهة بالمفاكهة لباسه الأبيض الناعم المطيب ونشأ يتيما على العفاف والصلاح وله مجون لطيف ومداعبات حلوة ولا ينفك من جارية حسناء وذكر غير واحد انه شرب حب البلادر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدا وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات وصنف في جواز الخضاب بالسواد جلدا

(4/330)


331
وسئل عن عدد تصانيفه فقال زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفا منها ما هو عشرون مجلدا وأقل وقال الحافظ الذهبي ما علمت أن أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل وقال يوما في مناجاته الهي لا تعذب لسانا يخبر عنك ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك ولا قدما تمشي إلى خدمتك ولا يدا تكتب حديث رسولك فبعزتك لا تدخلني النار فقد علم أهلها أني كنت أذب عن دينك وقال ابن رجب نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه واشتد نكيرهم عليه في ذلك ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف وهو أن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن يحل شبه المتكلمين وبيان فسادها وكان معظما لأبي الوفاء بن عقيل متابعا لأكثر ما يجده من كلامه وان كان قد رد عليه في بعض المسائل وكان ابن عقيل بارعا في الكلام ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار فلهذا يضطرب في هذا الباب ويتلون فيه أراؤه وأبو الفرج تابع له في هذا التلون قال الشيخ موفق الدين المقدسي كان ابن الجوزى أما أهل عصره في الوعظ وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة وكان صاحب فنون وكان يدرس الفقيه ويصنف فيه وكان حافظا للحديث وصنف فيه إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة ولا طريقته فيها انتهى توفي ليلة الجمعة بين العشاءين من شهر رمضان وكان في تموز فأفطر بعض من حضر جنازته لشدة الزحام والحر وفيها ابن ملاح الشط عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي روى عن ابن الحصين وطبقته ومات في عشر المائة وفيها عمر بن علي الحربي الواعظ أبو علي البغدادي روى عن ابن الحصين أيضا والكبار وتوفي في شوال وفيها قراقوش الأمير الكبير الخادم بهائ الدين الأبيض فتى الملك أسد الدين شيركوه وقد وضعوا عليه خرافات لا تصح ولولا وثوق صلاح الدين

(4/331)


332
بعقله لم سلم إليه عكا وغيرها وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة قال ابن شبهة أسر في عكا ففداه السلطان بستين ألف دينار وهو الذي بنى قلعة القاهرة والسور على مصر والقاهرة والقنطرة التي عند الأهرام وله مع المصريين وقعات عجيبة حتى صنفوا له كتاب الفافوش في أحكام قراقوش انتهى وفيها الكراني أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخباز المعمر توفي في شوال وقد استكمل مائة عام وسمع الكثير من الحداد ومحمود الصيرفي وغيرهما وكران محلة معروفة بأصبهان وفيها العماد الكاتب الوزير العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني ويعرف بابن أخي العزيز ولد سنة تسع عشرة بأصبهان وتفقه ببغداد في مذهب الشافعي علي ابن الرزاز واتقن الفقه والخلاف والعربية وسمع من علي بن الصباغ وطبقته وأجاز له ابن الحصين والفراوي ثم تعاني الكتابة والترسل والنظم ففاق الأقران وحاز قصب السبق وولاه ابن هبيرة نظر واسط وغيرها ثم قدم دمشق بعد الستين وخمسمائة وخدم في ديوان الإنشاء فبهر الدولة ببديع نثره ونظمه وترقي إلى أعلى المراتب ثم عظمت رتبته في الدولات الصلاحية وما بعدها وصنف التصانيف الأدبية وختم به هذا الشأن وكانت بينه وبين القاضي الفاضل مطارحات ومداعبات قال يوما للقاضي الفاضل سر فلا كبابك الفرس وكانا تلاقيا في الطريق وإنما أراد انه يقرأ طردا وعكسا فأجابه الفاضل في الحال دام علا العماد وهو أيضا يقرأ طردا وعكسا واجتمعا يوما في مجلس السلطان وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان فأنشد العماد ) أما الغبار فأنه * مما أثارته النسابك )

(4/332)


333
والجود منه مظلم * لكن أنار به السنابك ) ) يا دهر لي عبد الرحيم * فلست أخشى من نابك ) ولما صنف خريدة القصر أرسلها إلى الفاضل فوقف عليها فلم تعجبه وكانت في ثمانية أجزاء فقال ابن الآخران لأنه سماها خريدة يعني خرى عشرة وهذه ثمانية لأن ده بالعجمي عشرة ومن ههنا أخذ ابن سناء الملك قوله ) خريدة أفيه من نتنها * كأنها من بعض أنفاسه ) ) فنصفها الأول في ذقنه * ونصفها الآخر في رأسه ) توفي العماد رحمه الله تعالى في أول رمضان ودفن بمقابر الصوفية وفيها ابن الكيال أبو عبد الله محمد بن محمد بن هرون البغدادي ثم الحلي البزار أحد القراء الأعيان ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وقرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم الشهر زورى وأقرأ بالحلة زمانا وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو شجاع بن المقرون محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي البغدادي أحد ائمة القراء قرأ على سبط الخياط وأبي الكرم وسمع من أبي الفتح بن البيضاوي وطائفة وقلن خلقا لا يحصون وكان صالحا عابدا ورعا مجاب الدعوة يتقوت من كسب يده وكان من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر توفي في ربيع الآخر وفيها أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن غصن الإشبيلي أخذ القراءات عن شريح وجماعة وحدث عن ابن العربي وتصدر للأقراء وكان آخر من قرا القراءات على شريح توفي في هذا العام وفي حدوده قاله في العبر سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فيها تغلب قتادة بن إدريس الحسيني على مكة وزالت دولة بني فليتة

(4/333)


334
وفيها جاءت زلزلة عظيمة في شعبان قلعة حمص ورمت المنظرة التي على القعلة وأخرجت ما بقي من نابلس وفيها شرح الشيخ أبو عمر شيخ المقادسة في بناء الجامع بالجبل وكان بقاسيون رجل فأمي يقال له أبو داود محاسن فوضع أساسه وبقي قامة وأنفق عليه ما كان يملكه وبلغ مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل فبعث إلى الشيخ أبي عمر مالا فتممه وأوقف عليه وقفا وبعد ذلك أراد مظفر الدين يسوق إليه ماء من برزة وبعث إليه الماء فقال المعظم عيسى طريق الماء كلها قبور كيف يجوز نبش عظام المسلمين أعملوا مدارا عل بغل ولا تؤذوا أحدا واشتروا بالباقي وقفا ففعلوا ذلك وفيها توفي أحمد بن ترمش الخياط البغدادي نقيب القاضي روى عن قاضي المارستان والكروخي وجماعة وتوفي بحلب وفيها أسعد بن أحمد بن أبي غانم الثقفي الأصبهاني الضرير سمع هو وأخوه زاهر الثقفي مسند أبي يعلى من أبي عبد الله الخلال وسمع هو من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وجامعة وكان فقيها معدلا وفيها لمؤيد أبو المعالي أسعد بن العميد بن أبي يعلى بن القلانسي التميمي الدمشقي الوزير روى عن نصر الله المصيصي وغيره ومات في ربيع الأول وكان صدر البلد وفيها الملك المعز إسماعيل بن يوسف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيوب صاحب اليمن وابن صاحبها كان مجرما مصرا على الخمر والظلم أدعى انه أموي وخرج وعزم على الخلافة فوثب عليه إخوان من امرائه فقتلاه ويقال انه ادعى النبوة ولم يصح وولى بعده أخ له صبي اسمه الناصر أيوب قاله في العبر

(4/334)


335
وفيها الخشوعي مسند الشام أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الانماطي ولد في صفر سنة عشروا كثر عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة وأجاز له الحريري وأبو صادق المديني وخلق من العراقيين والمصريين والأصبهانيين وعمر وبعد صيته ورحل إليه وكان صدوقا توفي في سابع صفر وفيها أبو الثناء حماد بن هبة الله بن حماد بن الفضل بن الفضلي الحراني التاجر السفار المحدث الحافظ الحنبلي المؤرخ ولد في ربيع الأول سنة إحدى عشرة بحران وسمع ببغداد من أبي القسم بن السمر قندي وأي بكر بن الزاغوني وجماعة وبهراة ومصر والإسكندرية من الحافظ السلفي وغيره وجمع تاريخا بحران وحدث به وجمع جزءا فيمن اسمه حماد وله شعر جيد وحدث بمصر والإسكندرية وبغداد وحران وممن روى عنه الشيخ موفق الدين وعبد القادر الرهاوي والعلم السخاوي المقرئ والحافظ الضيائ وغيرهم وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشرى ذي الحجة بحران وفيها أبو محمد الحربي عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الاسكاف روى المسند عن ابن الحصين ببغداد وبالموصل واشتهر ذكره وتوفي في المحرم وفيها أبو بكر عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية المحاربي الغرناطي المالكي المفتي تفرد بإجازة غالب بن عطية أخو جدهم وأبي محمد بن عتاب وسمع من القاضي عياض والكبار وهو من بيت علم ورواية وفيها أبو الحسن العمري عبد الرحمن بن أحمد بن محمد البغدادي القاضي أجاز له أبو عبد الله البارع وسمع من ابن الحصين وطائفة وناب في الحكم وتوفي في رمضان وفيها زين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي الدمشقي

(4/335)


336
الشافعي سمع من جده أبي الفضل يحيى الزكى وجماعة وأجاز له زاهر الشحامي وجماعة وكان نعم الرجل فقها وفضلاً ورياسة وصلاحا توفي في ذي الحجة رحمه الله وفيها عبد الرحيم بن أبي القسم الجرجاني أبو الحسن أخو زينب الشعرية ثقة صالح مكثر روى مسلما عن الفراوي والسنن والآثار عن عبد الجبار الحواري والموطأ عن السيدي والسنن الكبير عن عبد الجبار الدهان وتوفي في المحرم وفيها الدولعي نسبة إلى الدولعية قرية بالموصل خطيب دمشق ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن يس التغلبي الموصلي الشافعي وله إحدى وتسعون سنة تفقه بدمشق وسمع من الفقيه نصر الله المصيصي وببغداد من الكروخي وكان مفتيا خبيرا بالمذهب خطب دهرا ودرس بالغزالية وولى الخطابة بعده سبعا وثلاثين سنة ابن أخيه قال النووي في طبقاته كان عبد الملك شيخ شيوخنا وكان أحد الفقهاء المشهورين والصلحاء الورعين توفي في ربيع الأول ودفن بباب الصغير ونقل عنه في الروضة وفيها على بن محمد بن على بن يعيش سبط ابن الدامغاني روى عن ابن الحصين وزاهر وتوفي في صفر وكان متميزا جليلا لقيه ابن عبد الدائم وفيها لولو الحاجب العادلي من كبار الدولة له مواقف حميدة بالسواحل وكان مقدم المجاهدين المؤيدين الذين ساروا الحرب الفرنج الذين قصدوا الحرم النبوي في البحر وظفروا بهم قيل أن لولو سار جازما بالنصر وأخذ معه قيودا بعدد الملاعين وكانوا ثلثمائة وشيء كلهم من الأبطال من كرك الشوبك مع طائفة من العرب المرتدة فلما بقى بينهم وبين المدينة يوم ادركهم لؤلؤ وبذل الأموال للعرب فخامروا معه وذلت الفرنج واعتصموا

(4/336)


337
بجبل فترجل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس وقيل بل صعد في تسعة أنفس فهابوه وسلموا أنفسهم فصفدهم وقيدهم كلهم وقدم بهم مصر وكان يوم دخولهم يوما مشهودا وكان لولو شيخا أرمنيا من غلمان القصر فخدم مع صلاح الدين فكان أينما توجه فتح ونصر ثم كثبر وترك وكان يتصدق كل يوم بعدة قدور طعام وباثني عشر ألف رغيف ويضعف ذلك في رمضان توفي في صفر رحمه الله تعالى وفيها ابن الوزان عماد الدين محمد بن الأمام أبي سعد عبد الكريم بن أحمد الرازي شيخ الشافعية بالري وصاحب شرح الوجيز قال ابن السمعاني عالم محقق مدقق تفقه على والده ثم علي أبي بكر الخجندي وجالس الشيخ أبا اسحق وفيها ابن الزكي قاضي الشام محي الدين أبو المعالي محمد بن قاضي القضاة منتخب الدين محمد بن يحيى القرشي من ذرية عثمان بن عفان رضي الله عنه الشافعي ولد سنة خمسين وخمسمائة وروى عن الوزير الفلكي وجماعة وكان فقيها إماما طويل الباع في الإنشاء والبلاغة فصيحا مفوها كامل السؤدد قال ابن خلكان كان ذا فضائل عديدة من الفقه بدمشق وكذلك أبوه زكي الدين وجده مجد الدين وجد أبيه زكي الدين وهو أول من ولى من بيتهم وولده زكي الدين أبو العباس الطاهر ومحي الدين أبو الفضل يحيى كانوا قضاتها وكانت له عند السلطان صلاح الدين المنزلة العالية ولما فتح السلطان المذكور حلب ثامن صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة أنشده القاضي محي الدين قصيدة بائية من جملة أبياتها ) وفتحك القلعة الشبهاء في صفر * مبشر بفتوح القدس في رجب ) فكان كما قال فأن القدسي فتحت لثلاث يقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فقيل المحي الدين من ابن لك من ابن لك هذا قال أخذته

(4/337)


338
من تفسير ابن برجان في قوله تعالى ) ^ آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) وذكر له حساباً طويلاً وطريقاً في استخراج ذلك وخطبته يوم فتح المقدس من أبلغ الخطب وأشهرها فلا نطول بذكرها وتوفي في سابع شعبان بدمشق ودفن من يومه بسفح قاسيون . وفيها محمود بن عبد المنعم التميمي الدمشقي روى معجم ابن جميع عن جمال الإسلام وتوفي في جمادى الأولى . وفيها السبط أبو القسم هبة الله بن الحسن بن أبي سعيد الهمداني سبط ابن لآل روى عن أبيه وابن الحصين وخلق توفي في المحرم وفيها البوصيري أبو القسم هبة الله بن علي بن مسعود الأنصاري الكاتب الأديب مسند الديار المصرية ولد سنة ست وخمسمائة وسمع من أبي صادق المديني ومحمد بن بركات السعيدي وطائفة وتفرد في زمانه ورحل إليه توفي في ثاني صفر وفيها أبو غالب هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد السامري ثم البغدادي الحريمي ثم الآزجي الفقيه الحنبلي الواعظ سمع من أبي البدر الكرخي وغيره ولازم أبا الفرج بن الجوزي وتفقه وتكلم وافتى ووعظ قال القادسي كان فقيهاً مجوداً واعظا دينا خيرا سمع منه ابن القطيعي وروى عنه ابن خليل في معجمعه وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر المحرم ودفن من الغد بمقبرة الأمام احمد قريبا من بشر الجافي رضي الله عنهم أجمعين سنة تسع وتسعين وخمسمائة في ليلة السبت سلخ المحرم هاجت النجوم في السماء شرقا وغربا وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا وأقام ذلك إلى الفجر وانزعج الخلق وضجوا بالدعاء ولم يعهد مثل ذلك الاعام البعث قاله السيوطي في حسن المحاضرة

(4/338)


339
وفيها توفي أبو علي بن شنانة الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني ثم البغدادي الصوفي روى عن ابن الحصين وغيره وتوفي في صفر وفيها أبو محمد بن عليان عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي روى عن ابن الحصين وجماعة وتغير من السوداء في آخر عمره مديدة وفيها أبو الفتح القاشاني إسماعيل بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن الخليل المروذي الحافظ ابن أبي نصر كان عالماً فاضلاً حافظاً من المكثرين قال ابن ناصر الدين في بديعته ) ثم الفتى إسماعيل ذا القاشاني * ثبت صدوق طيب اللسان ) وفيها أبو اسحق إبراهيم بن احمد بن محمد بن احمد بن الصقال الطيبي ثم البغدادي الازجي الفقيه الحنبلي مفتي العراق ويلقب موفق الدين ولد في خامس عشرى شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة وسمع من ابن الطلاية وابن ناصر وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلي الصغير وأبي حكيم النهرواني وقيل وعلى ابن المنى أيضا وبرع في الفقه مذهبا وخلافا وجدلا واتقن علم الفرائض والحساب وكتب خطا حسنا وافتى ودرس وناظر وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة واعيان المفتين المعتمد على اقوالهم في المحافل والمجاليس متين الديانة حسن المعاشرة طيب المفاكهة وسمع منه القطيعي وروى عنه ابن الدبيثي والحافظ الضياء وابن النجار وتوفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة ودفن بباب حرب وهو منسوب إلى الطيب بلدة قديمة بين واسط والاهواز وينسب إليها الطيبي شارح الكشاف أيضا وفيها أبو بكر مجد الدين عبيد الله بن علي بن نصر بن حمرة بن علي ابن عبيد الله البغدادي التميمي المعروف بابن المرستانية الفقيه الحنبلي الأديب المحدث المؤرخ كان يذكر انه من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويذكر

(4/339)


340
نسبا متصلا إليه وذكرانه ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث من أبي المظفر بن الشبلي وابن البطي وابن بندار وشهدة وغيرهم وقرأ كثيرا على المشايخ المتأخرين بعدهم وحصل الأصول وعني بهذا الفن وتفقه في المذهب وصنف كتابا سماه ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام قسمه ثلثمائة وستين كتابا وله غير ذلك قال ابن النجار كان قد قرأ كثيرا من علم الطب والمنطق والفلسفة وكانت بينه وبين عبيد الله بن يونس صداقة فلما أفضيت إليه الوزارة اختص به وقوى جاهه وبنى داراً بدرب الشاكرية وسماها دار العلم وحصل فيه خزانة كتب وأوقفها على طلاب العلم ورتب ناظرا على أوقاف المارستان العضدي فلم تحمد سيرته فقبض عليه وسجن في المارستان مدة مع المجانين مسلسلا وبيعت داره دار العلم بما فيها من الكتب مع سائر أمواله واطلق فصار يطبب الناس ويدور على المرضى في منتازلهم وصادف قبولا في ذلك فأثرى وعاد إلى حالة حسنة وحصل كتبا كثيرة وكان القبض عليه بعد عزل ابن يونس والقبض عليه وتتبع أصحابه وفي تلك الفتنة كانت محنة ابن الجوزي أيضا وبالغ ابن النجار في الحط عليه بسبب ادعائه النسب إلى أبي بكر الصديق ونسبه إلى انه روى عن مشايخ لم يدركهم واختلق طباقا على الكتب بخطوط مجهولة تشهد بكذبه وتزويره قاله ابن رجب ثم انتصر له وفيها زين الدين أبو الحسن على بن إبراهيم بن نجا بن غنايم الأنصاري الدمشقي الفقيه الحنبلي الواعظ المفسر المعروف بابن نجية نزيل مصر سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الجيلي ولد بدمشق سنة عشر وسمع بدمشق من أبي الحسن علي بن احمد بن قيس وسمع درس خاله شرف الإسلام عبد الوهاب وتفقه وسمع التفسير واجب الوعظ وغلب عليه واشتغل به قال

(4/340)


341
ناصح الدين قال لي حفظني خالي مجلس وعظ وعمري يومئذ عشر سنين ثم نصب لي كرسيا في داره واحضر لي جماعة وقال تكلم فتكلمت فبكى قال وكان ذلك المجلس يذكره وهو ابن تسعين سنة وكان بطيء النسيان يعظ بالعربية وغيرها بعثه نور الدين الشهيد رسولا إلى بغداد سنة أربع وستين وخلع عليه خلعة سوداء فكان يلبسها في الاعياد وسمع هناك الحديث من سعد الخير ابن محمد الأنصاري وصاهره على ابنته فاطمة ونقلها معه إلى مصر وسمع من غيره ببغداد واجتمع بالشيخ عبد القادر وغيره من الاكابر وقال سبط ابن الجوزي كان ابن نجية قد اقتنى أموالا عظيمة وتنعم تنعما زائدا بحيث انه كان في داره عشرون جارية للفراش تساوي كل جارية ألف دينار واما الأطعمة فكان يعمل في داره مالا يعمل في دور الملوك وتعطيه الملوك والخلفاء أموالا عظيمة كثيرة قال ومع هذا مات فقيرا كفنه بعض أصحابه وذكر ابن الحنبلي أن ابن نجا المذكور ضاق صدره في عمره من دين عليه وان الملك العزيز عثمان لما عرف ذلك أعطاه ما يزيد على أربعة آلاف دينار مصرية قال وقال لي ما احتجت في عمري إلا مرتين وقال ناصح الدين قال لي والدي زين الدين أي صاحب الترجمة أنا اسعد بدعاء والدتي كانت صالحة حافظة تعرف التفسير قال زين الدين كنا نسمع من خالي التفسير ثم اجي إليها فتقول ايش فسر أخي اليوم فأقول سورة كذا وكذا فتقول ذكر قول فلان ذكر الشيء الفلاني لأٌول لا فتقول ترك هذا وكانت تحفظ كتاب الجواهر مجلدة تأليف ووالدها وسمع من ابن نجية خل قمنهم الحافظ عبد الغني وابن خليل والضياء المقدسي وجماعات واجار للمنذري وغيره وتوفي في شهر رمضان ودفن في سفح المقطم وفيها عبد الحنفي أبو محمد بن النحاس المعروف بالبدر المجرد

(4/341)


242
قال ابن العديم تفقه وبرع في المذهب وافتى وكان مجيداً في مناظرته فريدا في محاورته ناظر الفحول الواردين من وراء النهر وخراسان قدم القاهرة ودرس بالسيوفية ومات بها قاله في حسن المحاضرة وفيها على بن حمزة أبو الحسن البغدادي الكاتب حاجب باب النوبي حدث بمصر عن ابن الحصين وتوفي في شعبان وفيها غياث الدين الغوري سلطان غزنة أبو الفتح محمد بن سام بن حسين ملك جليل غال محيب إلى رعيته كثير المعروف والصدقات تفرد بالممالك بعده أخوه السلطان شهاب الدين وفيها ابن الشهر زوري قاضي القضاة أبو الفضائل القسم بن يحيى ابن أخي قاضي الشام كمال الدين ولى قضاء الشام بعد عمه قليلا ثم لما تملك العادل سار إلى بغداد قولي بها القضاء والمدارس والاوقاف وارتفع شأنه عند الناصر لدين الله إلى الغاية ثم انه خاف الدوائر فاستعفي وتوجه إلى الموصل ثم قدم حماة فولى قضاءها فعيب عليه ذلك وكان جوادا ممدحا له شعر جيد ورواية عن السلفي توفي بحماة في رجب عن خمس وستين سنة وحمل إلى دمشق فدفن بها وفيها الزاهد أبو عبد الله القرشي محمد بن احمد بن إبراهيم الاندلسي الصوفي أحد العارفين واصحاب الكرامات والاحوال نزل بيت القدس وبه توفي عن خمس وخمسين سنة وقبره مقصود بالزيارة وفيها أبو بكر بن أبي جمرة محمد بن احمد بن عبد الملك الأموي مولاهم القرشي المالكي القاضي أحد ائمة المذهب عرض المدونة على والده وله منه إجازة كما لأبيه إجازة من أبي عمرو الداني واجاز له أبو بحرين العاص وافتى ستين سنة وولى قضاء مرسية وشاطبة دفعات وصنف التصانيف وكان اسند من بقى بالأندلس توفي في المحرم

(4/342)


343
وفيها الغزنوى الفقيه بهاء الدين أبو الفضل محمد بن يوسف الحنفي المقرئ روى عن قاضي المارستان وطائفة وقرأ القراءات على سبط الخياط قرأ عليه بطرق المنهج للسخاوي وغيره ودرس المذهب وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول وفيها أبو عبد الله محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الباقي بن العكبري البغدادي الظفري نسبة إلى الظفرية محلة ببغداد الفقيه الحنبلي المحدث الواعظ قال ابن النجار جارنا بالظفرية حفظ القرآن في صباه وقرأه بالروايات على أبي بكر بن الباقلاني الواسطي وغيره وتفقه على مذهب الأمام احمد بن حنبل وقرأ العربية على أبي البركات الانباري وابن الخشاب وصحب شيخنا أبا الفرج ابن الجوزي وقرأ عليه شيئاً من مصنفاته في الوعظ وغيره وسمع الحديث من أبي العباس احمد بن محمد بن المرقعاين وشهدة الكاتبة وخلق كثير وكان يجلس للوعظ ثم انقطع ببيته لا يخرج إلا إلى الجمعة والجماعة وكان يكثر الجلوس في المقابر سمعت منه وكان يسمع بقراءاتي على مشايخنا وكان صدوقا متدينا عفيفا قليل المخالطة للناس محبا للخلوة وقال ذكران مولده في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى وفيها أبو المعطوس مسند العراق أبو طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله الحريمي العطار ولد سنة سبع وخمسمائة وسمع من أبي علي بن المهدي وأبي الغنايم بن المهتدي بالله وبه ختم حديثهما وسمع المسند كله ورواه وتوفي في عاشر جمادى الأولى وفيها البرهان الحنفي أبو الموفق مسعود بن شجاع الأموي الدمشقي مدرس النورية والخاتونية وقاضي العسكر كان صدرا عظما مفتيا رأسا في المذهب وارتحل إلى بخارى وتفقه هناك وعمر دهرا توفي في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة وكان لا تغسل له فرجية بل يهبها ويلبس جديدة

(4/343)


344
وفيها ابن الطفيل أبو يعقوب يوسف بن هبة الله بن محمد الدمشقي الصوفي شيخ صالح له عناية بالرواية رحل إلى بغداد وسمع من أبي الفضل الارموي وابن ناصر وطبقتهما واسمع ابنه عبد الرحيم من السلفي وفيها أبو بكر جمال الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن منصور المقدسي الزاهد أخو البهاء عبد الرحمن الاتي ذكره إن شاء الله تعالى ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة وسمع الحديث بدمشق ودخل مع أخيه بغداد وسمع بها وأقام بها مدة واشتغل وحصل فنونا من العلم ثم عاد وكان فقيها ورعا زاهدا كثير الخشية والخوف من الله تعالى حتى كان يعرف بالزاهد وكان يبالغ في الطهارة وأم بدمشق بمسجد دار البطيخ وهو مسجد السلاطين وحج في آخر عمره ثم توجه إلى القدس فادركه اجله بنابلس قال ابن رجب سنة ستمائة فيها أخذت الفرنج فوة عنوة واستباحوها دخلوا من فم رشيد في النيل فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفيها توفي العلامة أبو الفتوح العجلي منتخب الدين اسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الاصبهاني الشافعي الواعظ شيخ الشافعية عاش خمسا وثمانين سنة وروى عن جماعة وكان يقنع وينسخ وله كتاب مشكلات الوجيز وتتمة التتمة وترك الوعظ وألف كتابا سماه آفات الوعاظ قال ابن شهبة ولد باصبهان في إحدى الربيعين سنة خمس عشرة وخمسمائة وكان فقيها مكثرا من الرواية زاهدا ورعايا يأكل من كسب يده يكتب ويبيع يتقوت به لا غير وكان عليه المعتمد بأصبهان في الفتوى وتوفي في صفر بأصبهان وفيها بقا بن عمر بن جند أبو المعمر الازجي الدقاق ويسمى أيضا المبارك روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في ربيع الآخر

(4/344)


345
وفيها أبو الفرج بن اللحية جابر بن محمد بن يونس الحموي ثم الدمشقي التاجر روى عن الفقيه نصر المصيصي وغيره وفيها ابن شرقيني أبو القسم شجاع بن معالي البغدادي العراد القصناتي روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو سعد بن الصفار عبد الله بن العلامة أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري الشافعي فقيه متبحر أصولي عامل بعلمه ولد سنة ثمان وخمسمائة وسمع من جده لأمه أبي نصر بن القشيري وسمع سنن الدار قطني بفوت من أبي القسم الابيوردي وسمع سنن أبي داود من عبد الغافر بن إسماعيل وسمع من طائفة كتبا كبارا توفي في شعبان أو رمضان وله اثنتان وتسعون سنة وفيها الأمام تقي الدين أبو محمد الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي ابن سرور المقدسي الجماعيلي الحنبلي ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وهاجر صغيرا إلى دمشق بعد الخمسين فسمع أبا المكارم بن هلال وببغداد أبا الفتح ابن البطي وغيره وبالإسكندرية من السلفي وهذه الطبقة ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين وصنف التصانيف الكثيرة الكبيرة الشهيرة ولم يزل يسمع ويكتب إلى أن مات واليه انتهى حفظ الحديث متنا وإسنادا ومعرفة بفنونه مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيرته في جزءين ألفها الحافظ الضياء ابن ناصر الدين هو محدث الإسلام وأحد الأئمة المبرزين الأعلام ذو ورع وعبادة وتمسك بالآثار وأمر المعروف ونهي عن المنكر له كتاب المصباح في ثمانية وأربعين جزءا وغيره من المصنفات وقال ابن رجب امتحن الشيخ ودعى إلى أن يقول لفظي بالقرآن مخلوق فأبى فمنع من التحديث وأفتى أصحاب التأويل بإراقة دمه فسافر إلى مصر وأقام بها إلى أن مات وقال فيه أبو نزار ربيعة بن الحسن ) يا أصدق الناس في بدو وفي حضر * واحفظ الناس فيما قالت الرسل )

(4/345)


346 )
أن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم * هم الغثاء وأنت السيد البطل ) وقال الضياء ما أعرف أحدا من أهل السنة رأى الحافظ عبد الغني إلا أحبه حبا شديدا ومدحه مدحا كثيرا وكان إذا مر بأصبهان يعطف الناس في السوق فينظرون الهي ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها من حبهم له ورغبتهم فيه ولما وصل إلى مصر أخيرا كان إذا خرج يوم الجمعة إلى الجامع لا يقدر يمشي من كثرة الخلق يتبركون به ويجتمعون حوله وقال الشيخ موفق الدين كان جوادا يؤثر بما تصل إليه يده سرا وعلانية وقال ولده الحافظ أبو موسى ابن بنت الشيخ أبي عمر بن قدامة زوجة الحافظ عبد الفني قال لي والدي في مرضه الذي مات فيه يا بني أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته فجاء جماعة يعودونه فسلموا علهي فرد عليهم السلام وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه وقال ما هذا الحديث اذكروا الله وقولوا لا اله إلا الله فقالوها ثم قاموا فجعل يذكر الله ويحرم شفتيه بذكره ويشير بعينه فدخل رجل فسلم عليه وقال له ما تعرفني يا سيدي فقال بلى فقمت لأناوله كتابا من جانب المسجد فرجعت وقد خرجت روحه وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرون من ربيع الأول ودفناه يوم الثلاثاء بالقرافة مقابلة قبر الشيخ أبي عمرو بن مرزوق وفيها أبو الفضل ركن الدين عزيز بن محمد بن الحراق القزويني الشافعي المعروف بالطاووسي كان إماما فاضلا محجاجا قيما في علم الخلاف ماهرا فيه اشتغل فيه على الشيخ رضى الدين النيسابوري الحنفي صاحب الطريقة في الخلاف وبز فيه وصنف ثلاث تعاليق مختصرة في الخلاف وثانية وثالثة مبسوطة واجتمع عليه الطلبة بمدينة همذان وقصدوه من البلاد البعيدة وعلقوا تعاليقه وبنى له الحاجب جمال الدين بهمذان مدرسة تعرف بالحاجبية وطريقته الوسطى أحسن من طريقته الأخريين لأن فقهها كثير وفوائدها غزيرة جمة

(4/346)


347
وأكثر اشتغال الناس في هذا الزمان بها واشتهر صيته في البلاد وحملت طرائفه إليها وتوفي بهمذان رابع عشر جمادي الآخرة ولعله منسوب إلى طاووس بن كيسان التابعي قاله في العبر وفيها فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكرم ولدت بأصبهان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمعت حضورا من فاطمة الجوزدانية ومن ابن الحصين وزاهر الشحامي ثم سمعت من هبة الله بن الطير وخلق وتزوج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ روت الكثير بمصر توفيت في ربعي الأول عن ثمان وسبعين سنة وفيها القسم بن الحافظ أبي القسم علي بن الحسن المحدث أبو محمد بن عساكر الدمشقي الشافعي وكان محدثا حسن المعرفة شديد الورع ومع ذلك كان كثير المزاج وتولى مشيخة دار الحديث النورية بعد والده فلم يتنازل من معلومها شيئا بل كان يرصده للواردين من الطلبة حتى قيل لم يشرب مائها ولا توضأ وقال الذهبي سمع من جد أبويه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي وجمال الإسلام بن مسلم وطبقتهما وأجاز له الفراوي وقاضي المارستان وطبقتهما وكان محدثا فهما كثير المعرفة شديد الورع صاحب مزاح وفكاهة وخطه ضعيف عديم الإتقان وتوفي في صفر وفيها محمد بن صافي أبو المعالي البغدادي النقاش روى عن أبي بكر المررزبي وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو البركات محمد بن أحمد التكريتي الأديب يعرف بالمؤيد كان قي زمنه شخص نحوي يعرف بالوجبه النحوي حنبلي المذهب فآذاه الحنابلة فتحنف فآذاه الحنفية فانتقل إلى المذهب الشافعي فجعلوه مدرس النظامية في النحو

(4/347)


348
فعمل فيه المؤيد التكريتي ( إلا مبلغ عن الوجيه رسالة * وان كان لا تجدي إليه الرسائل ) ) تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل * وذلك لما أعوزتك المآكل ) ) وما اخترت رأى الشافعي تدينا * ولكنما تهوي الذي هو حاصل ) ) وعما المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحان بن الشبيي روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في شوال وفيها صنيعة الملك القاضي أبو محمد هبة الله بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري ويعرف بابن مشير المعدل راوي كتاب السيرة توفي في ذي الحجة وفيها وجزم السيوطي انه في التي قبلها قال في حسن المحاضرة أبو القسم هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي الشافعي المعروف بابن البروى نسبة إلى بوره بلد قرب دمياط ينسب إليها السمك البورى تفقه علي ابن أبي عصرون وابن الخل ثم استقر بالإسكندرية ودرس بمدرسة السلفي انتهى وفيها لاحق بن أبي الفضل بن علي بن حيدرة روى المسند كله عن ابن الحصين وتوفي في المحرم عن ثمان وثمانين سنة والله سبحانه وتعالى أعلم

(4/348)


اسم المدخل : تمام عباس محمد
اسم الكتاب : شذرات الذهب في أخبار من ذهب
ج 5
اسم المؤلف : أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي
2
بسم الله الرحمن الرحيم سنة إحدى وستمائة فيها تغلبت الفرنج على مملكة القسطنطينية وأخرجوا الروم منها بعد حصار طويل وحروب كثيرة قاله في العبر وفيها خرجت الكرج فعاثوا ببلاد أذربيجان وقتلوا وسبوا ووصلت زعازعهم إلى عمل خلاط فانتدب لحربهم عسر كخلاط وعسكر أردن الروم فالتقوهم ونصر الله الإسلام وقتل في المصاف ملك الكرج وفيها جاءت الفرنج إلى حماة بغتة وأخذوا النساء الغسالات من باب البلد وخرج إليهم الملك المنصور وقاتل قتالا حسنا وكسر الفرنج عسكره ووقف في الساقة من الرقيطا إلى باب حماة ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا وفيها ولدت امرأة ولدا له رأسان وأربعة أرجل وأيد ومات من يومه قاله ابن شهبة في تاريخ الإسلام وفيها توفي السكر المحدث أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي المقرىء المفيد عن نيف وستين سنة قرأ القراءات على أحمد بن محمد بن سيف وجماعة وسمع من سعيد بن البنا وابن البطى فمن بعدهما وكان ثقة مكثرا صاحب قرآن وتهجد وإفادة للطلبة توفي في صفر وفي حدودها وما يقرب أبو الآثار وأبو الأمانة جبريل بن صارم بن علي بن سلامة الصعبي الأديب الحنبلي قدم بغداد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو فقير فتفقه في المذهب وقرأ الخلاف

(5/2)


3
وجالس النحاة وحصر طرفا صالحا من الأدب وسمع الحديث من ابن الجوزي وغيره ومدح الخليفة الناصر بعدة قصائد وأثرى ونبل مقداره واشتهر ذكره فنفذ من الديوان في رسالة إلى خوارزم شاه وسمع الحديث من مشايخ خراسان وحصل نسخا بما سمع ثم عاد إلى بغداد وقد صار له الغلمان الترك والمراكب ولم يزل يرسل من الديوان إلى خوارزم شاه إلى أن قبض عليه لسبب ظهر منه فسجن بدار الخلافة وانقطع خبره عن الناس ومما أنشد له ابن القيطعي ( لاغروان أضحت الأيام توسعني * فقرا وغيري بالاثراء موسوم ) ( فالحرف في كل حال غير منتقص * ويدخل الاسم تصغير وترخيم ) وفيها عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمويه الأصبهاني الرجل الصالح نزيل همذان روى بالحضور معجم الطبراني عن عبد الصمد العنبري عن ابن ريذة وفيها أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلاح آخر من سمع من أبي العز بن كادش وسمع أيضا من ابن الحصين توفي في ربيع الأول وفيها نجم الدين أبو محمد عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور ابن هبة الله النهري الحراني الفقيه الحنبلي الواعظ من أهل حران رحل إلى بغداد في صباه سنة ثمان وسبعين لطلب العلم فسمع من أبي السعادات القزاز وغيره وتفقه على أبي الفتح بن المنى حتى حصل طرفا صالحا من المذهب والخلاف ثم عاد إلى حران ثم قدم بغداد مرة أخرى سنة ست وتسعين ومعه ولداه النجيب عبد اللطيف والعز عبد العزيز فسمع وأسمعهما الكثير وقرأ على الشيوخ وكتب وحصل وناظر في مجالس الفقهاء وحلق المناظرين ودرس وأفاد الطلبة واستوطن بغداد وعقد بها مجلس الوعظ بعدة أماكن ذكره ابن النجار وقال كان مليح الكلام في الوعظ رشيق الألفاظ حلو العبارة كتبنا عنه شيئا يسيرا وكان ثقة صدوقا متحريا حسن الطريقة متدينا متورعا نزها

(5/3)


4
عفيفا عزيز النفس مع فقر شديد وله مصنفات حسنة وشعر جيد وكلام في الوعظ بليغ وكان حسن الأخلاق لطيف الطبع متواضعا وقال سبط ابن الجوزى كان كثير الحياء يزور جدى ويسمع معنا الحديث وذكر أنه استوطن بغداد لوحشة جرت بينه وبين خطيب حران ابن تيمية فإنه خشى منه أن يتقدم عليه وكان يقصد التجانس في كلامه وسمعته ينشد ( واشتاقكم يا أهل ودى وبيننا * كما زعم البين المشت فراسخ ) ( فأما الكرى عن ناظري فمشرد * وأما هواكم في فؤادي فراسخ ) وقال ابن النجار أيضا توفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول وفيها شميم الحلى أبو الحسن علي بن الحسن بن عنبر النحوي اللغوي الشاعر تأدب بابن الخشاب وكان ذا تيه وحمق ودعاو كثيرة تزرى بكثرة فضائله قاله في العبر وقال ابن خلكان كان أديبا فاضلا خبيرا بالنحو واللغة وأشعار العرب حسن الشعر وكان اشتغاله ببغداد على ابن الخشاب ومن في طبقته من أدباء ذلك الوقت ثم سار إلى ديار بكر والشام ومدح الأكابر وأخذ جوائزهم واستوطن الموصل وله عدة تصانيف وجمع من نظمه كتابا سماه الحماسة ورتبه على عشرة أبواب وضاهى به كتاب الحماسة لأبي تمام وكان جم الفضيلة إلا أنه كان بذيء اللسان كثير الوقوع في الناس متعرضا لثلب أعراضهم لا يثبت لأحد في الفضل شيئا وسئل لم سمى شميما قال أقمت مدة آكل كل يوم شيئا من الطين فإذا وضعته عند قضاء الحاجة شممته فلا أجد له رائحة فسمى بذلك شميما وشميم بضم الشين بالمعجمة وفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها ميم وهو من الشم انتهى ملخصا وقال ياقوت الحموي قدمت آمد فقصدته فوجدته شيخا كبيرا نحيف الجسم وبين يديه جمدان مملوء كتبا من تصانيفه فقال من أين قدمت قلت من بغداد فهش لي وأقبل يسألني عنها

(5/4)


5
وقلت له إنما جئت لأقتبس من علومك شيئا فقال وأي علم تحت قلت الأدب فقال أن تصانيفي في الأدب كثيرة وكلما أجمع الناس على استحسان شيء أنشأت فكرتي من جنسه ما أدحض به المتقدمين ورأيت الناس مجمعين على خمريات أبي نواس فعملت كتاب الخمريات من نظمى لو عاش أبو نواس لاستحيا أن يذكر شعر نفسه ورأيتهم مجمعين على خطب ابن نباتة فصنفت كتاب الخطب وليس للناس اليوم إلا الاشتغال بخطبى وجعل يزرى على المتقدمين ويمدح نفسه ويجهل الأوائل فعجبت منه وقلت أنشدني شيئا من شعرك فأنشدني ( أمزج بمسبوك اللجين * ذهبا حكته دموع عيني ) ( لما نعى ناعى الفراق * ببين من أهوى وبيني ) ( كانت ولم تقدر لشيء * قبلها إيجاب كوني ) ( فأخالها التحريم لما * شبهت بدم الحسين ) ( خفقت لنا شمسان من * لألائها في الخافقين ) ( وبدت لنا في كأسها * من لونها في حلتين ) ( فأعجب هداك الله من * كون اتفاق الضرتين ) ( في ليلة جاء السرور * بها يطالبنا بدين ) ( ومضى طليق الراح من * قد كان مغلول اليدين ) ( هي زينة الأحياء في الدنيا * وزينة كل زين ) فاستحسنت ذلك فقال ويلك يا جاهل ما عندك غير الاستحسان قلت فما أصنع قال اصنع هكذا ثم قام يرقص ويصفق إلى أن تعب ثم جلس وقال ما أصنع بهؤلاء الذين لا يفرقون بين الدر والبعر والياقوت والحجر فاعتذرت إليه وسألته عمن تقدم من العلماء فلم يحسن الثناء على أحد منهم فسألته عن أبي العلاء المعرى فغضب وقال ويلكم كم تسيئون الأدب بين يدي من هو ذاك الكلب الأعمى حتى يذكر بحضرتي فقلت يا سيدي أنا رجل محدث وأحب

(5/5)


6
أن أسألك عن شيء فقال هات مسألتك فقلت لم سميت شميما فشتمني ثم ضحك وقال بقيت مدة من عمري لا آكل إلا الطين بحيث تنشفت الرطوبة فإذا جاءني الغائط كان مثل البندقة فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه شمه فإنه لا رائحة له فكثر ذلك مني فلقبت بذلك انتهى توفي بالموصل في رجب عن سن عالية وفيها أبو محمد محمد بن حمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأنصاري الأرتاحي المصري الحنبلي ولد سنة سبع وخمسمائة تخمينا وسمع بمصر من أبي الحسن بن علي بن نصر بن محمد بن عفير الأرتاحي العابد وغيره وبمكة من المبارك بن الطباخ وأجاز له أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي وتفرد بإجازته قال المنذري كتب عنه جماعة من الحفاظ وغيرهم من أهل البلد والواردين عليها وحدثوا عنه وهو أول شيخ سمعت منه الحديث ونعته بالشيخ الأجل الصالح أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل الصالح أبي الثناء حمد وقال وهو من بيت القرآن والحديث والصلاح حدث من بيته غير واحد وروى عنه ابن خليل في معجمه ونعته بالصالح وبالإمام توفي في عشرى شعبان بمصر ودفن بسفح المقطم وفيها ابن الحصيب أبو المفضل محمد بن الحسن بن أبي الرضا القرشي الدمشقي روى عن جمال الإسلام وعلي بن عقيل الصوري وضعفه ابن خليل وفيها يوسف بن سعيد البنا الأزجي البعلي الفقيه الحنبلي المحدث سمع كثيرا وكتب بخطه توفي يوم السبت سلخ السنة ودفن يوم الأحد مستهل السنة التي بعدها وفيها أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف البغدادي سمعه أبوه الحافظ أبو بكر الكبير من القاضي أبي بكر الأنصاري وابن زريق القزاز وطائفة وكان عاميا لا يكتب توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وستمائة فيها كما قال في العبر وجد باربل خروف وجهه وجه آدمي

(5/6)


7
وفيها كثرت الغارات من الكلب ابن ليون صاحب سيس على بلاد حلب يسبى ويحرق فسار لحربه عسكر حلب فهزمهم انتهى وفيها وجد التقى الأعمى مدرس الأمينية مشنوقا في المنارة الغربية ابتلى بأخذ ماله من بيته فاتهم شخصا كان يقرأ عليه ويقوده من الجامع إلى بيته ومن بيته إلى الجامع فأنكر المتهم ذلك وتعصب له أقوام عند والي البلد فوقع الناس في عرض التقى لكونه اتهم من ليس من أهل التهم ولكونه جمع المال وهو وحيد غريب وأنه ليس بصادق فيما ادعاه فغلب عليه هم من ضياع ماله والوقع في عرضه ففعل بنفسه ذلك وامتنع الناس من الصلاة عليه وقالوا قتل نفسه فتقدم الشيخ فخر الدين ابن عساكر وصلى عليه فاقتدى الناس به ودرس بعده في الأمينية الجمال المصري وكيل بيت المال وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة ابن فارس بن القسطي البغدادي المقرىء قرأ القراءات على سبط الخياط والشهرزوري وسمع منهما ومن أبي عبد الله السلار وطائفة وكان خيرا زاهدا بصيرا بالقراءات حاذقا بها توفي في ذي الحجة وفيها عثمان بن عيسى بن درباس القاضي العلامة ضياء الدين أبو عمرو الكردي الهدباني الحاراني ثم المصري تفقه في مذهب الشافعي على أبي العباس الخضر بن عقيل وابن أبي عصرون والخضر بن شبل وساد وبرع وتقدم في المذهب وشرح المهذب في عشرين مجلدا إلى كتاب الشهادات وشرح اللمع في مجلدين وناب عن أخيه صدر الدين عبد الملك قال ابن خلكان كان من أعلم الفقهاء في وقته بمذهب الشافعي ماهرا في أصول الفقه توفي بالقاهرة في ذي القعدة وقد قارب تسعين سنة ودفن بالقرافة الصغرى قاله ابن قاضي شهبه في طبقاته وفيها محمد بن سام صاحب غزنه قتلته الإسمعيلية في شعبان بعد قفوله من غزو الهند وكان ملكا جليلا مجاهدا واسع الممالك حسن السيرة

(5/7)


8
وهو الذي حضر عنده فخر الدين الرازي فوعظه وقال يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى وإن مردنا إلى الله فانتحب السلطان بالبكاء وفيها ضياء بن أبي القسم بن أحمد بن علي بن الخريف البغدادي النجار سمع الكثير من قاضي المارستان وأبي الحسين محمد بن الفراء وكان أميا توفي في شوال وفيها أبو العز عبد الباقي بن عثمان الهمداني الصوفي روى عن زاهر الشحامي وجماعة وكان ذا علم وصلاح وفيها أبو زرعة اللفتواني بفتح اللام وسكون الفاء وضم الفوقية نسبة إلى لفتوان قرية بأصبهان عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني اسمعه أبوه الكثير من الحسين الخلال وحضر على ابن أبي ذر الصالحاني وبقي إلى هذه السنة وانقطع خبره بعدها وفيها طاشتكين أمير الحاج العراقي ويلقب بمجير الدين حج بالناس ستا وعشرين سنة وكان شجاعا سمحا قليل الكلام حليما يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم استغاث إليه رجل فلم يكلمه فقال له الرجل الله كلم موسى فقال له وأنت موسى فقال له الرجل وأنت الله فقضى حاجته وكان قد جاوز التسعين واستأجر وقفا مدة ثلثمائة سنة على جانب دجلة ليعمره دارا وكان ببغداد رجل محدث يقال له فتيحة فقال يا أصحابنا نهنيكم مات ملك الموت فقالوا وكيف ذلك فقال طاشتكين عمره تسعون سنة واستأجر أرضا ثلثمائة سنة فلو لم يعرف أن ملك الموت قد مات لم يفعل ذلك فضحك الناس قاله ابن شهبة في تاريخه سنة ثلاث وستمائة فيها تمت عدة حروب بخراسان قوى فيها خوارزم شاه واتسع ملكه وافتتح بلخ وغيرها وفيها قبض الخليفة على الركنى عبد السلام بن الشيخ عبد القادر وأحرقت كتبه وحكم بفسقه وهو الذي وشى على الشيخ أبي الفرج

(5/8)


9
ابن الجوزي حتى نكب فلقاه الله تعالى وفيها توفي جمال الدولة واقف الاقباليتين اقبال الخادم بالقدس بعد أن وقف داره بدمشق مدرستين شافعية وحنفية ووقف عليها مواضع الثلثان على الشافعية والثلث على الحنفية وفيها ايتامش مملوك الخليفة الناصر كان أقطعه الخليفة دجيل وقوفا وبها رجل نصراني من جهة الوزير ابن مهدي يؤذي المسلمين ويركب ويتجبر على المسلمين فسقى اتيامش سما فمات فأمر أن يسلم ابن ساوة النصراني لمماليك ايتامش فكتب الوزير إلى الخليفة يقول أن النصارى بذلوا في ابن ساوة مائة ألف دينار على أن لا يقتل فكتب الخليفة على رأس الورقة ( إن الأسود أسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب ) فسلم إلى المماليك فقتلوه وأحرقوه وفيها داود بن محمد بن محمود بن ماشاده أبو إسمعيل الأصبهاني في شعبان حضر فاطمة الجوزدانية وسمع زاهر الشحامي وغانم بن خالد وجماعة وفيها سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاف أبو القسم المؤدب ببغداد روى عن قاضي المارستان وأبي القسم بن السمرقندي وتوفي في ربيع الآخر وفيها عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الحافظ الثقة الحنبلي أبو بكر اسمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي وطبقته ثم سمع هو بنفسه قال الضياء لم أر ببغداد في تيقظه وتحريه مثله وقال ابن نقطة كان حافظا ثقة مأمونا وقال ابن النجار كان حافظا ثقة متقنا حسن المعرفة بالحديث فقيها على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل ورعا متدينا كثير العبادة منقطعا في منزله عن الناس لا يخرج إلا في الجمعات محبا للرواية مكرما لطلاب العلم سخيا بالفائدة ذا مروءة مع قلة ذات يده وأخلاق حسنة وتواضع وكيس وكان خشن العيش صابرا على فقره عزيز النفس عفيفا على منهاج السلف وقال أبو شامة في تاريخ كان زاهدا عابدا ورعا لم يكن في أولاد الشيخ مثله وكان مقتنعا من الدنيا باليسير ولم يدخل فيما دخل فيه غيره من إخوته وقال ابن رجب ولد يوم الإثنين ثامن عشر ذي

(5/9)


10
القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ببغداد وسمع الكثير بإفادة والده وبنفسه وتوفي ليلة السبت سادس شوال وصلى عليه بمواضع متعددة وكان يوما مشهودا ودفن بمقبرة الإمام أحمد وقال الذهبي حدث عنه أبو عبد الله الدبيثي وابن النجار والضياء المقدسي والنجيب عبد اللطيف والتقى اليلداني وابنه قاضي القضاة أبو صالح وآخرون وفيها أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القسم الخضري محمد بن تيمية أبو محمد بن الشيخ فخر الدين وسيأتي ذكر والده ولد المترجم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع الحديث ببغداد من ابن كلب وابن المعطوس وابن الجوزي وغيرهم وأقام ببغداد مدة طويلة وقرأ الفقه على مذهب الإمام أحمد وأتقن الخلاف والأصول والحساب والهندسة والفلسفة والعلوم القديمة ذكر ذاك ابن النجار وسمع منه الحافظ ضياء الدين وغيره وتوفي في سادس شوال بحران وذكر والده في كتابه الترغيب أن لولده عبد الحليم هذا كتابا سماه الذخيرة وذكر عنه فروعا في دقائق الوصايا وعويص المسائل وفيها أبو الفرج علي بن عمر بن فارس الحداد الباجراي ثم البغدادي الأزجي الفرضي الحنبلي تفقه على أبي حكيم النهرواني وقرأ الفرائض والحساب وكان فيه فضل ومعرفة وتقلب في الخدم الديوانية ذكره المنذري وقال توفي ليلة رابع شعبان ببغداد وفيها أبو الحسن علي بن فاضل بن سعد الله بن صمدون الحافظ الصوري ثم المصري قرأ القراءات على أحمد بن جعفر الغافقي وأكثر عن السلفي وسمع بمصر من الشريف الخطيب وكان رأسا في هذا الشأن وكتب الكثير توفي في صفر وفيها أبو جعفر الصيدلاني نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني سبط حسين بن مندة ولد في ذي الحجة سنة تسع وخمسمائة وحضر الكثير على الحداد ومحمود الصيرفي وسمع من فاطمة الجوزدانية وانتهى إليه علو الاسناد في

(5/10)


11
الدنيا ورحلوا إليه توفي في رجب وفيها محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التنوخي الدمشقي سمع من طاهر بن سهل الاسفراييني ومات في ربيع الأول وممن حدث عنه الفخر بن البخاري وفيها مخلص الدين أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي الأصبهاني ولد سنة عشرين وخمسمائة اسمعه والده حضورا من فاطمة الجوزدانية وجعفر الثقفي وسمع من أبي ذر وزاهر وخلق وكان عارفا بمذهب الشافعي وبالنحو والحديث قوي المشاركة محتشما ظريفا وافر الجاه توفي في ربيع الآخر وفيها صاين الدين أبو الحرم مكي بن ريان بن شبه العلامة الماكسيني بكسر الكاف وبالمهملة نسبة إلى ماكسين مدينة بالجزيرة ثم الموصلي الضرير المقري النحوي صاحب ابن الخشاب قرأ القراءات على يحيى بن سعدون وبرع في القراءات والعربية واللغة وغير ذلك ولم يكن لأهل الجزيرة في وقته مثله روى عن خطيب الموصل وسمع منه الفخر علي والناس توفي بالموصل وقد شاخ وفيها الشيخ الكبير الشهير أبو الحسن علي بن عمر بن محمد المعروف بالأهدل وقيل توفي سنة سبع واقتصر عليه الجزري في تاريخه كان من أعيان المشايخ أهل الكرامات والإفادات قدم جده محمد من العراق على قدم التصوف وهو شريف حسيني ونشأ ابن ابنه على نشوءا حسنا وبلغ من الحال والشهرة مبلغا قيل ولم يكن له شيخ وقيل بل صحبه رجل سايح من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني وقيل رأى أبا بكر الصديق وأخذ عنه مناما وقيل أخذ من الخضر وكان يقول انانبات الرحمن وبه تخرج أبو الغيث بن جميل وتهذب وكان يقول خرجت من عند ابن أفلح لؤلؤا بهما فثقبني سيدي على الأهدل وأما والد الشيخ فكان سايحا ونعاه ولده الشيخ علي إلى أصحابه يوم مات وصلوا عليه وتوفي الشيخ علي بأحواف السودان من سهام ولذريته كرامات وبركات قاله ابن الأهدل في تاريخه

(5/11)


12
سنة أربع وستمائة فيها سار خوارزم شاه محمد بن تكش بجيوشه وقصد الخطا فحشدوا له والتقوه فجرى لهم وقعات انهزم المسلمون وأسر جماعة منهم السلطان خوارزم شاه واختبطت البلاد وأسر معه أمير من أمرائه فأظهر خوارزم شاه أنه مملوك لذلك الأمير ثم قال الأمير أريد أن أبعث رجلا بكتابي إلى أهلي ليستفكوني بما أردت قال ابعث غلامك بذلك وقرر عليه مبلغا كبيرا فبعث مملوكه يعين خوارزم شاه وخلص بهذه الحيلة ووصل وزينت البلاد ثم قال الخطاي لذلك الأمير سلطانكم قد عدم قال أو ما تعرفه قال لا قال هو الذي قلت لك أنه مملوكي قال هلا عرفتني حتى كنت أخدمه وأسير به إلى مملكته فأسعد به قال خفتك عليه قال فسر بنا إليه فسارا إليه وفيها تملك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط بعد حرب جرت بينه وبين صاحبها بليان ثم قتل بليان بعد ذلك وفيها توفي أبو العباس الرعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الأشبيلي المقرىء آخر من روى القراءات عن أبي الحسن شريح وسمع منه ومن أبي العربي وجماعة وكان من الأدب والزهد بمكان أخذ الناس عنه كثيرا وتوفي بين العيدين عن سبع وثمانين سنة وفيها حنبل بن عبد الله الرصافي أبو عبد الله المكبر راوي المسند بكماله عن ابن الحصين كان دلالا في الأملاك وسمع المسند في نيف وعشرين مجلسا بقراءة ابن الخشاب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة توفي في رابع المحرم بعد عوده من دمشق وما تهنى بالذهب الذي ناله وقت سماعهم عليه قاله في العبر وفيها ست الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطراح روت الكثير بدمشق عن جدها وتوفيت في ربيع الأول وفيها عبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي سمعه عمه عبد المغيث بن عبد الله من أحمد بن يوسف

(5/12)


13
ومن جماعة وكان كثير التلاوة جدا توفي بحماة في سلخ المحرم وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن عيسى بن أبي الحسن علي بن الحسين البزوري البابصري الواعظ الحنبلي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وسمع من أبي الوقت وهبة الله بن الشبلي وغيرهما وقرأ الوعظ والفقه والحديث على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي وكان خصيصا به ثم تهاجرا وتباينا إلى أن فرق الموت بينهما قال سبط ابن الجوزي ثم حدثته نفسه بمضاهاة جدي وتكنى بكنيته واجتمع إليه سفساف أهل باب البصرة وانقطع عن جدي ولما جاء من واسط ما جاء إليه ولا زاره وتزوج صبية وهو في عشر السبعين فاغتسل في ماء بارد فانتفخ ذكره ومات وقال ابن رجب هو منسوب إلى بزورا قرية بدجيل وقال ابن النجار تفقه على مذهب أحمد ووعط وكان صالحا حسن الطريقة خشن العيش عزيز الدمعة عند الذكر كتبت عنه وهو الذي جمع سيرة ابن المنى وطبقات أصحابه وذكر فيها أنه لزمه وقرأ عليه وكلامه فيها يدل على فصاحة ومعرفة بالفقه والأصول والحديث وقد ذكره الحافظ الضياء فقال شيخنا الإمام الواعظ أبو محمد ولكن ابن الجوزي وأصحابه يذمونه توفي ليلة الإثنين السادس من شعبان ودفن بباب حرب وفيها أبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيع المقرى الأستاذ قرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم الشهرزوري وسمع منهما ومن الأرموي وأقرأ القراءات وكان دينا صالحا توفي في ربيع الأول وفيها ابن الساعاتي الشاعر المفلق بهاء الدين علي بن محمد بن رستم صاحب ديوان الشعر قال ابن خلكان له ديوان شعر يدخل في مجلدين أجاد فيه كل الإجادة وآخر لطيف سماه مقطعات النيل نقلت منه ( لله يوم في سيوط وليلة * صرف الزمان باختها لا يغلط ) ( بتنا وعمر الليل في علوائه * وله بنور البدر فرع اشمط )

(5/13)


14 (
والطل في سلك الغصون كلؤلؤ * رطب يصافحه النسيم فيسقط ) ( والطير يقرأ والغدير صحيفة * والريح يكتب والغمام ينقط ) وهذا تقسم بديع ونقلت منه أيضا ( ولقد نزلت بروضة خزية * رتعت نواظرها به والأنفس ) ( وظللت أعجب حيث يحلف صاحبي * والمسك من نفحائها يتنفس ) ( سفرت شقايقها فهم الأقحوان * بلثمها فرنا إليه النرجس ) ( فكأن ذا خد وذا ثغر يحا * وله وذا أبدا عيون تحرس ) وله كل معنى مليح أخبرني ولده بالقاهرة المحروسة أن أباه توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان بالقاهرة ودفن بسفح المقطم وعمره إحدى وخمسون سنة وستة أشهر واثني عشر يوما انتهى وفيها أبو ذر الخشني مصعب بن محمد بن مسعود الجياني النحوي اللغوي الفقيه المالكي ويعرف أيضا بابن أبي ركب صاحب التصانيف وحامل لواء العربية بالأندلس ولي خطابة اشبيلية مدة ثم قضاء جيان ثم تحول إلى فاس وبعد صيته وسارت الركبان بتصانيفه توفي بفاس وله سبعون سنة سنة خمس وستمائة فيها نازلت الكزج مدينة ارحلس فافتتحوها بالسيف وأحرقوها قال ابن الأهدل والكزج بالزاي والجيم وفيها توفي ابن الفارض الحسين ابن أبي نصر بن حسين بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي المقري الضرير روى عن ابن الحصين وعمر دهرا وتوفي في شعبان وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد الكرخي الكاتب روى عن قاضي المارستان وأبي منصور

(5/14)


15
ابن زريق مات في ذي القعدة وفيها صاحب الجزيرة العمرية الملك سنجرشاه بن غازي بن مودود بن اتابك زنكي قتله ابنه غزاي وحلفوا له ثم وثب عليه من الغد خواص أبيه فقتلوه وملكوا أخاه الملك المعظم وكان سنجر سيء السيرة ظلوما وفيها الجبائي الإمام السني أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج قال المنذري ابن أبي الفضل بدل ابن أبي الفرج والأول أصح قال القطيعي سألته عن مولد فقال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة تقريبا وسألته عن نسبه فقال نحن من قرية يقال لها الجبة من ناحية بسرى من أعمال طرابلس وكنا قوما نصارى فتوفي أبي ونحن صغار وكان أبي من علماء النصارة وهم يعتقدون فيه أنه يعلم الغيب فلما مات نفذت إلى المعلم فقالت والدتي ولدي الكبير للكسب وعمارة أرضنا وولدي الصغير يضعف عن الكسب وأشارت إلي ولنا أخ أوسط فقال المعلم أما هذا الصغير يعنيني فما يتعلم ولكن هذا وأشار إلى أخي فأخذه وعلمه ليكون مقام أبي فقدر الله أن وقعت حروب فخرجنا من قريتنا فهاجرت من بينهم وكان في قريتنا جماعة من المسلمين يقرءون القرآن وإذا سمعتهم أبكي فلما دخلت أرض الإسلام أسلمت وعمري بضع عشرة سنة ثم بلغني إسلام أخي الكبير وتوفي مرابطا ثم أسلم أخي الذي كان يعلمه المعلم ودخلت بغداد في سنة أربعين وخمسمائة وقال ابن رجب وأصابه سباء فاسترق وقال أبو الفرج ابن الحنبلي كان مملوكا فقرأ القرآن في حلقة الحنابلة بجامع دمشق فحفظه وحفظ شيئا من عبادات المذهب الحنبلي فقام قوم إلى الشيخ زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ وهو على منبر الوعظ فقالوا هذا الصبي قد حفظ القرآن وهو على خير نريد أن نشتريه ونعتقه فاشتري من سيده وأعتق وسافر عن دمشق وطلب همذان ولقي الحافظ أبا العلاء الهمذاني فأقام عنده وقرأ عليه القرآن سومع الحديث وصار عند الحافظ مصدرا يقرىء الناس

(5/15)


16
ويأخذ عليه واشتهر بالخير والعلم ودخل العجم وسمع الكثير ورجع إلى بغداد وسمع حديثها ولقي مشايخها قال ولقيته ببغداد واستزارني إلى بيته وقال جماعته أنا مملوك بيت الحنبلي ثم سافر إلى أصبخان وقال الشيخ موفق الدين كان رجلا صالحا وهو من جبة طرابسل سبي من طرابلس صغيرا واشتراه ابن نجية وأعتقه فسافر إلى بغداد ثم إلى أصبهان وكان يسمع معنا الحديث انتهى سمع المترجم من ابن ناصر وأضرابه وتفقه على أبي حكيم النهرواني وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي مدة مائلا إلى الزهد والصلاح وانتفقع به قال ابن النجار كتب إلى عبد الله بن أبي الحسن الجبائي قال كنت أسمع كتاب حلية الأولياء على شيخنا ابن ناصر فرق قلبي وقلت في نفسي اشتهيت أن أنقطع عن الخلق وأشتغل بالعبادة ومضيت وصليت خلف الشيخ عبد القادر فلما صلى جلسنا بين يديه فنظر إلي وقال إذا أردت الانقطاع فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب بهم فحينئذ يصلح لك الانقطاع وإلا فتمضي وتنقطع قبل أن تتفقه وأنت فريخ ما ريشت فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك ما أحسن صاحب الزاوية أن يخرج من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره قال وكان الشيخ يتكلم يوما في الإخلاص والرياء والعجب وأنا حاضر في المجلس فخطر في نفسي كيف الخلاف من العجب فالتفت إلى الشيخ وقال إذا رأيت الأشياء من الله تعالى وأنه وفقك لعمل الخير وأخرجت من البين سلمت من العجب وقال ابن الحنبلي كانت حرمة الشيخ عبدالله كبيرة ببغداد وبأصبهان وكان إذا مشى في السوق قام له أهل السوق وله رياضات ومجاهدات وروى عنه ابن خليل في معجمه وتوفي ثالث جمادى الآخرة بأصبهان وفيها عبدالواحد بن أبي المطهر القسم بن الفضل الصيدلاني الأصبهاني في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين

(5/16)


17
سنة سمع من جعفر الثقفي وفاطمة الجوزدانية وغيرهم وفيها أبو الحسن المعافري خطيب القدس علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي المالكي سمع كتاب الأحكام من مصنفه عبدالحق وسمع بالشام من يحيى الثقفي وجماعة وكتب وحصل ونال رياسة وثروة مع الدين والخير وفيها علي بن ربيعة بن أحمد بن محمد بن حينا الحربوي من أهل حربا من سوداء بغداد قدم بغداد في صباه وصحب عمه لامه أبا المقال سعد بن علي الخاطري وقرأ عليه الأدب وحفظ القرآن وتفقه في مذهب الإمام أحمد وسمع الحديث من أبي الوقت وسعيد بن البنا وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وشهد عند الحكام وتوكل للخليفة الناصر ورفع قدره ومنزلته ثم عزل عن الوكالة وكان ذا طريقة حميدة وحسن سمت واستقامة وعفة ونزاهة فاضلا خيرا يكتب خطا حسنا على طريقة ابن مقلة وسمع منه إسحق العلثي وكان يكره الرواية ويقال مخالطة الناس ذكره ابن النجار وقال توفي في يوم السبت ثامن شوال ودفن بباب حرب وأظنه قارب السبعين وفيها أبو الجود غياث ابن فارس اللخمي مقرىء الديار المصرية ولد سنة ثمان وخمسمائة وسمع من ارن رفاعة وقرأ القراءات على الشريف الخطيب واقرأ الناس دهرا وآخر من مات من أصحابه إسمعيل المليجي توفي في رمضان وفيها أبو الفتح الميداني محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعدل مسند العراق ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة واسمعه أبوه القاضي أبو العباس من ابن الحصين وأبي عبد الله البارع وغيرهما وتفقه على سعيد بن الرزاز وتأدب على ابن الجواليقي توفي في شعبان وكان من خيار الناس وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة محمد بن أحمد بن أسعد الإمام أبو الخطاب رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجده وجد جده قال السبكي في الطبقات الكبرى كان عالم تلك البلاد وإمامها ومحققها وزاهدها وعابدها وقال عفيف الدين المطري

(5/17)


18
هو مجتهد زمانه وعلامة أقرانه لم تر العيون مثله ولا رأى مثل نفسه انتهى قال السبكي وهو مصنف المخلص وكتاب المصباح كلاهما في الفقه وفيها أبو بكر بن مشق المحدث العالم محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيع عاش ثنتين وسبعين سنة وروى عن القاش الأرموي وطبقته وكان صدوقا متوددا بلغت أثبات مسموعاته ست مجلدات سنة ست وستمائة فيها جلس سبط ابن الجوزي بجامع دمشق ووعظ وحث على الغزاة وكان الناس من باب الساعات إلى مشهد زين العابدين واجتمع عنده شعور كثيرة وذكر حكاية أبي قدامة الشامي مع تلك المرأة التي قطعت شعرها وبعثت به إليه وقالت اجعله قيدا لفرسك في سبيل الله فعمل من الشعور التي عنده مجتمعة شكلا لخيل المجاهدين ولما صعد المنبر أمر بإحضارها فكانت ثلثمائة شكال فلما رآها الناس صاحوا صيحة واحدة وقطعوا مثلها وكان والي دمشق حاضرا والأعيان فلما نزل عن المنبر قام والي دمشق ومشى مع السبط وركب وركب الناس وخرجوا إلى باب المصلى وكانوا خلقا لا يحصون كثرة وساروا إلى نابلس لقتال الفرنج فأسروا وهزموا وهدموا وقتلوا ورجعوا سالمين غانمين وفي سابع شوال شرعوا في عمارة المصلى بظاهر دمشق المجاورة لمسجد النارنج برسم صلاة العيدين وفتحت له الأبواب من كل جانب وبنى له منبر كبير عال وفيها جددت أبواب الجامع الغربية من جهة باب البريد بالنحاس الأصفر وفيها توفي إدريس بن محمد أبو القسم العطار المعروف بآل والويه روى عن محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني وتوفي في شعبان قيل أنه جاوز المائة وفيها أسعد ويسمى محمد بن المنجا بن بركات بن المؤمل التنوخي المعرى ثم الدمشقي الحنبلي القاضي وجيه الدين أبو المعالي ويقال

(5/18)


19
في أبيه أبو المنجا وفي جده أبو البركات ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي القسم نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي وببغداد من أبي الفضل الأرموي وأبي العباس المايداي وغيرهم وهو واقف الوجيهية التي برأس باب البريد وهي مدرسة قريبة من مدرسة الخاتونية الجوانية وبها خلا وكثيرة ولها وقف كثير اختلس قال المنذري وتفقه ببغداد على مذهب الإمام أحمد وقال الذهبي ارتحل إلى بغداد وتفقه بها وبرع في المذهب وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر الجيلي وغيره وتفقه بدمشق على شرف الإسلام عبدالوهاب ابن الشيخ أبي الفرج وأخذ عنه الشيخ الموفق وروى عنه جماعة وقال ناصح الدين بن الحنبلي كان أبو المعالي بن المنجا يدرس في المسمارية يوما وأنا يوما ثم استقليت بها في حياته وكان له اتصال بالدولة وخدمة السلاطين وأسن وكبر وكف بصره في آخر عمره وله تصانيف منها كتاب الخلاصة في الفقه والعمدة والنهاية في شرح الهداية في بضعة عشر مجلدا وسمع منه جماعة منهم الحافظ المنذري وابن خليف وابن البخاري وتوفي ثامن عشرى ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفيها أبو الطاهر إسمعيل بن نعمة بن يوسف ابن شبيب الرومي المصري العطار الأديب البارع ابن أبي حفص ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة تقديرا وكان بارعا في الأدب حنبلي المذهب له مصنفات أدبية وله مماليك منها مائة جارية ومائة غلام وغير ذلك وكان بارعا في معرف العقاقير ذكره النذري وقال رأيته ولم يتفق لي السماع منه وتوفي في عشرى المحرم بمصر ودفن إلى جنب أبيه بسفح المقطم على جانب الخندق وكان أبوه رجلا صالحا مقرئا وأخوه مكي هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني وفيها عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد بن هاني الفارقانية الأصبهانية ولدت سنة ست عشرة وخمسمائة وهي آخر من روى عن عبد الواحد

(5/19)


20
صاحب أبي نعيم ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة وسمعت من فاطمة المعجمين الكبير والصغير للطبراني توفيت في ربيع الآخر وفيها القاضي الأسعد أبو المكارم أسعد بن الخطير أبي سعد مهذب بن ميناس بن زكريا ابن أبي قدامة بن أبي مليح مماتي المصري الكاتب الشاعر كان ناظر الدواوين بالديار المصرية وفيه فضائل وله مصنفات عديدة ونظم سيرة السلطان صلاح الدين ونظم كتاب كليلة ودمنة وله ديوان شعر منه ( تعاتبني وتنهى عن أمور * سبيل الناس أن ينهوك عنها ) ( أتقدر أن تكون كمثل عيني * وحقك ما على أضر منها ) وله في ثقيل رآه بدمشق ( حكى نهرين ما في الأرض * من يحكيهما أبدا ) ( حكى في خلقه تورا * وفي ألفاظه بردا ) وله في غلام نحوي ( وأهيف أحدث لي نحوه * تعجبا يعرب عن ظرفه ) ( علامة التأنيث في لفظه * وأحرف العلة في ظرفه ) توفي يوم الأحد سلخ جمادى الأولى عن اثنين وستين سنة وكانت وفاته في حلب وفيها أحمد بن أحمد بن حكينا الشاعر الأديب قال العماد أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعر لطافة شعره ومنه ( لافتضاحي في عوارضه * سبب والناس لوام ) ( كيف يخفى ما أكابده * والذي أهواه نمام ) وقوله ( لما بدا خط العذار * بريش عارضه بمشق ) ( فظننت أن سواده * فوق البياض كتاب عتق ) ( فإذا به من سوء حظي * عهدة كتبت برقي )

(5/20)


21
وفيها أبو عبد الله المرادي محمد بن سعيد المرسي أخذ القراءات عن ابن هذيل وسمع من جماعة وتوفي في رمضان وفيها الإمام فخر الدين الرازي العلامة أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل الشافعي المفسر المتكلم صاحب التصانيف المشهورة ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة واشتغل على والده الإمام ضياء الدين خطيب الري صاحب محي السنة البغوي وكان فخر الدين ربع القامة عبل الجسم كبير اللحية جهوري الصوت صاحب وقار وحشمة له ثروة ومماليك وبزة حسنة وهيئة جميلة إذا ركب مشى معه نحو الثلثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك وكان فريد عصره ومتكلم زمانه رزق الحظوة في تصانيفه وانتشرت في الأقاليم وكان له باع طويل في الوعظ فيبكي كثيرا في وعظه سار إلى شهاب الدين الغوري سلطان غزته فبالغ في إكرامه وحصلت له منه أموال طائلة واتصل بالسلطان علاء الدين خوارزم شاه فحظي لديه وكان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر فينال منهم وينالون منه سبا وتكفيرا حتى قيل أنهم سموه فمات وخلف تركة ضخمة منها ثمانون ألف دينار توفي بهراة يوم عيد الفطر قاله جميعه في العبر وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه تفسير كبير لم يتمه في اثني عشر مجلدا كبارا سماه مفاتيح الغيب وكتاب المحصول والمنتخب ونهاية المعقول وتأسيس التقديس والمعالم في أصول الدين والمعالم في أصول الفقه والملخص في الفلسفة وشرح سقط الزند لأبي العلاء وكتاب الملل والنحل ومن تصانيفه على ما قيل كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم على طريقة من يعتقده ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته انتهى ملخصا وقال ابن الصلاح أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى وروى عنه أنه قال لقد

(5/21)


22
اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن أقرأ في التنزيه ( ^ والله الغني وأنتم الفقراء ) وقوله تعالى ( ^ ليس كمثله شيء ) و ( ^ قل هو الله أحد ) وأقرأ في الأثبات ( ^ الرحمن على العرش استوى ) ( ^ يخافون ربهم من فوقهم ) و ( ^ إليه يصعد الكلم الطيب ) وأقرأ أن الكل من الله قوله ( ^ قل كل من عند الله ) ثم قال وأقول من صميم القلب من داخل الروح أني مقر بأن كل ما هو إلا كمل الأفضل الأعظم الأجل فهو لك وكلما هو عيب ونقص فأنت منزه عنه انتهى وقال ابن الأهدل ومن شعره ( نهاية أقدام العقول عقال * وأكثر سعي العالمين ضلال ) ( وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وحاصل دنيانا أذى ووبال ) ( ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ) وأنشد يوما معاتبا لأهل هراة ( المرء ما دام حيا يستهان به * ويعظم الرزء فيه حين يفتقد ) انتهى وفيها العلامة مجد الدين أبو السعادات بن الأثير المبارك بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي الشافعي الكاتب مصنف جامع الأصول والنهاية في غريب الحديث ولد سنة أربع وأربعين وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي وخطيب الموصل قال ابن شهبة في طبقاته ولد بجزرة ابن عمر ونشأ بهم ثم انتقل إلى الموصل وسمع الحديث وقرأ الفقه والحديث والأدب والنحو ثم اتصل بخدمة السلطان وترقت به المنازل حتى باشر كتابة السر وسأله صاحب الموصل أن يلي الوزارة فاعتذر بعلو السند والشهرة بالعلم ثم حصل له نقرس أبطل حركة يديه ورجليه وصار يحمل في محفة وقال ابن خلكان كان فقيها محدثنا أديبا نحويا عالما بصنعة الحساب والإنشاء ورعا عاقلا مهيبا ذا بر وإحسان وذكره ابن المستوفى

(5/22)


23
والمنذري وأثنى كل واحد منهما عليه وذكره ابن نقطة وقال توفي آخر يوم من سنة ست وستمائة برباطه في قرية من قرى الموصل ودفن به وقال ابن الأهدل له مصنفات بديعة وسيعة منها جامع الأصول الستة الصحيح أمهات الحديث وضعه على كتاب رزين بن معاوية الأندلسي إلا أن فيه زيادات كثيرة ومنها النهاية في غريب الحديث وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في تفسير القرآن العظيم أخذه من الثعلبي والزمخشري وله كتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وكتاب صنعة الكتابة وشرح أصول ابن الدهان في النحو وكتاب الشافعي في شرح مسند الشافعي وغير ذلك وعرض له فالج أبطل نصفه وبقي مدة تغشاه الأكابر من العلماء وأنشأ رباطا ووقف أملاكه عليه وداره التي يسكنها وحكى أن تصنيفه كله في حال تعطله لأنه كان عنده طلبة يعينونه على ذلك وحكى أخوه أبو الحسين جاءه طبيب وعالجه بدهن قارب أن يبرأ فقال إني في راحة من صحبة هؤلاء القوم وحضورهم وقد سكنت نفسي إلى الإنقطاع فدعني أعش باقي عمري سليما من الذل وترك انتهى وفيها ابن الأخوة مؤيد الدين أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الأخوة البغدادي ثم الأصبهاني المعدل سمع حضورا من أبي ذر وزاهر وسمع من أبي عبد الله الخلال وطائفة وروى كتبا كبارا توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو زكريا الأواني يحيى بن الحسين قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري ودعوان وسمع بواسط من أبي عبد الله الجلالبي وغيره وتوفي في صفر وفيها مجد الدين يحيى بن الربيع العلامة أبو علي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بواسط تفقه أولا على أبي النجيب السهروردي ورحل إلى محمد بن يحيى فتفقه عنده سنتين ونصف وسمع من نصر الله بن الحلجت

(5/23)


24
وببغداد من ابن ناصر وبنيسابور من عبد الله بن الفراوي وولى تدريس النظامية وكان إماما في القراءات والتفسير والمذهب والأصلين والخلاف كبير القدر وافر الحرمة توفي في ذي القعدة سنة سبع وستمائة فيها خرجت الفرنج من البحر من غربي دمياط وساروا في البر فأخذوا قرية نوره واستباحوها وردوا في الحال وفيها توفي صاحب الموصل الملك العادل نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن اتابك زنكي التركي ولي بعد أبيه ثمان عشرة سنة وكان شهما شجاعا سايسا مهيبا مخوفا قال أبو السعادات بن الأثير وزيره ما قلت له في فعل خير إلا وبادر إليه وقال أبو شامة كان عقد نور الدين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على بنت من بيت المال على مهر ثلاثين ألف دينار ثم بان أنه قد مات من أيام وقال أبو المظفر الجوزي كان جبارا سافكا للدماء بخيلا وقال ابن خلكان كان شهما عارفا بالأمور تحول شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه وله مدرسة قل أن يوجد مثلها في الحسن توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين من رجب في شبارة بالشط ظاهر الموصل والشبارة عندهم هي الحراقة بمصر وكتم موته حتى دخل به دار السلطنة بالموصل ودفن بتربته التي بمدرسته المذكورة وخلف ولدين هما الملك القاهر عز الدين مسعود والملك المنصور عماد الدين زنكي وقام بالمملكة بعده ولده القاهر وهو أستاذ الأمير بدر الدين أبي الفضائل لولو الذي تغل بعلى الموصل وملكها في سنة ثلاثين وستمائة في أواخر شهر رمضان وكان قبل نائبا بها ثم استقل وفيها أبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن روح الأصبهاني

(5/24)


25
التاجر رحلة وقته ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع المعجم الكبير للطبراني بفوت والمعجم الصغير من فاطمة وكان آخر من سمع منها وسمع من زاهر وسعيد بن أبي الرجا توفي في ذي الحجة وآخر من سمع منه وروى عنه بالإجازة تقي الدين بن الواسطي وفيها بقية بنت محمد بن آموسان روت عن أبي عبد الله الخلال وغانم بن خالد توفيت في رجب بأصبهان وفيها أخوها جعفر بن آموسان الواعظ أبو محمد الأصبهاني سمع من فاطمة بنت البغدادي وجماعة وروى الكثير وحج فأدركه الأجل بالمدينة النبوية في المحرم وفيها زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني ولد سنة إحدى وعشرين وسمع من محمد بن علي بن أبي ذر وسعيد بن أبي الرجا وزاهر بن طاهر وطائفة وروى حضورا عن جعفر بن عبد الله الثقفي توفي في ذي القعدة وفيها عائشة بنت معمر بن الفاخر أم حبيبة الأصبهانية حضرت فاطمة الجوزدانية وسمعت من زاهر وجماعة قال ابن نقطة سمعنا منها مسند أبي يعلى بسماعها من سعيد الصيرفي توفيت في ربيع الآخر وفيها أبو أحمد بن سكينة الحافظ ضياء الدين عبد الوهاب ابن الأمين علي بن علي البغدادي الصوفي الشافعي مسند العراق وسكينة جدته ولد سنة تسع عشرة وسمع من ابن الحصين وزاهر الشحامي وطبقتهما ولازم ابن السمعاني وسمع الكثير من قاضي المارستان وأقرانه وقرأ القراءات على سبط الخياط وجماعة ومهر فيها وقرأ العربية على ابن الخشاب وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور الرزاز وصحب جده لأمه أبا البركات إسمعيل بن أسعد وأخذ علم الحديث عن ابن ناصر ولازمه قال ابن النجار هو شيخ العراق في الحديث والزهد والسمت وموافقة السنة كانت أوقاته محفوظة لا تمضي له ساعة إلا في تلاوة أو ذكر أو تهجد أو تسميع وكان يديم الصيام غالبا ويستعمل السنة في أموره إلى أن قال وما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة

(5/25)


26
ولا أحسن سمتا صحبته وقرأت عليه القراءات وكان ثقة نبيلا من أعلام الدين وقال ابن الدبيثي كان من الأبدال وقال الذهبي آخر من له إجازته الكمال المكبر توفي في تاسع ربيع الآخر وفيها ابن طبرزد مسند العصر أبو حفص موفق الدين عمر بن محمد بن معمر الدارقزي المؤدب ولد سنة ست عشرة وخمسمائة وسمع من ابن الحصين وأبي غالب بن البنا وطبقتهما فأكثر وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة وروى الكثير ثم قدم دمشق في آخر أيامه فازدحموا عليه وقد أملى مجالس بجامع المنصور وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر وكان ظريفا كثير المزاح توفي في تاسع رجب ببغداد وفيها أبو موسى الجزولي بضم الزاي نسبة إلى جزولة بطن من البربر بالمغرب عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربري المراكشي النحوي العلامة حج وأخذ العربية عن ابن بري بمصر وسمع الحديث من أبي عبيد الله واليه انتهت الرياسة في علم النحو وولى خطابة مراكش مدة وكان بارعا في الأصول والقراءات قال ابن خلكان كان إماما في علم النحو كثير الإطلاع على دقائقه وغريبه وشاذه وصنف فيه المقدمة التي سماها القانون ولقد أتى فيها بالعجائب وهي في غاية الإيحاز مع الاشتمال على شيء كثير من النحو ولم يسبق إلى مثلها واعتنى بها جماعة من الفضلاء فشرحوها ومنهم من وضع لها أمثلة ومع هذا كله لا تفهم حقيقتها وأكثر النحاة يعترفون بقصور افهامهم عن إدراك مراده منها فإنها كلها رموز وإشارات وبالجملة فإنه أبدع فيها وله أمال في النحو لم تشتهر ونسبت الجمل إليه لأنها من نتائج خواطره وكان يقول هي ليست من تصنيفي لأنه كان متورعا وكان استفادها من شيخه ابن بري وإنما نسبت إليه لأنه انفرد بترتيبها وانتفع به خلق كثير وتوفى بازمور من عمل مراكش ويللبخت بفتح التحتية المثناة واللام الأولى وسكون الثانية وفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة فوقية اسم بربري

(5/26)


27
وفيها الشيخ أبو عمر المقدسي الزاهد محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام الحنبلي القدوة الزاهد أخو العلامة موفق الدين ولد بجماعيل سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وهاجر إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة وسمع الحديث من أبي المكارم عبد الواحد بن هلال وطائفة كثيرة وكتب الكثير بخطه وحفظ القرآن والفقه والحديث وكان إماما فاضلا مقرئا زاهدا عابدا قانتا لله خاشعا من الله منيبا إلى الله كثير النفع لخلق الله ذا أوراد وتهجد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات من الصلاة والصيام والذكر وتعلم العلم والفتوة والمروءة والخدمة والتواضع رضي الله عنه وأرضاه فلقد كان عديم النظير في زمانه خطب بجامع الجبل إلى أن مات قاله في العبر وقال ابن رجب في طبقاته هاجر به والده وبأخيه الشيخ الموفق وأهلهم إلى دمشق لاستيلاء الفرج على الأرض المقدسة فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي فأقاموا به مدة نحو سنتين ثم انتقلوا إلى الجبل قال أبو عمر فقال الناس الصالحية الصالحية ينسبونا إلى مسجد أبي صالح لا أنا صالحون حفظ الشيخ أبو عمر القرآن وقرأه بحرف أبي عمرو وسمع الحديث من والده وخلائق وقدم مصر وسمع بها من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسن بن المأموني وأبي محمد بن بري النحوي وخرج له الحافظ عبدالغني المقدسي أربعين حديثا من رواياته وحدث بها وسمع منه جماعة منهم الضياء والمنذري وروى عنه ابن خليل وولده شمس الدين أبو الفرج عبدالرحمن قاضي القضاة وحفظ مختصر الخرقي في الفقه وتفقه في المذهب وكتب بخطه كثيرا من ذلك الحلية لأبي نعيم وتفسير البغوي والمغني في الفقه لأخيه الشيخ موفق الدين والإبانة لابن بطة وكتب مصاحف كثيرة لأهله ويكتب الخرقي للناس والكل بغير أجرة وكان سريع الكتابة وربما كتب في اليوم كراسين بالقطع الكبير وقال الحافظ الضياء وكان الله قد جمع له معرفة الفقه والفرائض

(5/27)


28
والنحو مع الزهد والعمل وقضاء حوائج الناس قال وكان لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه ودعا به ولا يسمع ذكر صلاة إلا صلاها ولا يسمع حديثا إلا عمل به وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته وقلل إلا كل في مرضه قبل موته حتى عاد الكعود ومات وهو عاقد على أصابعه يسبح قال وحدثت عن زوجته قالت كان يقوم الليل فإذا جاءه النوم عنده قضيب يضرب به على رجله فيذهب عنه النوم وكان كثير الصيام سفرا وحضرا وقال عبد الله أنه في آخر عمره سرد الصوم فلامه أهله فقال اغتنم أيامي وكان لا يسمع بجنازة إلا حضرها ولا مريض إلا عاده ولا بجهاد إلا خرج فيه وكان يقرأ في الصلاة كل ليلة سبعا مرتلا ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر وكان يقري ويلقن إلى ارتفاع النهار ثم يصلي الضحى طويلة وكان يصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسبيح ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قل هو الله أحد وكان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة وله أوراد كثيرة وكان يزور القبور كل جمعة بعد العصر ولا ينام إلا على وضوء ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه وكان لا يترك غسل الجمعة ولا يخرج إلى الجمعة إلا ومعه شيء يتصدق به وكان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم ويتصدق كثيرا ببعض ثيابه حتى يبقى في الشتاء بجبة بغير قميص وكانت عمامته قطعة بطانة فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير قطع منها وكان يلبس الخشن وينام على الحصير وكان ثوبه إلى نصف ساقه وكمه إلى رسغه ومكث مدة لا يأكل أهل الدير إلا من بيته يجمع الرجال ناحية والنساء ناحية وكان إذا جاء شيء إلى بيته فرقه على الخاص والعام وكان يقول لا علم إلا ما دخل مع صاحبه القبر ويقول إذا لم تتصدقوا لا يتصدق أحد عنكم وإذا لم تعطوا السائل أنتم أعطاه غيركم وكان إذا خطب ترق القلوب وتبكي الناس بكاء كثيرا وكانت له هيبة عظيمة في القلوب وأحتاج الناس إلى المطر سنة فطلع إلى مغارة الدم ومعه نساء من محارمه

(5/28)


29
واستسقى ودعا فجاء المطر حينئذ وجرت الأودية شيئا لم يره الناس من مدة طويلة وقال عبد الله بن النحاس كان والدي يحب الشيخ أبا عمر فقال لي يوم جمعة أنا أصلي الجمعة خل فالشيخ ومذهبي أن بسم الله الرحمن الرحيم من الفاتحة ومذهبه أنها ليست من الفاتحة فمضينا إلى المسجد فوجدنا الشيخ فسلم على والدي وعانقه وقال يا أخي صل وأنت طيب القلب فإنني ما تركت بسم الله الرحمن الرحيم في فريضة ولا نافلة مذ أممت بالناس وله كرامات كثيرة وقد أطال الضياء ترجمته وكذلك سبط ابن الجوزي في المرآة وقال كان معتدل القامة حسن الوجه عليه أنوار العبادة لا يزال متبسما نحيل الجسم من كثرة الصيام والقيام وكان يحمل الشيخ من الجبل إلى بيوت الأرامل واليتامى ويحمل إليهم في الليل الدراهم والدقيق ولا يعرفونه ولا نهر أحدا ولا أوجع قلب أحد وكان أخوه الموفق يقول هو شيخنا ربانا وأحسن إلينا وعلمنا وحرص علينا وكان للجماعة كالوالد يقوم بمصالحهم ومن غاب منهم خلفه في أهله وهو الذي هاجر بنا وسفرنا إلى بغداد وبنى الدير ولما رجعنا من بغداد زوجنا وبنى لنا دورا خارجة عن الدير وكفانا هموم الدنيا وكان يؤثرنا ويدع أهله محتاجين وبنى المدرسة والمصنع بعلو همته وكان مجاب الدعوة وما كتب لأحد ورقة للحمى إلا وشفاه الله تعالى وذكر جماعة أن الشيخ قطب قبل موته بست سنين وقال سبط ابن الجوزي كان على مذهب السلف الصالح حسن العقيدة متمسكا بالكتاب والسنة والآثار المروية ويمرها كما جاءت من غير طعن على أئمة الدين وعلماء المسلمين وينهى عن صحبة المبتدعين ويأمر بصحبة الصالحين قال وأنشدني لنفسه ( أوصيكم في القول بالقرآن * بقول أهل الحق والإيقان ) ( ليس بمخلوق ولا بفان * لكن كلام الملك الديان ) ( آياته مشرقة المعاني * متلوة في اللفظ باللسان )

(5/29)


30 (
محفوظة في الصدر والجنان * مكتوبة في الصحف بالبنان ) ( والقول في الصفات يا أخواني * كالذات والعلم مع البيان ) ( امرارها من غير ما كفران * من غير تشبيه ولا عدوان ) ولما كان عشية الإثنين ثامن عشرى ربيع الأول جمع أهله واستقبل القبلة ووصاهم بتقوى الله تعالى ومراقبته وأمرهم بقراءة يس وكان آخر كلامه ( ^ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وتوفي رحمه الله وغسل في المسجد ومن وصل إلى الماء الذي غسل به نشف النساء والرجال به عمائمهم وكان يوما مشهودا ولما خرجوا بجنازته من الدير كان يوما شديد الحر فأقبلت غمامة فأظلت الناس إلى قبره وكان يسمع منها دوى كدوي النحل ولولا الدولة أحاطوا به بالسيوف لما وصل من كفنه إلى قبره شيء ولما دفن رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النبي وهو يقول من زار أبا عمر ليلة الجمعة فكأنما زار الكعبة فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه ومات عن ثمانين سنة ولم يخلف قليلا ولا كثيرا وذكر الضياء عن عبد المولى بن محمد أنه كان يقرأ عند قبر الشيخ سورة البقرة وكان وحده فبلغ إلى قوله تعالى ( ^ لا فارض ولا بكر ) قال فغلطت فرد على الشيخ من القبر قال فخفت وارتعدت وقمت ثم مات القارىء بعد ذلك بأيام قال وقرأ بعضهم عند قبره سورة الكهف فسمعه من القبر يقول لا إله إلا الله ورؤيت له منامات كثيرة دفن بسفح قاسيون إلى جانب والده رحمهما الله تعالى وفيها محمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج الوكيل عند قضاة بغداد أجاز له ابن الحصين وسمع من أبي غالب بن البنا وطائفة وروى الكثير وكان ماهرا في الحكومات توفي في رجب وفيها المظفر بن إبراهيم أبو منصور بن البرتي بكسر الموحدة وفقية نسبة إلى برت قرية بنواحي بغداد الحربي آخر من حدث عن أبي الحسن

(5/30)


31
محمد بن الفراء توفي في شوال وفيها أبو القاسم المبارك بن أبي سكين بن عبدالله النجمي السيدي البغدادي المعدل الأديب الحنبلي سمع من أبي المظفر بن التركي الخطيب وخلق وشهد عند قاضي القضاة أبي القسم بن الشهرزوري وكان وكيل الخليفة الناص بباب طراد وبقي على ذلك إلى موته قال ابن نقطة سمعت منه وكان ثقة عالما فاضلا وروى عنه ابن خليل في معجمه توفي في حادي عشر صفر ودفن بباب حرب وفيها أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح ابن عمر بن الطباخ الحراني الضرير المقري الفقيه الحنبلي رحل وقرأ القرآن بواسط بالروايات على هبة الله الواسطي وغيره وسمع بها الحديث من ابن الكتاني وسمع ببغداد من ابن الخشاب وشهدة في آخرين وتفقه ببغداد ورجع إلى حران وحدث بها وسمع منه سبط بن الجوزي وغيره وتوفي في شوال بحران وفيها صفي الدين أبو زكريا يحيى بن المظفر بن علي بن نعيم البغدادي البدري الزاهد الحنبلي المعروف بابن الحبير ولد في محرم سنة أربعين وخمسمائة وسمع الحديث من ابن ناصر وأبي الوقت وغيرهما وتفقه في المذهب وكان يسافر في التجارة إلى الشام ثم انقطع في بيته بالبدرية محلة من محال بغداد الشرقية وكان كثير العبادة حسن الهيئة والسمت كثير الصلاة والصيام والتنسك ذا مروءة وتفقد للأصحاب وتودد إليهم وانتفع به جماعة من مماليك الخليفة وثبت له ذكر في آخر عمره لقراءة الحديث عليه وتوفي في يوم الإثنين ضحى تاسع عشرى ذي الحجة ودفن بباب حرب وكان له ابن يقال له أبو بكر محمد كان فقيها فاضلا في المذهب فانتقل إلى مذهب الشافعي لاجل الدنيا وولى القضاء وقيلت فيه الإشعار قاله ابن رجب سنة ثمان وستمائة فيها قدم رسول جلال الدين حسن صاحب الالموت بدخول قومه في

(5/31)


32
الإسلام وأنهم قد تبرأوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع وصاموا رمضان ففرح الخليفة بذلك وفيها وثب قتادة الحسيني أمير مكة على الركب العراقي بمنى فنهب الناس وقتل جماعة فقيل راح للناس ما قيمته ألف ألف دينار ولم ينتطح فيها عنزان قال في العبر وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر هدمت دورا كثيرة بالقاهرة ومات خلق كثير تحت الهدم قاله السيوطي وفيها توفي أبو العباس العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقا المقرىء قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وسمع من أبي منصور القزاز وابن خيرون وطائفة وتوفي يوم التروية عن ثلاث وثمانين سنة وفيها جهاركس ويقال جركس الأمير الكبير فخر الدين الصلاحي أعطاه العادل بانياس والشقيف فأقام هناك مدة وكان أحد أمراء صلاح الدين شهد الغزوات كلها وتوفي في رجب بدمشق ودفن بقاسيون في تربته التي وقف عليها قرية بوادي بردا تسمى الكفر وعشرين قيراطا من جميع قرية بيت سوا سوى احكار بيوت بالصالحية وعلى قبره قبة عظيمة على جادة الطريق قال ابن خلكان كان كريما نبي القدر عالي الهمة بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بنائها وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلقا وجهاركس بكسر الجيم معناه بالعربي أربعة أنفس وفيها ابن حمدون صاحب التذكرة أبو سعد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن حمدون البغدادي كاتب الإنشاء للدولة قاله في العبر فكناه بأبس عد وجزم بوفاته في هذه السنة وقال ابن خلكان أبو المعالي محمد بن أبي سعد الحسن بن محمد علي بن حمدون الكاتب الملقب كافي الكفاة بهاء الدين البغدادي كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة من بيت مشهور بالرياسة هو وأبوه وأخواه أبو نصر وأبو المظفر

(5/32)


33
وسمع أبو المعالي من أبي القسم إسمعيل بن الفضل الجرجاني وغيره وصنف كتاب التذكرة وهو من أحسن المجاميع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار لم يجمع أحد من المتأخرين مثله وهو مشهور بأيدي الناس كثير الوجود وهو من الكتب الممتعة ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في الخريدة فقال كان عارض العسكر المقتدى ثم صار صاحب ديوان الزمام المستنجدي وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد وفيه فضل ونبل وله على أهل الأدب ظل وألف كتابا سماه التذكرة وجمع فيه الغث والسمين والمعرفة والنكرة فوقف الإمام المستنجدي على حكايات ذكرها نقلا من التواريخ توهم في الدولة غضاضة فأخذ من دست منصبه وحبس ولم يزل في نصبه إلى أن رمس وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة وأورد له ( يا خفيف الرأس والعقل معا * وثقيل الروح أيضا والبدن ) ( تدعي أنك مثلي طيب * طيب أنت ولكن بلبن ) انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا فانظر التناقض بين كلامه وكلام العبر وفيها اسباه مير بن محمد بن عمان الجيلي الفقيه الحنبلي أبو عبد الله تفقه ببغداد على الشيخ عبد القادر ونزل عنده ولازم الإشتغال بمدرسته إلى آخر عمره وسمع من ابن المادح وحدث عنه باليسير وعمر وسمع منه ابن القطيعي وجماعة وكان أصابه صمم شديد في آخر عمره قال ابن النجار كان شيخا صالحا مشتغلا بالعلم والخير مع علو سنه وأظنه ناطح المائة وقال ابن رجب توفي ليلة الجمعة حادي عشرى ربيع الأول ودفن بباب حرب وفيها الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السروجي المعبر سمع من نصر الله المصيصي وببغداد من الحسين سبط الخياط توفي في شوال وفيها عبدالرحمن الرومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي قرأ على أبي الكرم الشهرزوري وروى صحثح البخاري بمصر والإسكندرية عن أبي الوقت

(5/33)


34
توفي في ذي القعدة وقد شاخ وفيها ابن نوح الغافقي العلامة أبو عبد الله محمد بن أيوب بن محمد ابن وهب الأندلسي البلنسي ولد سنة ثلاثين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتفقه وبرع على مذهب مالك ولم يبق له في وقته نظير بشرق الأندلس تفننا واستبحارا كان رأسا في الفقه والقراءات والعربية وعقد الشروط قال الابار تلوت عليه وهو أغزر من لقيت علما وأبعدهم صيتا توفي في شوال وفيها عماد الدين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلامة أبو حامد الشافعي تفقه على والده وببغداد على يوسف بن بندار وغيره ودرس في عدة مدارس بالموصل واشتهر وقصده الطلبة من البلاد قال ابن خلكان كان إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف وكان له صيت عظيم في زمانه صنف المحيط جمع فيه بين المهذب والوسيط وكان ذا ورع ووسواس في الطهارة بحيث أنه يغسل يده من مس القلم وكان كالوزير لصاحب الموصل نور الدين وما زال به حتى نقله إلى الشافعية وتوجه إبى بغداد وتفقه بالمدرسة النظامية على السديد محمد وسمع بها الحديث من الكشميهني وغيره وعاد إلى الموصل ودرس بها في عدة مدارس منها النورية والعزية والزينبية والبغشية والعلائية وقال ابن شهبة كان لطيف المحاورة دمث الأخلاق وكان مكمل الأدوات لم يرزق سعادة في تصانيفه فإنها ليست على قدر فضله توفي في جمادى الآخرة انتهى وقال الذهبي هو جد مصنف التعجيز تاج الدين عبدالرحمن بن محمد بن محمد الموصلي وفيها منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله بن فقيه الحرم محمد بن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القسم ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمع من جده وجد أبيه وعبدالجبار الحواري ومحمد بن إسمعيل الفارسي وروى الكتب الكبار ورحلوا إليه وتوفي في ثامن شعبان بنيسابور

(5/34)


35
وفيها ابن سناء الملك القاضي أبو القسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري الأديب صاحب الديوان المشهور والمصنفات الأدبية قرأ على الشريف الخطيب وقرأ النحو على ابن بري وسمع من السلفي وكتب بديوان الإنشاء مدة وكان بارع الترسل والنظم قال ابن خلكان كان كثير التخصيص والتنعم وافر السعادة محظوظا من الدين اختصر كتاب الحيوان للجاحظ وسمى المختصر روح الحيوان وهي تسمية لطيفة وله ديوان جميعه موشحات سماه در الطراز وجمع شيئا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل وفيه كل معنى مليح واتفق في عصره جماعة من الشعراء المجيدين وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها ودخل في ذلك الوقت إلى مصر شرف الدين بن عنين فعملوا له الدعوات وكانوا يجتعون على أرغد عيش وكانوا يقولون هذا شاعر الشام وجرت لهم محافل سطرت عنهم ومن شعر ابن سناء الملك ( لا الغصن يحكيك ولا الجوذر * حسنك مما أكثروا أكثر ) ( يا باسما أبدى لنا ثغره * عتدا ولكن كله جوهر ) ( قال لي اللاحي ألا تستمع * فقلت يا لاحي ألا تبصر ) وله يتغزل بجارية عمياء ( شمسي بغير الشعر لم تحجب * وفي سوى العينين لم تكسف ) ( مغمدة المرهف لكنها * تجرح في الجفن بلا مرهف ) ( رأيت منها الجلد في جوذر * ومقلتي يعقوب في يوسف ) وله في غلام ضرب ثم حبس ( بنفسي من لم يضربوه لريبة * ولكن ليبدوا الورد في سائر الغصن ) ( ولم يودعوه السجن إلا مخافة * من العين أن تعدو على ذلك الحسن ) ( وقالوا له شاركت في الحسن يوسفا * فشاركه أيضا في الدخول إلى السجن )

(5/35)


36
وله أيضا ( وما كان تركي حبه عن ملالة * ولكن لأمر يوجب القول بالترك ) ( أراد شريكا في الذي كان بيننا * وإيمان قلبي قد نهاني عن الشرك ) وقال العماد الكاتب في الخريدة كنت عند القاضي الفاضل في خيمته فاطلعني على قصيدة كتبها إليه ابن سناء الملك وكان سنه لم يبلغ عشرين سنة فعجبت منها وأولها ( فراق قضى للهم والقلب بالجمع * وهجر تولي صلح عيني مع الدمع ) وتوفي ابن سناء الملك في العشر الأول من شهر رمضان بالقاهرة عن بضع وستين سنة وفيها يونس بن يحيى الهاشمي أبو محمد البغدادي القصار نزيل مكة روى عن أبي الفضل الأرموي وابن الطلاية وطبقتهما قاله في العبر سنة تسع وستمائة فيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بين الناصر محمد بن يعقوب بن يوسف وبين الفرنج ونصر الله الإسلام واستشهد بها عدد كثير وتعرف بوقعة العقاب وفيها توفي أبو جعفر الحصار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الداني المقرىء المالكي نزيل بلنسية قرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتصدر للاقراء ولم يكن أحد يقارنه في الضبط والتحرين ولكن ضعفه الأبار وغيره لروايته عن ناس ما كان لقيهم توفي في صفر قاله في العبر وفيها أبو عمر بن عات أحمد ابن هرون بن أحمد بن جعفر بن عات النقري بضم النون والقاف وراء نسبة إلى نقر بطن من احمس الشاطبي الحافظ سمع أباه العلامة أبا محمد وابن هذيل ولما حج

(5/36)


37
من السلفي وكان عجبا في سرد المتون ومعرفة الرجال والأدب وكان زاهدا سلفيا متعففا عدم في وقعة العقاب في صفر قال ابن ناصر الدين كان زاهدا ورعا حافظا ثقة مأمونا انتهى وفيها الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب تملك خلاط خمس سنين وكان ظلوما سفاكا لدماء الأمراء مات في ربيع الأول وفيها أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي ليمنى الصنعاني الشافعي المحدث ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة وتفقه بظفار ورحل إلى العراق وأصبهان وسمع من أبي المطهر الصيدلاني ورجاء بن حامد المعداني وطائفة وكان مجموع الفضائل كثير التعبد والعزلة قال ابن ناصر الدين أبو نزار الذماري ربيعة بن الحسن بن علي الحضرمي الصنعاني أبو نزار الحافظ الفقيه الشافعي كان إماما حافظا فقيها ماهرا لغويا أديبا شاعرا انتهى توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني الأصل ثم البغدادي الفقيه الشافعي الزاهد قرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم وسمع منهما ومن الكروخي وجماعة وجاور وأم بمقام إبراهيم إلى أن عجز وانقطع توفي في ذي القعدة وكان ثقة بصيرا بالقراءات وفيها أبو الفضل بن المعزم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمداني الفقيه توفي في ربيع الآخر وسمع من أبي جعفر محمد بن علي الحافظ وعبد الصبور الهروي وطائفة وكان مكثيرا صحيح السماع وفيها علي بن يحيى الحمامي قال ابن ناصر الدين معدود في الحفاظ الفضلاء والمحدثين العلماء انتهى وفيها أبو الحسن بن النجار علي بن محمد بن حامد اليغنوي بفتح الياء التحتية والنون وسكون الغين المعجمة نسبة إلى يغنى قرية بنسف الفقيه الحنبلي قرأ الفقه الحنبلي قرأ الفقه والخلاف على الفخر إسمعيل صاحب ابن المنى وتكلم في مسائل الخلاف فأجاد وقرأ طرفا صالحا من الأدب وقال

(5/37)


38
الشعر وكان يكتب خطا حسنا وسافر عن بغداد ودخل ديار بكر وولي القضاء بآمد وأقام بها إلى حين وفاته وكان صهرا لعبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني على ابنته وتوفي بآمد في رمضان وقد حاوز الأربعين قال ابن النجار أنشدت له ( لو صب ما ألقى على صخرة * لذابت الصخرة من وجدها ) ( أو ألقيت نيران قلبي على * دجلة لم يقد رعلى وردها ) ( أو ذاقت النار غرامي بكم * لم تتوار النار في زندها ) ( لو لم ترج الروح روح اللقا * لكان روح الروح في فقدها ) وفيها ابن القسطي أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة أبو حمزة الحراني ثم البغدادي روى عن الحسين وأبي محمد سبطي الخياط وأبي نصور بن خيرون وطائفة وكان متيقظا حسن الأخلاق وفيها محمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي سمع من زاهر الشحامي بأصبهان وفيها ناصر الدين أبو الثناء وأبو الشكر محمود بن عثمان بن مكارم النعال البغدادي الأزدي الفقيه الحنبلي الواعظ الزاهد ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ببغداد وقرأ القرآن وسمع الحديث من أبي الفتح بن البطي وحدث وحفظ مختصر الخرقي وقرأ على أبي الفتح بن المنى وصحب الشيخ عبد القادر مدة وتأدب به وكان يطالع الفقه والتفسير ويجلس في رباطه للوعظ وكان رباطه محمعا للفقراء وأهل الدين والفقهاء الغرباء الذين يرحلون إلى أبي الفتح بن المنى وكان الاشتغال في رباطه بالعلم أكثر من الاشتغال في سائر المدارس سكنه الشيخ موفق الدين المقدسي والحافظ عبدالغني وأخوه الشيخ العماد والحافظ عبدالقادر الرهاوي وغيرهم من أكابر الرحالين لطلب العلم قال أبو الفرج بن الحنبلي ولما قدمت بغداد سنة اثنتين وسبعين نزلت الرباط ولم يكن فيه بيت خال فعمرت به بيتا وسكنته وكان الشيخ محمود وأصحابه

(5/38)


39
ينكرون المنكر ويريقون الخمور ويرتكبون الأهوال في ذلك وضرب مرات وهو شديد في دين الله له إقدام وجهاد وكان كثير الذكر قليل الحظ من الدنيا وكان يسمى شيخ الحنابلة قال وكان يهذبنا ويؤدبنا وانتفعنا به كثيرا وقال أبو شامة كانت له رياضات وسياحات ومجاهدات وساح في بلاد الشام وغيرها وكان يؤثر أصحابه وانتفع به خلق كثير وكان مهيبا لطيفا كيسا باشا مبتسما يصوم الدهر ويختم القرآن كل يوم وليلة ولا يأكل إلا من غزل عمته توفي ليلة الأربعاء عاشر صفر عن أزيد من ثمانين سنة ودفن برباطه وفيها أبو زكريا يحيى بن سالم بن مفلح البغدادي نزيل الموصل الحنبلي سمع بغداد من أبي الوقت وتفقه بها على صدقة بن الحسين بن الحداد وحدث بالموصل وتوفي بها في شهر رمضان ودفن بمقبرة الجامع العتيق سنة عشر وستمائة فيها ظهرت بلاطة وهم يحفرون خندق حلب وقلعت فوجد تحتها سبع عشرة قطعة من ذهب وفضة على هيئة اللبن فوزنت فكانت ثلاثة وستين رطلا بالحلبي وعشرة أرطال ونصف وأربعة وعشرين فضة ثم وجد حلقة من ذهب وزنها رطلان ونصف فكمل الجميع قنطارا وفيها كما قال أبو شامة ورد الخبر بخلاص خوارزم شاه من أسر التتار أي وذلك أنه كان صاحب اقدام فكان من خبره أنه نازل التتار بجيوشه فخطر له أن يكشفهم فتنكر ولبس زيهم هو وثلاثة ودخلوا فيهم فأنكرتهم التتار وقبضوا عليهم وقرروهم فمات اثنان تحت الضرب ولم يقروا ورسموا على خوارزم شاه ورفيقه فهربا في الليل وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي الفقيه الحنبلي المعدل ويلقب شمس الدين ولد ليلة ثامن

(5/39)


40
عشرى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وخمسمائة ذكر القادسي أن أباه سماه عبد الرحمن فرأى في منامه النبي وأمره أن يسميه إبراهيم ويكنيه أبا محمد وقرأ القرآن على عمه وسمع من أبيه وعمه ومن أبي الفتح بن البطي وجماعة كثيرة واشتغل بالمذهب على أبيه وعمه وبالخلاف على أبي الفتح بن المنى ولازمه مدة وشهد عند قاضي القضاة ابن الشهرزوري وولى نظر وقوف الجامع ثم ولى النيابة بباب النوى سنة أربع وستمائة فغير لباسه وتغيرت أحواله وأساء السيرة بكثرة الأذى والمصادرة والجنايات على الناس والسعي بهم قال ابن القادسي حدثني عبد العزيز بن دلف قال كان ابن بكروس يلازم قبر معروف الكرخي فسمعته يدعو أكثر الأوقات اللهم مكني من دماء المسلمين ولو يوما واحدا قال فمكنه الله تعالى من ذلك وقال ابن اللياعي حدثني عبد العزيز الناسخ أنه وعظ ابن بكروس يوما فقال يا شيخ اعلم أني قد فرشت حصيرا في جهنم فقمت متعجبا من قوله ولم يزل على ذلك إلى أن قبض عليه في ربيع الآخر وضرب حتى تلف فمات ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى قال ابن القادسي قرأ سورة يس فلما بلغ إلى قوله تعالى ( ^ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ) جعل يكررها إلى أن مات انتهى وفيها أبو الفضل تاج الامناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعدل ابن عساكر والد العز النسابة ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وسمع بمكة من أحمد بن المقرب وخرج لنفسه مشيخة وكتب وجمع وخدم في جهات كبار توفي في رجب وفيها أبو الفضل التركستاني أحمد بن مسعود بن علي شيخ الحنفية بالعراق وعالمهم ومدرس مشهد أبي حنيفة الإمام توفي في ربيع الآخر وفيها الفخر فخر الدين إسمعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي

(5/40)


41
المأموني الفقيه الحنبلي أبو محمد ويعرف بابن الرفا المناظر ويعرف أيضا بغلام ابن المنى ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة ولازم أبا فتح نصر بن المنى مدة وسمع من شهدة وكانت له حلقة كبيرة للمناظرة والاشتغال بعلم الكلام والجدل ولم يكن في دينه بذاك وتخرج به جماعة وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش المقري وولاه الخليفة الناصر النظر في قراه وعقاره الخاص ثم صرفه وقد حط عليه أبو شامة ونسبه إلى الظلم في ولايته وكذلك ابن النجار مع أنه قال كان حسن العبارة جيد الكلام في المناظرة مقتدرا على رد الخصوم وكانت الطوائف مجمعة على فضله وعلمه قال ورتب ناظرا في ديوان المطبق مديدة فلم تحمد سيرته فعزله واعتقل مدة بالديوان ثم أطلق ولزم منزله قال ولم يكن في دينه بذاك ذكر لي ولده أبو طالب عبد الله في معرض المدح أنه قرأ المنطق والفلسفة على ابن مرقيس الطبيب النصراني ولم يكن في زمانه أعلم منه بتلك العلوم وأنه كان يتردد إليه إلى بيعة النصارى قال وسمعت من أثق به من العلماء أنه صنف كتابا سماه نواميس الأنبياء يذكر فيه أنهم كانوا حكماء كهرمس وأرسطاطاليس قال وسألت بعض تلامذته الخصيصين به فما أثبته ولا أنكره وقال كان متسمحا في دينه متلاعبا به ولم يزد على ذلك قال وكان دائما يقع في الحديث وفي رواته ويقول هم جهال لا يعرفون العلوم العقلية ولا معاني الحديث الحقيقية بل هم مع اللفظ الظاهر ويذمهم ويطعن عليهم ومما أنشده ابن النجار من شعره ( دليل على حرص ابن آدم أنه * ترى كفه مضمومة وقت وضعه ) ( ويبسطها وقت الممات إشارة * إلى صفرها مما حوى بعد جمعه ) وتوفي كما قال أبو شامة وابن القادسي في ربيع الأول وقال ابن النجار يوم الثلاثاء ثامن ربيع الآخر ودفن من يومه بداره بدرب الجب ثم نقل إلى باب حرب سامحه الله وفيها ايدغمش السلطان شمس الدين

(5/41)


42
صاحب همذان وأصبهان والري كان قد تمكن وكثرت جيوشه واتسعت ممالكه بحيث أنه حصر ولد أستاذه أبا بكر بن البهلوان بأذربيجان إلى أن خرج عليه منكلى بالتركمان وحاربه واستعان عليه بالمماليك البهلوانية فهرب إلى بغداد فسلطنه الخليفة وأعطاه الكوسات في العام الماضي فلما كان في المحرم كبسته التركمان وقتلوه وحملوا رأسه إلى منكلى وفيها الحسين بن سعيد بن شنيف أبو عبد الله الأمين سمع من هبة الله بن الطبر وقاضي المارستان وجماعة وتوفي في المحرم ببغداد وفيها زينب بنت إبراهيم القيس زوجة الخطيب ضياء الدين الدولعي أم الفضل سمعت من نصر الله المصيصي وأجاز لها أبو عبد الله الفراوي وخلق توفيت في ربيع الأول وفيها ابن حديدة الوزير معز الدين أبو المعالي سعيد بن علي الأنصاري البغدادي وزر للناصر في سنة أبع وثمانين وخمسمائة فلما عزل بابن مهدي صودر فبذلك للمترسمين ذهبا وهرب وحلق لحيته والتف في إزار وبقي بأذربيجان مدة ثم قدم بغداد ولزم بيته إلى أن مات في جمادى الأولى وفيها عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني أبو مسعود الصوفي القرى نزيل دمشق روى الصحيح عن أبي الوقت وروى عن نصر البرمكي قال العوصي هو الإمام شيخ القراء بقية السلف توفي في جمادى الأولى وفيها ابن هبل الطبيب العلامة مهذب الدين علي بن أحمد بن علي البغدادي نزيل الموصل روى عن أبي القاسم بن السمرقندي وكان من الأذكياء الموصوفين له عدة تصانيف وجماعة تلامذة وفيها عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الفقيه الأصبهانية سمعت حضورا في سنة أربع وعشرين من إسماعيل بن الأخشيد وسمعت من أبي ذر وكانت آخر من حدث عنهما توفيت في ربيع الآخر وفيها محمد بن مكي بن أبي الرجا بن علي بن الفضل الأصبهاني المليحي المحدث الحنبلي المؤدب سمع من

(5/42)


43
مسعود الثقفي وخلق كثير وعنى بهذا الشأن وقرأ الكثير بنفسه وكتب بخطه وخرج وأفاد الطلبة بأصبهان وحدث وأجاز للحفظ المنذري ولأبي الحسن ابن البخاري وأحمد بن شيبان وقد رويا عنه بالإجازة توفي في العشر الأواخر من المحرم بأصبهان وفيها محمد بن حماد بن محمد بن جوخان البغدادي الضرير الفقيه الحنبلي أبو بكر سمع الحديث من ابن البطي وشهدة وحدث بيسير وحفظ القرآن وقرأه بتجويد وأقرأه وتفقه على ابن المنى وتكلم في مسائل الخلاف وتوفي يوم الأربعاء سلخ رمضان ببغداد وقد ناطح السبعين ودفن بباب حرب وفيها أبو العشاير بن البلوي محمد بن علي بن محمد بن كرم السلامي المعدل سمع من ابن البطي وجماعة وتفقه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل وقر طرفا من العربية على ابن الخشاب وشهد عند قاضي القضاة العباسي وكان يؤم بمسجد بالجانب الغربي من بغداد حدث وسمع منه قوم من الطلبة وكان غاليا في التسنن حتى أنه يقول أشياء لا يلزمه التلفظ بها منها أن بلالا خير من موسى ابن جعفر ومن أبيه وكان ذلك في وزارة القمي الشيعي فنفاه إلى واسط وكان ناظرها غاليا في التشيع فأخذه وطرحه في مطمورة إلى أن مات بها وانقطع خبره في هذه السنة رحمه الله تعالى وفيها صاحب المغرب السلطان الملك الناصر الملقب بأمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي وأمه أمة رومية وكان أشقر أشهل أسيل الخد حسن القامة طويل الصمت كثير الاطراق بعيد الغور ذا شجاعة وحلم وفيه بخل بين تملك بعد أبيه في صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة ووزر له غير واحج منهم أخوه إبراهيم وكان أولى بالملك منه وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فاس وكان قد أخذها منهم ابن عانية فظفر جيشه بابن عانية عبد الله بن إسحق بن عانية متولى فاس فقتلوه ثم خرج عليه

(5/43)


44
عبد الرحمن بن الحدارة بالسوس وهزم الموحدين مرات ثم قتل واستولى ابن عمة ابن عانية على إفريقية كلها سوى بحايه وقسنطينية فسار الناصر وحاصر المهدية أربعة أشهر ثم تسلمها من ابن عمة ابن عانية وصار من خواص أمرائه ثم خامر إليه سير أخو ابن عانية فأكرمه أيضا قال عبد الواحد المراكشي في تاريخه فبلغني أن جملة ما أنفقه في هذه السفرة مائة وعشرين حمل ذهب ثم دخل الأندلس في سنة ثمان وستمائة فحشد له الأدقيش واستنفر عليه حتى فرنج الشام وقسطنطينية الكبرى وكانت وقعة الموضع المعروف بالعقاب فانكسر المسلمون وكان الذي أعان على ذلك أن البربر الموجودين لم يسلوا سلاحا بل جبنوا وانهزموا غيظا على تأخير أعطياتهم وثبت السلطان ولله الحمد ثباتا كليا ولولا ذلك لاستؤصلت تلك الجموع ورجعت الفرنج بغنائم لا تحصى وأخذوا بلد ببا عنوة ثم مات بالسكتة في شعبان وفيها أبو النجم هلال بن محفوظ الرسعني الجزري الفقيه الحنبلي رحل إلى بغداد وسمع بها من شهدة الكاتبة وغيرها وتفقه بها وبيته بالجزيرة بيت مشيخة وصلاح أحدث برأس العين وسمع منه جماعة رحمه الله تعالى والله سبحان أعلم سنة إحدى عشرة وستمائة فيها توفي جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي البغدادي القاضي بن القاضي أبي يعلى أبي حازم بن القاضي أبي يعلى الكبير ولد بواسط إذ كان أبوه قاضيها بعد الأربعين وخمسمائة بقليل وسمع الكثير من أبي بكر بن الزاغوني وسعيد بن البنا وأبي الوقت وابن البطي وخلق كثير وعنى بالحديث وكتب بخطه الكثير لنفسه وللناس وشهد عند ابن الدامغاني قال ابن القادسي كان خيرا من أهل الدين والصيانة والعفة

(5/44)


45
والديانة وحدث وسمع منه ابن الدبيثي وغيره وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشرى شعبان ودفن عند أبيه بباب حرب وفيها الركن عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الكيلاني ويلقب بالركن وتقدم ذكر أبيه وجده ولد ليلة ثامن ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث من جده وابن البطي وشهدة وغيرهم وقرأ وكتب وتفقه بجده ودرس بمدرسة جده وكان حنبليا وولى عدة ولايات وكان أديبا كيسا مطبوعا عارفا بالمنطق والفلسفة والتنجيم وغير ذلك من العلوم الردية وبسبب ذلك نسب إلى عقيدة الأوائل حتى قيل أن والده رأى عليه يوما ثوبا بخاريا فقال والله هذا عجب ما زلنا نسمع البخاري ومسلم فأما البخاري وكافر فما سمعناه وكان أبوه كثير المجون والمدابعة كما تقدم وكان عبد السلام أيضا غير ضابط للسانه ولا مشكور في طريقته وسيرته يرمى بالفواحش والمنكرات وقد جرت عليه محنة في أيام الوزير ابن يونس فإنه كبس دار عبد السلام هذا وأخرج منها كتبا من كتب الفلاسفة ورسائل إخوان الصفا وكتب السحر والنارنجات وعبادة النجوم واستدعى ابن يونس العلماء والفقهاء والقضاة والأعيان وكان ابن الجوزي معهم وقرىء في بعضها مخاطبة زحل بقول أيها الكوكب المضيء المنير أنت تدبر الأفلاك وتحي وتميت وأنت إلهنا وفي حق المريخ من هذا الجنس وعبد السلام حاضر فقال ابن يونس هذا خطك قال نعم قال لم كتبته قال لا رد على قائله ومن يعتقده فأمر بإحراق كتبه فجلس قاضي القضاة والعلماء وابن الجوزي معهم على سطح مسجد مجاور لجامع الخليفة يوم الجمعة وأضرموا نارا عظيمة تحت المسجد وخرج الناس من الجامع فوقفوا على طبقاتهم والكتب على سطح المسجد وقام أبو بكر بن المارستانية فجعل يقرأ كتابا كتابا من مخاطبات الكواكب ونحوها ويقول العنوا من كتبه ومن يعتقده وعبد السلام حاضر فتصيح العوام باللعن

(5/45)


46
فتعدى اللعن إلى الشيخ عبد القادر بل وإلى الإمام أحمد وظهرت الأحقاد البدرية ثم حكم القاضي بتفسيق عبد السلام ورمى طيلسانه وأخرجت مدرسة جده من يده ويد أبيه عبد الوهاب وفوضت إلى الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي قال ابن القادسي بعد ذكر ذلك ثم أودع عبد السلام الحبس مدة ولما أفرج عنه أخذ خطه بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلام حق وما كان عليه باطل وأطلق ثم لما قبض على ابن يونس ردت مدرسة الشيخ عبد القادر إلى ولده عبد الوهاب ورد ما بقي من كتب عبد السلام التي أحرق بعضها وقبض على الشيخ أبي الفرج بسعي عبد السلام هذا ونزل عبد السلام معه في السفينة إلى واسط واستوفى بالكلام منه والشيخ ساكت ولما وصل إلى واسط عقد مجلس حضره القضاة والشهود وادعى عبد السلام على الشيخ بأنه تصرف في وقف المدرسة واقتطع من مالها وأنكر الشيخ ذلك وكتب محضر بما جرى وأمر الشيخ بالمقام بواسط ورجع عبد السلام وذكره ابن النجار في تاريخه وذمه ذما بليغا وذكر أنه لم يحدث بشيء وأنه توفي يوم الجمعة لثمان خلون من رجب ودفن شرقي بغداد وفيها أبو محمد بن الأخضر الحافظ المتقن مسند العراق عبد العزيز بن محمود ابن المبارك الجنابذي بضم الجيم وفتح النون وموحدة ثم معجمة نسبة إلى جنابذ ويقال كونابذ قرية بنيسابور الحنبلي ثم البغدادي ولد يوم الخميس ثامن عشر رجب سنة أربع وعشرين وخمسمائة ببغداد وأول سماعه سنة ثلاث وخمسمائة سمع بإفادة أبيه وأستاذه ابن بكروس من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي وأبي القسم بن السمرقندي وخلق وسمع هو بنفسه من أبي الفضل الأرموي وابن الزاغوني وابن البنا وابن ناصر الحافظ أبي الوقت وطبقتهم ومن بعدهم وبالغ في الطلب وقرأ بنفسه وكتب بخطه وحصر الأصول ولازم أبا الحسن بن بكروس الفقيه وابن ناصر وانتفع بهما ولم يزل يسمع

(5/46)


47
ويقرأ على الشيوخ لإفادة الناس إلى آخر عمره قال ابن النجار صنف مجموعات حسنة في كل فن ولم يكن في أقرانه أكثر سماعا منه ولا أحسن أصولا كأنها الشمس وضوحا وعليها أنوار الصدق وبارك الله له في الرواي حتى حدث بجميع مسموعاته ومروياته صحبته مدة طويلة وقرأت عليه الكثير من الكتب الكبار والأجزاء وأكثر ما جمعه وخرجه وعلقت عنه واستفدت منه كثيرا وكان ثقة حجة نبيلا ما رأيت في شيوخنا سفرا وحضرا مثله في كثرة مسموعاته ومعرفته بمشايخه وحسن أصوله وحفظه وإتقانه وكان أمينا متدينا جميل الطريقة عفيفا أريد على أن يشهد عند القضاة فأبى ذلك وكان من أحسن الناس خلقا وألطفهم طبعا من محاسن البغداديين وظرفائهم ما يمل جليسه منه وقال المنذري حدث نحوا من ستين سنة وصنف تصانيف مفيدة وانتفع به جماعة ولنا منه إجازة وكان حافظ العراق في وقته وقال ابن رجب ومن تصانيفه المقصد الأرشد في ذكر من روى عن أحمد في مجلدين وكتاب تنبيه اللبيب وتلقيح فهم المريب في تحقيق أوهام الخطيب وتلخيص وصف الأسماء في اختصار الرسم والترتيب أجزاء كثيرة رأيت منه الجزء العشرين وروى عنه ابن الجوزي وابن الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والضياء المقدسي والبرازلي وابن خليل وغيرهم من أكابر الحفاظ وتوفي ليلة السبت بين العشاءين سادس شوال ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو محمد عبد المحسن ابن يعيش بن إبراهيم بن يحيى الحراني الفقيه الحنبلي سمع بحران من أبي ياسر ابن أبي جبة ورحل إلى بغداد فسمع من ابن كليب وابن الجوزي وطلبقتهما وقرأ المذهب والخلاف حتى تميز وأقام ببغداد مدة ثم عاد إلى حران فأقام بها ثم قدم بغداد حاجا سنة عشر وستمائة وحدث بها وسمع منه بعض الطلبة ثم رجع إلى حران فتوفي بها وهو شاب وفيها علي بن المفضل بن علي الإمام المفتي شرف الدين أبو الحسن اللخمي المقدسم ثم الأسكندراني

(5/47)


48
الفقيه المالكي ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتفقه على أبي طالب صالح ابن بنت معافى وأبي طاهر بن عوف وأكثر إلى الغاية عن السلفي والموجودين ورحل سنة أربع وسبعين فكتب عن الموجودين وسن في أواخر عمره بمصر ودرس بالصاحبية وصنف التصانيف الحسان توفي في غرة شعبان وفيها الخطيب المالقي أبو بكر عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي الحافظ المالكي كان إمام من الثقات قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو المظفر مهذب الدين محمد بن علي بن نصر بن البل الدوري الواعظ الحنبلي ولد سنة ست عشرة أو سبع عشرة وخمسمائة بالدور وهي دور الوزير ابن هبيرة بدجيل ونشأ بها ثم قدم بغداد واستوطنها وسمه بها من ابن ناصر الحافظ وابن الطلاية والوزير ابن جهير وابن الزاغوني وأبي الوقت وجماعة كثيرة وقال الشعر وفتح عليه في الوعظ حتى صار يضاهي ابن الجوزي ويزاحمه في أماكنه ولما اعتقل ابن الجوزي بواسط خلا للدوري الجو فكان يعظ مكانه قال ابن نقطة سمعت منه وكان شيخا صالحا متعبدا وقال المنذري حدث وعمر وعجز عن الحركة ولزم بيته إلى أن مات وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة وكان شيخا صالحا متعبدا والبل بفتح الباء الموحدة وتشديد اللام انتهى وقال ابن رجب توفي في يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان وكان له ولد اسمه محمد يكنى أبا عبد الله كانت معرفة جيدة بالحساب وأنواعه والمساحة والفرائص وقسمة التركات واقرأ ذلك مدة وسمع من ابن البطي وغيره وشهد عند ابن الشهرزوري توفي شابا في حياة أبيه يوم الإثنين رابع عشرى شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وفيها أبو بكر بن الحلاوي عماد الدين محمد بن مغالي بن غنيمة البغدادي المأموني المقري الفقيه الحنبلي الزاهد سمع من أبي الفتح بن الكروخي وابن ناصر وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وتفقه على أبي الفتح بن المنى وبرع في

(5/48)


49
المذهب حتى قال الذهبي هو شيخ الحنابلة في زمنه ببغداد وعليه تفقه الشيخ المجد جد شيخنا ابن تيمية وقال ابن القادسي كانت له اليد الباسطة في المذهب والفتيا وكان ملازما لزاويته في المسجد قليل المخالطة إلا لمن عساه يكون من أهل الدين ما ألم بباب أحد من أرباب الدنيا وما قبل أحد هدية وكان أحد الأبدال الذين يحفظ الله بهم الأرض ومن عليها وقال الناصح بن الحنبلي كان زاهدا عالما فاضلا مشتغلا بالكسب من الخياطة ومشتغلا بالعلم يقري القرآن احتسابا وقال ابن رجب له تصانيف منها المنير في الأصول وعليه تفقه مجد الدين بن تيمية ويحيى بن الصيرفي وسمع منه هو وابن القطيعي وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشرى رمضان ودفن بباب حرب وفيها أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الأصل الموصلي المولد السايح المشهور نزيل حلب طاف البلاد وأكثر من الزيارات قال ابن خلكان لم يترك برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا من الأماكن التي ميكن قصدها ورؤيتها إلا رآها ولما سار ذكره بذلك واشتهر به ضرب به المثل فيه وله مصنفات منها كتاب الإشارات في الزيارات وكتاب الخطب الهروية وغير ذلك وتوفي في العشر الأوسط من رمضان في مدرسته انتهى ملخصا سنة اثنتي عشرة وستمائة فيها أخذت أنطاكية من الفرنج أخذها كيكاووس ملك الروم وفيها ثارت الكرج وبدعوا بأذربيجان وقتلوا وسبوا وأسروا نحو مائة ألف وفيها توفي ابن الدبيقي أبو العباس أحمد بن يحيى بن بركة البزار ببغداد وله بضع وثمانون سنة روى عن قاضي المارستان وابن زريق القزاز وجماعة وهو ضعيف ألحق اسمه في أماكن توفي في ربيع الآخر وفيها سليمان بن محمد بن علي الموصلي الفقيه أبو الفضل الصوفي ولد سنة

(5/49)


50
ثمان وعشرين وخمسمائة وسمع من إسمعيل بن السمرقندي ويحيى بن الطراح وطائفة وتوفي في ربيع الأول وفيها أبو محمد بن حوط الله الحافظ عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الأندلسي ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع من أبي الحسين بن هذيل وابن حبيش وخلق كثير وكان موصوفا بالأتقان حافظا لا سيما الرجال صنف كتابا في تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ولم يتمه وكان إماما في العربية والترسل والشعر ولي قضاء أشبيلية وقرطبة وأدب أولاد المنصور صاحب المغرب بمراكش توفي في ربيع الأول وفيها عبد الله بن أبي بكر بن أحمد بن أحمد بن طليب أبو علي الحربي روى عن عبد الله بن أحمد بن يوسف توفي في ذي الحجة وفيها ابن منينا أبو محمد عبد العزيز بن معالي بن غنيمة البغدادي الأشنائي آخر من حدث بالعراق عن قاضي المارستان وسمع من جماعة توفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة وفيها الحافظ أبو محمد عبد القادر الرهاوي الحنبلي كان مملوكا لبعض أهل الموصل فأعتقه وحبب إليه فن الحديث فسمع الكثير وصنف وجمع وله الأربعون المتباينة الإسناد والبلاد وهو أمر ما سبقه إليه أحد ولا يرجوه بعده محدث لخراب البلاد سمع بأصبهان من مسعود الثقفي وبهمذان من أبي العلا الحافظ وأبي زرعة المقدسي وبهراة من عبد الجليل ابن أبي سعد وبمرو ونيسابور وسجستان وبغداد ودمشق ومصر قاله في العبر وقال ابن خليل كان حافظا ثبتا كثير التصنيف ختم به الحديث وقال أبو شامة كان صالحا مهيبا زاهدا خشن العيش ورعا ناسكا وقال ابن رجب هو محدث الجزيرة ولد في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وخمسمائة بالرها ثم أصابه سباء لما فتح زنكي الرها سنة تسع وثلاثين فاشتراه بنو فهيم الحرانيون وأعتقوه وقال الدبيثي كان صالحا كثير السماع ثقة كتب الناس

(5/50)


51
عنه كثيرا وأجاز لنا مرارا وقال ابن النجار كان حافظا متقنا فاضلا عالما ورعا متدينا زاهدا عابدا صدوقا ثقة نبيلا على طريقة السلف الصالح لقيته بحران وكتبت عنه جزءا واحدا انتخبته من عوالي مسموعاته في رحلتي الأولى وقال ابن رجب سمع منه خلق كثير من الحفاظ والأئمة منهم أبو عمرو ابن الصلاح وحدث عنه ابن نقطة وأبو عبد الله البرزالي والضياء وابن خليل وابن عبد الدايم وأبو عبد الله بن حمدان الفقيه وهو خاتمة أصحابه توفي رحمه الله يوم السبت ثاني جمادى الأولى بحران وفيها أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن الحسين بن سليمان الابجسري ثم البغدادي الفقيه الحنبلي ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة بباجسرا وقدم بغداد في صباه فسمع من شهدة وغيرها وقرأ الفقه على أبي الفتح بن المنى ولازمه حتى برع وقرأ الأصول الخلاف والجدل على محمد التوقاني الشافعي وصحب ابن الصقال وصار معيدا لمدرسته ثم درس بمسجد شيخه ابن المنى بالأمونية مدة وكان يؤم بمسجد الاجرة وشهد عند قاضي القضاة ابن الشهرزوري وكان فقيها فاضلا حافظا للمذهب حسن الكلام في مسائل الخلاف متدينا حسن الطريقة ذكر ذلك ابن النجار وقال سمع معنا أخيرا من مشايخنا فأكثر وكان حسن الأخلاق متوددا روى عنه أبو عبد الله بن الدبيثي وابن الساعي بالإجازة وقال أنشدني هذين البيتين ( إذا أفادك إنسان بفائدة * من العلوم فأدمن شكره أبدا ) ( وقل فلان جزاه الله صالحة * افادنيها والق الكبر والحسدا ) توفي رحمه الله يوم الإثنين ثامن عشر جمادى الأولى ودفن بباب حرب وفيها أبو الفتح عبد الوهاب بن بزغش بالباء الموحدة المضمومة وبالزاي والغين والشين المعجمات العيبي بكسر العين المهملة وفتح الياء آخر الحروف وكسر الموحدة نسب لذلك لأن أباه كان يحمل العيب التي فيها كتب

(5/51)


52
الرسائل المقري البغدادي الحنبلي ختن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة تقديرا وقرأ القرآن بالروايات الكثيرة على سعد الله بن الدجاجي وغيره وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت وخلق كثير وعنى بالحديث وحصل الأصول وتفقه في المذهب قال ابن النجار كان حسن المعرفة بالقراءات حسن الأداء طيب النغمة ضابطا له معرفة بالوعظ يحسن الكلام في مسائل الخلاف كتبنا عنه وكان صدوقا حسن الطريقة متدينا فقيرا صبورا وزمن في آخر عمره وانقطع في بيته مدة وقال ابن نقطة ثقة لكنه أخرج أحاديث مما قرب سنده ولا يعرف الرجال فربما سقط من الإسناد رجلان أو أكثر وهو لا يدري وقال القادسي حدث وسمع منه جماعة وتوفي ليلة الخميس خامس ذي القعدة وصلى عليه من الغد محي الدين ابن الجوزي ودفن بباب حرب وفيها أبو الحسن بن الصباغ القدوة العارف علي بن حميد العصيدي صحب الشيخ عبد الرحيم القناوي وتخرج به وكان والده صباغا وكان يعيب عليه عدم معاونته له وانقطاعه إلى أهل التصوف فأخذ يوما الثياب التي عند والده جميعها وطرحها في زير واحد فصاح عليه والده وقال أتلفت ثياب الناس وأخرجها فإذا كل ثوب على اللون الذي أراد صاحبه فحينئذ اشتهر أمره وصحبه خلائق قال ابن الأهدل وكان لا يصحب إلا من رآه مكتوبا في اللوح المحفوظ من أصحابه وسأله إنسان الصحبة والخدمة له فقال له ما بقي عندنا وظيفة نحتاج لها إلا أن تجيء كل يوم بحزمة من الحلفا فقال نعم فكان يأخذ المحش فيأتي كل يوم بحزمة ثم مل وترك فرأى القيامة قامت وأشرف على الوقوع في النار وإذا حزمة الحلفاء تحته مارة به على النار وهو فوقها حتى أخرجته فجاء إلى الشيخ فلما رآه قال ما قلنا لك ما عندنا خدمة تصلح سوى الحلفاء فاستغفر وعاد إلى

(5/52)


53
الخدمة وله مناقب كثيرة انتهى وقال في العب رانتفع به خلق كثير توفي في نصف شعبان ودفن برباطه بفناء من الصعيد رحمه الله انتهى وفيها أبو عبد الله بن البنا الشيخ أبو النجيب نور الدين محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع البغداد الصوفي صحب الشيخ أبا النجيب السهروردي وسمع من ابن ناصر وابن الزاغوني وطائفة وكتب سماعاته وحدث بالعراق والحجاز ومصر والشام واستقر بالسميساطية إلى أن توفي في ذي القعدة عن ست وسبعين سنة وفيها ابن الجلاجلي كمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك البغدادي التاجر الكبير سمع من هبة الله بن أبي شريك الحاسب وغيره وتوفي ببيت المقدس في رمضان وفيها الوجيه بن الدهان أبو بكر المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي الضرير النحوي ولد سنة اثنتين وثلاثين وخسمائة وسمع ببغداد من أبي زرعة ولزم الكمال عبد الرحمن الأنباري وأبا محمد بن الخشاب وبرع في العربية ودرس النحو بالنظامية وكان حنبليا فتحول حنفيا وقيل تحول أيضا شافعيا وفيه أبيات سائرة توفي في شعبان ببغداد وفيها موسى بن سعد أبو القسم الهاشمي البغداوي بن الصيقل سمع من إسمعيل بن السمرقندي وأبي الفضل الأرموي وكان صدرا معظما ولي نقابة الكوفة توفي في جمادى الأولى وفيها يحيى بن ياقوت البغدادي المجاور بمكة روى عن إسماعيل بن السمرقندي وعبد الجبار بن أحمد بن توبة وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة رحمه الله سنة ثلاث عشرة وستمائة قال ابن الأثير فيها وقع بالبصرة برد قيل أن أصغره كالنارنجة وأكبره ما يستحي الإنسان أن يذكره وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن

(5/53)


54
علي بن الحسين البغدادي أخو الفخر إسمعيل غلام ابن المنى سمع الحديث وتفقه في مذهب الحنابلة على أخيه وتكلم في مسائل الخلاف وكان فقيها صالحا توفي ثاني عشر ربيع الأول ودفن عند أخيه بمقبرة الإمام أحمد وفيها إسمعيل بن عمر بن بكر المقدسي أبو إسحق وأبو القسم وأبو الفضل ويلقب محب الدين الحنبلي سمع بدمشق من أبي اليمن الكندي وغيره وبمصر من البوصيري والحافظ عبد الغني وببغداد من ابن الأخضر وطبقته وبأصبهان من أبي عبد الله محمد بن مكي وغيره وكانت رحلته مع الضياء بعد الستمائة وعنى بالحديث ووصفه جماعة بالحافظ وتفقه وحدث وتوفي في ثامن عشر شوال وفيها الشيخ شرف الدين أبو الحسن أحمد بن عبيد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع من أبي الفرج ابن كليب وغيره وحدث وكان فقيها فاضلا دينا عاملا جمع الله له بين حسن الخلق والخلق والأمانة والمروءة وقضاء حوائج الإخوان والكرم والإحسان إلى الضعفاء والمرضى وقضاء حوائجهم والتهجد وكان يقول الحق ولا يحابي أحدا توفي ليلة رابع عشر ذي القعدة ودفن من الغد بسفح قاسيون ورؤيت له منامات حسنة جدا ورثاه غير واحد ولما توفي هؤلاء الثلاثة الأحبار المقدسيون المحب والعز والشرف في مدة متقاربة رثاهم شيخ الإسلام موفق الدين بقوله ( مات المحب ومات العز والشرف * أئمة سادة ما منهم خلف ) ( كانوا أئمة علم يستضاء بهم * لهفي على فقدهم لو ينفع اللهف ) ( ما ودعوني غداة البين إذ رحلوا * بل أودعوا قلبي الأحزان وانصرفوا ) وهي طويلة وفيها العلامة تاج الدين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسين بن زيد بن الحسن البغدادي المقرىء النحوي اللغوي شيخ الحنفية والقراء والنحاة بالشام ومسند العصر ولد سنة عشرين وخمسمائة وأكمل القراءات العشرة

(5/54)


55
وله عشرة أعوام وهذا ما لا نعلمه تهيأ لأحد سواه اعتنى به سبط الخياط فأقرأه وحرص عليه وجهزه إلى أبي القسم هبة الله بن الطبر فقرأ عليه ست روايات وإلى أبي منصور ابن خيرون وأبي بكر خطيب الموصل وأبي الفضل بن المهتدي بالله فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة وسمع من ابن الطبر وقاضي المارستان وأبي منصور القزاز وخلق وأتقن العربية على جماعة وقال الشعر الجيد ونال الجاه الوافر فإن الملك المعظم كان مديما للإشتغال عليه وكان ينزل إليه من القلعة توفي في سادس شوال ونزل الناس بموته درجة في القراءات وفي الحديث لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر والقاضي أبو بكر آخر من سمع من أبي محمد الجوهري والجوهري آخر من روى عن القطيعي والقطيعي آخر من روى عن الكريمي وجماعة قاله في العبر قلت ومن شعره ( تمنيت في عشر الشبيبة أنني * أعمر والإعمار لا شك أرزاق ) ( فلما أتاني ما تمنيت ساءني * من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق ) ( وها أنا في إحدى وتسعين حجة * لها في ارعاد مخوف وابراق ) ( يقولون ترياق لمثلك نافع * ومالي إلا رحمة الله ترياق ) وفيها عبد الرحمن بن علي الزهري الأشبيلي أبو محمد مسند الأندلس في زمانه روى صحيح البخاري سماعا من أبي الحسن شريح وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة وهذا شيء لا نعلمه وقع لأحد بالأندلس غيره توفي في آخر هذا العام وفيها الملك الظاهر غازي صاحب حلب ولد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمسمائة وحدث عن عبد الله بن بري وجماعة وكان بديع الحسن كامل الملاحة ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل ويوهم عمه أنه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه وكان سمحا جوادا تزوج بابنتي عمه قال ابن خلكان كان ملكا مهيبا حازما متيقظا كثير الإطلاع على

(5/55)


56
أحوال رعيته وأخبار الملوك عالي الهمة حسن التدبي روالسياسة باسط العدل محبا للعلماء مجيزا للشعراء أعطاه والده مملكة حلب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بعد أن كانت لعمه الملك العادل فنزل عنها وتعوض غيرها ويحكي عن سرعة إدراكه أشياء حسنة منها أنه جلس يوما لعرض العسكر وديواني الجيش بين يديه فكان كلما حضر واحد من الأجناد سأله الديواني عن اسمه لينزلوه حتى حضر واحد فسألوه فقبل الأرض فلم يفطن أحد من أرباب الديوان لما أراد فعاود وسأله فقال الملك الظاهر اسمه غازي وكان كذلك وتأدب الجندي أن يذكر اسمه لما كان موافقا اسم السلطان وعرف هو مقصوده وله من هذا الجنس شيء كثير وتوفي بقلعة حلب ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة ودفن بالقعلة ثم بنى الطواشي شهاب الدين أتابك ولده الملك العزيز مدرسة تحت القلعة وعمر فيها تربة ونقله إليها والعجب أنه دخل حلب مالكا لها في الشهر بيعنه واليوم سنة اثنتين وثمانين انتهى ملخصا وكانت وفاته بالإسهال وتسلطن بعده ولده الملك العزيز وله ثلاثة أعوام وفيها الجاجرمي مؤلف الكفاية في الفقه الإمام معين الدين أبو حامد محمد بن إبراهيم الفقيه الشافعي قال ابن خلكان كان إماما فاضلا متقنا مبرزا سكن نيسابور ودرس بها وصنف في الفقه كتاب الكفاية وهو في غاية الإيجاز مع اشتماله على كثير المسائل التي تقع في الفتاوي وهو في مجلد واحد وله كتاب إيضاح الوجيز أحسن فيه وهو في مجلدين وله طريقة مشهورة في الخلاف والفوائد المشهورة منسوبة إليه واشتغل عليه الناس وانتفعوا به وبكتبه من بعده خصوصا القواعد فإن الناس أكبوا على الإشتغال بها وتوفي بكرة نهار الجمعة عاشر رجب بنيسابور والجاجرمي بفتح الجيمين وسكون الراء نسبة إلى جاجرم بلدة بين نيسابور وجرجان خرج منها جماعة من العلماء انتهى وفيها العز محمد بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد

(5/56)


57
المقدسي الحافظ ابن الحافظ أبو الفتح ولد سنة ست وستين وخمسمائة ورحل إلى بغداد وهو مراهق فسمع من ابن شامل وطبقته وسمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجايز وطائفة وكتب الكثير وعنى بالحديث وارتحل إلى أصبهان وغيرها وكان موصوفا بحسن القراءة وجودة الحفظ والفهم قال الضياء كان حافظا فقيها حنبليا ذا فنون ثم وصفه بالديانة المتينة والمروءة التامة وقال أبو شامة صحب الملك المعظم عيسى وسمع بقراءته الكثير وكان حافظا دينا زاهدا ورعا وقال الذهبي روى عنه ابنا تقي الدين أحمد وعز الدين عبد الرحمن والحافظ ضياء الدين والشهاب القوصي والشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر وابن البخاري وآخرون توفي رحمه الله ليلة الإثنين تاسع عشر شوال ودفن بسفح قاسيون قال الحافظ الضياء قال بعضهم كنا نقرأ عنده ليلة مات فرأيت على بطنه نورا مثل السراج سنة أربع عشرة وستمائة فيها توفي أبو الخطاب بن واجب أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي الإمام المالكي ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وأكثر عن جده أبي حفص بن واجب وابن هذيل وابن قزمان صاحب ابن الطلاع وطائفة وأجاز له أبو بكر بن العربي قال الأبار هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس وكان متقنا ضابطا نحويا عالي الإسناد ورعا قانتا له عناية كاملة بصناعة الحديث ولي القضاء ببلنسية وشاطبة غير مرة ومعظم روايتي عنه انتهى وفيها الشيخ العماد أبو إسحق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي أخو الحافظ عبد الغني ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وهاجر سنة إحدى وخمسين مع أقاربه وسمع من عبد الواحد بن هلال وجماعة وببغداد من شهدة وصالح بن الرحلة وبالموصل من خطيبها وحفظ

(5/57)


57
الخرقي والغريب للعزيزي وألقى الدروس وناظر واشتغل وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي وكان متصديا لإقراء القرآن والفقه ورعا تقيا متواضعا سمحا مفضالا صواما قواما صاحب أحوال وكرامات موصوفا بطول الصلاة قال الشيخ الموفق ما فارقته إلا أن يسافر فما عرفته أنه عصى الله معصية وقال الحافظ الضياء كان عالما بالقرآن والنحو والفرائض وغير ذلك من العلوم وصنف كتاب الفروق في المسائل الفقهية وكان من كثرة اشتغاله وأشغاله لا يتفرغ للتصنيف والكتابة وكان يشغل بالجبل إذا كان الشيخ موفق الدين في المدينة فلإذا صعد الموفق نزل هو فأشغل بالمدينة وكان يشغل بجامع دمشق من الفجر إلى العشاء لا يخرج إلا لما لا بد له منه يقرىء القرآن والعلم فإذا لم يبق له من يشتغل عليه اشتغل بالصلاة وكان داعية إلى السنة وتعلم العلم والدين وما علم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا ولا تعرض له ولا نافس فيها وكان يجترز في الفتاوى احترازا كثيرا وكان كثير الورع والصدق سمعته يقول لرجل كيف ولدك فقال يقبل يدك فقال لا تكذب وكان كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خرج مرة إلى قوم من الفساق فكسر ما معهم فضربوه ونالوا منه حتى غشي عليه فأراد للوالي ضرب الذين نالوا منه فقال إن تابوا ولزموا الصلاة فلا تؤذيهم وهم في حل من قبلي فتابوا ورجعوا عما كانوا عليه وسمعت الإمام أبا إبراهيم محاسن بن عبد الملك التنوخي يقول كان الشيخ العماد جوهرة العصر وكان كثير التواضع يذم نفسه ويقول إيش يجيء مني وكان يكثر في دعائه من قول اللهم اجعل عملنا صالحا واجعله لوجهك الكريم خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا اللهم خلصني من مظالم نفسي ومظالم كل شيء قبل الموت ولا تمتني ولأحد على مظلمة يطلبني بها بعد الموت ولا بد من الموت فاجعله على توبة نصوح بعد الإخلاص من مظالم نفسي ومظالم العباد قتلا في سبيلك على سنتك وسنة رسولك شهادة

(5/58)


59
يغبطني بها الأولون والآخرون واجعل النقلة إلى روح وريحان في جنات النعيم ولا تجعلها إلى نزل من حميم وتصلية جحيم قال الضياء توفي رحمه الله ليلة الخميس وقت عشاء الآخرة وكان صلى تلك الليلة المغرب بالجامع ثم مضى إلى البيت وكان صائما فأفطر على شيء يسير ولما جاءه الموت جعل يقول يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث واستقبل القبلة وتشهد ومات وقال سبط ابن الجوزي غسل وقت السحر وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق فما وسع الناس الجامع وصلى عليه الموفق بحلقة الحنابلة بعد جهد جهيد وكان يوما لم ير في الإسلام مثله كان أول الناس عند مغارة الدم ورأس الجبل إلى الكهف وآخرهم بباب الفراديس وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار قال وتأملت الناس من أعلى قاسيون إلى الكهف إلى قريب الميظور لو رمى الإنسان عليهم إبرة لما ضاعت فلما كان في الليل نمت وأنت متفكر في جنازته وذكرت أبيات سفيان الثوري التي أنشدها في المنام ( نظرت إلى ربي كفاحا فقال لي * هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد ) ( فقد كنت قواما إذا أقبل الدجى * بعبرة مشتاق وقلب عميد ) ( فدونك فاختر أي قصر تريده * وزرني فإني منك غير بعيد ) وقلت أرجو أن العماد يرى ربه كما رآه سفيان عند نزل حفرته ونمت فرأيت العماد في النوم وعليه حلة خضراء وعمامة خضراء وهو في مكان متسع كأنه روضة وهو يرقى في درج مرتفعة فقلت يا عماد الدين كيف بت فإني والله مفكر فيك فنظر إلي وتبسم على عادته وقال ( رأى إلهي حين أنزلت حفرتي * وفارقت أصحابي وأهل وجيرتي ) ( فقال جزيت الخير عني فإنني * رضيت فها عفوي لديك ورحمتي ) ( دأبت زمانا تأمل الفوز والرضى * فوقيت نيراني ولقيت جنتي ) قال فانتبهت مرعوبا وكتبت الأبيات وتوفي رحمه الله ورضي عنه فجأة

(5/59)


60
في سابع عشر ذي القعدة وفيها عبد الله بن عبد الجبار العثماني أبو محمد الإسكندراني التاجر المحدث سمع من السلفي فأكثر وتوفي في ذي الحجة عن سبعين سنة وفيها ابن الحرستاني قاضي القضاة جمال الدين أبو القسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الدمشقي الشافعي ولد سنة عشرين وخمسمائة وسمع سنة خمس وعشرين من عبد الكريم بن حمزة وجمال الإسلام وطاهر بن سهل الإسفرائيني والكبار ودرس وأفتى وبرع في المذهب وانتهى إليه علو الإسناد وكان صالحا عبادا من قضاة العدل قال ابن شهبة تفرد بالروايات عن أكثر شيوخه ورحل إلى حلب وتفقه بها على المحدث الفقيه أبي الحسن المراري وناب في القضاء عن ابن أبي عصرون ثم ولي قضاء الشام في آخر عمره سنة اثنتي عشرة ودرس بالعزيزية وكان يجلس للحكم بالمجاهدية وكان إماما عارفا بالمذهب ورعا صالحا محمود الأحكام حسن السيرة كبير القدر وقال أبو شامة حدثني الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لم ير أفقه منه وعليه كان ابتداء اشتغاله ثم صحب فخر الدين بن عساكر فسألته عنهما فرجح ابن الحرستاني وقال أنه كان يحفظ كتاب الوسيط للغزالي قال ولما طلب للقضاء امتنع من الولاية حتى ألحوا عليه فيها وكان صارما عادلا على طريقة السلف في لباسه وعفته بقي في القضاء سنتين وسبعة أشهر وقال سبط ابن الجوزي كان زاهدا عفيفا عابدا ورعا نزها لا تأخذه في الله لومة لائم اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إلا إذا كان مريضا توفي في رابع ذي الحجة وهو ابن خمس وتسعين سنة وفيها علي بن محمد بن علي الموصلي أبو الحسن أخو سليمان سمع من الحسين سبط الخياط وأبي البد رالكرخي وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها ابن جبير الكناني الإمام الرئيس محمد بن أحمد بن جبير البلنسي نزيل شاطبة ولد سنة أربعين وخمسمائة وسمع من أبيه وعلي بن أبي العيش

(5/60)


61
المقري وأجاز له أبو الوليد بن الدباغ وحج فحدث في طريقه قال الأبار عني بالآداب فبلغ فيها الغاية وتقدم في صناعة النظم والنثر ونال بذلك دنيا عريضة ثم زهد ورحل مرتين إلى المشرق وفي الثالثة توفي بالإسكندرية في شعبان وفيها أبو عبدالله بن سعادة الشاطبي المعمر محمد بن عبد العزيز بن سعادة أخذ قراءة نافع عن أبي عبد الله بن غلام الفرس والقراءات عن ابن هذيل وأبي بكر محمد بن أحمد بن عمران وسمع من ابن النعمة وابن عاشر وأبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة أكثر عنه الأبار وكان مولده سنة ست عشرة وخمسمائة أو قبل ذلك وتوفي بشاطبة في شوال وفيها الشجاع محمود الدماغ كانت له ثروة عظيمة وقف مدرسة للشافعية والحنفية داخل باب الفرج تعرف بالدماغية سنة خمس عشرة وستمائة فيها جاءت رسل جنكزخان ملك التتار محمود الخوارزمي وعلي البخاري بتقدمة مستظرفة إلى خوارزم شاه وتطلب منه المسالمة والهدنة فاستمال خوارزم شاه محمودا الخوارزمي وقال أنت منا وإلينا وأعطاه معضدة جوهر وقدر معه أن يكون عينا للمسلمين ثم قال له أصدقني أيملك جنكزخان طمعاج الصين قال نعم قال فما ترى قال الهدنة فأجاب وسر جنكزخان بإجابته واستقر الحال إلى أن جاء من بلاده تجار إلى ما وراء النهر وعليها خال خوارزم شاه فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرها منه ثم كاتب خوارزم شاه يقول أنهم تتار في زي التجار وقصدهم يجسوا البلاد ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه تقول إن كان ما فعله خالك بأمره فسلمه إلينا وإن كان بأمرك فالعذر قبيح وستشاهد ما تعرفني به فندم خوارزم شاه وتحلد وأمر بالرسل فقتلوا ليقضي الله أمرا كان مفعولا فيا لها من حركة عظيمة الشؤم أجرت بكل قطرة بحرا من الدماء

(5/61)


62
وفيها توفي محدث بغداد أبو العباس البندنيجي بفتح الباء الموحدة والمهملة وسكون النون الأولى وكسر الثانية ثم تحتية وجيم نسبة إلى بندنيجين بلفظ المثنى بلد قرب بغداد أحمد بن أحمد بن أحمد بن كر بن غالب البغدادي الأزجي الحافظ المحدث المعدل الحنبلي ولد في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وتلقن القرآن من أبي حكيم النهرواني وقرأ بالروايات على أبي الحسين البطايحي وغيره وسمع الحديث الكثير من أبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت وخلق قال الدبيثي كان وافر السماع كثير الشيوخ حسن الأصول حدث بالكثير وسمع منه جماعة وقال ابن ناصر الدين هو محدث بغداد كان حافظا مكثرا لكنه غير عمدة رماه ابن الأخضر وكذبه وقبله غيره وقال ابن رجب في طبقاته توفي معه في ثالث عشرى رمضان أبو محمد عبد الكافي بن بدر بن حسان الأنصاري الشامي الأصل المصري النجار الحنبيل وكان صالحا كثير الصيام والتعبد سمع من البوصيري والأرتاحي وعبد الغني الحافظ وربيعة بن نزار وغيرهم وعلق عنه المنذري شيئا توفي وله نحو الستين سنة انتهى أي ودفن الأول بباب حرب من بغداد والثاني بالمقطم من مصر وفيها الشمس العطار أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي البغدادي الصيدلاني نزيل دمشق ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وسمع الناس منه صحيح البخاري غير مرة وكان ثقة توفي في شعبان وفيها صاحب الموصل السلطان الملك القاهر عز الدين أبو الفتح مسعود بن السلطان نور الدين أرسلان شاه بن مسعود الأتابكي ولد سنة تسعين وخمسمائة وتملك بعد أبيه وله سبع عشرة سنة وكان موصوفا بالملاحة والعدل والسماحة قيل أنه سم ومات في ربيع الآخر وله خمس وعشرون سنة وعظم الرعية فقده وولي بعده بعهد منه ولده نور الدين أرسلان شاه ويسمى أيضا عليا وله عشر سنين فمات

(5/62)


63
في أواخر السنة أيضا وفيها زينب الشعرية الحرة أم المؤبد بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري الصوفي ولدت سنة أربع وعشرين وسمعت من ابن الفراوي عبد الله لا من أبيه ومن زاهر الشحامي وعبد المنعم بن القشيري وطائفة توفيت في جمادى الآخرة وانقطع بموتها إسناد عال وفيها أبو القاسم الدامغاني قاضي القضاة عبد الله بن الحسين بن أحمد بن علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني الفقيه الحنفي العلامة عماد الدين سمع من تجنى الوهبانية وولي القضاء بالعراق سنة ثلاث وستمائة إلى أن عزل سنة إحدى عشرة وتوفي في ذي القعدة وفيها القاضي شرف الدين بن الزكي القرشي أبو طالب عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي الدمشقي الشافعي قال ابن شهبة ناب في القضاء عن ابن عمه القاضي محي الدين بن الزكي وعن أبيه زكي الدين الطاهر ودرس بالرواحية فكان أول من درس بها ودرس بالشامية البرانية وقال ابن كثير أنه أول من درس بها أيضا وقال سبط ابن الجوزي كان فقيها نزها لطيفا عفيفا وقال الشهاب القوصي كان ممن زاده الله بسطة في العلم والجسم توفي في شعبان وفيها الشهاب فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الحنفي الدمشقي المعروف بالشاغوري قال ابن خلكان كان فاضلا شاعرا ماهرا خدم الملوك ومدحهم وعلم أولادهم وله ديوان شعر فيه مقاطيع حسان وأقام مدة بالزبداني وله فيها أشعار لطيفة فمن ذلك قوله في جهة الزبداني وهي أرض فيحاء جميلة المنظر تتراكم عليها الثلوج في زمن الشتاء وتنبت أنواع الأزهار في أيام الربيع ولقد أحسن فيها كل الإحسان وهي ( قد أجمد الخمر كانوا بكل قدح * وأخمد الجمر في الكانون حين قدح ) ( يا جنة الزبداني أنت مسفرة * عن كل حسن إذا وجه الزمان كلح )

(5/63)


64 (
فالثلج قطن عليه السحب مندفة * والجو يحلجه والقوس قوس قزح ) وله وقد دخل إلى حمام ماؤها شديد الحراة وكان قد شاخ ( أرى ماء حمامكم كالحميم * نكابد منه عناء وبوسا ) ( وعهدي بكم تسمطون الجدى * فما بالكم تسمطون التيوسا ) وله ( علام تحركي والحظ ساكن * وما نهنهت في طلب ولكن ) ( أرى نذلا تقدمه المساوي * على حر تؤخره المحاسن ) توفي بدمشق ودفن بمقابر باب الصغير وفيها صاحب الروم الملك الغالب عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي سلطان قونية وأقصرا وملطية وأخو السلطان علاء الدين كعاد كان ظلوما غشوما سفاكا للدماء قيل إنه مات فجأة مخمورا فأخرجوا أخاه علاء الدين وملكوه بعده وذلك في شوال قاله في العبر وفيها ركن الدين أبو حامد محمد بن العميد الفقيه الحنفي السمرقندي مصنف الطريقة العميدية المشهورة كان إماما في الخلاف وشرح الإرشاد وصنف كتاب النفائس وكان حسن الأخلاق كثير التواضع توفي في جمادى الآخرة ببخارى وفيها شهاب الدين عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر بن علي بن عبد الدايم ابن الغزالي البغدادي الحنبلي الواعظ أبو محمد ولد في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة وسمع الكثير بإفادة أبيه وبنفسه من الحافظ ابن ناصر وسعد بن البنا وأبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت وغيرهم وعنى بهذا الشأن وله في الخط طريقة حسنة معروفة ووعط مدة ومال إلى مدح الحلاج وتعظيمه ولقد أخطأ في ذلك قال ابن النجار سمعت بقراءته كثيرا وسمعت منه وكان سريع القراءة والكتابة إلا أنه قليل المعرفة بأسماء المحدثين وحدث وسمع منه جماعة وأجاز المنذري وغيره وروى عنه ابن الصيرفي وتوفي الثلاثا

(5/64)


65
نصف شعبان ودفن بباب حرب وفيها السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها ونشأ في خدمة نور الدين مع أبيه وكان أخوه صلاح الدين يستشيره ويعتمد على رأيه وعقله ودهائه ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده ثم تنقلت به الأحوال واستولى على الممالك وسلطن ابنه الكامل على الديار المصرية وابنه المعظم على الشام وابنه الأشرف على الجزيرة وابنه الأوحد على خلاط وابن ابنه المسعود على اليمن وكان ملكا جليلا سعيدا طويل العمر عميق الفكر بعيد الغور جماعا للمال ذا حلم وسؤدد وبر كثير وكان يضرب المثل بكثرة أكله وله نصيب من صوم وصلاة ولم يكن محببا إلى الرعية لمجيئه بعد الدولتين النورية والصلاحية وقد حدث عن السلفي وخلف سبعة عشر ابنا تسلطن منهم الكامل والمعظم والأشرف والصالح وشهاب الدين غازي صاحب ميافارقين وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة سنة ست عشرة وستمائة فيها تحركت التتار وهم نوع من الترك مساكنهم جبال ضمعاج من نحو الصين يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرمون شيئا ولا يحصون كثرة فخارت قوى السلطان خوارزم شاه وتقهقر بين أيديهم ببلاد ما وراء النهر وانجفل الناس بخوارزم شاه وأمرت أمه بقتل من كان محبوسا من الملوك بخوارزم وكانوا بضعة عشر نفسا ثم سارت بالخزائن إلى قلعة إيلال بمازندران ووصل خوارزم شاه إلى همذان في نحو عشرين ألفا وتقوضت أيامه وفي أول العام خرب الملك المعظم سور بيت المقدس خوفا وعجزا من الفرنج أن تملكه فشرعوا في هدم السور في أول يوم من المحرم وضح الناس وخرج النساء المخدرات والبنات والشيوخ والعجايز والشباب إلى

(5/65)


66
الصخرة والأقصى فقطعوا شعورهم وخرجوا هاربين وتركوا أموالهم وما شكوا أن الفرنج يصبحوهم فهرب بعضهم إلى مصر وبعضهم إلى الكرك وبعضهم إلى دمشق ومات خلق من الجوع والعطش ونهبت الأموال التي كانت لهم بالقدس وأبيه القنطار الزيت بعشرة دراهم والرطل النحاس بنصف درهم وذم الناس الملك المعظم فقال بعضهم ( في رجب حلل الحميا * وأخرب القدس في المحرم ) ( واستخدم القبط والنصارى * وبعد ذا وزر المكرم ) وقال مجد الدين قاضي الطور ( مررت على القدس الشريف مسلما * على ما تبقى من ربوع وانجم ) ( ففاضت دموع العين مني صبابة * على ما مضى من عصره المتقدم ) ( وقد رام علج أن يعفى رسومه * وشمر عن كفي لئيم مذمم ) ( فقلت له شلت يمينك خلها * لمعتبر أو سائل أو مسلم ) ( فلو كان يفدى بالنفوس فديته * بنفسي وهذا الظن في كل مسلم ) وفي شعبان أخذت الفرنج دمياط بعد ما حصر أهلها ووقع فيهم الوباء وعجز الكامل عن نصرهم فطلبوا من الفرنج الأمان وأن يخرجوا منها بأهلهم وأموالهم في القساقسة وحلفوا لهم على ذلك ففتحوا لهم الأبواب فدخلوا وغدروا بأهلها ووضعوا فيهم السيف قتلا وأسرا وباتوا في الجامع يفجرون بالنساء ويفتضون البنات وأخذوا المنبر والمصحف وبعثوا بهما إلى الجزاير وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري الدمشقي المعروف بابن الهراس سمع من نصر الله المصيصي وغيره وتوفي في شعبان وفيها أبو البشاير إسحق بن هبة الله بن صالح قاضي خلاط كان فقيها شافعيا عالما حسن الكلام في الوعظ والتذكير من محاسن القضاة يرجع إلى دين قدم اربل وتوفي بها ومن شعره

(5/66)


67 (
قال الهلال وعندي في مجالستي * بدر بوجه على شمس الضحى سادا ) ( ليس الهلال بمحبوب لذي أرب * وإن حببناه أحيانا وأعيادا ) ( هذا يزيد حياتي في مجالستي * وذاك ينقص عمري كلما زادا ) وفيها ابن ملاعب زين الدين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد ابن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي وكيل القضاة روى عن الأرموي وابن ناصر وطائفة توفي في جمادى الآخرة بدمشق وفيها ريحان ابن تبكان بن موسك الحربي الضرير مات في صفر وله بضع وتسعون سنة روى عن أحمد بن الطلاية والمبارك بن أحمد الكندي وفيها ست الشام الخاتون أخت الملك العادل بنت أيوب كانت عاقلة كثيرة البر والصدقة بابها ملجأ للقاصدين وهي أم حسام الدين وتزوجها محمد بن شيركوه صاحب حمص وبنت لها مدرسة وتربة بالعونية على الشرف الشمالي من دمشق وأوقفت دارها قبيل موتها مدرسة وهي التي إلى جانب المارستان النوري وأوقفت عليها أوقافا كثيرة وتوفيت في ذي القعدة ودفنت بتربتها بالعونية وكان كافور الحسامي خادمها وكان لها نيف وثلاثون محرما من الملوك سوى أولادهم فأخوتها صلاح الدين والعادل وسيف الإسلام وولده وفيها أبو منصور ابن الرزاز سعيد بن محمد بن العلامة المفتي سعيد بن محمد بن عمر البغدادي روى البخاري عن أبي الوقت وحضر أبا الفضل الأرموي وفيها العلامة أبو البقاء محب الدين عبد الله بن الحسين بن أبي البقا العكبري الأزجي الضرير الحنبلي النحوي الفرضي صاحب التصانيف قرأ القراءات على ابن عساكر البطايحي وتأدب على ابن الخشاب وتفقه على أبي يعلى الصغير وروى عن ابن البطي وطائفة وحاز قصب السبق في العربية وتخرج به خلق ذهب بصره في صغره بالجدري وكان دينا ثقة قاله في العبر وقال ناصح الدين بن الحنبلي كان إماما في علوم القرآن إماما في الفقه إماما

(5/67)


68
في اللغة إماما في النحو إماما في العروض إماما في الفرائض إماما في الحساب إماما في معرفة المذهب إماما في المسائل النظريات وله في هذه الأنواع من العلوم مصنفات مشهورة قال وكان معيدا للشيخ أبي الفرج بن الجوزي وكان متدينا قرأت عليه كتاب الفصيح لثعلب من حفظي وقال ابن أبي الجيش كان يفتي في تسعة علوم وكان أوحد زمانه في النحو واللغة والحساب والفرائض والجبر والمقابلة والفقه وإعراب القرآن والقراءات الشاذة وله في كل هذه العلوم تصانيف كبار وصغار ومتوسطات وذكر أنه قرأ عليه كثيرا وقال ابن البخاري قرأت عليه كثيرا من مصنفاته وصحبته مدة وكان حسن الأخلاق متواضعا كثير المحفوظ محبا للإشتغال والإشغال ليلا ونهارا ما تمضي عليه ساعة بلا اشتغال أو إشغال حتى أن زوجته تقرأ له بالليل كتب الأدب وغيرها وقال غيره كان إذا أراد أن يصنف كتابا أحضرت له عدة مصنفات في ذلك الفن وقرئت عليه فإذا حصله في خاطره أملاه وقال ابن رجب من تصانيفه تفسير القرآن وإعراب القرآن في مجلدين وإعراب الشواذ ومتشابه القرآن وإعراب الحديث وكتاب التعليق في مسائل الخلاف في الفقه وشرح الهداية لأبي الخطاب في الفقه وكتاب المرام في نهاية الأحكام في المذهب وكتاب مذاهب الفقهاء وكتاب الناهض في علم الفرائض وكتاب بلغة الرايض في علم الفرايض والمنقح من الخطل في علم الجدل والاعتراض على دليل التلازم والاستيعاب في أنواع الحساب واللباب في البناء والإعراب وشرح الإيضاح وشرح اللمع وشرح خطب ابن نباتة وشرح المقامات الحريرية وشرح الحماسة وشرح ديوان المتنبي وغير ذلك ومن شعره ( صاد قلبي على العقيق غزال * ذو نفار وصاله ما ينال ) ( فاتر الطرف تحسب الجفن منه * ناعسا والنعاس منه مزال )

(5/68)


69
توفي ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر ودفن بمقبرة الإمام أحمد باب حرب رحمه الله تعالى وفيها ابن شاس العلامة جمال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي السعدي المصري شيخ المالكية وصاحب كتاب الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة كان من كبار الأئمة العاملين حج في أواخر عمره ورجع فامتنع من الفتيا إلى أن مات مجاهدا في سبيل الله في حدود رجب وفيها عبد الرحمن بن محمد بن علي بن يعيش الصدر أبو الفرج الأنباري أخو ابن الحسن علي روى عن عبد الوهاب الأنماطي وغيره وعمر تسعين سنة توفي في شعبان وفيها أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن مسعود ابن الناقد البغدادي المقرىء الصالح قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وغيره وسمع من أبي سعد البغدادي والأرموي توفي في شوال وفيها الافتخار الهاشمي أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل العباسي البلخي ثم الحلبي الحنفي إمام المذهب بحلب سمع بما وراء النهر من القاضي عمر بن علي المحمودي وأبي شجاع البسطامي وجماعة وبرع في المذهب وناظر وصنف وشرح الجامع الكبير وتخرج به الأصحاب وعاش ثمانين سنة توفي في جمادى الآخرة وفيها عثمان بن مقبل بن قاسم الياسري ثم البغدادي الفقيه الحنبلي الواعظ أبو عمر جمال الدين من أهل الباسرية من قرى بغداد على نهر عيسى قدم بغداد وسمع بها من ابن الخشاب وشهدة وطبقتهما ومن دونهما وتفقه على أبي الفتح بن المنى ووعظ ولازم الوعظ ذكره ابن أبي الجيش في شيوخه وقال له تصانيف وقد حدث وسمع منه جماعة وقال ابن الحنبلي مات ضاحي نهار الحادي والعشرين من ذي الحجة ودفن بباب حرب وفيها عماد الدين أبو القاسم علي بن القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم ابن عساكر ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه وعبد الرحمن

(5/69)


70
ابن الخرقي وإسماعيل الخبزوي ورحل إلى خراسان فكان آخر من رحل إليها من المحدثين وأكثر عن المؤيد الطوسي ونحوه وكان صدوقا ذكيا فهما حافظا مجدا في الطلب إلا أنه كان يتشيع وقد خرجت عليه الحرامية في قفوله من خراسان فجرحوه وأدركه الموت ببغداد في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها صاحب سنجار الملك المنصور قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن اقسنقر تملك سنجار مدة وحاصره الملك العادل أياما ثم رحل عنه بأمر الخليفة توفي في صفر وتملك بعده ولده عماد الدين شاهنشاه أشهرا ومات قبله أخوه عمر وتملك بعده مديدة ثم سلم سنجار إلى الأشرف ثم مات وفيها أبو الحسن علي بن أبي زيد بن محمد بن علي النحوي المعروف بالفصيحي الاستراباذي أخذ النحو عن عبد القاهر صاحب الجبل الصقري وتبحر فيه حتى صار أعرف أهل زمانه وقدم بغداد واستوطنها ودرس النحو بالمدرسة النظامية مدة وانتفع به خلق كثير ومن جملة من أخذ عنه ملك النجاة الحسن بن صافي وروى عنه أبو طاهر السلفي قال جالسته ببغداد وسألته عن أحرف في العربية وقال أنشدين لبعض النحاة ( النحو شؤم كله فاعلموا * يذهب بالخير من البيت ) ( خير من النحو وأصحابه * ثريدة تعمل بالزيت ) توفي يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة ببغداد قال ابن خلكان ولم أعرف أنسبه بالفصيحي إلى كتاب الفصيح لثعلب أم لشيء آخر وفيها أبو عبد الله نصير الدين محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الفقيه الفرضي الحنبلي ويعرف بابن سنينه بسين مهملة مضمومة ونونين مفتوحتين بينهما ياء تحتية ساكنة قال ابن النجار ولد سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

(5/70)


71
بسامرا وسمع من ابن البطي وأبي حكيم النهرواني وغيرهما ببغداد وتفقه على أبي حكيم ولازمه وبرع في الفقه والفرائض وصنف فيهما تصانيف مشهورة منها كتاب المستوعب في الفقه وكتاب الفروق وكتاب البيان في الفرائض وولى القضاء بسامرا وأعمالها مدة ثم ولى القضاء والحسبة ببغداد ثم عزل عن القضاء وبقي على الحسبة ثم عزل عنها وولى إشراف ديوان الزمام وعزل أيضا ولقب في أيام ولايته معظم الدين ولما عزل لزم بيته مدة ثم أذن له بالعود إلى بلده فعاد إليها ثم رجع إلى بغداد في آخر عمره وبها توفي قال ابن النجار كان شيخا جليلا فاضلا نبيلا حسن المعرفة بالمذهب والخلاف له مصنفات فيها حسنة وما أظنه روى شيئا من الحديث وذكر ابن الساعي المؤرخ أنه كتب عنه وأجاز للشيخ عبد الرحيم بن الدجاج توفي ليلة الثلاثاء سابع عشرى رجب ودفن بمقبرة باب حروب وفي كتابيه المستوعب والفروق فوائد جليلة ومسائل غريبة وفيها أبو الحسين تاج الدين يحيى بن علي بن الجراح بن الحسين بن محمد بن داود كتب في ديوان الإنشاء بالديار المصرية مدة طويلة وكان خطه في غاية الجودة وكان فاضلا أديبا متقنا له فطرة حسنة وجيد شعر رائق ورسائل أنيقة سمع الحديث بثغر الإسكندرية على السلفي وسمع الناس عليه وله لغز في الدملج الذي تلبسه النساء وهو ما شيء قلبه حجر ووجهه قمر أن نبذته صبر واعتزل البشر وأن أجعته رضى بالنوى وانطوى على الخوى وإن أشبعته قبل قدمك وصحب خدمك وإن علقته ضاع وإن أدخلته السوق أبى أن يباع وإن أظهرته جمل المتاع وأحسن الأمتاع وإن شددت ثانيه وحذفت منه القافية كدر الحياة وأوجب التخفيف في الصلاة وأحدث وقت العصر الضجر ووقت الفجر الخدر وجمع بين حسن العقبى وقبح الأثر وإن فصلته دعا لك وإن ما إن ركبته هالك وربما بلغك آمالك وكثر مالك وأحسن بعون المساكين مالك والسلام وكانت ولادته خامس

(5/71)


72
عشر شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وتوفي خامس شعبان بدمياط سنة سبع عشرة وستمائة في رجبها كانت وقعة البرلس بين الكامل والفرنج وكان نصرا عزيزا قتل من الملاعين عشرة آلاف وانهزموا إلى دمياط وفيها أخذت التتار خراسان وقتلوا أهلها وكانوا أخذوا بخارى وسمرقند وقتلوا وما أبقوا ثم عبروا نهر جيحون وأبادوا ما هناك قتلا وسبيا وتخريبا إلى حدود العراق بعد أن هزموا جيوش خوارزم شاه ومزقوهم ثم عطفوا إلى قزوين فاستباحوها ثم سارت فرقة كبيرة إلى أذربيجان فاستباحوها وحاصروا تبريز وبها ابن البهلوان فبذل لهم أموالا وتحفا فرحلوا عنه ليشتوا على الساحل فوصلوا إلى مرغان وحاربوا الكزج وهزموهم في ذي القعدة من هذه السنة ثم ساروا إلى مراغة فأخذوا بالسيف ثم كروا نحو اربل فاجتمع لحربهم عسكر العراق والموصل مع صاحب اربل فهابوهم وعرجوا إلى همذان فحاربهم أهلها أشد محاربة في العام المقبل وأخذوها بالسيف وأحرقوها ثم نزلوا على سلفان وأخذوها بالسيف وقتلوا بلا استثناء ثم حاربوا الكزج أيضا وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا ثم سلكوا طرقا وعرة في جبال دربند سروان وانبثوا في تلك الأراضي وبها اللان واللكز وطوائف من الترك وفيهم قليل مسلمون فاجتمعوا والتقوا وكانت الدبرة على اللان ثم بيتوا القفجاق وقتلوا وسبوا وأقاموا بتلك الديار ووصلوا إلى سوادق وهي مدينة القفجاق فملكوها وأقاموا هناك إلى سنة عشرين وستمائة ولما تمكن الطاغية جنكزخان وعتا وتمرد وأباد الأمم وأذل العرب والعجم قسم عساكره وجهز كل فرقة إلى ناحية من الأرض ثم عادت إليه أكثر عساكره إلى سمرقند فلا يقال كم أباد هؤلاء من بلد وإنما يقال كم بقي وكان خوارزم شاه محمد بطلا

(5/72)


73
مقداما هجاما وعسكره أوباشا ليس لهم ديوان ولا إقطاع بل يعيشون من النهب والغارت وهم تركي كافر أو مسلم جاهل لم يعرفوا تعبة العسكر في المصاف ولم يدمنوا إلا على المهاجمة ولا لهم زرديات ولا عدد جيدة ثم أنه كان يقتل بعض القبيلة ويستخدم باقيها ولم يكن فيه شيء من المداراة ولا التؤدة لا لجنده ولا لعدوه وتحرش بالتتار وهم بغضبون على من يرضيهم فكيف بمن يغضبهم ويؤذيهم فخرجوا عليه وهم بنواب وأولو كلمة مجتمعة وقلب واحد ورئيس مطاع فلم يمكن أن يقف مثل خوارزم شاه بين أيديهم ولكل أجل كتاب فطووا الأرض وكلت أسلحتهم وتكلكلت أيديهم مما قتلوا من النساء والأطفال فضلا عن الرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون قال ابن الأثير والتتار نوع من الترك يسجدون للشمس عند شروقها ويأكلون لحم بني آدم والدواب لا غير ويأتي المرأة غير واحد فإذا جاءت بولد لا يعرف من أبوه ومساكنهم جبال طغماج من نحو الصين ملكوا الدنيا في سنة واحدة دوابهم التي تحمل أثقالهم تحفر الأرض وتأكل شروش العشب ولا تعرف الشعير وفيها توفي قاضي القضاة زكي الدين بن قاضي القضاة محي الدين محمد بن الزكي القرشي الدمشقي ولي قبل ابن الحرستاني ثم بعده وكان ذاهيبة وحشمة وسطوة وكان الملك المعظم يكرهه فاتفق أن زكى الدين طلب جابي العزيزية بالحساب فأساء الأدب بين يديه فأمر بضربه بين يديه فوجد المعظم سبيلا إلى أذيته فبعث إليه بخلعة أمير قباء وكالوته وألزمه بلبسهما في مجلس حكمه ففعل ثم قام فدخل ولزم بيته ثم مات كمدا يقال أنه رمى قطعا من كبده ومات في صفر كهلا وندم المعظم وفيها الشيخ عبد الله اليونيني وهو أبو عثمان بن عبد العزيز بن جعفر الزاهد الكبير أسد الشام كان شيخا مهيبا طوالا حاد الحال تام الشجاعة أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر كثير الجهاد دائم الذكر عظيم الشأن منقطع

(5/73)


74
القرين صاحب مجاهدات وكرامات كان الأمجد صاحب بعلبك يزوره فكان يهينه ويقول يا أميجد أنت تظلم وتفعل وهو يعتذر إليه وقيل كان قوسه ثمانين رطلا وما كان يبالي بالرجال قلوا أم كثروا وكان ينشد هذه الأبيات ويبكي ( شفيعي إليكم طول شوقي إليكم * وكل كريم للشفيع قبول ) ( وعذري إليكم أنني في هواكم * أسير ومأسور الغرام ذليل ) ( فإن تقبلوا عذري فأهلا ومرحبا * وإن لم تحنوا فالمحب حمول ) ( سأصبر لا عنكم ولكن عليكم * عسى لي إلى ذاك الجناب وصول ) قاله في العبر وقال السخاوي اقتات سنة بثلاثة دراهم اشترى بدرهم دقيقا وبدرهم سمنا وبدرهم عسلا ولته وجعله ثلثمائة وستين كبة كان يفطر كل ليلة على كبة وقيل أنه عمل مرة مجاهدة تسعين يوما يفطر كل ليلة على حمصة حتى لا يواصل وكان يأكل كل عشرة أيام أكلة وعن الشيخ على الشبلي قال احتاجت زوجتي إلى مقنعة فقلت على دين خمسة دراهم فمن أين أشتري لك مقنعة فنمت فرأيت من يقول لي إذا أردت أن تنظر إلى إبراهيم الخليل فانظر إلى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز فلما أصبحت أتيته بقاسيون فقال لي مالك يا علي اجلس وقام إلى منزله وعاد ومعه مقنعة في طرفها خمسة دراهم فأخذتها ورجعت انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام أصله من قرية من قرى بعلبك يقال لها يونين كان صاحب رياضات وكرامات ومجاهدات ولم يقم لأحد قط عظيما لله تعالى ولا ادخر ولا لمس بيده دينارا ولا درهما زاهدا عفيفا ما لبس قط سوى الثوب الخام وقلنسوة من جلود الغنم تساوي نصف درهم وقال القاضي يعقوب قاضي البقاع كنت يوما بدمشق عند الجسر الأبيض في مسجد هناك وقت الحر وإذا بالشيخ عبد الله قد نزل يتوضأ وإذا بنصراني عابر على الجس رومعه بغل عليه حمل خمر فعثر البغل على الطريق ووقع الحمل

(5/74)


75
على الطريق وليس في الطريق أحد فصعد الشيخ وصاح بي يا فقيه تعال فجئت فقال عاوني فعاونته حتى حمل الحمل على البغل وذهب النصراني فقلت في نفسي مثل الشيخ يفعل هذا ثم مشيت خلف البغل إلى العقيبة فجاء إلى دكان الخمار وحط الحمل وفتح الظروف فإذا هي قد صارت خلا فقال الخمار ويحك هذا خل فبكى وقال والله ما كانت إلا خمرا وإنما أنا أعرف العلة ثم ربط البغل في الحال وصعد إلى الجبل إلى عند الشيخ فدخل عليه وقال يا سيدي أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصار فقيرا من فقرائه ولما قدم الشيخ حمص للغزاة قدم الملك المجاهد أسد الدين حصانا من خيله فركبه الشيخ ودخل في العدو فعمل العجائب وما قامت غزاة بالشام قط إلا حضرها ولما كان يوم الجمعة في عشر ذي الحجة صلى الصبح بجامع بعلبك واغتسل قبل صلاة الجمعة وجاء داود المؤذن وكان يغسل الموتى فقال ويحك يا داود أنظر كيف تكون غدا فما فهم داود وقال يا سيدي غدا نكون في خفارتك وصعد الشيخ إلى المغارة وكان قد أمر الفقراء أن يقطعوا صخرة عند اللوزة التي كان ينام بجانبها فقطعوها فأصبح الشيخ فصلى الصبح وصعد إلى الصخرة والفقراء يتممون قطعها والسبحة في يده فطلعت الشمس وقد فرغوا منها والشيخ نايم والسبحة في يده فجاء خادم من القلعة في شغل فرآه قاعدا نائما فما تجاسر أن يوقظه فطال عليه ذلك فقال يا عبد الصمد ما أقدر أقعد أكثر من هذا فتقدم وقال يا سيدي فما تكلم فحركه فإذا هو ميت فارتفع الصياح وجاء صاحب بعلبك فرآه على تلك الحال فقال ابنوا عليه بنيانا وهو على حالته فقالوا اتباع السنة أولى وجاء داود المؤذن فغسله عند اللوزة وذلك يوم السبت وقد تجاوز الثمانين سنة وقبره يزار ببعلبك رحمه الله وفيها أبو المظفر بن السمعاني فخر الدين عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعيد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن الإمام أبي المظفر منصور

(5/75)


76
ابن محمد التميمي المروزي الشافعي الفقيه المحدث مسند خراسان ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وروى كتبا كبارا منها البخاري ومسند الحافظ أبي عوانة وسنن أبي داود وجامع الترمذي وتاريخ الفسوي ومسند الهيثم بن كليب سمع من وجيه الشحامي وأبي الأسعد القشيري وخلق رحله أبوه إليهم بمرو ونيسابور وهراة وبخارا وسمرقند ثم خرج له أبوه معجما في ثمانية عشر جزءا وكان مفتيا عارفا بالمذهب وروى الكثير ورحل الناس إليه وسمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي ومات قبله بدهل وحدث عنه الأئمة ابن الصلاح والضياء المقدسي والزكي البرازلي والمحب بن النجار وخرج لنفسه أربعين حديثا وانتهت إليه رياسة الشافعية ببلده وختم به البيت السمعاني عدم في دخول التتار ومر في آخر العام وفيها قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم ابن عيسى العلوي الحسيني صاحب مكة أبو عزيز عاش أكثر من ثمانين سنة وفيها خوارزم شاه محمد بن تكش السلطان الكبير علاء الدين كان ملكا جليلا أصيلا عالي الهمة واسع الممالك كثير الحروب ذا ظلم وجبروت وغور ودهاء تسلطن بعد والده علاء الدين تكش فدانت له الملوك وذلت له الأمم وأباد أمة الخطا واستولى على بلادهم إلى أن قهر بخروج التتار الطغماجية عسكر جنكزخان واندفع قدامهم فأتاه أمر الله من حيث لا يحتسب فما وصل إلى الري إلا وطلائعهم على رأسه فانهزم إلى قلعة برجين وقد مسه النصب فأدركوه وما تركوه يبلغ ريقه فتحامل إلى همذان ثم إلى مازندران وقعقعة سلاحهم قد ملأت مسامعه فنزل ببحيرة هناك ثم مرض بالإسهال وطلب الدواء فأعوزه ومات فقيل أنه حمل إلى دهستان في البحر وأما ابنه جلال الدين فتقاذفت به البلاد وألقته بالهند ثم رمته الهند إلى كرمان وقيل بلغ عدد جيشه ثلثمائة ألف وقيل أكثر من ذلك وفيها أبو عبد الله شهاب الدين محمد بن أبي المكارم الفضل بن بختيار بن أبي نصر اليعقوبي الخطيب الواعظ الحنبلي ويعرف

(5/76)


77
بالحجة ذكر أن مولده في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة بيعقوبا وسمع ببداد من ابن الجوزي وطبقته ومن أبي الوقت والشيخ عبد القادر وولى الخطابة ببلده يعقوبا وحدث بها وباربل وغيرهما وحدث بأحاديث فيها وهم فعرف الخطأ فيها فترك روايتها وصنف كتاب غريب الحديث وشرح العبادات الخمس لأبي الخطاب وقرأه على أبي الفتح بن المنى سنة إحدى وثمانين وكتب له عليه قرأه على مصنفه الشيخ الأجل العلام الفقيه بهاء الدين حجة الإسلام قراءة عالم بما فيه من غرائب الفوائد وعجائب الفرائد توفي في جمادى الأولى بدقوقا ودفن بها وفيها صدر الدين شيخ الشيوخ أبو الحسن محمد بن شيخ الشيوخ عماد الدين عمر بن علي الجويني برع في مذهب الشافعي وسمع من يحيى الثقفي ودرس وأفتى وزوجه شيخه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الأخوة الأمراء الأربعة ثم ولي بمصر تدريس الشافعي ومشهد الحسين وبعثه الكامل رسولا يستنجد بالخليفة وجيشه على الفرنج فأدركه الموت بالموصل أجاز له أبو الوقت وجماعة وكان كبير القدر وفيها الشيخ الكبير الشهير كبير الشأن ظاهر البرهان المبارك على أهل زمانه محمد بن أبي بكر الحكمي اليمني نفع الله به نشأ في السلوك في بلده المصبرا بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وقبل الألف راء بلدة من نواحي رحبان وبها قبر والده ثم انتقل إلى ذوال ثم إلى سهام وصحب بها الفقيه العالم الصالح المصلح محمد بن حسين البجلي وأخذ خرقة التصوف القادرية عن الشيخ على الحداد وسكن مع البجلي في عواجة حتى مات هناك ومات البجلي بعده سنة إحدى وعشرين وستمائة وقبراهما متلاصقان وإلى جانبهما علي بن الحسين البجلي ولهما زاوية محترمة وذكر واسع وكرامات جمة وذرية أخيار تعدد فيهم الصلحاء العلماء وبصحبتهما ومحبتهما في الله يضرب المثل قاله ابن الأهدل وفيها صاحب حماة الملك المنصور محمد بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه

(5/77)


78
ابن أيوب سمع من أبي الطاهر بن عوف وجمع تاريخا على السنين في مجلدات وقد تملك حماة بعده ولده الناصر قلج أرسلان فأخذها منه الكامل وسجنه ثم أعطاها لأخيه الملك المظفر وفيها المؤيد بن محمد بن علي بن حسن رضى الدين أبو الحسن الطوسي المقري مسند خراسان ولد سنة أربع وعشرين وسمع صحيح مسلم من الفراوي وصحيح البخاري من جماعة وعدة كتب وأجزاء وانتهى إليه علو الإسناد بنيسابور ورحل إليه من الأقطار توفي ليلة الجمعة العشرين من شوال وفيها ناصر بن مهدي الوزير نصير الدين العجمي قدم من مازندران سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة فوزر للخليفة الناصر سنتين ثم قبض عليه سنة أربع وستمائة وعاش إلى هذا الوقت توفي في جمادى الأولى وفيها ابن هلالة الحافظ عبد العزيز بن الحسين كان حافظا نقادا مجردا قال ابن ناصر الدين في بديعته ( ثم فتى هلالة الطبيري * يفوح زهر خيره الكثير ) وأثنى عليه في شرحها سنة ثمان عشرة وستمائة استهلت والدنيا تغلي بالتتار وتجمع إلى السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه كل عساكره والتقى تولىخان بن جنكزخان واشتد غضبه إذ لم ينهزم له جيش قبلها فجمع جيشه وسار بهم إلى ناحية السند فالتقاه جلال الدين في شوال من السنة فانهزم جيشه أيضا وثبت هو وطائفة ثم ولى جنكزخان منهزما وكادت الدائرة تدور عليه لولا كمين عشرة آلاف خرجوا على المسلمين فطحنت الميمنة وأسروا ولد السلطان جلال الدين فتبدد نظامه وتقهقر إلى حافة السند وأما بغداد فانزعج أهلها وقنت المسلمون وتأهب الخليفة

(5/78)


79
واستخدم وأنفق الأموال وفيها تملك التتار مراغة وخربوها وأحرقوها وقتلوا أكثر أهلها وساروا إلى بلاد الروس وفيها سار الملك الأشرف ينجد أخاه الكامل وسار معه عسكر الشام وخرجت الفرنج من دمياط بالفارس والراجل أيام زيادة النيل فنزلوا على ترعة فبثق المسلمون عليها النيل فلم يبق لهم وصول إلى دمياط وجاء الأصطول فأخذوا مراكب الفرنج وكانوا مائة كيد وثمانمائة فارس فيهم صاحب عكا وخلق من الرجالة فلما عاينوا الخذلان تطلبوا الصلح على أن يسلموا دمياط إلى الكامل فأجابهم ثم جاءه أخواه بالعساكر في رجب فعمل سماطا عظيما وأحضر ملوك الفرنج وأنعم عليهم ووقف في خدمته المعظم والأشرف وكان يوما مشهودا وقام راجح الحلى فأنشد قصيدة منها ( ونادى لسان الكون في الأرض رافعا * عقيرته في الخافقين ومنشدا ) ( أعباد عيسى أن عيسى وحزبه * وموسى جميعا ينصران محمدا ) وأشار إلى الأخوة الثلاثة وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة نجم الدين أبو الجناب الخيوقي أحمد بن عمر بن محمد الصوفي المحدث شيخ خوارزم ويقال له الكبرى رحل الأقطار راكبا وماشيا وأدرك من المشايخ ما لا يحصى كثرة ولبس خرقة التصوف النهر جوربة من الشيخ إسماعيل القصري والسهروردية للتبرك من الشيخ أبي ناصر عمار بن ياسر وسبق أقرانه في صغره إلى فهم المشكلات والغوامض فلقبوه الطامة الكبرة ثم كثر استعماله فحذفوا الطامة وأبقوا الكبرى وخيوق المنسوب إليها من قرى خوارزم سمع بهمذان من الحافظ أبي العلاء وبالإسكندرية من السلفي وعنب بمذهب الشافعي والتفسير وله تفسير في اثنتي عشرة مجلدة واجتمع به الإمام فخر الدين الرازي فاعترف بفضله قال عمر بن الحاجب طاف البلاد وسمع بها الحديث واستوطن خوارزم وصار شيخ تلك الناحية وكان صاحب حديث

(5/79)


80
وسنة ملجأ للغرباء عظيم الجاه لا يخاف في الله لومة لائم وقال ابن الأهدل استشهد رضي الله عنه بخوارزم في فتنة التتار وذلك أن سلطانها لما قد جمع الشيخ أصحابه وكانوا نحو ستين فقال لهم ارتحلوا إلى بلادكم فإنه قد خرجت نار من المشرق تحرق إلى قرب المغرب وهي فتنة عظيمة ما وقع في هذه الأمة مثلها فقال له بعضهم لو دعوت برفعها فقال هذا قضاء محكم لا ينفع فيه الدعاء فقالوا له تخرج معنا فقال إني أقتل ههنا فخرج أصحابه فلما دخل الكفار البلد نادى الشيخ وأصحابه الباقون الصلاة جامعة ثم قال قوموا نقاتل في سبيل الله ودخل البيت ولبس خرقة شيخه وحمل على العدو فرماهم بالحجارة ورموه بالنبل وجعل يدور ويرقص حتى أصابه سهم في صدره فنزعه ورمى به نحو السماء وفار الدم وهو يقول إن أردت فاقتلني بالوصال أو بالفراق ثم مات ودفن في رباطه رحمه الله تعالى وفيها عبد الرحيم بن النفيس ابن هبة الله بن وهبان بن رومي بن سلمان بن محمد بن سلمان بن صالح بن محمد ابن وهبان السلمي الحديثي ثم البغدادي أبو نصر الفقيه الحنبلي المحدث ولد في عاشر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة ببغداد وسمع الكثير من أبي الفتح بن شاتيل وخلق وبالغ في الطلب وارتحل فيه إلى الشام والجزيرة ومصر والعراق وخراسان وما وراء النهر وخوارزم وتفقه في المذهب وتكلم في مسائل الخلاف وحدث ببغداد ودمشق وغيرهما قال ابن النجار كان مليح الخط صحيح النقل والضبط حافظا متقنا ثقة صدوقا له النظم والنثر الجيد كان من أكمل الناس ظرفا ولطفا وحسن خلق وطيب عشرة وتواضع وكمال مروءة ومسارعة إلى قضاء حوائج الإخوان ومن شعره ( سلوا فؤادي هل صفا شربه * منذ نأيتم عنه أوراقا ) ( وهل يسليه إذا غبتم * أن أودع التسليم أوراقا )

(5/80)


81
قتل شهيدا في فتنة التتار بخراسان وفيها أبو القسم عبد الغني بن قاسم بن عبد الرزاق بن عياش الهلباوي المقدسي الأصل المصري الفقيه الحنبلي الزاهد سمع بمصر من البوصيري وغيره وتفقه في المذهب وانقطع إلى احافظ عبد الغني ولازمه وكتب عنه كثيرا من مصنفاته وغيرها ذكر ذلك المنذري وقال سمع معنا من جماعة من شيوخنا وصحب جماعة من المشايخ وكان صالحا مقبلا على مصالح نفسه منفردا قانعا باليسير يظهر التجمل مع ما هو عليه من الفقر وحدث وتوفي ليلة ثامن عشر صفر ودفن من الغد بسفح المقطم وفيها عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد أبو روح الهروي البزاز ثم الصوفي مسند العصر ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمع من تميم الجرجاني وزاهر الشحامي وطبقتهما وله مشيخة في جزء روى شيئا كثيرا واستشهد في دخول التتار هراة في ربيع الأول وهو آخر من كان بينه وبين رسول الله سبعة أنفس ثقات قاله في العبر وفيها أبو محمد عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني الدمشقي الحافظ تكلم فيه ابن النجار بعدم تحريره في الحديث وفقد بنيسابور لما دخلتها التتار بالسيف قال ابن ناصر الدين ( مثاله المفقود ذا الشيباني * عبد العزيز اللين المباني ) أي الضعيف وفيها أبو الحسن علي بن ثابت بن طالب بن الطالباني البغدادي الأزجي الفقيه الحنبلي الواعظ موفق الدين سمع ببغداد من صالح ابن الرحلة وشهدة وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل وتفقه ببغداد على ابن المنى واشتغل بالموصل بالخلاف علي ابن يونس الشافعي وأقام بحران مدة عند الخطيب ابن تيمية ثم جرى بينه وبينه نكد فقدم دمشق ثم رجع وأقام برأس العين من أرض الجزيرة ووعظ هناك وانتفع به قال به انقطة سمعت منه وسماعه صحيح وقال المنذري له اختيارات في المذهب وفيها القسم بن المفتى أبي سعيد عبد الله بن عمر أبو بكر بن الصفار

(5/81)


82
النيسابوري الشافعي الفقيه روى عن جده العلامة عمر بن أحمد الصفار ووجيه الشحامي وأبي الأسعد القشيري وطائفة وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة استشهد في دخول التتار نيسابور في صفر وفيها الشهاب محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال بن عيسى بن موسى بن الفتح بن زريق المقدسي ثم الدمشقي الإمام أبو عبد الله الحنبلي الفقيه المناظر ولد سنة خمسين وخمسمائة بجماعيل ثم قدم دمشق وسمع بها من أبي المكارم بن هلال وقدم مصر فسمع بها بالإسكندرية من السلفي وأكثر عنه وقدم بغداد فسمع من ابن الخشاب وشهدة وطبقتهم وتفقه بها في المذهب والخلاف على ابن المنى حتى برع وكان بحاثا مناظرا مفحما للخصوم ذا حظ من صلاح وأوراد وسلامة صدر أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر قال المنذري لقيته بدمشق وسمعت منه وكان كثير المحفوظات متحريا في العبادات حسن الأخلاق وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي كان زاهدا عابدا ورعا فاضلا في فنون العلوم وحفظ المقامات الحريرية في خمسين ليلة فتشوش خاطره وكان يغسل باطن عينيه حتى قل نظره وكان سليم الصدر من الإبدال ما خالف أحدا قط رأيته يوما وقد خرج من جامع الجبل فقال له إنسان ما تروح إلى بعلبك فقال بلى فمشى من ساعته إلى بعلبك بالقبقاب وقال أبو شامة كنت أراه يوم الجمعة قبل الزوال يجلس في درج المنب رالسفلي بجامع الجبل وبيده كتاب من كتب الحديث وأخبار الصالحين يقرؤه على الناس إلى أن يؤذن المؤذن للجمعة وتوفي يوم الأحد سلخ صفر ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني المحدث الدمشقي دين صالح ورع روى عن أحمد بن حمزة بن الموازيني وابن كليب وطبقتهم توفي بالمدينة النبوية في الحرم كهلا وفيها أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي روى عن أبيه وابن ناصر وسعيد بن البنا وأبي الوقت

(5/82)


83
وسكن دمشق وكان عريا من العلم توفي في أول جمادى الآخرة عن ثمانين سنة قاله في العبر وفيها أبو الفتوح برهان الدين نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج أحمد بن الحصري الهمذاني البغدادي الحنبلي المقري المحدث الحافظ الزاهد الأديب نزيل مكة ولد في شهر رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة وقرأ القرآن بالروايات على أبي بكر بن الزاغوني وأبي الكرم الشهرزوري وابن السمين وابن الدجاجي وجماعة وسمع الحديث الكثير من أبي الوقت وغيره وخلق كثير منهم الشيخ عبد القادر وعنى بهذا الشأن ثم خرج من بغداد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فاستوطنها وأم بها بالحنابلة وكان شيخا صالحا متعبدا قال ابن الدبيثي كان ذا معرفة بهذا الشأن ونعم الشيخ كان عبادة وثقة قال ابن النجار هو خاتمة أصحابه كان حافظا حجة نبيلا جم الفضائل كثير المحفوظ من أعلام الدين وأئمة المسلمين حدث بالكثير ببغداد ومكة وسمع منه خلق كثير من الأئمة الحفاظ منهم الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والضياء والبرزالي وابن خليل وقال ابن الحنبلي مات بالمهجم من أرض اليمن في شهر ربيع الآخر وكان خروجه إلى اليمن بأهله لقحط وقع بمكة وكان ذا عائلة فنزح بهم إلى اليمن في نحو سنة ثمان عشرة أي هذه السنة وفيها هبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس السديد أبو محمد الدمشقي سمعه أبوه من نصر الله المصيصي وابن البن وكان كثير التلاوة وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو الدر ياقوت المستعصمي بن عبد الله الموصلي الكاتب المجيد المشهور الملقب أمين الدين المعروف بالملكي نسبة إلى السلطان ملكشاه سكن الموصل وأخذ النحو عن ابن الدهان وكان ملازما قراءة ديوان المتنبي والمقامات وكتب بخطه الكثير وانتشر خطه في الآفاق وكان خطه في نهاية الحسن ولم يؤد أحد طريقة ابن البواب مثله مع فضل غزير ونباهة وكان مغري بنقل صحاح الجوهري وكتب منها نسخا كثيرة كل نسخة في مجلد وكتب عليه خلق كثير

(5/83)


84
وانتفعوا به وكانت له سمعة كثيرة في زمنه مات في هذه السنة وقد أسن وتغير خطه كثيرا وفيها سالم بن سعادة الحمصي الشاعر مات بحلب ومن شعره ( وروض أريض من شقيق ونرجس * لنوريهما من تحت قضب الزبرجد ) ( خدود عقيق تحت خالات عنبر * وأجفان در حول أحداق عسجد ) وفيها جلال الدين الحسن الصباح صاحب الالموت ودردكوه وهو مقدم الإسمعيلية وكان قد أظهر شريعة الإسلام من الأذان وغيره وولى بعده ولده الأكبر سنة تسع عشرة وستمائة فيها توفي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني المالكي روى عن السلفي وجماعة وهو من بيت قضاء وحشمة توفي في جمادى الآخرة وفيها ابن الأنماطي الحافظ تقي الدين أبو الطاهر إسمعيل ابن عبد الله بن عبد المحسن المصري الشافعي قال عمر بن الحاجب كان إماما ثقة حافظا مبرزا واسع الرواية وعنده فقه وأدب ومعرفة بالشعر وأخبار الناس قال وسألت الحافظ الضيا عنه فقال حافظ ثقة مفيد إلا أنه كان كثير الدعابة مع المرد وقال ابن البخاري ولد سنة سبعين وخمسمائة واشتغل من صباه وتفقه وأقرأ الأدب وسمع الكثير وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين ثم حج سنة إحدى وستمائة وقدم مع الركب وكانت له همة وافرة وجد واجتهاد ومعرفة كاملة وحفظ وفصاحة وفقه وسرعة فهم واقتدار على النظم والنثر وكان معدوم النظير لي وقته قال الضياء بات صحيحا فأصبح لا يقدر على الكلام أياما واتصل به ذلك حتى مات في رجب وفيها ثابت بن مشرف أبو سعد الأزجي البناء المعمار روى عن ابن ناصر والكروخي وطبقتهما فأكثر وحدث بدمشق

(5/84)


85
وحلب وتوفي في ذي الحجة وفيها الشيخ علي بن إدريس اليعقوبي الزاهد صاحب الشيخ عبد القادر الكيلاني سيد زاهد عابد رباني متأله بعيد الصيت توفي في ذي القعدة وفيها أبو الفضائل شهاب الدين عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي بن الحنبلي الفقيه الحنبلي أخو ناصح الدين عبد الرحمن الآتي ذكره إن شاء الله تعالى وهو أصغر من الناصح بتسع سنين سمع ببغداد من نصر الله القزاز وأجاز لهالحافظ أبو موسى المديني وغيره وتفقه وبرع وأفتى وناظر ودرس بمدرسة جده بدمشق وهي الحنبلية جوار الرواحية سكن بين الأسطواني قال أبو شامة هو أخو البهاء والناصح وهو أصغرهم وكان أبرعهم في الفقه والمناظرة والمحاكمات بصيرا بما يجري عند القضاة في الدعاوي والبينات وقال ابن الساعي في تاريخه كان فقيها فاضلا خيرا عارفا بالمذهب والخلاف وقال غيره كان ذا قوة وشهامة وانتزع مسجد الوزير من يد العلم السخاوي وبقي للحنابلة توفي سابع ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وفيها العلامة كمال الدين علي بن محمد بن يوسف بن النبيه الكاتب الشاعر صاحب ديوان رسائل الملك الأشرف موسى بن العادل وله ديوان شعر مشهور كله ملح فمن شعره ( بدر تم له من الشعر هاله * من رآه من المحبين هاله ) ( قصر الليل حين زار ولا غر * وغزال غارت عليه الغزالة ) ( يا نسيم الصبا عساك تحملت * لنا من سكان نجد رسالة ) ( كل معسولة المراشف بيضاء * حمتها سمر القنا العسالة ) وله ( أمانا أيها القم رالمطل * فمن جفنيك أسياف تسل ) ( يزيد جمال وجهك كل يوم * ولي جسد يذوب ويضمحل ) ( يميل بطرفه التركي عني * صدقتم إني ضيق العين بخل )

(5/85)


86 (
أيامك القلوب فتكت فيها * وفتكك في الرعية لا يحل ) ( قليل الوصل يقنعها فإن لم * يصبها وابل منه فطل ) وله ( لماك والخد النضر * ماء الحياة والخضر ) ( أخذتني يا تاركي * أخذ عزيز مقتدر ) ( أحلت سلواني على * ضامن قلب منكسر ) ( ونمت عن ذي أرق * إذا غفا النجم سهر ) ( قد أضحت الترك بهذا * العربي تفتخر ) ( ولي عهد البدر إن * غاب فإني منتظر ) ( في خلقه وخلقه * ما في الغزال والنمر ) ( ترعاه أحداق الورى * فحيث ما سار تسر ) وفيها أبو العباس الخضر بن نصر الأربلي الفقيه الشافعي تفنن في العلوم مع الزهد والورع وهو أول من درس باربل وله تصانيف حسان في التفسير والفقه وله كتاب ذكر فيه ستا وعشرين خطبة للنبي كلها مسندة وانتفع به خلق كثير قاله ابن الأهدل وفيها الحافظ محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي الملاحي الأندلسي الغرناطي المالكي أبو القسم كان إماما حافظا مكثرا من الأثبات قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو القسم نصر بن عقيل بن نصر الأربلي ولد باربل سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وتفقه بها على عمه أبي العباس الخضر المتوفى في هذا العام أيضا ثم توجه إلى بغداد سنة ستمائة فآذاه بتوليتها مظفر الدين واستولى على أملاكه فتوجه إلى الموصل سنة ست وستمائة فأقبل عله صاحبها الأتابك نور الدين أرسلان شاه بن مسعود وأحسن إليه ورتب له كفايته ولم يزل مكرما

(5/86)


87
إلى أن مات بها في رابع عشر ربيع الآخر ذكره التفليسي وفيها الشيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي القنيي نسبة إلى القنية قرية من نواحي ماردين وهذا شيخ الطائفة اليونسية أولى الشطح وقلة العقل وكثرة الجهل أبعد الله شرهم وكان رحمه الله صاحب حال وكشف يحكي عنه كرامات قاله في العبر وقال ابن خلكان سألت رجلا من أصحابه عنه فقال كنا مسافرين والشيخ يونس معنا فنزلنا في الطريق بين سنجار وعانة وهي مخوفة فلم يقدر أحد منا ينام من شدة الخوف ونام الشيخ يونس فلما انتبه قلنا له كيف قدرت تنام فقال والله ما نمت حتى جاء إسمعيل بن إبراهيم عليهما السلام وتدرك القفل ورحلنا سالمين ببركة الشيخ يونس ومن شعره مواليا ( أنا حميت الحمى وأنا سكنت فيه * وأنا رميت الخلايق في بحار التيه ) ( من كان يبغي العطا مني أنا أعطيه * أنا فتى ما أداني من به تشبيه ) وله ( إذا صوت سندانا فصبرا على الذي * ينالك من مكروه دق المطارق ) ( لعل الليالي أن تعيدك ضاربا * فتضرب أعناق العدا بالبوارق ) توفي بقريته القنية وقد ناهز التسعين وقبره مشهور هناك سنة عشرين وستمائة فيها كانت الملحمة الكبرى بين التتار وبين القفجاق والروس وثبت الجمعان أياما ثم انتصرت التتار وغلوا أولئك بالسيف وفيها توفي الشيخ أبو علي الحسن بن زهرة الحسيني النقيب رأس الشيعة بحلب وعزهم وجاههم وعالمهم كان عارفا بالقراءات والعربية والأخبار والفقه على رأي القوم وكان متعينا للوزارة ونفذ رسولا إلى العراق وغيرها واندكت الشيعة

(5/87)


88
بموته وفيها الحسن بن يحيى بن أبي الرداد المصري ويسمى أيضا محمدا كان آخر من روى بنفس مصر عن ابن رفاعة توفي في ذي القعدة وفيها الشيخ موفق الدين المقدسي أحد الأئمة الأعلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي صاحب التصانيف ولد بجماعيل سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وهاجر مع أخيه الشيخ أبي عمر سنة إحدى وخمسين وحفظ القرآن وتفقه ثم ارتحل إلى بغداد فأدرك الشيخ عبد القادر فسمع منه ومن هبة الله الدقاق وابن البطي وطبقتهم وتفقه على ابن المنى حتى فاق على الأقران وحاز قصب السبق وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله وكان مع تبحره في العلوم ويقينه ورعا زاهدا تقيا ربانيا عليه هيبة ووقار وفيه حلم وتؤدة وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل وكان يفحك الخصوم بالحجج والبراهين ولا يتحرج ولا ينزعج وخصمه يصيح ويحترق قال الحافظ الضياء كان تام القامة أبيض مشرق الوجه أدعج العينين كأن النور يخرج من وجهه لحسنه واسع الجبين طويل اللحية قائم الأنف مقرون الحاجبين لطيف البدن نحيف الجسم إلى أن قال رأيت الإمام أحمد في النوم فقال ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي وسمعت أبا عمر بن الصلاح المفتي يقول ما رأيت مثل الشيخ الموفق وسمعت شيخنا أبا بكر بن غنيمة المفتي ببغداد يقول ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الشيخ الموفق قلت جمع له الضياء ترجمة في جزءين ثم قال توفي في يوم عيد الفطر قاله جميعه في العبر وذكر الناصح بن الحنبلي أنه حج سنة أربع وسبعين وخمسمائة ورجع مع وفد العراق إلى بغداد وأقام بها واشتغلنا جميعا على الشيخ أبي الفتح ثم رجع إلى دمشق واشتغل بتصنيف كتاب المغنى في شرح الخرقي فبلغ الأمل في إتمامه وهو كتاب بليغ في المذهب عشر مجلدات تعب عليه وأجاد فيه وجمل به المذهب وقرأه عليه جماعة وانتفع بعلمه طائفة كثيرة

(5/88)


89
قال ونشأ على سمت أبيه وأخيه في الخير والعبادة وغلب عليه الاشتغال بالفقه والعلم وقال سبط ابن الجوزي كان إماما في فنون كثيرة ولم يكن في زمانه عبد أخيه أبي عمرو العماد أزهد ولا أورع منه وكان كثير الحياء عفوفا عن الدنيا وأهلها هينا لينا متواضعا محبا للمساكين حسن الأخلاق جوادا سخيا من رآه كأنما رأى بعض الصحابة وكأن النور يخرج من وجهه كثير العبادة يقرأ كل يوم وليلة سبعا من القرآن ولا يصلي ركعتي السنة إلا في بيته اتباعا للسنة وكان يحضر مجالسي دائما بجامع دمشق وقاسيون وقال أبو شامة كان شيخ الحنابلة موفق الدين إماما من أئمة المسلمين وعلما من أعلام الدين في العلم والعلم وصنف كتبا حسانا في الفقه وغيره عارفا بمعاني الأخبار والآثار سمعت عليه أشياء وجاءه مرة الملك العزيز بن الملك العادل يزوره فصادفه يصلي فجلس بالقرب منه إلى أن فرغ من صلاته ثم اجتمع به ولم يتجوز في صلاته ومن أطرف ما حكى عنه أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة فيها رمل يرمل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإجازات وغيرها فاتفق ليلة أن خطفت عمامته فقال لخاطفها يا أخي خذ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها ورد العمامة أغطي بها رأسي وأنت في أوسع الحل مما في الورقة فظن الخاطف أنها فضة ورآها ثقيلة فأخذها ورد العمامة وكانت صغيرة عتيقة فرأى أخذ الورقة خيرا منها بدرجات فخلص الشيخ عمامته بهذا الوجه اللطيف وقال أبو العباس بن تيمية ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفق رحمه الله وقال الضياء كان رحمه الله تعالى إماما في القرآن إماما في التفسر إماما في علم الحديث ومشكلاته إماما في الفقه بل أوحد زمانه فيه إماما في علم الخلاف أوحد زمانه في الفرائض إماما في أصول الفقه إماما في النحو إماما في الحساب إماما في النجوم السيارة والمنازل قال ولما قدم بغداد قال له الشيخ أبو الفتح بن المنى أسكن هنا فإن بغداد مفتقرة

(5/89)


90
إليك وأنت تخرج من بغداد ولا تخلف فيها مثلك وكان العماد يعظم الموفق تعظيما كثيرا ويدعو له ويقعد بين يديه كما يقعد المتعلم من العالم وقال ابن غنيمة ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الإجتهاد إلا الموفق وقال أبو عمرو بن الصلاح ما رأيت مثل الشيخ الموفق وقال الشيخ عبد الله اليونيني ما أعتقد أن شخصا ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه فإنه رحمه الله كان إماما كاملا في صورته ومعناه من الحسن والإحسان والحلم والسؤدد والعلوم المختلفة والأخلاق الحميدة والأمور التي ما رأيتها كملت في غيره وقد رأيت من كرم أخلاقه وحسن عشرته ووفور حلمه وكثرة علمه وغزوير فطنته وكمال مروءته وكثرة حيائه ودوام بشره وعزوف نفسه عن الدنيا وأهلها والمناصب وأربابها ما قد عجز عنه كبار الأولياء فإن رسول الله قال ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره فقد ثبت بهذا أن الهام الذكر أفضل الكرامات وأفضل الذكر ما يتعدى نفعه إلى العباد وهو تعليم العلم والسنة وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة وطبعا كالحلم والكرم والفضل والعقل والحياء وكان قد جبله الله على خلق شريف وأفرغ عليه المكام إفراغا وأسبغ عليه النعم فلطف به في كل حال وقال ابن رجب كان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء في الكتاب والسنة من الصفات من غير تغيير ولا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تأويل ولا تعطيل ومن تصانيفه في أصول الدين البرهاني في مسئلة القرآن وجواب مسئلة وردت من صرخد في القرآن جزء والاعتقاد جزء ومسلة العلو جزءان وذم التأويل جزء وكتاب القدر جزءان ومنهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين ورسالة إلى الشيخ فخر الدين بن تيمية في عدم تخليد أهل البدع في النار ومسئلة في

(5/90)


91
تحريم النظر في كتب أهل الكلام ومن تصانيفه في الحديث مختصر العلل للخلال مجلد ضخم ومشيخة شيوخه أجزاء كثيرة ومن تصانيفه في الفقه المغنى في عشر مجلدات والكافي أربع مجلدات والمقنع مجلد ومختصر الهداية مجلد والعمدة مجلد صغير ومناسك الحج جزء وذم الوسواس جزء وفتاوى ومسائل منثورة ورسائل شيء كثير والروضة في أصول الفقه مجلد وله في اللغة والأنساب ونحو ذلك مصنفات وله كتاب التوابين وكتاب المتحابين في الله وكتاب الرقة والبكاء وغير ذلك وانتفع بتصانيفه المسلمون عموما وأهل المذهب خصوصا وانتشرت واشتهرت بحسن قصده وإخلاصه ولا سيما كتابه المغنى فإنه عظم النفع به حتى قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المجلى والمجلى وكتاب المغنى للشيخ موفق الدين بن قدامة في جودتهما وتحقيق ما فيهما ونقل عنه أيضا أنه قال ما طابت نفسي بالفتيا حتى صار عندي نسخة المغنى مع أنه كان يسامي الشيخ في زمانه وقال سبط ابن الجوزي أنشدني الموفق لنفسه ( أبعد بياض الشعر أعمر مسكنا * سوى القبر أني إن فعلت لأحمق ) ( يخبرني شيبي بأني ميت * وشيكا وينعاني إلي فيصدق ) ( يخرق عمري كل يوم وليلة * فهل مستطيع رفو ما يتخرق ) ( كأني بجسمي فوق نعشي ممددا * فمن ساكت أو معول يتحرق ) ( إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا * وأدمعهم تنهل هذا الموفق ) ( وغيبت في صدع من الأرض ضيق * وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق ) ( ويحثو على الترب أوثق صاحب * ويسلمني للقبر من هو مشفق ) ( فيا رب كن لي مؤنسا يوم وحشتي * فإني لما أنزلته لمصدق ) ( وما ضرني أني إلى الله صائر * ومن هو من أهل أبر وأرفق ) ومن شعره أيضا

(5/91)


92 (
لا تجلسن بباب من * يأبى عليك دخول داره ) ( وتقول حاجاتي إليه * يعوقها أن لم أداره ) ( اتركه واقصد ربها * تقضي ورب الدار كاره ) وتفقه على الشيخ موفق الدين خلق كثير منهم ابن أخيه الشيخ شمس الدين عبد الرحمن وروى عنه جماعة من الحفاظ وغيرهم منهم ابن الدبيثي والضياء وابن خليل والمنذري وعبد العزيز بن طاهر بن ثابت الخياط المقرىء وتوفي رحمه الله تعالى بمنزله بدمشق يوم السبت يوم عيد الفطر وصلى عليه من الغد وحمل إلى سفح قاسيون فدفن به وكان جمع عظيم لم ير مثله قال محمد بن عبد الرحمن العلوي كنا بجبل بني هلال فرأينا على قاسيون ليلة العيد ضوءا عظيما فظننا أن دمشق قد احترقت وخرج أهل القرية ينظرون إليه فوصل الخبر بوفاة الموفق وسميت تربته بالورضة لأنه رؤي بعض الموتى المدفونون هناك في سرور عظيم فسئل عن ذلك فقال كنا في عذاب فلما دفن عندنا الموفق صارت تربتنا روضة من رياض الجنة وقال سبط ابن الجوزي كان له أولاد محمد ويحيى وعيسى ماتوا كلهم في حياته وله بنات ولم يعقب من ولد الموفق سوى عيسى خلف ولدين صالحين وماتا وانقطع عقبه وفيها أبو أحمد عبد الحميد بن مري بن ماضي المقدسي الفقيه الحنبلي نزيل بغداد سمع الكثير من ابن كليب وطبقته وحدث عنه بنسخة ابن عرفة سمعها منه الحافظ الضياء وتفقه في المذهب وكان حسن الأخلاق صالحا خيرا متوددا توفي ليلة الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة ودفن بباب حرب قال ابن النجار أظنه جاوز الخمسين بيسير وفيها فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الإمام المفتي الدمشقي الشافعي شيخ الشافعية بالشام ولد سنة خمسين وخمسمائة وسمع من عميه الصاين والحافظ أبي القسم وحسان الزيات وطاثفة وبرع في المذهب على القطب النيسابوري وتزوج بابنته ودرس

(5/92)


93
بالجاروخية ثم بالصلاحية بالقدس ثم بالتقوية بدمشق وكان يقيم بالقدس أشهرا وبدمشق أشهرا وكان لا يمل أحد من رؤيته لحسن سمته واقتصاده في لباسه ولطفه ونور وجهه وكثرة ذكره لله تعالى قال ابن شهبة كان لا يخلو لسانه من ذكر الله تعالى وأريد على أن يلي القضاء فامتنع وجهز أهله للسفر إلى ناحية حلب وأشار بتولية ابن الحرستاني وقال أبو المظفر كان زاهدا عابدا ورعا منقطعا إلى العلم والعبادة حسن الأخلاق قليل الرغبة في الدنيا وقال عمر بن الحاجب صنف في الفقه والحديث مصنفات وتفقه عليه جماعة منهم عز الدين بن عبد السلام وكان إماما زاهدا ثقة كثير التهجد غزير الدمعة حسن الأخلاق كثير التواضع قليل التعصب سلك طريق أهل اليقين وكان يطرح التكلف وعرضت عليه مناصب ولايات دينية فأباها توفي في رجب ودفن بطرف مقاب رالصوفية الشرقي يقابل قبر ابن الصلاح جوار تربة شيخه القطب وفيها الأمير مبارز الدين سنقر الصلاحي كان مقيما بحلب ثم انتقل إلى ماردين فخاف منه الأشرف وشكا حلاه للمعظم فخدعه ووعده بأن يوليه مهما اختار وجهز إليه ابنه فحضر إلى الشام فالتقاه المعظم ولم ينصفه وتفرق عنه أصحابه فمرض من شدة غبنه ونزل في دار شبل الدولة بالصالحية ومات غبنا فقام شبل الدولة بأمره أحسن قيام واشترى له ترة على رأس زقاق الخانقاه عند المصنع ودفنه بها وكان المبارز محببا إلى الناس ولم يكن في زمنه أكرم منه وفيها محمد بن قتلمش السمرقندي كان حاجبا للخليفة وبرع في علم الأدب وكان مغرى بالنرد والقمار ومن شعره ( لا والذي سخر قلبي لها * عبدا كما سخر لي قلبها ) ( ما فرحي في حبه غير أن * يتيح لي عن هجرها قلبها ) ومنه أيضا ( ومقرطق وجدي عليه كردفه * وتجلدي والصبر عنه كخصره )

(5/93)


94 (
نادمته في ليلة من شعره * أجلو محاسنه بشمعة ثغره ) وفيها صاحب المغرب السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسي لم يكن في آل عبد المؤمن أحسن منه ولا أفصح ولا أشغف باللذات ولي الأمر عشر سنين بعد أبيه ومات ولم يعقب سنة إحدى وعشرين وستمائة فيها استولى لولو على الموصل وخنق ابن أستاذه محمود بن القاهر وزعم أنه مات وفيها عادت التتار من بلاد القفجاق ووصلوا إلى الري وكان من سلم من أهلها قد تراجعوا إليها فما شعروا إلا بالتتار قد أحاطوا بهم فقتلوا وسبوا ثم ساروا إلى قم وقاشان فأبادوهما ثم عطفوا إلى همذان فقتلوا وفظعوا ثم ساروا إلى توريز فوقع بينهم وبين الخوارزمية مصاف وفيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي الفتح يوسف بن محمد الأزجي المشتري مسند وقته سمع من الأرموي وابن الطلاية وابن ناصر وطائفة وتفرد بأشياء توفي في شعبان وفيها أحمد بن محمد القادسي الضرير الحنبلي كان خشن العيش طلب المصتضيء بالله من يصلي به التراويح فأحضروه فقالوا ما مذهبك قال حنبلي فقالوا ما يمكن أن يصلي بدار الخلافة حنبلي فقال القادسي أنا حنبلي وما أريد أن أصلي بكم فسمعه الخليفة فقال على مذهبك وكان ملازما لابن الجوزي وبه انتفع وفيها أبو سليمان ابن حوط الله وهو داود بن سليمان بن داود الأنصاري نزيل مالقة رحل وروى عن ابن بشكوال فأكثر وعن عبد الحق بن بويه وأبي عبدالله بن زرقون وولى قضاء بلنسية وغيرها وعاش تسعا وستين سنة وفيها أبو طالب بن عبد السميع عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع

(5/94)


95
ابن أبي تمام الواسطي المقرىء المعدل قرأ القراءات على عبد العزيز السماني وغيره وسمع ببغداد من هبة الله بن الشبلي وطائقة وصنف أشياء حسنة وعنى بالحديث والعلم توفي في المحرم عن ثلاث وثمانين سنة وفيها ابن الحباب القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الحسين التميمي السعدي الأغلبي المصري المالكي الأخباري المعدل راوي السيرة عن ابن رفاعة كان ذا فضل ونبل وسؤدد وعلم ووقار وحلم وكان جمالا لبلده توفي في شوال وله خمس وثمانون سنة وفيها عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي سلطان المغرب أبو محمد ولي الأمر في العام الماضي فلم يدار أمراء البربر فخلعوه وخنقوه في شعبان وكانت ولايته تسعة أشهر وفي أيامه استولى على مملكة الأندلس ابن أخيه عبد الله بن يعقوب الملقب بالعادل والتقى الافرنج فهزموا جيشه ثم طلب مراكش بأسوأ حال فقبضوا عليه وتملك الأندلس بعده أخوه إدريس مديدة فخرج عليه محمد بن هود الجذامي ودعا إلى آل العباس فمال الناس إليه فهرب إدريس بعسكره إلى مراكش فالتقاه صاحبها يومئذ يحيى بن محمد بن يوسف فهزم يحيى وفيها علي بن عبد الرشيد أبو الحسن الهمذاني قاضي همذان ثم قاضي الجانب الغربي ببغداد ثم قاضي تستر حضر على أبي الوقت وسمع من أبي الخير الباغياني وقرأ القراءات على جده لأمه أبي العلاء العطار توفي في صفر وفيها الشيخ على الفرنثي الزاهد صاحب الزاوية والأصحاب بسفح قاسيون وكان صاحب حال وكشف وعبادة وصدق وهو الذي حكى عنه أنه قال أربعة يتصرفون في قبورهم كتصرف الأحياء الشيخ عبد القادر ومعروف الكرخي وعقيل المنبجي وحياة بن قيس الحراني توفي في جمادى الآخرة وفيها ابن اليتيم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندلسي خطيب

(5/95)


96
المرية رحل في طلب الحديث وسمع من أبي الحسن بن العمة وابن هذيل والكبار بالأسكندرية من السلفى وببغداد من شهدة وبدمشق من الحافظ ابن عساكر ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن اللبودي شمس الدين محمد بن عبدان الدمشقي الطبيب قال ابن أبي أصيبعة كان علامة وقته وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية وكان له ذكاء مفرط وحرص بالغ توفي في ذي القعدة ودفن بتربته بطريق المزة وفيها ابن زرقون أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله محمد بن سعيد الأنصاري الأشبيلي شيخ المالكية كان من كبار المتعصبين للمذهب فأوذي من جهة بني عبد المؤمن لما أبطلوا القياس وألزموا الناس بالأثر والظاهر وقد صنف كتاب المعلى في الرد على المحلى لابن حزم توفي في شوال وله ثلاث وثمانون سنة وفيها محمد بن هبة الله بن مكرم أبو جعفر البغدادي الصوفي توفي في المحرم ببغداد وله أربع وثمانون سنة روى عن أبي الفضل الأرموي وأبي الوقت وجماعة وفيها الغاراري محمد بن يخلفتن بن أحمد البربري التلمساني الفقيه المالكي الأديب الشاعر ولي قضاء قرطبة وفيها الفخر الموصلي أبو المعالي محمد بن أبي الفرج أبي المعالي الموصلي ثم البغدادي الشافعي المقرىء صاحب يحيى بن سعدون ومعيد النظامية كان بصيرا بعلل القراءات قال ابن النجار كان فقيها فاضلا نحويا حسن الكلام في مسائل الخلاف له معرفة تامة بوجوه القراءات وعللها وطرقها وله في ذلك مصنفات وكان كيسا متواضعا متوددا حسن العشرة وقدم بغداد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة فتفقه بها وتوفي بها في سادس رمضان رحمه سنة اثنتين وعشرين وستمائة فيها جاء جلال الدين بن خوارزم شاه فبذل السيف في دقوقا وفعل ما لا تفعله

(5/96)


97
الكفرة وأحرق دقوقا وعزم على هجم بغداد فانزعج الخليفة الناصر وحصن بغداد وأقام المجانيق وأنفق ألف ألف دينار ففجأ ابن خوارزم شاه أن الكرج قد خرجوا على بلاده فساق إليهم والتقاهم قال أبو شامة فظفر بهم وقت لمنهم سبعين ألفا ثم أخذ تفليس بالسيف وقتل بها ثلاثين ألفا في آخر العام وكان قد أخذ تبريز بالأمان وتزوج بابنة السلطان طغربك السلجوقي ثم جهز جيشا فافتتحوا كنجة وأخذ أيضا مراغة وكانت الكزج قد ملكوا عليهم امرأة وتطلبوا لها من ينكحها لينوب عنها في الملك فأرسل سلطان الروم إليها يخطبها لابنه فامتنعوا وقالوا لا يحكم علينا مسلم فقال إن ابني يتنصر ويتزوجها فأجابوه فتنصر ابنه وأقام معها وأمر ونهى نعوذ بالله من الخذلان وكان الزوج يسمع عنها القبائح ويسكت وكانت تعشق مملوكا لها ورآها يوما في الفراش مع المملوك فأنكر ذلك فقالت إن رضيت وإلا أنت أخبر ثم نقلته إلى قلعة وحجرت عليه ثم سمعت بشابين مليحين فأحضرت أحدهما وتزوجت به وأحضرت آخر بديع الحسن من أهل كنجة فطلبت منه أن يتنصر للتزوج به وفي سلخ رمضان توفي الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفى الهاشمي العباسي بويع بالخلافة في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة وله ثلاث وعشرون سنة وكان أبيض تركي الوجه أقنى الأنف خفيف العارضين رقيق المحاسن فيه شهامة وإقدام وله عقل ودهاء وهو أطول بني العباس خلافة كما أن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أمية دولة وكما أن المستنصر بالله العبيدي أطول العبيديين دولة وكما أن السلطان سنجر بن ملكشاه أطول بني سلجوق دولة قال الموفق عبد اللطيف كان يشق الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه أظهر الفتوة والبندق والحمام المناسيب في أيامه وتفنن الأعيان والأمراء في

(5/97)


98
ذلك ودخل فيه الملوك وقال الذهبي وكان مستقلا بالأمور بالعراق متمكنا من الخلافة يتولى الأمور بنفسه ما زال في عز وجلالة استظهار وسعادة أصابه فالج في آخر أيامه وتوفي في سلخ رمضان وله سبعون سنة إلا أشهرا وولى بعده ولده الظاهر وقال ابن النجار دانت السلاطين للناصر ودخل تحت طاعته من كان من المخالفين وذلت له العتاة والطغاة وانقهرت لسيفه الجبابرة وفتح البلاد العديدة وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من السلاطين والخلفاء والملوك وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين وكان أسد بني العباس نتصدع لهيبته الجبال وكان حسن الخلق لطيف الخلق كامل الظرف فصيح اللسان بليغ البيان له التوقيعات سددة والكلمات المؤيدة كانت أيامه غرة في وجه الدهر ودرة في تاج الفخر وقال الموفق عبد اللطيف أحيا هيبة الخلافة وكانت قد ماتت بموت المعتصم ثم ماتت بموته وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالا وقال ابن واصل كان مع ذلك رديء السيرة في الرعية مائلا إلى الظلم والعسف وكان يفعل أفعالا متضادة وكان يتشيع ويميل إلى مذهب الإمامية بخلاف آبائه حتى أن ابن الجوزي سئل بحضرته من أفضل الناس بعد رسول الله فقال أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته فكنى بفضل الصديق ولم يقدر أن يصرح وقال الذهبي أجاز الناصر لجماعة من الأعيان فحدثوا عنه منهم ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني وآخرون وقال سبط ابن الجوزي وغيره قل بصر الناصر في آخر عمره وقيل ذهب بالكلية ولم يشعر بذلك أحد من الرعية حتى الوزير وأهل الدار وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه فكانت تكتب مثل خطه فتكتب على التواقيع وقال شمس الدين الجزري كان الماء الذي يشره الناصر تأتي به الدواب من فوق بغداد سبعة فراسخ ويغلى سبع غلوات كل يوم

(5/98)


99
غلوة ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام ثم يشرب منه ومع هذا ما مات حتى سقى المرقد مرات وشق ذكره وأخرج منه الحصى ثم مات منه ومن لطائفه أن خادما له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب فوقع فيها بمن يمن يمن ثمن يمن ثمن ثمن وفيها ابن يونس صاحب شرح التنبيه الإمام شرف الدين أحمد بن العلامة ذي الفنون كمال الدين موسى بن الشيخ المفتي رضي الدين يونس الموصلي الشافعي توفي في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة قال ابن خلكان كان كثير المحفوظات غزير المادة نسج على منوال أبيه في التفنن وما سمعت أحدا يلقى الدروس مثله ولقد كان من محاسن الوجود وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني وقال الذهبي عاش بعده أبوه سبع عشرة سنة وفيها إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي أبو إسحق الخياط روى الصحيح غير مرة عن أبي الوقت وتوفي في شعبان وكان ثقة فاضلا مؤقتا وفيها أبو إسحق بن البرني إبراهيم بن مظفر بن إبراهيم الواعظ شيخ دار الحديث المهاجرية بالموصل روى عن ابن البطي وجماعة وكان عالما متفننا وفيها أبو العباس أحمد بن أبي المكارم بن شكر بن نعمة بن علي بن أبي الفتح بن حسن بن قدامة بن أيوب بن عبد الله بن رافع المقدسي الخطيب الحنبلي خطيب قرية مردا من عمل نابلس قال الحافظ الضياء سافر إلى بغداد في طلب العلم واشتغل وحصل في مدة يسيرة ما لم يحصله غيره في مدة طويلة وسمع الحديث ببغداد وبجبل قاسيون وسمعت شيخنا الإمام عماد الدين إبراهيم بن عبد الواحد غير مرة يغبطه بما هو عليه من كثرة الخير ثم ذكر له كرامات من تكثير الطعام في وقت احتيج فيه إلى تكثيره ومن المعافاة من الصرع بما يكتبه وقال المنذري توفي بمردا وفيها أحمد بن علي بن أحمد الموصلي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو العباس المعروف بالوتارة ويقال ابن الوتارة قال المنذري سمع على علو سنه من المتأخرين وقال الناصح

(5/99)


100
ابن الحنبلي كان يعرف مسائل الهداية لأبي الخطاب ويأكل من كسب يده ولباسه الثوب الخام وانتفع به جماعة وصارت له حرمة قوية بالموصل واحترام من جانب صاحبها ومن بعده وتوفي بالموصل رابع عشر ذي الحجة وفيها أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة محمد بن مختار الأفضلي المصري مجد الملك الشاعر الأديب الكبير قال ابن خلكان كان فاضلا حسن الخط وكتب كثيرا وخطه مرغوب فيه لحسنه وضبطه وله ديوان جمع فيه أشياء لطيفة دلت على جودة اختياره وله ديوان شعر أجاد فيه نقلت من خطه لنفسه ( هي شدة يأتي السرور عقيبها * وأسى يبشر بالسرور العاج ) ( وإذا نظرت فإن بؤسا دائما * للمرء خير من نعيم زائل ) وتوفي في الثاني عشر من المحرم ودفن بالموضع المعروف بالكوم الأحمر ظاهر مصر رحمه الله والأفضلي بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الضاد المعجمة وبعدها لام نسبة إلى الأفضل أمير الجيوش بمصر وتوفي والده في ذي الحجة سنة عشرين وستمائة وفيها أبو عبد الله الحسين بن عمر بن باز المحدث الموصلي رحل وسمع من شهدة وطبقتها وكتب الكثير وولى مشيخة دار الحديث بالموصل التي بناها صاحب اربل توفي في ربيع الآخر وفيها ابن شكر الصاحب الوزير صفي الدين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن عبد الخالق الشيبي الدميري المالكي ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث وتفقه وساد قال أبو شامة كان خليقا بالوزارة لم يبق له مثله وقال الذهبي كان يبالغ في إقامة النواميس مع التواضع للعلماء ويتعانى الحشمة الضخمة والصدقات والصلات ولقد تمكن من العادل تمكنا لا مزيد عليه ثم غضب عليه ونفاه فلما مات عاد ابن شكر إلى مصر ووزر للكامل ثم عمى في الآخر توفي في شعبان وفيها ابن البنا راوي جامع الترمذي

(5/100)


101
عن الكروخي أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك العراقي ثم المكي الجلال حدث بمصر والإسكندرية وقوص وأماكن وتوفي بمكة في صفر أو في ربع الأول وفيها زين الدين قاضي القضاة بالديار المصرية أبو الحسن علي بن العلامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم البغدادي الشافعي عاش اثنتين وسبعين سنة وتوفي في جمادى الآخرة وروى عن أبي زرعة وغيره وفيها الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولد سنة خمس وستين وخمسمائة بالقاهرة وسمع من عبد الله بن بري وجماعة وله شعر وترسل وجودة وكتابة تسلطن بدمشق ثم حارب أخاه العزيز صاحب مصر على الملك ثم زال سلطانه وتملك سميساط وأقام بهامدة وكان فيه عدل وحلم وكرم وإنما أدركته حرفة الأدب توفي فجأة في صفر وكان فيه تشيع قاله في العب رزاد ابن خلكان ونقل إلى حلب ودفن بتربته بظاهر حلب بالقرب من مشهد الهروي وفيها عمر بن بدر الموصلي الحنفي ضياء الدين حدث عن ابن كليب وجماعة وتوفي بدمشق في شوالها عن بضع وستين سنة وفيها الفخر الفارسي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفيروزابادي الشافعي الصوفي روى الكثير عن السلفي وصنف التصانيف في التصوف والمحبة وفيها أشياء منكرة توفي في أثناء ذي الحجة وقد نيف على التسعين قاله في العبر وقال اليافعي هو صاحب العلوم الربانية النافعة وقد نقم عليه الذهبي وقال ابن شهبة في طبقاته سمع من السلفي وابن عساكر وغيرهما وكان صوفيا محققا فاضلا بارعا فصيحا بليغا له مصنفات كثيرة منها كتاب مطية النقل وعطية العقل في الأصول والكلام وغير ذلك من المصنفات وبنى زاوية بالقرافة بمعبد ذي النون المصري ودفن بها وفيها القزويني مجد الدين أبو المجد محمد بن الحسين بن أبي المكارم الصوفي الفقيه ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة

(5/101)


102
بقزوين وسمع شرح السنة ومعالن التنزيل من حفدة العطاردي وسمع من جماعة وحدث بالعراق والشام والحجاز ومصر وأذربيجان والجزيرة وبعد صيته توفي بالموصل في شعبان وفيها الفخر بن تيمية أبو عبد الله محمد بن أبي القسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني الفقيه الحنبلي المقري الواعظ فخر الدين شيخ حران وخطيبها ولد في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحران وقرأ القرآن على والده وله نحو عشر سنين وكان والده زاهدا يعد من الابدال وشرع في الاشتغال بالعلم من صغره وتردد إلى فتيان بن مباح وابن عبدوس وغيرهما ثم ارتحل إلى بغداد وسمع بها الحديث من المبارك بن خضر وابن البطي وابن الدجاجي وخلق وتفقه ببغداد على أبي الفتح بن المنى وابن بكروس وغيرهما ولازم ابن الجوزي وسمع منه كثيرا من مصنفاته وقرأ عليه زاد المسير في التفسير قراءة بحث وفهم وجد في الاشتغال والبحث ثم أخذ في التدريس والوعظ والتصنيف والقاء التفسير بكرة كل يوم بجامع حران واظب على ذلك حتى فسر القرآن العظيم خمس مرات قال ابن خلكان ذكره محاسن بن سلامة الحراني في تاريخ حران وابن المستوفى في تاريخ اربل فقال له القبول التام عند الخاص والعام وكان بارعا في التفسير القرآن وجميع العلوم له فيها يد بيضاء وقال ابن نقطة ثقة فاضل صحيح السماع مكثر سمعت منه بحران وقال ابن النجار سمعت منه ببغداد وحران وكان شيخا فاضلا حسن الأخلاق صدوقا متدينا وقال ابن رجب كان صالحا تذك رله كرامات وخوارق وله تصانيف كثيرة منها التفسير الكبير في أكثر من ثلاثين مجلدا وهو تفسير حسن ومنها ثلاث مصنفات في المذهب وله ديوان خط بمشهور والموضح في الفرائض ومصنفات في الوعظ وغير ذلك وبينه وبين الموفق كلام ورسائل في مسئلة خلود أهل البدع المحكوم بكفرهم في النار كان يقول بخلودهم والموفق لا يطلق عليهم الخلود

(5/102)


103
وله شعر حسن توفي رحمه الله يوم الخميس عاشر صفر بحران كذا ذكره ولده عبد الغني وقال مات الوالد في الصلاة فإني ذكرته بصلاة العصر وأخذته إلى صدري فكبر وجعل يحرك حاجبه وشفتيه بالصلاة حتى شخص بصره رحمه الله وقد ذكر ولده له مناقب صالحة رؤيت له بعد وفاته وهي كثيرة جدا جمعها في جزء وفيها أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن الزيتوني البوازيجي بفتح الموحدة والواو وزاي وتحتية وجيم نسبة إلى بوازيج بلد قرب تكريت سمع من ابن الفاخر وابن بندار وابن الرحبي وغيرهم قال ابن الساعي كان حنبليا خيرا محسنا صالحا صاحب سند ورواية أنشدني ( ضيق العذر في الضراعة أنا * لو قنعنا بقسمنا لكفانا ) ( ما لنا نعبد العباد إذا كان * إلى الله فقرنا وغنانا ) وفيها محمد بن علي بن مكي بن ورخزا البغدادي الفقيه الحنبلي المعدل أبو عبد الله تفقه على ابن المنى وأفتى وناظر وشهد عند الريحاني ورتب مشرفا على وكلاء الخليفة الناصر وكان فقيها فاضلا خيرا دينا ثقة خبيرا بالمذهب قاله ابن رجب وقال ابن الساعي أنشدني ( يجمع المرء ثم يترك ما يجمع * من كسبه لغير شكور ) ( ليس يحظى إلا بذكر جميل * أو بعلم من بعده مأثور ) توفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب حرب وفيها عمرو بن رافع بن علوان الزرعي قال ناصح الدين بن الحنبلي قدم من زرع في عشر الستين وهو ابن نيف وعشرين سنة ونزل عندنا في المدرسة هو ورفيقه واشتغلوا على والدي فحفظا القرآن وسمعوا درسه وحفظوا كتاب الإيضاح وكان هذا الفقيه الحنبلي عمرو يحفظ كثيرا وسريعا وعمل

(5/103)


104
الفرائض فأسرع في معرفتها ورحل إلى حران وأقام بها مديدة يشتغل ثم رجع إلى دمشق ثم إلى زرع وأقام بها يفتي ثم أضر في آخر عمره ومات بزرع رحمه الله وفيها الزكي بن راحة هبة الله بن محمد الأنصاري التاجر المعدل واقف المدرسة الرواحية بدمشق وأخرى بحلب توفي في رجب بدمشق وفيها أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور السلمي السنجاري الشافعي الشاعر المنعوت بالبها كان فقيها وتكلم في الخلاف إلا أنه غلب عليه الشعر وأجاد فيه واشتهر به وخدم به الملوك وأخذ جوائزهم وطاف البلاد ومدح الأكابر قال ابن خلكان وشعره كثير يوجد بأيدي الناس ولم أدر هل دون شعره أم لا ثم وجدت له في خزانة التربة الأشرفية بدمشق ديوانا في مجلد كبير ومن شعره من جملة قصيدة مدح بها كمال الدين بن الشهرزوري ( وهواك ما خطر السلو بباله * ولأنت أعلم في الغرام بحاله ) ( ومتى وشى واش إليه فإنه * سال هواك فذاك من عذاله ) ( أو ليس للكلف المعنى شاهد * من حاله يغنيك عن تسآله ) ( جددت ثوب سقامه وهتكت ستر * غرامه وصرمت حبل وصاله ) ( أفذلة سبقت له أم خلة * مألوفة من تيهه ودلاله ) ( يا للعجابة من أسير دأبه * يفدي الطليق بنفسه وبماله ) ( بأبي وأمي بابلى لحاظه * لا يتقي بالدرع حد نباله ) ( ريان من ماء الشبيبة والصبا * شرقت معاطفه بطيب دلاله ) ( تسري النواظر في مراكب حسنه * فتكاد تغرق في بحار جماله ) ( فكفاه عين كماله في نفسه * وكفى كمال الدين عين كماله ) ( كتب العذار على صحيفة خده * نونا وأعجمها بنقطة خاله ) ( فسواد طرته كليل صدوده * وبياض غرته كيوم وصاله )

(5/104)


105
وله أيضا من جملة قصيدة ( ومهفهف حلو الشمائل فاتر * الالحاظ فيه طاعة وعقوق ) ( وقف الرحيق على مراشف ثغره * فجرى به من خده راووق ) ( سدت محاسنه على عشاقه * سبل السلو فما إليه طريق ) وله من جملة قصيدة أخرى ( هبت نسيمات الصبا سحرة * ففاح منها العنبر الأشهب ) ( فقلت إن مرت بوادي الغضا * من أين هذا النفس الطيب ) وله أشياء حسنة وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وتوفي في أوائل هذه السنة انتهى ملخصا وفيها الوزير صفي الدين أبو عبد الله محمد بن شكر له بدمشق آثار حسنة منها عمارة المصلى بميدان الحصى وتبليط جامع بني أمية وعمارة مسجد الفوارة وتجديد جامع حرستا وجامع المزة وغير ذلك وفيها أبو الحسن علي بن الجارود الأديب الفاضل الشاعر فمن شعره ( أحكم فإنك في الجمال أمير * واعدل فقلبي في يديك أسير ) ( واكفف لحاظك أيها الرشأ الذي * يسطو على أسد الشرى ويجوز ) ( يا عاذلي خفض عليك فإنني * مذخط لام عذاره معذور ) وفيها أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي الملقب مهذب الدين الشاعر المشهور مولى أبي منصور التاجر الحلبي قال ابن خلكان اشتغل بالعلم وأكثر من الأدب واستعمل قريحته في النظم فجاد فيه ولما تميز ومهر سمى نفسه عبد الرحمن وكان مقيما في المدرسة النظامية ببغداد وعده ابن الدبيثي في جملة من اسمه عبد الرحمن وذكر انه نشأ ببغداد وحفظ القرآن الكريم وقرأ شيئا من الأدب وكتب خطا حسنا وقال الشعر وأكثر منه في الغزل والتصابي وذكر المحبة وراق شعره ومن شعره

(5/105)


106 (
ألست من الولدان أحلى شمائلا * فكيف سكنت القلب وهو جهنم ) وقال ابن النجار في تاريخ بغداد وجد أبو الدر المذكور في داره ميتا يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى من السنة وكان قد خرج من النظامية فسكن في دار بدرب دينار الصغير فلم يعلم متى مات وقد ناهز الستين والله أعلم وقال ابن خلكان أيضا الرومي بضم الراء وسكون الواو بعدها ميم نسبة إلى بلاد الروم وهو إقليم مشهور متسع كثير البلاد وههنا نكتة غريبة يحتاج إليها ويكثر السؤال عنها وهي أن أهل الروم يقال لهم بنو الأصفر واستعمله الشعراء في أشعارهم فمن ذلك قول عدي بن زيد العبادي من جملة قصيدته المشهورة ( وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم * لم يبق منهم مذكور ) ولقد تتبعت ذلك كثيرا فلم أجد فيه أحدا شفى الغليل حتى تظفرت بكتاب قديم نقلت منه ما صورته عن العباس عن أبيه قال انحرق ملك الروم في الزمان الأول فبقيت امرأة فتنافسوا في الملك حتى وقع بينهم شرفا فاصطلحوا أن يملكوا أول من يشرف عليهم فجلسوا مجلسا لذلك وأقبل رجل معه عبد حبشي يريد الروم فأبق العبد منه فأشرف عليهم فقالوا انظروا في أي شيء وقعتم فزوجوه تلك المرأة فولدت غلاما فسموه الأصفر فخاصمهم المولى فقال صدق أنا عبده فأرضوه وأعطوه حتى رضي فبسبب ذلك قيل للروم بنو الأصفر لصفرة لون الولد لكونه مولدا بين الحبشي والمرأة البيضاء والله أعلم انتهى وفيها أبو المكارم يعيش بن مالك بن هبة الله بن ريحان الأنباري ثم البغدادي الفقيه الحنبلي الزاهد ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة تقريبا وسمع من ابن الدجاجي وصدقة بن الحسين وأبي زرعة المقدسي وآخرين قال المنذري كان من فضلاء الفقهاء متدينا معتزلا عن الناس ولنا منه إجازة وتوفي ليلة الخميس خامس عشر ذي الحجة ودفن من الغد بباب حرب

(5/106)


107
سنة ثلاث وعشرين وستمائة فيها وقع برد وزنوا بردة فكانت مائة رطل بالبغدادي وفيها توفي الشمس البخاري أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي المقدسي ثم الدمشقي المعروف بالبخاري شمس الدين أبو العباس أخو الحافظ ضياء الدين محمد ووالد الفخر على مسند عصره ولد في العشر الأواخر من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة بالجبل وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر وغيره وببغداد من ابن الجوزي وطبقته وبنيسابور وواسط من جماعة وتفقه في مذهب الإمام أحمد وبرع في المذهب وأقام مدة يشتغل بالخلاف على الرضى النيسابوري ولهذا عرف بالبخاري ثم رجع إلى الشام وسكن حمص مدة قال المنذر وهو أول من ولي القضاء بها وقال ابن الدبيثي كان إماما عالما مفتيا مناظرا ذا سمت ووقار وكان كثير المحفوظ حجة صدوقا كثير الاحتمال تام المروءة لم يكن في المقادسة أفصح منه واتفقت الألسنة على شكره وشهرته وفضله وما كان عليه يغني عن الإطناب في ذكره وروى عنه الضياء الحافظ وغيره وأجاز للمنذري وقال أنه توفي ليلة الخميس خامس جمادى الآخرة ودفن من الغد إلى جانب خاله الشيخ موفق الدين وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن ناصر البغدادي الحريمي الحذاء أبو العباس ابن أبي البركات ولد سنة ثلاث وأربعين تقديرا وسمع ما أفاده والده من ابن البطي وابن بندار وابن الدجاجي وغيرهم وتفقه في مذهب الإمام أحمد على والده وحدث وأجاز للمنذري قال ابن الساعي توفي يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أحمد بن ناصر بن أحمد بن محمد بن ناصر الإسكاف الفقيه أبو العباس بن أبي البركات الفقيه الحنبلي

(5/107)


108
الحربي قرأ طرفا من الفقه على والده وسمع الحديث من ابن البطي ويحيى بن ثابت بن بندار وابن الدجاجي وغيرهم وكتب عنه ابن النجار وقال كان شيخا حسنا فهما متيقظا توفي يوم الأحد حادي عشرى جمادى الأولى ودفن بباب حرب وفيها ابن الأستاذ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي المحدث الصالح والد قاضي حلب ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وسمع من طائفة وحج من بغداد فسمع بها من أحمد بن محمد العباسي وكان له عناية متوسطة بالحديث توفي في عاشر جمادى الآخرة وفيها الإمام الرافعي أبو القسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن الإمام العلامة إمام الدين الشافعي صاحب الشرح المشهو رالكبير على المحرر وصاحب الوجيز انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وكان مع براعته في العلم صالحا زاهدا ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع قال ابن قاضي شهبة إليه يرجع عامة الفقهاء من أصحابنا في هذه الأعصار في غالب الأقاليم والأمصار ولقد برز فيه على كثير ممن تقدمه وحاز قصب السبق فلا يدرك شأوه إلا من وضع يديه حيث وضع قدمه تفقه على والده وغيره وسمع الحديث من جماعة وقال ابن الصلاح أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله كان ذا فنون حسن السيرة جميل الأمر صنف شرح الوجيز في بضعة عشر مجلدا لم يشرح الوجيز بمثله وقال النووي أنه كان من الصالحين المتمكنين وكانت له كرامات ظاهرة وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني هو شيخنا إمام الدين وناصر السنة صدقا كان أوحد عصره في العلوم الدينية أصولا وفروعا ومجتهد زمانه في المذهب وفريد وقته في التفسير ولتسميع الحديث صنف شرحا لمسند الشافعي وأسمعه وصنف شرحا للوجيز ثم صنف أوجز منه وقيل أنه لم يجد زيتا للمطالعة في قرية بات بها فتألم فأضاء له عرق كرمة فجلس يطالع ويكتب عليه ومن شعره

(5/108)


109 (
أقيما على باب الرحيم أقيما * ولا تنيا في ذكره فتهيما ) ( هو الرب من يقرع على الصدق بابه * يجده رءوفا بالعباد رحيما ) وقال ابن خلكان توفي في هذه السنة بقزوين وعمره نحو ست وستين سنة ومن تصانيفه العزيز في شرح الوجيز الذي يقول فيه النووي بعد وصفه واعلم أنه لم يصنف في مذهب الشافعي رضي الله عنه ما يحصل لك مجموع ما ذكرته أكمل من كتاب الرافعي ذي التحقيقات بل اعتقادي واعتقاد كل مصنف أنه لم يوجد مثله في الكتب السابقات ولا المتأخرات فيما ذكرته من المقاصد المهمات والرافعي منسوب إلى رافعان بلدة من بلاد قزوين قاله النووي وقال الأسنوي وسمعت قاضي القضاة جلال الدين القزويني يقول أن رافعان بالعجمي مثل الرافعي بالعربي فإن الألف والنون في آخر الاسم عند العجم كياء النسبة في آخره عند العرب فرافعان نسبة إلى رافع قال ثم أنه ليس بنواحي قزوين بلدة يقال هلا رافعان ولا رافع بل هو منسوب إلى جدله يقال له رافع أي وهو رافع بن خديج وحكى ابن كثير قولا أنه منسوب إلى رافع مولى رسول الله وفيها علي بن النفيس بن بوريدان أبو الحسن البغدادي ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وسمع من أبي الوقت ومحمود فورجه وجماعة وتوفي في ذي القعدة وفيها شبل الدولة كافور الحسامي طواشي حسام الدين محمد ولد ست الشام وخادم ست الشام له فوق جسر ثورا من صالحية دمشق المدرسة والتربة والخانقاه وأوقف عليها الأوقاف ونقل لها الكتب الكثيرة وفتح للناس طريقا من الجبل إلى دمشق قريبة على عين الكرش وبنى المصنع الذي على رأس الزقاق والخانقاه للصوفية إلى جانب مدرسته ومصنعا آخر عند مدرسته وكان دينا وافر الحشمة روى عن الخشوعي ودفن بتربته إلى جانب مدرسته وفيها الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن

(5/109)


110
الناصر لدين الله أحمد بن المستضىء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف ابن المقتفى العباسي ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وبويع بالخلافة بعد أبيه في العام الماضي وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا وكان دينا خيرا متواضعا حتى بالغ ابن الأثير وقال أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين وقال أبو شامة كان أبيض مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوي قيل له الا تنفسح قال لقد لقس الزرع فقيل يبارك الله في عمرك فقال من فتح بعد العصر إيش يكسب ثم إنه أحسن إلى الناس وفرق الأموال أبطل المكوس وأزال المظالم وقال الذهبي توفي في ثالث عشر رجب وبويع بعده ابنه المستنصر بالله وفيها أحمد بن عبد المنعم الحكيم البغدادي كان حسن المعرفة بالأدب والطلب ومن شعره ( إذا لم أجد لي في الزمان مؤانسا * وجعلت كتابي مؤنسي وجليسي ) ( وأغلقت بابي دون من كان ذا غنى * وأمليت من مال القناعة كيسي ) وفيها ابن أبي لقمة أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفار المعمر ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة وسمع من هبة الله بن طاووس والفقيه نصر الله المصيصي وجماعة تفرد بالرواية عنهم وأجاز له من بغداد سنة أربعين علي بن الصباغ وطبقته وكان دينا كثير التلاوة والذكر توفي في ثالث ربيع الأول وفيها ابن البيع أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري الزهري سمع من عمه أبي بكر محمد بن أبي حامد ومحمد بن طارد الزينبي وجماعة انفرد بالرواية عنهم وكان شيخا جليلا نبيلا رضيا توفي في شوال وفيها أبو القسم العتابي المابرك بن علي بن أبي الجود الوراق آخر أصحاب ابن الطلاية كان رجلا صالحا توفي في المحرم قال الذهبي حدثنا عنه الأبرقوهي وفيها أبو العز موفق الدين مظفر بن إبراهيم بن جماعة بن علي بن شامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق

(5/110)


111
العيلاني بالعين المهملة نسبة إلى قيس عيلان الحنبلي الأديب الاشعر العروضي الضرير المصري ولد لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر وسمع الحديث من أبي القسم بن البستي وابن الصابوني وأبي طاهر السلفي والبوصيري وغيرهم ولقي جماعة من الأدباء وقال الشعر الجيد وبرع في علم العروض وصنف فيه تصنيفا مشهورا دل على حذقه ومدح جماعة كثيرة من الملوك والشعراء والوزراء وغيرهم وحدث بتصنيفه وبشيء من شعره قال المنذري سمعت منه وكان بقية فضلاء طبقته وذكر ابن خلكان أنه قال دخلت يوما على القاضي هبة الله بن سناء الملك الاشعر فقال لي يا أديب صنفت نصف بيت ولي أيام أفكر في تمامه قلت وما هو قال ( بياض عذارى من سواد عذاره * قلت قد حصل تمامه وأنشدت ) ( كما جل نارى فيه من جلناره * فاستحسنه وعمل عليه ومن ) نظمه الأبيات المشهورة السائرة الرائقة الفائقة ( قالوا عشقت وأنت أعمى * ظبيا كحيل الطرف المى ) ( وحلاه ما عاينتها * فنقول قد شغفتك دهما ) ( وخياله بك في المنام * فما أطاف ولا ألما ) ( من أين أرسل للفؤاد * وِأنت لم تنظره سهما ) ( ومتى رأيت جماله * حتى كساك هواه سقما ) ( وبأي جارحة وصلت * لوصفه نثرا ونظما ) ( والعين داعية الهوى * وبه يتم إذا تنمى ) ( فأجبت أني موسوي * العشق انصاتا وفهما ) ( أهوى بجارحة السماع * ولا أرى ذات المسمى ) وقال ابن خلكان وأخبرني أحد أصحابه أن شخصا قال له رأيت في بعض تآليف أبي العلاء المعري ما صورته أصلحك الله وأبقاك لقد كان من الواجب أن تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي لكي نحدث عهدا بك يا زين

(5/111)


112
الاخلاء فما مثلك من ضيع عهدا وغفل وسأله من أي الأبحر هذا وهل هو بيت واحد أم أكثر فإن كان أكثر فهل أبياته على روى واحد أم هي مختلفة الروى قال فأفكر ساعة ثم أجابه بجواب حسن فلما قال لي المخبر ذلك قلت له اصبر علي حتى أنظر ولا تقل ما قاله ثم أفكرت فيه فوجدته يخرج من بحر الرجز وهذا المجزوء منه وتشتمل هذه الكلمات على أربعة أبيات على روى اللام وهي على صورة يسوغ استعمالها عند العروضيين ومن لم يكن من العروضيين ومن لم يكن له بهذا الفن معرفة فإنه ينكرها لأجل قطع الموصول منها ولا بد من الإتيان بها لتنظر صورة ذلك وهي ( أصلحك الله وأبقاك * لقد كان من ال ) ( واجب أن تأتينا اليوم * إلى منزلنا ال ) ( خالي لكي نحدث عهدا * بك يا زين الاخل ) ( لاء فما مثلك من * ضيع عهدا وغفل ) وهذا إنما يذكره أهل هذا الشأن للمعاياة لا أنه من الأشعار المستعملة فلما استخرجته عرضته على ذلك الشخص فقال هكذا قاله مظفر الأعمى وكانت ولادة مظفر الدين المذكور لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمصر وتوفي بها سحرة يوم السبت من المحرم انتهى ملخصا أي ودفن بسفح المقطم وفيها الجمال المصري قاضي القضاة أبو الوليد يونس بن بدارن بن فيروز بن صاعد بن محمد بن علي الشيبي الشافعي ولد في حدود الخمسين وخمسمائة وسمع من السلفي وولى الوكالة السلطانية بالشام ودرس بالأمينية ثم ولى القضاء ودرس بالعادلية واختصر الام للشافعي ولم يكن بذاك المحمود في الولاية توفي في ربيع الآخر ودفن بداره بقرب القلبجية وقد تكلم في نسبه

(5/112)


113
سنة أربع وعشرين وستمائة فيها جاء الخبر إلى السلطان جلال الدين وهو بتوريز أن التتار قد قصدوا أصبهان وبها أهله فسار إليها وتأهب للملتقى فلما التقى الجمعان خذله أخوه غياث الدين وولى وتبعه جهان بهلوان فكسرت ميمنته ميسرة التتار ثم حملت ميسرته على ميمنة التتار فطحنتها أيضا وتباشر الناس بالنصر ثم كرت التتار مع كمينها وحملوا حملة واحدة كالسيل وقد أقبل الليل فزالت الأقدام وقتلت الأمراء واشتد القتال وتداعى بنيان جيش جلال الدين وثبت هو في طائفة يسيرة واحتيط به فانهزم على حمية وطعن طعنة لولا الأجل لتلف وتمزق جيشه وكانت ملحمة لم يسمع بمثلها في الملاحم في انهزام كلا الفرقين وذلك في رمضان قاله في العبر وفيها في رمضان قبل المصاف بأيام اتفق موت جنكزخان طاغية التتار وسلطانهم الأعظم الذي خرب البلاد وأباد الأمم وهو الذي جيش الجيوش وخرج بهم من بادية الصين فدانت له المغول وعقدوا له عليهم وأطاعوه ولا طاعة الأبرار للملك القهار واسمه قبل الملك تمر حين ومات على الكفر وكان من دهاة العلام وأفراد الدهر وعقلاء الترك وهو جد ابني العم بركة وهولاكو وفيها توفي قاضي حران أبو بكر عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر الفقيه الحنبلي المقري رحل إلى بغداد وتفقه بها وسمع الحديث من شهدة وابن شاتيل وطبقتهما ورحل إلى واسط وقرأ بها القراءات بالروايات فقال ابن حمدان الفقيه سمعت عليه أشياء قال وكان مشهورا بالديانة والصيانة متوحدا في فنه وفي فنون القراءة وجودة أدائها وصنف في القراءات وعاش خمسا وسبعين سنة وفيها عبد الله بن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني سمع أباه ونصر بن المظفر وعلي بن محمد المشكاني راوي

(5/113)


114
تاريخ البخاري وجماعة توفي في شعبان وفيها البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور المقدسي الفقيه الحنبلي الزاهد بهاء الدين أبو محمد ابن عم البخاري ولد سنة خمس وقيل ست وخمسين وخمسمائة وسمع بدمشق من ابن أبي الصقر وغيره ورحل إلى بغداد وسمع بها من شهدة وعبد الحق اليوسفي وطبقتهما وسمع بحران من أحمد بن أبي الوفاء الفقيه ويقال أنه تفقه ببغداد على ابن المنى وبالشام على الشيخ موفق الدين ولازمه وصنف التصانيف منها شرح عمدة الشيخ موفق الدين وهو في مجلد نص في أوله أن الماء لا ينجس حتى يتغير مطلقا ويقال أنه شرح المقنع أيضا قال سبط ابن الجوزي كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس ثم انتقل إلى دمشق قال وكان صالحا ورعا زاهدا غازيا مجاهدا جوادا سمحا وقال المنذري كان فيه تواضع وحسن خلق وأقبل في آخر عمره على الحديث إقبالا كليا وكتب منه الكثير وحدث بنابلس والشام توفي رحمه الله في سابع ذي الحجة ودفن من يومه بسفح قاسيون وفيها قاضي القضاة ابن السكري عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي بن علي المصري الشافعي تفقه علي الشهاب الطوسي وبرع في المذهب وأفتى وولي القضاء بالقاهرة وخطابتها وحدث وأفتى ودرس وله حواش على الوسيط مفيدة ومصنف في مسئلة الدور وعزل قبل موته من القضاء بسبب أنه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع ويحكى عنه أنه عزل الشيخ عبد الرحمن النويري لحكمه بالمكاشفات فقال النويري عزلته وعزلت ذريته فعزل عبد ذلك وفيها حجة الدين الحقيقي أبو طالب عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري الشافعي الصوفي ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة وتفقه بهمذان وعلق التعليقة على الفخر البوقاني وسمع بأصبهان من الترك وجماعة وببغداد من ابن شاتيل وبدمشق ومصر وكان كثير الأسفار والعبادة والتهجد صاحب أوراد وصدق وعزم جاور مدة

(5/114)


115
بمكة وتوفي في صفر وفيها الملك المعظم سلطان الشام شرف الدين عيسى بن العادل الحنفي الفقيه الأديب ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وخمسمائة وحفظ القرآن وبرع في الفقه وشرح الجامع الكبير في عدة مجلدات بإعانة غيره ولازم الاشتغال زمانا وسمع المسند لابن حنبل وله شعر كثير وكان عديم الالتفات إلى النواميس وأبهة الملوك ويركب وحده مرارا ثم تتلاحق به مماليكه وكان فيه خير وشر كثير سامحه الله تعالى قال ابن الأهدل كان حنفيا شديد التعصب لمذهبه ولم يكن في بني أيوب حنفي سواه وتبعه أولاده وكان قد شرط لمن حفظ المفصل للزمخشري مائة دينار وخلعة فحفظه جماعة لهذا السبب وكان من النجباء الأذكياء انتهى وقال غيره ومن شعره وقد مرض بالحمى ( زارت ممحضة الذنوب وودعت * تبا لها من زائر ومودع ) ( باتت معانقتي كأني حبها * ومقيلها ومبيتها في أضلعي ) ( قالت وقد عزمت على ترحالها * ماذا تريد فقلت أن لا ترجعي ) وله ( هجم الشتاء ونحن بالبيداء * فدفعت شرته بصوت غناء ) ( وجمعت قافات يزول بجمعها * هم الشتاء ولوعة البرحاء ) ( قدح وقانون وقاني قهوة * مع قينة في قبة زرقاء ) ومرض ابن عنين فكتب إليه ( أنظر إلي بعين مولى لم يزل * يولي الندى وتلاف قبل تلافي ) ( أنا كالذي أحتاج ما تحتاجه * فاغنم ثوابي والثناء الوافي ) فجاء إليه فعاده ومعه صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال هذه الصلة وأنا العائد وهذه لو وقعت لاكابر النحاة لاستحسنت منه فكيف هذا الملك توفى رحمه الله في سلخ ذي القعدة وقال ابن خلكان توفي يوم الجمعة مستهل

(5/115)


116
ذي الحجة بدمشق ودفن في قلعتها ثم نقل إلى الصالحية ودفن في مدرسته هناك بها قبور جماعة من إخوته وأهل بيته تعرف بالمعظمية انتهى وفيها الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام عميد الدين أبو الفرج البغدادي الكاتب ولد في أول سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وسمع من جده أبي الفتح وأبي الفضل الأرموي ومحمد بن أحمد الطرائفي وطائفة وتفرد بالرواية عنهم ورحل الناس إليه توفي في الرابع والعشرين من المحرم وهو من بيت حديث وأمانة سنة خمس وعشرين وستمائة فيها توفى اللبلي بالباء الموحدة نسبة إلى لبلة بلد بالأندلس المحدث الرحال محب الدين أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي طوف وسمع من ابن طبرزد والمؤيد الطوسي وطبقتهما وكان من وجوه أهل لبلة توفى في رجب بدمشق كهلا وفيها ابن طاووس أبو المعالي أحمد بن الخضر ابن هبة الله بن أحمد الصوفي أخو هبة الله سمع من حمزة بن كروس وكان عريا من الفضيلة توفي في رمضان قاله في العبر وفيها أحمد بن شرويه بن شهر دار الديلمي أبو مسلم الهمداني روى عن جده ونصر بن المظفر البرمكي وأبو الوقت وطائفة وتوفى في شعبان وفيها أبو منصور ابن البراح أحمد بن يحيى بن أحمد البغدادي الصوفي راوي سنن النسائي عن أبي زرعة وسمع أيضا من ابن البطي وكان صالحا عابدا توفى في المحرم وفيها ابن بقي قاضي الجماعة أبو القسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد الأموي مولاهم البغوي القرطبي سمع جده أبا الحسن ومحمد بن عبد الحق الخزرجي وأجاز له شريح وجماعة وكان ظاهري المذهب مسند أهل المغرب وعالمهم ورئيسهم ولى القضاء بمراكش مضافا إلى الغاية العليا وغير ذلك توفى

(5/116)


117
في نصف رمضان وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة وآخر من روى عنه عبد الله بن هرون الطائي وفيها داود بن رستم بن محمد بن أبي سعيد الحراني الحنبلي ببغداد ودفن بباب حرب سمع من نصر القزاز وغيره وصفه المنذري بأنه رفيقه وذكره ابن النجار وأنه ناطح الستين وفيها أبو علي الجواليقي الحسن بن إسحق بن العلامة أبي منصور موهوب بن أحمد البغدادي روى عن ابن ناصر وعن أبي بكر بن الزاغوني وجماعة وكان ذا دين ووقار وفيها النفيس بن البن أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القسم الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي تفرد عن جده بحديث كثير وكان ثقة حسن السمت والديانة توفى في شعبان وفيها القاضي الإمام جمال الدين عبد الرحيم بن شيث القرشي جمع الله له بين الفضل والمروءة والكرم والفتوة كان كثير الصدقات وكان القاضي الفاضل يحتاج إليه في علم الرسائل كتب إليه أبو المظفر كتابا يتشوق إليه فأجابه ( وافى كتابك وهو الروض مبتسما * عن ثغر در طغى من بحرك الطامي ) ( وكان عندي كالماء الزلال وقد * تناولته يمين الحائم الظامي ) ( لله نفحة فضل منه رحت بها * نشوان أسحب أذيالي وأكمامي ) تولى الوزارة للملك المعظم بالشام ونشأ بقوص ومات بدمشق ودفن بتربته بقاسيون وفيها ابن عفيجة أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي ثم البغدادي البيع أجاز له في سنة بضع وثلاثين وخمسمائة أبو منصور ابن خيرون وأبو محمد سبط الخياط وطائفة سمع من ابن ناصر توفي في ذي الحجة وفيها محمد بن النفيس بن محمد بن إسمعيل بن عطاء أبو الفتح البغدادي الصوفي سمع الصحيح من أبي الوقت وتوفي في القعدة وفيها أبو محمد عبد المحسن بن عبد الكريم بن ظافر بن رافع

(5/117)


118
الحصري المصري الحنبلي الفقيه ولد في أوائل سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بمصر وسمع بها من أبي إسحق إبراهيم بن هبة الله وجماعة كثيرة ورحل إلى دمشق فتفقه بها على الشيخ موفق الدين وانقطع إليه مدة وتخرج به وسمع منه ومن أبي الفتوح البكري وغيرهما وسمع بحران من الحافظ عبد القادر الرهاوي وحدث بحمص وبمصر وكتب بخطه وحصل كسبا وتوجه إلى الحج فغرق وذهب جميع ما معه وعاد إلى مصر مجردا من جميع ما كان معه ولم يزل على سداد وأمر جميل إلى أن توفي في ثالث جمادى الآخرة بمصر ودفن بسفح المقطم قاله ابن رجب سنة ست وعشرين وستمائة فيها سلم الكامل القدس الشريف لملك الفرنج بعد أن كاتبه الانبرور ملكهم في العام الماضي يقول أنا عتيقك وتعلم أني أكبر مغول الفرنج وأنت كاتبتني بالمجيء وقد علم البابا والملوك باهتمامي فإن رجعت خائبا انكسرت حرمتي وهذه القدس هي أصل دين النصرانية وأنتم قد خربتموها وليس لها دخل طائل فإن رأيت أن تنعم علي بقبضة البلد ليرتفع رأسي بين الملوك وأنا التزم بحمل دخلا لك فلان له وسلمه إياها في هذا العام فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم اتبع فعله هذا بحصار دمشق وأذية الرعية وجرت بين عسكره وعسكر الناصر وقعات وقتل جماعة في غير سبيل الله وأحرقت الخانات ودام الحصار أشهرا ثم وقع الصلح في شعبان ورضى الناص بالكرك ونابلس فقط ثم سلم دمشق إلى أخيه الأشرف بعد شهر وأعطاه الأشرف حران والرقة والرها وغير ذلك وفيها توفى أبو القسم بن صصرى مسند الشام شمس الدين الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد التغلبي الدمشقي الشافعي ولد سنة بضع وثلاثين وسمع من جده لأبيه وجده لأمه عبد الواحد

(5/118)


119
ابن هلال وأبي القسم بن البن وخلق كثير وأجاز له علي بن الصباغ وأبو عبد الله بن السلال وطبقتهما ومشيخته في سبعة عشر جزءا توفى في الثالث والعشرين من المحرم وفيها أمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي بن الأبنوسي روت الكثير عن أبيها وتفردت عنه وتوفيت في المحرم أيضا وتلقب بشرف النساء وكانت صالحة خيرة وفيها ابن البابرايا موفق الدين أبو المعالي عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ الفقيه الحنبلي المعدل ثم الحاكم أبو محمد ويقال أبو الفضل ويقال أبو المعالي سمع من عبد الحق اليوسفي وابن شاتيل ونصر الله القزاز وابن المنى وابن الجوزي وغيرهم وتفقه علي ابن المنى وبرع وناظر وقرأ الوعظ على ابن الجوزي ووعظ قال ابن النجار كان حسن الأخلاق فاضلا مناظرا وله يد في الوعظ وقال ابن رجب وقد حدث وسمع منه غير واحد منهم ابن النجار وأجاز للمنذري ولابن أبي الجيش وقال عنه كان من العجم وتوفي ليلة الإثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة فجأة ودفن بمقبرة الإمام أحمد رحمه الله وفيها بهاء الدين أبو العباس أحمد بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي أخو الشهاب والناصح وكان أكبر الأخوة ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع من أبي الفضل بن الشهرزوري وحدث عن الحيص بيص الشاعر وأجاز للمنذري وتوفي في حادي عشرى ذي القعدة بدمشق ودفن بالجبل وفيها الحاجب علي حسام الدين نائب خلاط للملك الأشرف كان شهما مقداما موصوفا بالشجاعة والسياسة والحشمة والبر والمعروف قبض عليه الأشرف على يد مملوكه عز الدين أيبك فلم يمهل الله أيبك ونازله خوارزم شاه وأخذ خلاط وأخذ أيبك وجماعة وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن أبي حرب بن النرسي الكاتب الشاعر روى عن أبي محمد بن المادح وهبة الله الشبلي وله ديوان شعر توفى في جمادى الآخرة

(5/119)


120
وفيها الملك المسعود أفسيس بن الكامل وأفسيس بلغة اليمن موت كان جبارا عنيدا حج مرة فكان يرمى بالبندق وكان غلمانه يدخلون الحرم ويضربون الناس بالسيوف ويقولون مهلا فإن الملك نائم سكران ونادى مرة في بلاد اليمن من أراد السفر من التجار إلى الديار المصرية والشامية صحبة السلطان فليتجهز فجاء التجار من السند والهند بأموال الدنيا والجواهر ولما تكاملت المراكب بزبيد قال اكتبوا لي بضائعكم لأحميها من الزكاة فكتبوها له فصار يكتب لكل تاجر برأس ماله إلى بعض بلاد اليمن ويستولي على ماله فاستغاثوا وقالوا فينا من له عن أهله سنين فلم يلتفت إليهم فقالوا خذ مالنا وأطلقنا فلم يلتفت إليهم أيضا فعبأ ثقله في خمسمائة مركب ومعه ألف خادم ومائة قنطار عنبر وعود ومسك ومائة ألف ثوب ومائة صندوق أموال وجواهر وركب الطريق إلى مكة فمرض مرضا مزمنا فوصل إلى مكة وقد أفلج ويبست يداه ورجلاه ورأى في نفسه العبر ثم مات فدفنوه في المعلى وضرب الهوى بعض المراكب فجرعت إلى زبيد فأخذها أصحابها وفيها نجم الدين يعقوب بن صاب المنجنيقي كان فاضلا أديبا شاعرا برع على أهل صناعته في علم المنجنيق ومن شعره ( وكنت سمعت أن النجم عند * استراق السمع يقذف بالرجوم ) ( فلما إن علوت وصرت نجما * رجمت بكل شيطان رجيم ) وله ( كلفت بعسلم المنجنيق ورميه * لهدم الصياصي وافتتاح المرابط ) ( وعدت إلى نظم القريض لشقوتي * فلم أخل في الحالين من قصد خابط ) وله في الصوفية ( قد لبسوا الصوف لترك الصفا * مشايخ العصر لشرب العصير ) ( وقصروا للعشق أثوابهم * شر طويل تحت ذيل قصير )

(5/120)


121
وفيها أبو نصر المهذب بن علي بن قنيدة الأزجي الخياط المقرىء روى عن أبي الوقت وجماعة وتوفى في شوال وفيها أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي الجنس الحموي المولد البغدادي الدار الملقب شهاب الدين أخذ من بلاده صغيرا وابتاعه ببغداد رجل تاجر يعرف بعسكر الحموي وجعله في الكتاب لينتفع به في ضبط تجايره وكان مولاه عسكر لا يحسن الخط ولا يعلم سوى التجارة فشغله مولاه بالأسفار في متاجره فكان يتردد إلى نعمان والشام وجرت بينه وبين مولاة نبوة أوجبت عتقه والبعد عنه فاشتغل بالنسخ بالأجرة وحصلت له بالمطالعة فوائد ثم إن مولاه بعد مديدة ألوى عليه وأعطاه شيئا وسفره إلى كيش ولما عاد كان مولاه قد مات فحصل شيئا مما كان في يده وأعطاه أولاد مولاه وزوجته وأرضاهم به وبقي بيده بقية جعلها رأس ماله وسافر بها وجعل بعض تجارته كتبا وكان متعصبا على علي رضي الله عنه وكان قد اطلع على شيء من كتب الخوارج فعلق في ذهنه منها طرف قوي وتوجه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة وقعد في بعض أسواقها وناظر بعض من يتعصب لعلي رضي الله عنه وجرى بينهما كلام أدى إلى ذكر علي رضي الله عنه بما لا يسوغ فثار عليه الناس ثورة كادوا يقتلونه فسلم منهم وخرج من دمشق منهزما بعد أن بلغت القصة إلى والي البلد فطلبه فلم يقدر عليه ووصل إلى حلب خائفا يترقب وخرج منها إلى الموصل ثم انتقل إلى اربل وسلك منها إلى خراسان ووصل إلى خوارزم فصادف خروج التتار فانهزم بنفسه كبعثة يوم الحشر من رمسه وقاسى في طريقه من الضائقة والتعب ما يكل اللسان عن شرحه ووصل إلى الموصل وقد تقطعت به الأسباب ثم انتقل إلى سنجار وارتحل إلى حلب وأقام بظاهرها في الخان إلى أن مات وكان قد تتبع التواريخ وصنف كتابا سماه ارشاد الالباء إلى معرفة الأدباء يدخل في أربع مجلدات وهو في نهاية الحسن والامتاع وكتاب معجم

(5/121)


122
البلدان ومعجم الأدباء ومعجم الشعراء والمشترك وضعا المختلف صقعا وهو من الكتب النافعة والمبدأ والمال في التاريخ والدويل ومجموع كلام أبي علي الفارسي وعنون كتاب الأغاني والمقتضب في النسب يذكر فيه انساب العرب وأخبار المتنبي وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف قال ابن خلكان وكانت ولادته في سنة أربع وسبعين وخمسمائة ببلاد الروم وتوفي يوم الأحد العشرين من رمضان في الخان بظاهر مدينة حلب وقد كان أوقف كتبه على مسجد الزيدي بدرب دينار ببغداد وسلمها إلى الشيخ عز الدين بن الأثير صاحب التاريخ الكبير ولما تميز ياقوت واشتهر سمى نفسه يعقوب ولقد سمعت الناس عقيب موته يثنون عليه ويذكرون فضله وأدبه ولم يقدر لي الاجتماع به انتهى ملخصا ومن شعره في غلام تركي رمدت عينه فجعل عليها وقابة سوداء ( ومولد للترك تحسب وجهه * بدرا يضيء سناه بالإشراق ) ( أرخى على عينيه فضل وقاية * ليرد فتنتها عن العشاق ) ( تالله لو أن السوابغ دونها * نفدت فهل لوقاءه من واق ) وفيها يوسف بن أبي بكر السكاكي صاحب المفتاح أخذ عن شيخ الإسلام محمود بن صاعد الحارثي وعن سديد بن محمد الحناطي وكان حنفيا إماما كبيرا عالما بارعا متبحرا في النحو والتصريف وعلم المعاني والبيان والعروض والشعر أخذ عنه علم الكلام مختار بن محمود الزاهد صاحب القنية قاله ابن كمال باشا في طبقاته سنة سبع وعشرين وستمائة فيها خاف أهل الشام وغيرها من الخوارزمية وعرفوا أنهم أن ملكوا بهم عملوا بهم كل نحس فاصطلح الأشرف وصاحب الروم علاء الدين

(5/122)


123
واتفقوا على حرب جلال الدين وساروا فالتقوه في رمضان فكسروه واستباحوا عسكره ولله الحمد وهرب جلال الدين بأسوأ حال ووصل إلى خلاط في سبعة أنفس وقد تمزق جيشه وقتلت أبطاله فأخذ حريمه وما خف حمله وهرب إلى أذربيجان ثم أرسل إلى الملك الأشرف في الصلح وذلك وأمنت خلاط وشرعوا في إصلاحها قال الموفق عبد اللطيف هزم الله خوارزمية بأيسر مؤونة بأمر ما كان في الحساب فسبحان من هدم ذاك الجبل الراسي في لمحة ناظر وفيها توفى أبو العباس أحمد بن فهد بن الحسين بن فهد العلثي الفقيه الحنبلي سمع من أبي شاكر السقلاطوني وشهدة وغيرهما وتفقه على ابن المنى وكان حسن الكلام في مسائل الخلاف وفيه صلاح وديانة وكان زيه زي العوام في ملبسه وحدث وسمع منه جماعة وتوفى ليلة الثلاثاء ثاني عشر شعبان وفيها زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي الشافعي روى عن أبي العشاير محمد بن خليل وعبد الرحمن الداراني والفلكي وطائفة وكان صالحا خيرا من سروات الناس حسن السمت تفقه على جمال الأئمة علي بن الماسح وولى نظر الخزانة والأوقاف ثم تزهد عاش ثلاثا وثماينن سنة وتوفى في صفر وفيها أبو الذخر خلف بن محمد بن خلف الكنري البغدادي الحنبلي ولد بكنر من قرى بغداد سنة خمس وأربعين وخمسمائة وحفظ بها القرآن وتفقه في المذهب ثم سافر إلى الموصل واستوطنها وسمه بها من الخطيب أبي الفضل الطوسي ويحيى الثقفي وغيرهما وحدث وأقرأ القرآن وكتب عنه الناس وكان متدينا صالحا حسن الطريقة توفي في المحرم بالموصل وفيها راجح بن إسمعيل الحلى الأديب شرف الدين صدر نبيل مدح الملوك بمصر والشام والجزيرة وسار شعره توفي في شعبان وفيها أبو الخير موفق الدين سلامة بن صدقة بن سلامة بن الصولي الحراني

(5/123)


124
الفقيه الحنبلي الفرضي سمع ببغداد من أبي السعادات القزاز وغيره وتفقه بها قال ابن حمدان كان من أهل الفتوى مشهورا بعلم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة سمعت عليه كثيرا من الطبقات لابن سعد وقرأ عليه ما صنفه في الحساب والجبر والمقابلة وأجوبته في الفتوى غالبا نعم أولا وقال ابن رجب قال المنذري لنا منه إجازة وقال الصولي بفتح الصاد المهملة الإسكاف هكذا تقوله أهل بلده ورأيت على مقدمة من تصنيفه في الفرائض ابن الصولية ولم تضبط الصاد بشيء توفي في المحرم بحران وفيها أبو بكر عبد الله بن معالي بن أحمد بن الرياني المقرىء الفقيه الحنبلي تفقه على أبي الفتح ابن المنى وغيره وسمع منه ومن شهدة وغيرهما وحدث قال ابن نقطة سمعت منه أحاديث وهو شيخ حسن وقال ابن النجار كان صالحا حسن الطريقة وشهد عند القضاة وحدث باليسير وتوفي يوم الجمعة خامس جمادى الأولى ودفن بمقبرة الإمام أحمد وهو منسوب إلى الريان بفتح الراء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف نون محلة بشرقي بغداد وفيها سليمان بن أحمد بن أبي عطاف المقدسي الحنبلي نزيل حران تفقه بها وحدث عن أبي الفتح ابن أبي الوفا الفقيه وتوفي بها في ثاني عشر جمادى الأولى وفيها أبو محمد عبد السلام بن عبد الرحمن بن الشيخ العارف معدن الحكم والمعارف أبي الحكم بن برجان اللخمي المغربي ثم الاشبيلي حامل لواء اللغة بالأندلس أخذ عن أبي إسحق بن ملكوب وتوفي في جمادى الأولى قاله ابن الأهدل وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الحربي المؤدب روى عن أبي الوقت وغيره وتوفي في ربيع الأول وفيها عبد السلام بن عبد الرحمن بن الأمين علي بن علي بن سكينة علاء الدين الصوفي البغدادي سمع أبا الوقت ومحمد بن أحمد البرمكي وجماعة كثيرة

(5/124)


125
وتوفي في صفر وفيها أبو يحيى زكريا بن يحيى القطفتي بضمتين وسكون الفاء وفوقية مثناة نسبة إلى قطفتا محلة ببغداد ولد سنة أربع أو خمس وأربعين وخمسمائة وتفقه في مذهب أحمد وسمع من يحيى بن موهوب وحدث وتوفي في جمادى الأولى ببغداد ودفن بمقبرة معروف قاله المنذري في وفياته وفيها أبو الفتوح عبد الرحمن بن عرند الدنيسري محتسب دنيسر بلدة قرب ماردين كان فصيحا شاعرا فيه فضيلة تامة حبسه صاحب ماردين فمات في السجن ومن شعره ( تزايد في هوى أملي جنوني * وأورث مهجتي سقما شجوني ) ( وصرت أغار من نظر البرايا * عليه ومن خيالات الظنون ) ( ويعذب لي عذابي في هواه * وهذا نص معتقدي وديني ) وله ( لا والذي بيده البرء والسقم * مالي سوى وجنتيه في الهوى قسم ) ( أحوى حوى السحر في أجفانه وعلى * خديه من مهجات المدنفين دم ) ( مزنر الخصر واشوقي إلى خصر * في فيه يقصر عنه البارد الشيم ) ( كالماء جسما ولكن قلبه حجر * فما سباني إلا وهو لي صنم ) وفيها الصد رفخر الدين أبو بكر محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي المعدل من بيت أمانة وصيانة ودين كان أجمل أهل بيته وأحسنهم خلقا ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع من السلفي وابن عساكر وكان رئيسا سريا صاحب أخبار وتواريخ مجانا خليعا من غير ذكر فاحشة وكان متولعا بست الشام يتولى أمر ديوانها وفوضت إليه أوقافها وترك الولايات في آخر عمره وكان له تجار يسافرون في تجارته وله نظم وعنده كتب كثيرة

(5/125)


126
توفي بدمشق ودفن بالباب الصغير وفيها فخر الدين بن شافع محمد بن أحمد بن صالح بن شافع بن صالح بن حاتم الجيلي ثم البغدادي المعدل الحنبلي أبو المعالي ولد ببغداد ليلة الجمعة سادس عشرى جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة وتوفي والده وله سنة وشهور فتولاه خاله أبو بكر بن مشق وأسمعه الكثير من خلق منهم السقلاطوني وابن الرحلة وشهدة وقرأ القرآن بالرويات وتفقه في المذهب قال ابن النجار كان طيب النغمة في قراءة القرآن والحديث ويفيد الناس إلى آخر عمره وكان متدينا صالحا حسن الطريقة جميل السيرة وقورا صدوقا أمينا كتبت عنه ونعم الرجل وقال ابن نقطة ثقة مكثر حسن السمت وقال ابن الساعي ثقة صالح جميل الطريقة من بيت العدالة والرواية وقال ابن النجار توفي يوم الأحد رابع رجب ودفن عند آبائه بدكة الإمام أحمد سنة ثمان وعشرين وستمائة لما علمت التتار بضعف جلال الدين خوارزم شاه بادروا إلى أذربيجان فلم يقدم على لقائهم فملكوا مراغة وعاثوا وبدعوا وتفرق جنده فبيته التتار ليلة فنجا بنفسه وطمع الأكراد والفلاحون وكل أحد في جنده وتخطفوهم وانتقم الله منهم وساقت التتار إلى ماردين يسبون ويقتلون ودخلوا إلى أسعرد فقتلوا نيفا وعشرين ألفا وأخذوا من البنات ما أرادوا ووصلوا إلى أذربيجان ففعلوا كذلك واستقر ملكهم بما وراء النهر وبقيت مدن خراسان خرابا لا يجسر أحد يسكنها وفيها توفي أبو نصر بن النرسي أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن هبة الله البغدادي البيع روى عن أبي الوقت وجماعة وتوفي في رجب وفيها الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر بهرام شاه بن فروخ شاه بن شاهنشاه

(5/126)


127
ابن أيوب بن شادي صاحب بعلبك تملكها بعد والده خمسين سنة وكان جودا كريما شاعرا محسنا قتله مملوك له جميل بدمشق في شوال وسببه أنه سرقت له دواة من ذهب تساوي مائتي دينار فظهرت عند هذا المملوك فحبسه في خزانة في داره فلما كان ليلة الأربعاء ثامن شوال فتح الخزانة بسكين كانت معه قلع بهارزة الباب وأخذ سيف الأمجد وكان يلعب بالشطرنج فضربه حل كتفه وطعنه بالسيف في خاصرته فمات وهرب المملوك فثارت عليه المماليك وقتلوه ودفن الأمجد بتربة أبيه على الشرف الشمالي ومن شعره في مليح يقطع بانا ( من لي باهيف قال حين عتبته * في قطع كل قضيب بان رائق ) ( تحكي شمائله الرشاق إذا انثنى * ريان بين جداول وحدائق ) ( سرقت غصون البان لين معاطفي * فقطعتها والقطع حد السارق ) ورؤى في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال ( كنت من ذنبي على وجل * زال عني ذلك الوجل ) ( أمنت نفسي بوائقها * عشت لما مت يا رجل ) وفيها جلدك التقوى الأمير ولي نياية الأسكندرية وسد الديار المصرية وكان أديبا شاعرا روى عن السلفي ومولاه هو صاحب حماة تقي الدين عمر توفي في شعبان وفيها الزين الكردي محمد بن عمر المقرىء أخذ القراءات عن الشاطبي وتصدر بجامع دمشق مع السخاوي وفيها المهذب الدخوار عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي شيخ الطب وواقف المدرسة التي بالصاغة العتيقة على الأطباء ولد سنة خمس وستين وخمسمائة وأخذ عن الموفق بن المطران والرضى الرحبي وأخذ الأدب عن الكندي وانتهت إليه معرفة الطب وصنف التصانيف فيه وحظي عند الملوك ولما تجاوز سن الكهولة عرض له طرف خرس حتى بقي لا يكاد يفهم كلامه واجتهد في علاج نفسه فما أفاد

(5/127)


128
بل ولد له أمراضا وكان دخله في الشهر مائة وخمسون دينارا وله أقطاع تعدل ستة آلاف وخمسمائة دينار ولما ثقل لسانه كان الجماعة يبحثون بين يديه فيكتب لهم ما أشكل عليهم في اللوح واستعمل المعاجين الحادة فعرضت له حمى قوية أضعفت قوته وزادت إلى أن سالت عينه وفيها ناصح الدين أبو محمد عبد الوهاب بن زاكي بن جميع الحراني الفقيه الحنبلي نزيل دمشق سمع بحران من عبد القادر الرهاوي قال ابن حمدان كان فاضلا في الأصلين والخلاف والعربية والنثر والنظم وغير ذلك رحل إلى بغداد وقرأت عليه الجدل الكبير لابن المثنى ومنتهى السول وغير ذلك وكان كثير المروءة والأدب حسن الصحبة وذكر المنذري انه حدث بشيء من شعريه قال وجميع بضم الجيم وفتح الميم وتوفي خامس ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون وفيها الداهري أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران البغدادي الخفاف الخراز سمع من أبي بكر الزاغوني ونصر العكبري وجماعة وكان عاميا مستورا كثير الرواية توفي في ربيع الأول وفيها ابن رحال العدل نظام الدين علي بن محمد بن يحيى المصري سمع من السلفي وغيره وتوفي في شوال وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الحميري الكتامي الفاسي القطان قاضي الجماعة كان حافظا ثقة مأمونا لكن نقمت عليه أغراض في قضائه قاله ابن ناصر الدين وفيها القاسم بن القاسم الواسطي شاعر فاضل من نظمه ( لا ترد من خيار دهرك خيرا * فبعيد من السراب الشراب ) ( منطق كالحباب يطفو على الكاس * ولكن تحت الحباب الحباب ) ( عذبت في اللقاء ألسنة القوم * ولكن تحت العذاب العذاب ) وله

(5/128)


129 (
ديباج خدك بالعذار مطرز * برزت محاسنه وأنت مبرز ) ( وبدت على غصن الصبا لك روضة * والغصن ينبت في الرياض ويغرز ) ( وجنت على وجنات خدك حمرة * خجل الشقيق بها وحار القرمز ) ( لو كنت مدعيا ملاحة يوسف * لقضى القياس بأن حسنك معجز ) ( أو كان عطفك مثل عطفك لين * ما كان منك تمنع وتعزز ) وفيها ابن عصية أبو الرضا محمد بن أبي الفتح المبارك بن عبد الرحمن الكندي الحربي روى عن أبي الوقت وغيره وتوفي في المحرم وفيها ابن معطي النحوي الشيخ زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي نسبة إلى زواوة قبيلة كبيرة بأعمال إفريقية الفقيه الحنفي ولد سنة أربع وستين وخمسمائة واقرأ العربية مدة بمصر ودمشق وروى عن القاسم بن عساكر وغيره وهو أجل تلامذة الجزولي وانفرد بعلم العربية وصنف الألفية المشهورة وغيرها ومات في ذي القعدة بمصر وقبره قريب من تربة الإمام الشافعي سنة تسع وعشرين وستمائة فيها عاثت التتار لموت جلال الدين ووصلوا إلى شهرزور فأنفق المستنصر بالله في العساكر وجهزهم مع قستم الناصري فانضموا إلى صاحب اربل فتقهقرت التتار وفيها توفي السمذي بكسرتين وتشديد الميم نسبة إلى السمذ وهو الخبز الأبيض يعمل للخواص أبو القاسم أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي الكاتب روى جزء أبي الجهم عن أبي الوقت وبعضهم سماه عليا توفي في المحرم وفيها الشيخ شرف الدين إسمعيل الموصلي ابن خالة القاضي شمس الدين بن الشيرازي كان ينوب عنابن الزكي الشافعي في القضاء وهو على مذهب أبي حنيفة وكان بيده تدريس مدرسة الطرخانية

(5/129)


130
بعث إليه الملك المعظم يقول له أفت بإباحة الأنبذة وما يعمل من الرمان وغيره فقال الشيخ شرف الدين لا أفتح على أبي حنيفة هذا الباب وأنا على مذهب محمد رضي الله عنه في تحريمها وأبو حنيفة لم تتواتر الرواية عنه في إباحتها وقد صح عن أبي حنيفة أنه لم يشربها قط فغضب المعظم وأخرجه من مدرسة طرخان وولاها لتلميذه الزين بن العتال وأقام هو في بيته تتردد الناس إليه لا يغشى أحدا من خلق الله تعالى قانعا باليسير إلى أن مات رحمه الله تعالى وفيها أبو علي الحسين بن المبارك الزبيدي قدم بغداد وسكنها وكان خيرا عارفا بمذهب أبي حنيفة عالي الإسناد سمع أبا الوقت وغيره ومنه الأبرقوهي وفيها أبو الربيع سلمان بن نجاح القوصي سكن دمشق وكان بارعا في الأدب من شعره ( أراك منقبضا عني بلا سبب * وكنت بالأمس يا مولاي منبسطا ) ( وما تعمدت ذنبا استحق به * هذا الصدود لعل الذنب كان خطا ) ( فإن يكن غلط مني على غرر * قل لي لعلي أن أستدرك الغلطا ) وفيها السلطان جلال الدين خوارزم شاه منكوبري بن خوارزم شاه علاء الدين محمد بن خوارزم شاه علاء الدين تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن خوارزم شاه أنز بن محمد الخوارزمي أحد من يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام قال الذهبي لا أعلم في السلاطين أكثر جولانا منه في البلدان ما بين الهند إلى ما وراء النهر إلى العراق إلى فارس إلى كرمان إلى أذربيجان وأرمينية وغير ذلك وحضر مصافا وقاوم التتار في أول جدهم وحدتهم وافتتح غير مدينة وسفك الدماء وظلم وعسف وغدر ومع ذلك كان صحيح الإسلام وكان ربما قرأ في المصحف ويبكي وآل أمره إلى أن تفرق جيشه وقلوا لأنهم لم تكن لهم إقطاع بل أكثر عيشهم من نهب البلاد انتهى وقال غيره انهزم من التتار

(5/130)


131
فرآه فلاح من قرية يقال لها عين دارا راكبا على سرج مرصعا باليواقيت وعلى لجام فرسه الجواهر فشره الفلاح إلى ما كان معه فأنزله فأطعمه فلما نام ضربه بفأس قتله وأخذ ما معه ودفنه فبلغ ذلك شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين فأحضر الفلاح وعاقبه فأقروا وأحضر الفرس والسلاح وكان جلال الدين سدا بين المسلمين والكفار فلما مات انفتح السد وكان يتكلم بالتركية والفارسية انتهى وفيها أبو موسى الحافظ جمال الدين عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سور المقدسي الحنبلي الحافظ ابن الحافظ ولد في شوال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وسمع من عبد الرحمن بن الخرقي بدمشق ومن ابن كليب ببغداد ومن خليل الرازاني بأصبهان ومن الأرياحي بمصر ومن منصور الفراوي بنيسابور وكتب الكثير وعنى بهذا الشأن وجمع وأفاد وتفقه وتأدب وتميز مع الأمانة والديانة والتقوى قال الضياء اشتغل بالفقه والحديث وصار علما من الأعلام حافظا متقنا ثقة وقال عمر بن الحاجب لم يكن في عصره مثله في الحفظ والمعرفة والأمانة وكان كثير الفضل وافر العقل متواضعا مهيبا وقورا جوادا سخيا له القبول التام مع العبادة والورع والمجاهدة وقال الذهبي روى عنه الضياء وابن أبي عمر وابن النجار وجماعة كثيرون ومع هذا فقد غمزه الناصح بن الحنبلي وسبط ابن الجوزي بالميل إلى السلاطين قال ابن رجب والعجب أن هذين الرجلين كانا من أكثر الناس ميلا إلى السلاطين والملوك وتوصلا إليهم وإلى برهم بالوعظ وغيره ولقد كان أبو موسى أتقى لله تعالى وأورع وأعلم منهما وأكثر عبادة وأنفع للناس وبنى الملك الأشرف دار الحديث بالسفح على اسمه وجعله شيخها وقرر له معلوما فمات أبو موسى قبل كمالها توفي رحمه الله يوم الجمعة خامس رمضان ودفن بسفح قاسيون وفيها عبد الغفار بن شجاع المحلى الشروطي روى

(5/131)


132
عن السلفي وغيره ومات في شوال عن سبع وسبعين سنة وفيها عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن محمد بن الطبري سمع من أبي محمد بن المادح وهبة الله بن الشبلي وتوفي في شعبان وفيها الموفق أبو محمد عبد اللطفيف بن يوسف العلامة ذو الفنون البغدادي الشافعي النحوي اللغوي الطبيب الفيلسوف صاحب التصانيف الكثيرة ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة وسمع من جماعة كثيرين منهم ابن البطي وأبو زرعة وتفقه على أبي القسم بن فضلان وأقام بحلب وحفظ كتبا كثيرة ومن تصانيفه شرح مقدمة ابن باب شاد في النحو وشرح المقامات وشرح بانت سعاد والجامع الكبير في المنطق والطبيعي والآلهي في عشر مجلدان والرد على اليهود والنصارى وغريب الحديث في ثلاث مجلدات واختصره وشرح أحاديث ابن ماجه المتعلقة بالطب وحدث ببلدان كثيرة قال الذهبي كان أحد الأذكياء البارعين في اللغة والآداب والطب وعلم الأوائل لكن كثرة دعاويه أزرت به ولقد بالغ القفطي في الحط عليه وظلمه وبخسه حقه سافر من حلب ليحج على العراق فأدركه الموت ببغداد في ثاني عشر المحرم انتهى كلام الذهبي وقال الدبيثي غلب عليه علم الطب والأدب وبرع فيهما ومن كلامه من لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم ومن لم يكدح لم يفلح وفيها الشيخ عمر بن عبد الملك الدينوري الزاهد نزيل قاسيون كان صاحب أحوال ومجاهدات واتباع وهو والد جمال الدين خطيب كفر بطنا وفيها عمر بن كرم بن أبي الحسن أبو حفص الدينوري ثم البغدادي الحمامي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وسمع من جده لأمه عبد الوهاب الصابوني ونصر العكبري وأبي الوقت وأجاز له الكروخي وعمر بن أحمد الصفار الفقيه وطائفة انفرد عن أبي الوقت بأجزاء وكان صالحا توفي في رجب وفيها عيسى بن المحدث عبد العزيز بن عيسى اللخمي الشريشي ثم

(5/132)


133
الأسكندراني المقرىء سمع من السلفي وقرأ القراءات على أبي الطيب عبد المنعم ابن الخلوف ثم ادعى أنه قرأ على ابن خلف الداني وغيره فاتهم وصار من الضعفاء وفجعنا بنفسه توفي في سابع جمادى الآخرة قاله في العبر وفيها الحافظ الرحال أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة ويلقبت معين الدين ومحب الدين أيضا ولد في عاشر رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسمع ببغداد من يحيى بن بوش وابن سكينة وغيرهما ورحل إلى البلدان فسمع بواسط من أبي الفتح بن المنادى وباربل من عبد اللطيف بن أبي النجيب السهروردي وبأصبهان من عفيفة الفارقانية وزاهر بن أحمد وجماعات وبخراسان من منصور الفزاوي والمؤيد الطوسي وغيرهما وبدمشق من أبي اليمن الكندي وابن الحرستاني وداود بن ملاعب وغيرهم وبمصر من ابن الفخر الكاتب وغيره وبالأسكندرية من جماعة من أصحاب السلفي وبمكة من يحيى بن ياقوت وبحران من الحافظ عبد القادر وبحلب من الافتخار الهاشمي وبالموصل من جماعة وبدمنهور ودنيسر وبلاد أخر وعنى بهذا الشأن عناية تامة وبرع فيه وكتب الكثير وحصل الأصول وصنف تصانيف مفيدة ذكره عمر بن الحاجب في معجمه فقال شيخنا هذا أحد الحفاظ الموجودين في هذا الزمان طاف البلاد وسمع الكثير وصنف كتبا حسنة في معرفة علوم الحديث والأنساب وكان إماما زاهدا ورعا ثبتا حسن القراءة مليح الخط كثير الفوائد متحريا في الرواية حجة فيما يقوله ويصنفه ويجمعه من النقل ذا سمت ووقار وعفاف حسن السيرة جميل الظاهر والباطن سخي النفس مع القلة قانعا باليسير كثير الرغبة إلى الخيرات سألت الحافظ الضياء عنه فقال حافظ دين ثقة صاحب مروءة كريم النفس كثير الفائدة مشهور بالثقة حلو المنطق وسألت البرزالي عنه فقال ثقة دين مفيد انتهى وقال المنذري الحافظ أبو بكر

(5/133)


134
ابن نقطة سمعت منه وسمع مني بجيزة فسطاط ومصر وغيرهما وكان أحد المشهورين وقال ابن خلكان دخل خراسان وبلاد الجبل والجزيرة والشام ومصر ولقي المشايخ وأخذ عنهم وكتب الكثير وعلق التعاليق النافعة وذيل على الأكمال لابن ماكولا في مجلدين وله كتاب آخر لطيف في الأنساب وله كتاب التقييد بمعرفة رواة السنن والمسانيد وله غير ذلك وقال ابن رجب روى عنه المنذري والسيف بن المجد وابن الأثرى وابنه الليث بن نقطة وغيرهم وذكر ابن الأنماطي أنه سأله عن نسبته فقال جارية ربت جدتي أم أبي اسمها نقطة عرفنا باسمها توفي في سن الكهولة بكرة يوم الجمعة ثاني عشرى صفر ببغداد ودفن عند قبر أبيه وأبوه الزاهد أبو محمد عبد الغني كان من أكابر الزهاد المشهورين بالصلاح والإيثار وله أتباع ومريدون وبنت له أم الخليفة الناصر مسجدا حسنا ببغداد فانقطع فيه وكان يقصده الناس فيتكلم عليهم وزوجته بجارية من خواصها وجهزتها بنحو من عشرة آلاف دينار فما خال الحول وعندهم من ذلك شيء بل جميع ذلك تصدق به وكان يتصدق في يوم بألف دينا روأصحابه صيام لا يدخر لهم عشاء وقف عليه سائل يلح في الطلب ويصف فقره وأنه منذ كذا لم يجد شيئا فأخرج إليه الهاون وقال خذ هذا كل به في ثلاثين يوما ولا تشنع على الله عز وجل وتوفي ببغداد في رابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة رحمه الله وكان محمد بن نقطة ينشد ( لا تظهرن لعاذل أو عاذر * حاليك في السراء والضراء ) ( فلرحمة المتوجعين مرارة * في القلب مثل شماتة الأعداء ) سنة ثلاثين وستمائة فيها حاصر الملك الكامل آمد وأخذها من صاحبها الملك المسعود

(5/134)


135
مودود ضربها بالمجانيق فلما رأى المسعود الغلبة خرج وفي رقبته منديل فرسم عليه وتسلم منه البلد وطلب منه تسليم القلاع فسلم الجميع الأحصن كيفا فعذبه بأنواع العذاب وكان يبغضه وكان المسعود فاسقا يأخذ الحرم غصبا حتى وجدوا في قصره خمسمائة حرة من بنات الناس وفيها توفي بهاء الدين التنوخي القاضي إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله الشافعي الكاتب البليغ والد تقي الدين إسمعيل روى بالإجازة عن شهدة وولى قضاء المعرة في صباه خمس سنين فقال ( وليت الحكم خمسا وهي خمس * لعمري والصبا في العنفوان ) ( فكم تضع الأعادي قدر شاني * ولا قالوا فلان قد رشاني ) توفي في المحرم وفيها إدريس بن السلطان يعقوب بن يوسف أبو العلاء المأمون بايعوه بالأندلس ثم جاء إلى مراكش وملكها وعظم سلطانه وكان بطلا شجاعا ذا هيبة شديدة وسفك للدماء قط ذكر ابن تومرت من الخطبة ومات غازيا والله يسامحه وفيها إسمعيل بن سليمان بن إيداش أبو طاهر الحنفي ابن السلار حدث عن الصاين هبة الله وعبد الخالق بن أسد وتوفي في ذي القعدة وفيها الأوهى بفتحتين نسبة إلى أوه قرية بين زنجان وهمذان الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف نزيل بيت المقدس أكثر عن السلفي وجماعة وكان عبدا صالحا قانتا لله صاحب أحوال ومجاهدات له أجزاء يحدث منها توفي في عاشر صفر وفيها الحسن بن السيد الأمير علي بن المرتضى أبو محمد العلوي الحسيني آخر من سمع من ابن ناصر يروى عنه كتاب الذرية الطاهرة توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وسماعه في لخامسة من عمره قاله في العبر وفيها صفي الدين أبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن سالم بن محمد بن باقا الغدل البغدادي الحنبلي التاجر ولد في رمضان سنة خمس وخمسين

(5/135)


136
وخمسمائة ببغداد وقرأ القرآن وسمع من أبي زرعة وابن بندار وابن النقور وابن عساكر علي وخلق وقرأ طرفا من الفقه علي ابن المنى واستوطن مصر إلى أن مات وشهد بها عند القضاة وحدث بالكثير إلى ليلة وفاته وكان كثير التلاوة للقرآن قال ابن النجار كان شيخا جليلا صدوقا أمينا حسن الأخلاق متواضعا وسمع منه خلق كثير من الحفاظ وغيرهم منهم ابن نقطة وابن النجار والمنذري وحدث عنه خلق كثير وتوفي سحر تاسع عشر رمضان بالقاهرة ودفن بسفح المقطم وفيها القاضي أبو المعالي أحمد بن يحيى بن قائد الأواني الحنبلي ولاه أبو صالح الجيلي قضاء دجيل وله نظم حدث ببعضه توفي باوانا في جمادى الأولى وكان ابن عم أبي عبد الله محمد بن أبي المعالي بن قائد الأواني وكان زاهدا قدوة ذا كرامات حكى عنه الشيخ شهاب الدين السهروردي وغيره حكايات قال الناصح بن الحنبلي زرته أنا ورفيق لي فقدم لنا العشاء وعنده جماعة كثيرة ولم أر إلا خبزا وخلا وبقلا فتحدث على الطعام ثم قال ضاف عيسى بن مريم أقوام فقدم لهم خبزا وخلا وقال لو كنت متكلفا لأحد شيئا لتكلفت لكم قال فعرفت أنه قد عرف حالي دخل عليه رجل من الملاحدة في رباطه وهو جالس وحده فقتله فتكا رضي الله عنه ودفن في رباطه وقتل قاتله وأحرق وفيها سالم بن محمد بن سالم العامري اليمنى قال المناوي في طبقاته كان رفيع المجد على القدر كثير التواضع سليم الصدر أثنى الأكابر على لطفه وفضله وجنى المريدون ثمار الإحسان من تربيته وعطفه وكان شريف النفس عالي الهمة صاحب كرامات انتهى وفيها الملك العزيز عثمان بن العادل أبي بكر بن أيوب شقيق المعظم وهو صاحب بانياس وتبنين وهو تين وهو الذي بنى قلعة الصبيبة بين هؤلاء البلدان وكان عاقلا ساكنا اتفق موته بالناعمة وهو بستان له ببيت لهيا

(5/136)


137
من صالحية دمشق في عشر رمضان وفيها العلامة عبيد الله بن إبراهيم جمال الدين العبادي المحبوبي المحاربي شيخ الخنفية بما وراء النهر وأحد من انتهى إليه معرفة المذهب أخذ عن أبي العلاء عمر بن أبي بكر بن محمد الزرنجري عن أبيه شمس الأئمة وبرهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازة وتفقه أيضا على قاضي خان فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي وتوفي ببخارى في جمادى الأولى عن أربع وثمانين سنة وفيها علي بن الجوزي أبو الحسن ولد العلامة جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي الناسخ نسخ الكثير بالأجرة وكان معاشرا لعابا روى عن ابن البطي وأبي زرعة وجماعة وتوفي في رمضان وفيها ابن الأثير الإمام عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري المؤرخ الشافعي أخو مجد الدين صاحب النهاية ولد صاحب الترجمة سنة خمس وخمسين وخمسمائة واشتغل في بلاد متعددة وكان إماما نسابة مؤخا أخباريا أديبا نبيلا محتشما وصنف التاريخ المشهور بالكامل على الحوادث والسنين في عشر مجلدات وهو من خيار التواريخ ابتدأ فيه من أول الزمان إلى سنة تسع وعشرين وستمائة واختصر الأنساب لأبي سعد السمعاني وهذبه وأفاد فيه أشياء وهو في مقدار نصف أصله وأقل وصنف كتابا حافلا في معرفة الصحابة جمع فيه بين كتاب ابن مندة وكتاب أبي نعيم وكتاب ابن عبد البر وكتاب أبي موسى وزاد وأفاد وسماه أسد الغابة في معرفة الصحابة وشرع في تاريخ الموصل قال ابن خلكان كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء اجتمعت به بحلب فوجدته مكمل الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق فترددت إليه وقال في العبر كان صدرا معظما كثير الفضائل وبيته مجمع الفضلاء روى عن خطيب الموصل أبي الفضل وغيره وتوفي في الخامس والعشرين من شعبان عن خمس وسبعين سنة وفيها الحافظ

(5/137)


138
ابن الحاجب الرحال عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي سمع سنة ست عشرة بدمشق ورحل إلى بغداد فأدرك الفتح بن عبد السلام وخرج لنفسه معجما في بضع وستين جزءا توفي في شعبان وقد قارب الأربعين وكان فيه دين وخير وله حفظ وذكاء وهمة عالية في طلب الحديث قل من أنجب مثله في زمانه وفيها الملك مظفر الدين صاحب اربل الملك المعظم أبو سعيد كوكبوري بن الأمير زين الدين على كوجك التركماني وكوجك بالعربي اللطيف القدر ولي مظفر الدين مملكة اربل بعد موت أبيه في سنة ثلاث وستين وله أربع عشرة سنة فتعصب عليه أتابكه مجاهد الدين قيماز وكتب محضرا أنه لا يصلح للملك لصغره وأقام أخاه يوسف ثم سكن حران مدة ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين وتمكن منه وتزوج بأخته ربيعة واقفة مدرسة الصاحبة بشرقي الصالحية وشهد معد عدة مواقف أبان فيها عن شجاعة وإقدام وكان حينئذ على إمرة حران والرها فقدم أخوه يوسف منجدا لصلاح الدين فاتفق موته على عكا فأعطى السلطان صلاح الدين لمظفر الدين اربل وشهرزور وأخذ منه حران والرها ودامت أيامه إلى هذا العام وكان من أدين الملوك وأجودهم وأكثرهم برا ومعروفا على صغر مملكته قال ابن خلكان وأما سيرته فكان له في فعل الخير عجائب ولم نسمع أن أحدا فعل في ذلك مثل ما فعله لم يكن شيء في الدنيا أحب إليه من الصدقة وكان له في كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرقها على المحاويج في عدة مواضع من البلد وإذا نزل ممن الركوب يكون قد اجتمع جمع كثير عند الدار فيدخلهم إليه ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الصيف والشتاء وغير ذلك ومع الكسوة شيء من الذهب وكان قد بنى أربع خانقات للزمني والعميان وملأها من هذين الصنفين وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم وكان يأتيهم بنفسه كل عصرية اثنين وخميس

(5/138)


139
ويدخل إلى كل واحد في بيته ويسأله عن حاله ويتفقده بشيء من النفقة وينتقل إلى الآخر حتى يدور عليهم جميعهم وهو يباسطهم ويمزح معهم ويجبر قلوبهم وبنى دارا للنساء الأرامل ودارا للضعفاء ودار للأيتام ودارا للملاقيط ورتب بها جماعة من المراضع وكل مولود يلتقط يحمل إليهن فيرضعنه وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم وكان يدخل إليهم في كل يوم ويتفقد أحوالهم ويعطيهم النفقات زيادة على المقرر لهم وكان يدخل إلى البيمارستان ويقف على مريض مريض ويسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه وكان له دار مضيف يدخل إليها كل قادم على البلد من فقيه وفقير وغيرهما وإذا عزم الإنسان على السفر أعطاه نفقة تليق بمثله ولم تكن له لذة بسوى السماع فإنه كان لا يتعاطى المنكر ولا يمكن من إدخاله البلد وكان إذا طرب في السماع خلع شيئا من ثيابه وأعطاه للناشد ونحوه وكان يسير في كل سنة دفعتين جماعة من أصحابه وأمنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من المال يفك بها أسرى المسلمين من أيدي الكفار فإذا وصلوا إليه أعطى كل واحد شيئا وإن لم يصلوا فالأمناء يعطوهم بوصية منه وكان يقيم في كل سنة سبيلا للحاج ويسير معهم جميع ما تدعو إليه حاجة المسافر في الطريق ويسير أمينا معه خمسة آلاف دينار ينفقها في الحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب وله بمكة حرسها الله آثار جميلة وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات وغرم عليه جملة كثيرة وعمل بالجبل مصانع للماء وأما احتفاله بمولد النبي فإن الوصف يقصر عن الإحاطة كان يعمله سنة في الثامن من شهر ربيع الأول وسنة في الثاني عشر لأجل الاختلاف الذي فيه فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيرا يزيد على الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والمغاني والملاهي حتى يأتي بها الميدان ثم يشرعون في نحرها وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة فإذا

(5/139)


140
كان ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ثم ينزل وبين يديه من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحد على بغل ومن ورائها رجل يسندها وهي مربوطة على ظهر البغل فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع والبقج ويخلع على كل واحد من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء ويدفع لكل واحد نفقة وهدية وما يوصله إلى وطنه انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام بعد كلام طويل وثناء جميل قال جماعة من أهل اربل كانت نفقته على المولد في كل سنة ثلثمائة ألف دينار وعلى الأسرى مائتي ألف دينار وعلى دار المضيف مائة ألف دينار وعلى الخانقاه مائة ألف وعلى الحرمين والسبيل وعرفات ثلاثين ألف دينار غير صدقة السر مات في رمضان بقلعة اربل وأوصى أن يحمل إلى مكة فيدفن في حرم الله تعالى وقال استجير به فحمل في تابوت إلى الكوفة ولم يتفق خروج الحاج في هذه السنة من التتار فدفن عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه انتهى وفيها ابن سلام المحدث الزكي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن سالم بن سلام الدمشقي سمع من داود بن ملاعب وابن البن وطبقتهما وكان إماما فاضلا يقظا متقنا صالحا ناسكا على صغره كتب الكثير وحفظ علوم الحديث للحاكم مات في صفر عن إحدى وعشرين عاما وفجع به أبوه وفيها ابن عنين الصدر شرف الدين أبو المحاسن محمد بن نصر الله بن مكارم بن حسن بن عنين الأنصاري الدمشقي الأديب له ديوان مشهور وهجو مؤلم وكان بارعا في معرفة اللغة كثير الفضائل يشتعل ذكاءا ولم يكن في دينه بذاك توفي في ربيع الأول وله إحدى وثمانون سنة أتهم بالزندقة قاله في العبر وقال ابن خلكان الكوفي الأصل الدمشقي المولد الشاعر المشهور خاتمة الشعراء لم يأت بعده مثله ولا كان في أواخر عصره من يقاس به ولم يكن شعره مع جودته مقصورا على

(5/140)


141
أسلوب واحد بل تفن فيه وكان غزي رالمادة من الأدب مطلعا على معظم أشعار العرب ويكفي أنه كان يستحضر كتاب الجمهرة لابن دريد في اللغة وكان مولعا بالهجاء وثلب أعراض الناس وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقا من رؤساء دمشق سماها مقراض الأعراض أقول منها ( سلطاننا أعرج وكاتبه * ذو عمش والوزير منحدب ) ( وصاحب الأمر خلقه شرس * وناظر الجيش داؤه عجب ) ( والدولعي الخطيب منعكف * وهو على قشر بيضة ثلب ) ( ولابن باقا وعظ يغربه الناس * وعبد اللطيف محتسب ) ( وحاكم المسلمين ليس له * في غير غرمول جرجس أرب ) ( عيوب قوم لو أنها جمعت * في فلك ما سرت به الشهب ) ثم قال ابن خلكان وكان قد نفاه السلطان صلاح الدين من دمشق بسبب وقوعه في الناس فلما خرج منها عمل ( فعلام أبعدتم أخا ثقة * لم يجترم ذنبا ولا سرقا ) ( أنفوا المؤذن من بلادكم * إن كان ينفى كل من صدقا ) وطاف البلاد من الشام والعراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان وغزنة وخوارزم وما وراء النهر ثم دخل الهند واليمن وملكها يومئذ سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين وأقام بها مدة ثم رجع إلى الحجاز والديار المصرية ثم قال ولما مات السلطان صلاح الدين وملك الملك العادل دمشق كتب إلى الملك العادل قصيدته الرائية يستأذنه في الدخول إليها ويصف دمشق ويذكر ما قاساه في الغربة ولقد أحسن فيها كل الإحسان واستعطفه بها أبلغ الاستعطاف وأولها ( ماذا على طيف الأحبة لو سرى * وعليهم لو سامحوني بالكرى ) ومنها بعد وصف محاسن دمشق قوله ( فارقتها لا عن رضا وهجرتها * لا عن قلى ورحلت لا متخيرا )

(5/141)


142 (
أسعى لرزق في البلاد مشتت * ومن العجائب أن يكون مقترا ) ( وأصون وجه مدائحي متقنعا * وأكف ذيل مطامعي متسترا ) ومنها يشكو الغربة وما قاساه ( أشكو إليك نوى تمادى عمرها * حتى حسبت اليوم منها أشهرا ) ( لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى * يعفو ولا جفني يصافحه الكرى ) ( أضحى عن الأحوى المريع محولا * وأبيت عن ورد النمير منفرا ) ( ومن العجائب أن يقيل بظلكم * كل الورى ونبذت وحدي بالعرا ) وهذه القصيدة من أحسن الشعر وهي عندي خير من قصيدة ابن عمار الأندلسي التي أولها ( أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى * ) فلما وقف عليها الملك العادل أذن له في الدخول إلى دمشق فلما دخلها قال ( هجوت الأكابر في جلق * ورعت الوضيع بسب الرفيع ) ( وأخرجت منها ولكنني * رجعت على رغم أنف الجميع ) وكان له في عمل الألغاز وحلها اليد الطولى ومتى كتب إليه شيء منها حله في وقتة وكتب الجواب أحسن من السؤال نظما ولم يكن له غرض في جمع شعره فلهذا لم يدونه فهو يوجد مقاطيع بأيدي الناس وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانا صغيرا لا يبلغ عشر ماله من النظم ومع هذا ففيه أشياء ليست له وكان من أظرف الناس وأخفهم روحا وأحسنهم مجونا وله بيت عجيب من جملة قصيدة يصف فيها توجهه إلى المشرق وهو ( أشقق قلب الشرق حتى كأنني * أفتش في سودائه عن سنا الفجر ) وكان وافر الحرمة عند الملوك وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظم ومدة ولاية الملك الناصر بن المعظم وانفصل منها لما ملكها الملك الأشرف ولم يباشر بعدها خدمة وتوفى عشية نهار الإثنين العشرين من شهر ربيع الأول ودفن من الغد بمسجده الذي أنشأه بأرض المزة وقيل بتربة

(5/142)


143
باب الصغير انتهى ملخصا وفيها أبو محمد المعافا بن إسمعيل بن الحسين الموصلي ويعرف أيضا بابن الحدوس الشافعي كان إماما فقيها بارعا جيدا صالحا أديبا ولد بالموصل وتفقه بها على ابن مهاجر ثم على القاضي الفخر السهروردي ثم على العماد بن يونس وسمع وحدث وأفتى وصنف وناظر من تصانيفه كتاب الكامل في الفقه كتاب مطول وأنس المنقطعين وهو مشهور وتفسير يسمى البيان وكتاب الموجز في الذكر وكان حسن الشكل والملبس توفى بالموصل في شعبان أو في رمضان قاله الأسنوي سنة إحدى وثلاثين وستمائة فيها تسلطن بدر الدين لولو بالموصل وانقرض البيت الأتابكي وفيها تكامل بناء المستنصرية ببغداد وهي على المذاهب الأربعة على يد أستاذ الدار ابن العلقمي الذي وزر ولا نظير لها في الدنيا فيما أعلم قاله الذهبي وفيها توفي صلاح الدين أحمد بن عبد السيد بن شعبان الأربلي كان حاجبا لمظفر الدين صاحب أربل فتغير عليه واعتقله وكان ذا فضيلة تامة ونظم حسن فعمل دوبيت وأملاه لبعض القيان فغنت به فقال هذا لمن فقيل للصلاح الأربلي فأطلقه وعادت منزلته أحسن ما كانت والدوبيت ( ما أمر تجنيك على الصب خفي * أفنيت زماني بالأسى والأسف ) ( ماذاك بقدر ذنبي ولقد * بالغت فما قصدك إلا تلفي ) وكان الكامل قد تغير على بعض أخوته وهو الفائز إبراهيم فأصلح قضيته الصلاح وكتب إلى الكامل ( وشرط صاحب مصر أن يكون كما * قد كان يوسف في الحسنى لأخوته ) ( آسوا فقابلهم بالعفو وافتقروا * فبرهم وتولاهم برحمته )

(5/143)


144
وله ( وإذا رأيت بنيك فاعلم أنهم * قطعوا إليك مسافة الآجال ) ( وصل البنون إلى محل أبيهم * وتجهزوا الآباء للترحال ) وفيها أبو محمد إسمعيل بن علي بن إسمعيل البغدادي الجوهري عن ثمانين سنة روى عن هبة الله الدقاق وابن البطي وطائفة وتفرد بأشياء وكان صالحا ثقة توفي في ذي القعدة قاله في العبر وفيها ابن الزبيدي سراج الدين أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم مدرسة عون الدين بن هبيرة ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وروى عن أبي الوقت وأبي زرعة وأبي زيد الحموي وغيرهم وقرأ القرآن بالروايات وتفقه في المذهب وأفتى وكانت له معرفة حسنة بالأدب وصنف تصانيف منها كتاب البلغة في الفقه وله منظومات في اللغة والقراءات وكان فقيها فاضلا دينا خيرا حسن الأخلاق متواضعا وحدث ببغداد ودمشق وحلب وغيرها من البلاد وسمع منه أمم وروى عنه خلق كثير من الحفاظ وغيرهم منهم الدبيثي والضياء وآخر من حدث عنه أبو العباس الحجار الصالحي سمع منه صحيح البخاري وغيره وتوفي ثالث عشرى صفر ببغداد وفيها العلبي زكريا بن علي بن حسان بن علي أبو يحيى البغدادي الصوفي روى عن أبي الوقت وغيره وكان عاميا مات في ربيع الأول وفيها السيف الآمدي أبو الحسن على بن أبي علي بن محمد الحنبلي ثم الشافعي المتكلم العلامة صاحب التصانيف العقلية ولد بعد الخمسين بآمد وقرأ القراءات والفقه ودرس على ابن المنى وسمع من ابن شاتيل ثم تفقه للشافعي علي ابن فضلان وبرع في الخلاف وحفظ طريقة أسعد الميهني وقيل أنه حفظ الوسيط للغزالي وتفنن في علم النظر والكلام والحكمة وكان من أذكياء العالم أقرأ بمصر مدة فنسبوه إلى دين

(5/144)


145
الأوائل وكتبوا محضرا بإباحة دمه فلما رأى بعضهم ذلك الإفراط وقد حمل المحضر إليه ليكتب كما كتبوا كتب ( حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه * والقوم أعداء له وخصوم ) قال ابن خلكان وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدم فخرج مستخفيا إلى الشام فنزل حماة مدة وصنف في الأصلين والحكمة والمنطق والخلاف وكل ذلك مفيد ثم قدم دمشق في سنة اثنتين وثمانين فأقام بها مدة ثم ولاه الملك المعظم بن العادل تدريس العزيزية فلما ولى أخوه الأشرف موسى عزل عنها ونادى في المدارس من ذكر غير التفسير والحديث والفقه أو يعرض لكلام الفلاسفة نفيته فأقام السيف الآمدي خافيا في بيته إلى أن توفي في صفر ودفن بتربته بقاسيون ويحكى عن ابن عبد السلام أنه قال ما تعلمنا قواعد البحث إلا منه وأنه قال ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن منه كأنه يخطب وأنه قال لو ورد على الإسلام متزندق يشكك ما تعين لمناظرته غيره وقال سبط ابن الجوزي لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام ومن تصانيفه المشهورة الأحكام في أصول الأحكام مجلدين وأبكار الأفكار في أصول الدين في خمس مجلدات واختصره في مجلد قال الذهبي وله نحو من عشرين تصنيفا وقال السبكي وتصانيفه كلها حسنة منقحة وفيها القرطبي أبو عبد الله محمد بن عمر المقرىء المالكي الرجل الصالح حج وسمع من عبد المنعم بن الفراوي وطائفة وقرأ القراءات على أبي القاسم الشاطبي وكان إماما زاهدا متقنا بارعا في عدة علوم كالفقه والقراءات والعربية طويل الباع في التفسير توفي بالمدينة المنورة في صفر قاله في العبر وفيها طغربك شهاب الدين الخادم أتابك صاحب حلب الملك العزيز ومدبر دولته كان صالحا خيرا متعبدا كثير المعروف ذا رأي وعقل وسياسة وعدل وفيها الشيخ عبد الله بن يونس

(5/145)


146
الأرموي الزاهد القدوي صاحب الزاوية بجبل قاسيون كان صالحا متواضعا مطرحا للتكلف يمشي وحده ويشتري الحاجة وله أحوال ومجاهدات وقدم في الفقر سافر الأقطار ولقي الأبدال والأبرار كان في بدايته لا يأوي إلا القفار قرأ القرآن وتفقه لأبي حنيفة وحفظ القدوري وصحب رجلا من الأولياء فدله على الطريق بعث إليه الأمجد صاحب بعلبك أربعين دينارا يقضي بها دينه وهو بالقدس فأخذها الرسول ثم أن الأمجد زاره وقال له بعثت إليك أربعين دينارا فقال الشيخ وصلت وشكره فجاء الرسول يستغفر فقال قد قلت له أنها وصلت وحكى عن نفسه غير أنه لم يصرح قال كان فقير يدور في جبل لبنان فوقع عليه حرامية الفرنج فعذبوه وربطوه وبات في أشد ما يكون فلما أصبحوا ناموا وإذا حرامية المسلمين فدخلوا مغارة ودخل معهم ولم يرهم حرامية المسلمين فلما بعدوا قال الفرنج له هلا دللت علينا وتخلصت فقلت لهم إني صحبتكم وأكلت خبزكم وفي طريقنا أن الصحبة عزيزة فما رأيت خلاص نفسي بهلاككم فشكروه على ذلك وسألوه أن يقبل منهم شيئا من الدنيا فأبى فأطلقوه وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر روى عن عميه الصاين والحافظ وطائفة وكان قليل الفضيلة توفي في شعبان قاله في العبر وفيها أبو رشيد الغزال محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني المحدث التاجر سمع من خليل الرازاني وطبقته وكان عالما ثقة توفي ببخارى في شوال وفيها محي الدين بن فضلان قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الشافعي مدرس المستنصرية تفقه على والده العلامة أبي القاسم وبرع في المذهب والأصول والخلاف والنظر وولى القضاء في آخر أيام الناصر فلما استخلف الظاهر عزله بعد شهرين من خلافته قال ابن

(5/146)


147
شهبة في طبقاته رحل إلى خراسان وناظر علماءها وولى تدريس النظامية ببغداد ثم ولى قضاء القضاة ثم عزل ودرس بالمستنصرية عند كمال عمارتها في رجب سنة إحدى وثلاثين وهو أول من درس بها وتوفي بعد أشهر في شوال أي عن بضع وستين سنة وكان موصوفا بحسن المناظرة سمحا جودا نبيلا لا يكاد يدخر شيئا وفيها المسلم بن أحمد بن علي أبو الغنائم المازني النصيبي ثم الدمشقي روى عن عبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني والحافظ أبي القاسم بن عساكر وأخيه الصائن ودخل في المكس مدة ثم تركه وروى الكثير توفي في ربيع الأول وآخر من روى عنه فاطمة بنت سليمان قاله في العب روفيها الأمير ركن الدين منكورس مملوك فلك الدين أخي العادل كان دينا صالحا عفيفا ملازما لجامع بني أمية وله بقاسيون مدرسة وتربة أوقف عليها شيئا كثيرا وداخل دمشق مدرسة كبيرة للشافعية وقرية جرود وقف عليهما توفي بجرود وحمل فدفن في تربته بقاسيون وفيها أبو الفتوح الأغماتي ثم الأسكندراني ناصر بن عبد العزيز بن ناصر روى عن السلفي وتوفي في ذي القعدة وفيها الرضى الرخي بتشديد الخاء المعجمة نسبة إلى الرخ ناحية بنيسابور أبو الحجاج يوسف بن حيدرة شيخ الطب بالشام وأحد من انتهت إليه معرفة الفن قدم دمشق مع أبيه حيدرة الكحال في سنة خمس وخمسين وخمسمائة ولازم الإشتغال على المهذب ابن النقاش فنوه باسمه ونبه على علمه وصار من أطباء صلاح الدين وامتدت أيامه وصارت أطباء البلد تلامذته حتى أن من جملة أصحابه المهذب الدخوار وعاش سبعا وتسعين سنة ممتعا بالسمع والبصر توفي يوم عاشوراء قاله في العبر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فيها ضربت ببغداد دراهم وفرقت في البلد وتعاملوا بها وإنما كانوا يتعاملون

(5/147)


148
بقراضة الذهب القيراط والحبة ونحو ذلك فاستراحوا قاله في العبر وفيها شرع الأشرف في بنائه خان الزنجاري جامعا وهو جامع التوبة بالعقيبة وكان خانا معروفا بالفجور والخواطىء والخمور وسماه جامع التوبة ووقف عليه أوقافا كثيرة وجرى في خطابته نكتة غريبة وهي أنه كان بمدرسة الشامية إمام يعرف بالجمال السبتي وكان شيخا حسنا صالحا وكان في صباه يلعب بملهاة تسمى الجفانة ثم حسنت طريقته وصار معدودا في عداد الأخيار فولاه الأشرف خطيبا فلما توفي تولى مكانه العماد الواسطي الواعظ وكان متهما بشرب الشراب وكان ملك دمشق في ذلك الوقت الملك الصالح لأبو الجيش فكتب إليه الجمال عبد الرحيم بن الزويتنيه ( يا مليكا أوضح الحق لدينا وأبانه * ) ( جامع التوبة قد قلدني منه الأمانه * ) ( قال قل للملك الصالح * أعلى الله شانه ) ( يا عماد الدين يا من * حمد الناس زمانه ) ( كم إلى كم أنا في ضر وبؤس وإهانه * ) ( لي خطب واسطي * يعشق الشرب ديانه ) ( والذي كان قد كان من قبل يغني بالجفانه * ) ( فكما كنت كذا صرت * فلا أبرح حانه ) ( ردني للنمط الأول * واستبق ضمانه ) وفيها توفي أبو صادق الحسن بن صباح المخزومي المصري الكاتب عن نيف وتسعين سنة وكان آخر من حدث عن ابن رفاعة توفي سادس عشر رجب وكان أديبا دينا صالحا جليلا وفيها الملك الزاهر داود ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب كان صاحب البيرة بلد من ثغور الروم بقرب سميساط وكان فاضلا أديبا وشاعرا مجيدا يحب العلماء مقصودا

(5/148)


149
للشعراء وغيرهم وهو الثاني عشر من أولاد صلاح الدين وفيها شمس الدين صواب العادلي الخادم مقدم جيش الكامل وأحد من يضرب به المثل في الشجاعة وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء توفي بحران في رمضان وكان نائبا عليها للكامل وفيها الشهاب عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الدمشقي الشافعي روى عن جده وكان صدرا محتشما مضى في الرسالة إلى الخليفة وتوفي في المحرم وفيها ابن باشوية تقي الدين علي بن المبارك بن الحسن الواسطي الفقيه الشافعي المقرىء المجود روى عن ابن شاتيل وطبقته وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلاني وعلي بن مظفر الخطيب وسكن دمشق وقرأ بها وتوفي في شعبان عن ست وسبعين سنة وفيها سيدي ابن الفارض ناظم الديوان المشهور شرف الدين أبو القسم عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري قال في العبر هو حجة أهل الوحدة وحامل لواء الشعراء وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته الملقب في جميع الآفاق بسلطان المحبين والعشاق المنعوت بين أهل الخلاف والوفاق بأنه سيد شعراء عصره على الإطلاق له النظم الذي يستخف أهل الحلوم والنثر الذي تغار منه النثرة بل سائر النجوم قدم أبوه من حماة إلى مصر فقطنها وصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكام ثم ولي نيابة الحكم فغلب عليه التلقيب بالفارض ثم ولد له بمصر عمر في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة فنشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة وعبادة وديانة بل زهد وقناعة وورع أسدل عليه لباسه وقناعه فلما شب وترعرع اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر وعنه الحافظ المنذري وغيره ثم حبب إليه الخلاء وسلوك طريق الصوفية فتزهد وتجرد وصار يستأذن أباه في السياحة فيسيح في الجبل الثاني من المقطم ويأوي إلى بعض أوديته مرة وفي بعض المساجد المهجورة في خربات القرافة مرة ثم يعود إلى

(5/149)


150
والده فيقيم عنده مدة ثم يشتاق إلى التجرد ويعود إلى الجبل وهكذا حتى ألف الوحشة وألفه الوحش فصار لا ينفر منه ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء حتى أخبره البقال أنه إنما يفتح عليه بمكة فخرج فورا في غير أشهر الحج ذاهبا إلى مكة فلم تزل الكعبة أمامه حتى دخلها وانقطع بواد بينه وبين مكة عشر ليال فصار يذهب من ذلك الوادي وصحبته أسد عظيم إلى مكة فيصلي بها الصلوات الخمس ويعود إلى محله من يومه وأنشأ غالب نظمه حالتئذ وكان الأسد يكلمه ويسأله أن يركب عليه فيأبى وأقام كذلك نحو خمسة عشر عاما ثم رجع إلى مصر فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر وعكف عليه الأئمة وقصد بالزيارة من الخاص والعام حتى أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته وسأله أن يعمل له قبرا عند قبره بالقبة التي بناها على ضريح الإمام الشافعي فأبى وكان جميلا نبيلا حسن الهيئة والملبس حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع عذب المنهل والنبع فصيح العبارة دقيق الإشارة سلس القياد بديع الإصدار والإيراد سخيا جوادا توجه يوما إلى جامع عمرو فلقيه بعض المكارية فقال اركب معي على الفتوح فمر به بعض الأمراء فأعطاه مائة دينار فدفعها للمكاري وكان أيام النيل يتردد إلى المسجد المعروف بالمشتهى في الروضة ويحب مشاهدة البحر مساء فتوجه إليه يوما فسمع قصارا يقصر ويقول ( قطع قلبي هذا المقطع * لا هو يصفو أو يتقطع ) فصرخ وسقط مغمى عليه فصار يفيق ويردد ذلك ويضطرب ثم يغمى عليه وهكذا وكان يواصل أربعينيات فاشتهى هريسة فأحضرها ورفع لقمة إلى فيه فانشق الجدار وخرج شاب جميل فقال أف عليك فقال إن أكلتها ثم طرححها وأدب نفسه بزيادة عشر ليال ورأى المصطفى نومه فقال إلى من تنتسب فقال يا رسول الله إلى بني سعد قبيلة حليمة فقال بل نسبك متصل بي يعني نسبة محبة وتبعية ومن خوارقه العجيبة أنه

(5/150)


151
رأى جملا لسقاء فكلف به وهام وصار يأتيه كل يوم ليراه وناهيك بديوانه الذي اعترف به الموافق والمخالف والمعادي والمحالف سميا القصيدة التائية وقد اعتنى بشرحها جمع من الأعيان كالسراج الهندي الحنفي والشمس البساطي المالكي والجلال القزويني الشافعي غير تعاقبين ولا مبالين بقول المنكرين الحساد شعره ينعت بالاتحاد وكذا شرحها الفرغاني والقاشاني والقيصري وغيرهم وعلى الخمرية وغيرها شروح عدة وقال بعض أهل الرسوخ أن الديوان كله مشروح وذكر بعض الأكابر أن بعض أهل الظاهر في عصر الحافظ ابن حجر كتب على التائية شرحا وأرسله إلى بعض عظماء صوفية الوقت ليقرضه فأقام عنده مدة ثم كتب عليه عند إرساله إليه ( سارت مشرقة وسرت مغربا * شتان بين مشرق ومغرب ) فقيل له في ذلك فقال مولانا الشارح اعتنى بإرجاع الضمائر والمبتدى والخبر والجناس والاستعارة وما هنالك من اللغة والبديع ومراد الناظم وراء ذلك كله وقد أثنى على ديوانه حتى من كان سيء الاإعتقاد ومنهم ابن أبي حجلة الذي عزره السراج الهندي بسبب الوقيعة فيه فقال هو من أرق الدواوين شعرا وأنفسها درا برا وبحرا وأسرعها للقلوب جرحا وأكثرها على الطلول نوحا إذ هو صادر عن نفثة مصدور وعاشق مهجور وقلب بحر النوى مكسور والناس يلهجون بقوافيه وما أودع من القوى فيه وكثر حتى قل من لا رأى ديوانه أو طنت بأذنه قصائده الطنانة قال الكمال الأدفوي وأحسنه القسيدة الفائية التي أولها ( قلبي يحدثني بأنك متلفي * واللامية التي أولها * هو الحب فاسلم بالحشاما الهوى سهل * والكافية التي أولها * ته دلالا فأنت أهل لذاكا ) قال وأما التائية فهي عند أهل العلم يعني الظاهر غير مرضية مشعرة بأمور رديئة وكان عشاقا يعشق مطلق الجمال حتى أنه عشق بعض الجمال بل زعم بعض الكبار أنه عشق برنية بدكان عطار وذكر

(5/151)


152
القوصي في الوحيد أنه كان للشيخ جوار بالبهنسا يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ويتواجد ولكل قوم مشرب ولكل مطلب وليس سماع الفساق كسماع سلطان العشاق ولم يزل على حاله راقيا في سماء كماله حتى احتضر فسأل الله أن يحضره في ذلك الهول العظيم جماعة من الأولياء فحضره جماعة منهم البرهان الجعبري فقال فيما حكاه سبط صاحب الترجمة رأى الجنة مثلت له فبكى وتغير لونه ثم قال ( إن كان منزلتي في الحب عندكم * ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي ) قال فقلت له يا سيدي هذا مقام كريم فقال يا إبراهيم رابعة وهي امرأة تقول وعزتك ما عبدتك رغبة في جنتك بل لمحبتك وليس هذا ما قطعت عمري في السلوك إليه فسمعته قائلا يقول له فما تروم فقال ( أروم وقد طال المدى منك نظرة * ) البيت فتهلل وجهه وقضى نحبه فقلت أنه أعطى مرامه انتهى وقد شنع عليه بذلك المنكرون فقال بعضهم لما كشف له الغطاء وتحقق أنه هو غير الله وأنه لا حلول ولا اتحاد قال ذلك وقال بعضهم قاله لما حضره ملائكة العذاب الأليم استغفر الله سبحانه هذا بهتان عظيم والحاصل أنه اختلف في شأن صاحب الترجمة وابن عربي والعفيف التلمساني والقونوي وابن هود وابن سبعين وتلميذه الششتري وابن مظفر والصفار من الكفر إلى القطبانية وكثرت التصانيف من الفريقين في هذه القضية ولا أقول كما قال بعض الإعلام سلم تسلم والسلام بل اذهب إلى ما ذهب إليه بعضهم أنه يجب اعتقادهم وتعظيمهم ويحرم النظر في كتبهم على من لم يتأهل لتنزيل ما فيها من الشطحات على قوانين الشريعة المطهرة وقد وقع لجماعة من الكبار الرجوع عن الإنكار انتهى كلام المناوي مختصرا وما أحسن قوله في التائية ( وكل أذى في الحب منك إذا بدا * جعلت له شكري مكان شكيتي ) وله ما رأيته في دواوينه وهو معنى في غاية اللطف والرقة

(5/152)


153 (
خلص الهوى لك واصطفتك مودتي * أني أغار عليك من ملكيكا ) ( ولو استطعت منعت لفظك غيرة * أني أراه مقبلاى شفتيكا ) ( وأراك تخطر في شمائلك التي * هي فتنة فأغار منك عليكا ) ورؤى في النوم فقيل له لم لا مدحت المصطفى في ديوانك فقال ( أرى كل مدح في النبي مقصرا * وأن بالغ المثنى عليه وكثرا ) ( إذا الله أثنى بالذي هو أهله * عليه فما مقدار ما يمدح الورى ) ويقال أنه لما نظم قوله ( وعلى تفنن واصفيه بحسنه * يفني الزمان وفيه مالم يوصف ) فرح فرحا شديدا وقال لم يمدح بمثله وبعض الناس يقول باطن كلامه كله مدح فيه وغالب كلامه لا يصلح أن يراد به ذلك والله أعلم توفي رحمه الله تعالى في جمادى الأولى عن ست وخمسين سنة إلا شهرا ودفن بالمقطم وفيها الشيخ شهاب الدين السهروردي قدوة أهل التوحيد وشيخ العارفين أبو حفص وأبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد التيمي البكري الصوفي الشافعي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بسهرورد وقدم بغداد فلحق بها هبة الله بن الشبلي فسمع منه وصحب عمه أبا النجيب وتفقه وتفنن وصنف التصانيف منها عوارف المعارف في بيان طريقة القوم وانتهت إليه تربية المريدين وتسليك العباد ومشيخة العراق قال الذهبي لم يخلف بعده مثله وقال ابن شهبة في طبقاته أخذ عن أبي القسم بن فضلان وصحب الشيخ عبد القادر وسمع الحديث من جماعة وله مشيخة في جزء لطيف روى عنه ابن الدبيثي وابن نقطة والضياء والزكي البرزالي وابن النجار وطائفة وقال ابن النجاركان شيخ وقته في علم الحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين ودعاء الخلق إلى الله تعالى وبالغ في الثناء عليه وعمى في آخر عمره وأقعد ومع ذلك فما أخل بشيء من أوراده وقال ابن خلكان كان شيخ الشيوخ

(5/153)


154
ببغداد وكان له مجلس وعظ وعلى وعظه قبول كثير وله نفس مبارك حكى لي من حضر مجلسه أنه أنشد يوما على الكرسي ( لاتسقني وحدي فما عودتني * أني أشح بها على جلاسي ) ( أنت الكريم ولا يليق تكرما * أني صبر الندماء دون الكاس ) فتواجد الناس لذلك وقطعت شهور كثيرة وتاب جمع كبير وله تآليف حسنة منها كتاب عوارف المعارف وهو أشهرها وله شعر منه ( تصرمت وحشة الليالي * وأقبلت دولة الوصال ) ( وصار بالوصل لي حسودا * من كان في هجركم رثى لي ) ( وحقكم بعد إذ حصلتم * بكل من فات لا أبالي ) ( تقاصرت عنكم قلوب * فياله موردا حلالي ) ( علي ما للورى حرام * وحبكم في الحشا حلالي ) ( تشربت أعظمي هواكم * فما لغير الهوى ومالي ) ( فما على عادم أجاجا * وعنده أعين الزلال ) وكان كثير الحج وربما جاور في بعض حججه وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه صور فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم سمعت بعضهم أنه كتب إليه يا سيدي أني تركت العمل أخلدت إلى البطالة وإن عملت داخلي العجب فأيهما أولى فكتب جوابه اعمل واستغفر الله من العجب وله من هذا شيء كثير وذكر في عوارف المعارف أبياتا لطيفة منها ( أشتم منك نسيما لست أعرفه * أظن لمياء جرت فيك أذيالا ) وفيها أيضا ( إن تأملتكم فكلي عيون * أو تذكرتكم فكلي قلوب ) توفي مستهل المحرم ببغداد رحمه الله تعالى انتهى ملخصا وفيها الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر المقدسي النابلسي القدوة الزاهد أحد عباد

(5/154)


155
الله الأخفياء الأتقياء والسادة الأولياء ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة بقرية بورين من عمل نابلس وسكن القدس عام أنقذه السلطان صلاح الدين من الفرنج سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وساح بالشام ورأى الصالحين وكان مؤثرا للخمول صاحب أحوال وكرمات قال ابن عبد الله انقطع تحت الصخرة في الأقباء السليمانية ست سنين وصحب الشيخ عبد الله الأرموي بقية عمره وعاشا جميعا مصطحبين وقد أفرد سيرة الشيخ غانم أبو عبد الله محمد بن الشيخ علاء الدين وتوفي الشيخ غانم في غرة شعبان ودفن بالحضيرة التي بها صاحبه ورفيقه الشيخ عبد الله الأرموي بسفح قاسيون وفيها محمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني الواعظ أبو عبد الله مسند العجم ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وسمع من إسماعيل الحمامي وأبي الوقت وأبي الخير الباغبان قال ابن النجار واعظ مفتي شافعي له معرفة بالحديث وقبول عند أهل بلده وفيه ضعف بلغنا أنه استشهد بأصبهان على يد التتار في أواخر رمضان انتهى وقال الذهبي وفي دخولهم إليها قتلوا أمما لا تحصى وفيها محمد بن عماد بن محمد بن حسين الحراني الحنبيلي التاجر نزيل الأسكندرية روى عن ابن رفاعة وابن البطي والسلفي وطائفة كثيرة باعتناء خاله حماد الحراني وتوفي في عشار صفر وكان ذا دين وعلم وفقه عاش تسعين سنة وروى عنه خلق كثير وفيها شعر أنه وجيه الدين محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني الثقة الصالح سمع الصحيح من أبي الوقت وعمر دهرا ومات شهيدا وفيها محمد بن غسان بن غافل بن نجاد الأمير سيف الدولة الحمصي ثم الدمشقي وروى الفلكي وابن هلال وطائفة وتوفي في شعبان عن ثمانين سنة وفيها أبو الوفا محمد بن إبراهيم بن سفيان بن منده العبدي الأصبهاني بقية آل منده ومسند وقته روى الكثير عن مسعود الثقفي والرستمي وأبي الخير

(5/155)


156
الباغبان وغيرهم وعدم تحت السيف رحمه الله وفيها أبو موسى الرعيني عيسى بن سليمان بن عبد الله الرعيني الأندلسي المالقي الرندي الحافظ كان حافظا متقنا أديبا نبيلا قال ابن ناصر الدين في بديعته ( ثم أبو موسى الرعين يعيسى * خير له بضبطه النفيسا ) وفيها أبو يحيى وأبو الفضل عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل بن خمارتكين بن طاشتكين الأربلي المعروف بالحاجري الملقب حسام الدين قال ابن خلكان هو جندي ومن أولاد الأجناد وله ديوان شعر تغلب عليه الرقة وفيه معان جيدة وهو مشتمل على الشع روالدوبيت والمواليا ولقد أحسن في الكل مع أنه قد من يجيد في مجموع الثلاثة وله أيضا كان وكان واتفقت له فيه مقاصد حسان وكان صاحبي وأنشدني كثيرا من شعره فمن ذلك قوله وهو معنى جيد ( ما زال يحلف لي بكل ألية * أن لا يزال مدى الزمان مصاحبي ) ( لما جفا نزل العذار بخده * فتعجبوا لسواد وجه الكاذب ) وأنشدني لنفسه أيضا ( لك خال من فوق عرش * شقيق قد استوى ) ( بعث الصدغ مرسلا * يأمر الناس بالهوى ) وأنشدني لنفسه أبياتا منها في صفة الخال ( لم يحو ذاك الخد خالا أسودا * إلا لنبت شقائق النعمان ) وله وقال لي ما يعجبني فيما عملت مثل هذا الدوبيت وهو آخر شيء عملته إلى الآن وهو ( حيا وسقى الحمى سحاب هامي * ما كان ألذ عامه من عام ) ( يا علوة ما ذكرت أيامكم * إلا وتظلمت على الأيام ) وكان لي أخ يسمى ضياء الدين عيسى وكان بينه وبين الحاجري المذكور مودة

(5/156)


157
أكيدة فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب وكان الأخ باربل ( الله يعلم ما أبقى سوى رمق * مني فراقك يا من قربه أمل ) ( فابعث كتابك واستودع تعزية * فربما مت شوقا قبل ما يصل ) وكنت قد خرجت من أربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه بعد أن كان حبس بقلعة خفتيد كان ثم نقل منها وله في ذلك أشعار منها قوله ومنها ( قيد أكابده وسجن ضيق * يا رب شاب من الهموم المفرق ) ( يا برق إن جئت الديار بأربل * وعلا عليك من التداني رونق ) ( بلغ تحية نازح حسراته * أبدا بأذيال الصبا تتعلق ) ( قل يا حبيب لك الفداء أسيركم * من كل مشتاق إليكم أشوق ) ( والله ما سرت الصبا نجدية * إلا وكدت بدمع عيني أشرق ) وبلغني بعد ذلك أنه خرج من الإعتقال واتصل بخدمة الملك المعظم مظفر الدين صاحب أربل وتقدم عنده وغير لباسه وتزيا بزي الصوفية فلما توفي مظفر الدين سافر من أربل ثم عاد إليها وقد صارت في مملكة أمير المؤمنين المستنصر بالله ونائبه بها الأمير شمس الدين أبو الفضائل باتكين وكان وراءه من يقصده فاتفق أنه خرج من بيته يوما قبل الظهر فوثب عليه شخص وضربه بسكين فأخرج حشوته فكتب في تلك الحال إلى باتكين المذكور وهو يكابد الموت ( أشكوك يا ملك البسيطة حالة * لم تبق رعبا في عضوا ساكنا ) ( أن يستبح ابن اللقيطة معشر * ممن أؤمل غير جأشك مازنا ) ( ومن العجائب كيف يمشي خائفا * من بات في حرم الخلافة آمنا ) ثم توفي بعد ذلك من يومه يوم الخميس ثاني شوال وتقدي رعمره خمسون سنة

(5/157)


158
والحاجري بفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مكسورة وبعدها راء نسبة إلى حاج ربليدة بالحجاز لم يبق اليوم منها سوى الآثار ولم يكن الحاجري منها بل نسب إليها لكونه استعملها في شعره كثيرا انتهى ملخصا وفيها أبو الفتوح الوثابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني يروي عن جده كتاب الذكر بسماعه من ابن طبرزد ويروي عن رجاء بن حامد المعداني راح تحت السيف في فتنة التتار وله ثمان وسبعون سنة وفيها جامع بن إسمعيل بن غانم بن صاين الدين الأصبهاني الصوفي المعروف بباله راوي جزء لوين عن محمد بن أبي القسم الصالحاني وفيها شمس الدين محمود بن علي بن محمود بن قرقر الدمشقي الجندي الأديب الشاعر روى عن أبي سعد بن أبي عصرون وتوفي في شوال وفيها ابن شداد قاضي القضاة بهاء الدين أبو العز يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وقرأ القراءات والعربية بالموصل على يحيى بن سعدون القرطبي وسمع من حفدة العطاردي وطائفة وبرع في الفقه والعلوم وساد أهل زمانه ونال رياسة الدين والدنيا وصنف التصانيف قال ابن شهبة سمع من جماعة كثيرة ببغداد وغيرها وأعاد بالنظامية في حدود سنة سبعين ثم انحدر إلى الموصل ودرس بمدرسة الكمال الشهرزوري ثم حج سنة ثلاث وثمانين وزار الشام واتصل بالسلطان صلاح الدين وحظي عنده وولاه قضاء العسكر وقضاء بيت المقدس وصنف له كتابا في فضل الجهاد ولما توفي اتصل بولده الظاهر وولاه قضاء حلب ونظر أوقافها وأجزل رزقه وعطاءه وأقطعه إقطاعا جزيلا ولم يكن له ولد ولا قرابة فكان ما يحصل له يتوفر عندي فيني به مدرسة وإلى جنبها دار حديث وبينها تربة وقصده الطلبة للدين والدينا وعظم شأن الفقهاء في زمانه لعظم قدره وارتفاع منزلته قال عمر بن الحاجب كان ثقة عارفا بأمور الدين اشته راسمه وسار

(5/158)


159
ذكره وكان ذا صلاح وعبادة وكان في زمانه كالقاضي أبي يوسف في زمانه دبر أمر الملك بحلب واجتمعت الألسن على مدحه وطول ابن خلكان ترجمته وهو ممن أخذ عنه توفي في رابع صفر ودفن بتربته بحل وذلك بعد أن ظهر أثر الهرم عليه ومن تصانيفه دلائل الأحكام على التنبيه في مجلدين وكتاب الموجز الباهر في الفقه وكتاب ملجأ الحكام في الأقضية في مجلدين وسيرة صلاح الدين أجاد فيها وأفاد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة في ربيعها جاءت فرقة من التتار فكسرهم عسكر أربل فما بالوا وساقوا إلى بلاد الموصل فقتلوا وسبوا فاهتم المستنصر بالله وأنفق الأموال فردوا ودخلوا الدربند وفيها أخذت الفرنج قرطبة واستباحوها فإنا لله وإنا إليه راجعون وفيها توفي الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي روى عن نصر الله القزاز وابن شاتيل وأبي المعالي بن صابر وكان يتعانى الجندية وفيه شجاعة وإقدام توفي في ربيع الأول وفيها القليوبي المؤخ أبو علي الحسن بن محمد بن إسمعيل عاش سبعين سنة وروى عن الأبله الشاعر وغيره فكتب الكثير وكان أديبا إخباريا وفيها زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر شيخة صالحة صوفية روت عن ابن البطي ويحيى بن ثابت وتوفيت في جمادى الأولى عن تسع وسبعن سنة وفيها خطيب زملكا عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري وله اثنتان وسبعون سنة روى عن أبي القاسم بن عساكر وتوفي في ذي الحجة وفيها ابن الرماح عفيف الدين علي بن عبد الصمد بن محمد المصري المقرىء النحوي قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي وسمع من السلفي وتصدر للإقراء والعربية بالفاضلية وغيرها وتوفي في جمادى الأولى

(5/159)


160
وفيها ابن روزبة أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روز البغدادي القلانسي العطار الصوفي حدث بالصحيح عن أبي الوقت ببغداد وحران ورأس العين وحلب ورد منها خوفا من الحصار الكائن بدمشق على الناصر داود وإلا كان عزمه المجيء إلى دمشق توفي فجأة في ربيع الآخر وقد نيف على التسعين وفيها العلامة الحافظ ابن دحية أبو الخطاب عمر بن حسن بن محمد الحميل بن فرج بن خلف الكلبي الداني ثم السبتي الحافظ اللغوي الظاهري المذهب روى عن أبي عبد الله بن زرقون وابن بشكوال وهذه الطبقة وعنى بالحديث أتم عناية وجال في مدن الأندلس ومدن العدوة وحج في الكهولة فسمع بمصر من البوصيري وبالعراق مسند الإمام أحمد وبأصبهان معجم الطبراني من الصيدلاني وبنيسابور صحيح مسلم بعلو بعد أن كان حدث به بالغرب بالإسناد النازل للأندلسي وكان يقول أنه حفظه كله قال في العبر وليس هو بالقوي ضعفه جماعة وله تصانيف ودعاوي مدحضة وعبارة متغيرة ومبغضة وقد نفق على الكامل وجعله شيخ دار الحديث بالقاهرة انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء متفننا في الحديث والنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها حصل مالا حصل غيره من العلم وكان في المحدثين مثل ابن عنين في الشعراء يثلب علماء المسلمين ويقع في أئمة الدين فترك الناس كلامه وكذبوه ولما انكشف حاله للكامل أخذ منه دار الحديث وأهانه ودخل دمشق فمال إليه الوزير ابن شكر فسأله أن يجمع بينه وبين الشيخ تاج الدين الكندي فاجتمعا وتناظرا وجرى بينهما البحث فقال له الكندي أخطأت فسفه عليه فقال الكندي أنت تكذب في نسبك إلى دحية الكلبي ودحية بإجماع المحدثين ما أعقب وقد قال فيك ابن عنين ( دحية لم يعقب فكم تنتمي * إليه بالبهتان والإفك ) ( ما صح عند الناس فيه سوى * أنك من كلب بلا شك )

(5/160)


161
توفي في رابع عشر ربيع الأول وله سبع وثمانون سنة ودفن بالقاهرة وفيها الأربلي فخر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سليمان الصوفي روى عن يحيى بن ثابت وأبي بكر بن النقور وجماعة كثيرة وتوفي بأربل في رمضان وروايته منتشرة عالية وفيها أبو بكر المأموني محمد بن محمد بن أبي المفاخر سعيد بن حسين العباسي النيسابوري ثم المصري الجنايزي روى عن السلفي وتوفي في ربيع الآخر وفيها نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني قاضي القضاة عماد الدين أبو صالح الجيلي ثم البغدادي الحنبلي أجاز له ابن البطي وسمع من شهدة وطبقتها ودرس وأفتى وناظر وبرع في المذهب وولى القضاء سنة ثلاث وعشرين وعزل بعد أشهر وكان لطيفا ظريفا متين الديانة كثير التواضع متحريا في القضاء قوي النفس في الحق عديم المحاباة والتكلف قاله في العبر وقال ابن رجب كان عظيم القدر بعيد الصيت معظما عند الخاصة والعامة ملازما طريق النسك والعبادة مع حسن سمت وكيس وتواضع ولطف وبشر وطيب ملتقى وكان محبا للعلم مكرما لأهله ولم يزل على طريقة حسنة وسيرة مرضية وكان أثريا سنيا متمسكا بالحديث عارفا به ولاه الظاهر الخليفة بن الناصر قضاء القضاة بجميع مملكته فيقال أنه لم يقبل إلا بشرط أن يورث ذوي الأرحام فقال له اعط كل ذي حق حقه واتق الله ولا تتق سواه وأرسل إليه عشرة آلاف دينار يوفى بها ديون من في سجنه من المدينين الذين لا يجدون وفاء ورد إليه النظر في جميع الوقوف العامة ووقوف المدارس الشافعية والحنفية وجامعي السلطان وابن عبد اللطيف فكان يولي ويعزل في جميع المدارس حتى النظامية ولما توفي الظاهر أقره ابنه المستنصر مديدة وكان في أيام ولايته تؤذن نوابه في مجلس الحكم ويصلي جماعة ويخرج إلى الجامع راجلا وكان يلبس القطن متحريا في القضاء قوي النفس في الحق ويتخلق

(5/161)


162
بسائر سيرة السلف ولما عزله المستنصر أنشد عند عزله ( حمدت الله عز وجل لما * قضى لي بالخلاص من القضاء ) ( وللمستنصر المنصور أشكر * وأدعو فوق معتاد الدعاء ) ولا أعلم أحدا من أصحابنا دعي بقاضي القضاة قبله ولا استقل منهم بولاية قضاء القضاة في مصر غيره وقد صنف في الفقه كتابا سماه إرشاد المبتدين وخرج لنفسه أربعين حديثا وتفقه عليه جماعة وانتفعوا به وسمع منه الحديث خلق كثير وروى عنه جماعة منهم عبد الصمد بن أبي الجيش وتوفي سحر يوم الأحد سادس عشر شوال عن سبعين سنة ودفن بتربة الإمام أحمد رضي الله عنه انتهى ملخصا سنة أربع وثلاثين وستمائة فيها نزل التتار على أربل وحاصروها وأخذوها بالسيف حتى جافت المدينة بالقتلى وترحلت الملاعين بغنائم لا تحصي فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفيها توفي الملك المحسن عين الدين أحمد بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب روى عن ابن صدقة الحراني والبوصيري وعنى بالحديث أتم عناية وكتب الكثير وكان متواضعا متزهدا كثير الأفضال على المحدثين وفيه تشيع قليل توفي بحلب في المحرم قاله في العبر وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي القطيعي الأزجي المؤرخ الحنبلي وقد سبق ذكر أبيه أسمعه أبوه من ابن الخل الفقيه وأبي بكر بن الزاغوني ونصر بن نصر العكبري وسلمان بن حامد الشحام وتفرد في وقته بالرواية عن هؤلاء وأسمعه أيضا من أبي الوقت صحيح البخاري وهو آخر من حدث عنه به ثم طلب هو بنفسه وسمع من جماعة ورحل وسمع بالموصل ودمشق وحران ثم رجع إلى بغداد ولازم

(5/162)


163
ابن الجوزي مدة وأخذ عنه وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه ومروياته وجمع تاريخا في نحو خمسة أسفار ذيل به تاريخ ابن السمعاني سماه درة الأكليل في تتمة التذييل وفيه فوائد جمة مع أوهام وقد بالغ ابن النجار في الحط على تاريخه هذا مع أنه أخذه عنه ونقل منه في تاريخه أشياء كثيرة بل نقله كله كما قال ابن رجب وشهد عند القضاة مدة واستخدم في عدة خدم وأسن وانقطع في منزله إلى حين وفاته وكان يخضب بالوساد ثم تركه قبل موته بمدة وقد وصفه غير واحد من الحفاظ وغيرهم بالحافظ وأثنى عمر بن الحاجب على تاريخه وحدث بالكثير ببغداد والموصل وروى عنه جماعة كثيرون منهم الشيخ تقي الدين الواسطي قال ابن النجار توفي ليلة السبت لأربع خلون من ربيع الآخر ببغداد ودفن بباب حرب وفيها أبو الفضل وأبو محمد إسحق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي بفتح العين المهملة وسكون اللام وثاء مثلثة نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرا الزاهد القدوة ابن عم طلحة بن المظفر سمع من أبي الفتح بن شاتيل وقرأ على ابن كليب وكان فقيها حنبليا عالما أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر لا يخاف أحدا إلا الله ولا تأخذه في الله لومة لائم أنكر على الخليفة الناصر فمن دونه وواجه الخليفة وصدعه بالحق قال الناصح بن الحنبلي هو اليوم شيخ العراق والقائم بالإنكار على الفقهاء والفقراء وغيرهم فيما ترخصوا فيه وقال المنذري قيل أنه لم يكن في زمانه أكثر إنكارا للمنكر منه وحبس على ذلك مدة وقال ابن رجب وله رسائل كثيرة في الإنكار وحدث وسمع منه جماعة وتوفي في شه رربيع الأول وفيها موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن صديق الحراني الحنبلي رحل إلى بغداد وتفقه بابن المنى وسمع من عبد الحق وطائفة وتوفي بدمشق في صفر وفيها الخليل بن أحمد أبو طاهر الجوسقي الصرصري بها أي بصرصر وهي بصادين مهملتين قرية على

(5/163)


164
فرسخين من بغداد قرأ القراءات على جماعة وسمع من ابن البطي وطائفة وتوفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة وقد أجاز لجماعة وفيها أبو منصور سعيد بن محمد بن يس البغدادي السفار في التجارة حج تسعا وأربعين حجة وحدث عن ابن البطي وغيره وتوفي في صفر وفيها أبو الربيع الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم البلنسي الحافظ الكبير الثقة صاحب التصانيف وبقية أعلام الأثر بالأندلس ولد سنة خمس وستين وخمسمائة وسمع ابن زرقون وطبقته قال الأبار كان بصيرا بالحديث عاقلا عارفا بالجرح والتعديل ذاكرا للموالد والوفيات يتقدم أهل زمانه في ذلك خصوصا من تأخر زمانه ولا نظير لخطه في الإتقان والضبط مع الإستبحار في الأدب والبلاغة كان فردا في إنشاء الرسائل مجيدا في النظم خطيبا مفوها مدركا حسن السرد والمساق مع الشارة الأنيقة وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم والمبين لما يريدونه على المنبر في المحافل ولي خطابة بلنسية وله تصانيف في عدة فنون استشهد بكائنة ايتسه بقرب بلنسية مقبلا غير مدبر في ذي الحجة وفيها أبو داود سليمان بن مسعود الحلبي الشاعر اللطيف من شعره ( ألا زد غراما بالحبيب وداره * وإن لج واش فاحتمله وداره ) ( وإن قدح اللوام فيك بلومهم * زناد الهوى يوما فأورى فواره ) ( عسى زورة تشفي بها منه خلسة * فإنك لا يشفيك غير ازدياره ) ( وذي هيف فيه يقوم لعاذلي * بعذري إذا ما لام لام عذاره ) ( فسبحان من أجرى الطلا من رضابه * ومن أنبت الريحان من جلناره ) ( وقد دب عنها صدغه بعقارب * وناظره من سيفه بشفاره ) وفيها الناصح بن الحنبلي أبو الفجر عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الشيخ أبو الفرج الجزري السعدي العبادي الشيرازي الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي المعروف بابن الحنبلي ولد بدمشق ليلة الجمعة سابع عشر شوال سنة

(5/164)


165
أربع وخمسين وخمسمائة وسمع بها من القاضي أبي الفضل الشهرزوري وجماعة ورحل إلى البلاد فأقام ببغداد مدة وسمع بها من شهدة والسقلاطوني وخلائق وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني وهو آخر من سمع منه لأنه سمع منه في مرض موته وسمع بالموصل من الشيخ أبي أحمد الحداد الزاهد شيئا من تصانيفه ودخل بلاد أكوه واجتمع بفضلائها وصالحيها وفاوضهم وأخذ عنهم وقدم مصر مرتين وتفقه ببغداد على ابن المنى وأبي البقاء العكبري وقرأ عليه فصيح ثعلب من حفظه وأخذ عن الكمال السنجاري واشتغل بالوعظ وبرع فيه ووعظ من أوائل عمره وحصل له القبول التام وقد وعظ بكثير من البلاد التي دخلها كمصر وحلب وأربل والمدينة النبوية وبيت المقدس وكانت له حرمة عند الملوك والسلاطين خصوصا ملوك الشام بني أيوب وحضر فتح القدس مع السلطان صلاح الدين قال واجتمعت بالسلطان في القدس بعد الفتح بسنتين وسألني عن أشياء كثيرة منها الخضاب بالسواد فقلت مكروه ومنها من أربعة من الصحابة من نسل رأوا رسول الله فقلت أبو بكر الصديق وأبوه أبو قحافة وعبد الرحمن بن أبي بكر ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ثم أخذ السلطان يثني على والدي ويقول ما أولد إلا بعد أربعين قال وكان عارفا بسيرة والدي ودرس الناصح بمدارس منها مدرسة جده شرف الإسلام بالمسمارية ثم بنت له الصحابة ربيعة خاتون مدرسة بالجبل وهي المعروفة بالصاحبية فدرس بها سنة ثمان وعشرين وستمائة وكان يوما مشهودا وحضرت الواقفة من وراء الستر وانتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ موفق الدين وكان يساميه في حباته قال الناصح وكنت قدمت من أربل سنة وفاة الشيخ الموفق فقال لي سررت بقدومك مخافة أن أموت وأنت غائب فيقع وهن في المذهب وخلف بين أصحابنا وقد وقع مرة بين الناصح والشيخ الموفق اختلاف في فتوى في السماع المحدث

(5/165)


166
فأجاب فيها الشيخ الموفق بإنكاره فكتب الناصح بعده ما مضمونه الغناء كالشعر فيه مذموم وممدوح فما قصد به ترويح النفس وتفريج الهموم وتفريغ القلوب كسماع موعظة وتحريم لتذكرة فلا بأس به وهو حسن وذكر أحاديث في تغني جويريات الأنصار وفي الغناء في الأعراس وأحاديث في الحداء وأما الشبابة فقد سمعها جماعة ممن لا يحسن القدح فيهم من مشايخ الصوفية وأهل العلم وامتنع من حضورها الأكثر وكون النبي سد أذنيه منها مشترك الدلالة لأنه لم ينه ابن عمر عن سماعها وأطال في ذلك ورد مقالة الموفق لما وقف عليه فراجعه في طبقات ابن رجب فإنه نافع مهم والله أعلم وللناصح تصانيف عدة منها كتاب أسباب الحديث في مجلدات عدة وكتاب الإستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد وكتاب الأنجاد في الجهاد وقال الحافظ الدبيثي في تاريخه للناصح خطب ومقامات وكتاب تاريخ الوعاظ وأشياء في الوعظ قال وكان حلو الكلام جسد الإيراد شهما مهيبا صارما وكان رئيس المذهب في زمانه بدمشق وقال أبو شامة كان واعظا متواضعا متقنا له تصانيف وقال المنذري قدم يعني الناصح مصر مرتين ووعظ ودرس وكان فاضلا وله مصنفات وهو من بيت الحديث والفقه حدث هو وأبوه وجده وجد أبيه وجد جده لقيته بدمشق وسمعت منه وقال ابن رجب سمع منه الحافظ ابن النجار وغيره وخرج له الزكي البرزالي وروى عنه وتوفي يوم السبت ثاث المحرم بدمشق ودفن من يومه بتربتهم بسفح قاسيون وفيها موفق الدين أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن محمد بن بركة بن أحمد بن صديق بن صروف الحراني الفقيه الحنبلي ولد سنة ثلاث أو أربع وخمسين وخمسمائة بحران وسمع بها من ابن أبي حية وغيره ورحل إلى بغداد وسمع بها من ابن شاتيل وغيره وتفقه على ابن المنى وأبي البقاء العكبري وابن الجوزي ولازمه ورجع إلى حران وحدث بها

(5/166)


167
وبدمشق وسمع منه المنذري والأبرقوهي وابن حمدان وقال كان شيخا صالحا من قوم صالحين وتوفي سادس عشر صفر ودفن بسفح قاسيون وتقدم ذكره في هذه السنة مختصرا وفيها أبو العباس أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد بن مطر بن أحمد بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي الخطيب المعدل الحنبلي ولد في ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة وسمع من ابن شاتيل وغيره وتفقه في المذهب وطعن فيه بعضهم وحدث هو وأبوه وجده وعمه أفضل وسمع منه ابن الساعي وغيره وتوفي في ثامن ربيع الأول ودفن عند أبيه بمقبرة الإمام أحمد وفيها ناصح الدين عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم بن محمد بن حمد بن سلامة الحراني الفقيه الحنبلي الزاهد شيخ حران ومفتيها ولد في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة بحران وسمع بها من ابن طبرزد وغيره وسمع بدمشق من ابن صدقة وغيره وببغداد من ابن الجوزي وجماعة وأخذ العلم بحران عن أبي الفتح بن عبدوس وغيره وقرأ الروضة على مؤلفها الموفق وأقرأ وحدث وقال المنذري لقيته بحران وسمعت منه وقال ابن حمدان قرأت عليه الخرقي والهداية وبعض العمدة وسمعت عليه أشياء كثيرة منها جامع المسانيد لابن الجوزي وكان قليل الكلام فيما لا يعنيه كثير الديانة والتحرز فميا يعنيه شريف النفس مهيبا معروفا بالفتوى في مذهب أحمد وصنف منسكا وسطا جيدا وكتاب المذهب المنضد في مذهب أحمد ضاع منه في طريق مكة وحفظ الروضة الفقيه والهداية وغيرهما ولم يتزوج وطلب للقضاء فأبى ودرس في آخر عمره بحضوري عنده في مدرسة بني العطار التي عمرت لأجله وتوفي في الحادي عشر من ربيع الأول بحران انتهى كلام ابن حمدان وفيها شمس الدين أبو طالب عبد الله بن إسمعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي الواعظ الحنبلي المعروف والده بالفخر غلام ابن المنى سمع أبو طالب من ابن كليب وغيره وتفقه في المذهب واشتغل بالوعظ ووعظ ببغداد ومصر

(5/167)


168
وحدث وله نظم المنذري سمعت منه شيئا من شعره توفي في ثاني عشرى شعبان وهو في سن الكهولة وفيها عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان المقدسي الفقيه الحنبلي سمع من أسعد بن سعيد وغيره وتفقه في المذهب ودرس وحدث توفي في حادي عشر ذي القعدة وفيها أبو عمرو عثمان بن الحسن السبتي اللغوي أخو ابن دحية روى عن ابن زرقون وابن بشكوال وغيرهما وولي مشيخة الكاملية بعد أخيه وتوفي بالقاهرة وفيها صاحب الروم السلطان علاء الدين كيقياذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي كان ملكا جليلا شهما شجاعا وافر العقل متسع الممالك تزوج بابنه الملك العادل وامتدت أيامه وتوفي في سابع شوال وكان فيه عدل وخير في الجملة قاله في العبر وفيها أبو الحسن القطيعي محمد بن أحمد بن عمر البغدادي المحدث المؤرخ ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وسمع من ابن الزاغوني ونصر العكبري وطائفة ثم طلب بنفسه ورحل إلى خطيب الموصل وبدمشق من أبي المعالي بن صابر وأخذ الوعظ عن ابن الجوزي وهو أول شيخ ولي المستنصرية من حدث بالبخاري سماعا عن أبي الوقت ضعفه ابن النجار لعدم إتقانه وكثرة أوهامه توفي في ربيع الآخر وفيها الملك العزيز غياث الدين محمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب وسبط الملك العادل ولوه السلطنة بعد أبيه وله أربع سنين من أجل والدته الصحابة وهي كانت الكل وكان الأتابك طغربك يسوس الأمور وكان العزيز حسن الصورة عفيفا توفي في هذه السنة ودفن بالقلعة وأقيم بعده ابنه الملك الناصر يوسف وهو طفل أيضا وفيها مرتضى بن أبي الجود حاتم بن المسلم الحارثي الحوفي أبو الحسن المقرىء قرأ القراءات وسمع الكثير من السلفي وجماعة وكان عالما عاملا كبير القدر قانعا متعففا يختم في الشهر ثلاثين ختمة توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة قاله في

(5/168)


169
العبر وفيها أبو القسم هبة الله بن الحسن بن أحمد البغدادي المقرىء المعروف بالأشقر قرأ القراءات على محمد بن خلد الرزاز وغيره وتفقه في مذهب الإمام أحمد قال ابن الساعي كان شيخا فاضلا حسن التلاوة للقرآن مجيد الأداء به عالما بوجوه القراءات وطرقها وتعليلها وإعرابها يشار إليه بمعرفة علوم القرآن بصيرا بالنحو واللغة وكان يؤم بالخليفة الظاهر وقرأ عليه الظاهر والوزير ابن الناقد فلما ولى الظاهر الخلافة أكرمه وأجله وكذلك لما ولى ابن الناقد الوزارة وكان يقول قرأ على القرآن أرباب الدنيا والآخرة وكان لأم الخليفة الناصر فيه عقيدة فمرض فجاءته تعوده وسمع منه ابن النجار وابن الساعي وغيرهما وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين وفيها أبو بكر الحربي هبة الله بن عمر بن كمال الحلاج آخر من حدث عن هبة الله بن الشبلي وكمال بنت السمرقندي توفي في جمادى الأولى وفيها ياسمين بنت سالم بن علي بن البيطار أم عبد الله الخريمية روت عن هبة الله بن الشبيلي القصار وتوفيت يوم عاشوراء وفيها أبو الحرم مكي ابن عمر بن نعمة بن يوسف بن عساكر بن عسكر بن شبيب بن صالح المقدسي الأصل الفقيه الحنبلي الزاهد الرؤبي ولد في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمصر وسمع من والده ومن ابن بري النحوي وخلق وسمع بمكة من محمد بن الحسين الهروي الحنبلي وغيره وتفقه في المذهب بمصر قال المنذري اشتهر بمعرفة الفقه وجمع مجاميع الفقه وغيره وانتفع به جماعة وأم بالمسجد المعروف به بدرب البقالين بمصر وسمعت منه وكان يبني ويأكل من كسب يده وقال ابن رجب هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني وتوفي في العشرين من جمادى الآخرة بمصر ودفن من الغد إلى جانب والده بسفح المقطم وفيها أبو المظفر يوسف بن أحمد بن الخلال الحنبلي سمع من ابن شاتيل وتفقه في المذهب وكان فقيها صالحا فاضلا مقرئا متدينا حسن الطريقة توفي

(5/169)


170
ببغداد في العشرين من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وستمائة فيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب وتفسد فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف والتتار في عشرة آلاف فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا خلقا وكادوا ينتصرون وقتل بكلك وجماعة أمراء أعيان وفيها توفي أبو محمد الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمامي عن إحدى وثمانين سنة راو حجة روى عن ابن البطي وأبي المعالي بن اللحاس وطائفة وأجاز له مسعود الثقفي وجماعة توفي في تاسع عشر ربيع الآخر وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن سيدك الأواني الشاعر المجيد أشعاره رائقة مطربة منها ( سلوا من كسا جسمي نحافة خصره * وكلفني في الحب طاعة أمره ) ( يبدل نكر الوصل منه بعرفه * لدى وعرف الهجر منه بنكره ) ( فما تعرف الأرواح إلا بقربه * ولا تصرف الأتراح إلا بذكره ) ( ولا تنعم الأوقات إلا بوصله * ولا تعظم الآفات إلا بهجره ) ( فأقسم بالمحمر من ورد خده * يمينا وبالمبيض من در ثغره ) ( لقد كدت لولا ضوء صبح جبينه * أتيه ضلالا في دجى ليل شعره ) وفيها ابن رئيس الرؤساء أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله ابن الوزير رئيس الرؤساء أبي القسم بن المسلمة البغدادي الناسخ الصوفي ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من ابن البطي وأحمد بن المقرب وتوفي في رجب وفيها قاضي حلب زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الشافعي ابن الأستاذ روى عن يحيى الثقفي توفي في شعبان بحلب عن ثمان وخمسين سنة وكان من سروات الرؤساء

(5/170)


171
وفيها ابن اللتي مسند الوقت أبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي بن عمر بن زيد الحريمي القزاز رجل مبارك حي ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة وسمع من أبي الوقت وسعيد بن البنا وطائفة وأجاز له مسعود الثقفي والأصبهانيون وكان آخر من روى حديث البغوي بعلو نشر حديثه بالشام ورجع منها في آخر سنة أربع وثلاثين فتوفي ببغداد في رابع عشر جمادى الأولى وفيها أبو طالب عبد الله بن المظفر بن الوزير أبي القسم علي بن طراد الزينبي العباسي البغدادي روى عن ابن البطي حضورا وعن أبي بكر بن النقور ويحيى بن ثابت توفي في رمضان وفيها الرضى عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار أبو محمد المقدسي الملقن اقرأ كتاب الله احتسابا أربعين عاما وختم عليه خلق كثير وروى عن يحيى الثقفي وطاثفة وكان كثير العبادة والتهجد توفي في ثاني صفر وقد شاخ وفيها صدر الدين عبد الرزاق بن الإمام أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة شيخ الشيوخ البغدادي حضر على ابن البطي وسمع من شهدة وترسل عن الخليفة إلى النواحي وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو بكر عبد الكريم بن عبد الله بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود الفارسي الزاهد الحنبلي ابن أخي الحسن بن مسلم الزاهد المتقدم ذكره ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة بالفارسية قرية على نهر عيسى وقرأ القرآن وسمع الحديث من أبي الفتح البرداني وابن بوش وغيرهما وتفقه في المذهب وحدث وسمع منه ابن البخاري وعبد الصمد بن أبي الجيش وغيرهما ووصفاه بالصلاح والديانة قال ابن النجار كان شيخا صالحا متدينا ورعا منقطعا عن الناس في قريته يقصده الناس لزيارته والتبرك به وحول جماعة من الفقراء ويضيف من يمر به وتوفي يوم الخميس لتسع خلون من صفر ودفن من يومه عند عمه الحسين بن مسلم بالفارسية وفيها الملك الكامل

(5/171)


172
سلطان الوقت ناصر الدين أبو المعالي محمد بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة وتملك الديار المصرية تحت جناح والده عشرين سنة وبعده عشرين سنة وتملك دمشق قبل موته بشهرين وتملك حران وآمد وتلك الديار وله مواقف مشهودة وكان صحيح الإسلام معظما للسنة وأهلها محبا لمجالسة العلماء فيه عدل وكرم وحياء وله هيبة شديدة ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم شنق جماعة من أجناده على آمد في أكيال شعير غصبوه قاله في العبر وقال ابن خلكان كان سلطانا عظيم القدر جميل الذكر محبا للعلماء متمسكا بالسنة النبوة حسن الإعتقاد معاشرا لأرباب الفضائل حازما في أموره لا يضع الشيء إلا في موضعه من غير إسراف ولا إقتار وكان يبيت عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء ويشاركهم في مباحثاتهم ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فن وهو معهم كواحد منهم وكان يعجبه هذان البيتان وينشدهما كثيرا وهما ( ما كنت من قبل ملك قلبي * تصد عن مدنف حزين ) ( وإنما قد طمعت لما * حللت في موضع حصين ) وبنى بالقاهرة دار حديث ورتب لها وقفا جيدا وقد بنى على قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه قبة عظيمة ودفن أمه عنده وأجرى إليها من ماء النيل ومدده بعيد وغرم على ذلك جملة عظيمة ولما مات أخوه الملك المعظم صاحب الشام وقام ولده الملك الناصر صلاح الدين داود مقامه خرج الملك الكامل من الديار المصرية قاصدا لأخذ دمشق منه وجاء أخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى فاجتمعا على أخذ دمشق بعد فصول جرت يطول شرحها وملك دمشق في أول شعبان سنة ست وعشرين وستمائة وكان يوم الإثنين فلما ملكها دفعها لأخيه الملك الأشرف وأخذ موضعه من بلاد الشرق حران والرها وسروج والرقة ورأس عين وتوجه إليها بنفسه في تاسع شهر رمضان من

(5/172)


173
السنة واجتزت بحران في شوال سنة ست وعشرين والملك العادل مقيم بها بعساكر الديار المصرية وجلال الدين خوارزم شاه يوم ذاك يحاصر خلاط وكانت لأخيه الملك الأشرف ثم قال ابن خلكان خطب له بمكة شرفها الله تعالى فلما وصل الخطيب إلى الدعاء اللملك الكامل قال صاحب مكة وعبيدها واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها والشام وصناديدها والجزيرة ووليدها سلطان القبلتين ورب العلامتين وخادم الحرمين الشريفين أبو المعالي محمد الملك الكامل نصار الدين خليل أمير المؤمنين ولقد رأيته بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عند رجوعه من بلاد الشرق واستنقاذه إياهلا من يد علاء الدين كيقياد بن سلجوق صاحب الروم وهي واقعة يطول شرحها وفي خدمته بضعة عشر ملكا منهم أخوه الملك الأشرف ولم يزل في علو شأنه وعظم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذه دمشق ولم يركب وكان ينشد في مرضه كثيرا ( يا خليلي خبراني بصدق * كيف طعم الكرى فإني عليل ) ولم يزل كذلك إلى أن توفي يوم الأربعاء بعد العصر ودفن بقلعة دمشق يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب وكنت بدمشق يومئذ وحضرت الصبيحة يوم السبت في جامع دمشق لأنهم أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة فلما دنت الصلاة قام بعض الدعاة على العريش الذي بين يدي المنبر وترحم على الملك الكامل ودعا لولده الملك العادل صاحب مصر وكنت حاضرا في ذلك الموضع فضج الناس ضجة واحدة وكانوا د أحسوا بذلك لكنهم لم يتحققوا انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال الذهبي مرض بقلعة دمشق بالسعال والإسهال نيفا وعشرين ليلة وكان في رجله نقرس فمات وقال ابن الأهدل وللكامل هفوة جرت منه عفا الله عنه وذلك أنه سلم مرة بيت المقدس إلى الفرنج اختيارا نعوذ بالله من سخط الله وموالاة أعداء الله وفيها أبو بكر محمد بن سمعود بن مهروز البغدادي الطبيب سمعه خاله من أبي

(5/173)


174
الوقت وتفرد بالرواية بالسماع منه وتوفي في رمضان وقد جاوز التسعين وفيه شرف الدين محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي الدمشقي ابن ابن أخي الشيخ أبي البيان كان أديبا شاعرا صالحا زاهدا ولي مشيخة رباط أبي البيان وروى عن ابن عساكر وتوفي في رجب وفيها أبو نصر بن الشيرازي القاضي شمس الدين محمد بن هبة الله عن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وأبعين وخمسمائة وأجاز له أبو الوقت وطائفة وسمع من أبي يعلى بن الحيوني وطائفة كثيرة وله مشيخة في جزء ودرس وأفتى وناظر ودرس وصار من كبار أهل دمشق في العلم والرواية والرياسة والجلالة ودرس مدة بالشامية والكبرة قال ابن شهبة ولي قضاء بيت المقدس ثم ولي تدريس الشامية البرانية ثم ولي قضاء دمشق في سنة إحدى وثلاثين وستمائة وكان فقيها فاضلا خيرا دينا منصفا عليه سكينة ووقار حسن الشكل يصرف أكثر أوقاته في نشر العلم مات في جمادى الآخرة وفيه خطيب دمشق الدولعي بفتح الدال المهملة وبعد الواو واللام عين مهملة نسبة إلى الدولعية قرية بالموصل جمال الدين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن يس أبو عبد الله الثعلبي الشافعي ولد بالدولعية في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وخمسمائة وتفقه على عمه ضياء الدين الدولعي خطيب دمشق أيضا وسمع منه ومن جماعة منهم ابن صدقة الحراني وولي الخطابة بعد عمه وطالت مدته في المنصب وولى تدريس الغزالية مدة وكان له ناموس وسمت حسن يفخم كلامه قال أبو شامة وكان المعظم قد منعه من الفتوى مدة ولم يحج لحرصه على المنصب مات في جمادى الأولى ودفن بمدرسته التي أنشأها بجيرون وفيها نجم الدين أبو المفضل مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند القرشي الدمشقي المعروف بابن أبي الصقر ولد في رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وسمع من حمزة بن الحبوني وحمزة بن كروس وحسان

(5/174)


175
الزيات والفلكي وعلي بن أحمد بن مقاتل وطائفة وتفرد وطال عمره وسافر للتجارة كثيرا وتوفي في رجب وفيها الملك مظفر الدين أبو الفتح موسى بن العادل ولدهو وأخوه الكامل في سنة واحدة وهي سنة ست وسبعين وخمسمائة وماتا أيضا في هذه السنة وكان مولده بالقاهرة وروى عن ابن طبرزد وتملك حران وخلاط وتلك الديار مدة ثم تملك دمشق تسع سنين فأحسن وعدل وخفف الجور قال الذهبي كان فيه دين وتواضع للصالحين وله ذنوب عسى الله أن يغفرها له وكان حلو الشمائل محببا إلى رعيته موصوفا بالشجاعة لم تكسر له راية قط انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان جوادا عادلا سخيا لو دفع الدنيا إلى أقل الناس لم يستكثرها عليه ميمون الطليعة ما كسرت له راية قط متعففا عن المحارم ما خلا بامرأة قط إلا زوجته أو محرمه قال أبو المظفر لما صعد إلى خلاط اجتمعت معه في منظرة فقال والله ما مددت عيني إلى حريم أحد قط لا ذكر ولا أنثى ولقد كنت يوما قاعدا ههنا فقال الخادم على الباب عجوز تستأذن من عند بنت شاه أرمن صاحب خلاط سابقا فأذنت لها فناولتني ورقة تذكر أن الحاجب عليا قد قصدها وأخذ ضيعها وقصد هلاكها وتخاف منه أن تخرج فكتبت على الورقة بإطلاق الضيعة ونهى الحاجب عنها فقالت العجوز هي تسأل الإذن بالحضور فلها سر تذكره للسلطان فقلت بسم الله فغابت ساعة ثم جاءت ومعها امرأة ما يمكن في الدنيا أحسن من قدها ولا أظفر من شكلها كأن الشمس تحت نقابها فخدمت ووقفت فقمت لها لكونها بنت شاه فسفرت عن وجهها فأضاءت منه المنظرة فقلت غطي وجهك واذكري حاجتك فقالت مات أبي واستوليتم على البلاد ولي ضيعة أعيش منها أخذها الحاجب مني وما أعيش إلا من عمل النقش وأنا ساكنة في دور الكراء قال فبكيت وأمرت لها بقماش وسكن يصلح لها وقلت بسم الله في حفظ الله ودعته فقالت العجوز ما جاءت إلا لتحظى بك الليلة

(5/175)


176
قال فأوقع الله في قلبي تغير الزمان وتملك غيري وتحتاج بني أن تقعد مثل هذه القعدة فقلت يا عجوز معاذ الله والله ما هو من شيمتي ولا خلوت بغير محارمي خذيها وانصرفي وهي العزيز الكريمة ومهما كان لها من الحوائج فهذا الخادم تنفذ إليه فقامت وهي تبكي وتقول بالأرمنية صان الله حريمك فلما خرجت قالت لي النفس في الحلال مندوحة عن الحرام تزوجها فقلت للنفس يا خبيثة أين الحساء والكرم والمروءة والله لا فعلته أبدا وقدم عليه النظام بن أبي الحديد ومعه نعل النبي فقام له قائما ونزل فأخذ النعل ووضعه على عينيه وبكى وأجرى على النظام النفقات وأراد أن يأخذ منه قطعة تكون عنده ثم رجع وقال ربما يجيء بعدي من يفعل مثل فعلي فيتسلسل الحال ويؤدي إلى استئصاله فتركه ومات النظام بعد مدة وأوصى له بالنعل فلما فتح دمشق اشترى دار قايماز النجمي وجعلها دار حديث وترك النعل بها وبنى مسجد أبي الدرداء بقلعة دمشق والمسجد الذي عند باب النصر وخان الزنجاري وهو جامع العقيبة ومسجد القصب خارج باب السلاح وجامع جراح وجامع بيت الأنبار وجامع حرستا وزاد وقف دار الحديث النورية والتربة التي بالكلاسة وكان حسن الظن بالفقراء وكان له في بستانه الذي بالنيرب أماكن مشهورة مزخرفة مثل صفة بقراط وغيرها يخلو بها وأباح لأهل دمشق الفرجة بها تطييبا لقلوب الرعية ومن شعره يخاطب الخليفة الناصر ( العبد موسى ذو الضراعة طوره * بغداد آنس عندها نار الهدى ) ( عبد أعد لدى الآله وسيلة * دنيا ودينا أحمدا ومحمدا ) ( هذا يقوم بنصره في هذه * عند الخطوب وذاك شافعه غدا ) وتوفي يوم الخميس رابع المحرم فتسلطن بعده أخوه الصالح إسمعيل وركب ركوب السلطنة وترجل الناس بين يديه وصادر جماعة من أهل دمشق وركب

(5/176)


177
التعاسيف فجاء عسكر الكامل وحصر د مشق وقطع المياه وأحرق العقيبة وقصر حجاج ونصبوا المجانيق وقع الصلح على أن أعطوا الصالح بعلبك وبصرى وتسلم الكامل دمشق وفيها الحكيم الفاضل سديد الدين أبو الثناء محمود بن عمر الحابولي عرف بابن دقيقة الشيباني صنف كتاب قانون الحكماء وفردوس الندماء وكتاب الغرض المطلوب في تدبير المأكول والمشروب وغير ذلك وله ديوان شعر منه فيما يتعلق بالطب ( توق الامتلاء وعد عنه * وإدخال الطعام على الطعام ) ( وإكثار الجماع فإن فيه * لمن والاء داعية السقام ) ( ولا تشرب عقيب الأكل ماء * لتسلم من مضرات الطعام ) ( ولا عند الخوى ولجوع حتى * تلهى باليسير من الأدام ) ( وخذ منه القليل ففيه نفع * لدى العطش المبرح والأوام ) ( وهضمك فأصلحنه فهو أصل * وأسهل بالأيارج كل عام ) ( وفصد العرق نكب عنه إلا * لدى مرض بطيب الطبع حامي ) ( ولا تتحركن عقيب أكل * وصير ذاك بعد الانهضام ) ( ولا تطل السكون فإن منه * تولد كل خلط فيك خام ) ( وقلل ما استطعت الماء بعد الرياضة * واجتنب شرب المدام ) ( وخل السكر واهجره مليا * فإن السكر من فعل الطغام ) ( وأحسن صون نفسك عن هواها * تفز بالخلد في دار السلام ) وفيها شمس الدين بن سنى الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى بن هبة الله بن سنى الدولة الحسين بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة الدمشقي الشافعي والد قاضي القضاة صدر الدين أحمد ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وتفقه على ابن أبي عصرون والقطب النيسابوري واشتغل بالخلاف وسمع من أحمد ابن الموازيني وطائفة وولي قضاء الشام قال الذهبي وحمدت سيرته وكان إماما

(5/177)


178
فاضلا مهيبا حدث بمكة وبيت المقدس وحمص وتوفي في ذي القعدة وفيها أبو المحاسن يوسف بن إسمعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء الملقب شهاب الدين الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة كان أديبا فاضلا متقنا لعلم العروض والقوافي شاعرا يقع له في النظم المعاني البديعة وله ديوان شعر في أربع مجلدات وكان ملازما لحلقة الشيخ تاج الدين المعروف بابن الحراني الحلبي النحوي اللغوي وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع قال ابن خلكان كان بيني وبين الشهاب الشواء مودة أكيدة ومؤانسة كثيرة وكان حسن المحاورة مليح الإيراد مع السكون والتأني وأول شيء أنشدني من شعره قوله ( هاتيك يا صاح ربا لعلع * ناشدتك الله فعرج معي ) ( وانزل بنا بين بيوت النقا * فقد غدت آهلة المربع ) حتى نطيل اليوم وقفا على الساكن أو عطفا على الموضع وأنشد لنفسه أيضا ( ومهفهف عنى الزمان بخده * فكساه ثوبي ليله ونهاره ) ( لأمهدت عذري محاسن وجهه * إن غض مني منه غصن عذاره ) وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر ( أرسل صدغا ولوى قاتلي * صدغا فاعيا بهما واصفه ) ( فخلت ذا في خده حية * تسعى وهذا عقربا واقفه ) ( ذا ألف ليست لوصل وذا * واو ولكن ليست العاطفه ) وله في شخص لا يكتم السر ( لي صديق غدا وإن كان لا ينطق * إلا بغيبة أو محال ) ( أشبه الناس بالصدى إن تحدثه * حديثا أعاده في الحال ) وله معنى لطيف

(5/178)


179 (
هواك يا من له احتيال * مالي على مثله احتيال ) ( قسمة أفعاله لحيني * ثلاثة مالها انتقال ) ( وعدك مستقبل وصبري * ماضر وشوق إليك حال ) وله في غلام ختن ( هنأت من أهواه عند ختانه * فرحا وقلت وقد عراه وجوم ) ( يفديك من ألم ألم بك أمرؤ * يخشى عليك إذا ثناك نسيم ) ( أمعدني كيف استطعت على الأذى * جلدا وأجزع ما يكون الريم ) ( لو لم تكن هذي الطهارة سنة * قد سنها من قبل إبراهيم ) ( لفتكت جهدي بالمزين إذ غدا * في كفه موسى وأنت كليم ) ومعظم شعره على هذا الأسلوب وكان من المغالين في التشيع وأكثر أهل حلب ما يعرفونه إلا بمحاسن الشواء والصواب ما ذكرته وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بحلب ودفن بظاهرها ولم أحضر الصلاة عليه لعذر عرض لي رحمه الله فلقد كان نعم الصاحب انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا سنة ست وثلاثين وستمائة فيها توفي أبو العباس القسطلاني ثم المصري الفقيه المالكي الزاهد القدوة أحمد بن علي تلميذ الشيخ أبي عبد الله القرشي سمع من عبد الله بن بري ودرس بمصر وأفتى ثم جاور بمكة مدة وتزوج عبد موت شيخه زوجته الصالحة الجليلة أم ولده قطب الدين حكى أن أهل المدينة أجدبوا فاتفق رأيهم أن يستسقوا يوما والغرباء يوما فاستسقى مع المجاورين فسقوا وله مؤلف جمع فيه كلام شيخه القرشي وبعض شيوخه وبعض كراماته توفي بمكة المشرفة في جمادى الآخرة وقبره يزار بها في الشعب الأيسر

(5/179)


180
وفيها صاحب ماردين ارتق بن البي الأرتقي التركماتي تملك ماردين بضعا وثلاثين سنة وكان فيه عدل ودين في الجملة قتله غلمانه بمواطأة ابن ابنه وتملك بعده ابنه نجم الدين غازي وفيها التاج أسعد بن المسلم بن مكي بن علان القيسي الدمشقي توفي في رجب عن ست وتسعين سنة روى عن ابن عساكر وأبي الفهم بن أبي العجايز وكان من كبار العدول وهو أسن من أخيه السديد وفيها أبو الخير بدل بن أبي المعمر بن إسمعيل التبريزي المحدث الحافظ الثقة الرحال ولد بعد الخمسين وخمسمائة وسمع من أبي سعد ابن أبي عصرون وجماعة ورحل فأكثر عن اللبان والصيدلاني وسمع بنيسابور ومصر والعراق وكتب وتعب وخرج وولي مشيخة دار الحديث بأربل فلما أخذتها التتار قدم حلب وبها توفي في جمادى الأولى وفيها أبو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله الهمذاني الأسكندراني المالكي المقرىء الأستاذ المحدث ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وقرأ القراءات على عبد الرحمن بن خلف صاحب ابن الفحام وأكثر عن السلف وطائفة وكتب الكثير وحصل وتصدر لإقراء ثم رحل في آخر عمره فروى الكثير بالقاهرة ودمشق وبها توفي في صفر وقد جاوز التسعين وفيها ابن الصفراوي جمال الدين أبو القسم عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسمعيل بن عثمان بن يوسف بن حفص الأسكندراني الفقيه المالكي المقرىء ولد في أول سنة أربع وأربعين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن خلف الله وأحمد بن جعفر الغافقي واليسع بن حزم وابن الخلوف وتفقه على أبي طالب صالح ابن بنت معافى وسمع الكثير من السلفي وغيره وانتهت إليه رياسة الإقراء والفتوى ببلده وطال عمره وبعد صيته توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر وفيها أبو الفتوح وأبو الفرج وأبو عمر ضياء الدين عثمان بن نصر بن منصور بن هلال البغدادي المسعودي الفقيه الحنبلي الواعظ المعروف بابن الوتار ولد سنة خمسين وخمسمائة تقريبا وسمع من أبي الفتح

(5/180)


181
ابن المنى وغيره وتفقه عليه ووعط وشهد عند قاضي القضاة عبد الرزاق ابن ابن الشيخ عبد القادر وأفتى وكان فاضلا فقيها إماما عالما حسن الأخلاق أجاز للمنذري وابن أبي الجيش والقسم بن عساكر والحجار وغيرهم وتوفي في سابع عشرى جمادى الأولى ببغداد وقد ناهز التسعين والمسعودي نسبة إلى المسعودة محلة شرقي بغداد وفيها عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن أسامة أبو عبد الرحيم العدوي النصيبي من بيت مشيخة وحديث ودين وله أصحاب وأتباع رحل في الحديث وسمع من سليمان الموصلي وطبقته وله مجاميع حسنة توفي في المحرم وفيها الصاحب جمال الدين علي بن جرير الرقي الوزير وزر للأشرف ثم للصالح إسمعيل وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق قاله في العبر وفيها عماد الدين بن الشيخ هو الصاحب الرئيس أبو الفتح عمر بن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني ثم الدمشقي الشافعي ولي تدريس الشافعي ومشهد الحسين ومشيخة الشيوخ بالديار المصرية وقام بسلطنة الجواد ثم دخل الديار المصرية فلامه صاحبها العادل أبو بكر فردوهم بخلع الجواد من السلطنة فلم يمكنه وجهز عليه من الإسمعيلية من قتله في جمادى الأولى وله خمس وخمسون سنة وفيها أبو الفضل بن السباك محمد بن محمد بن الحسن البغدادي أحد وكلاء القضاة روى عن ابن البطي وأبي المعالي اللحاس وتوفي في ربيع الآخر وفيها شرف الدين أبو المكارم محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي القسم بن صدقة قاضي القضاة الأسكندري المصري الشافعي المعروف بابن عين الدولة ولد بالأسكندرية في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وقدم القاهرة في سنة ثلاث وسبعين واشتغل على العراقي شارح المهذب وحفظ المهذب وناب في القضاء ثم ولى قضاء القاهرة والوجه البحري سنة ثلاث عشرة وستمائة ثم جمع له العملان سنة سبع عشرة وستمائة ثم عزل عن قضاء مصر خاصة

(5/181)


182
قبل وفاته بشهر وكان ذكيا كريما متدينا ورعا قانعا باليسير من بيت رياسة تولى الأسكندرية من أعمامه وأخواله ثمانية أنفس قال المنذري وكان عارفا بالأحكام مطلعا على غوامضها وكتب الخط الجيد وله نظم ونثر وكان يحفظ من شعر المتقدمين والمتأخرين جملة وقال غيره نقل المصريون عنه كثيرا من النوادر والزوائد كان يقولها بسكون وناموس ومن شعره ( وليت القضاء وليت القضاء * لم يك شيئا توليته ) ( فأوقعني في القضاء القضاء * وما كنت قدما تمنيته ) توفي في هذه السنة وجزم ابن قاضي شهبة أنه توفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وفيها الزكي البرزالي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يداش الأشبيلي الحافظ الجوال محدث الشام ومفيده سمع بالحجاز ومصر والشام والعراق وأصبهان وخراسان والجزيرة فأكثر وجمع فأوعى وأول طلبه سنة اثنتين وستمائة وأقدم شيوخه عين الشمس الثقفية ومنصور الفراوي وأقام بمسجد فلوس بدمشق زمانا طويلا وتوجه إلى حلب فأدركه أجله بحماة في رمضان وله ستون سنة وهو والد الشيخ علم الدين البرزالي وفيها جمال الدين بن الحصيري شيخ الحنفية أبو المحامد محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري روى صحيح مسلم عن أصحاب الفراوي ودرس بالنورية بدمشق خمسا وعشرين سنة وصنف الكتب الحسان منها شرح الجامع الكبير وكان من العلماء العاملين كثير الصدقة غزير الدمعة انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها العلامة الحافظ يوسف بن عمر بن صقير ويقال بالسين أيضا الواسطي كان من الحفاظ الأعيان قاله ابن ناصر الدين

(5/182)


183
سنة سبع وثلاثين وستمائة فيها هجم الصالح إسمعيل في صفر على دمشق فملكها وتسلم القلعة واعتقلوا الصالح أيوب بالكرك أشهرا فطلبه أخوه العادل من الناصر داود وبذل فيه مائة ألف دينار وكذا طلبه الصالح إسمعيل فامتنع الناصر ثم اتفق معه وحلفه وأخذه وسار به إلى الديار المصرية فمالت الكاملية إليه وقبضوا على العادل وتملك الصالح نجم الدين أيوب ورجع الناصر بخفي حنين وفيها أنزل الكامل إلى تربته بجامع دمشق من قلعتها وفتح لها شبابيك إلى الجامع وفيها توفي الخيوبي بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وتشديد الياء الأولى نسبة إلى خوي مدينة بأذربيجان من إقليم تبريز قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلبي الشافعي أبو العباس ولد في شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ودخل خراسان وقرأ بها الأصول على القطب المصري صاحب الإمام فخر الدين قال ابن السبكي في طبقاته الكبرى وقرأ الفقه على الرافعي وعلم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع الحديث من جماعة وولي قضاء القضاة بالشام وله كتاب في الأصول وكتاب فيه رموز حكمية وكتاب في النحو وكتاب في العروض وفيه يقول أبو شامة ( أحمد بن الخليل أرشده الله * كما أرشد الخليل بن أحمد ) ( ذاك مستخرج العروض وهذا * مظهر السر منه والعود أحمد ) وقال الذهبي كان فقيها إماما مناظرا خبيرا بعلم الكلام أستاذا في الطب والحكمة دينا كثير الصلاة والصيام توفي في شعبان ودفن بسفح قاسيون وفيها الصدر علاء الدين أبو سعيد ثابت بن محمد بن أبي بكر الخجندي بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ومهملة نسبة إلى خجندة مدينة بطرف سيحون ثم الأصبهاني سمع الصحيح حضورا في الرابعة من أبي الوقت وبقي إلى هذا الوقت بشيراز

(5/183)


184
وفيها أبو العباس بن الرومية أحمد بن محمد بن مفرج بن عبد الله الأموي مولاهم الأندلس الأشبيلي الزهري النبائي الحافظ كان حافظا صالحا مصنفا من الأثبات ظاهري المذهب مع ورع وكان يحترف من الصيدلة لمعرفته الجيدة بالنبات قاله ابن ناصر الدين وفيها أمين الدين أبو الغنايم سالم بن الحسن بن هبة الله الشافعي التغلبي الدمشقي رحل به أبوه وسمعه من ابن شاتيل وطبقته وسمع هو بنفسه وولى المارستان والمواريث والأيتام وتوفي في جمادى الآخرة وله ستون سنة ودفن بتربته بقاسيون وخلف ذرية صالحة أبقت ذكره وفيها الملك المجاهد أسد الدين شيركوه ابن محمد بن شيركوه بن شادي صاحب حمص توفي بها في رجب قال ابن خلكان مولده سنة تسع وستين وخمسمائة وتوفي يوم الثلاثاء تاسع رجب بحمص ودفن بتربة داخل البلد وكانت له أيضا الرحبة وتذمر وماكسين من بلد الخابور وخلف جماعة من الأولاد فقام مقامه في الملك ولده الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم انتهى وفيها أبو القسم عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطفيل الدمشقي توفي بمصر في ذي الحجة وروى عن السلفي وفيها أبو محمد وأبو الفضل عفيف الدين عبد العزيز بن دنف بن أبي طالب بن دلف بن القسم البغدادي الحنبلي المقرىء الناسخ الخازن ولد سنة إحدى أو اثنتين وخمسين وخمسمائة وقرأ بالروايات الكثيرة على أبي الحراث أحمد بن سعيد العسكري وغيره وسمع الحديث من أبي علي الرحبي وغيره وكتب الكثير بخطه الحسن لنفسه وللناس وشهد عند الريحاني زمن الناصر وكان الخليفة الناصر أذن لولده الظاهر برواية مسند الإمام أحمد عنه بالإجازة وأذن لأربعة من الحنابلة بالدخول إليه للسماع عبد العزيز هذا منهم فحصل له به أنس فلما أفضت إليه الخلافة ولاه النظر في ديوان التركات الحشرية فسار فيها أحسن سيرة ورد تركات كثيرة على

(5/184)


185
الناس قال الناصح بن الحنبلي كان إماما في القراءة وفي علم الحديث سمع الكثير وكتب بخطه الكثير وهو يصوم الدهر لقيته ببغداد في المرتين وقال ابن النجار كان كثير العبادة دائم الصوم والصلاة وقراءة القرآن مذ كان شابا وإلى حين وفاته وكان مسارعا إلى قضاء حوائج الناس والسعي بنفصه إلى دور الأكابر في الشفاعات وفك العناة وإطلاق المعتقلين بصدر منشرح وقلب طيب وكان محبا لإيصال الخير إلى الناس ودفع الضر عنهم كثير الصدقة والمعروف والمواساة بماله حال فقره وقلة ذات يده وبعد يساره وسعة ذات يده وكان على قانون واحد في ملبسه لم يغيره وكان ثقة صدوقا نبيلا غزي رالفضل أحسن الناس تلاوة للقرآن وأطيبهم نغمة وكذلك في قراءة الحديث وتوفي ليلة الإثنين السادس والعشرين من صفر ببغداد ودفن بجانب معروف الكرخي وفيها وجزم ابن ناصر الدين أنه في التي قبلها أبو بكر محمد بن إسمعيل بن محمد بن خلفون الأزدي الأندلس الأوبني كان حافظا متقنا للأسانيد والأخبار مصنفا وفيها ابن الكريم الكاتب شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن علي البغدادي المحدث الأديب الماسح المتفنن روى عن ابن بوش وابن كليب وخلق وسكن دمشق وكتب الكثير بخطه توفي في رجب عن سبع وخمسين سنة وفيها ابن الدبيثي بضم الدال المهملة وفتح الموحدة التحتية وسكون المثناة التحتية ومثلثة نسبة إلى دبيثا قرية بواسط الحافظ المؤرخ المقرىء الحاذق أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي الشافعي ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي طالب الكناني وابن شاتيل وعبد المنعم بن الفراوي وطبقتهم وقرأ القراءات على جماعة وتفقه على أبي الحسن هبة الله بن البوقي وأتقن العربية وتقدم وساد وعلق الأصول والخلاف وعنى بالحديث ورجاله وصنف كتابا في تاريخ واسط وذيلا على مذيل ابن السمعاني وأسمعهما وله معرفة بالأدب والشعر

(5/185)


186
وله شعر جيد وقد أثنى على حفظه وذهنه واستحضاره الحافظ الضياء المقدسي وابن نقطة وابن النجار وقال هو شيخي وهو آخر الحافظ المكثرين ما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ والسير وأيام الناس وأضر في آخر عمره وقال ابن الأهدل وأنشد لنفسه ( خبرت بني الأيام طرا فلم أجد * صديقا صدوقا مسعدا في النوائب ) ( وأصفيتهم مني الوداد فقابلوا * صفاء ودادي بالعدا والشوائب ) ( وما اخترت منهم صاحبا وارتضيته * فأحمده في فعله والعواقب ) وقال في العبر توفي في ثامن ربيع الآخر ببغداد وفيها تقي الدين محمد بن طرخان بن أبي الحسن السلمي الدمشقي الصالحي الحنبلي ولد بقاسيون سنة إحدى وستين وخمسمائة وروى عن ابن صابر وأبي المجد البانياسي وطائفة وخرج لنفسه مشيخة وكان فقيها جليلا متوددا وسمع بمكة والمدينة واليمن وحدث وتوفي في تاسع المحرم بالجبل وفيها أبو طالب بن صابر الدمشقي محمد بن أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الصوفي الزاهد روى عن أبيه وجماعة وصار شيخ الحديث بالعزية قال ابن النجار لم أر إنسانا كاملا غيره زاهدا عابدا ورعا كثير الصلاة والصيام توفي في سابع المحرم وفيها ابن الهادي محتسب دمشق رشيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن يحيى القيسي الدمشقي شيخ وقور مهيب عفيف سمع ابن عساكر وأبا المعالي بن صابر وتوفي في جمادى الآخرة عن سبع وثمانين سنة وفيها الرشيد النيسابوري محمد بن أبي بكر بن علي الحنفي الفقيه سمع بمصر من أبي الجيوش عساكر والتاج المسعودي وجماعة ودرس وناظر وعاش سبعا وسبعين سنة وولي قضاء الكرك والشوبك ثم درس بالمعينية وتوفي في خامس ذي القعدة وفيها شرف الدين أبو البركات بن

(5/186)


187
المستوفى المبارك بن أحمد بن أبي البركات اللخمي الأربلي وزير أربل وفاضلها ومؤرخها ولد سنة أربع وستين وخمسمائة وسمع من عبد الوهاب ابن حبة وحنبل وابن طبرزد وخلق وكان بيته مجمع الفضلاء وله يد طولى في النثر والنظم ونفس كريمة كبيرة وهمة علية شرح ديواني أبي تمام والمتنبي في عشر مجلدات وله غير ذلك وديوان شعر منه في تفضيل البياض على السمرة ( لا تخدعنك سمرة غرارة * ما الحسن إلا للبياض وجنسه ) ( فالرمح يقتل بعضه من غيره * والسيف يقتل كله من نفسه ) وله ( يا رب قد عظمتك جناية عينه * وعتا بما أبداه من أنواره ) ( فاشف السقام المستكن بطرفه * واستر محاسن وجهه بعذاره ) سلم بقلعة أربل من التتار ثم سكن الموصل وبهامات في المحرم قال ابن الأهدل جمع لأربل تاريخا في أربع مجلدات وله المحصل على أبيات المفصل في مجلدين وله كتاب سر الصنعة وكتاب سماد أبا قماش جمع فيه آدابا ونوادر وأرسل دينارا إلى شاعر على يد رجل يقال له الكمال وكان الدينار مثلوما فتوهم الشاعر أن الكمال نقصه فكتب ( يا أيها المولى الوزير ومن به * في الجود حقا تضرب الأمثال ) ( أرسلت بدر التم عند كماله * حسنا فوافى العبد وهو هلال ) ( ما عابه النقصان إلا أنه * بلغ الكمال كذلك الآجال ) فأجاز الشاعر وأحسن إليه ورثاه بعضهم فقال ( أبا البركات لو درت المنايا * بأنك فرد عصرك لم تصبكا ) ( كفى الإسلام رزءا فقد شخص * عليه بأمين الثقلين يبيكي ) انتهى وفيها ضياء الدين بن الأثير الصاحب العلامة أبو الفتح نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الكاتب

(5/187)


188
البليغ صاحب المثل الساير انتهت إليه كتابة الإنشاء والترسل ومن جملة محفوظاته شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي وزر بدمشق للملك الأفضل فأساء وظلم ثم هر بثم كان معه بسميساط سنوات ثم خدم الظاهر صاحب حلب فلم يقبل عليه فتحول إلى الموصل وكتب الإنشاء لصاحبها محمود بن عز الدين مسعود ولاتابكه لولو وذهب رسولا في آخر أيامه إلى الخليفة فمات ببغداد في ربيع الآخر وكان بينه وبين أخيه عز الدين مقاطعة كلية قاله في العبر قلت ومن شعره ( ثلاث تعطي الفرح * كأس وكوز وقدح ) ( ما ذبح الذق لها * إلا وللهم ذبح ) وقال ابن خلكان ولما كملت له الأدوات قصد جناب الملك الناصر صلاح الدين وكان يومئذ شابا فاستوزره ولده الملك الأفضل نور الدين علي وحسنت حاله عنده ولما توفي صلاح الدين واستقل ولده الأفضل بمملكة دمشق استقل ضياء الدين بالوزارة وردت إليه أمور الناس وصار الإعتماد في جميع الأحوال عليه ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل وانتقل إلى صرخد وكان ضياء الدين قد أساء العشرة على أهلها فهموا بقتله فأخرجه الحاجب محاسن بن عجم في صندوق ولما استقر الأفضل في سميساط عاد إلى خدمته وأقام عنده مدة ثم فارقه واتصل بخدمة أخيه الملك الظاهر صاحب حلب فلم يطل مقامه عنده فخرج مغاضبا وعاد إلى الموصل فلم يستقر حاله فورد أربل فلم يستقم حاله فسافر إلى سنجار ثم عاد إلى الموصل واتخذها دار إقامته ولقد ترددت إلى الموصل من أربل أكثر من عشر مرات وهو مقيم بها وكنت أود الاجتماع به لآخذ عنه شيئا لما كان بيه وبين الوالد من المودة إلا كيدة فلم يتفق ذلك ولضياء الدين من التصانيف الدالة على غزارة فضله وتحقيق نبله كتابه الذي سماه المثل الساير في أدب الكاتب والشاعر وهو في مجلدين جمع فيه فأوعى

(5/188)


189
ولم يترك شيئا يتعلق بفن الكتابة إلا ذكره ولما فرغ من تصينفه كتبه الناس عنه ومحاسنه كثيرة وكانت ولادته بجزيرة ابن عمر انتهى ملخصا وقال ابن الأهدل كان هو وأخواه أبو السعادات وعز الدين كلهم نجباء رؤساء لكل منهم تصانيف وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو محمد عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم الخشوعي الدمشقي إمام الربوة روى عن أبيه وأبي القسم ابن عساكر وتوفي في ثامن ربيع الآخر وفيها أبو الحسن الحراني علي بن أحمد بن الحسن التجيب المرسي كان عارفا متقنا للنحو والكلام والمنطق سكن حماة وله تفسير عجيب قاله في العبر وفيها قستمر ومقدم العساكر جمال الدين الخليفتي الناصري توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة فيها سلم الملك الصالح إسمعيل قلعة الشقيف للفرنج لغرض في نفسه فمقته المسلمون وأنكر عليه ابن عبد السلام وأبو عمرو بن الحاجب فسجنهما وعزل ابن عبد السلام من خطابة دمشق قاله في العبر وفيها توفي أبو علي أحمد بن محمد بن محمود بن المعز الحراني ثم البغدادي الصوفي روى عن ابن البطي وأحمد بن المقرب وجماعة وتوفي في المحرم وفيها نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي ثم الشافعي صاحب التصانيف روى عن ابن صدقة الحراني وجماعة وسافر إلى همذان فلزم الركن الطاووسي حتى صار معيده ثم سافر إلى بخارا وبرع في علم الخلاف وطار اسمه وبعد صيته وكان يتوقد ذكاء ومن جملة محفوظاته الجمع بين الصحيحين وكان صاحب أوراد وتهجد توفي في خامس شوال وفيها جمال الملك أبو الحسن علي بن مختار بن نصر بن طعان

(5/189)


190
العامري المحلى ثم الأسكندراني المعروف بابن الحبل روى عن السلفي وغيره وتوفي في شعبان وفيها أبو بكر محي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي العارف الكبير ابن عربي ويقال ابن العربي قال الشعراوي في كتاب نسب الخرقة كان مجموع الفضائل مطبوع الكرم والشمائل قد فض له فضله ختام كل فن وبل له وبله رياض ما شرد من العلوم وعن نظمه عقود العقول وفصوص الفصول وحسبك بقول زروق وغيره من الفحول ذاكرين بعض فضله هو أعرف بكل فن من أهله وإذا أطلق الشيخ الأكبر في عرف القوم فهو المراد ولد بمرسية سنة ستين وخمسمائة ونشأبها وانتقل إلى أشبيلية سنة ثمان وسبعين ثم ارتحل وطاف البلدان فطرق بلاد الشام والروم والمشرق ودخل بغداد وحدث بها بشيء من مصنفاته وأخذ عنه بعض الحافظ كذا ذكره ابن النجار في الذيل وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقات الأولياء له وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان وهو ممن كان يحط عليه ويسيء الاعتقاد فيه كان عارفا بالآثار والسنن قوي المشاركة في العلوم أخذ الحديث عن جمع وكان يكتب الإنشاء لبعض ملوك المغرب ثم تزهد وساح ودخل الحرمين والشام وله في كل بلد دخلها مآثر انتهى وقال بعضهم برز منفردا مؤثرا للتخلي والإنعزال عن الناس ما أمكنه حتى أنه لم يكن يجتمع به إلا الأفراد ثم آثر التآليف فبرزت عنه مؤلفات لا نهاية لها تدل على سعة باعه وتبحره في العلوم الظاهرة والباطنة وأنه بلغ مبلغ الإجتهاد في الإختراع والإستنباط وتأسيس القواعد والمقاصد التي لا يدريها ولا يحيط بها إلا من طالعها بحقها غير أنه وقع له في بعض تضاعيف تلك الكتب كلمات كثيرة أشكلت ظواهرها وكانت سببا لأعراض كثيرين لم يحسنوا الظن به ولم يقولوا كما قال غيرهم من الجهابذة المحققين والعلماء العاملين والأئمة الوارثين أن ما أوهمته تلك الظواهر ليس هو المراد وإنما

(5/190)


191
المراد أمور اصطلح عليه متأخروا أهل الطريق غيرة عليها حتى لا يدعيها الكذابون فاصطلحوا على الكناية عنها بتلك الألفاظ الموهمة خلاف المراد غير مبالين بذلك لأنه لا يمكن التعبير عنها بغيرها قال المناوي وقد تفرق الناس في شأنه شيعا وسلكوا في أمره طرائق قددا فذهبت طائفة إلى أنه زنديق لا صديق وقال قوم أنه واسطة عقد الأولياء ورئيس الأصفياء وصار آخرون إلى اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه أقول منهم الشيخ جلال الدين السيوطي قال في مصنفه تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي والقول الفيصل في ابن العربي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه فقد نقل عنه هو أنه قال نحن قوم يحرم النظر في كتبنا قال السيوطي وذلك لأن الصوفية تواضعوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معان غير المعاني المتعارفة منها فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفر نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه وقال أنه شبيه بالمتشابه من القرآن والسنة من حمله على ظاهره كفر وقال السيوطي أيضا في الكتاب المذكور وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية في عصره ما حملكم على أن اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يستشنع ظاهرها فقال غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله إلى أن قال وليس من طريق القوم إقراء المريدين كتب التصوف ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب وما أحسن قول بعض العلماء لرجل قد سأله أن يقرأ عليه تائية ابن الفارض فقال له دع عنك هذا من جاع جوع القوم وسهر سهرهم رأى ما رأوا ثم قال في آخر هذا التصنيف أن الشيخ برهان الدين البقاعي قال في معجمه حكى لي الشيخ تقي الدين أبو بكر بن أبي الوفا المقدسي الشافعي قال وهو أمثل الصوفية في زماننا قال كان بعض الأصدقاء يشير علي بقراءة كتب ابن عربي وبعض يمنع من ذلك فاستشرت الشيخ يوسف الإمام الصفدي في ذلك فقال اعلم يا ولدي وفقك الله إن هذا العلم المنسوب إلى

(5/191)


192
ابن عربي ليس بمخترع له وإنما هو كان ماهرا فيه وقد ادعى أهله أنه لا تمكن معرفته إلا بالكشف فإذا فهم المريد مرماهم فلا فائدة في تفسيره لأنه إن كان المقرر والمقرر له مطلعين على ذلك فالتقرير تحصيل الحاصل وإن كان المطلع أحدهما فتقريره لا ينفع الآخر وإلا فهما يخبطان خبط عشواء فسييل العارف عدم البحث عن هذا العلم وعليه السلوك فيما يوصل إلى الكشوف عن الحقائق ومتى كشف له عن شيء علمه ثم قال استشرت الشيخ زين الدين الخافي بعد أن ذكرت له كلام الشيخ يوسف فقال كلام الشيخ يوسف حسن وأزيدك أن العبد إذا تخلق ثم تحقق ثم جذب اضمحلت ذاته وذهبت صفاته وتخلص من السوى فعند ذلك تلوح له بروق الحق بالحق فيطلع على كل شيء ويرى الله عند كل شيء فيغيب بالله عن كل شيء ولا شيئا سواه فيظن أن الله عين كل شيء وهذا أول المقامات فإذا ترقى عن هذا المقام وأشرف على مقام أعلى منه وعضده التأييد الآلهي رأى أن الأشياء كلها فيض وجوده تعالى لاعين وجوده فالناطق حينئذ بما ظنه في أول مقام أما محروم ساقط وأما نادم تائب وربك يفعل ما يشاء انتهى ولقد بالغ ابن المقري في روضته فحكم بكفر من شك في كفر طائفة ابن عربي فحكمه على طائفته بذلك دونه يشير إلى أنه إنما قصد التنفير عن كتبه وإن من لم يفهم كلامه ربما وقع في الكفر باعتقاده خلاف المراد إذ للقوم اصطلاحات أرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر ربما كفر كما قاله الغزالي ثم قال المناوي وعول جمع على الوقف والتسليم قائلين الاعتقاد صبغة والانتقاد حرمان وأمام هذه الطائفة شيخ الإسلام النووي فإنه استفتى فيه فكتب ( ^ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) الآية وتبعه على ذلك كثيرون سالكين سبيل السلامة وقد حكى العارف زروق عن شيخه النوري أنه سئل عنه فقال اختلف فيه من الكفر

(5/192)


193
إلى القطبانية والتسليم واجب ومن لم يذق ما ذاقه القوم ويجاهد مجاهداتهم لا يسعه من الله الإنكار عليهم انتهى وأقول وممن صرح بذلك من المتأخرين الشيخ أحمد المقري المغربي قال في كتابه زهر الرياض في أخبار عياض والذي عند كثير من الأخيار في أهل هذه الطريقة التسليم ففيه السلامة وهي أحوط من إرسال العنان وقول يعود على صاحبه بالملامة وما وقع لابن حجر وأبي حيان في تفسيره من إطلاق اللسان في هذا الصديق وأنظاره فذلك من غلس الشيطان والذي أعتقده ولا يصح غيره أن الإمام ابن عربي ولي صالح وعالم ناصح وإنما فوق إليه سهام الملامة من لم يفهم كلامه على أنه دست في كتبه مقالات قدره يجل عنها وقد تعرض من المتأخرين ولي الله الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله به لتفسير كلام الشيخ على وجه يليق وذكر من البراهين على ولايته ما يثلج صدور أهل التحقيق فليطالع ذلك من أراده والله ولي التوفيق انتهى كلام المقري ثم قال المناوي وفريق قصد بالإنكار عليه وعلى أتباعه الانتصار لحظ نفسه لكونه وجد قرينه وعصريه يعتقده وينتصر له فحملته حمية الجاهلية على معاكسته فبالغ في خذلانه وخذلان اتباعه ومعتقديه وقد شوهد عود الخذلان والخمول على هذا الفريق وعدم الانتفاع بعلومهم وتصانيفهم على حسنها قال وممن كان يعتقده سلطان العلماء ابن عبد السلام فإنه سئل عنه أولا فقال شيخ سوء كذاب لا يحرم فرجا ثم وصفه بعد ذلك بالولاية بل بالقطبانية وتكرر ذلك منه وحكى عن اليافعي أنه كان يطعن فيه ويقول هو زنديق فقال له بعض أصحابه يوما أريد أن تريني القطب فقيل هو هذا فقيل له فأنت تطعن فيه فقال أصون ظاهر الشرع ووصفه في إرشاده بالمعرفة والتحقيق فقال اجتمع الشيخان الإمامان العارفان المحققان الربانيان السهروردي وابن عربي فأطرق كل منهما ساعة ثم افترقا من غير كلام فقيل لابن عربي ما تقول في السهروردي فقال مملوء سنة من فرقه إلى قدمه وقيل

(5/193)


194
للسهروردي ما تقول فيه قال بحر الحقائق ثم قال المناوي وأقوى ما احتج به المنكرون أنه لا يأول إلا كلام المعصوم ويرده قول النووي في بستان العارفين بعد نقله عن أبي الخير التبياني واقعة ظاهرها الإنكار قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده أن ينكر هذا وهذا جهالة وغباوة ومن يتوهم ذلك فهو جسارة منه على إرسال الظنون في أولياء الرحمن فليحذر العاقل من التعرض لشيء من ذلك بل حقه إذا لم يفهم حكمهم المستفادة ولطائفهم المستجادة أن يتفهمها ممن يعرفها وربما رأيت من هذا النوع مما يتوهم فيه من لا تحقيق عنده أنه مخالف ليس مخالفا بل يجب تأويل أفعاله أولياء الله إلى هنا كلامه وإذا وجب تأويل أفعالهم وجب تأويل أقوالهم إذ لا فرق وكان المجد صاحب القاموس عظيم الاعتقاد في ابن عربي ويحمل كلامه على المحامل الحسنة وطرز شرحه للبخاري بكثير من كلامه انتهى وأقول ومما يشهد بذلك ما أجاب به على سؤال رفع إليه لفظه ما تقول العلماء شد الله بهم أزر الدين وألم بهم شعث المسلمين في الشيخ محي الدين بن العربي وفي كتبه المنسوبة إليه كالفتوحات والفصوص وغيرهما هل تحل قراءتها وإقراؤها للناس أم لا أفتونا مأجورين فأجاب رحمه الله رحمة واسعة اللهم أنطقنا بما فيه رضاك الذي أقوله في حال المسئول عنه وأعتقده وأدين الله سبحانه وتعالى به أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما وأمام الحقيقة حدا ورسما ومحي رسوم المعارف فعلا واسما إذا تغلغل فكر المرء في طرف من بحره غرقت فيه خواطره في عباب لا تدركه الدلاء وسحاب تتقاصر عنه الأنواء وأما دعواته فإنها تخرق السبع الطباق وتفترق بركاته فتملأ الآفاق وأني أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته وغالب ظني أني ما أنصفته ( وما على إذا ما قلت معتقدي * دع الجهول يظن الجهل عدوانا ) ( والله تالله بالله العظيم ومن * أقامه حجة لله برهانا )

(5/194)


195 (
إن الذي قلت بعض من مناقبه * مازدت إلا لعلي زدت نقصانا ) وأما كتبه فإنها البحار الزواخر جواهرها لا يعرف لها أول من آخر ما وضع الواضعون مثلها وإنما خص الله بمعرفتها أهلها فمن خواص كتبه أنه من لازم مطالعتها والنظر فيها انحل فهمه لحل المشكلات وفهم المعضلات وهذا ما وصلت إليه طاقتي في مدحه والحمد لله رب العالمين وكذلك أجاب ابن كمال باشا بما صورته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لمن جعل من عباده العلماء المصلحين وورثة الأنبياء والمرسلين والصلاة والسلام على محمد المبعوث لإصلاح الضالين والمضلين وآله وأصحابه المجدين لإجراء الشرع المبين وبعد أيها الناس اعلموا أن الشيخ الأعظم المقتدى الأكرم قطب العارفين وإمام الموحدين محمد بن علي بن العربي الطائي الأندلسي مجتهد كامل ومرشد فاضل له مناقب عجيبة وخوارق غريبة وتلامذة كثيرة مقبولة عند العلماء والفضلاء فمن أنكره فقد أخطأ وإن أصر في إنكاره فقد ضل يجب على السلطان تأديبه وعن هذا الاعتقاد تحويله إذ السلطان مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وله مصنفات كثيرة منها فصوص حكمية وفتوحات مكية وبعض مسائلها معلوم اللفظ والمعنى وموافق للأمر الآلهي والشرع النبوي وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن فمن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام لقوله تعالى ( ^ ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) والله الهادي إلى سبيل الله الصواب وإليه المرجوع والمآب انتهى وكلا الجوابين مكتوب في ضريح المترجم فوق رأسه والله أعلم ثم قال المناوي وأخبر الشعراوي عن بعض إخوانه أنه شاهد رجلا أتى ليلا بنار ليحرق تابوته فخسف به وغبا بالأرض فأحسن أهله فحفروا فوجدوا رأسه فكلما حفروا نزل في الأرض فعجزوا وأهالوا عليه التراب قال ومن تأمل سيرة ابن عرابي وأخلاقه الحسنة وانسلاخه من حظوظ نفسه وترك العصبية

(5/195)


196
حمله ذلك على محبته واعتقاده ومما وقع له أن رجلا من دمشق فرض على نفسه أن يلعنه كل يوم عشر مرات فمات وحضر ابن عربي جنازته ثم رجع فجلس ببيته وتوجه للقبلة فلما جاء وقت الغداء أحضر إليه فلم يأكل ولم يزل على حاله إلى بعد العشاء فالتفت مسرورا وطل بالعشاء وأكل فقيل له في ذلك فقال التزمت مع الله أني لا آكل ولا أشرب حتى يغفر لهذيا الذي يلعنني وذكرت له سبعين ألف لا إله إلا الله فغقر له وقد أوذي الشيخ كثيرا في حياته وبعد مماته بما لم يقع نظيره لغيره وقد أخبر هو عن نفسه بذلك وذلك من غرر كراماته فقد قال في الفتوحات كنت نائما في مقام إبراهيم وإذا بقائل من الأرواح أرواح الملأ الأعلى يقول لي عن الله أدخل مقام إبراهيم أنه كان أواها حليما فعلمت أنه لا بد أن يبتليني بكلام في عرضي من قوم فأعاملهم بالحلم قال ويكون أذى كثيرا فإنه جاء بحليم بصيغة المبالغة ثم وصفه بالأواه وهو من يكثر منه التأوه لما يشاهد من جلال الله انتهى وقال الصفي بن أبي منصور جمع بن عربي بين العلوم الكسبية والعلوم الوهبية وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وخلقا لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا وقال تلميذه الصدر القونوي الرومي كان شيخنا ابن عربي متمكنا من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين على ثلاثة أنحاء إن شاء الله استنزل روحانيته في هذا العالم وأدركه متجسدا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسية العصرية التي كانت له في حياته الدنيا وإن شاء الله أحضره في نومه وإن شاء انسلخ عن هيكله واجتمع به وهو أكثر القوم كلاما في الطريق فمن ذلك ما قال ما ظهر على العبد إلا ما استقر في باطنه فما أثر فيه سواه فمن فيهم هذه الحكمة وجعلها مشهودة أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه لا يؤتي عليه بخير ولا شر إلا منه وأقام العذر لكل موجود وقال إذا ترادفت عليك الغفلات وكثرة النوم فلا تسخط ولا تلتفت لذلك فإن من نظر الأسباب مع الحق أشرك

(5/196)


كن مع
197
الله بما يرد لا مع نفسك بما تريد لكن لا بد من الإستغفار وقال علامة الراسخ أن يزداد تمكنا عند سلبه لأنه مع الحق بما أحب فمن وجد اللذة في حال المعرفة دون السلب فهو مع نفسه غيبة وحضورا وقال من صدق في شيء وتعلقت همته بحصوله كان له عاجلا أو آجلا فإن لم يصل إليه في الدينا فهو له في الآخرة ومن مات قبل الفتح رفع إلى محل همته وقال العارف يعرف ببصره ما يعرفه غيره ببصيرته ويعرف ببصيرته ما لا يدركه أحد إلا نادرا ومع ذلك فلا يأمن على نفسه من نفسه فكيف يأمن على نفسه من مقدور ربه وهذا مما قطع الظهور سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال لا ينقص العارف قوله لتلميذه خذ هذا العلم الذي لا تجده عند غيري ونحوه مما فيه تزكية نفسه لأن قصده حث المتعلم على القبول وقال كلام العارف على صورة السامع بحسب قوة استعداده وضعفه وشبهته القائمة بباطنه وقال كل من ثقل عليك الجواب عن كلامه فلا تجبه فإن وعاءه ملآن لا يسع الجواب وقال من صح له قدم في التوحيد انتفت عنه الدعاوي من نحو رياء وإعجاب فإنه يجد جميع الصفات المحمودة لله لا له والعبد لا يعجب بعمل غيره ولا بمتاع غيره وقال من ملكته نفسه عذب بنار التدبير ومن ملكه الله عذب بنار الاختبار ومن عجز عن العجز أذاقه الله حلاوة الإيمان ولم يبق عنده حجاب وقال من أدرك من نفسه التغير والتبديل في كل نفس فهو العالم بقوله تعالى ( ^ كل يوم هو في شأن ) وقال من طلب دليلا على وحدانية الله تعالى كان الحمار أعرف بالله منه وقال الجاهل لا يرى جهله لأنه في ظلمته والعالم لا يرى علمه لأنه في ضياء نوره ولا يدري شيء إلا بغيره فالمرآة تخبرك بعيوب صورتك وتصدقها مع جهلك بما أخبرت به والعالم يخبرك بعيوب نفسك مع علمك بما أخبرك به وتكذبه فماذا بعد الحق إلا الضلال وقال حسن الأدب في الظاهر آية حسنه في الباطن فإياك وسوء

(5/197)


198
الظن والسلام وقال معنى الفتح عندهم كشف حجاب النفس أو القلب أو الروح أو السر لما في الكتاب والسنة وقال وربما فهم أحدهم من اللفظ ضد ما قصده المتكلم سمع بعض علماء بغداد رجلا من شربة الخمر ينشد ( إذا العشرون من شعبان ولت * فواصل شرب ليلك بالنهار ) ( ولا تشرب بأقداح صغار * فإن الوقت ضاق على الصغار ) فهام على وجهه في البرية حتى مات وقال كثيرا ما تهب في قلوب العارفين نفحات الهيبة فإن نطقوا بها جهلهم كمل العارفين وردها عليهم أصحاب الأدلة من أهل الظاهر وغاب عن هؤلاء أنه تعالى كما أعطى أولياءه الكرامات التي هر فرع المعجزات فلا بدع أن تنطق ألسنتهم بعبارات تعجز العلماء عن فهمهما وقال من لم يقم بقلبه تصديق ما يسمعه من كلام القوم فلا يجالسهم فإن مجالستهم بغير تصديق سم قاتل وقال شدة القرب حجاب كما أن غاية البعد حجاب وإن كان الحق أقرب إلينا من حبل الوريد فأين السبعون ألف حجاب وقال لا تدخل الشبهة في المعارف والأسرار الربانية وإنما محلها العلوم النظرية وقال نهاية العارفين منقولة غير معقولة فما ثم عندهم إلا بداية وتنقضي أعمارهم وهم مع الله على أول قدم وقال كل من آمن بدليل فلا وثوق بإيمانه لأنه نظري فهو معرض للقوادح بخلاف الإيمان الضروري الذي يوجد في القلب ولا يمكن دفعه وكل علم حصل عن نظل وفكر لا يسلم من دخول الشبه عليه ولا الحيرة فيه وقال شرط الكامل الإحسان إلى أعدائه وهم لا يشعرون تخلقا بأخلاق الله فإنه دائم الإحسان إلى من سماهم أعداءه مع جهل الأعداء به وقال شرط الشيخ أن يكون عنده جميع ما يحتاجه المريد في التربية لا ظهور كرامة ولا كشف باطن المريد وقال الشفقة على الخلق أحق بالرعاية من الغيرة في الله لأن الغيرة لا أصل لها في الحقائق الثبوتبية لأنها من الغيرية ولا غيرية هناك وإن جنحوا للسلك فاجنح لها وجزاء سيئة سيئة مثلها فجعل القصاص

(5/198)


199
سيئة أي ان ذلك الفعل سيء مع كونه مشروعا وكل ذلك تعظيما لهذه النشأة التي تولي الحق خلقها بيده واستخلفها في الأرض وحرم على عباده السعي في إتلافها بغير إذنه وقال الصوفي من أسقط الياءات الثلاث فلا يقول لي ولا عندي ولا متاعي أي لا يضيف لنفسه شيئا وقال الدعاء مخ العبادة وبالمخ تكون القوة للأعضاء فلذا تتقوى به عبادة العابدين وقال تحفظ من لذات الأحوال فإنها سموم قاتلة وحجب مانعة وقال لا يغرنك إمهاله فإن بطشه شديد والشقي من اتعظ بنفسه لا يغرنك من خالف فجوزي بإحسان المعارف ووقف في أحسن المواقف وتجلت له المشاهد هذا كله مكر به واستدراج من حيث لا يعلم قل له إذا احتج عليك بنفسه ( سوف ترى إذا انجلى الغبار * أفرس تحتك أم حمار ) وقال لا يصح لعبد مقام المعرفة بالله وهو يجهل حكما واحدا من شرائع الأنبياء فمن ادعى المعرفة واستشكل حكما واحدا في الشريعة المحمدية أو غيرها فهو كاذب وقال أجمعت الطائفة على أن العلم بالله عين الجهل به تعالى وقال إذ ذكر الله الذاكر ولم يخشع قلبه ولا خضع عند ذكره إياه لم يحترم الجناب الآلهي ولم يأت بما يليق به من التعظيم وأول ما تمقته جوارحه وجميع أجزاء بدنه وقال الأسماء الآلهية كلها التي عليها يتوقف وجود العالم أربعة لا غير الحي القادر المريد العالم وبهذا الأسماء ثبت كونه إلها وقال أخبرني من أثق به قال دخلت على رجل فقيه عالم متكلم فوجدته بمجلس فيه الخمر وهو يشرب ففرغ النبيذ فقيل له أنفذ إلى فلان يأتي بنبيذ فقال لا فإني ما أصررت على معصية قط ولي بين الكأسين توبة ولا أنتظره فإذا حصل بيدي أنظر هل يوفقني ربي فأتركه أو يخذلني فأشربه ثم قال أعني ابن عربي فهكذا العلماء انتهى كلام المناوي ملخصا وأقول ومن كلامه أيضا ( ما نال من جعل الشريعة جانبا * شيئا ولو بلغ السماء مناره )

(5/199)


200
ومن شعره الرائق قوله ( حقيقتي همت بها * وما رآها بصري ) ( ولو رآها لغدا * قتيل ذاك الحور ) ( فعندما أبصرتها * صرت بحكم النظر ) ( فبت مسحورا بها * أهيم حتى السحر ) ( يا حذري من حذري * لو كان يغني حذري ) ( والله ما هيمني * جمال ذاك الخفر ) ( يا حسنها من ظبية * ترعى بذات الخمر ) ( إذا رنت أو عطفت * تسبي عقول البشر ) ( كأنما أنفاسها * أعراف مسك عطر ) ( كأنها شمس الضحى * في النور أو كالقمر ) ( إن سفرت أبرزها * نور صباح مسفر ) ( أو سدلت غيبها * ظلام ذاك الشعر ) ( يا قمر تحت دجى * خذي فؤادي أو ذري ) ( عسى لكي أبصركم * إذ كان حظي نظري ) وكان يقول أعرف الاسم الأعظم وأعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب وكان مجتهدا مطلقا بلا ريب قال في رائيته ( لقد حرم الرحمن تقليد مالك * وأحمد والنعمان والكل فاعذروا ) وقال أيضا في نونيته ( لست ممن يقول قال ابن حزم * لا ولا أحمد ولا للنعمان ) وهذا صريح بالاجتهاد المطلق كيف لا وقد قال عرضت أحاديثه جميعها عليه فكان يقول عن أحاديث صحت من جهة الصناعة ما قلتها وعن أحاديث ضعفت من جهتها قلتها وإذا لم يكن مجتهدا فليس لله مجتهد

(5/200)


201
إن لم تريه فهذه آثاره هذا وما نقم عليه أحد فيما أعلم بغير ما فهمه من كلامه من الحلول أو الاتحاد وما تفرع عليهما من كفر أو إلحاد وساحته النزهة منهما وشأوه أبعد شأو عنهما وكلامه بنفسه يشهد بهذا خلى افتراك فذاك خلى لاذا قال في فتوحاته المكية التي هي قرة عين السادة الصوفية في الباب الثاني والتسعين ومائتين من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان القمر محلالها فلذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه وقال أيضا فيها في الباب الثامن والسبعين كما نقله عنه الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر وفي بيان عقائد الأكابر أن الله تعالى لم يوجد العالم لافتقاره إليه وإنما الأسباب في حال عدمها الامكاني لها طلبت وجودها ممن هي مفتقرة إليه بالذات وهو الله تعالى لا تعرف غيره فلما طلبت بفقرها الذاتي من الله تعالى أن يوجدها قبل الحق سؤالها لا من حاجة قامت به إليها لأنها كانت مشهودة له تعالى في حال عدمها النسبي كما هي مشهودة له في حال وجودها سواء فهو يدركها سبحانه على ما هي عليه في حقائقها حال وجودها وعدمها بإدراك واحد فلهذا لم يكن إيجاده للأشياء عن فقر بخلاف العبد فإن الحق تعالى لو أعطاه جزء كن وأراد إيجاد شيء لا يوجده إلا عن فقر إليه وحاجة فما طل بالعبد إلا ما ليس عنده فقد افترق إيجاد العبد عن إيجاد الحق تعالى قال وهذه مسئلة لو ذهبت عينك جزاء لتحصيلها لكان قليلا في حقها فإنها مزلة قدم زل فيها كثير من أهل الله تعالى والتحقوا فيها بمن ذمهم الله تعالى في قوله ( ^ لقدكفر الذين قالوا أن الله فقير ونحن أغنياء ) انتهى فإن قلت قد نقل بعضهم عن الشيخ أنه كان ينشد ( الكل مفتقر ما الكل مستغني * هذا هو الحق قد قلنا ولا نكنى )

(5/201)


202
فالجواب أن هذا ومثله من المدسوس عليه في كتاب الفصوص وغيره فإن هذا يكذبه الناقل عنه خلاف ذلك انتهى كلام الشعراني توفي رحمه الله ورضي عنه في الثاني والعشرين من ربيع الآخر بدمشق في دار القاضي محيي الدين بن الزكي وحمل إلى قاسيون فدفن في ترتبه المعلومة الشريفة التي هي قطعة من رياض الجنة والله تعالى أعلم وفيها أمين الدين أبو بكر وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن بن طلحة بن حسان البصري الأصل البغدادي المصري الفقيه الحنبلي المحدث المعدل ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة تقريبا وطلب الحديث وسمع الكثير من ابن كليب وذاكر ابن كامل وأبي الفرج بن الجوزي وابن المعطوس وخلق كثير من هذه الطبقة وكتب بخطه كثيرا وتفقه في المذهب وتكلم في الخلاف وحصل طرفا صالحا من الأدب وسافر إلى بلاد فارس والروم ومصر وشهد عند ابن اللمعاني وله مجموعات وتخاريج في الحديث وجمع الأحاديث السباعيات والثمانيات التي له ومعجما لشيوخه وحدث ببغداد وغيرها ذكر ذلك ابن النجار وقال سمعت منه وهو فاضل عالم ثقة صدوق متدين أمين نزه حسن الطريقة جميل السيرة طاهر السريرة سليم الجانب مسارع إلى فعل الخير محبوب إلى الناس انتهى توفي ليلة الأحد ثالث ربيع الأول ببغداد وفيها تقي الدين أبو عبد الله يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة تقديرا ببيت المقدس وسمع بدمشق من ابن طبرزد وغيره قال المنذري توافقنا في السماع كثيرا وكان على طريقة حسنة توفي عاشر ذي القعدة بمدينة نابلس سنة تسع وثلاثين وستمائة فيها توفي الشمس بن الخباز النحوي أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن أحمد

(5/202)


203
ابن معالي الأربلي ثم الموصلي الضرير صاحر التصانيف الأدبية توفي في رجب بالموصل وله خمسون سنة قاله في العبر وفيها المارستاني أبو العباس أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي الصوفي قيم جامع المنصور روى عن أبي المعالي بن اللحاس وحفدة العطاردي وجماعة وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو العباس أحمد بن محفوظ بن مهنا بن شكر بن الصافيوني الرصافي البغدادي الحنبلي الفقيه المحدث سمع الكثير وعنى بالسماع وكتب الطباق بخطه وهو حسن وتفقه على القاضي أبي صالح نصر بن عبد الرزاق وكان خيرا صالحا متعبدا توفي يوم الاحد تاسع عشر صفر ودفن بمقبرة معروف الكرخي وفيها تقي الدين إسحق بن طرخان بن ماضي الفقيه الشافعي الشاغوري آخر من حدث عن حمزة بن كروش توفي في رمضان بالشاغور وفيها النفيس بن قادوس القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي المصري آخر من روى عن الشريف أبي الفتوح الخطيب وأبي العباس بن الحطية وتوفي في ذي الحجة وله ست وتسعون سنة وفيها أبو الطاهر إسمعيل بن مظفر بن أحمد بن إبراهيم بن مفرج بن منصور بن ثعلب بن عيينة بن ثابت بن بكار بن عبد الله بن شرف بن مالك بن المنذر بن النعمان بن المنذر المنذري النابلسي الدمشقي المولد المحدث الحنبلي ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بدمشق وارتحل في طلب الحديث إلى الأمصار فسمع بمكة من ابن الحصري وبمصر من البوصيري والأرتاحي والحافظ عبد الغني وجماعة وببغداد من المبارك بن كليب وابن الجوزي وغيرهما وبأصبهان من أبي المكارم اللبان وغيره وبخراسان من عبد المنعم الفراوي والمؤيد الطوسي وجماعة وبنيسابور من أبي سعد الصفار وغيره وبحران من الحافظ عبد القادر الرهاوي وانقطع إليه مدة وكتب الكثير بخطه وحدث بالكثير قال المنذري سمعت منه بحران ودمشق وكتب عنه

(5/203)


204
ابن النجار ببغداد وقال كان شيخا صالحا وقال عمر بن الحاجب كان عبدا صالحا صاحب كرامات ذا مروءة مع فقر مدقع صحيح الأصول روى عنه الحافظ الضياء والمنذري والبرزالي والقاضي سليمان بن حمزة وتوفي في رابع شوال بسفح قاسيون ودفن به وفيها أبو علي الحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار المصري الصانع روى عن السلفي ومات في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة وفيها الأسعردي أبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الحنبلي المحدث خطيب بيت لهيا ولد بأسعرد سنة سبع وستين وخمسمائة ورحل فسمع بدمشق من الخشوعي وابن طبرزد وجماعة كثيرة وبمصر من البوصيري وغيره وبالأسكندرية من ابن علاس وانقطع إلى الحافظ عبد الغني المقدسي مدة وتخرج به وسمع منه الكثير وكتب بخطه كثيرا وكان كثير الإفادة حسن السيرة سئل عنه الحافظ الضياء فقال خير دين ثقة وأقام ببيت لهيا وتولى إمامتها وخطابتها قال المنذري اجتمعت به ولم يتفق لي السماع منه وأفادنا إجازة عن جماعة من شيوخ المصريين وغيرهم شكر الله سعيه وجزاه خيرا توفي في ثاني عشرى ربيع الآخر ببيت لهيا ورحمة اسم أم أبي جده وبها عرف جده وفيها أبو المعالي عماد الدين عبد الرحمن بن نفيل العلامة قاضي القضاة الواسطي الشافعي ولد سنة سبعين وخمسمائة وتفقه فدرس وأفتى وناب في القضاء عن أبي صالح الجيلي ثم ولى بعده القضاء ودرس بالمستنصرية ثم عزل عن الكل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فتزهد وتعبد ثم ولي مشيخة رباط في سنة خمس وثلاثين وحدث عن ابن كليب وتوفي في ذي القعدة وفيها عبد السيد بن أحمد الضبي خطيب يعقوبا روى عن يحيى بن ثابت وأحمدالمرقعاتي وتوفي في صفر وله تسع وسبعون سنة وفيها أبو محمد سيف الدين عبد الغني بن فخر الدين أبي عبد الله محمد بن تيمية

(5/204)


205
الحراني الحنبلي خطيب حران وابن خطيبها الفخر ولد في ثاني صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بحارن وسمع بها من والده وعبد القادر الرهاوي وغيرهما ورحل إلى بغداد فسمع من ابن سكينة وابن طبرزد وغيرهما وأخذ الفقه عن غلام ابن المنى وغيره ورجع إلى حران وقام مقام أبيه بعد وفاته فكان يخطب ويعظ ويدرس ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي قال ابن حمدان كان خطيبا فصيحا رئيسا ثابتا رزين العقل وله تصنيف الزوايد على تفسير الوالد وإهداء القر إلى ساكني الترب قال ولم أسمع منه ولا قرأت عليه شيئا وسمعت بقراءته على والده كثيرا توفي في سابع المحرم بحران وفيها البدر علي بن عبد الصمد بن عبد الجليل المرازقي المؤدب بمكتب جاروخ بدمشق روى عن السلفي ثماني الآجري وتوفي في ربيع الآخر وفيها أبو فضيل قايماز المعظمي مجاهد الدين والي البحيرة روى عن السلفي ومات في سلخ شوال وفيها شرف الدين بن الصفراوي قاضي قضاة مصر أبو المكارم محمد بن القاضي أبي المجد حسن الأسكندراني ثم المصري الشافعي ولد بالأسكندرية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وقدم القاهرة فناب في القضاء سنة أربع وثمانين عن نصر الدين بن درباس ثم ناب عن غير واحد وولى قضاء الديار المصرية في سنة سبع عشرة وستمائة وتوفي في تاسع عشر ذي القعدة وفيها ابن نعيم القاضي أبو بكر محمد بن يحيى بن مظفر البغدادي الشافعي المعروف بابن الحبير ولد سنة تسع وخمسين وسمع من شهدة وجماعة وكان من أئمة الشافعية صاحب ليل وتهجد وحج طويل الباع في النظر والجدل ولي تدريس النظامية مدة قال الأسنوي كان إماما عارفا بالمذهب ودقائقه وتحقيقاته وليه اليد الطولى في الجدل والمناظرة دينا خيرا كثير التلاوة عليه وقار وسكينة وتفقه على المحبر البغدادي بعد أن كان حنبليا ونا بفي القضاء عن ابن فضلان وحدث وتوفي في سابع شوال

(5/205)


206
وفيها الكمال بن يونس العلامة أبو الفتح موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي الشافع يأحد الأعلام ولد سنة إحدى وخمسين بالموصل وتفقه على والده وببغداد على معيد النظامية السديد السلماني وبرع عليه في الأصول والخلاف وقرأ النحو على ابن سعدون القرطبي والكمال الأنباري وأكب على الاشتغال بالعقليات حتى بلغ فيها الغاية وكان يتوقد ذكاء ويموج بالمعارف حتى قيل أنه كان يتقن أربعة أربعة عشر فنا واشته رذكره وطار صيته وخبره ورحلت الطلبة إليه من الأقطار وتفرد بإتقان علم الرياضي ولم يكن له في وقته نظير قال ابن خلكان كان يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه كما قال العماد المغربي فيه ( وعاطيته صهباء من فيه مزجها * كرقة شعري أو كدين ابن يونس ) وقال ابن خلكان أيضا ولقد رأيته بالموصل في شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وترددت إليه دفعات عديدة لما كان بينه وبن الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام وكان الفقهاء يقولون أنه يدري أربعة وعشرين علما دراية متقنة فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد أهل زمانه وكان جماعة من الحنيفية يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل لهم مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما هي عليه من الأشكال المشهور وكان يتقن فن الخلاف العراقي والبخاري وأصول الفقه والدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي إلى الموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد اصطلاحه فيها سواه وكذلك الإرشاد للعميدي لما وقف عليها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوه وبالجملة فقد كان كمال الدين كما قال الشاعر ( وكان من العلوم بحيث يقضي * له في كل علم بالجميع ) واستخرج في علم الأوفاق طرقا لم يهتد إليها أحد وكان يحفظ من التواريخ

(5/206)


207
وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيا كثيرا وكان أهل الذمة يقرأون عليه التوارة والإنجيل ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله وبالجملة فإن مجموع ما كان يعرف من العلوم لم يكن يسمع عن أحد ممن كان تقدمه أنه جمع مثله وتوفي رحمه الله تعالى بالموصل رابع عشر شعبان انتهى كلاما بن خلكان ملخصا سنة أربعين وستمائة فيها جهز الملك الصالح أيوب عسكره وعليهم كمال الدين بن الشيخ لأخذ دمشق من عمه الصالح إسمعيل فمات مقدم العسكر كما الدين بغزة ويقال أنه سم وفيها توفي الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي الشروطي الناسخ روى عن يحيى الثقفي والبوصيري وابن المعطوس وطبقتهم وطلب وكتب الأجزاء توفي في رمضان عن ثلاث وستين سنة وفيها أبو إسحق إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الخشوعي آخر من سمع من عبد الواحد بن هلال وما يدرى ما سمع من ابن عساكر توفي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة وفيها آسية المقدسية والدة السيف بن المجد قال أخوها الضياء ما في زماننا مثلها لا تكاد تدع قيام الليل وفيها الحجة الأتابكية امرأة الأشرف موسى صاحبة المدرسة والتربة بجبل قاسيون تركان بنت الملك عز الدين مسعود بن قطب الدسن مودود بن أتابك زنكي وفيها جمال النساء بنت أحمد بن أبي سعد العراف البغدادية سمعت من ابن البطي وأحمد بن محمد الكاغدي وبقية عشرة شيوخ وتوفيت في جمادى الأولى وفيها أبو محمد الحسن بن الأكرم عرف بابن الزاهد العلوي الأديب

(5/207)


208
ومن شعره ( صد عني وجاء شينا فريا * فنبذت الكرى مكانا قصيا ) ( ورعيت النجوم في الليل حتى * بات طرفي موكلا بالثريا ) ( وبراني الأسى فقلت لقلبي * ذق أليم الغرام ما دمت حيا ) ( كيف تهوى من لا يرق لصب * قد كوت قلبه الصبابة كيا ) ( يا طبيب القلوب عالج مريضا * يشتكي من جفاك داء دويا ) ( ترك الحزم من أحب كحبي من بني الترك ظالما تركيا ) ( يا بخيلا بوصله ولعمري * ضيق العين لا يكون سخيا ) وفيها سعيدة بنت عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة روت بالإجازة عن العثماني وفيها عائشة بنت المستنجد بالله بن المقتفى وأخت المستضيء وعمة الناصر عمرت دهرا وماتت في ذي الحجة وفيها عبد الحميد بن محمد بن سعد الصالحي الطيان روى عن يحيى الثقفي وتوفي في رجب وفيها ابن أبية عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدجاجية روى عن الحافظ ابن عساكر ومات في المحرم وفيها أبو محمد عبد العزيز بن مكي بن كرسا البغدادي روى عن ابن البطي وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها صاحب المغرب أبو محمد بن المأمون واسمه عبد الواحد بن إدريس المؤمني صاحب مراكش ولي الأمر سنة ثلاثين وستمائة وأعاد ذكر ابن تومرت في الخطبة ليستميل قلوب الموحدين توفي غريقا في صهريج بستانه وولي بعده أخوه المعتضد علي وفيها العلم بن الصابوني أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد المحمودي الحربي الصوفي والد الجمال بن الصابوني المحدث أجاز له أبو المطهر الصيدلاني وابن البطي وطائفة وسمع من السلفي وكان عدلا جليلا وافر الحرمة توفي في شوال عن أربع وثمانين سنة وفيها ابن شفين الشريف أبو الكرم

(5/208)


209
محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي العباسي المتوكلي مسند العراق أجاز له أبو بكر بن الزاغوني ونصر بن نصر العكبري وأبو الوقت ومحمد بن عبيد الله الرطبي وسمع من يحيى بن السدنك وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة وكان سريا نبيلا وفيها المستنصر بالله أبو جعفر منصور ابن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر أحمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي العباسي ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وهو ابن تركية واستخلف في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة فحمدت سيرته وكان أشقر ضحما قصيرا وخطه الشيب فخضب الحناء ثم تركه وكان جوادا كريما رحيما سمحا عادلا بنى مدرسة المستنصرية ووقفها على المذاهب الأربعة وفيها المارستان والحمام وليس في الدنيا مثلها وهي بالعراق كجامع دمشق وبنى المساجد والخوانك والخانات في الطرق ولم يكن للمال عنده قدر بنى أبوه الناصر بركة وترك فيها المال وكان يقول ترى أعيش حتى أملها فلما ولي المستنصر كان يقول ترى أعيش حتى أفرغها وتوفي بكرة الجمعة عاشر جمادى الآخرة وحزن الناس عليه حزنا عظيما وبويع لولده عبد الله المستعصم سنة إحدى وأربعين وستمائة فيها كما قال في العبر حكمت التتار على بلد الروم والتزم صاحبها ابن علاء الدين بأن يحمل لهم كل يوم ألف دينار ومملوكا وجارية وفرسا وكلب صيد وفيها توفي أبو إسحق تقي الدين إبراهيم بن محمد بن الأزهر ابن أحمد بن محمد الصريفيني بفتح الصاد المهملة وكسر الراء والفاء بين تحتيتين ساكنتين وآخره نون نسبة إلى صريفين قرية ببغداد ولنا أخرى بواسط الحافظ الحنبلي الفقيه نزيل دمشق ولد ليلة حادي عشر محرم سنة إحدى

(5/209)


210
أو اثنتين وثمانين وخمسمائة بصريفين ودخل بغداد وسمع بها من ابن الأخضر وابن طبرزد وهذه الطبقة ورحل إلى الأقطار وسمع بأصبهان ونيسابور وهراة وبوشنج ودينور ونهاوند وتستر وطبس والموصل ودمشق وبيت المقدس وحران من أعلام هذه المدن وتخرج بحران على الرهاوي وتفقه ببغداد على ابن التواريخي وأبي البقاء العكبري وتأدب بهبة الله الدوري قال عمر بن الحاجب الحافظ كان أحد حفاظ الحديث وأوعية العلم إماما فاضلا صدوقا خيرا نبيلا ثقة حجة واسع الرواية ذا سمت ووقار وعفاف حسن السيرة جميل الظاهر سخي النفس مع القلة كثير الرغبة في فعل الخيرات سافر الكثير وجال في الآفاق وكتب الكثير وقرأ وأفاد كثير التواضع سليم الباطن وكان شيخا لدار حديث منبج تركها واستوطن حلب وولي بها دار الحديث التي للصاحب بن شداد وكان يحدث بها ويتكلم على الأحاديث وفقهها ومعانيها سألت البرزالي عنه فقال حافظ دين ثقة وقال أبو شامة كان عالما بالحديث دينا متواضعا توفي في خامس عشر جمادى الأولى وحضرت الصلاة عليه بجامع دمشق ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفيها الأعز بن كرم أبو محمد الحربي الأسكاف البزاز سمع من يحيى بن ثابت وغيره وتوفي في صفر وفيها شمس الدين أبو الفتوح وأبو الخطاب عمر بن أسعد بن المنجا بن بركات المؤمل التنوخي المعرى الحراني المولد الدمشقي الدار والوفاة القاضي الحنبلي بن القاضي وجيه الدين ولد بحران إذ أبوه قاضيها في الدولة النورية سنة سبع وخمسين وخمسمائة ونشأ بها تفقه على والده وسمع من عبد الوهاب بن أبي حبة وقدم دمشق فسمع بها من القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وغيره ورحل إلى العراق وخراسان وسمع ببغداد واشتغل بالخلاف على المحبر الشافعي وأفتى ودرس وكان عارفا بالقضاء بصيرا بالشروط والحكومات والمسائل الغامضات صدرا

(5/210)


211
نبيلا وولي قضاء حران قديما واستوطن دمشق ودرس بها بالمسمارية وحدث عنه البرزالي وابن العديم وغيرهما وأجاز لابن الشيرازي توفي في سابع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون كذا قال أبو شامة وفيها أبو القسم حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزال الأنصاري الأسكندراني روى عن السلفي وتوفي في ذي الحجة وفيها سلطان بن محمود البعلبكي الزاهد أحد أصحاب الشيخ عبد الله اليونيني كان صاحب أحوال وكرامات وهو والد الشيخ الصالح محمود قال السخاوي في طبقاته كان من كبار أولياء الله تعالى تقوت مدة من مباح جبل لبنان حكى العماد أحمد بن سعد أن الشيخ معالي خادم الشيخ سلطان حدثه أنه سأل الشيخ سلطان فقال يا سيدي كم مرة رحت إلى مكة في ليلة قال ثلاث عشرة مرة قلت فالشيخ عبد الله اليونيني قال لو أراد أن لا يصلي فريضة إلا في مكة لفعل وقال الشيخ عبد الدائم بن أحمد بن عبد الدائم لما أعطي الشيخ سلطان الحال جاء إليه سايس كردي فقال قد عزلت أنا ووليت أنت وبعد ثلاثة أيام أدفني قال فمات بعد ثلاث ودفنه وحكى الشيخ الصالح محمود بن الشيخ سلطان أن أباه كانت تفتح له أبواب بعلبك بالليل انتهى وفيها عائشة بنت محمد بن علي بن البل البغدادي الواعظة أجاز لها أبو الحسن بن غبرة والشيخ عبد القادر وكانت صالحة تعظ النساء توفيت في جمادى الأولى وفيها أبو محمد عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي روى عن أبي الفهم بن أبي العجايز وابن صابر وجماعة وكان يلقب بالضياء وسمع بحران من أبي الوفاء وحدث وكان مشهورا بالخير والصلاح وعجز في آخر عمره عن التصرف وتفرد بأشياء وتوفي في جمادى الآخرة وفيها عز الدين أبو الفتح وأبو عمرو عثمان بن أسعد الحنبلي ولد في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة وسمع بمصر من البوصيري ويعقوب

(5/211)


212
ابن الطفيل وببغداد من ابن سكينة وغيره وسمع منه الحافظ ابن الحاجب وابن الحلوانية وولداه وجيه الدين محمد وزين الدين المنجا والحسن بن الخلال وكان فقيها فاضلا معدلا ودرس بالمسمارية عن أخيه نيابة وكان تاجرا ذا مال وثروة توفي في مستهل ذي الحجة وفيها أبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسمع بالأسكندرية من السلفي وبمكة من المبارك بن الطباخ وبدمشق من أبي الحسين بن الموازيني وحدث وتوفي في جمادى الآخرة ودفن بجبل قاسيون وفيها أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي الدمشقي روى عن الحافظ بن عساكر والأمير أسامة وتوفي في رجب وفيها البسارسي أبو الرضا علي بن زيد بن علي الأسكندراني الخياط روى عن السلفي وبسارس من قرى برقة توفي في رمضان قاله في العبر وفيها علي بن أبي الفخار هبة الله بن أبي منصور محمد بن هبة الله الشريف أبو تمام الهاشمي العدل خطيب جامع ابن المطلب ببغداد روى عن ابن البطي وأبي زرعة وجماعة وعاش تسعين سنة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها قيصر بن فيروز البواب أبو محمد القطيعي روى عن عبد الحق اليوسفي وتوفي في شهر رمضان وفيها كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام أم الفضل القرشية الزبيرية وتعرف ببنت الحبقبق روى عن حسان الزيات وخلق وأجاز لها أبو الوقت وابن الباغيان ومسعود الثقفي وخلق وروت شيئا كثيرا توفيت في جمادى الآخر ببستانها بالميطور وفيها الجواد الذي تسلطن بدمشق بعد الملك الكامل هو مظفر الدين يونس بن ممدود بن العادل كان من أمراء عمه الكامل وكان جوادا لكنه لا يصلح للملك وفيها الأمير أبو المنصور مهلهل بن الأمير محمد الملك أبي

(5/212)


213
الضياء بدران بن يوسف بن عبد الله بن رافع بن زيد بن أبي الحسن بعلي بن سلامة بن طارق بن ثعلب بن طارق بن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الحساني البابلسي الأصل المصري الحنبلي سمع من إسمعيل بن ياسين والأبوصيري والأرتاحي وابن نجا والحافظ عبد الغني ولازمه كثيرا وخلق كثير وكتب بخطه وقرأ بلفظه قال المنذري سمعت منه وتوفي في سابع عشر شعبان وفيها الصدر الرئيس جمال الدين محمد بن عقيل بن كروس محتسب دمشق كان كيسا متواضعا دفن بداره بدرب السامري والله أعلم سنة اثنتين وأربعين وستمائة فيها توفي القاضي شهاب الدين ابو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد المعروف بابن أبي الدم ولد بحماة في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ورحل إلى بغداد فتفقه بها وسمع بالقاهرة وحدث بها وبكثير من بلاد الشام وولي قضاء بلده همذان بإسكان الميم وهو حموي ولي قضاءها أيضا وكان إماما في مذهب الشافعي عالما بالتاريخ له نظم ونثر ومن تصانيفه شرح مشكل الوسيط وأدب القاضي وكتاب في التاريخ والفرق الإسلامية وقال الذهبي له التاريخ الكبير المظفير وتصانيفه تدل على فضله توفي في جمادى الآخرة وفيها التاج بن الشيرازي أبو المعالي أحمد بن القاضي أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي المعدل روى عن جده والفضل بن البانياسي وجماعة وتوفي في رمضان وله إجازة من السلفي وفيها أبو طالب حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي روى عن القسم بن عساكر وتوفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة وفيها أبو المنصور ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسمعيل بن سحم الأزدي الأسكندراني المالكي المطرزروي روى عن السلفي وجماعة وتوفي

(5/213)


214
في ربيع الأول وفيها تاج الدين بن حموية شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله ويسمى أيضا عبد السلام بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصوفي شيخ السميساطية ولد بدمشق سنة ست وستين وسمع من شهدة والحافظ أبي القسم بن عساكر ودخل المغرب قبل الستمائة فأقام هناك ست سنين وله مجاميع وفوائد وكان نزها عفيفا قليل الطمع لا يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى لأجل الدنيا وصنف التاريخ وهو عم أولاد شيخ الشيوخ توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها الرفيع الجيلي قاضي القضاة بدمشق أبو حامد عبد العزيز قال الأسنوي في طبقاته رفيع الدين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسمعيل الجيلي الشافعي كان فقيها بارعا مناظرا عارفا بعلم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل جيد القريحة شرح الإشارات لابن سينا شرحا جيدا وكان فقيها في مدارس دمشق كان يصحب كاتب الصالح إسمعيل وهو أمين الدين بن غزال الذي ان سامريا فأسلم فلما أعطيت بعلبك للصالح إسماعيل وبنى أمين الدين بها المدرسة المعروفة بالأمينية وسعى الرفيع في قضاء بعلبك فتولاها مع المدرسة فلما انتقل الصالح إلى ملك دمشق واستوزر أمين الدين نقل الرفيع من بعلبك إلى قضاء دمشق بعد موت شمس الدين ابن ابن الجويني فسار القاضي المذكور سيرة فاسدة حمله عليها قلة دينه وفساد عقيدته من أثبات المحاضر الفاسدة والدعاوي الباطلة وإقامة شهود رتبهم لذلك وأكل الرشا وأموال الأيتام والأوقاف وغير ذلك ومهما حصل يأخذ الشهود بعضه والباقي يقسم بين القاضي والوزير هذا مع استعمال المسكرات وحضور صلاة الجمعة وهو سكران ثم إن الله تعالى كشف الغمة بأن أوقع بين الوزير والقاضي وأراد كل منهما هلاك الآخر ودماره فبادر الأمير وقرر أمره مع الصالح فأمر ورسم له بمكة قال أبو شامة وفي ذي القعدة سنة إحدى وأربعين

(5/214)


215
وستمائة قبض على أعوان الرفيع الظلمة الأرجاس وعلى كبيرهم الموفق حسين الواسطي المعروف بابن الرواس وسجنوا ثم عذبوا بالصرب والعصر والمصادرة ومات ابن الرواس في العقوبة في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين قال وفي ثاني الحجة أخرج الرفيع من داره وحبس بالمقدمية ثم أخرج ليلا وذهب به فسجن بمغارة من نواحي البقاع ثم انقطع خبره فقيل خنق وقيل ألقى من شاهق في هوة ولم يذكر الذهبي في العبر غيره وقيل مات حتف أنفه وتولى بعده محي الدين بن الزكي بمدرسة واحدة وفرقت مدارسه على العلماء وأما صاحبه الوزير المسمى بالأمين فإنه بقي إلى سنة ثمان وأربعين ثم شنق بالديار المصرية وأخذت حواصلة فبلغت ثلاثة آلاف ألف دينار انتهى كلام الأسنوي وقال ابن قاضي شهبة في تاريخ الإسلام كان فاسد العقيدة دهريا مستهزئا بأمور الشريعة يخرج إلى الجمعة سكران وإذا سمع بصاحب مال جهز من يدعى عليه بمبلغ من المال فإذا أنكر أخرج عليه حجة بالمبلغ وعنده شهود زور أعدهم لذلك وحمل القاضي الرفيع إلى بعلبك على بغل بغير أكاف ثم بعث به إلى مغارة في جبل لبنان من ناحية الساحل وأرسل إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه وأوقف على رأس القلعة فقال دعوني حتى أصلي ركعتين فصلى وأطال فرفسه داود سياف النقمة فوقع فما وصل إلى الماء إلا وقد تقطع انتهى وفيها الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب لم تحفظ عنه كلمة فحش حبسه الملك إسمعيل وضيق عليه السامري فمات غما وغبنا ودفن بتربة جده الملك الكامل وفيها النفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي سمع بمكة عبد المنعم الفراوي بالثغر من أبي الطاهر بن عوف وأبي طالب التنوخي توفي في آخر السنة عن ثمان وسبعين سنة وفيها أبو القسم القسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري القرطبي نزيل مالقة كان حافظا مصنفا إماما في العربية والقراءات

(5/215)


216
قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن علي بن ما شاء الله بن الحسين بن عبد الله بن عبد الله العلوي الحسيني البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المقرىء ابن الجصاص ولد في أوائل سنة ست وستين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن الباقلاني الواسطي بها وسمع الحديث من ابن شاتيل وشهدة وابن كليب وغيرهم وتفقه على أبي الفتح بن المنى وتكلم في مسائل الخلاف وناظر وحدث وروى عنه ابن النجار وأجاز لسليمان بن حمزة والقسم بن عساكر وغيرهما وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعيد بن مصافر بن جميل البغدادي الأزجي الحنبلي الأديب ولد في سابع ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع بإفادة والده من ابن شاتيل وابن كليب وغيرهما وكان لديه فضل وأدب وله تصانيف وسمع منه المحب المقدسي وعلي بن عبد الدايم وتوفي في ثالث رجب ببغداد وفيها الجمال بن المخيلي أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور ابن نجا الغساني الأسكندراني المالكي روى عن السلفي وجماعة وكان من أكابر بلده توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة بها كان الغلاء المفرط بدمشق بيعت الغرارة بألف وستمائة درهم وأكلت الجيف وتوفي بها خلق كثير من الأعيان وفيها وجزم ابن كمال باشا أنه توفي في التي قبلها شمس الأئمة الكردري الحنفي محمد بن عبد الغفار بن محمد العلماوي الكردري بفتح الكاف والدال المهملة وسكون الراء الأولى نسبة إلى كردرنا ناحية بخوارزم قال ابن كمال باشا في طبقاته كان أستاذ الأئمة على الإطلاق والموفود إليه من الآفاق أخذ عن شيخ الإسلام برهان الدين على المرغيناني صاحب الهداية والشيخ مجد الدين السمرقندي والشيخ

(5/216)


217
برهان الدين ناصر صاحب المغرب والعلامة بدر الدين عمر بن عبد الكريم الورسكي والشيخ شرف الدين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر العقيلي والقاضي عماد الدين لأبي العلى عمر بن محمد الزرنجري والإمام الزاهد زين الدين العتابي والشيخ نور الدين أبي محمد أحمد بن محمود الصابوني والإمام فخر الدين قاضي خان ونسبته إلى جد المنسوب إلى الكردر من عمل جرجانية خوارزم برع في معرفة المذهب ورفع علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدبوسي وشمس الأئمة السرخسي وتفقه عنه كثير من الفقهاء ومات ببخارى يوم الجمعة تاسع المحرم انتهى وفيها سيف الدين أبو العباس أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي المحدث الحافظ ابن ابن شيخ الإسلام موفق الدين الحنبلي ولد سنة خمس وستمائة بالجبل وسمع من جده الكثير ومن أبي اليمن الكندي وأبي القاسم بن الحرستاني وداود بن ملاعب وطبقتهم ورحل فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السلام وخلق من أصحاب ابن ناصر وغيرهم وكتب بخطه الكثير قال الذهبي كتب العالي والنازل وجمع وصنف وكان ثقة حافظا ذكيا متيقظا مليح الخط عارفا بهذا الشأن عاملا الأثر صاحب عبادة وإنابة تام المروءة أمارا بالمعروف قوالا بالحق ولو طال عمره لساد أهل زمانه علما وعملا ومحاسنه جمة وألف مجلدا كبيرا في الرد على الحافظ محمد بن طاهر المقدسي بإباحته للسماع وانتفعت كثيرا بتعاليق الحافظ سيف الدين انتهى توفى في مستهل شعبان بسفح قاسيون ودفن به وله أيضا كتب أخر وفيها الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الفقيه الحنبلي ولد في صفر سنة إحدى وتسعين وخسمائة وسمع بدمشق من أبي طاهر الخشوعي وحنبل الرصافي وابن طبرزد وغيرهم ورحل في طلب الحديث فسمع بأصبهان من أسعد بن روح وعفيفة الفارقانية وخلق وببغداد

(5/217)


218
من سليمان بن الموصلي وغيره وقرأ الحديث بنفسه كثيرا وإلى آخر عمره وتفقه على الشيخ موفق الدين وهو جده لأمه وببغداد على الفخر إسمعيل وبرع وانتهت إليه مشيخة المذهب بالجبل قال ابن الحاجب سألت عنه الحافظ ابن عبد الواحد فقال حصل ما لم يحصله غيره وحدث وروى عنه سليمان بن حمزة القاضي وغيره وتوفي في ثامن عشرى ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون وفيها ابن الجوهري الحافظ أبو العباس أحمد بن محمود بن إبراهيم بن نبهان الدمشقي مفيد الجماعة وله أربعون سنة سمع من أبي المجد القزويني وخلق ورحل إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وستمائة وكتب الكثير واستنسخ وكان ذكيا متقنا رئيسا ثقة قاله الذهبي وفيها القاضي الأشرف أبو العباس أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي البيناني ثم المصري في جمادى الآخرة وله سبعون سنة سمع من فاطمة بنت سعد الخير والقسم بن عساكر وحصل له في الكهولة غرام زائد بطلب الحديث فسمع الكثير وكتب واستنسخ وكان رئيسا نبيلا وافر الجلالة استوزره الملك العادل فلما مات عرضت عليه فلم يقبلها مات بالقاهرة ودفن بتربة أبيه وفيها معين الدين الصاحب الكبير أبو علي الحسن بن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني في رمضان وقد قارب الستين ولي عدة مناصب وتقدم عند صاحب مصر فأمره على جيشه الذين حاصروا دمشق فأخذها وولى وعزل وعمل نيابة السلطنة فبغته الأجل بعد أربعة أشهر ووجد ما عمل وفيها ربيعة خاتون الصاحبة أخت صلاح الدين والعادل وقد نيفت على الثمانين ودفنت بمدرستها بالجبل وتوفيت في شعبان وفيها أبو الرجاء سالم بن عبد الرزاق بن يحيى المقدس خطيب عقربا روى عن أبي المعالي بن صابر وجماعة وعاش أربعا وسبعين سنة وفيها الشرف أبو محمد وأبو بكر عبد الله بن الشيخ أبي عمر محمد

(5/218)


219
ابن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل الصالحي الحنبلي الخطيب ولد في أواخر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق وسمع بها من يحيى الثقفي وغيره وببغداد من أبي الفرج بن الجوزي وابن المعطوس وابن سكينة وطبقتهم وبمصر من البوصيري والأرتاحي وغيرهما وتفقه على والده وعمه وخطب بجامع الجبل مدة وكان شيخا حسنا يشار إليه بالعلم والدين والورع والزهد وحسن الطريقة وقلة الكلام قال الحافظ الضياء كان فقيها فاضلا دينا ثقة وكتب عنه مع تقدمه توفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو منصور عبد الله بن محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي الحريمي الحافظ المحدث الحنبلي أحد من عنى بهذا الشأن سمع الكثير ببغداد من خلق منهم ابن الأخضر وبحران من الرهاوي الحافظ وغيره وبحلب من جماعة وبدمشق من أبي اليمن الكندي وجماعة قال ابن نقطة سمع بالشام وبلاد الجزيرة وقرأ الكثير قال لي أبو بكر تميم بن البندنيجي وغيره أن اسمه الذي تسمى به جزيرة تصغير جزرة بالجيم والزاي وقال الشريف أبو العباس الحسيني كان حافظا مفيدا سمع الناس الكثير بقراءته وكان مشهورا بسرعة القراءة وجودتها وجمع وحدث وقال ابن رجب له تاريخ كبير وفائد وأجزاء ورسائل إلى السامري صاحب المستوعب ينكر عليه فيها تأوله لبعض الصفات وذكر ابن الساعي وغيره أن المستنصر بالله لما بنى مدرسته المعروفة رتب بدار الحديث بها شيخين يشغلان بعلم الحديث أحدهما أبو منصور هذا والثاني ابن النجار الشافعي صاحب التاريخ توفي ببغداد في ثال جمادى الأولى ودفن خلف بشر الحافي وفيها أبو سليمان عبد الرحمن بن الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبليي الفقيه الزاهد ولد سنة ثلاث أو أبع وثمانين وخمسمائة في شوال وسمع بدمشق من الخشوعي

(5/219)


220
وغيره وبمصر من البوصيري وغيره وببغداد من ابن الجوزي وطبقته وتفقه على الشيخ الموفق حتى برع وكان يؤم معه في جامع بني أمية بمحراب الحنابلة وأفتى ودرس وكان إماما عالما فاضلا ورعا حسن السمت دائم البشر كريم النفس مشتعلا بنفسه وبإلقاء الدروس المفيدة قال أبو شامة كان من أئمة الحنابلة ومن الصالحين وحدث وروى عنه ابن النجار وتوفي في تاسع عشرى صفر ودفن بسفح قاسيون وفيها الحافظ المكثر سراج الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن بركات بن شحاتة الحراني الحنبلي أحد من عنى بعلم الحديث سمع بحران من الرهاوي وبدمشق من ابن الحرستاني وابن ملاعب وغيرهما وبحلب من الافتخار الهاشمي وبالموصل من مسمار بن العويس وبمصر من أصحاب السلفي وغيره وببغداد من الأرموي وغيره وكتب بخطه الكثير قال ابن نقطة هو شاب ثقة وقال غيره كان ممن له الرحلة الواسعة في الطلب سمع من الجم الغفير وسكن آخر عمره بميافارقين وبها مات وصار صاحب ثروة بعد الفقر وكانت له بنت عمياء تحفظ كثيرا إذا سئلت عن باب من العلم من الكتب الستة ذكرت أكثره وكانت في ذلك أعجوبة لم تبلغ أوان الرواية وتوفي والدها في جمادى الآخرة وشحانه بضم الشين المعجمة وفتح الحاء المهملة الخفيفة وبعد الألف نون وفيها أسعد الدين أبو القسم عبد الرحمن بن مقرب بن عبد الكريم الحافظ التجيبي الكندي الأسكندراني المنعوت بالجلال العدل تلميذ ابن المفضل روى عن البوصيري وابن موقا وعنى بالحديث وكتب وخرج وتوفي في صفر وفيها عبد المحسن بن حمود الصدر العلامة أمين الدين التنوخي الحلبي الكاتب المنشىء روى عن حنبل وطبقته وله ديوان ترسل وديوان شعر وكتب لجماعة من الملوك وصنف مفتاح الأفراح في امتداح الراح وغير ذلك من المجاميع الأدبية توفي في رجب وله ثلاث وسبعون سنة

(5/220)


221
وفيها الصاحب الوزير فلك الدين عبد الرحمن بن هبة الله المسيري الوزير المصري وزير الملك العادل كانت الملوك تقبل يديه إذا رأوه ركب في الموكب مع الملك الكامل فلما وصل إلى باب السر أراد أن ينزل على العادة فرسم له أن لا ينزل فدخل قدام الكامل إلى القلعة راكبا فلما نزلا قال للكامل ما بقيت أخشى بعدها أي موتة أموت فضحك الكامل وكان له مملوك حسن يقال له أزبك فائق الجمال فعمل فيه العز القليوبي دوبيت ( البدر بدا من صدغه في حلك * والعقل غدا من حسنه في شرك ) ( تحت الفلك الخلق كثير لكن * ما مثلك يا أزبك فوق الفلك ) وفيها تقي الدين بن الصلاح الحافظ شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من عبيد الله بن السميع ومنصور الفراوي وطبقتهما وتفقه وبرع في المذهب وأصوله وفي الحديث وعلومه وصنف التصانيف مع الثقة والديانة والجلالة قال ابن خلكان كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث واللغة وإذا أطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو والي ذلك أشار العراقي صاحب الألفية بقوله فيها ( وكلما أطلقت لفظ الشيخ ما * أريد إلا ابن الصلاح مبهما ) وكانت فتاويه مسددة وكان شيخي أحد أشياخي الذين انتفعت بهم قرأ الفقه أولا على وادله الصلاح ثم نقله والده إلى الموصل واشتغل بهامدة ثم تولى الإعادة عند ابن يونس بالموصل ثم سافر إلى خراسان وأقام بها زمانا وحصل علم الحديث هناك ثم رجع إلى الشام وتولى المدرسة النظامية بالقدس الشريف المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به ثم انتقل إلى دمشق وتولى تدريس المدرسة الرواحية التي

(5/221)


222
أنشأها الزكي بن رواحة الحموي ولما بنى الأشرف دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه وتولى تدريس مدرسة ست الشام التي قبل المراستان النوري وكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث من غير إخلال بشيء منها وكان من العلم والدين على قدم عظيم ولم يزل أمره جاريا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح وصلى عليه بعد الظهر وهو الخامس والعشرون من ربيع الآخر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية انتهى ملخصا وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه مشكل الوسيط في مجدل كبير وكتاب الفتاوى وعلوم الحديث وكتاب أدب المفتي والمستفتي ونكت على المهذب وفوائد الرحلة وهي أجزاء كثيرة وطبقات الشافعية واختصره النووي واستدرك عليه وأهملا خلائق من المشهورين وأنهما كانا يتبعان التراجم الغريبة انتهى ملخصا أيضا وفيها السخاوي علم الدين العلامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد الهمداني المقرىء النحوي الشافعي ولد قبل الستين وخمسمائة وسمع من السلفي وجماعة وقرأ القراءات على الشاطبي وغيره حتى فاق أهل زمانه في القراءات وانتهت إليه رياسة الإقراء والأدب بدمشق وقرأ عليه خلق لا يحصيهم إلا الله قال الذهبي ما علمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراءات أكثر مما حمل عنه وله تصانيف سائرة متقنة وقال ابن قاضي شهبة ازدحم عليه الطلبة وقصدوه من البلاد وتنافسوا في الأخذ عنه وكان دينا خيرا متواضعا مطرحا للتكلف حلو المحاضرة مطبوع النادرة حاد القريحة من أذكياء بني آدم وكان وافر الحرمة كبير القدر محببا إلى الناس ليس له شغل إلا العلم والإفادة توفي في جمادى الآخرة ودفن بقاسيون ومن تصانيفه التفسير إلى الكهف في أربع مجلدات وشرح الشاطبية في مجلدين وشرح الرائية في مجلد وكتاب جمال القراء وتاج الإقراء وشرح المفصل للزمخشري

(5/222)


223
في أربع مجلدات وغير ذلك وقال ابن خلكان رأيته مرارا راكبا بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية وحوله اثنان أو ثلاثة وكل واحد يقرأ ميعاده في غير موضع الآخر والكل في دفعة واحدة وهو يرد على الجميع مواظبا على وظيفته ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه ( قالوا غدا تأتي ديار الحمى * وينزل الركب بمغناهم ) ( فكل من كان مطيعا لهم * أصبح مسرورا بلقياهم ) ( قلت فلى ذنب فيما حيلتي * بأي وجه أتلقاهم ) ( قالوا أليس العفو من شأنهم * لا سيما عمن ترجاهم ) ثم ظفرت بتاريخ مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخاو بفتح السين المهملة والخاء المعجمة وبعدها ألف ثم واو هذه النسبة إلى سخا وبليدة من أعمال مصر وقياسه سخوى ولكن الناس أطبقوا على النسبة الأولى انتهى وفيها أبو الحسن بن المقير مسند الديار المصرية علي بن أبي عبد الله الحسين بن علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجار ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة وسمع من شهدة ومعمر بن الفاخر وجماعة وأجاز له ابن ناصر وأبو بكر ابن الزاغوني وطائفة وكان صاحب تلاوة وذكر وأوراد توفي في نصف ذي القعدة بالقاهرة قاله في العبر وفيها ضياء الدين أبو إبراهيم محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا التنوخي الحموي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي سمع بدمشق من الخشوعي وتفقه على الشيخ موفق الدين حتى برع وكان عارفا بالمذاهب قليل التعصب زاهدا ما نافس في منصب قط ولا دنيا ولا أكل من وقف بل كان يتقوت من شكارة تزرع له بحوران وما آذى مسلما قط ولا دخل حماما ولا تنعم في ملبس ولا مأكل ولا زاد على ثوب وعمامة في طول عمره وكان على خير كثير قل من يماثله في عبادته واجتهاده وسلوك طريقته رحمه الله قرأ عليه جماعة وحدث وتوفي في ليلة الرابع من جمادى الآخرة بجبل قاسيون

(5/223)


224
وبه دفن وممن قرأ عليه صاحب المبهم عبد الله بن أبي بكر الحربي كتابه وقال ذكر لي أن من يحرك أصبعه المسبحة في تشهده كان ذلك عبثا يبطل صلاته قال وقول من قال من أصحابنا يشير بها مرارا يعني عند الشهادتين فقط وفيها الحافظ الكبير ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي محدث عصره ووحيد دهره شهرته تغنى عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره ولد في خامس جمادى الآخرة سنة تسع وستين وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي المجد البانياسي وأحمد بن الموازيني وغيرهما وبمصر من البوصيري وفاطمة بنت سعد الخير وجماعة وببغداد الكثير من ابن الجوزي وابن المعطوس وابن سكينة وابن الأخضر وهذه الطبقة وبأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني وطبقته وبهمذان من عبد الباقي بن عثمان وبنيسابور من المؤيد الطوسي وطبقته وبهراة من أبي روح وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني ورحل مرتين إلى أصبهان وسمع بها مالا يوصف كثرة وكتب بخطه الكثير من الكتب الكبار وغيرها قال ابن رجب يقال أنه كتب عن أزيد من خمسمائة شيخ وحصل أصولا كثيرة وأقام بهراة ومرو مدة وله إجازة من السلفي وشهدة وقال ابن النجار كتبت عنه ببغداد ونيسابور ودمشق وهو حافظ متقن ثبت ثقة صدوق نبيل حجة عالم بالحديث وأحوال الرجال وله مجموعات وتخريجات وهو ورع تقي زاهد عابد محتاط في أكل الحلال مجاهد في سبيل الله ولعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته وعفته وحسن سيرته وطريقته في طلب العلم وقال عمر بن الحاجب شيخنا أبو عبد الله شيخ وقته ونسيج وحده علما وحفظا وثقة ودينا من العلماء الربانيين وهو أكبر من أن يدل عليه مثلي كان شديد التحري في الرواية مجتهدا في العبادة كثير الذكر منقطعا عن الناس متواضعا في ذات الله رأيت جماعة من المحدثين ذكروه فأطنبوا في حقه

(5/224)


225
ومدحوه بالحفظ والزهد سألت البرزالي عنه فقال ثقة جبل حافظ دين وقال الشريف أبو العباس الحسيني حدث بالكثير مدة وخرج تخاريج كثيرة مفيدة وصنف تصانيف حسنة وكان أحد أئمة هذا الشأن عارفا بالرجال وأحوالهم والحديث صحيحه وسقيمه ورعا متدينا طارحا للتكلف وقال الذهبي بنى مدرسة على باب الجامع المظفري بسفح قاسيون وأعانه عليها بعض أهل الخير ووقف عليها كتبه وأجزاءه وقال غيره بناها للمحدثين والغرباء الواردين مع الفقر والقلة وكان يبني منها جانبا ويصبر إلى أن يجتمع عنده ما يبني به ويعمل فيها بنفسه ولم يقبل من أحد فيها شيئا تورعا وكان ملازما لجل الصالحية قبل أن يدخل البلد أو يحدث به ومناقبه أكثر من أن تحصر وقال الذهبي أيضا نقلا عن الحافظ المزي أنه كان يقول الضياء أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني ولم يكن في وقته مثله وقال الذهبي أيضا الإمام العالم الحافظ الحجة محدث الشام شيخ السنة ضياء الدين صنف وصحح ولين وجرح وعدل وكان المرجوع إليه في هذه الشأن وقال ابن رجب أيضا من مصنفاته الأحاديث المختارة خرجها من مسموعاته كتب منها تسعين جزءا ولم تكمل كتاب فضائل الأعمال أربعة أجزاء كتاب فضائل الشام ثلاثة أجزاء مناقب أصحاب الحديث أربعة أجزاء صفة الجنة ثلاثة أجزاء صفة النار جزءان أفراد الصحيح جزء وغرائبه تسعة أجزاء ذم المسكر جزء الموبقات اجزاء كثيرة كلام الأموات جزء شفاء العليل جزء الهجرة إلى أرض الحبشة جزء قصة موسى عليه السلام جزء فضائل القراءة جزء الرواة عن البخاري جزء كتاب دلائل النبوة الآلهيات ثلاثة أجزاء الحكايات المستطرفة أجزاء كثيرة كتاب سبب هجرة المقادسة إلى دمشق وكرامات مشايخهم نحو عشرة أجزاء وأفرد لأكابرهم من العلماء لكل واحد سيرة في أجزاء كثيرة الطب والرقيات أجزاء وغير ذلك وممن روى عنه ابن نقطة

(5/225)


226
وابن النجار والبرزالي وعمر بن الحاجب وابن أخيه الفخر البخاري وخلق كثير توفي يوم لإثنين ثامن عشرى جمادى الآخرة بسفح قاسيون ودفن به رحمه الله تعالى وفيها العز النسابة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي الشافعي قال الذهبي صدر كبير محتشم سمع من عم والده الحافظ ومن أبي الفهم بن أبي العجايز وطائفة وتوفي في جمادى الأولى انتهى وفيها التاج أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي إمام الكلاسة وابن إمامها ولد بدمشق في أول سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمع من عبد المنعم الفراوي بمكة ومن يحيى الثقفي والفضل البانياسي بدمشق وطلب وتعب ونسخ الكثير وكان حافظا ذا دين ووقار قال ابن ناصر الدين كان حافظا مشهورا وإماما مكثرا مذكورا توفي في جمادى الأولى وفيها ابن الخازن أبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي أحد مشايخ الصوفية الأكابر ولد في صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي زرعة المقدسي وأحمد بن المقرب وجماعة وتوفي في السابع والعشرين من ذي الحجة وفيها ابن النجار الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي صاحب تاريخ بغداد ولد سنة ثمان وسبعيهن وخمسمائة وسمع من ذاكر بن كامل وابن بوش وابن كليب ورحل إلى أصبهان وخراسان والشام ومصر وكتب ما لا يوصف وكان ثقة متقنا واسع الحفظ تام المعرفة بالفن قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية كان شافعي المذهب وأول سماعه وهو ابن عشر سنين وطلب بنفسه وهو ابن خمس عشرة وسمع الكثير وقرأ بالسبع على أبي أحمد بن سكينة ورحل رحلة عظيمة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان وحران ومرو وهراة ونيسابور واستمر في الرحلة سبعا وعشرين سنة وكتب

(5/226)


227
عمن دب ودرج وعمن نزل وعرج وعنى بهذا الشأن عناية بالغة وكتب الكثير وحصل وجمع قال الذهبي كان إماما ثقة حجة مقرئا مجودا كيسا متواضعا ظريفا صالحا خيرا متنسكا أثنى عليه ابن نقطة والدبيثي والضياء المقدسي وهم من صغار شيوخه من حيث السند وقال ابن الساعي كان ثقة من محاسن الدنيا ووقف كتبه بالنظامية مات ببغداد في خامس شعبان ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب ومن تصانيفه كتاب القمر المنير في المسند الكبير وذكر كل صحابي وماله من الحديث وكتاب كنز الأنام في السنن والأحكام وكتاب جنة الناظرين في معرفة التابعين وكتاب الكمال في معرفة الرجال وذيل على تاريخ بغداد للخطيب في ستة عشر مجلدا وكتاب المستدرك على تاريخ الخطيب في عشر مجلدات وكتاب في المتفق والمفترق على منهاج كتاب الخطيب وكتاب في المؤتلف والمختلف ذيل به على ابن ماكولا وكتاب المعجم له اشتمل على نحو من ثلاثة آلاف شيخ وكتاب العقد الفائق في عيون أخبار الدنيا ومحاسن الخلائق وكتاب الدرة الثمينة في أخبار المدينة وكتاب نزهة الورى في أخبار أم القرى وكتاب روضة الأولياء في مسجد إيلياء وكتاب مناقب الشافعي وكتاب غرر الفرائد في ست مجلدات وغير ذلك انتهى كلام ابن شهبة وفيها المنتخب بن أبي العز بن رشيد أبو يوسف الهمذاني المقرىء نزيل دمشق قرأ القراءات على أبي الجود وغيره وصنف شرحا كبيرا للشاطبية وشرحا لمفصل الزمخشري وتصدر للإقراء توفي في ربيع الأول وفيها أبو غالب منصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد المراتبي الخلال ابن المعوج ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسمع محمد بن إسحق الصابي وأبا طالب بن حضير وغيرهما وتوفي في جمادى الآخرة وفيها تاج الدين أبو القسم نصر بن أبي السعود بن مظفر بن الخضر بن بطة اليعقوبي الضرير الفقيه الحنبلي من أهل يعقوبا وفي كثير من طباق السماع

(5/227)


228
ينسب إلى عكبرا وفي بعض الطباق بسبط ابن بطة وهذا يدل على أنه من ولد بعض بنات أبي عبد الله بن بطة دخل بغداد في صباه فقرأ على ابن زريق القزاز وابن شاتيل وابن كليب وغيرهم وتفقه في المذهب على ابن الجوزي وغيره وبرع وأفتى وناظر وأخذ عنه ابن النجار ولم يذكره في تاريخه وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش وغيره ولأحمد الحجار وتوفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب حرب وفيها عماد الدين أبو بكر يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي البغدادي الفقيه الحنبلي الفرضي المعروف بابن البقال ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة تقريبا وطلب العلم في صباه وسمع الكثير من أبي الفتح بن شاتيل وأبي الفرج بن كليب وابن الجوزي وغيرهم وتفقه في المذهب وقرأ الفرائض والحساب وتصرف في الأعمال السلطانية وكان صدوقا حسن السيرة وروى عنه جماعة منهم عبد الصمد بن أبي الجيش وتوفي يوم الأحد سلخ رمضان ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب قاله ابن رجب وفيها الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وسمع بالموصل من أبي الفضل الطوسي وبحلب من أبي سعد بن أبي عصرون وطائفة وانتهى إليه معرفة العربية ببلده وتخرج به خلق كثير توفي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى قاله في العبر وقال ابن خلكان كان فاضلا ماهرا في النحو والتصريف ويعرف بابن الصايغ رحل في صدر عمره من حلب قاصدا بغداد ليدرك أبا البركات عبد الرحمن المعروف بابن الأنباري فلما وصل إلى الموصل بلغه خبر وفاته فأقام بها مديدة وسمع الحديث بها ولما عزم على التصدر للإقراء سافر إلى دمشق واجتمع بالشيخ تاج الدين الكندي الإمام المشهور وسأله عن مواضع مشكلة في العربية ثم رجع فتصدر وكان حسن التفهيم لطيف الكلام طويل الروح على المبتدىء

(5/228)


229
والمنتهى خفيف الروح لطيف الشمائل كثير المجون مع سكينة ووقار له نوارد كثيرة انتهى ملخصا سنة أربع وأربعين وستمائة فيها توفي الملك المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص وابن صاحبها وأحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام مرض بدمشق ببستان الملك الأشرف بالنيرب ومات في حادي عشر صفر وحمل تابوته إلى حمص فدفن عند أبيه وكان عازما على أخذ دمشق ففجأة الموت وقام بعده بحمص ولده الملك الأشرف موسى وفيها أبو العباس عز الدين أحمد بن علي بن معقل المهلبي الحمصي العلامة اللغوي الذي نظم الإيضاح والتكملة عاش سبعا وسبعين سنة وتوفي في ربيع الأول وأخذ عن الكندي وأبي البقاء وبرع في لسان العرب وكان صدرا محترما غاليا في التشيع ومن شعره ( أما والعيون النجل حلفة صادق * لقد نبض التفريق نبض المفارق ) وفيها تاج العارفين شمس الدين الحسن بن عدي بن أبي البركات بن صخر ابن مسافر حفيد أبي البركات أخي الشيخ عدي شيخ العدوية الأكراد له تصانيف في التصوف وشعر كثير وأتباع يتغالون فيه إلى الغاية قال الذهبي وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق كما بين القدم والفرق وبلغ من تعظيم العدوية الأكراد له ما حدثني الحسن بن أحمد الأربلي قال قدم واعظ على هذا الشيخ حسن فوعظه فرق قلبه وبكى وغشى عليه فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه فلما أفاق الشيخ رآه يخبط في دمه فقال ما هذا فقالوا وإلا إيش هو هذا الكلب حتى ييكي سيدنا الشيخ فسكت حفظا لحرمة نفسه احتال عليه بدر الدين لولو صاحب الموصل حتى حضر إليه فحبسه وخنقه بوتر خوفا من الأكراد على

(5/229)


230
بلاده أن يأمرهم بأمر فيخربون بلاد الموصل وختم الذهبي ترجمته بأن قال ( أمرد وقحبة وقهوة * طريق أرباب الهوى ) ( هذي طريق الجنة * فأين طريق النار ) وفيها إسمعيل بن علي الكوراني الزاهد كان عابدا قانتا صادقا أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر ذا غلظة على الملكوك ونصيحة لهم روى عن أحمد بن محمد الطرسوسي الحلبي وتوفي بدمشق في شعبان وفيها أبو المظفر عبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء البعلبكي ثم الدمشقي حدث بحماة عن أبي القسم بن عساكر وتوفي في ذي الحجة بحماة وفيها محمد بن حسان بن رافع بن سمير أبو عبدالله العامري المحدث المفيد روى عن الخشوعي وجماعة وكتب الكثير وتوفي في صفر وفيها تقي الدين محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي المراتبي نزيل دمشق الفقيه الحنبلي الإمام أبو عبدالله كان عالما متبحرا لم يخلف في الحنابلة مثله صحب ببغداد أبا البقاء العكبري وأخذ عنه ثم قدم دمشق فصاحب الشيخ موفق الدين وتفقه عليه وبرع وأفتى قال أبو شامة كان عالما فاضلا ذا فنون ولي به صحبة قديمة وبعده لم يبق في مذهب أحمد مثله بدمشق توفي في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون سنة خمس وأربعين وستمائة في جمادى الآخرة أخذ المسلمون عسقلان وطبرية عنة وكان الفتح على يد فخر الدين بن الشيخ وفيها توفي الكاشغري بسكون الشين وفتح الغين المعجمتين وراء نسبة إلى كاشغر مدينة بالمشرق أبو إسحق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي ببغداد في حادي عشر جمادى الأولى وله تسع وثمانون سنة سمع من ابن البطي

(5/230)


231
وعلي بن تاج القراء وأبي بكر بن النقور وجماعة وعمر ورحل إليه الطلبة وكان آخر من بقي بينه وبين مالك خمسة أنفس ثقات وله مشيخة المستنصرية وفيها أبو مدين شعيب بن يحيى بن أحمد بن الزعفراني التاجر إسكندراني متميز جاور بمكة وحدث عن السلفي وتوفي في ذي القعدة وفيها أبو محمد علي بن أبي الحسن بن منصور الدمشقي الفقير ولد بقرية بسر من حوران ونشأ بدمشق وتعلم بها نسج العتابي ثم تمفقر وعظم أمره وكثر اتباعه وأقبل على المطيبة والراحة والسماعات والملاح وبالغ في ذلك فمن يحسن الظن به يقول هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال ووصول ومن خبر أمره رماه بالكفر والضلال وهو أحد من لا يقطع له بجنة ولا نار فإنا لا نعلم بما يختم له به لكنه توفي في يوم شريف يوم الجمعة قبل العصر السادس والعشرين من رمضان وقد نيف على التسعين مات فجأة قاله في العبر وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام هو صاحب الزاوية التي بظاهر دمشق بالشرف الأعلى القبلي التي يجتمع بها الناس للسماعات يقال لها زاوية الحريري وقف عليه في أول أمره دراهم فحبسه أصحاب الديون فبات تلك الليلة في الحبس بلا عشاء فلما أصبح صلى بالمحتسبين صلاة الصبح وجعل يذكر بهم إلى ضحوة وأمر كل من جاءه شيء من المأكول من أهله أن يشيله فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدوا الأكل سماطا فأكل كل من في الحبس وفضل شيء كثير فأمرهم بشيله وصلى بهم الظهر وأمرهم أن يناموا ويستريحا ثم صلى بهم العصر وجعل يذكر بهم إلى المغرب ثم صلى بهم المغرب وقدم ما حضر وبقي على هذا الحال فلما كان في اليوم الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبسين وكل من كان محبوسا على دون المائة يجبون له من بينهم ويرضون غريمه ويخرجونه فخرج جماعة وشرع الذين خرجوا يسعون في خلاص من بقي وأقام ستة أشهر محبوسا وجبوا له وأخرجوه فصار كل يوم يتجدد له اتباع

(5/231)


232
إلى أن آل من أمره ما آل قال شرف الدين خطيب عقربا خرج الفلك المسيري يقسم قرية له وأخذ معه جماعة فلما قسموا ووصلوا إلى زرع قالوا نمشي إلي عند الشيخ علي الحريري فقال أحدهم إن كان صالحا يطعمنا حلوى سخنة بعسل وسمن وفستق وسكر وقال الآخر يطعمنا بطيخا أخضر وقال الآخر يسقينا فقاعا عليه الثلج فلما وصلوا تلقاهم بالرحب وأحضر شيئا كثيرا من جملته حلوى كما قال ذلك الرجل فأمر بوضعها بين يدي مشتهيها ثم أحضر بطيخا آخر وأشار إلى مشتهيه بالأكل فلما فرغوا نظر إلى صاحب شهوة الفقاع وقال يا أخي كان عندي تحت الساعات أو باب البريد ثم صاح يا فلان ادخل فدخل فقير وعلى رأسه دست فقاع وعليه الثلج منحوت وقال بسم الله اشرب ولما مات كانت ليلة مثلجة فقال نجم الدين بن إسرائيل ( بكت السماء عليه ساعة دفنه * بمدامع كاللؤلؤ المنثور ) ( وأظنها فرحت بمصعد روحه * لما سمت وتعلقت بالنور ) ( أوليس دمع الغيث يهمي باردا * وكذا تكون مدامع المسرور ) وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي بن محمد بن المبرك بن أحمد بن محمد بن بكروس بن سيف التميمي الدينوري الفقيه الحنبلي وقد سبق ذكر أبيه وجده ولده في تاسع عشرى رمضان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وأسمعه والده الكثير في صغره من ابن بوش وابن كليب وتفقه وحدث وروى عنه محمد بن أحمد القزاز وأجاز لسليمان بن حمزة الحاكم وتوفى ليلة سادس عشر رجب وفيها أبو علي الشلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الأشبيلي النحوي أحد من انتهت إليه معرفة العربية في زمانه ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة وسمع من أبي بكر بن محمد بن خلف وعبد الله بن زرقون والكبار وأجاز له السلفي وكان أسند من بقي بالمغرب وكان في العربية بحرا لا يجارى

(5/232)


233
وحبرا لا يباري قياما عليها واستبحارا فيها تصدر لإقراء النحو نحوا من ستين عاما وصنف التصانيف وله حكايات في التغفل قاله في العبر وقال ابن خلكان كان فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة توفي في أحد الربيعين وقيل في صفر بأشبيلية والشلوبين بفتح الشين المعجمة واللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية ونون هي بلغة الأندلس الأبيض الأشقر وفيها الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل كان فارسا شجاعا وشهما مهيبا وملكا جوادا وكان صاحب ميافارقين وخلاط وحصن منصور وغير ذلك حج من بغداد ثم توفي في هذه السنة وتملك بعده ابنه الشهيد الملك الكامل ناصر الدين وفيها ابن الدوامي عز الكفاة الصاحب أبو المعالي هبة الله بن الحسن بن هبة الله كان أبوه وكيل الخليفة الناصر وسمع هو من تجنى الوهبانية وابن شاتيل وكان صاحب الحجاب مدة ثم تزهد وانقطع إلى أن توفي في جمادى الأولى وفيها شرف الدين الأمير الكبير يعقوب بن محمد بن حسن الهدباني الأربلي روى عن يحيى الثقفي وطائفة وولى شد دواوين الشام وكان ذا علم وأدب توفي في ربيع الأول بمصر سنة ست وأربعين وستمائة فيها توفي أبو العباس أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجار الحراني الحنبلي المحدث الزاهد الثقة القدوة سمع الكثير من ابن كليب وكتب الأجزاء والطباق وصحب الحافظ عبد الغني المقدسي والحافظ الرهاوي والشيخ موفق الدين وسمع منهم وسمع منه جماعة قال ابن حمدان سمعت عليه كثيرا وكان من دعاة أهل السنة وأوليائهم مشهورا بالزهد والورع والصلاح توفي وسط العام بحران وفيها إسمعيل بن سودكين أبو الطاهر النوري

(5/233)


234
الحنفي الصوفي كان صاحب الشيخ محي الدين بن العربي وله كلام وشعر توفي في صفر وروى عن الأرتاحي وفيها صفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية أخت كريمة لم تسمع شيئا بل أجاز لها مسعود الثقفي والكبار وتفردت في زمانها توفيت في رجب بحماة وفيها ابن البيطار الطبيب البارع ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي العشاب صاحب كتاب المفردات في الأدوية انتهت إليه معرفة النبات وصفاته ومنافعه وأماكنه وله اتصال بخدمة الكامل ثم ابنه الصالح وكان رئيسا في الديار المصرية توفي بدمشق في شعبان وفيها ابن رواحة عز الدين أبو القسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي الشافعي ولد بصقلية وأبواه في الأسر سنة ستين وخمسمائة وسمعه أبوه بالأسكندرية من السلفي الكبير ومن جماعة توفي في ثامن جمادى الآخرة وله خمس وثمانون سنة وفيها ابن الحاجب العلامة أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي وأسنا بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح النون وبعدها ألف بليدة صغيرة من أعمال القوصية بالصعيد الأعلى من مصر ولد في أواخر خراسان سبعين وخمسمائة باسنا وكان أبوه حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي فاشتغل هو بالقراءات على الشاطبي وغيره وبرع في الأصول والعربية وتفقه في مذهب الإمام مالك قال اليافعي وبلغني أنه كان محبا للشيخ عز الدين بن عبد السلام وأن ابن عبد السلام حين حبس بسبب إنكاره على السلطان دخل معه الحبس موافقة ومراعاة ولعل انتقاله إلى مصر كان بسبب انتقال الشيخ بن عبد السلام وفيهما أنهما اجتمعا في الإنكار وقال ابن خلكان انتقل إلى دمشق ودرس بها في زاوية المالكية وأكب الناس على الاشتغال عليه والتزم له الدروس وتبحر في العلوم وكان الأغلب عليه علم العربية وصنف مختصرا في مذهبه ومقدمة وجيزة في النحو سماها الكافية وأخرى مثلها في

(5/234)


235
التصريف سماها الشافية وشرح المقدمتين وله ( أي غد مع يد دد ذي حروف * طاوعت في الروى وهي عيون ) هذا جواب البيتين المشهورين ( ربما عالج القوافي رجال * في المعاني فتلتوي وتلين ) ( طاوعتهم عين وعين وعين * وعصتهم نون ونون ونون ) وله في أسماء قداج الميسر ( هي فذ وتوأم ورقيب * ثم حلس ونافس ثم مسبل ) ( والمعلى والوغد ثم سفيح * ومنيح هذي الثلاثة تهمل ) ( ولكل مما عداه نصيب * مثله أن تعد أول أول ) وصنف في أصول الفقه وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة وخالف النحاة في مواضع وأورد عليها إشكالات وإلزامات تتعذر الإجابة عنها وكان من أحسن خلق الله ذهنا ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها والناس ملازمون من أحسن خلق الله ذهنا ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها والناس ملازمون الاشتغال عليه وجاءني مرارا بسبب أداء ضهادات وسأتله عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام ومن جملة كلامه عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط في قولهم إن أكلت إن شربت فأنت طالق لم يتعين تقدم الشرب على الأكل بسبب وقوع الطلاق حتى لو قال ثم شربت لا تطلق وسألته عن بيت المتنبي ( لقد تصبرت حتى لات مصطبر * والآن أقحم حتى لات مقتحم ) ولات ليست من أدوات الجر فأطال الكلام فيها وأجاب فأحسن الجواب عنها ولولا التطويل لذكرت ما قاله ثم انتقل إلى الأسكندرية للإقامة بها فلم تطل مدته هناك توفي ضحى نهار الخميس سادس عشري شوال ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي شامة انتهى وفيها ابن الدباج العلامة أبو الحسن علي بن جابر النحوي المقرىء شيخ الأندلس أخذ القراءات

(5/235)


236
عن أبي بكر بن صاف والعربية عن أبي ذر بن أبي ركب الخشني وساد أهل عصره في العربية ولد سنة ست وستين وخمسمائة وتوفي بأشبيلية بعد أخذ الروم الملاعين لها في شعبان بعد جمعة فإنه هاله نطق الناقوس وخرس الأذان فما زال يتلهف ويتأسف ويضطرب إلى أن قضى نحبه وقيل مات يوم أخذها وفيها وزير حلب علي بن يوسف القفطي بكسر القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفط بالطاء المهملة بلد بصعيد مصر عرف بالقاضي الأكرم أحد الكتاب المبرزين في النثر والنظم كان عارفا باللغة والنحو والفقه والحديث وعلوم القرآن والأصول والمنطق والحكمة والنجوم والهندسة والتاريخ وكان صدرا محتشما كامل المروءة جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد وكان لا يحب من الدنيا سوى الكتب ولم تكن له دار ولا زوجة وصنف كتاب الدر الثمين في أخبار المنتمين وكتاب إصلاح خلل صحاح الجوهري وكتاب الكلام على صحيح البخاري وكتاب نزهة الناظر ونهزة الخاطر وغير ذلك وفيها صاحب المغرب المعتضد ويقال له أيضا السعيد أبو الحسن المؤمني علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف ولي الأمر بعد أخيه عبد الواحد سنة أربعين وقتل وهو على ظهر جواده وهو يحاصر حصنا بتلسان في صفر وولي بعده المرتضى أبو حفص فامتدت دولته عشرين عاما وفيها الملك العادل كمال الدين أبو بكر بن الملك الكامل بن أيوب قتله أخوه الملك الصالح خنقا بقلعة دمشق ودفن بتربة شمس الدولة ولم تطل مدة أخيه بعده بل كان بينهما عشرة أشهر ورأى في نفسه العبر وفيها أفضل الدين الخونجي بخاء معجمة مضمومة ثم واو بعدها نون ثم جيم محمد بن ناماور بالنون في أوله ابن عبد الملك قاضي القضاة أبو عبد الله الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة تسعين وخمسمائة واشتغل في العجم ثم قدم مصر وولي قضاءها وطلب وحصل وبالغ في علوم الأوائل حتى

(5/236)


237
تفرد برياسة ذلك في زمانه وأفتى وناظر وصنف الموجز والجمل وكشف الأسرار وغير ذلك قال أبو شامة كان حكيما منطقيا مات في رمضان ودفن بسفح المقطم ورثاه تلميذه العز الأربلي الضرير فقال من قصيدة أولها ( قضى أفضل الدنيا فلم يبق فاضل * ومات بموت الخونجي الفضائل ) ( فيا أيها الحبر الذي جاء آخرا * فحل لنا مالم تحل الأوائل ) وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام له الموجز في المنطق وكتاب أدوار الحميات وكان تلحقه غفلة فيما يفكره من المسائل العقلية جلس يوما عند السلطان وأدخل يده في رزة هناك ونسي روحه في الفكرة فقام الجماعة وبقي جالسا تمنعه أصبعه من القيام فظن السلطان أن له حاجة فقال له أللقاضي حاجة قال نعم تفك أصبعي من الرزة فأحضر حدادا وخلص أصبعه فقال إني فكرت في بسط هذا الإيوان فوجدته يتوفر فيه بساط إذا بسط على ما دار في ذهني فبسط على ما قال ففضل بساط انتهى وفيها أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت الأسكندراني المقرىء روى عن السلفي وغيره وتوفي في سابع عشر ربيع الآخر وفيها منصور بن السيد بن الدماع أبو علي الأسكندراني النحاس روى عن السلفي وتوفي في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وستمائة في ربيعها الأول نازلت الفرنج دمياط برا وبحرا وكان بها فخر الدين ابن الشيخ وعسكر فهربوا وملكها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة فإنا لله وإنا إليه راجعون وكان السلطان على المنصورة فغضب على أهلها كيف سيبوها حتى أنه شنق ستين نفسا من أعيان أهلها وقامت قيامته على العسكر بحث أنهم تخوفوه وهموا به فقال فخر الدين أمهلوه فهو على شفا فمات ليلة نصف شعبان وهو الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل

(5/237)


238
محمد بن العادل وكتم موته أياما وساق مملوكه أقاطيا على البرية إلى أن عبر الفراة وساق إلى حصن كيفا وأخذ الملك المعظم بوران شاه ولد الصالح وقدم به دمشق فدخلها في آخر رمضان في دست السلطنة وجرت للمصريين مع الفرنج فصول وحروب إلى أن تمت وقعة المنصورة في ذي القعدة وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان فركب مقدم الجيش فخر الدين ابن الشيخ وقاتل فقتل وانهزم المسلمون ثم كروا على الفرنج ونزل النصر وقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ولله الحمد ثم قدم الملك المعظم بعد أيام وكان مولد الملك الصالح المترجم سنة ثلاث وستمائة بالقاهرة وسلطنه أبوه على آمد وحران وسنجار وحصين كيفا فأقام هناك إلى أن قدم وملك دمشق بعد الجواد وجرت له أمور ثم ملك الديار المصرية ودانت له الممالك وكان وافر الحرمة عظيم الهيبة طاهر الذيل خليقا للملك ظاهر الجبروت وفيها ابن عوف الفقيه رشيد الدين أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب ابن العلامة أبي الطاهر إسمعيل بن مكي الزهري العوفي الأسكندراني المالكي سمع من جده الموطأ وكان ذا زهد وورع توفي في صفر عن ثمانين سنة وفيها عجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية سمعت من عبد الحق وعبد الله ابني منصور الموصلي وهي آخر من روى بالإجازة عن مسعود والرستمي وجماعة توفيت في صفر عن ثلاث وتسعين سنة ولها مشيخة في عشرة أجزاء وفيها ابن البرادعي صفي الدين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي العدل روى عن ابن عساكر وأبي سعد بن أبي عصرون وتوفي في ربيع الآخر وفيها السيدي أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي الحاجب روى عن عبد الحق وتجنى وجماعة كثيرة وطال عمره وفيها فخر الدين بن شيخ الشيوخ الأمير نائب السلطنة أبو الفضل

(5/238)


239
يوسف بن الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حموية الجويني ولد بدمشق بعد الثمانين وخمسمائة وسمع من منصور بن أبي الحسن الطبري وغيره وكان رئيسا محتشما سيدا معظما ذا عقل ورأى ودهاء وشجاعة وكرم سجنه السلطان سنة أربعين وقاسى شدائد وبقي في الحبس ثلاث سنين ثم أخرجه وأنعم عليه وقدمه على الجيش طعن يوم المنصورة وجاءته ضربتان في وجهه فسقط وفيها الساوي يوسف بن محمود بن يعقوب المصري الصوفي روى عن السلفي وعبد الله بن بري وتوفي في رجب عن ثمانين سنة سنة ثمان وأربعين وستمائة استهلت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرون لانقطاع الميرة عن الفرنج ولوقوع المرض في خيلهم ثم عزم ملكهم الفرنسيس على المسير في الليل إلى دمياط ففهمها المسلمون وكان الفرنج قد عملوا جسرا من صنوبر على النيل فنسوا قطعة فعبر عليه الناس وأحدقوا بهم فاجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطاله وحملوا على المسلمين حملة واحدة ففرج لهم المسلمون فلما صاروا في وسطهم أطبقوا عليهم فلم ينج منهم أحد ومسكوا الفرنسيس أسرة سيف الدين القيمري باني المارستان في صالحية دمشق وانهزم جل الفرنج على حمية فحمل عليهم المسلمون ووضعوا فيهم السيف وغنم الناس ما لا يحد ولا يوصف وأركب الفرنسيس في حراقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكوسات والطبول وفي البر الشرقي الجيش ساير تحت ألوية النصر وفي البر الغربي العربان والعوام وكانت ساعة عجيبة واعتقل الفرنسيس بالمنصورة وذلك في أول يوم من المحرم قال سعد الدين بن حموية كانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا فيهم ملوك وكبار وكانت القتلى سبعة آلاف واستشهد من المسلمين نحو مائة نفس وخلع الملك

(5/239)


240
المعظم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة فامتنع الكلب الفرنسيس من لبس الخلعة وقال أنا مملكتي بقدر مملكة صاحب مصر كيف ألبس خلعته ثم بدت من المعظم خفة وطيش وأمور خرج بسببها عليه مماليك أبيه وقتلوه بعد أن استردوا دمياط وذلك أن حسام الدين بن أبي علي أطلق الفرنسيس على أن يسلم دمياط وعلى بذل خمسمائة ألف دينار للمسلمين فأركب بغلة وساق معه الجيش إلى دمياط فما وصلوا إلا وأوائل المسلمين قد ركبوا أسوارها فاصفر لون الفرنسيس فقال حسام الدين هذه دمياط قد ملكناها والرأي لانطلق هذا لأنه قد اطلع على عوراتنا فقال عز الدين أيبك لا أرى الغدر وأطلقه وفيها توفي ابن الخير أبو إسحق إبرهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي المقري الحنبلي روى الكثير عن شهدة وعبد الحق وجماعة وأجاز له ابن البطي وقرأ القراآت ولد في سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وستين وخمسمائة وعنى بالحديث وكان له به معرفة وكان أحد المشايخ المشهورين بالصلاح وعلو الإسناد دائم البشر مشتغلا بنفسه ملازما لمسجده حسن الأخلاق قال ابن نقطة سماعه صحيح وهو شيخ مكثر روى عن خلق كثير منهم ابن الحلوانية وابن العديم والدمياطي وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد وكان والده شيخا صالحا ضريرا حدث عن ابن ناصر وغيره وهو الذي يلقب بالخير توفي في صفر سنة ثلاث وستمائة وفيها فخر القضاة بن الجباب أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السعدي المصري ناظر الأوقاف وراوي صحيح مسلم عن المأموني سمع قليلا من السلفي وابن بري وتوفي في رمضان وله سبع وثمانون سنة وفيها الحافظية أرغوان العادلية عتيقة الملك العادل وسميت بالحافظية لتربيتها للملك الحافظ صاحب قلعة جعبر وكانت امرأة صالحة مدبرة صادرها الصالح إسمعيل فأخذ منها

(5/240)


241
أربعمائة صندوق ووقفت دارها التي داخل باب النصر بدمشق وتعرف بدار الإبرهيمي على خدامها وبنت بالصالحية تحت ثورا قرب عين الكرش مدرسة وتربة كانت بستانا للنجيب غلام التاج الكندي فاشترته منه وبنت ذلك ووقفت عليه أوقافا جيدة منها بستان بصارو وتسمى الآن بالحافظية وفيها الملك الصالح عماد الدين أبو الجيش إسمعيل بن العادل الذي تملك دمشق مدة انضم سنة أربع وأربعين إلى ابن أخيه صاحب حلب الملك الناصر فكان من كبراء دولته ومن جملة أمرائه بعد سلطنة دمشق ثم قدم معه دمشق وسار معه فأسره الصالحية ومروا على طربة الصالح مولاهم وصاحوا يا خوند أين عينك ترى عدوك أسيرا ثم أخذوه في الليل وأعدموه في سلخ ذي القعدة وكان ملكا شهما محسنا إلى خدمه وغلمانه وحاشيته كثير التجمل وفيها أمين الدولة الوزير أبو الحسن الطبيب كان سامريا ببعلبك فأسلم في الظاهر والله أعلم بالسراير ونفق على الصالح إسمعيل حتى وزر له وكان ظالما نحسا ماكرا داهية وهو واقف الأمينية التي ببعلبك أخذ من دمشق بعد حصار الخوارزمية وسجن بقلعة مصر فلما جاء الخبر الذي لم يتم بانتصار الناصر توثب أمين الدولة في جماعة وصاحوا بشعار الناصر فشنقوا وهم هو وناصر الدين بن مغمور والخوارزمي ومن جملة ما وجد في تركة أمين الدولة ثلاثة آلاف ألف دينار غير ما كان مودعا له عند الناس وفيها الملك المعظم غياث الدين بوران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب لما توفي أبوه حلف له الأمراء وتعدوا وراءه كما ذكرنا وفرح الخلق بكسر الفرنج على يده لكنه كان لا يصلح لصالحة لقلة عقه وفساده في المرد ضربه مملوك بسيف فتلقاها بيده ثم هرب إلى برج خشب فرموه بالنفط فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام حتى انتفخ ثم واروه وكان قوي المشاركة في العلوم ذكيا قال ابن واصل لما دخل المعظم

(5/241)


242
مصر قام إليه الشعراء فابتدأ ابن الدجاجية تاج الدين فقال ( كيف كان القدوم من حصن كيفا * حين أرغمت للأعادي أنوفا ) فأجابه الملك المعظم ( الطريق الطريق يا ألف نحس * تارة آمنا وطورا مخيفا ) أدركته حرفة الأدب كما أدركت عبد الله بن المعتز قال أبو شامة دخل في البحر إلى حلقه فضربه البندقداري بالسيف فوقع وفيها ابن رواح المحدث رشيد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الأسكندراني المالكي ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وسمع الكثير من السلفي وطائفة ونسخ الكثير وخرج الأربعين وكان ذا دين وفقه وتواضع توفي في ثامن عشر ذي القعدة وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي السعادات الدباس الفقيه الحنبلي البغدادي أحد أعيان فقهاء بغداد وفضلائهم سمع الحديث من ابن شاتيل وابن زريق البرداني وابن كليب وتفقه على إسمعيل بن الحسين صاحب أبي الفتح بن المنى وقرأ علم الخلاف والجدل والأصول على النوقاني وبرع في ذلك وتقدم على أقرانه وتكلم وهو شاب في مجالس الأئمة فاستحسنوا كلامه وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح قال ابن الساعي قرأت عليه مقدمة في الأصول وكان صدوقا نبيلا ورعا متدينا حسن الطريقة جميل السيرة محمود الأفعال عابدا كثير التلاوة للقرآن محبا للعلم ونشره صابرا على تعليمه لم يزل على قانون واحد لم تعرف له صبوة من صباه إلى آخر عمره يزور الصالحين ويشتغل بالعلم لطيفا كيسا حين المفاكهة قل أن يغشى أحد مقبلا على ما هو بصدده وروى عنه ابن النجار في تاريخ ووصفه بنحو ما وصفه ابن الساعي توفي في حادي عشرى شعبان ودفن بباب حرب وقد ناهز الثمانين ومر ليلة بسوق المدرسة النظامية ليصلي العشاء الآخرة بالمستنصرية إماما فخطف إنسان بقياره في الظلماء وعدا فقال له الشيخ على

(5/242)


243
رسلك وهبتكه قل قبلت وفشا خبره بذلك فلما أصبح أرسل إليه عدة بقايير قيل أحد عشر فلم يقبل منها إلا واحدا تنزها وفيها المجد الإسفراييني المحدث قارىء الحديث أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصوفي روى عن المؤيد الطوسي وجماعة وتوفي في ذي القعدة بالسميساطية من دمشق وفيها مظفر بن الفوي أبو منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الأسكندراني المالكي الشاهد روح عن السلفي وعاش تسعين سنة وتوفي في سلخ القعدة وفيها أبو الحجاج يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله محدث الشام الدمشقي الأدمي الحنبلي نزيل حلب ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق وتشاغل بالكسب إلى الثلاثين من عمره ثم طلب الحديث وتخرج بالحفاظ عبد الغني واستفرغ فيه وسعه وكتب مالا يوصف بخطه المليح المتقن ورحل إلى الأقطار فسمع بدمشق من الحافظ عبد الغني وابن أبي عصرون وابن الموازيني وغيرهم وببغداد من ابن كليب وابن بوش وهذه الطبقة وبأصبهان من ابن مسعود الحمال وغيره وبمصر من البوصيري وغيره وكان إماما حافظا ثقة نبيلا متقنا واسع الرواية جميل السيرة متسع الرحلة قال ابن ناصر الدين كان من الأئمة الحفاظ المكثيرين الرحالين بل كان أوحدهم فضلا وأوسعهم رحلة وكتابة ونقلا وقال ابن رجب تفرد في وقته بأشياء كثيرة عن الأصبهانيين وخرج وجمع لنفسه معجما عن أزيد من خمسمائة شيخ وثمانيات وعوالي وفوائد وغير ذلك واستوطن في آخر عمره حلب وتصدر بجامعها وصار حافظا والمشار إليه بعلم الحديث فيها حدث بالكثير من قبل الستمائة وإلى آخر عمره وحدث عنه البرزالي ومات قبله باثنتي عشرة سنة وسمع منه الحافظ المقدمون كابن الأنماطي وابن الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والصريفيني وعمر بن الحاجب وقال هو أحد الرحالين بل وأحدهم فضلا وأوسعهم رحلة نقل بخطه المليح ما لا يدخل تحت الحصر

(5/243)


244
وهو طيب الأخلاق مرضي الطريقة متقن ثقة حافظ وسئل عنه الحافظ الضياء فقال حافظ مفيد صحيح الأصول سمع وحصل صاحب رحلة وتطواف وسئل الصريفيني عنه فقال حافظ ثقة عالم بما يقرأ عليه لا يكاد يفوته اسم رجل وقال الذهبي روى عنه خلق كثير وآخ رمن روى عنه إجازة زينب بنت الكمال توفي سحر يوم الجمعة منتصف وقيل عاشر جمادى الآخرة بحلب ودفن بظاهرها رحمه الله تعالى سنة تبع وأربعين وستمائة فيها توفي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الإسلامي كان يهوديا فأسلم وكان أديبا ماهرا وله قصيدة مدح بها رسول الله قبل أن يسلم وكان يهوى صبيا يهوديا اسمه موسى فمن قوله فيه من جملة أبيات ( فما وجد إعرابية بان الفها * فحنت إلى بان الحجاز ورنده ) ( بأعظم من وجدي بموسى وإنما * يرى أنني أذنبت ذنبا بوده ) وليه فيه ( يقولون لو قبلته لاشتفى الجوى * أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا ) إلى أن قال ( إذا فئة العذال جاءت بسحرها * ففي وجه موسى أية تبطل السحرا ) ثم إنه هوى بعد إسلامه صبيا اسمه محمد فقال ( تركت هوى موسى لحب محمد * ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي ) ( وما عن قلى حبي تركت وإنما * شريعة موسى عطبت بمحمد ) مات غريقا رحمه الله وفيها ابن العليق أبو نصر الأعز بن فضائل البغدادي البابصري روى عن شهدة وعبد الحق وجماعة وكان صالحا تاليا لكتاب الله تعالى توفي في رجب وفيها البشيري بفتح الموحدة

(5/244)


245
وكسر المعجمة وبعد الياء راء نسبة إلى قلعة بشير بنواحي الدوران من بلاد الأكراد أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر الفقيه ضياء الدين شيخ ماردين روى عن أبي الفتح بن شاتيل وجماعة وكانت له مشاركة قوية في العلوم قال الذهبي قال شيخنا الدمياطي مات في الثاني والعشرين من ذي الحجة وقد جاوز المائة وقال الشريف عز الدين في الوفيات كان يذكر أنه ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة قال في العبر وفيها الإمام رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان الجذامي المصري الضرير شيخ الأقراء بالديار المصرية كان عارفا بالنحو أيضا قال السيوطي في حسن المحاضرة قرأ على أبي الجود وسمع من أبي القسم البوصيري وبرع في العربية وتصدر للإقراء وانتهت إليه رياسة الفن في زمانه وكان ذا جلالة ظاهرة وحرمة وافرة وخبرة تامة بوجوه القراءات مات في جمادى الأولى وهو والد الكاتب البليغ محي الدين بن عبد الظاهر انتهى وفيها أبو نصر الزبيدي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك الربعي البغدادي ولد سنة ستين وخمسمائة وسمع من شهدة وغيرها وتوفي سلخ جمادى الأولى وفيها نور الدين أبو محمد عبد اللطيف بن نفيس ابن بورنداز بن الحسام البغدادي الحنبلي المحدث المعدل ولد في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه أبي الحسن وأبي محمد جعفر بن محمد بن أموسان وغيرهما وعنى بهذا الشأن وقرأ الكثير على عمر بن كرم ومن بعده وكتب الكثير بخطه قال الذهبي في تاريخه هو الحافظ المفيد كتب الكثير وأفاد وسمع منه الحافظ الدمياطي وذكره في معجمه وشهد عند محمود الريحاني ثم أنه امتحن لقراءته شيئا من أحاديث الصفات بجامع القصر فسعى به بعض المتجهمة وحبس مديدة وأسقطت عدالته ثم أفرج عنه وأعاد عدالته ابن مقبل ثم أسقطت ثم أعاد عدالته قاضي القضاة أبو صالح فباشر ديوان الوكالة إلى آخر عمره توفي بكرة السبت ثالث عشري ربيع الآخر

(5/245)


246
ودفن بباب حرب وكان له جمع عظيم وشد تابوته بالحبال وأكثر العوام الصياح في الجنازة هذه غايات الصالحين انتهى قال ابن الساعي ولم أر ممن كان على قاعدته فعل في جنازته مثل ذلك فإنه كان كهلا يتصرف في أعمال السلطان ويركب الخيل ويحلي فرسه بالفضة على عادة أعيان المتصرفين انتهى وقال ابن رجب حصل له ذلك ببركة السنة فإن الإمام أحمد قال بيننا وبينهم الجنايز وفيها ابن الجميزي العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللخمي المصري الشافعي مسند الديار المصرية وخطيبها ومدرسها ولد بمصر يوم الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة وحفظ القرآن سنة تسع وستين ورحل به أبوه فسمعه بدمشق من ابن عساكر وببغداد من شهدة وجماعة وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي وقرأ كتاب المهذب على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وقرأه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلفه وسمع بالأسكندرية من السلفي وتفرد في زمانه ورحل إليه الطلبة ودرس وأفتى وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية وهو آخر من قرأ القراءات في الدينا على البطايحي بل وآخر من روى عنه بالسماع وقرأ أيضا بالقراءات العشر على ابن أبي عصرون وسمع منه الكثير وهو آخر تلاميذه في الدنيا وكان رئيس العلماء في وقته معظما عند الخاصة والعامة وعليه مدار الفتوى ببلده كبير القدر وافر الحرمة روى عنه خلائق لا يحصون توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة وفيها السديد أبو القسم عيسى بن أبي الحرم مكي بن حسين العامري المصري الشافعي المقرىء إمام جامع الحاكم قرأ القراءات على الشاطبي وأقرأ هامدة وتوفي في شوال عن ثمانين سنة وقرأ عليه غير واحد وفيها ابن المنى أبو المظفر سيف الدين محمد بن أبي البيد مقبل بن فتيان بن مطر النهرواني المفتي الإمام الفقيه الحنبلي ابن أخي شيخ المذهب أبي

(5/246)


247
الفتح بن المنى ولد ببغداد في خامس رجب سنة سبع وقيل تسع وستين وخمسمائة وقرأ بالروايات على ابن الباقلاني بواسط وروى عن جماعة منهم شهدة وعبد الحق اليوسفي وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بن المنى وتأدب بالحيص بيص الشاعر وغيره وناظر في المسائل الخلافية وأفتى وشهد عند القضاة وكان حسن المناظرة متدينا مشكور الطريقة كثير التلاوة للقرآن الكريم وحدث وأثنى عليه ابن نقطة وروى عنه ابن النجار وابن الساعي وعمر بن الحاجب وبالإجازة جماعة آخرهم زينب بنت الكمال المقدسية وتوفي في سابع جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب وفيها جمال الدين بن مطروح الأمير الصاحب أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري صاحب الشعر الرائق ولد بأسيوط يوم الإثنين ثامن رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ونشأ هناك وتنقلت به الأحوال والخدم والولايات حتى اتصل بخدمة السلطان الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه بالديار المصرية ولما اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية وصار له آمد وحصن كيفا وحران والرها والرقة ورأس عين وسروج وما انضم إلى ذلك سير إليها ولده الملك الصالح نائبا عنه وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة فكان ابن مطروح في خدمته ولم يزل يتنقل في تلك البلاد إلى أن وصل الملك الصالح إلى مصر مالكا لها وكان دخوله يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة ثم وصل ابن مطروح إلى الديار المصرية في أوائل سنة تسع وثلاثين فرتبه السلطان ناظرا في الخزانة ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك الصالح دمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين فكان ابن مطروح في صورة وزير لها ومضى إليها فحسنت حاله وارتفعت منزلته ثم أن الصالح توجه إليها فوصلها في شعبان سنة ست وأربعين وجهز عسكرا إلى حمص لاستنقاذها من

(5/247)


248
تواب الملك الناصر فعزل ابن مطروح عن ولايته بدمشق وسيره مع العسكر ثم بلغه أن الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرس على عزم قصد الديار المصرية فسير إلى العسكر المحاصرين حمص وأمرهم أن يعودا لحفظ الديار المصرية فعاد العسكر وابن مطروح في الخدمة والملك الصالح متغير عليه لأمور يفهمها منه ولما مات الملك الصالح وصل ابن مطروح إلى مصر وأقام في داره إلى أن مات قال ابن خلكان كان ذا أخلاق رضية وكان بيني وبينه مكاتبات ومودة أكيدة وله ديوان شعر أنشدني أكثره فمن وذلك قوله في أول قصيدة طويلة ( هي رامة فخذوا يمين الوادي * وذروا السيوف تقر في الأغماد ) ( وحذار من لحظات أعين عينها * فلكم صرعن بها من الآساد ) ( من كان منكم واثقا بفؤاده * فهناك ما أنا واثق بفؤادي ) ( يا صاحبي ولى بجرعاء الحمى * قلب أسير ماله من فادي ) ( سلبته مني ويم بانوا مقلة * مكحولة أجفانها بسواد ) ( وبحي من أنا في هواه ميت * عين على العشاق بالمرصاد ) ( وأغن مسكي اللمى معسولة * لولا الرقيب بلغت منه مرادي ) ( كيف السبيل إلى وصال محجب * ما بين بيض ظبي وسمر صعاد ) ( في بيت شعر نازل من شعره * فالحسن منه عاكف في باد ) ( حرسوا مهفهف قده * بمثقف فتشابه المياس بالمياد ) ( قالت لنا ألف العذار بخده * في ميم مبسمه شفاء الصادي ) ومن شعره قوله ( وعلقته من آل يعرب لحظه * أمضى وفتك من سيوف عربية ) ( أسكنته بالمنحنى من أضلعي * شوقا لبارق شوقه وعذيبه ) ( يا عائبا ذاك الفتور بطرفه * خلوه لي أنا قد رضيت بعيبه )

(5/248)


249 (
لدن وما مر النسيم بعطفه * أرج وما نفخ العبير يجبه ) ونزل في بعض أسفاره بمسجد وهو مريض فقال ( يا رب قد عجز الطبيب فداوني * بلطيف صنعك واشفني يا شافي ) ( أنا من ضيوفك قد حسبت وأن من * شيم الكرام البر بالأضياف ) وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي وأحسن فيهما وهما ( إذا ما سقاني ريقه وهو باسم * تذكرت ما بين العذيب وبارق ) ( ويذكرني من قده ومدامعي * مجر عوالينا ومجرى السوابق ) وكان بينه وبين البهاء زهير محبة قديمة من زمن الصبا وإقامتهما بالصعيد حتى كانا كالأخوين وليس بينهما فرق في أمور الدنيا ثم اتصلا بخدمة الصالح وهما على تلك الحال والمودة وتوفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان ودفن بسح المقطم وأوصى أن يكتب عند رأسه دوبيت نظمه في مرضه وهو ( أصبحت بقعر حفرتي مرتهنا * لا أملك من دنياي إلا كفنا ) ( يا من وسعت عباده رحمته * من بعض عبادك المسيكين أنا ) سنة خمسين وستمائة فيها وصلت التتار إلى ديار بكر فقتلوا وسبوا وعملوا عوايدهم وفيها توفي الرشيد بن مسلمة أبو العباس أحمد بن مفرج بن علي بن الدمشقي ناظر الأيتام ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وأجاز له الشيخ عبد القادر الجيلي وهبة الله الدقاق وابن البطي والكبار وتفرد في وقته وسمع من الحافظ ابن عساكر وجماعة وتوفي في ذي القعدة وفيها الكمال إسحق بن أحمد بن عثمان المغربي الشيخ المفتي الإمام الفقيه الشافعي المغربي أحد مشايخ الشافعية وأعيانهم أخذ عن الشيخ فخر الدين بن عساكر ثم عن ابن الصلاح وكان إماما عالما فاضلا مقيما بالرواحية أعاد بها عند ابن الصلاح عشرين

(5/249)


250
سنة وقد أخذ عنه جماعة منهم الإمام محي الدين النووي قال أبو شامة كان زاهدا متواضعا وقال النووي في أوائل تهذيب الأسماء واللغات أول شيوخي الإمام المتفق على علمه وزهده وورعه وكثرة عبادته وعظيم فضله وتمييزه في ذلك على أشكاله وقال غيره كان متصديا للإفادة والفتوى تفقه به أئمة وكان كبير القدر في الخير والصلاح متيقن الورع عرضت عليه مناصب فامتنع ثم ترك الفتوى وقال في البلد من يقوم مقامي وكان يسرد الصوم ويؤثر بثلث جامكيته ويقنع باليسير ويصل رحمه بما فضل عنه وكان في كل رمضان ينسخ ختمة ويوفقها وله أوراد كثيرة ومحاسن جمة توفي في ذي القعدة عن نيف وخمسين سنة ودفن بتربة الصوفية إلى جانب ابن الصلاح وفيها العلامة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن حيدر العدوي العمري الهندي اللغوي نزيل بغداد ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدوهور ونشأ بغزنة وقدم بغداد وذهب في الرسائل غير مرة وسمع بمكة من أبي الفتوح بن الحصري وببغداد من سعيد بن الرزاز وكان إليه المنتهى في معرفة اللغة له مصنفات كبار في ذلك وله بصر في الفقه مع الدين والأمانة توفي في شعبان وحمل إلى مكة فدفن بها وفيها الخطيب العدل عبد الواحد بن خلف بن نبهان خطيب زملكا جد الشيخ كما الدين بن الزملكاني كان فاضلا خيرا متميزا في علوم متعددة تولى قضاء صرخد ودرس ببعلبك وناب بدمشق ومات بها حكى عنه ابن أخيه عبد الكافي أنه لما طال به المرض ونحن عنده أن إلتوت يده اليمنى إلى أن صارت كالقوس ثم فقعت وانكسرت وبقيت معلقة بالجلدة ثم يوما آخر أصاب يده اليسرى مثل ذلك ثم رجله اليمنى ثم رجله اليسرى كذلك فبقيت أربعته مكسرة وسألوا الأطباء

(5/250)


251
عن ذلك فما عرفوا جنس هذا المرض وفيها الشيخ الصلح علي بن محمد الفهاد كان بحرم السلطان سنجر شاه فلما قتل انقطع في بيته وبنى مسجدا ورباطا ووقف عليهما ما ملك وبقي يؤذن احتسابا فلما كان في بعض الأيام جاء إلى المسجد وفيها بئر فأدلى السطل ليستقي ماء فطلع مملوءا ذهبا فقال بسم الله مردود فأنزله مرة ثانية فطلع مملوءا ذهبا فقال بسم الله غير مردود وقلبه في البئر وأنزله مرة ثالثة فطلع مملوءا ذهبا فقال يا رب لا تطردني عن بابك أنا أروح إلى الشط أتوضأ ليس قصدي سوى الماء لأداء فريضتك ثم أنزله رابعة فطلع مملوءا ماءا فسجد شكرا لله تعالى وفيها الإمام شمس الدين محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري المقدسي الأصل ثم الدمشقي الكاتب الفقيه الحنبلي ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وغيرهما وأجاز له السلفي وغيره وكان شيخا فاضلا وأديبا حسن النظم والنثر من المعروفين بالفضل والأدب والكتابة والدين والصلاح وحسن الخط وحسن الخصال ولطف المقال وطال عمره ووزر للملك الصالح إسمعيل مدة وحدث بدمشق وحلب وكتب عنه ابن الحاجب وقال سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال عالم دين روى عنه جماعة منهم ابنه يحيى بن محمد بن سعيد وسليمان بن حمزة وتوفي في ثاني شوال بسفح قاسيون ودفن به من الغد وتوفي أخوه أحمد في نصف ذي القعدة من هذه السنة روى عن الخشوعي وابن طبرزد وفيها الفقيه العلامة المحدث الصالح الورع محمد بن إسمعيل الحضرمي والد الفقيه إسمعيل المشهور كان مفتيا مدرسا وصنف واختصر شعب الإيمان للبيهقي وله عليه زيادات حسنة وتخرج به جماعة منهم ولده ولما مات نزل في قبره الشيخ أبو الغيث بن جميل نفع الله بهما قاله ابن الأهدل وفيها سعد الدين بن حموية الجويني محمد بن المؤيد بن عبد الله

(5/251)


252
ابن علي الصوفي صاحب أحوال ورياضات وله أصحاب ومريدون وله كلام على طريقة الاتحاد سكن سفح قاسيون مدة ثم رجع إلى خراسان وتوفي هناك قاله في العبر وفيها الفقيه موسى بن محمد القمراوي نسبة إلى قمرا قرية من أعمال صرخد ومن شعره قصيدة وازن بها قصيدة الحصري القيرواني التي أولها ( يا ليل الصب متى غده * أقيام الساعة موعده ) فقال القمراوي ( قل مل مريضك عوده * ورثا لاسيرك حسده ) ( لم يبق جفاك سوى نفس * زفرات الشوق تصعده ) ( هروت يعنعن في السحر * إلى عينيك ويسنده ) ( وإذا أغمضت اللحظ فتكت * فكيف وأنت تجرده ) ( كم سهل خدك وجه رضا * والحاجب منك يعقده ) ( ما أشرك فيك القلب فلم * في نار الشوق تخلده ) وفيها فخر القضاة نصر الله بن هبة الله بن بصاقة الحنفي الكاتب من شعره ( على ورد خديه واس عذاره * يليق بمن يهواه خلع عذاره ) ( وأبذل جهدي في مداراة قلبه * ولوى الهوى يقتادني لم أداره ) ( أرى جنة في خده غير أنني * أرى جل ناري شب من جلناره ) ( سكرت بكأس من رحيق رضابه * ولم أدر أن الموت عقبى خماره ) وفيها علي بن أبي الفوارس الخياط المقرىء عرف بالسير باريك كان حاذقا بالخياطة قيل أن الأمير الأرنباي أحضره ليلة العيد وقد عرض عليه ثوب أطلس فطلب صاحبه ثمنا كثيرا فقال أنا أخيطه ولا أقطعه ويلبسه الأمير فإن رضي صاحبه بما يعطى والإيعاد عليه فقال افعل ففعل ذلك وجاء صاحبه وأصر على الثمن الغالي فطواه وثقعله وأعاده عليه فلما رآه صحيحا رضي بما أعطى

(5/252)


253
وفيها الشيخ عثمان الدي رناعسي من دير ناعس من قرى البقاع شيخ عظيم صاحب كرامات ومكاشفات أدرك جماعة من الأولياء ودفن بزاوية هناك وكان له صيت وسمعة وفيها ابن قميرة المؤتمن أبو القسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القسم بن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي التاجر السفار مسند العراق ولد سنة خمس وستين وخمسمائة وسمع من شهدة وتجنى وعبد الحق وجماعة وحدث في تجارته بمصر والشام توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى وفيها هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرج جمال الدين أبو البركات المقدسي ثم الأسكندراني الشافعي ويعرف بابن الواعظ من عدول الثغر روى عن السلفي قليلا وعاش إحدى وثمانين سنة سنة إحدى وخمسين وستمائة فيها توفي الجمال بن النجار إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدمشقي المجود كتب للأمجد صاحب بعلبك مدة وله شع روأدب أخذ عن الكندي وفتيان الشاغوري وتوفي بدمشق في ربيع الآخر وفيها الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب عين تاب ولد سنة ستمائة وإنما أخروه عن سلطنة حلب لأنه ابن أمة ولأن أخاه العزيز ابن بنت العادل وقد تزوج بعد أخيه العزيز بفاطمة بنت الملك الكامل وكان مهيبا وقورا حدث عن الافتخار الهاشمي وتوفي في شعبان بعنتاب وفيها الصالح بن شجاع بن سيدهم أبو التقى المدلجي المصري المالكي الخياط راوي صحيح مسلم عن أبي المفاخر المأموني وكان صالحا متعففا توفي في المحرم وفيها السبط جمال الدين أبو القسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن

(5/253)


254
الطرابلسي المغربي ثم الأسكندراني ولد سنة سبعين وخمسمائة وسمع من جده السلفي الكبير ومن غيره وأجاز له عبد الحق وشهدة وخلق وانتهى إليه علو الإسناد بالديار المصرية وكان عريا من العلم توفي في رابع شوال بمصر قاله في العبر وفيها ابن الزملكاني العلامة كمال الدين عبد الواحد ابن خطيب زملكا أبو محمد عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي الشافعي صاحب علم المعاني والبيان كان قوي المشاركة في فنون العلم خيرا متميزا ذكيا سريا ولي قضاء صرخد ودرس مدة ببعلبك وله نظم رائق وهو جد الكمال الزملكاني المشهور واسطة عقد البيت وتوفي عبد الواحد في المحرم بدمشق وكان له ولد يقال له أبو الحسن علي إمام جليل وافر الحرمة حسن الشكل درس بالأمينية وتوفي في ربيع الأول سنة تسعين وستمائة وقد نيف على الخمسين وفيها أبو الحسن بن قطرال علي بن عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي سمع عبد الحق بن توبة وأبا القاسم بن الشراط وناظر علي بن أبي العباس بن مصا وقرأ العربية ولي قضاء آمد فلما أخذها الفرنج سنة تسع وستمائة أسروه ثم خلص وولى قضاء شاطبة ثم ولي قضاء قرطبة ثم ولي قضاء فاس وكان يشارك في عدة علوم ويتفرد ببراعة البلاغة توفي بمراكش في ربيع الأول وله ثمان وثمانون سنة وفيها أبو الحسن موفق الدين علي بن عبد الرحمن البغدادي الباصري الفقيه الحنبلي سمع مع أبيه من أبي العباس أحمد بن أبي الفتح بن صرما وغيره وتفقه في المذهب وكان معيدا لطائفة الحنابلة بالمستنصرية توفي في شعبان ببغداد ودفن بباب حرب وفيها الشيخ محمد بن الشيخ الكبير عبد الله اليونيني خلف أباه في المشيخة ببعلبك مدة وكان زاهدا عابدا متواضعا كبير القدر توفي في رجب

(5/254)


255
سنة اثنتين وخمسين وستمائة فيها شرعت التتار في فتح البلاد الإسلامية والخليفة غافل في خلوته ولهوه والوزير مؤيد الدين وأتباع الخليفة يكاتبون هلاكو والرسل بينهم وفيها ظهر بأرض عدن في بعض جبالها نار يطير شرارها إلى البحر بالليل ويصعد منها دخان عظيم بالنهار فما شكوا أنها النار التي ذكرها النبي أنها تظهر في آخر الزمان فتاب الناس وفيها توفي الرشيد العراقي أبو الفضل إسمعيل بن أحمد بن الحسين الحنبلي الجابي بدار الطعم كان أبوه فقيها مشهورا سكن دمشق واستجاز لابنه من شهدة والسلفي وطائفة فروى الكثير بالإجازة وتوفي في جمادى الأولى وفيها الأمير فارس الدين أقطايا التركي الصالحي النجمي كان موصوفا بالشجاعة والكرم اشتراه الصالح بألف دينار فلما اتصلت السلطنة إلى رفيقه الملك العز بالغ أقطايا في الإذلال والتجبر وبقي يركب ركبة ملك وتزوج بابنة صاحب حماة وقال للمعز أريد أعمل العرس في قلعة الجبل فأخلها لي وكان يدخل الخزائن ويتصرف في الأموال فاتفق المعز وزوجته شجرة الدر عليه ورتبا من قتله وأغلقت أبواب القلعة فركبت مماليكه وكانوا سبعمائة وأحاطوا بالقلعة فألقى إليهم رأسه فهربوا وتفرقوا وكان قتله في شعبان وفيها شمس الدين الخسروشاهي بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة وفتح الراء وبعد الواو شين معجمة نسبة إلى خسروشاه قرية بمرو أبو محمد عبد الحميد بن عيسى بن عمريه بن يوسف بن خليل بن عبد الله بن يوسف التبريزي الشافعي العلامة المتكلم ولد سنة ثمانين وخمسمائة ورحل فأخذ الكلام عن الإمام فخر الدين الرازي وبرع فيه وسمع من المؤيد الطوسي وتقدم في علم الأصول والعقليات وأقام في الشام بالكرك مدة عند الناصر وتفنن في علوم

(5/255)


256
متعددة منها الفلسفة ودرس وناظر وقد اختصر المهذب في الفقه والشفالا بن سينا وله إشكالات وإيرادات جيدة وورى عنه الدمياطي وأخذ عنه الخطيب زين الدين بن المرحل ومات في ثانب عشرى شوال بدمشق ودفن بقاسيون وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن كما باشا العلامة بدر الدين محمد بن محمود بن عبد الكريم الكردي المعروف بخواهر زاده الحنفي أخذ عن خاله شمس الأئمة الكردري وتفقه به والكردري يقال لجماعة من العلماء كانوا أخوات شمس الأئمة ولكن المشهور بهذه النسبة عند الإطلاق اثنان أحدهما متقدم وهو أبو بكر محمد بن حسين البخاري ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد وقد تكرر ذكره في الهداية بلقبه هذا وهو مراد صاحبها والثاني خواهر زاده صاحب هذه الترجمة توفي رحمه الله تعالى في سنة إحدى وخمسين وستمائة قاله ابن كمال باشا وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل شيخ شيوخ اليمن أبو الغيث بن جميل اليمني كان كبير الشأن ظاهر البرهان تخرج به خلق وانتفع به الناس وكان وجوده حياة للوجود وفيه يقول اليافعي رحمه الله تعالى ( لنا سيدكم ساد بالفضل سيدا * بكل زمان ثم كل مكان ) ( إذا أرض أهل فاخروا بشيوخهم * أبو الغيث فينا فخر كل يماني ) كان في ابتداء أمره عبدا أي قنا قاطعا للطريق فبينا هو كامن لأخذ قافلة إذ سمع هاتا يقول يا صاحب العين عليك عينا فوقع منه موقعا أزعجه وأقبل على الله وظهر عليه من أوله صدق الإرادة وسيما السعادة وصحب أولا الشيخ علي بن أفلح الزبيدي ثم الشيخ المبجل علي الأهدل ولما انتشر صيت الشيخ بنواحي سردر كتب إليه الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين يدعوه إلى البيعة فأجابه الشيخ ورد كتاب السيد وفهمنا مضمونه ولعمري أن هذا سبيل سلكه الاولون غير أنا نفر منذ سمعنا قوله تعالى ( ^ له دعوة الحق )

(5/256)


257
لم يبق لإجابة الخلق فينا متسع وليس لأحد منا أن يشهر سيفه على غير نفسه ولا أن يفرط في يومه بعد أمسه فليعلم السيد قلة فراغنا لما رام منا ويعذر المولى والسلام وكان أميا وله كلام في الحقائق وأحوال باهرة وكرامات ظاهرة ووضع عليه كتاب في التصوف وفيها مجد الدين بن تيمية شيخ الإسلام أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الفقيه الحنبلي الإمام المقرىء المحدث المفسر الأصولي النحوي شيخ الإسلام وأحد الحفاظ الأعلام وفقيه الوقت ابن أخي الشيخ مجد الدين محمد المتقدم ذكره ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريبا بحران وحفظ بها القرآن وسمع من عمه الخطيب فخر الدين والحافظ عبد القادر الرهاوي ثم ارتحل إلى بغداد سنة ثلاث وستمائة مع ابن عمه سيف الدين عبد الغني المتقدم ذكره أيضا فسمع بها من ابن سكينة وابن الأخضر وابن طبرزد وخلق وأقام بها ست سنين يشتغل بأنواع العلوم ثم رجع إلى حران فاشتغل على عمه فخر الدين ثم رجع إلى بغداد فازداد بها من العلوم وتفقه بها على أبي بكر بن غنيمة والفخر إسمعيل وأتقن العربية والحساب والجبر والمقابلة وبرع في هذه العلوم وغيرها قال الذهبي حدثني شيخنا يعني أبا العباس بن تيمية شيخ الإسلام حفيد الشيخ مجد الدين هذا أن جده ربى يتيما وأنه سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدمه ويشتغل معه وهو ابن ثلاث عشرة سنة فكان يبيت عنده فيسمعه مسائل الخلاف فيحفظه المسألة فقال الفخر سمعيل ايش حفظ هذه الصغير فبدر وعرض ما حفظه في الحال فبهت فيه الفخر وقال لابن عمه هذا يجيء منه شيء وحرصه على الاشتغال قال فشيخه في الخلاف الفخر إسماعيل وعرض عليه مصنفه جنة الناظر وكتب له عليه عرض على الفقيه الإمام العالم أوحد الفضلاء وهو ابن ست عشرة عاما قال الذهبي وقال لي شيخنا أبو العباس كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين الحديد لداود وقال الشيخ نجم

(5/257)


الدين بن حمدان مصنف الرعاية
258
في تراجم شيوخ حران صحبت المجد صحبته بعد قدومي من دمشق ولم أسمع منه شيئا وسمعت بقراءته على ابن عمه كثيرا وولى التفسير والتدريس بعد ابن عمه وكان رجلا فاضلا في مذهبه وغيره وجرى له معه مباحث كثيرة ومناظرات عديدة وقال الحافظ عز الدين الشريف حدث بالحجاز والعراق والشام وبلده حران وصنف ودرس وكان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء وقال الذهبي قال شيخنا كان جدنا عجبا في حفظ الأحاديث وسردها وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة وقال الذهبي وكان الشيخ مجد الدين معدوم النظير في زمانه رأسا في الفقه وأصوله بارعا في الحديث ومعانيه له اليد الطولى في معرفة القراءات والتفسير صنف التصانيف واشتهر اسمه وبعد صيته وكان فرد زمانه في معرفة المذهب مفرط الذكاء متين الديانة كبير الشأن وللصرصري من قصيدة يمدحه بها ( وإن لنا في وقتنا وفتوره * لإخوان صدق بغية المتوصل ) ( يذبون عن دين الهدى ذب ناصر * شديد القوى لم يستكينوا المبطل ) ( فمنهم بحران الفقيه النبيه ذو الفوائد * والتصنيف في المذهب الجلي ) ( هو المجد ذو التقوى ابن تيمية الرضا * أبو البركات العلام الحجة الملي ) ( محرره في الفقه حرر فقهنا * واحكم بالأحكام علم المبجل ) ( جزاهم خيرا ربهم عن نبيهم * وسنته آلوا به خير موئل ) ومن مصنفاته أطراف أحاديث التفسير رتبها على السور الأحكام الكبرى في عدة مجلدات المنتقى من أحاديث الأحكام وهو الكتاب المشهور المحرر في الفقه منتهى الغاية في شرح الهداية وغير ذلك قال ابن رجب في طبقاته كان المجد يفتى أحيانا أن الطلاق الثلاث المجموعة إنما يقع منها واحدة فقد وتوفي رحمه الله تعالى يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه بحران ودفن بظاهرها وتوفي ابنة عمه زوجته بدرة بنت فخر الدين بن تيمية قبله بيوم واحد روت بالإجازة عن

(5/258)


259
ضياء بن الخريف وتكنى أم البدر وفيها أبو علي أحمد بن أحمد بن أبي الحسن بن دويرة البصري المقرىء الزاهد شيخ الحنابلة بالبصرة ورئيسهم ومدرسهم اشتغل عليه أمم وختم عليه القرآن أزيد من ألف إنسان وكان صالحا زاهدا ورعا وحدث بجامع الترمذي بإجازته من الحافظ أبي محمد بن الأخضر سمعه منه الشيخ نور الدين عبد الرحمن بن عمر البصري وهو أحد تلامذته وعليه ختم القرآن وحفظ الخرقي عنده بمدرسته بالبصرة وتوفي الشيخ أبو علي في هذه السنة بالبصرة وولي بعده التدريس بمدرسته تلميذه الشيخ نور الدين المذكور وخلع عليه ببغداد في عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وفيها أبو الفضل عيسى بن سلامة بن سالم الحراني الخياط ولد في آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من أحمد بن أبي الوفا الصياغ وأجاز شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من أحمد بن أبي الوفا الصايغ وأجاز له ابن البطي وأبو بكر بن النقور ومحمد بن محمد بن السكن وجماعة وانفرد بالرواية عنهم توفي في آخر هذه السنة وفيها الناصح فرج بن عبد الله الحبشي الخادم مولى أبي جعفر القرطبي وعتيق المجد البهنسي سمع الكثير من الخشوعي والقسم وعدة وكان صالحا كيسا متيقظا وقف كتبه وعاش قريبا من ثمانين سنة وتوفي في شوال وفيها الكمال محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي الشافعي المفتي الرحال مصنف كتاب العقد الفريد وأحد الصدور والرؤساء المعظمين ولد سنة اثنتين وثمانين وخسممائة وسمع بنيسابور من المؤيد وزينب الشعرية وتفقه فبرع في الفقه والأصول والخلاف وترسل عن الملوك وساد وتقدم وحدث ببلاد كثيرة وفي سنة ثمان وأربعين وستمائة كتب تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصل فلم يقبل منه فتولاها يومين ثم انسل خفية وترك الأموال والموجود ولبس ثوبا قطنيا وذهب فلم يد رأين ذهب وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوفاق وأنه يستخرج أشياء من المغيبات وقيل أنه رجع

(5/259)


260
ويؤيد ذلك قوله في المنجم ( إذا حكم المنجم في القضايا * بحكم حازم فاردد عليه ) ( فليس بعالم ما الله قاض * فقدلني ولا تركن إليه ) وله ( لا تركنن إلى مقال منجم * وكل الأمور إلى الآله وسلم ) ( واعلم بأنك إن جعلت لكوكب * تدبير حادثة فلست بمسلم ) وله كتاب الدر المنظم في اسم الله الأعظم وتولى ابتداء القضاء بنصيبين ثم ولي خدابة دمشق ثم لما زهد في الدنيا حج فلما رجع أقام بدمشق قليلا ثم سار إلى حلب فتوفي بها في رجب وفيها أبو البقاء محمد بن علي بن بقاء بن السباك البغدادي سمع من أبي التفح بن شاتيل ونصر الله القزاز وجماعة وتوفي في شعبان وفيها السديد بن مكي بن المسلم بن مكي بن خلف ابن علان القيس الدمشقي المعدل آخر أصحابالحافظ أبي القسم بن عساكر وفاة وتفرد أيضا عن أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجايز وأبي المعالي ابن خلدون وتوفي في عشرى صفر عن تسع وثمانين سنة سنة ثلاث وخمسين وستمائة فيها جاء سيل بدمشق فبلغ السيل بسوق الفاكهة من صالحية دمشق سنة أذرع وفيها توفي الشهاب القوصي أبو المحامد وأبو العرب وأبو الفداء وأبو الطاهر إسمعيل بن حامد بن عبد الرحمن بن المرجا بن المؤمل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن نفيس بن سعد بن سعد بن عبادة بن الصامت الرئيس الفقيه الشافعي الأنصاري الخزرجي القوصي وكيل بيت المال بالشام وواقف الحلقة القوصية بالجامع ولد بقوص في المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ورحل إلى مصر القاهرة سنة تسعين ثم قدم إلى دمشق سنة إحدى

(5/260)


261
وتسعين واستوطنها وسمع الكثير ببلاد متعددة واتصل بالصاحب صفي الدين بن شكر وروى عن إسمعيل بن يس والأرتاحي والخشوعي وخلق كثير وخرج لنفسه معجما في أربع مجلدات كبار قال الذهبي فيه غلط كثير وكان أديبا إخباريا فصيحا مفوها بصيرا بالفقه وترسل إلى البلاد وولي وكالة بيت المال وتقدم عند الملوك ودرس بحلقته بجامع دمشق وكان يلبس الطيلسان المحنك والبزة الجميلة ويركب البغلة وتوفي بدمشق في ربيع الأول ودفن بداره التي وقفها دار حديث وفيها إقبال الشرابي بنى مدرسة بواسط وإلى جانبها جامعا وبنى ببغداد مدرسة في سوق السلطان وجدد بمكة الرباط الذي اشتهر به وعين عرفة التي في الموقف وأجرى ماءها الانتفاع الحج به وأوقف على ذلك أوقافا سنية وفيها سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس القيمري صاحب المارستان بصالحية دمشق كان من جلة الأمراء وأبطالهم المذكورين وصلحائهم المشهورين وهو ابن أخت صاحب قيمر توفي بنابلس ونقل فدفن بقبته التي بقرب مارستانه بالصالحية والدعاء عند قبره مستجاب وفيها ضياء الدين أبو محمد صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر المفتي الإمام المعمر الكلبي الحلبي الشافعي ولد قبل الستين وخمسمائة وروى عن يحيى الثقفي وجماعة وتوفي في صفر بحلب وفيها النظام البلخي محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الحنفي نزيل حلب ولد ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وتفقه بخراسان وسمع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي وكان فقيها مفتيا بصيرا بالمذهب توفي بحلب في جمادى الآخرة وفيها النور البلخي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف المقرىء بالألحان ولد بدمشق سنة سبع وخمسين وخمسمائة وسمع بالقاهرة من التارج المسعودي واجتمع بالسلفي وأجاز له وسمع بالأسكندرية في سنة خمس وسبعين وسمع من المطهر الشحامي وتوفي في الرابع والعشرين

(5/261)


262
من ربيع الآخر وكان صالحا خيرا معمرا وفيها أبو الحجاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي بفتح الباء الموحدة والياء المثناة من تحت المشددة نسبة إلى بياسة مدينة كبيرة من كورجيان ولد يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وهو أحد فضلاء الأندلس وحفاظها المتقنين كان أديبا بارعا فاضلا مطلعا على أقسام كلام العالم من النظم والنثر وراويا لوقائعها وحروبها وأيامها قال ابن خلكان بلغني أنه كان يحفظ كتاب الحماسة تأليف أبي تمام وديوان المتنبىء وسقط الزند وغير ذلك من الأشعار وتنقل في بلاد الأندلس وطاف أكثرها وألف لصاحب إفريقية كتابا سماه الأعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام ابتدأه بقتل عمر بن الخطاب وختمه بخروج الوليد بن طريف الشاري على هرون الرشيد وهو في مجلدين وله كتاب الحماسة في مجلدين أيضا ذكر فيه أشياء حسنة منها قول المجنون ( وعلقت ليلى وهي غر صغيرة * ولم يبد للأتراب من ثدبها حجم ) ( صغيرين نرعى البهم ياليت إننا * إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم ) ومنها قول الوأواء الدمشقي ( وزائر راع كل الناس منطره * أحلى من الأمن عند الخائف الوجل ) ( ألقى على الليل ليلا من ذوائبه * فهابه الصبح أن يبدو من الخجل ) ( أراد بالهجر قتلي فاستجرت به * فاستل بالوصل روحي من يدي أجلي ) ( وصرت فيه أمير العاشقين وقد * صارت ولاية أهل العشق من قبل ) ومنها قول علي بن عطيبة البلنسي الزقاق ( ومرتجة الأعطاف أما قوامها * فلدن وأما ردفها فرداح ) ( ألمت فبات الليل من قصر بها * يطير وما غير السرور جناح ) ( وبت وقد زارت لنا نعم ليله * تعانقني حتى الصباح صباح )

(5/262)


263 (
على عاتقي من ساعديها خمائل * وفي خصرها من ساعدي وشاح ) وتوفي رحمه الله تعالى يوم الأحد الرابع من ذي القعدة بمدينة تونس سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النار بظاهر المدينة النبوية على ساكنها الصلاة والسلام وكانت مصداق قوله تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى وبقيت أياما قيل ثلاثة أشهر وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها وظن أهل المدينة أنها القيامة ظهرت من وادي أحيلين في الحرة الشرقية تدب دبيت النمل إلى جهة الشمال تأكل ما أتت عليه من أحجار وجبال ولا تأكل الشجر حتى أن صاحب المدينة الرشيفة منيف بن شبحة أرسل اثنين ليأتياه بخبرها فدنيا منها فلم يجدا لها حرا فأخذ أحدهما سهما ومد به إليها فأكلت النصل دون العود ثم قلبه ومد بالطرف الآخر فأكلت الريش دون العود وكانت تذيب وتسبك ما مرت عليه من الجبال فسدت وادي شطاه بالحجر المسبوك بالنار سدا ولا كسد ذي القرنين واحتبس الماء خلفه فصار بحرا مد البصر طولا وعرضا كأنه نيل مصر عند زيادته ثم خرقه الماء سنة تسعين وستمائة فجرى الماء من الخرق سنة كاملة يملأ ما بين جنبتي الوادي ثم اسند ثم انخرق ثانية في العشر الأول بعد السبعمائة فجرى سنة وأزيد ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وفيها احترق المسجد النبوي ليلة الجمعة أول ليلة من رمضان بعد صلاة التراويح على يد الفراش أبي بكر المراغي بسقوط ذبالة من يده فأتت النار على جميع سقوفه ووقعت بعض السواري وذاب الرصاص وذلك قبل أن ينام الناس واحترق سقف الحجرة ووقع بعضه في الحجرة الشريفة وقال بعض الناس في ذلك ( لم يحترق حرم النبي لريبة * تخشى عليه ولا دهاه العار )

(5/263)


264 (
لكنما أيدي الروافض لامست * ذاك الجناب فطهرته النار ) وقال ابن تولو المغربي ( قل للروافض بالمدينة مالكم * يقتادكم للذم كل سفيه ) ( ما أصبح الحرم الشريف محرقا * إلا لذمكن الصحابة فيه ) وفيها غرقت بغداد الغرق الذي لم يسمع بمثله زادت دجلة زيادة ما رأى مثلها وغرق خلق كثير ووقع شيء كثير من الدور على أهلها وأشرف الناس على الهلاك وبقيت المراكب تمر في أزفة بغداد وركب الخليفة في مركب وابتهل الناس إلى الله تعالى بالدعاء وفيها تواترت الأخبار بوصول عساكر هلاكو إلى بلاد أذربيجان قاصدة بلاد الشام فوردت قصاد الخليفة بأن يصطلح الملك الناصر مع الملك العزيز صاحب مصر ويتفقا على قتال التتار فأجاب إلى ذلك وعاد إلى الشام وفيها توفي ابن وثيق شيخ القراء أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الأشبيلي المجود الحاذق ولد سنة سبع وستين وخمسمائة وذكر أنه قرأ القراآت السبع بغزة وغيرها سنة خمس وتسعين على غير واحد من أصحاب أبي الحسن شريح وأن أبا عبد الله ابن زرقون أجاز له فروى عنه التيسير بالإجازة وأقرأ بالموصل والشام ومصر وكان عالي الإسناد توفي بالأسكندرية في ربيع الآخر وفيها الأمير مجاهد الدين إبراهيم بن ادنبا الذي بنى الخانقاة المجاهدية بدمشق على الشرف القبلي وكان والي دمشق عاقلا فاضلا ومن نظمه ( أشبهك الغصن في خصال * القد واللين والتثني ) ( لكن تجنيك ما حكاه * الغصن يجني وأنت تجني ) وله في مليح اسمه مالك ( ومليح قلت ما الاسم * حبيبي قال مالك ) ( قلت صف لي وجهم الزاهي * وصف حسن اعتدالك )

(5/264)


265 (
قال كالغصن وكالبدر * وفيها بشارة بن عبد الله ) توفي بدمشق ودفن بخانقاته المذكورة وفيها بشارة بن عبد الله الأرمني الكاتب مولى شبل الدولة المعظمي كان يكتب خطا حسنا دفن بسفح قاسيون وذريته يدعون النظر على الذرية وعلى الخانقاة الشبيلية وفيها الحافظ ابن شاهاور عبد الله بن محمد بن شاهاور بن أنوشروان بن أبي النجيب الرازي كان حافظا فاضلا عزير العلم صاحب مقامات وكرامات وآثار وفيها العماد بن النحاس الأصم أبو بكر عبد الله بن أبي المجد الحسن بن الحسين بن علي الأنصاري الدمشقي ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون وكان آخر من روى عنه ومن الفضل بن البانياسي ويحيى الثقفي وجماعة وسمع بنيسابور من منصور الفراوي وبأصبهان من علي بن منصور الثقفي وكان ثقة خيرا نبيلا به صمم مفرط سمع الناس من لفظه ومات في الثاني والعشرين من صفر وفيها شمس الدين عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي مدرس الرواحية وأجل أصحاب ابن الصلاح وأعرفهم بالمذهب توفي في ربيع الآخر وقد تفقه به جماعة وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرناص الحموي أحد الأعيان العلماء الفضلاء في الفقه والأدب تزهد في صباه وامتنع من قول الشعر إلا في الزهد ومدح النبي ومن شعره ( يا من غدا وجهه روض العيون لما * أعاره الحسن من أنواع أزهار ) ( نعمت طرفي وأودعت الحشا حرقا * فالطرف في جنة والقلب في نار ) وله أشياء مستحسنة جدا وفيها زكي الدين عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر المصري وعرف بابن أبي الأصبغ صنف كتاب تحرير التحبير في البديع لم يصنف مثله ومن شعره المستجاد

(5/265)


266 (
تبسم لما أن بكيت من الهجر * فقلت ترى دمعي فقال ترى ثغري ) ( فديتك لما أن بكيت تنظمت * بفيك لآلي الدمع عقدا من الدر ) ( فلا تدعي يا شاعر الثغر صنعه * فكانت دموعي قال ذا النظم من ثغري ) وفيها الصوري أبو الحسن علي بن يوسف الدمشقي التارج السفار سمع من المؤيد الطوسي وجماعة وكان ذا بر وصدقة توفي في المحرم وفيها الشيخ الكبير عيسى بن أحمد بن الياس اليونيني الزاهد صاحب الشيخ عبد الله كان عابدا زاهدا صواما قواما خائفا قانتا لله تعالى متبتلا منقطع القرين صاحب أحوال وإخلاص إلا أنه كان حاد النفس ولذلك قيل له سلاب الأحوال وكان خشن العيش في ملبسه ومأكله توفي في ذي القعدة ودفن بزاويته بيونين وفيها ابن المقدسية العدل شرف الدين أبو بكر محمد بن لاحسن بن عبد السلام التميمي السفاقسي الأصل الأسكندراني المالكي ولد في أول سنة ثلاث وسبعين وأحضره خاله الحافظ بن المفضل قراءة المسلسل بالأولية عند السلفي واستجازه له ثم أسمعه من أحمد بن عبد الرحمن الحضرمي وغيره توفي في جمادى الأولى وله مشيخة خرجها منصور بن سلم الحافظ وفيها الكمال بن الشعار أبو البركات المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي مؤلف عقود الجمان في شعراء الزمان توفي بحلب وفيها مجير الدين يعقوب بن الملك العادل ويلقب هو بالملك المعز كان فاضلا أجاز له أبو روح الهروي وطائفة وتوفي في ذي القعدة ودفن بالتربة عند أبيه وفيها سبط ابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن فرغلي التركي ثم البغدادي الهبيري الحنفي سبط

(5/266)


267
الشيخ أبي الفرج بن الجوزي أسمعه جده منه ومن ابن كليب وجماعة وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه وله تفسير في تسع وعشرين مجلدا وشرح الجامع الكبير وكتاب مرآة الزمان وهو كتاب كاسمه وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة ودرس وأفتى وكان في شبيبته حنبليا وكان وافر الحرمة عند الملوك نقله الملك المعظم إلى مذهب أبي حنيفة فانتقد عليه ذلك كثير من الناس حتى قاله له بعض أرباب الأحوال وهو على المنبر إذا كان للرجل كبير ما يرجع عنه إلا بعيب ظهر له فيه فأي شيء ظهر لك في الإمام أحمد حتى رجعت عنه فقال له اسكت فقال الفقير أما أنا فسكت وأما أنت فتكلم فرام الكلام فلم يستطع فنزل عن المنبر ولو لم يكن له إلا كتابه مرآة الزمان لكفاه شرفا فإنه سلك في جمعه ملكا غريبا ابتدأه من أول الزمان إلى أوائل سنة أربع وخمسين وستمائة التي توفي فيها مات رحمه الله ليلة الثلاثاء العشرين من ذي الحجة بمنزله بجل الصالحية ودفن هناك وحض ردفنه الملك الناصر سلطان الشام رحمه الله تعالى رحمة واسعة سنة خمس وخمسين وستمائة فيها شاع الخبر أن الملك المعز صاحب مصر يتزوج بابنة صاحب الموصل فعظم ذلك على زوجته شجرة الدر وعزمت على الفتك به واتفقت مع جماعة من الخدم ووعدتهم بأموال عظيمة فركب المعز للعب الكرة وجاء تعبان فدخل الحمام يغتسل فلما صار عريانا رمته الخدام إلى الأرض وخنقوه ليلا ولم يدر به أحد فأصبح الناس من الأمراء والكبراء على عادتهم للخدمة فإذا هو ميت فاختبطت المدينة ثم سلطنوا بعده ابنه الملك المنصور عليا وفيها وصلت التتار إلى الموصل وخربوا بلادها وفيها توفي العلامة ابن باطيش بالشين المعجمة عماد الدين أبو المجد إسماعيل

(5/267)


268
ابن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد الموصلي الشافعي ولد في محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة ودخل بغداد فتفقه بها وسمع بها من ابن الجوزي وغيره وبحلب من حنبل وبدمشق من جماعة وخرج لنفسه أحاديث عن شيوخه ودرس وأفتى وصنف تصانيف حسنة منها طبقات الشافعية وكتاب المغني في غريب المهذب وكان من أعيان الأئمة عارفا بالأصول قوي المشاركة في العلوم لكن في كتابه المغنى أوهام كثيرة نبه النووي في تهذيبه على كثير منها توفي في حلب في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى وفيها المعز عز الدين أيبك التركماني الصالحي صاحب مصر جهاشنكير الملك الصالح كان ذا عقل ودين وترك للمسكن تملك في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ثم أقاموا معه باسم السلطنة الأشرف يوسف بن الناصر يوسف بن أقسيس وله عشر سنين وبقي المعز أتابكه وهذا بعد خمسة أيام من سلطنة المعز فكان يخرج التوقيع وصورته رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزي ثم بطل أمر الأشرف بعد مديدة وجرت لأيبك أمور إلى أن خطب ابنة صاحب الموصل فغارت أم خليل شجرة الدر وقتلته في الحمام فقتلوها وملكوا ولده عليا وله خمس عشرة سنة وكان أيبك عفيفا طاهر الذيل لا يمنع أحدا حاجة ولا يشرب مسكرا كثير المداراة للأمراء وبنى المدرسة المعزية على النيل ووقف عليها وقفا جيدا وفيها شجرة الدر أم خليل كانت بارعة الحسن ذات ذكاء وعقل ودهاء فأحبها الملك الصالح ولما توفي أخفت موته وكانت تعلم بخطها علامته ونالت من السعادة أعلى الرتب بحيث أنها خطب لها على المنابر وملكوها عليهم أياما فلم يتم ذلك وتملك المعز أيبك فتزوج بها وكانت ربما تحكم عليه وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة وآل أمرها إلى أن قتلت وألقيت تحت قلعة مصر مسلوبة ولم يدر قاتلها ثم دفنت بتربتها

(5/268)


269
وفيها البدرائي العلامة نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الشافعي الفرضي ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع من جماعة وتفقه وبرع في المذهب ودرس بالنظامية وترسل غير مرة وحدث بحلب ودمشق ومصر وبغداد وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة به وتعرف بالبدرائية قال الذهبي كان فقيها عالما دينا صدرا محتشما جليل القدر وافر الحرمة متواضعا دمث الأخلاق منبسطا وقد ولي القضاء ببغداد على كره وتوفي بعد خمسة عشر يوما في ذي القعدة وعافاه الله تعالى من كائنة التتار وقال السيوطي في لباب الأنساب البادرائي بفتح الموحدة والدال والراء المهملتين نسبة إلى بادرايا قرية من عمل واسط وفيها اليلداني المحدث المسند تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي أبو محمد اليلداني الشافعي كان من الحافظ المكثرين والأثبات المصنفين ولد بيلدا قرية من قرى دمشق في أول سنة ثمان وستين وخمسمائة وطلب الحديث وقد كبر ورحل وسمع من ابن كليب وابن بوش وطبقتهما وكتب الكثير وذكر أن النبي قال له في النوم أنت رجل جيد توفي بقريته وكان خطيبها في ثامن ربيع الأول وفيها المرسي العلامة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي الأندلسي المحدث المفسر النحوي ولد سنة سبعين وخمسمائة في أولها وسمع الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله ورحل إلى أن وصل إلى أقصى خراسان وسمع الكثير من منصور الفراوي وأبي روح والكبار وكان كثير الأسفار والتطواف جماعة لفنون العلم ذكيا ثاقب الذهن له تصانيف كثيرة مع زهد وورع وفقر وتعفف سئل عنه الحافظ الضياء فقال فقيه مناظر نحوي من أهل السنة صحبنا وما رأينا منه إلا خيرا وقال الذهبي توفي في نصف ربيع الأول في الطريق ودفن بتل الزعقة رحمه الله تعالى

(5/269)


270
سنة ست وخمسين وستمائة فيها قتل المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي آخر الخلفاء العراقيين وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة ولد أبو أحمد هذا سنة تسع وستمائة في خلافة جد أبيه وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وسمع من علي ابن النيار الذي لقنه الختمة وروى عنه محي الدين بن الجوزي ونجم الدين البادراي بالإجازة واستخلف في جمادى الأولى سنة أربعين وكان حليما كريما سليم الباطن قليل الرأي حسن الديانة مبغضا للبدعة في الجملة ختم له بخير فإن الكافر هلاكو أمر به وبولده فرفسا حتى ماتا وذلك في آخر المحرم وكان الأمر أشغل من أن يوجد مؤرخ لموته أو مواراة جسده وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين وكان سبب قتلهما أن المؤيد العلقمي الوزير قاتله الله كاتب التتار وحرضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي فظن المخذول أن الأمر يتم له وأنه يقيم خليفة علويا فأرسل أخاه ومملوكه إلى هلاكو وسهل عليه أخذ بغداد وطلب أن يكون نائبا له عليها فوعدوه بالأماني وساروا فأخذ لولو صاحب الموصل يهيىء للتتار الإقامات ويكاتب الخليفة سرا فكان ابن العلقمي قبحه الله لا يدع تلك المكاتبات تصل إلى الخليفة مع أنها لو وصلت لما أجدت لأن الخليفة كان يرد الأمر إليه فلما تحقق الأمر بعث ولد محي الدين بن الخوارزمي رسولا إلى هلاكو يعده بالأموال والغنائم فركب هلاكو في مائتي ألف من التتار والكرج ومدد من صاحب الموصل مع ولده الصالح إسمعيل فخرج ركن الدين الدوادار فالتقى بأخوايين وكان على مقدمة هلاكو فانكسر المسلمون ثم سارباجو فنزل من غربي بغداد ونزل هلاكو من شرقيها

(5/270)


271
فأشار ابن العلقمي على المستعصم بالله أن اخرج إليهم في تقرير الصلح فخرج الخبيث وتوثق لنفسه ورجع فقال أن الملك قد رغب أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكروان تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية ثم يترحل فخرج إليه المستعصم في أعيان الدولة ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه فخرجوا فضربت رقاب الجميع وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة وتضرب أعناقهم حتى بقيت الرعية بلا راع ثم دخلت حينئذ التتار بغداد وبذلوا السيف واستمر القتل والسبي نحو أربعين يوما ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة وقتل الخليفة رفسا ويقال ان هلاكو أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر فعند ذلك نودي بالأمان ثم أمر هلاكو بأخوايين فضربت عنقه لأنه بلغه أنه كاتب الخليفة وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها وعملت الشعراء قصائد في مراثي بغداد وأهلها وتمثل بقول سبط التعاويذي ( بادت وأهلوها معا فبيوتهم * ببقاء مولانا الوزير خراب ) وقال بعضهم ( يا عصبة الإسلام نوحي واندبي * حزنا على ما تم للمستعصم ) ( دست الوزارة كان قبل زمانه * لابن الفرات فصار لابن العلقمي ) وكان آخر خطبة خطبت ببغداد أن قال الخطيب في أولها الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار وحكم بالفناء على أهل هذه الدار وقال تقي الدين بن أبي اليسر قصيدته في بغداد وهي ( لسائل الدمع عن بغداد أخبار * فما وقوفك والأحباب قد ساروا ) ( يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا * فما بذاك الحمى والدار ديار ) ( تاج الخلافة والربع الذي شرفت * به المعالم قد عفاه أقفار ) ( أضحى لعطف البلى في ربعه أثر * وللدموع على الآثار آثار )

(5/271)


272 (
يا نار قلبي من نار لحرب وغى * شبت عليه ووافى الربع إعصار ) ( علا الصليب على أعلى منابرها * وقام بالأمر من يحويه زنار ) ( وكم حريم سبته الترك غاصبة * وكان من دون ذاك الستر أستار ) ( وكم بدور على البدرية انخسفت * ولم يعد لبدور منه أبدار ) ( وكم ذخائر أضحت وهي شائعة * من النهاب وقد حازته كفار ) ( وكم حدود أقيمت من سيوفهم * على الرقاب وحطت فيه أوزار ) ( نادت والسبي مهتوك تجرهم * إلى السفاح من الأعداء ذعار ) ولما فرغ هلاكو من قتل الخليفة وأهل بغداد أقام على العراق نوابه وكان ابن العلقمي حسن لهم أن يقيموا خليفة علويا فلم يوافقوه وأطرحوه وصار معهم في صورة بعض الغلمان ومات كمدا لا رحمه الله وهو مؤيد الدين محمد بن أحمد وزير الإمام المستعصم بالله كان فاضلا متغاليا في التشيع إلى غاية ما يكون عامل التتار ليظفر ببغيته فلم ينل منهم ذلك وكان ينشد وهو في حالة الهوان وجرى القضاء بعكس ما أملته ثم أرسل هلاكو إلى الناصر صاحب دمشق كتابا صورته يعلم سلطان مصر ناصر طال بقاؤه أنا لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدموها فكان قصارى كلامهم سببا لهلاك نفوس تستحق الإهلاك وأما ما كان من صاحب البلد فإنه خرج إلى خدمتنا ودخل تحت عبودتنا فسألناه عن أشياء كذبنا فبها فاستحق الإعدام وكان كذبه ظاهرا ووجدوا ما عملوا حاضرا أجب ملك البسيطة ولا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات ولقد بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة وإلى جنابك لائذة ( أين المفر ولا مفر لهارب * ولنا البسيطان الثرى والماء ) فساعة وقوفك على كتابنا تجعل قلاع الشام سماءها أرضها وطولها عرضها

(5/272)


273
والسلام ثم أرسل له كتابا ثانيا يقول فيه خدمة ملك ناصر أطال عمره أما بعد فإنا فتحنا بغداد واستأصلنا ملكها وملكها إلى هنا وكان ظن وقد ضن بالأموال ولم ينافس الرجال أن ملكه يبقى على ذلك الحال وقد علا ذكره ونما قدره فخسف في الكمال بدره ( إذا تم أمر بدا نقصه * توقع زوالا إذا قيل تم ) ونحن في طلب الإزدياد على ممر الآباد فلا تكن كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وأبد ما في نفسك إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أجب دعوة ملك البسيطة تأمن شره وتنال بره واسع إليه برجالك وأموالك ولا تعوق رسولنا والسلام ثم أرسل كتابا ثالثا يقول فيه أما بعد فنحن جنود الله بنا ينتقم ممن عتا وتجبر وطغى وتكبر وبأمر الله ما ائتمر أن عوتب تنمر وأن روجع استمر وتجبر ونحن قد أهلكنا البلاد وأبدنا العباد وقتلنا النسوان والأولاد فأيها الباقون أنتم بمن مضى لاحقون ويا أيها الغافلون أنتم إليهم تساقون ونحن جيوش الهلكة لا جيوش المملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لا يرام ونزيلنا لا يضام وعدلنا في ملكنا قد اشتهر ومن سيوفنا أين المفر ( أين المفر ولا مفر لهارب * ولنا البسيطان الثرى والماء ) ( ذلت لهيبتنا الأسود فأصبحت * في قبضتي الأمراء والخلفاء ) ونحن إليكم صائرون ولكن طالبون ولكم الهرب وعلينا الطلب ( ستعلم ليلى أي دين تداينت * وأي غريم بالتقاضي غريمها ) دمرنا البلاد وأيتمنا الأولاد وأهلكنا العباد وأذقناهم العذاب وجعلنا عظيمهم صغيرا وأميرهم أسيرا أتحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون وعن قليل سوف تعلمون على ما تقدمون وقد أعذر من أنذر والسلام وفيها توفي أبو العباس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري

(5/273)


274
المالكي المحدث الشاهد نزيل الأسكندرية كان من كبار الأئمة ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وسمع بالمغرب من جماعة واختصر الصحيحين وصنف كتاب المفهم في شرح مختصر مسلم وتوفي في ذي القعدة وفيها ابن الحلاوي شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفا الهزبر له فضيلة تامة وشعره في غاية الجودة والرقة فمن ذلك قوله ( وافى يطوف بها الغزال الأغيد * حمراء من وجناته تتوقد ) ( مالت به وأماله سكر الصبا * فنديمها كمديرها يتأود ) ( ثقلت مآزره وأرهف لحظه * فالقائلان مثقل ومحدد ) ( فإذا انثنى وإذا رنا فقوامه * واللحظ منه مثقف ومهند ) ومدح الملوك والكبار وعاش ثلاثا وخمسين سنة وكان في خدمة صاحب الموصل وفيها الزعبي بفتح الزاي نسبة إلى زعب بطن من سليم أبو إسحق إبراهيم بن أبي بكر بن إسمعيل بن علي الحمامي روى كتاب الشكر عن ابن شاتيل ومات في المحرم ببغداد وفيها الصدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك التيمي النيسابوري ثم الدمشقي الصوفي الحافظ ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة وسمع بمكة من عمر المبانشي وبدمشق من ابن طبرزد وبخراسان من أبي روح وبأصبهان من أبي الفتوح وابن الجنيد وكتب الكثير وعنى بهذا الشأن أتم عناية وجمع وصنف وشرع في موسدة ذيل على تاريخ ابن عساكر وولى مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق وعظم في دولة المعظم ثم فتر سوقه وابتلي بالفالج قبل موته بأعوام ثم تحول إلى مصر فمات بها في حادي عشر ذي الحجة ضعفه بعضهم وقال الزكي البرزالي كان كثير التخليط وفليها الشرف الأربلي العلامة أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الهدناني الشافعي اللغوي ولد سنة ثمان وستين وخمسمائة بأربل وسمع بدمشق من الخشوعي وطائفة وحفظ على الكندي خطب

(5/274)


275
ابن نباتة وديوان المتنبي ومقامات الحريري وكان يعرف اللغة ويقرئها توفي في ثاني ذي العقدة وفيها العماد داود بن عمر بن يوسف أبو المعالي الزبيدي المقدسي الشافعي الدمشقي الأباري خطيب بيت الآبار ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع من الخشوعي والقسم وطائفة وكان فصيحا خطيبا بليغا لا يكاد يسمع موعظة أحد إلا يبكي ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السلام ثم عزل بعد ست سنين وعاد إلى خطابة القرية وبها توفي في شعبان ودفن هناك وفيها الملك الناصر داود بن المعظم بن العادل صاحب الكرك صلاح الدين أبو المفاخر ولد سنة ثلاث وستمائة وأجاز له المؤيد الطوسي وسمع ببغداد من القطيعي وكان حنفيا فاضلا مناظرا ذكيا بصيرا بالأدب بديع النظم كثير المحاسن ملك دمشق بعد أبيه ثم أخذها منه عمه الأشرف فتحول إلى مدينة الكرك فملكها إحدى عشرة سنة ثم عمل عليه ابنه وسلمها إلى صاحب مصر الصالح وزالت مملكته وكان جوادا ممدحا ومن شعره يفضل الجارية على الغلام ( أحب الغادة الحسناء ترنو * بمقلة جؤذر فيها فتور ) ( ولا أصبو إلى رشأ غرير * وإن فتن الورى الرشأ الغرير ) ( وأنى يستوي شمس وبدر * ومنها يستمد ويستنير ) ( وهل تبدو الغزالة في سماء * فيظهر عندها للبدر نور ) وله ( قلبي وطرفك قاتل وشهيد * ودمي على خديك منه شهود ) ( يا أيها الرشأ الذي لحظاته * كم دونهن صوارم وأسود ) ( ومن العجائب أن قلبك لم يلن * لي والحديد ألانه داود ) توفي رحمه الله بظاهر دمشق بقرية البويضاء ودفن عند والده الملك المعظم في جمادى الأولى وكانت أمه خوارزمية عاشت بعده مدة

(5/275)


276
وفيها بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الصاحب المنشىء أبو الفضل وأبو العلاء الأزدي المهلبي المكي ثم القوصي الكاتب له ديوان مشهور ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وكتب الإنشاء للملك الصالح نجم الدين ببلاد المشرق فلما تسلطن بلغه أعلى المراتب ونفذه رسولا ولما مرض بالمنصورة تغير عليه وأبعده لأنه كان سريع التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم ثم اتصل البهاء زهير بالناصر صاحب الشام وله فيه مدائح وكان ذا مروءة ومكارم ومن شعره ( يطيب لقلبي أن يطيب غرامه * وأيسر ما يلقاه منه حمامه ) ( وأعجب منه كيف يقنع بالمنى * ويرضيه من طيف الخيال لمامه ) ومنها ( وما الغصن إلا ما حوته بروده * وما البدر إلا ما حواه لثامه ) ( خذوا لي من البدر الذمام فإنه * أخوه لعلي نافع لي ذمامه ) ومن شعره أيضا ( أنا زهيرك ليس إلا * جود كفك لي مزينه ) ( أهوى جميل الذكر عنك * كأنما هو لي بثينه ) ( فاسأل ضميرك عن وداد * إنه فيه جهينه ) ومنه أيضا ( روحي من أسميتها بستي * فترمقني النحاة بعين مقت ) ( يظنوا أنني قد قلت لحنا * وكيف وأنني لزهير وقتي ) ( وقد ملكت جهاتي الست طرا * فلا عجب إذا ما قلت ستي ) قال ابن خلكان وشعره كله لطيف وهو كما يقال السهل الممتنع وأجازني رواية ديوانه وهو كثير الوجود بأيدي الناس قال وكان مسه ألم فأقام به أياما ثم توفي قبل المغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة ودفن من الغد بعد

(5/276)


277
صلاة الظهر بتربة بالقرافة الصغرى بالقرب من قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه في جهتها القبلية ولم يتفق لي الصلاة عليه لاشتغالي بالمرض وفيها الكفر طابي أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بيان القواس الرامي الأستاذ ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع الكثير من يحيى الثقفي وعمر دهرا وتوفي في الحادي والعشرين من شوال بدمشق وفيها أبو العز بن صديق عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحراني وهو بكنيته أشهر ولهذا سماه بعضهم ثابتا سمع من عبد الوهاب بن أبي حبة وحدث بدمشق وبها توفي في جمادى الأولى وفيها الحافظ الكبير زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة المنذري الشامي ثم المصري الشافعي صاحب التصانيف ولد سنة إحدى وثمانين خمسمائة وسمع من الأرتاحي وأبي الجود وابن طبرزد وخلق وتخرج بأبي الحسن علي بن المفضل ولزمه مدة وله معجم كبير مروي ولي مشيخة الكاملية مدة وانقطع بها نحوا من عشرين سنة مكبا على العلم والإفادة قال ابن ناصر الدين كان حافظا كبيرا حجة ثقة عمدة له كتاب الترغيب والترهيب والتكملة لوفيات النقلة انتهى وقال ابن شهبة برع في العربية والفقه وسمع الحديث بمكة ودمشق وحران والرها والأسكندرية وروى عنه الدمياطي وابن دقيق العيد والشريف عز الدين وأبو الحسين اليونيني وخلق وتخرج به العلماء في فنون من العلم وبه تخرج الدمياطي وابن دقيق العيد والشريف عز الدين وطائفة في علوم الحديث قال الشريف عز الدين كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكلة قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم ووفياتهم ومواليدهم

(5/277)


278
وأخبارهم إماما حجة ثبتا ورعا متحريا فيما يقوله متثبتا فيما يرويه وقال الذهبي لم يكن في زمانه أحفظ منه ومن تصانيفه مختصر مسلم ومختصر سنن أبي داود وله عليه حواش مفيدة وكتاب الترغيب والترهيب في مجلدين وهو كتاب نفيس توفي رحمه الله تعالى في رابع ذي القعدة ودفن بسفح المقطم وفيها جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي المحدث ولد يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع بالقدس من أبي عبد الله ابن البنا وحدث بنابلس قال الشريف عز الدين كان له سعة وفيه فضل توفي في ذي القعدة بنابلس وفيها موفق الدين أبو محمد عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن الفوطي البغدادي الحنبلي الأديب قال ابن الساعي كان إماما ثقة أديبا فاضلا حافظا للقرآن عالما بالعربية واللغة والنجوم كاتبا شاعرا صاحب أمثال وكان فقيرا ذا عيال ولم يوافق نفسه على خيانة ولي كتابة ديوان العرض وقتل صبرا في الواقعة ببغداد وفيها ابن خطب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي الدمشقي الناسخ كان له إجازة من السلفي فروى بها الكثير وتوفي في ثالث ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة وفيها الشاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية سكن الأسكندرية وصحبه بها جماعة وله في التصوف مشكلة توهم ويتكلف له في الاعتذار عنها وعنه أخذ الشيخ أبو العباس المرسي قاله في العبر وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقات الأولياء علي أبو الحسن الشاذلي السيد الشريف من ذرية محمد بن الحسن زعيم الطائفة الشاذلية نسبة إلى شاذلة قرية بأفريقية نشأ ببلده فاشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها وصار يناظر عليها مع كونه ضريرا ثم سلك منهاج التصوف وجد واجتهد حتى ظهر صلاحه

(5/278)


279
وخيره وطار في فضاء الفضائل طيره وحمد في طريق الوم ساره وسيره نظم فرقق ولطف وتكلم على الناس فقرط الأسماع وشنف وطاف وجال ولقي الرجال وقدم إلى أسكندرية من المغرب وصار يلازم ثغرها من الفجر إلى المغرب وينتفع الناس بحديثه الحسن وكلامه المطرب وتحول إلى الديار المصرية وأظهر فيها طريقته المرضية ونشر سيرته السرية وله أحزاب محفوظة وأحوال بعين العناية ملحوظة قيل له من شيخك فقال أما فيما مضى فعبد السلام بن بشيش وأما الآن فإني أسقي من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية ولما قدم أسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي فوقف بظاهرها واستأذنه فقال طاقية لا تسع رأسين فمات أبو الفتح في تلك الليلة وذلك لأن من دخل بلدا على فقير بغير إذنه فمهما كان أحدهما أعلى سلبه أو قتله ولذلك ندبوا الاستئذان وحج مرارا ومات قاصدا الحج في طريقه قال ابن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله منه ومع ذلك آذوه وأخرجوه بجماعته من المغرب وكتبوا إلى نائب أسكندرية أنه يقدم عليكم مغربي زنديق وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه فدخل أسكندرية فآذوه فظهرت له كرامات أوجبت اعتقاده ومن كلامه كل علم تسبق إليك فيه الخواطر وتميل النفس وتلتذ به فارم به وخذ بالكتاب والسنة وكان إذا ركب تمشى أكابر الفقراء وأهل الدينا حوله وتنشر الأعلام على رأسه وتضرب الكوسات بين يديه وينادي النقيب أمامه بأمره له من أراد القط بالغوث فعليه بالشاذلي قال الحنفي اطلعت على مقام الجيلاني والشاذلي فإذا مقام الشاذلي أرفع ومن كلام الشاذلي لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في غد وما بعده إلى يوم القيامة وقد أفرد التاج بن عطاء الله مولفا حافلا لترجمته وكلامه مات رحمه الله تعالى بصحراء عيذاب قاصدا للحج في أواخر ذي القعدة ودفن هناك انتهى ملخصا

(5/279)


280
وفيها سيف الدين بن المشد سلطان الشعراء صاحب الديوان المشهور الأمير أبو الحسن علي بن عمر بن قزل التركماني ولد سنة اثنتين وستمائة بمصر وكان فاضلا كثير الخير والصدقات ذا مروءة ومن شعره ( بشرى لأهل الهوى عاشوا به سعدا * وإن يموتوا فهم من جملة الشهدا ) ( شعارهم رقة الشكوى ومذهبهم * أن الضلالة تيه في الغرام هدى ) ( عيونهم في ظلام الليل ساهرة * عبرى وأنفاسهم تحت الدجى صعدا ) ( تجرعوا كأس خمر الحب مترعة * ظلوا سكارى فظنوا غيهم رشدا ) ( وعاسل القد معسول مقبله * كالغصن لما انثنى والبدر حين بدا ) ( نادمته وثغور البرق باسمة * والغيث ينزل منحلا ومنعقدا ) ( كأن جلق حيا الله ساكنها * أهدت إلى النور من أزهارها مددا ) ( فاسترسل الجو منهلا يزيد على * ثورا ويعقد محلول الندى بردا ) ومن شعره أيضا ( بين الجفون مصارع العشاق * فخذوا حذاركم من الأحداق ) ( فهي السهام بل السيوف وإنها * أمضى وأنكى في حشا المشتاق ) توفي رحمه الله في تاسع المحرم بدمشق ودفن بقاسيون وفيها النشبي المحدث شمس الدين أبو الحسن علي بن المظفر بن القسم الربعي النشبي الدمشقي نائب الحسبة سمع الكثير من الخشوعي والقسم بن عساكر وخلق وكان فصيحا طيب الصوت بالقراءة كتب الكثير وكان يؤدب ثم صار شاهدا توفي في ربيع الأول وقد جاوز التسعين وفيها الشيخ علي الخباز الزاهد أحد مشايخ العراق له زاوية واتباع وأحوال وكرامات وفيها ابن عوه أبو حفص عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري التاجر السفار العدل حدث بدمشق عن البوصيري وتوفي في ذي الحجة وكان صالحا وفيها الموفق بن أبي الحديد أبو المعالي

(5/280)


281
القسم بن هبة الله بن محمد بن محمد المدايني المتكلم الأشعري الكاتب المنشىء البليغ كان فقيها أديبا شاعرا محسنا مشاركا في أكثر العلوم فمن شعره ( استر لثامك حتى يستر اللعس * وقف ليبعد عن أعطافك الميس ) ( إني أخاف على حسن حبيت به * إصابة العين أن العين تختلس ) ( يا غاصب الخشف أوصافا مكملة * لم يبق للخشف إلا السوق والخنس ) ( وفاضح البدران البدر مقتبس * من التي هي من خديك تقتبس ) ( معدل الخلق لا طول ولا قصر * مكمل الخلق لا هين ولا شرس ) ( حموه عن كل ما يشفي العليل به * حتى على طيفه من شكله حرس ) ( قد كنت أبصر صبحا في محبته * فعاد وهو بعيني كله غلس ) توفي ببغداد في رجب وفيها الإمام شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين الموصلي الحنبلي المقرىء العلامة شارح الشاطبية قرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عبد العزيز الأربلي وغيره وتفقه وقرأ العربية وبرع في الأدب والقراءات وصنف تصانيف كثيرة ونظم الشعر الحسن قال الذهبي كان شابا فاضلا ومقرئا محققا ذا ذكاء مفرط وفهم ثاقب ومعرفة تامة بالعربية واللغة وشعره في غاية الجودة نظم في الفقه وفي التاريخ وغيره ونظم كتاب الشمعة في القراءات السبعة وكان مع فرط ذكائه صالحا زاهدا متواضعا كان شيخنا التقى المقصاتي يصف شمائله وفضائله ويثني عليه وكان قد حضر بحوثه وقال ابن رجب له تصانيف كثيرة أكثرها في القراءات منها شرح الشاطبية وكتاب الناسخ والمنسوخ وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه وله كتاب فضائل الأئمة الأربعة ومن نظمه قوله ( دع عنك ذكر فلانة وفلان * واجنب لما يلهي عن الرحمن ) ( واعلم بأن الموت يأتي بغتة * وجميع ما فوق البسيطة فان ) ( فإلى متى تلهو وقلبك غافل * عن ذكر يوم الحشر والميزان )

(5/281)


282 (
أتراك لم تك سامعا ما قد أتى * في النص بالآيات والقرآن ) ( فانظر بعين الاعتبار ولا تكن * ذا غفلة عن طاعة الديان ) ( واقصد لمذهب أحمد بن محمد * أعني ابن حنبل الفتى الشيباني ) ( فهو الإمام مقيم دين المصطفى * من بعد درس معالم الإيمان ) ( أحيا الهدى وأقام في أحيائه * متجردا للضرب غير جبان ) ( تعلوه أسياط الأعادي وهو لا * ينفك عن حق إلى بهتان ) ( وعزلت عن قول النبي وصحبه * وجميع من تبعوه بالإحسان ) ( أترون أني خائف من ضربكم * لا والإله الواحد المنان ) ( كن حنبليا ما حييت فإنني * أوصيك خير وصية الإخوان ) ( ولقد نصحتك إن قبلت فاحمد * زين التقادة وسيد الفتيان ) ( ماذا أقام وقد أقام إمامنا * متجردا من غير ما أعوان ) ( مستعذبا للمرفى نصر الهدى * متجرعا لمضاضة السلطان ) ( وسلا بمهجته وبايع ربه * أن لا يطيع أئمة العدوان ) ( وأقام تحت الضرب حتى أنه * دحض الضلال وفتنة الفتان ) ( وأتى برمح الحق يطعن في العدا * أهل الضلال وشرعة الشيطان ) ( من ذا لقي ما قد لقيه من الأذى * في ربه من ساكني البلدان ) ( فعلى ابن حنبل السلام وصحبه * ما ناحت الورقاء في الأغصان ) ( إني لأرجو أن أفوز بحبه * وأنال في بعث رضا الرحمن ) ( حمدا لربي إذ هداني دنيه * وعلى شريعة أحمد أنشأني ) ( واختار مذهب أحمد لي مذهبا * ومن الهوى والغي قد أنجاني ) ( من ذا يقوم من العباد بشكر ما * أولاه سيده من الإحسان ) قال الذهبي توفي في صفر بالموصل وله ثلاث وثلاثون سنة رحمه الله تعالى

(5/282)


283
وفيها الأديب الفاضل سعد الدين محمد بن الشيخ محي الدين محمد بن العربي الحاتمي الطائي ولد بملطية وسمع الحديث ودرس وله ديوان مشهور وناب بدمشق ومن شعره في مليح رآه في الزيادة ( يا خليلي في الزيادة ظبي * سلبت مقلتاه جفني رقاده ) ( كيف أرجو السلو عنه وطرفي * ناظر حسن وجهه في الزيادة ) وله ( سهري من المحبوب أصبح مرسلا * وأراه متصلا بفيض مدامعي ) ( قال الحبيب بأن ربعي نافع * فاسمع رواية مالك عن نافع ) وله ( أشكو إلى الله علام الخفيات * من جور ألحاظك المرضى الصحيحات ) ( إن أنكرت هذه الأجفان ما صنعت * سل عن دمي الوجنات العندميات ) ( روت لواحظها عن بال خبرا * ويلاه من سقم هاتيك الروايات ) ( فيا جليسي بدا ما كنت أكتمه * إن المجالس فاعلم بالأمانات ) ( لله سرب ظباء من بني أسد * حررت معهن أرباب المسرات ) ( حلقت أحداقها بعدي وأوجهها * كم من عيون تركناها وجنات ) وفيها ابن الجرح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التلمساني المالكي نزيل الثغر كان من صلحاء العلماء سمع بسبتة الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله الحجري وتوفي في ذي القعدة عن ثنتين وتسعين سنة وفيها خطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسمعل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسي النابلسي الحنبلي ولد بمردا سنة ست وستين وخمسمائة ظنا وتفقه بدمشق وسمع من يحيى الثقفي وأحمد بن الموازيني وبمصر من البوصيري وغير واحد وتوفي بمردا في أوائل ذي الحجة وفيها الفاسي الإمام

(5/283)


284
أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي المقرىء مصنف شرح الشاطبية قرأ على رجلين قرآ على الشاطبي وكان فقيها بارعا متفننا متين الديانة جليل القدر تصدر للأقراء بحب مدة وتوفي في ربيع الآخر وفيها الفقيه الزاهد محي الدين أبو نصر محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح الحنبلي البغدادي قاضي القضاة عماد الدين سمع من والده ومن الحسن بن علي بن المرتضى العلوي وغيرهما وطلب بنفسه وقرأ وتفقه وكان عالما ورعا زاهدا يدرس بمدرسة جده ويلازم الاشتغال بالعلم إلى أن توفي ولما ولي أبوه قضاء القضاة ولاه القضاء والحكم بدار الخلافة فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا وحكم ثم عزل نفسه ونهض إلى مدرستهم بباب الأزج ولم يعد إلى ذلك تنزها عن القضاء وتورعا وسمع منه الدمياطي الحافظ وحدث عنه وذكره في معجمه وتوفي ليلة الإثنين ثاني عشر شوال ببغداد ودفن إلى جنب جده الشيخ عبد القادر بمدرسته وكانت وفاته بعد انقضاء الواقعة وفيها ابن صلايا الصاحب تاج الدين أبو المكارم محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي نائب الخليفة بأربل كان من رجال الدهر عقلا ورأيا وهيبة وعزما وجودا وسؤددا قتله هلاكو في ربيع الآخر بقرب تبريز وفيها الفاضل الأديب نور الدين محمد بن محمد بن رستم الأسعردي الشاعرالمشهور كان قاضي القضاة ابن سني الدولة أجلسه تحت الساعات شاهدا فحضر يوما عند السلطان صلاح الدين يوسف فأعجبته عبارته فجعله نديما وخلع عليه القباء والعمامة المذهبة فأتى ثاني يوم بالعمامة المذهبة والقباء وجلس تحت الساعات بين الشهود وكان الغالب عليه المجون وأفرد هزلياته في كتاب سماه سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون وفيها فتح الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدة السلمي عرف بابن العدل أحد الصدور الأماثل ولي حسبه دمشق إلى حين وفاته وكان

(5/284)


285
موصوفا بالعفاف وجده محي الدين هو باني المدرسة بالزبداني وكان كثير البر والصدقة له الأملاك الكثيرة ودفن بسفح قاسيون وفيها ابن شقير الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجي بن الحسن بن هبة الله بن عزال الواسطي المقرىء التاجر السفار ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة بواسط وقرأ القراءات على أبي بكر بن الباقلاني وأتقنها وتفقه وكان آخر من روى وحدث عن أبي طالب الكتاني وذكر الفاروي أنه عاش إلى حدود هذه السنة وفيها ابن الشقيشقة المحدث نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز مظفر بن عقيل الشيباني الدمشقي الصفار ولد بعد الثمانين وخمسمائة وسمع من حنبل وابن طبرزد وخلق كثير وروى مسند أحمد وكان أديبا ظريفا عارفا بشيوخ دمشق ومروياتهم لكن رماه أبو شامة بالكذب ورقة الدين وكان جعله قاضي القضاة ابن سني الدولة عاقدا تحت الساعات فقال فيه البهاء بن الدجاجية ( جلس الشقيشقة الشقي ليشهدا * بأبيكما ماذا عدا فيما بدا ) ( هل زلزل الزلزال أم قد أخرج الدجال * أم عدموا الرجال أولى الهدى ) ( عجبا لمحلول العقيدة جاهل * بالشرع قد أذنوا له أن يعقدا ) ولابن الشقيشقة لغز في الواو والميم والنون وهو ( أوله آخره * وبعضه جميعه ) ( ثلاثة حروفه * وواحد مجموعه ) ( إن شئت أن تعكسه * فلست تستطيعه ) توفي في جمادى الآخرة ووقف داره بدمشق دار حديث وفيها الصرصري الشيخ العلامة القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري الأصل نسبة إلى صرصر بفتح الصادين المهملتين قرية على فرسخين من بغداد كان إليه المنتهى في معرفة اللغة وحسن الشعر وديوانه

(5/285)


286
ومدائحه سائرة وكان حسان وقته ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وقرأ القرآن بالروايات على أصحاب ابن عساكر البطائحي وسمع الحديث من الشيخ على ابن إدريس اليعقوبي الزاهد صاحبه الشيخ عبد القادر وصحبه وتسلك به ولبس منه الخرقة وأجاز له الشيخ عبد المغيث الحربي وغيره وحفظ الفقه واللغة ويقال أنه كان يحفظ صحاح الجوهري بكمالها وكان يتوقد ذكاء ويقال أن مدائحه في النبي تبلغ عشرين مجلدا وقد نظم في الفقه مختصر الخرقي وزايد الكافي ونظم في العربية وفي فنون شتى وكان صالحا قدوة كثير التلاوة عظيم الاجتهاد صبورا قنوعا محبا لطريقة الفقراء ومخالطتهم وكان يحضر معهم السماع ويرخص في ذلك وكان شديدا في السنة منحرفا على المخالفين لها وشعره مملوء بذكر أصول السنة ومدح أهلها وذم مخالفيها قال ابن رجب وكان قد رأى النبي في منامه وبشره بالموت على السنة ونظم في ذلك قصيدة طويلة معروفة وسمع منه الحافظ الدمياطي وحدث عنه وذكره في معجمه ولما دخل التتار بغداد كان الشيخ بها فلما دخلوا عليه قاتلهم وقتل منهم بعكازه نحو اثني عشر نفسا ثم قتلوه شهيدا برباط الشيخ علي الخباز وحمل إلى صرصر فدفن بها وفيها محي الدين بن الجوزي الصاحب العلامة سفير الخلافة أبو المحاسن يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي الحنبلي أستاذ دار المستعصم بالله ولد سنة ثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه وذاكر بن كامل وابن بوش وطائفة وقرأ القرآن بواسط على ابن الباقلاني وكان كثير المحفوظ قوي المشاركة في العلوم وافر الحشمة قال ابن رجب قرأ القرآن بالروايات العشر على ابن الباقلاني وقد جاوز العشر سنين من عمره ولبس الخرقة من الشيخ ضياء الدين بن سكينة واشتغل بالفقه والخلاف والأصول وبرع في ذلك وكان أشهر فيه من أبيه ووعظ من صغره على قاعدة أبيه وعى أمره وعظم

(5/286)


287
شأنه وولي الولايات الجليلة ثم عزل عن جميع ذلك وانقطع في داره يعظ ويفتي ويدرس ثم أعيد إلى الحسبة وقال ابن الساعي ظهرت عليه آثار العناية الإلهية مذ كان طفلا فعنى به والده فأسمعه لحديث ودربه في الوعظ وبورك له في ذلك وبانت عليه آثار السعادة وتوفي والده وعمره سبع عشرة سنة فكفلته والدة الإمام الناصر وتقدمت له بالجلوس للوعظ على عادة والده عند تربتها بعد أن خلعت عليه فتكلم بما بهر به الحاضرين ولم يزل في ترق وعلو كامل الفضائل معدوم الرذائل أرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف فاكتسب مالا كثيرا وأنشأ مدرسة بدمشق وهي المعروفة بالجوزية ووقف عليها أوقافا كثيرة ولم يزل في ترق إلى أن قتل صبرا بسيف الكفار شهيدا عند دخول هلاكو إلى بغداد بظاهر سور كلواذا وقتل معه أولاده الثلاثة الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن وكان فاضلا بارعا واعظا له تصانيف قتل وقد جاوز الخمسين وشرف الدين عبد الله ولي الحسبة أيضا ثم تزهد عنها ودرس وتاج الدين عبد الكريم ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه ودرس وقتل ولم يبلغ عشرين سنة ومن مصنفات يوسف المذكور معادن الأبريز في تفسير الكتاب العزيز والمذهب الأحمد في مذهب أحمد والإيضاح في الجدل وسمع منهم خلق منهم الحافظ الدمياطي سنة سبع وخمسين وستمائة فيها دخل هلاكو ديار بكر قاصدا حلب ونزل على آمد وأرسل يطلب الملك السعيد صاحب ماردين فسير إليه ولده وقاضي البلد مهذب الدين محمد بن مجلي بهدية واعتذر أنه ضعيف فلم يقبل منه وقبض على ولده وسير إلى الملك يستحثه فعظمت الأراجيف وعدوا الفرات وخرج أهل الشام جانلين منهم وخرج الملك الناصر بعساكره لملتقى التتار فنزل على برزة واجتمع إليه أمم

(5/287)


288
عظيمة من عرب وعجم وأكراد مطوعة وكان هلاكو قد قدم في خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى فنزل على حران وسير ولده أشموط إلى الشام فوصل إلى حلب وبها بوران شاه بن السلطان صلاح الدين وكانت في غاية التحصين فنزل التتار على السلمية وامتدوا إلى جيلان فخرج عسكر حلب ومعهم خلق فولت التتار منهم مكرا وخديعة فتبعهم العسكر والعوام فرجعوا عليهم فانكسر المسلمون وتبعوهم إلى أبواب حلب يقتلون ويأسرون ونزل التتار بظاهر حلب وهي مغلقة الأبواب وفيها توفي نجم الدين أبو إسحق وأبو طاهر إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن علي بن منجا التنوخي الحموي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الأديب الكاتب سمع من ابن طبرزد والكندي وغيرهما توفي في العشر الأواخر من محرم بتل ناشر من أعمال حلب ودفن به رحمه الله وفيها الشيخ مجد الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي غالب الأربلي النحوي الحنبلي المعدل سمع بأربل من محمد بن هبة الله وسكن دمشق وحدث بها واشتغل مدة في العربية بالجامع وقرأ عليه جماعة من الأصحاب وغيرهم منهم الفخر البعلبكي وابن الفركاح وتوفي في نصف صفر بدمشق وفيها الرئيس صدر الدين أبو الفتح أسعد بن عثمان بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي واقف المدرسة الصدرية بدمشق ودفن بها ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بدمشق وسمع بها من حنبل وابن طبرزد وحدث وكان أحد المعدلين ذوي الأموال والثروة والصدقات وولي نظر الجامع مدة وثمر له أموالا كثيرة واستجد في ولايته أمورا توفي في تاسع عشر شهر رمضان وفيها ابن تاميت أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن اللواتي الفاسي المحدث المعمر نزيل القاهرة كان صالحا عالما خيرا روى بالإجازة العامة عن أبي الوقت قال الشريف عز الدين مولده فيما بلغنا في المحرم سنة ثمان وأربعين وخسمائة

(5/288)


289
وتوفي في رابع المحرم رحمه الله وفيها أبو الحسين بن السراج المحدث الكبير مسند المغرب أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأشبيلي ولد سنة ستين وخمسمائة وسمع من ابن بشكوال وعبد الله بن زرقون وطائفة وتفرد في زمانه وكانت الرحلة إليه بالمغرب وتوفي في سابع صفر وفيها ابن اللمط شمس الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجذامي المصري رحل مع ابن دحية وسمع من أبي جعفر الصيدلاني وعبد الوهاب بن سكينة وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة وفيها صاحب الموصل الملك الرحيم بدر الدين لولو الأرمني الأتابكي مملوك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود صاحب الموصل كان مدب ردولة أستاذه دولة ولده القاهر مسعود فلما مات القاهر سنة خمس عشرة وستمائة أقام بدر الدين ولد القاهر صورة وبقي أتابكه مدة ثم استقل بالسلطنة وكان صارما شجاعا مدبرا خبيرا توفي في شعبان وقد نيف على الثمانين وانخرط نظام بلده من بعده وفيها الشيخ يوسف القميني الموله قال الذهبي في العبر الذي تعتقده العامة أنه ولي الله وحجتهم الكشف والكلام على الخواطر هذا شيء يقع من الكاهن والراهب والمجنون الذي له قرين من الجن وقد كثر هذا في عصرنا والله المستعان وكان يوسف يتنجس ببوله ويمشي حافا ويأوي اقميم حمام نور الدين ولا يصلي انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان يأوي القمامين والمزابل وغالب إقامته بأقميم حمام نورد الدين بسوق القمح وكان يلبس ثيابا طوالا تكنس الأرض ولا يلتفت إلى أحد والناس يعتقدون فيه الصلاح

(5/289)


290
ويحكون عنه عجائب وغرائب ودفن بتربة المولهين بسفح قاسيون ولم يتخلف عن جنازته إلا القليل انتهى سنة ثمان وخمسين وستمائة في المحرم قطع هلاكو الفرات ونهب نواحي حلب وأرسل متوليها بوران شاه بن السلطان صلاح الدين بأنكم تضعفون عنا ونحن نقصد سلطانكم الناصر فاجعلوا لنا عندكم شحنة بالقلعة وشحنة بالبلد فإن انتصر علينا الناصر فاقتلوا الشحنتين أو أبقوهما وإن انتصرنا فحلب والبلاد لنا وتكونون آمنين فأبى عليه بوران شاه فنزل على حلب في ثاني صفر فلم يصبح عليهم الصباح إلا وقد حفروا عليهم خندقا عمق قامة وعرض أربعة أذرع وبنوا حائطا ارتفاع خمسة أذرع ونصبوا عشرين منجنيقا وألحوا بالرمي وشرعوا في نقب السور وفي تاسع صفر ركبوا للأسوار ووضعوا السيف يومهم ومن الغد واحتمى في حلب أماكن فيها نحو خمسين ألفا واستتر خلق وقتل أمم لا يحصون وبقي القتل والسبي خمسة أيام ثم نودي برفع السيف وأذن المؤذن يومئذ يوم الجمعة بالجامع وأقيمت الجمعة بأناس ثم أحاطوا بالقعلة وحاصروها ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق فهرب الناصر ودخلت يومئذ رسل هلاكو وقرىء الفرمان بامان دمشق ثم وصل نائب هلاكو فتلقاه الكبراء وحملت أيضا مفاتيح حماة إلى هلاكو وسار صاحبها والناصر إلى نحو غزة وعصت قلعة دمشق فحاصرتها التتار وألحوا بعشرين منجنيقا على برج الطارمة فتشقق وطلب أهلها الأمان فأمنهم وسكنها النائب كتبغا وتسلموا بعلبك وقلعتها وأخذوا نابلس ونواحيها بالسيف ثم ظفروا بالملك وأخذوه بالأمان وساروا به إلى هلاكو فرعى له مجيئه وبقي في خدمته أشهرا ثم قطع الفرات راجعا وترك بالشام فرقة من التتار وأما المصريون فتأهبوا وشرعوا في المسير من نصف شعبان

(5/290)


291
وثارت النصارى بدمشق ورفعت رؤوسها ورفعوا الصليب ورموا به وألزموا الناس بالقيام له من حوانيتهم في الثاني والعشرين من رمضان ووصل جيش الإسلام وعليهم الملك المظفر وعلى مقدمته ركن الدين البندقداري فالتقى الجمعان على عين جالوت غربي بيسان ونصر الله دينه وقتل في المصاف مقدم التتار كتبغا وطائفة من أمراء المغول ووقع بدمشق النهب والقتل في النصارى وأحرقت كنيسة مريم وعيد المسلمون على خير عظيم وساق البندقداري وراء التتار إلى حلب وخلت من القوم الشام وطمع البندقداري في أخذ حلب وكان وعده بها المظفر ثم رجع فتأثر وأضمن الشر فلما رجع المظفر بعد شهر إلى مصر مضمرا للبندقداري الشر فوافق ركن الدين على مراده عدة أمراء وكان الذي ضربه بالسيف فحل كتفه بكتوت الجو كندار المغربي ثم رماه بهادر المغربي بسهم قضى عليه وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة بقرب قطية وتسلطن ركن الدين البندقداري الملك الظاهر بيبرس وفي آخر السنة كرت التتار على حلب واندفع عسكرها بين أيديهم فدخلوا إليها وأخرجوا من بها ووضعوا فيهم السيف وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة صدر الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي ولد سنة تسعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وجماعة وتفقه على أبيه قاضي القضاة شمس الدين وعلى فخر الدين بن عساكر وقل من نشأ مثله في صيانته وديانته واشتغاله ناب عن أبيه وولي وكالة بيت المال ودرس بالإقبالية وغيرها ثم استقل بمنصب القضاء مدة ثم عزل واستمر على تدريس الإقبالية والجاروخية وقد درس بالعادلية الكبيرة والناصرية وهو أول من درس بها وخرج له الحافظ الدمياطي معجما قال الذهبي وكان مشكور السيرة في القضاء لين الجانب حسن المداراة والاحتمال رجع من عند هلاكو متمرضا فأدركه الموت ببعلبك في جمادى الآخرة وله ثمان وستون

(5/291)


292
سنة وفيها نجيب الدين أبو إسحق إبراهيم بن خليل الدمشقي الأدمي ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمعه أخوه من عبد الرحمن الخرقي ويحيى الثقفي وجماعة وحدث بدمشق وحلب وعدم به في صفر وفيها أبو طالب تمام السروري بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وتوفي في رجب وفيها الملك المعظم أبو المفاخر صلاح الدين توران شاه ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وأجاز له عبد الله بن بري وكان كبير البيت الأيوبي وكان السلطان يجله ويتأدب معه سلم قلعة حلب لما عجز بالأمان وأدركه الموت أثر ذلك فتوفي في ربيع الأول وله ثمانون سنة وفيها الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل صاحب الصبية وبانياس تملك سنة إحدى وثلاثين بعد أخيه الملك الظاهر إلى سنة بضع وأربعين فأخذ الصبيبة منه الملك الصالح وأعطاه إمرة مصر فلما قتل المعظم ابن الصالح ساق إلى غزة وأخذ ما فيها وأخذ الصبيبة فتسلمها فلما تملك الملك الناصر دمشق قبض عليه وسجنه بالبيرة فلما أخذ هلاكو البيرة أحضر إليه بقيوده فأطلقه وخلع عليه وسلم إليه الصبيبة وبقي في خدمة كتبغا بدمشق وكان بطلا شجاعا قاتل يوم عين جالوت فلما انهزمت التتار جيء به إلى الملك المظفر فضرب عنقه وفيها المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي المحدث مفيد الجبل روى عن الشيخ الموفق وابن البن وابن الزبيدي ورحل إلى بغداد فسمع من القبيطي وابن الفخار وطبقتها وكتب الكثير وعنى بالحديث أتم عناية وأكثر السماع والكتابة وتوفي في ثاني عشرى جمادى الآخرة وله أربعون سنة وفيها ابن الخشوعي أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم

(5/292)


293
الدمشقي سمع من يحيى الثقفي وأبيه وعبد الرزاق النجار وأجاز له السلفي وطائفة وتوفي في أواخر صفر وفيها العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي الجماعليي الحنبلي الصالحي المؤدب سمع من يحيى الثقفي وأحمد بن الوازيني وجماعة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن العجمي أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي الشافعي روى عن يحيى الثقفي وابن طبرزد ودرس وأفتى عذبه التتار على المال حتى هلك في الرابع والعشرين من صفر وفيها الملك المظفر سيف الدين قطز أحد مماليك المعز أيبك التركماني صاحب مصر كان بطلا شجاعا حازما كسر التتار كسرة جبر بها الإسلام فجزاه الله عن الإسلام خيرا ولم يخلف ولدا ذكرا حكى الأمير البردجاني قال كان المظفر خشداشي عند الهيجاوي وكان عليه قمل كثير فكنت أسرحه وكلما قتلت قملة آخذ منه فلسا أو أصفعه فبينا أنا أسرحه ذات يوم قلت والله أشتهي إمرة خمسين فقال له طيب قلبك أنا أعطيك أمرة خمسين فصفعته وقلت ويلك أنت تعطيني أمرة خمسين قال نعم فصفعته فقال لي إيش عليك لك إلا أمرة خمسين وأنا والله أعطيك ذلك الذي طلبت فقلت له أنت مجنون بقملك تملك الديار المصرية قال نعم رأيت النبي حق لا شك فيه وجرى ذلك وقال له منجم بمصر وللملك الظاهر بيبرس بعد أن اختبر نجم كل واحد منهما فقال للملك المظفر أنت تملك مصر وتكسر التتار فاستهزءوا به وقال للملك الظاهر وأنت أيضا تملك الديار المصرية وغيرها فاستهزءوا به فكان كما قال وهذا من عجيب الاتفاق وكان المظفر بطلا شجاعا دينا مجاهدا انكسرت التتار على يديه واستغاد منهم الشام وكان أتابك الملك المنصور على ولد أستاذه فلما

(5/293)


294
رآه لا يغني شيئا عزله وقام في السلطنة وكان شابا أشقر وافر اللحية ذكر أنه قال أنا محمود بن ممدود ابن أخت السلطان خوارزم شاه وأنه كان مملوكا لتاجر في القصاعين بمصر وفيها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني الحنبلي الحافظ ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله البطائحي عن الشيخ عبد القادر ورباه الشيخ عبد الله اليونيني وتفقه على الشيخ الموفق وسمع من الخشوعي وحنبل وكان يكرر على الجمع بين الصحيحين وعلى أكثر مسند أحمد ونال من الحرمة والتقدم ما لم ينله أحد وكانت الملوك تقبل يده وتقدم مداسه وكان إماما علامة زاهدا خاشعا لله قانتا له عظيم الهيبة منور الشيبة مليح الصورة حسن السمت والوقار صاحب كرامات وأحوال قال ولده موسى قطب الدين صاحب التاريخ المشهور حفظ والدي الجمع بين الصحيحين وأكثر مسند الإمام أحمد وحفظ صحيح مسلم في أربعة أشهر وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد وحفظ ثلث مقامات الحريري في بعض يوم وقال عمر ابن الحاجب الحافظ لم ير في زمانه مثل نفسه في كماله وبراعته جمع بين الشريعة والحقيقة وكان حسن الخلق والخلق نفاعا مطرحا للتكلف وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثا وكان لا يرى إظهار الكرامات ويقول كما أوجب الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات ويروي عن الشيخ عثمان شيخ دير ناعس وكان من أهل الأحوال قال قطب الشيخ الفقيه ثمان عشرة سنة وتزوج ابنة الشيخ عبد الله اليونيني وهي أول زوجاته وروى عنه ابناه أبو الحسين الحافظ والقطب المؤرخ وغيرهما وتوفي ليلة تاسع عشر رمضان ببعلبك ودفن عند شيخه عبد الله اليونيني رحمة الله عليهما وفيها الأكال الشيخ محمد بن خليل الحوراني ثم الدمشقي عاش ثمانيا وخمسين سنة وكان صالحا خيرا مؤثرا

(5/294)


295
لا يأكل لأحد شيئا إلا بأجرة وله في ذلك حكايات وفيها ابن الأبار الحافظ العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي الكاتب الأديب أحد أئمة الحديث قرأ القراءات وعنى بالأثر وبرع في البلاغة والنظم والنثر وكان ذا جلالة ورياسة قتله صاحب تونس ظلما في العشرين من المحرم وله ثلاث وستون سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الحنبلي سمع من محمد بن حمزة بن أبي الصقر وعبد الرزاق النجار ويحيى الثقفي وغيرهم وكان آخر من روى بالإجازة عن شهدة وهو شيخ صالح متعفف تال لكتاب الله تعالى يؤم بمسجد ساوية من عمل نابلس فاستشهد على يد التتار في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين قاله الذهبي وفيها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل صاحب ميافارقين ملك سنة خمس وأربعين وستمائة وكان عالما فاضلا شجاعا عادلا محسنا إلى الرعية ذا عبادة وورع ولم يكن في بيته من يضاهيه حاصرته التتار عشرين شهرا حتى فنى أهل البلد بالوباء والقحط ثم دخلوا وأسروه فضرب هلاكو عنقه بعد أخذ حلب وطيف برأسه ثم علق على باب الفراديس ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب قاله الذهبي بلغني أن التتار دخلوا البلد أي ميافارقين فوجدوا به سبعين نفسا بعد ألوف كثيرة وفيها الضياء القزويني الصوفي أبو عبد الله محمد بن أبي القسم بن محمد ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بحلب وروى عن يحيى الثقفي وفيها الشيخ الزاهد الكبير أبو بكر بن قوام بن علي ابن قوام البالسي كان زاهدا عابدا قدوة صاحب حال وكشف وكرامات وله زاوية وأتباع ولد سنة أربع وثماينن وخمسمائة وتوفي في سلخ رجب من هذه السنة ببلاد حلب ثم نقل تابوته ودفن بجل قاسيون في أول سنة سبعين

(5/295)


296
وستمائة وقبره ظاهر يزار قاله الذهبي وقاله غيره كان شافعي المذهب أشعري العقيدة ولد بمشهد صفين ثم انتقل إلى مدينة بالس وصفين وبالس غربي الفرات وببالس نشأ وقد ألف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ أبي بكر المذكور في مناقبه مؤلفا حسنا فمن أراد استقصاء محاسنه وكراماته فليراجعه وفيها حسام الدين الهدناني أبو علي محمد بن علي الكردي من كبار الدولة وأجلائها كان له اختصاص زائد بالملك الصالح نجم الدين وناب في سلطنة دمشق له ثم في سلطنة مصر وحج سنة تسع وأربعين ثم أصابه في آخر عمه صرع وتزايد به حتى مات ولد بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وله شعر جيد وفيها أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي ثم المصري الحنبلي اللبان سمع من عم جده عبد الله الأرتاحي وتفرد بالإجازة من المبارك وكان صالحا متعففا روى عنه الزكي عبد العظيم مع تقدمه توفي بمصر في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وستمائة في محرمها اجتمع خلق من التتار الذين نجوا من يوم عين جالوت والذين كانوا بالجزيرة فأغاروا على حلب ثم ساقوا إلى حمص لما بلغهم مصرع الملك المظفر فصادفوا على حمص حسام الدين الجو كندار والمنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة والتتار في ستة آلاف فالتقوهم وحمل المسلمون حملة صادقة فكان النصر ووضعوا السيف في الكفار قتلا حتى أبادوا أكثرهم وهرب مقدمهم بندرا بأسوأ حال ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد وأما دمشق فإن الحلبي دخل القلعة فنازله عسكر مصر وبرز إليهم وقاتلهم ثم رد فلما كان في الليل هرب وقصد قلعة بعلبك فعصى بها فقدم علاء الدين طبرس الوزيري وقبض على الحلبي من

(5/296)


297
بعلبك وقيده فحبسه الملك الظاهر بيبرس مدة طويلة وفي رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظاهر محمد بن الناصر لدين الله العباسي الأسود وفوض الأمور إلى الملك الظاهر بيبرس ثم قدما دمشق فعزل عن القضاء نجم الدين بن سني بن خلكان ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبحا والمستنصر هو أمير المؤمنين أبو القسم أحمد بن الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله كان محبسوا ببغداد حبسه التتار فلما أطلقوه التجأ لعرب العراق فأحضروه إلى مصر فتلقاه السلطان بيبرس والمسلمون واليهود والنصارى ودخل من باب النصر وكان يوما مشهودا وقرىء نسبه بحضرة القضاة وشهد بصحته وحكم به وبويع بايعه القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز ثم بايعه الملك الظاهر بيبرس والشيخ عز الدين ابن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم وذلك في ثالث عشر رجب ونقش اسمه على السكة وخطب له ولقب بلقب أخيه وكان شديد القوى عنده شجاعة وإقدام وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس رحمه الله تعالى وفيها توفي الأرتاحي أبو العباس أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري المقرىء الحنبلي قرأ القراءات على والده وسمع من جده لأمه أبي عبد الله الأرتاحي وابن يس والبوصيري ولازم الحافظ عبد الغني فأكثر عنه وتوفي في رجب وفيها إبراهيم بن سهل الأشبيلي اليهودي شاعر زمانه بالأندلس غرق في البحر وفيها الصفي بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني الكاتب ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وكان متمولا وافر الحرمة وزر مرة وتوفي بمصر في ذي القعدة وفيها مخلص الدين إسمعيل بن قرناص الحموي كان فقيها عالما فاضلا شاعرا من شعره

(5/297)


208 (
أما والله لو شقت قلوب * ليعلم ما بها من فرط حبي ) ( لأرضاك الذي لك في فؤادي * وأرضاني ورضاك بشق قلبي ) وفيها شرف الدين أبو محمد حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وستمائة وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وجماعة بعده وتفقه على الشيخ الموفق وبرع وأفتى ودرس بالجوزية مدة قال أبو شامة كان رجلا خيرا توفي ليلة ثامن المحرم بدمشق ودفن بالجبل وفيها الباخزرزي بالموحدة وفتح الخاء المعجمة وسكون الراء ثم زاي نسبة إلى باخرز من نواحي نيسابور الإمام القدوة الحافظ العارف سيف الدين أبو المعالي سعيد بن المطهر صاحب الشيخ نجم الدين الكبار كان إماما في السنة رأسا في التصوف روى عن نجم الدين بن الحباب وعلي بن محمد الموصلي ورشيد الغزالي وخرج أربعين حديثا وفيها الشارعي العالم الواعظ جمال الدين عثمان بن مكي بن عثمان بن إسمعيل السعدي الشافعي سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم المقدسي والبوصيري وطبقتها وكان صالحا متفننا جليلا مشهورا توفي في ربيع الآخر وفيها صاحب صهيون مظفر الدين عثمان بن منكروس تملك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة وكان حازما سايسا مهيبا عمر تسعين سنة ودفن بقلعة صهيون وتملك بعده ابنه سيف الدين محمد وفيها الملك الظاهر غازي شقيق السلطان الملك الناصر يوسف وأمهما تركية كان مليح الصورة شجاعا جوادا قتل مع أخيه بين يدي هولاكو وفيها ابن سيد الناس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الأشبيلي ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة وعني بالحديث فأكثر وحصل الأصول

(5/298)


299
لنفسه وختم به معرفة الحديث بالمغرب توفي بتونس في رجب وفيها الصاين النعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصوفي ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمع من جده لأمه هبة الله بن رمضان وظاعن الزبيري وأجاز له وفاء بن اليمني وابن شاتيل وطائفة وله مشيخة توفي في رجب وفيها المتيجي بفتح الميم وكسر التاء المثناة فوق المشددة وتحتية وجيم نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدين الأسكندراني الفقيه المالكي المحدث الرجل الصالح أحد من عنى بالحديث وروى عن عبد الرحمن بن موقا فمن بعده وكتب الكثير وتوفي في جمادى الآخرة وفيها ابن درباس القاضي كمال الدين أبو حامد محمد بن قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك الماراني المصري الشافعي الضرير ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة فأجاز له السلفي وسمع من البوصيري والقسيم ابن عساكر ودرس وأفتى واشتغل وجالس الملوك وتوفي في شوال وفيها مكي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزبيدي المقدسي ثم العقرباني أجاز له عبد الرزاق النجار وسمع من الخشوعي وغيره ومات في شوال وفيها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين صاحب الشام ولد سنة سبع وعشرين وستمائة وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين ودبر المملكة شمس الدين لولو والأمر كله راجع إلى جدته الصاحبة صفية ابنة العادل ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته فلما ماتت سنة أربعين اشتد الناصر واشتغل عنه الكامل لعمه الصالح ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين ثم سار هو وتملك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين فوليها عشر سنين وفي سنة اثنتين دخل بابنة السلطان علاء الدين صاحب الروم وهي بنت خالة أبيه العزيز وكان حليما جوادا موطأ الأكناف حسن الأخلاق محببا إلى الرعية فيه عدل في

(5/299)


300
الجملة وقلة جور وصفح وكان الناس معة في بلهنية من العيش لكن مع إدارة الخمر والفواحش وكان للشعراء دولة بأيامه لأنه كان يقول بالشارع ويجيز عليه ومجلسه مجلس ندماء وأدباء خدع وعمل عليه حتى وقع في قبضة التتار فذهبوا به إلى هلاكو فأكرمه فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمر وأمر بقتله فتذلل له وقال ما ذنبي فأمسك عن قتله فلما بلغه كسرة بندرا على حمص استشاط غضبا وأمر بقتله وقتل أخيه الظاهر وقيل بل قتله في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمانية وكان أبيض حسن الشكل قاله الذهبي وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام قتل معه جميع أتباعه وأقاربه ومن جملتهم أخوه الملك الظاهر غازي وولده العزيز وهو أي الناصر آخر ملوك بني أيوب وبنى بدمشق داخل باب الفراديس مدرسة في غاية الحسن ووقف عليها أوقافا جليلة وبنى بجبل الصالحية رباطا وتربة وهي عمارة عظيمة ما عمر مثلها أحضر لها من حلب من الرخام والأحجار شيئا كثيرا وغرم عليها أموالا عظيمة ونهر يزيد جار فيها وفيها توفي نور الدولة علي بن أبي المكارم المصري العطار الأديب الفاضل الشاعر المجيد من نظمه لغز في كوز الزير ( وذي أذن بلا سمع * له جسم بلا قلب ) ( إذا استولى على صب * فقل ما شئت في الصب ) سنة ستين وستمائة في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر وطمنوا الناس وخربوا السور ثم بذلوا السيف تسعة أيام وأبقوا صاحبها الملك الصالح إسمعيل أياما ثم قتلوه وقتلوا ولده علاء الدين الملك وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق وابن عمه هلاكو وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري أخو شيخ الشيوخ

(5/300)


301
صاحب حماة روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره وفيها العز الضرير الفيلسوف الرافضي حسين بن محمد بن أحمد بن نجا الأربلي كان بصيرا بالعربية رأسا في العقليات كان يقرىء المسلمين والذمة بمنزله وله حرمة وهيبة مع فساد عقيدته وتركه الصلوات ووساخة هيئته قاله الذهبي وقال غيره كان الناس يقرءون عليه علم الأوائل وتتردد إليه أهل الملك جميعها مسلمها ومبتدعها والشيعة واليهود والنصارى والسامرة وكان ذكيا فصيحا أديبا فضالا في سائر العلوم وكان الملك الناصر يكرمه ولا يرد شفاعته ومن نظمه في السلوان ( ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى * وتغير أحواله وتنكرا ) ( وسلوت حتى لو سرى من نحوكم * طيف لما حياه طيفي في الكرى ) وله ( توهم واشينا قليل مزاره * فهم ليسعى بيننا بالتباعد ) ( فعانقته حتى اتحدنا تعانقا * فلما أتانا ما رأى غير واحد ) قال ابن العديم لما سمع هذين البيتين مسكه مسكة أعمى توفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وفيها عز الدين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القسم بن الحسن الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلماء السلمي الدمشقي ثم المصري الشافعي ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة وحضر حمزة بن الموازيني وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد والقسم بن عساكر وجماعة وتفقه على فخر الدين بن عساكر والقاضي جمال الدين بن الحرستاني وقرأ الأصول على الآمدي وبرع في الفقه والأصول والعربية وفاق الأقران والأضراب وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف أقوال الناس وآخذهم وبلغ رتبة الاجتهاد ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد وصنف التصانيف المفيدة وروى عنه الدمياطي وخرج له أربعين حديثا وابن دقيق العيد وهو الذي لقبه سلطان العلماء وخلق غيرهما

(5/301)


302
ورحل إلى بغداد فأقام بها أشهرا هذا مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين وقد ولي الخطابة بدمشق فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا ولا سجع خطبته كان يقولها مترسلا واجتنب الثناء على الملوك بل كان يدعو لهم وأبطل صلاة الرغائب والنصف فوقع بينه وبين ابن الصلاح بسبب ذلك ولما سلم الصالح إسمعيل قلعة الشقيف وصفد للفرنج نال منه الشيخ على المنبر ولم يدع له فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه ثم أطلقه فتوجه إلى مصر فتلقاه صاحب مصر الصالح أيوب وأكرمه وفوض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي مع خطابة جامع مصر فأقام بالمنصب أتم قيام وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم عزل نفسه من القضاء وعزله السلطان من الخطابة فلزم بيته يشغل الناس ويدرس وأخذ في التفسير في دروسه وهو أول من أخذه في الدروس وقال الشيخ قطب الدين اليونيني كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار وقال الشريف عز الدين كان علم عصره في العلم جامعا لفنون متعددة مضافا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف مع الصلابة في الدين وشهرته تغنى عن الأطناب في وصفه وقال ابن شهبة ترجمة الشيخ طويلة وحكاياته في قيامه على الظلمة وردعهم كثيرة كشهورة وله مكاشفات وقال الذهبي كان يحضر السماع ويرقص توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة وحضر جنازته الخاص والعام السلطان فمن دونه ودفن بالقرافة في آخرها ولما بلغ السلطان خبر موته قال لم يستقر ملكي إلا الساعة لأنه لو أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره وفيها التاج عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر سمع الكثير من الخشوعي وطبقته وولي مشيخة النورية بعد والده وحج فزا رولده أمين الدين عبد الصمد وجاور قليلا ثم توفي في جمادى الأولى بمكة

(5/302)


303
وفيها نقيب الأشراف بهاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجن سمع حضورا وله أربع سنين من يحيى الثقفي وابن صدقة وتوفي في رجب وفيها ابن العديم الصاحب العلامة كمال الدين أبو القسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي من بيت القضاء والحشمة ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة وسمع من ابن طبرزد وبدمشق من الكندي وببغداد والقدس والنواحي وأجاز له المؤيد وخلق وكان قليل المثل عديم النظير فضلا ونبلا ورأيا وحزما وذكاء وبهاء وكتابة وبلاغة درس وأفتى وصنف وجمع تاريخا لحلب في نحو ثلاثين مجلدا وولي خمسة من أيامه على نسق القضاء وقد ناب في سلطنة دمشق وعلم عن الملك الناصر وكان خطه في غاية الحسن باع الناس منه شيئا كثيرا على أنه خط ابن البواب وكانت له معرفة تامة بالحديث والتاريخ وأيام الناس وكان حسن الظن بالفقراء والصالحين ومن شعره من أبيات ( فيا عجبا من ريقه وهو طاهر * حلال وقد أضحى علي محرما ) ( هو الخمر لكن أين للخمر طعمه * ولذته مع أنني لم أذقهما ) ( سألزم نفسي الصفح عن كل من جنى * علي وأعفو عفة وتكرما ) ( وأجعل مالي دون عرضي وقاية * ولو لم يغادر ذاك عندي درهما ) ( وقائلة يابن العديم إلى متى * تجود بما تحوي ستصبح معدوما ) ( فقلت لها عنى إليك فإنني * رأيت خيار الناس من كان منعما ) ( أبي اللؤم لي أصل كريم وأسرة * عقيلته سنو الندى والتكرما ) توفي رحمه الله تعالى بمصر في العشرين من جمادى الأولى ودفن بسفح المقطم وفيها الضياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الروح التغلبي المصري القرافي الشافعي آخر من روى صحيح البخاري عن منجب المرشدي مولى مرشد الدين توفي في رمضان عن تسعين سنة وفيها الشمس الصقلي

(5/303)


204
أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدمشقي الدلال في الأملاك سمع من ابن صدقة الحراني وأبي الفتح المندلي وقرأ الختمة على أبي الجود ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وتوفي في أواخر صفر وفيها ابن عرق الموت أبو بكر محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف بن مصال الهمداني الأسكندراني سمع من التاج المسعودي وابن موقا وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار وتفرد عن جماعة توفي في جمادى الأولى وفيها ابن زيلاق الشاعر المشهور الأجل محي الدين محمد بن يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العباسي الكاتب كان شاعرا مجيدا حسن المعاني من شعره ( بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنا * سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا ) ( وأبرزت وجها أخجل البدر طالعا * ومست بقد علم الهيف الغصنا ) ( وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا * فحاكاه لكن زاد في دقة المعنى ) قتلته التتار بالموصل حين تملكوها وفيها أبو بكر بن علي بن مكارن بن فتيان الأنصاري المصري روى عن البوصيري وجماعة وتوفي في المحرم سنة إحدى وستين وستمائة في ثامن المحرم عقد مجلس عظيم للبيعة وجلس الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن الأمير أبي علي بن أبي بكر بن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر العباسي فأقبل عليه الملك الظاهر بيبرس البندقداري ومد يده إليه وبايعه بالخلافة ثم بايعه الأعيان وقلد حينئذ السلطنة للملك الظاهر بيبرس فلما كان من الغد خطب بالناس خطبة حسنة أولها الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنا وظهيرا ثم كتب بدعوته وإمامته إلى الأقطار وبقي في

(5/304)


305
الخلافة أربعين سنة وأشهرا وهو التاسع والثلاثون من بني العباس وفيها خرج الظاهر إلى الشام وتحيل على صاحب الكرك الملك المغيث حتى نزل إليه فكان آخر العهد به لأنه كان كاتب هلاكو على أن يأخذ له مصر وطلب منه عشرين ألف فارس وأخرج كتبه بمصر وقرأها على العلماء فافتوا بعدم إبقاء من هذا فعله وفيها وصل كرمون المقدم في طائفة كبيرة من التتار قد أسلموا فأنعم عليهم الملك الظاهر وفيها راسل بركة الملك الظاهر ثم كانت وقعة هائلة بين بركة وبين ابن عمه هلاكو فانهزم هلاكو ولله الحمد وقتل خلق من رجاله وغرق خلق وفيها توفي الحسن بن علي بن منتصر أبو علي الفاسي ثم الأسكندراني الكتبي آخر أصحاب عبد المجيد بن دليل توفي في ربيع الآخر وفيها أبو الربيع سليمان بن خليل العسقلاني الفقيه الشافعي خطيب الحرم سبط عمر بن عبد المجيد الميانسي روى عن زاهر بن رستم وغيره وتوفي في المحرم وفيها الرسعني بفتح الراء والعين المهملة وسكون السين المهملة نسبة إلى رأس عين مدينة بالجزيرة العلامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر المحدث المفسر الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا وصنف تفسيرا جسدا وكان شيخ الجزيرة في زمانه علما وفضلا وجلالة قاله في العبر وقال ابن رجب ولد برأس عين الخابور وسمع بالبلدان المتعددة وتفقه على الشيخ موفق الدين وحفظ كتابه المقنع وتفنن في العلوم العقلية النقلية وعده الذهبي من الحفاظ وولى مشيخة دار الحديث بالموصل وكانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة وصنف تفسيرا حسنا فأربع مجلدات ضخمة سماه رموز الكنوز وكتاب مصرع الحسين ألزمه بتصنيفه صاحب الموصل فكتب فيه ما صح من المقتل دون غيره وكان

(5/305)


306
متمسكا بالسنة والآثار وله نظم حسن منه ( وكنت أظن في مصر بحارا * إذا أنا جئتها أجد الورودا ) ( فما ألفيتها إلا سرابا * فحينئذ تيممت الصعيدا ) وقال الذهبي توفي بسنجار ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة وفيها عز الدين أبو محمد وأبو القاسم وأبو الفرج الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن شرف المقدسي المحدث الحنبلي ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة وحضر على أبي حفص بن طبرزد وسمع من الكندي وطبقته وارتحل إلى بغداد فسمع من الفتح بن عبد السلام وطائفة ثم إلى مصر وكتب الكثير وعنى بالحديث وتفقه على الشيخ الموفق وكان فاضلا صالحا ثقة انتفع به جماعة وحدث توفي في نصف ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون وفيها الناشري المقرىء البارع تقي الدين عبد الرحمن بن مرهف المصري قرأ القراءات على أبي الجود وتصدر للإقراء وبعد صيته وتوفي في شوال عن نيف وثمانين سنة وفيها ابن بنين أثير الدين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري الشافعي القباني الناسخ ولد سنة خمس وسبعبن وخمسمائة وسمع من عشير الجبل فكان آخر أصحابه وسمع من طائفة غيره وأجاز له عبد الله بن بري وعبد الرحمن الشيبي وانتهى إليه علو الإسناد بمصر مع صلاح وسكون توفي في ثالث ربيع الآخر وفيها علي بن إسمعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي روى عن الخشوعي وغيره وتوفي في رجب وكان مباركا خيرا قاله في العبر وفيها الكمال الضرير شيخ القراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم بن علي الهاشمي العباسي المصري الشافعي صاحب الشاطبي وزوج بنته ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات على الشاطبي وشجاع المدلجي وأبو الجود وسمع من البوصبري وطائفة تصدر للإقراء

(5/306)


307
دهرا وانتهت إليه رياسة الأقراء وكان إماما يجري في فينون من العلم وفيه تودد وتواضع ولين ومروءة تامة توفي في سابع ذي الحجة وفيها العلم أبو القاسم والأصح أبو محمد القسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللورقي بفتحتين وسكون الراء نسبة إلى لورقة بلدة بالأندلس المقرىء النحوي المتكلم شيخ القراء بالشام ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات على ثلاثة من أصحاب ابن هذيل ثم قرأها على أبي الجود ثم على الكندي وسمع ببغداد من ابن الأخضر وكان عارفا بالكلام والأصلين والعربية أقرأ واشتغل مدة وصنف التصانيف ودرس بالعزيرية نيابة وولي مشيخة الأقراء والنحو بالعادلية وتوفي في سابع رجب وقد شرح الشاطبية قاله في العبر سنة اثنتين وستين وستمائة فيها انتهت عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين بمصر ورتب في تدريس الإيوان القبلي القاضي تقي الدين محمد بن رزين وفي الإيوان الشمالي مجد الدين بن العديم وفي الإيوان الشرقي فخر الدين الدمياطي في تدريس الحديث وفي الغربي كمال الدين المحلي وفي جمادى الآخرة وصل الخبر بأن امرأة عجوزا من الحسينية عندها امرأتان تجيب لهم شبابا فيثور عليهم رجال عندها فيقتلونهم ويعطوهم لوقاد الحمام يحرقهم وإذا كثر القتلى يعطوهم لملاح يغرقهم وكان والي الحسينية شريكهم فحسب الذين قتلوا فكانوا خمسمائة نسمة فأمر السلطان أن يسمروا جميعا في الحسينية وفيها اشتد الغلاء بالقاهرة حتى أبيع الأردب القمح بمائة وخمسين دينارا ففرق الملك الظاهر الصعاليك على الأغنياء والأمراء وألزمهم بإطعامهم وفيها أحضر إلى بين يدي الظاهر طفل ميت له رأسان وأربعة أعين

(5/307)


308
وأربعة أيدي وأربعة أرجل وذكر محي الدين بن عبد الظاهر أن بعض أهل قوص وجد في حفرة فلوسا كثيرة وعلى كل فلس منها صورة ملك واقف في يده اليمنى ميزان وفي يده اليسرى سيف وعلى الوجه الثاني رأس مصور بآذان وعيون كثيرة مفتوحة وبداير الفلوس سطور واتفق حضور جماعة من الرهبان فيهم راهب عالم بلسان الينونان فقرأ ما على الفلس فكان تاريخه إلى ذلك الوقت ألفي سنة وثلثمائة سنة وكتابته أنا غلياث الملك ميزان العدل والكرم في يميني لمن أطاع والسيف في شمالي لمن عصى وفي الوجه الآخر أنا غلياث الملك أذني مفتوحة لسماع كلمة المظلوم وعيني مفتوحة أنظر بها مصالح ملكي وفيها توفي قاضي حلب كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن الأستاذ الأسدي الشافعي المعروف بابن الأستاذ وهو لقب جد والده عبد الله بن علوان ولد سنة إحدى عشرة وستمائة وسمع من جماعة واشتغل في المذهب وبرع في العلوم والحديث وأفتى ودرس وولي القضاء بحلب في الدولتين الناصرية والظاهرية قال الذهبي وكان صدرا معظما وافر الحرمة مجموع الفضائل صاحب رياسة ومكارم وأفضال وسؤدد وولي القضاة مدة فحمدت سيرته وروى عنه أبو محمد الدمياطي وكان يدعو له لما أولاه من الإحسان انتهى ومن تصانيفه شرح الوسيط في نحو عشر مجلدات لكن عز وجود شيء منه والظاهر أنه عدم في فتنة التتار بحلب فإنه أصيب بماله وأهله فيها ثم أعيد إلى دولته في الدولة الظاهرية وقال السبكي وله حواشي على فتاوى ابن الصلاح تدل على فضل كثير واستحضار للمذهب جيد توفي في نصف شوال وفيها أبو الطاهر الكتاني إسمعيل بن سالم الخياط العسقلاني ثم المصري روى عن البوصيري وابن ياسين وتوفي في جمادى الأولى وفيها الزين الحافظي سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني الطبيب طب الملك الحافظ صاحب جعبر فنسب إليه ثم خدم الملك

(5/308)


309
الناصر يوسف فعظم عنده وبعثه رسولا إلى التتار فباطنهم ونصح لهم فأمره هلاكو وصار تتريا خائنا للمسلمين فسلط الله عليه مخدومه فقتل بين يديه لكون كاتب الملك الظاهر وقتل معه أقاربه وخاصته وكانوا خمسين وفيها شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي الشافعي الأديب كان أبوه قاضي حماة ويعرف بابن الرفا ولد هو بدمشق سنة ست وثمانين وخمسمائة وكان مفرط الذكاء ورحل به أبوه فسمع من ابن كليب جزاء ابن عرفة ومن أبي المجد المسند كله وله محفوظات كثيرة وفضائل شهيرة وحرمة وجلالة لين جانب يكرم من يعرف ومن لا يعرف مات بحماة ودفن بظاهرها في ثامن رمضان بتربة كان أعدها له ومن شعره قوله ( سبى فؤادي فتان الجمال إذا * طلبت شبها له في الناس لم أصب ) ( قرأت خط عذاريه فأطمعني * بواو عطف ووصل منه عن كثب ) ( وأعربت لي نون الصدغ معجمة * بالحال عن نجح مقصودي ومطلبي ) ( حتى رنا فسبت قلبي لواحظه * والسيف أصدق أنباء من الكتب ) ( لم أنس ليلة طافت بي عواطفه * فزارني طيفه صدقا بلا كذب ) ( حيى بما شئت من ورد بوجنته * نهبته بابتسامي وهو منتهبي ) ( نشوان اسأل عن قلبي فينكره * تيها ويسأل عني وهو أعرف بي ) ( وكلما قال ممن أنت قلت له * ممن إذا عشقوا جاءوك بالعجب ) ( لا تسألوا حبكم عن حبه فله * من الإضافة ما يغني عن السبب ) ( وراقبوا منه حالا غير حائلة * عما عهدتم وقلبا غير منقلب ) وفيها العماد بن الحرستاني أبو الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الشافعي ولد في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي والقسم وتفقه على أبيه وأفتى

(5/309)


310
وناظر وولي قضاء الشام بعد أبيه قليلا ثم عزل ودرس بالغزالية مدة وخطب بدمشق وكان من جلة العلماء له سمت ووقار وتواضع وولي الدار الأشرفية بعد ابن الصلاح ووليها بعده أبو شامة وتوفي في جمادى الأولى وفيها الضياء بن البانسي أبو الحسن علي بن محمد بن علي المحدث الخطيب العدل الشروطي ولد سنة خمس وستمائة وسمع من ابن البن وأجاز له الكندي وعنى بهذا الشأن وكتب الكثير وتوفي في صفر وفيها الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل جلس عبد موت عمه الصالح بالكرك فلما قتلوا ابن عمه المعظم أخرجه معتمد الكرك الطواشي وسلطنه بالكرك وكان كريما مبذرا للأموال فقل ما عنده حتى سلم الكرك إلى صاحب مصر ونزل إليه فخنقه وكذلك خنق عمه أباه وعاش كل منهما نحوا من ثلاثين سنة وقال ابن شهبة في سبب موته أن الظاهر بيبرس أمر أيدمر الحلى نائب القاهرة أن يقتله سرا ولا يظهر ذلك ويدفع لقاتله ألف دينار فطلب أيدمر رجلا شريرا عنده شهامة وأطلعه على ذلك فدخل إليه فخنقه وأخذ الألف دينار وجعل يشرب الخمر في بيته على بركة الفيل فأخرج من الذهب فقال له ندماؤه من أين لك هذا الذهب فأخبرهم في حال سكره أنه قتل الملك المغيث وأعطى ألف دينار فشاع ذلك بين الناس فبلغ الملك الظاهر فعظم عليه ذلك وأنكر على أيدمر وطلب الرجل فاستعاد منه ذلك الذهب وقتله وفيها الباب شرقي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري التاجر بجيرون روى عن الخشوعي وطائفة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن سراقة الإمام محي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشاطبي شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وسمع من أبي القسم أحمد بن بقي وبالعرق من أبي علي بن الجواليقي وطبقته وله مؤلفات في التصوف وكان أحد الأئمة

(5/310)


311
المشهورين بغزارة العلم ومن شعره ( وصاحب كالزلال يمحو * صفاؤه الشك باليقين ) ( لم يحص إلا الجميل حتى * كأنه كاتب اليمين ) وهذا عكس قول المنازي ( وصاحب خلته خليلا * وما جرى غدره ببالي ) ( لم يحص إلا القبيح حتى * كأنه كاتب الشمال ) وفيها الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص ولد سنة سبع وعشرين وستمائة وتملك حمص سنة أربع وأربعين فأخذت منه سنة ست ثم ملك الرحبة ثم سار إلى هلاكو فأكرمه وأقره على حمص وولاه نيابة الشام مع كتبغا فلما قلع الله التتار وأرسل الملك المظفر فأمنه وأقره على حمص فغسل هناته بيوم حمص وكسر التتار وكانوا في ستة آلاف وكان هو في ألف وخمسمائة وقتل أكثر التتار ولم ينج منهم إلا القليل ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد وكان عفيفا يحب العلم وأهله توفي بحمص في صفر فيقال سقي وتسلم الظاهر بلده وحواصله وفيها الجوجندار العزيز بن حسام الدين لاجين من أكبر أمراء دمشق كان محبا للفقراء مؤثرا لراحتهم يجمعهم على السماعات والسماطات التي يضرب بها المثل ويخدمهم بنفسه توفي في المحرم كهلا قاله في العبر وفيها الرشيد العطار الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي الأموي النابلسي ثم المصري المالكي ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وسمع من البوصيري وإسمعيل بن يس والكبار فأكثر وأطاب وجمع المعجم وحصل الأصول وتقدم في الحديث وولي مشيخة الكاملية سنة ستين وتوفي في ثاني جمادى الأولى

(5/311)


312
وفيها القيادي أبو القسم بن منصور الأسكندراني الزاهد كان صالحا قانتا مخلصا منقطع القرين في الورع كان له بستان يعمله ويتبلغ منه وله ترجمة مفردة جمعها ناصر الدين بن المنير توفي في سادس شعبان سنة ثلاث وستين وستمائة فيها كانت ملحمة عظمى بالأندلس التقى الفنش لعنه الله وأبو عبد الله ابن الأحمر غير مرة ثم انهزمت الملاعين وأسر الفنش ثم أفلت وحشد وجيش ونازل غرناطة فخرج ابن الأحمر فكسرهم وأسر منهم عشرة آلاف وقتل المسلمون فوق الأربعين ألفا وجمعوا كوما هائلا من رؤس الفرنج وأذن عليه المسلمون واستعادوا عدة مداين من الفرنج ولله الحمد وفيها نازلت التتار البيرة فساق سم الموت والحمدى وطائفة وكشفوهم عنها وفيها قدم السلطان بيبرس فحاصر قيسارية وافتتحها عنوة وعصت القلعة أياما ثم أخذت ثم نازل أرسوف وأخذها بالسيف في رجب ثم رجع فسلطن ابنه الملك السعيد في شوال وأركبه بابهة الملك وله خمس سنين ثم عمل طهوره بعد أيام وفيها جدد بديا رمصر أربعة حكام من المذاهب لأجل توقف تاج الدين بن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من القضايا فتعطلت الأمور فأشار بهذا كمال الدين ايدغدي العزيزي فأعجب السلطان وفعله في آخر السنة ثم فعل ذلك بدمشق وفيها ابتدىء بعمارة مسجد الرسول ففرغ في أربع سنين وفيها حجب الخليفة الحاكم بقلعة الجبل وفيها توفي المعين القرشي المحدث المتقن أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن القاضي الزكي علي بن محمد بن يحيى كتب عن ابن صباح وابن اللتي وكريمة فأكثر وكتب الكثير توفي فجأة في ربيع

(5/312)


313
الأول وفيها الزين خالد بن يوسف بن سعد الحافظ اللغوي أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة وسمع من القسم ومحمد بن الحصيب وابن طبرزد وببغداد من ابن الأخضر وطبقته وحصل الأصول وتقدم في الحديث وكان فهما يقظا حلو النوادر توفي في سلخ جمادى الأولى وفيها النظام بن البانياسي عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين سمع من الخشوعي وجماعة وكان دينا فاضلا توفي في صفر وفيها النجيب أبو العشاير فراس بن علي بن زيد الكناني العسقلاني ثم الدمشقي التاجر المعدل روى عن الخشوعي والقسم وجماعة وفيها ابن مسدى الحافظ أبو بكر محمد بن يوسف الأزدي الغرناطي الأندلسي المهلبي روى عن محمد ابن عماد الدين وجماعة كثيرة وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين كان حافظا علامة ذا رحلة واسعة ودراية شاع عنه التشيع جاور بمكة وقتل فيها غيلة انتهى وقال الذهبي توفي بمكة في شوال وقد خرج لنفسه معجما وفيها جمال الدين بن يغمور الباروقي موسى ولد بالصعيد سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان من جلة الأمراء ولي نيابة مصر ونيابة الشام وتوفي في شعبان وفيها بدر الدين السنجاري الشافعي قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن الحسن الزراري بالضم ومهملتين نسبة إلى زرارة جد كان صدرا معظما وجوادا ممدحا ولي قضاء بعلبك وغيرها قبل الثلاثين ثم عاد إلى سنجار فنفق على الصالح نجم الدين فلما ملك الديار المصرية وفد عليه فولاه مصر والوجه القبلي ثم ولي قضاء القضاة بعد الأشرف بن عين الدولة وباشر الوزارة وكان له من الخيل والمماليك ما ليس لوزير مثله ولم يزل في ارتقاء إلى أوائل الدولة الظاهرية فعزل ولزم بيته توفي في رجب وقيل كان يرتشي ويظلم قاله في العبر وفيها أبو القسم بن يوسف بن أبي القسم بن عبد السلام الأموي الحواري العوفي الزاهد المشهور الحنبلي صاحب الزاوية بحواري كان خيرا صالحا له اتباع

(5/313)


314
وأصحاب ومريدون في كثير من قرى حواران في الجبل والبثنية ولا يحضرون سماعا بالدف توفي ببلده حواري في آخر السنة وصلى عليه يوم عيد النحر ببيت المقدس صلاة الغايب وصلى عليه بدمشق تاسع عشر ذي الحجة وقام مقامه بعده ولده عبد الله وكان عنده تفقه وزهادة وله أصحاب وكان مقصودا يزار ببلده وعمر حتى بلغ التسعين خرج ليودع بعض أهله إلى ناحية الكرك من جهة الحجاز فأدركه أجله هناك في أول ذي القعدة سنة ثلاثين وسبعمائة رحمهما الله تعالى سنة أربع وستين وستمائة فيها غزا الملك الظاهر وبث جيوشه بالسواحل فأغاروا على بلاد عكا وصور وطرابلس وحصن الأكراد ثم نزل على صفد في ثامن رمضان وأخذت في أربعين يوما بخديعة ثم ضربت رقاب مائتين من فرسانهم وقد استشهد عليها خلق كثير وفيها استباح المسلمون قارة وسبى منها ألف نفس وجعلت كنيستها جامعا وفيها توفي الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي نزيل دمشق فقير متزهد محقق للعربية اشتغل بالناصرية وبمقصورة الحنفية مدة وتوفي في شوال وفيها أبو العباس أحمد بن صالح السينكي بالسين المهملة وتحتية ونون نسبة إلى سينكة بلد بمصر كان كاتب عماي رجامع دمشق وكان فاضلا أديبا كثير التواضع ومن شعره ( للوزر زهر حسنه * يصبي إلى زمن التصابي ) ( شكت الغصون من الشتا * فأعارها بيض الثياب ) ( فكأنه عشق الربيع * فشاب من قبل الشباب ) وله في السيف عامل القماير ( ربع المصالح داتر * لم يبق منه طائل )

(5/314)


315 (
هيهات تعمر بعقة * والسيف فيها عامل ) رتب ناظرا بدار الضرب فجاء إليه شخص وسأله أن يترك عنده صندوقا وديعة إلى أن يقدم من الحجاز فأحضر إليه الصندوق ولا يعرف ما فيه وبعد أيام كتب إلى الأمير طيبرس الوزيري نائب البلدان الشهاب السينكي ناظر دار الضرب عنده صندوق فيه سكك لعمل الزغل فكبس بيته فوجدوا الصندوق فلم يقبل قوله في الاعتذار فاشتهر في دمشق على صورة قبيحة وأنفى منها فأرسل من الطريق إلى رفيق له ( بلادي وإن جارت على عزيزة * ولو أنني أعرى بها وأجوع ) ( وما أنا إلا المسك في غير أرضكم * يضوع وأما عندكم فيضيع ) وفيها ابن شعيب الإمام جمال الدين أحمد بن عبد الله بن شعيب التميمي الصقلي ثم الدمشقي المقرىء الأديب الذهبي ولد سنة تسعين وخمسمائة ولزم السخاوي مدة وأتقن القراءات وسمع من القسم بن عساكر وطائفة وقرأ الكثير على السخاوي وطبقته وتوفي في جمادى الأول قاله في العبر وفيها ابن البرهان العدل الصدر رضي الدين إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المصري الواسطي التاجر السفار ولد سنة ثلاث وتسعين وسمع صحيح مسلم من منصور الفراوي وسمع منه خلق بدمشق ومصر والثغر واليمن وتوفي في حادي عشر رجب وفيها أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هرون المرادي السبتي الحافظ ابن الكماد كان حافظ زمانه لم يكن له في عصره مثيل وكانت معيشته من تفقدات أهل الخير وهداياهم إلى أن مات قاله ابن ناصر الدين وفيها ابن الدرجي الفقيه صفي الدين إسمعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي القرشي الدمشقي الحنفي ولد سنة اثنتين وسبعن وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي ومنصور الطبري وطائفة وتوفي في السادس والعشرين من ربيع الأول وفيها أيدغدى الأمير الكبير

(5/315)


316
كمال الدين كان كبير القدر شجاعا مقداما عاقلا محتشما كثير الصدقات حسن الديانة من جلة الأمراء ومتميزيهم حبسه المعز مدة ثم أخرجوه يوم عين جالوت وكان الملك الظاهر يحترمه ويتأدب معه جهزه في هذه السنة فأغار على بلاد سيس ثم خرج على صفد فتمرض وتوفي في ليلة عرفة بدمشق وفيها ابن صصرى الصدر العدل بهاء الدين الحسن بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التغلبي الدمشقي أحد أكابر البلد روى عن ابن طبرزد وطائفة وتوفي في صفر عن ست وستين سنة وولي هو وأخوه شرف الدين المناصب الكبار ونظر الدواوين وسمع أخوه المذكور عبد الرحمن بن سالم من حنبل وابن طبرزد أيضا ومات في شعبان من هذه السنة عن تسع وستين سنة وفيها الموقاني بضم الميم وقاف ونون نسبة إلى موقان مدينة بدر بند المحدث جمال الدين محمد بن عبد الجليل المقدسي نزيل دمشق سمع من أبي القسم الحرستاني وخلق وعنى بالحديث والأدب وله مجاميع مفيدة وتوفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة وفيها ابن فار اللبن معين الدين أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري آخر من قرأ الشاطبية على مؤلفها وقرأها عليه جماعة منهم البدر التاذفي وفيها هلاكو قولى بن جنكز خان المغلى مقدم التتار وقائدهم إلى النار الذي أباد البلاد والعباد بعثه ابن عمه القان الكبير على جيش المغل فطوى الممالك وأخذ الحصون الأسمعيلية وأذربيجان والروم والعراق والجزيرة والشام وكان ذا سطوة ومهابة وعقل وغور وحزم ودهاء وخبرة بالحروب وشجاعة ظاهرة وكرم مفرط ومحبة لعلوم الأوائل من غير أن يفهمها مات على كفره في هذه السنة بعلة الصرع فإنه اعتاره منذ قتل الشهيد صاحب ميافارقين الملك الكامل محمد غازي حتى كان يصرع في اليوم مرتين مات بمراغة

(5/316)


317
ونقلوه إلى قلعة تلا وبنوا عيه قبة وخلف سبعة عشر ولدا تملك بعده ابنه أبغا سنة خمس وستين وستمائة فيها كما قال ابن خلكان بلغنا من جماعة يوثق بهم وصلوا إلى دمشق من أهل بصرى أن عندهم قرية يقال لها دير أبي سلامة كان بها رجل من العربان فيه استهتار زائد وجهل فجرى يوما ذكر السواك وما فيه من الفضيلة فقال والله ما أستاك إلا من المخرج فأخذ سواكا وتركه في دبره فآلمه تلك الليلة ثم مضى عليه تسعة أشهر وهو يشكو من ألم البطن والمخرج ثم أصابه مثل طلق الحامل ووضع حيوانا على هيئة الجرذون ورأسه مثل رأس السمكة وله أربع أنياب بارزة وذنب طويل مثل شبر وأربع أصابع وله دبر مثل دبر الأرنب ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات فقامت ابنة ذلك الرجل فشجت رأسه فمات وعاش ذلك الرجل بعده يومين ومات وهو يقول هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي وشاهد ذلك الحيوان جماعة من تلك الناحية وخطيب المكان وفيها توفي خطيب القدس كما الدين أحمد بن أحمد بن أحمد النابلسي الشافعي ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسمع بدمشق من القسم بن عساكر وحنبل وكان صالحا متعبدا متزهدا توفي بدمشق في ذي القعدة وفيها إسمعيل الكوراني بالضم وراء نسبة إلى كوران قرية بأسفرايين القدوة الزاهد شيخ كبير القدر مقصود بالزيادة صاحب ورع وصدق وتفتيش عن دينه أدركه أجله بغزة في رجب قاله الذهبي وفيها بركة بن قولى بن جنكزخان المغلى سلطان مملكة التفجاق الذي أسلم وراسل الملك الظاهر وكسر ابن عمه هلاكو توفي وهو في عشر الستين وتملك بعده ابن أخيه منكوتمر وفيها الأمير مقدم الجيوش ناصر

(5/317)


318
الدين حسين بن عزيز الذي أنشأ المدرسة بدمشق شرقي جامع بني أمية والآن تعرف تلك المحلة بالقيمرية تسمية لها باسم المدرسة كان بطلا شجاعا رئيسا عادلا جوادا وهو الذي ملك دمشق للناصر توفي مرابطا بالساحل في ربيع الأول وفيها أبو شامة العلامة المجتهد شهاب الدين أبو القسم عبد الرحمن بن إسمعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الشافعي المقرىء النحوي المؤرخ صاحب التصانيف ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة في أحد ربيعيها بدمشق وسمى بأبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر وختم القرآن وله دون عشر سنين وأتقن فن القراءة على السخاوي وله ست عشرة سنة وسمع الكثير حتى عد في الحفاظ وسمع من الموفق وطائفة وأخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال الذهبي كتب الكثير من العلوم وأتقن الفقه ودرس وأفتى وبرع في فن العربية وذكر أنه حصل له الشيب وهو ابن خمس وعشرين سنة وولي مشيخة القراءة بالتربة الأشرفية ومشيخة الحديث بالدار الأشرفية وكان مع كثيرة فضائله متواضعا مطرحا للتكلف وربما ركب الحمار بين المداوير وقرأ عليه القراءة جماعة ومن تصانيفه شرح الشاطبية ومختصرا تاريخ دمشق أحدهما في خمسة عشر مجلدا والآخر في خمس مجلدات وشرح نونية السخاوي في مجلد وله كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية وكتاب الذيل عليهما وكتاب ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري وكتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث وكتاب السواك وكتاب كشف حال بني عبيد ومفردات القراء ومقدمة في النحو وشرح مفصل الزمخشري وشرح البيهقي وله غير ذلك وأكثر تصانيفه لم يفرغها ومن نظمه قوله ( أيا لائمي مالي سوى البيت موضع * أرى فيه عزا أنه لي أنفع ) ( فراشي ونطعي فروتي ثم جبتي * لحافي وأكلي ما يسد ويشبع )

(5/318)


319 (
ومركوبي الآن الأتان ونجلها * لا خلاق أهل العلم والدين أتبع ) ( وقد يسر الله الكريم بفضله * غنى النفس مع عيش به أتقنع ) ( وما دمت أرضى باليسير فإنني * غني أرى هولا لغيري أخضع ) ووقف كتبه بخزانة العادلية وشرط أن لا تخرج فاحترقت جملة وقال ابن ناصر الدين كان شيخ الأقراء وحافظ العلماء حافظا ثقة علامة مجتهدا وقال الأسنوي وجرت له محنة في سابع جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة وهو أنه كان في داره بطواحين الأشنان فدخل عليه رجلان جليلان في صورة مستفتيين ثم ضرباه ضربا مبرحا إلى أن عيل صبره ولم يغثه أحد ثم توفي رحمه الله في تاسع عشر رمضان من ذلك العام وأنشد في ذلك لنفسه ( قلت لمن قال أما تشتكي * ما قد جرى فهو عظيم جليل ) ( يقيض الله تعالى لنا * من يأخذ الحق ويشفي الغليل ) ( إذا توكلنا عليه كفى * فحسبنا الله ونعم الوكيل ) ومن شعره ( قال النبي المصطفى أن سبعة * يظلهم الله العظيم بظله ) ( محب عفيف ناشيء متصدق * وباك مصل والإمام بعدله ) انتهى وفيها ابن بنت الأعز قاضي القضاة تاج الدين أبو محمد عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي المصري الشافعي قاضي القضاة صدر الديار المصرية ورئيسها كان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وعقل ونزاهة وتثبت في الأحكام روى عن جعفر الهمداني وولي القضاء بتعيين الشيخ عز الدين بن عبد السلام وولي الوزارة ونظر الدواوين وتدريس الشافعي والصالحية ومشيخة الشيوخ والخطابة ولم تجتمع هذه المناصب لأحد قبله قرأ على الشيخ زكي الدين المنذري سنن أبي داود وحدث عن غيره أيضا قال القطب اليونيني كان إماما فاضلا متبحرا وتقدم في الدولة وكانت له الحرمة

(5/319)


320
الوافرة عند الملك الظاهر وكان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وجد وسعد وحزم وعزم مع النزاهة المفرطة وحسن الطريقة والصلابة في الدين والتثبت في الأحكام وتولية الأكفاء لا يراعى أحدا ولا يدانه ولا يقبل شهادة مريب وقال السبكي وعن ابن دقيق العيد أنه قال لو تفرغ ابن بنت الأعز للعلم لفاق ابن عبد السلام وكان يقال أنه آخر قضاة العدل وفي أيامه قبل موته بيسير جعلت القضاة أربعة بمصر في سنة ثلاث وستين وفي الشام في سنة أربع وستين توفي رحمه الله تعالى في السابع والعشرين من رجب ودفن بسفح المقطم وفيها ابن القسطلاني الشيخ تاج الدين علي بن الزاهد أبي العباس أحمد بن علي القيسي المصري المالكي المفتي العدل سمع بمكة من زاهر بن رستم ويونس الهاشمي وطائفة ودرس بمصر ثم ولي مشيخة الكاملية إلى أن توفي في سابع شوال وله سبع وسبعون سنة وفيها أبو الحسن الدهان علي بن موسى السعدي المصري المقرىء الزاهد ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقرأ القراءات على جعفر الهمداني وغيره تصدر بالفاضلية للأقراء وكان ذا علم وعمل توفي في رجب وفيها صاحب المغرب المرتضى أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم القيسي المؤمني ولي الملك بعد ابن عمه المعتضد علي وامتدت أيامه فلما كان في المحرم من هذا العام دخل ابن عمه أبو دبوس الملقب بالواثق بالله إدريس بن أبي عبد الله بن يوسف مراكش فهرب المرتضى فظفر به عامل الواثق وقتله بأمر الواثق في ربيع الآخر وأقام الواثق ثلاثة أعوام ثم قامت دولة بني مرين وزالت دولة آل عبد المؤمن وفيها القاضي صدر الدين موهوب بن عمر الجزري ثم المصري الشافعي ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة وأخذ عن السخاوي وابن عبد السلام وغيرهما وكان إماما عالما عابدا قال الذهبي تفقه وبرع في المذهب والأصول والنحو

(5/320)


321
ودرس وأفتى وتخرج به جماعة وكان من فضلاء زمانه وولي القضاء بمصر وأعمالها دون القاهرة مدة وقال غيره تخرجت به الطلبة وجمعت عنه الفتاوى المشهورة به وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام ولي نيابة الحكم عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فلما عزل نفسه استقل بها وكانت له أموال كثيرة اكتسبها من المتجر حكى هو قال جاءني شخص من خواص الملك المعظم صاحب الجزيرة وقال الليلة السلطان يريد القبض عليك وكان عندي سبعون ألف درهم فأخذتها وتركتها في قماقم الماء الورد وخرجت من البلد بعد صلاة العصر وقصدت المقابر فوجدت قبرا مفتوحا فدخلت فيه وأقمت فيه ثلاثة أيام فبينا أنا جالس وإذا جنازة أحضرت إلى ذلك القبر الذي أنا فيه ففتحوا الطاقة وأنزلوا الميت وسدوا الطاقة فلما انصرفوا جلس الميت فنظرت إليه والماء يقطر من ذقنه وبقي ساعة يتكلم بكلام لا أعرفه ثم استلقى على قفاه فحصل عند غاية الخوف ثم خربت الطاقة وخرجت وجلا مما شاهدت فوجدت أكرادا قاصدين حلب فصحبتهم وأقمت بها مدة ثم قصدت الديار المصرية وفي ليلة تغيبت كبسوا داري فلم يجدوني ونادوا على من يحضرني ولقد رأيت الجند غائرين يفتشون علي توفي رحمه الله تعالى بمصر فجأة وخلف من العين ثلاثين ألف دينار وفيها ابن خطيب بيت الآبار ضياء الدين أبو الطاهر يوسف بن عمر بن يوسف بن يحيى الزبيدي سمع من الخشوعي وغيره وناب في خطابة دمشق من العادل وتوفي يوم الجمعة يوم الأضحى وفيها يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي سمع شمس الدين والد المعمر صدر الدين وروى عنه زكي الدين البرزالي مع تقدمه وتوفي في ربيع الأولى عن إحدى وثمانين سنة سنة ست وستين وستمائة في جمادى الأولى افتتح الظاهر بيبرس يافا بالسيف وقلعتها بالأمان ثم

(5/321)


322
هدمها ثم حاصر الشقيف عشرة أيام وأخذها بالأمان ثم أغار على عمال طرابلس وقطع أشجارها وغور أنهارها ثم نزل تحت حصن الأكراد فخضعوا له فترحل إلى حماة ثم إلى فامية ثم ساق وطلب أنطاكية فأخذها في أربعة أيام وحصر من قتل بها فكانوا أكثر من أربعين ألفا وفيها توفي المجد بن الحلوانية المحدث الجليل أبو العباس أحمد بن المسلم بن حماد الأزدي الدمشقي التاجر ولد سنة أربع وستمائة وسمع من أبي القسم ابن الحرستاني فمن بعده وكتب العالي والنازل ورحل إلى بغداد ومصر والأسكندرية وخرج المعجم وتوفي في حادي عشر ربيع الأول وفيها الشيخ العز خطب الجبل أبو إسحق إبراهيم بن الخطيب شرف الدين عبد الله بن أبي عمر الزاهد المقدسي الحنبلي ولد سنة ست وستمائة وسمع من العماد والشيخ موفق الدين وأبي النمر الكندي وأبي القسم بن الحرستاني وخلق وأجاز له القسم الصفار وجماعة وكان إماما في العلم والعمل بصيرا بالمذهب صالحا عابدا زاهدا مخلصا صاحب أحوال وكرامات وأمر بالمعروف قوالا بالحق وقد جمع المحدث أبو الفداء بن الخباز سيرته في مجلد وحدث وسمع منه جماعة منهم أبو العباس الحيري وهو آخر أصحابه توفي في تاسع عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وهو والد الإمامين عز الدين الفرائضي وعز الدين محمد خطيب الجامع المظفري رحمهم الله تعالى وفيها بولص الراهب الكاتب المعروف بالحبيس أقام بمغارة بجبل حلوان بقرب القاهرة فقيل أنه وقع بكنز الحاكم صاحب مصر فواسى منه الفقراء والمستورين من كل ملة واشتهر أمره وشاع ذكره وقام عن المصادرين بجمل عظيمة مبلغها ستمائة ألف دينار وذلك خارجا عما كان يصرفه للفقراء طلبه السلطان فأحضره وتلطف به وطلب منه المال فجعل يغالطه ويراوغه فلما أعياه ضيق عليه وعذبه إلى أن مات ولم يقر بشيء فأخرج من القلعة ميتا ورمى على باب القرافة وكان==


ج6. الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد
موافق للمطبوع

323
لا يأكل من هذا المال شيئا ولا يلبس ولا ظهر منه شيء في تركته قال الذهبي وقد أفتى غير واحد بقتله خوفا على ضعفاء الإيمان من المسلمين أن يضلهم ويغويهم وفيها عز الدين عبد العزيز بن منصور بن محمد بن وداعة الحلبي كان خطيبا بجبلة من أعمال الساحل ثم اتصل بصلاح الدين فصار من خواصه فلما ملك دمشق ولاه شد الدواوين وكان يظهر النسك وله حرمة وافرة فلما تولى الظاهر ولاه الوزارة وتولى جمال الدين أقش النجيبي نيابة الشام فحصل بينهما وحشة وكان النجيبي يكرهه لتشيعه وكان النجيبي مغاليا في السنة وعند عز الدين تشيع فكتب عز الدين إلى الظاهر أن الأموال تنكسر وتحتاج الشام إلى مشد تركي شديد المهابة تكون أمور الولايات وأموالها راجعة إليه لا يعارض وقصد بذلك رفع يد النائب فجهر الظاهر علاء الدين كشتغدي الشقيري فلم يلبيث أن وقع بينهما لأن الشقيري كان يهينه غاية الهوان فإذا اشتكى إلى النائب لا يشتكيه ويقول أنت طلبت مشدا تركيا فكتب الشقيري إلى الظاهر في حقه فورد الجواب بمصادرته فأخذ خطه بجمله يقصر عنها ماله وضربه وعصره وعلقه فكان كالباحث عن حتفه بظلفه وكانت له دار حسنة باعها في المصادرة ثم طلب إلى مصر فتوفي بها عقب وصوله ودفن بالقرافة الصغرى قريبا من قبلة الشافعي ولم يخلف ولدا ولا رزقه الله في عمره ولدا فإنه لم يتزوج إلا امرأة واحدة في صباه ثم فارقها بعد أيام قلائل وبنى بجبل قاسيون تربة ومسددا وعمارة حسنة وله وقف على وجوه البر وفيها صاحب الروم السلطان زكي الدين قيقباد بن السلطان غياث الدين كيخسرو بن السلطان كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق السلجوقي كان هو

(5/323)


324
وأبوه مقهورين مع التتار له الاسم ولهم التصرف فقتلوه في هذه السنة وله ثمان وعشرون سنة لأن بعضهم نم عليه بأنه يكاتب الظاهر فقتلوه خنقا وأظهروا أن فرسه رماه ثم أجلسوا في الملك ولده كيخسرو وله عشر سنين سنة سبع وستين وستمائة فيها هبت ريح شديدة بالديار المصرية غرقت مائتي مركب وهلك منها خلق كثير وفيها أمر السلطان بإراقة الخمور وتبطيل المفسدات والخواطىء بالديار المصرية وكتب بذلك إلى جميع بلاده وأمسك كاتبا يقال له ابن الكازروني وهو سكران فصلبه وفي عنقه جرة الخمر فقال الحكيم ابن دانيال ( وقد كان حد السكر من قبل صلبه * خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا ) ( فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي * ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا ) وفيها أخليت حران ووصل منها خطيبها ابن تيمية وغيره وفيها توفي زين الدين أبو الطاهر إسمعيل بن عبد القوي بن عزون الأنصاري المصري الشافعي سمع الكثير من البوصيري وابن ياسين وطائفة وكان صالحا خيرا توفي في المحرم وفيها الروذراوري بضم الراء المهملة وسكون الواو والمعجمة وفتح الراء والواو الثانية ثم راء نسبة إلى روذراور بلد بهمذان مجد الدين عبد المجيد بن أبي الفرج اللغوي نزيل دمشق كانت له حلقة اشتغال بالحائط الشمالي وكان فصيحا مفوها حفظة لأشعار العرب توفي في صفر وفيها علي بن وهب بن مطيع العلامة مجد الدين بن دقيق العيد القشيري المالكي شيخ أهل الصعيد ونزيل قوص كان جامعا لفنون العلم موصوفا

(5/324)


325
بالصلاح والتأله معظما في النفوس روى عن أبي المفضل وغيره وتوفي في المحرم عن ست وثمانين سنة وفيها الأبيوردي بفتح الهمزة والواو وسكون التحتية وكسر الباء الموحدة وسكون الراء نسبة إلى أبي ورد بليدة بخراسان الحافظ زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر الصوفي الشافعي سمع وهو ابن أربعين سنة من كريمة وابن قميرة فمن بعدهما حتى كتب عن أصحاب محمد بن عماد وشرع في المعجم وحرص وبالغ فما أفاق من الطلب إلا والمنية قد فجأته وكان ذا دين وورع مكثرا لكنه قلما روى توفي بالقاهرة بخانقاة سعيد السعداء في جمادى الأولى وله شعر وفيها التاج مظفر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي أبو منصور الدمشقي الحنبلي مدرس مدرسة جدهم شرف الإسلام وهي المسمارية ولد بدمشق في سابع عشرى ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع بها من الخشوعي وابن طبرزد وحنبل وغيرهم وأفتى وناظر وتفقه وحدث بمصر والشام وروى عنه جماعة منهم الحافظ الدمياطي وتوفي في ثالث صفر فجأة بدمشق ودفن بسفح قاسيون سنة ثمان وستين وستمائة فيها تسلم الملك الظاهر حصون الإسمعيلية وقرر على زعيمهم نجم الدين حسن بن الشعراني أن يحمل كل سنة مائة ألف وعشرين ألفا وولاه على الإسمعيلية قاله في العبر وفيها توفي زين الدين أبو العباس أحمد بن عبد الدايم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم مسند الاشم وفقيهها ومحدثها الحنبلي المذهب الناسخ ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وأجاز له خطب الموصل وابن الفراوي وابن شاتيل وخلق وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة وابن الموازيني وعبد الرحمن الخرقي وغيرهم وانفرد في الدنيا

(5/325)


326
بالرواية عنهم ودخل بغداد فسمع بها من ابن كليب وابن المعطوس وأبي الفرج بن الجوزي وأبي الفتح بن المنى وابن سكينة وغيرهم وسمع بحران من خطيبها الشيخ فخر الدين بن تيمية وعنى بالحديث وتفقه بالشيخ موفق الدين وخرج لنفسه مشيخة وجمع تاريخا لنفسه وكان فاضلا متنبها وولي الخطابة بكفر بطنا بضع عشرة سنة وكان يكتب بسرعة خطا حسنا فكتب ما لا يوصف كثرة يكتب في اليوم الكراسين والثلاثة إلى التسعة وكتب تاريخ دمشق لابن عساكر مرتين والمغنى للموفق مرات وذكر أنه كتب بيده ألفي مجلدة وكان حسن الخلق والخلق متواضعا دينا حدث بالكثير بضعا وخمسين سنة وانتهى إليه علو الإسناد وكانت الرحلة إليه من أقطار البلاد وخرج له ابن الظاهري مشيخة وابن الخباز أخرى وسمع منه الحفاظ المتقدمون كالحافظ ضياء الدين والزكي الرزالي وعمر بن الحاجب وغيرهم وروى عنه الأئمة الكبار والحفاظ المتقدمون والمتأخرون منهم الشيخ محي الدين النووي والشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن دقيق العيد وابن تيمية وخلق آخرهم ابن الخباز وتوفي يوم الإثنين سابع رجب ودفن بسفح قاسيون وفيها ضياء الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الإمام الحافظ المتقن المحقق الضابط الزاهد الورع شيخ النووي ذكره فيما ألحقه في طبقات ابن الصلاح فقال ولم ترعيني في وقته مثله وكان رضي الله عنه بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه لا سيما الصحيحان ذا عناية باللغة والنحو والفقه ومعارف الصوفية حسن المذاكرة فيها وكان عندي من كبار السالكين في طرائق الحقائق حسن التعليم صحبة نحو عشر سنين فلم أر منه شيئا يكره وكان من السماحة بمحل عال على قدر وجده وأما الشفقة على المسلمين ونصيحتهم فقل نظيره فيهما توفي بمصر في أوائل سنة ثمان وستين وستمائة انتهى كلام النووي

(5/326)


327
وفيها أبو دبوس صاحب المغرب الواثق بالله أبو العلاء إدريس بن عبد الله المؤمني آخر ملوك بني عبد المؤمن جمع الجيوش وتوثب على مراكش وقتل ابن عمه صاحبها أبا حفص وكان بطلا شجاعا مقداما مهيبا خرج عليه زعيم آل مرين يعقوب بن عبد الحق المرني وتمت بينهما حروب إلى أن قتل أبو دبوس بظاهر مراكش في المصاف واستولى يعقوب على المغرب وفيها أحمد بن القسم بن خليفة الحكيم عرف بابن أبي أصيبعة كان عالما بالأدب والطب والتاريخ له مصنفات عدة منها عيون الأنباء في طبقات الأطباء وفيها شيخ الأطباء وكبيرهم علي بن يوسف بن حيدرة اشتغل بالأدب وفاق أهل زمانه وكان يقول لأصحابه بعد قليل يموت عند قران الكوكبين ثم يقول قولوا للناس حتى يعلموا مقدار علمي في حياتي بوقت موتي وفيها العلامة المجيد نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني الشافعي أحد الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام قال اليافعي سلك في حاويه مسلكا لم يلحقه أحد ولا قاربه قال ابن شهبة هو صاحب الحاوي الصغير واللباس والعجاب قال السبكي كان أحد الأئمة الأعلام له اليد الطولى في الفقه والحساب وحسن الاختصار وقيل أنه كان إذا كتب في الليل يضيء له نور يكتب عليه توفي في المحرم سنة خمس وستين وستمائة انتهى وجزم اليافعي وابن الأهدل بوفاته في هذه السنة وفيها الكرماني الواعظ المعمر بدر الدين عمر بن محمد بن أبي سعد التاجر ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة وسمع في الكهولة من القسم الصفار وروى الكثير بدمشق وبها توفي في شعبان وفيها محي الدين قاضي القضاة أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة محي الدين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي بن قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي القرشي الدمشقي الشافعي ولد سنة ست وتسعين وخسممائة وروى عن حنبل وابن طبرزد

(5/327)


328
وتفقه على الفخر بن عساكر وولي قضاء دمشق مرتين فلم تطل أيامه وكان صدرا معظما معرفا في القضاء له في العربي عقيدة تتجاوز الوصف وكان شيعيا يفضل عليا على عثمان مع كونه ادعى نسبا إلى عثمان وهو القائل ( أدين بما دان الوصي ولا أرى * سواه وإن كانت أمية محتدى ) ( ولو شهدت صفين خيلي لأعذرت * وساء بني حرب هنالك مشهدي ) وسار إلى خدمة هلاكو فأكرمه وولاه قضاء الشام وخلع عليه خلعة سوداء مذهبة فلما تملك الملك الظاهر أبعده إلى مصر وألزمه بالمقام بها وتوفي بمصر في سابع عشر رجب قاله في العبر سنة تسع وستين وستمائة في شعبانها افتتح السلطان حصن الأكراد بالسيف ثم نازل حصن عكا وأخذه بالأمان فتذلل له صاحب طرابلس وبذله ما أراد وهادنه عشر سنين وفي شوالها جاء سيل بدمشق في بحبوحة الصيف وذلك بالنهار والشمس طالعة فغلقت أبواب البلد وطغا الماء وارتفع وأخذ البيوت والأموال وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرع حتى طلع الماء فوق أسطحة عديدة وضج الخلق وابتهلوا إلى الله تعالى وكان وقتا مشهودا أشرف الناس فيه على التلف ولو ارتفع ذراعا آخر لغرق نصف دمشق وفيها توفي ابن البارزي قاضي حماة شمس الدين إبراهيم بن المسلم بن هبة الله الحموي الشافعي تفقه بدمشق بالفخر بن عساكر وأعادله ودرس بالرواحية وولي تدريس معرة النعمان ثم تحول إلى حماة ودرس بها وأفتى وولي قضاءها فحمدت سيرته وكان ذا علم ودين وتوفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة وفيها الشيخ حسن بن أبي عبد الله بن صدقة الأزدي الصقلي المقرىء الرجل الصالح قرأ القراءات على السخاوي وسمع الكثير

(5/328)


329
وأجاز له المؤيد الطوسي وتوفي في ربيع الآخر وكان صالحا ورعا مخلصا متقللا من الدنيا منقطع القرين عاش تسعا وسبعين سنة وفيها ابن قرقول صاحب كتاب مطالع الأنوار إبراهيم بن يوسف الحموي كان من الفضلاء الصلحاء صحب علماء الأندلس وكتابه ضاهى به مشارق الأنوار للقاضي عياض صلى الجمعة في الجامع ثم حضرته الوفاة فتلا سورة الإخلاص وكررها بسرعة ثم تشهد ثلاث مرات وسقط على وجهه ميتا ساجدا رحمه الله تعالى وفيها ابن سبعين الشيخ قطب الدين أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الأشبيلي المرسي الرقوطي الأصل الصوفي المشهور قال الذهبي كان من زهاد الفلاسفة ومن القائلين بوحدة الوجود له تصانيف واتباع يقدمهم يوم القيامة انتهى وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته درس العربية والآداب بالأندلس ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف على قاعدة زهد الفلاسفة وتصرفهم وعكف على مطالعة كتبه وجد واجتهد وجال في بلاد المغرب ثم رحل إلى المشرق وحج حججا كثيرة وشاع ذكره وعظم صيته وكثرت أتباعه على رأي أهل الوحدة المطلقة وأملى عليهم كلاما في العرقان على رأي الاتحادية وصنف في ذلك أوضاعا كثيرة وتلقوها عنه وبثوها في البلاد شرقا وغربا وقد ترجمه ابن حبيب فقال صوفي متفلسف متزهد متعبد مثقشف يتكلم على طريق أصحابه ويدخل البيت لكن من غير أبوابه شاع أمره واشتهر ذكره وله تصانيف واتباع وأقوال تميل إليها بعض القلوب وينكرها بعض الأسماع وقال لأبي الحسن الششتري عند ما لقيه وقد سأله عن وجهته وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد إن كنت تريد الجنة فشأنك ومن قصدت وإن كنت تريد رب الجنة فهلم إلينا وأما ما نسب إليه من آثار السيمايا والتصويف فكثير جدا ومن نظمه

(5/329)


330 (
كم ذا تموه بالشعبين فالعلم * والأمر أوضح من نار على علم ) ( أصبحت تسأل عن نجد وساكنها * وعن تهامة هذا فعل متهم ) وقال البسطامي كان له سلوك عجيب على طريق أهل الوحدة وله في علم الحروف والأسماء اليد الطولى وألف تصانيف منها كتاب الحروف الوضعية في الصور الفلكية وشرح كتاب إدريس عليه السلام الذي وضعه في علم الحرف وهو نفيس ومن وصاياه لتلامذته وأتباعه عليكم بالاستقامة على الطريق وقدموا فرض الشريعة على الحقيقة ولا تفرقوا بينهما فإنهما من الأسماء المترادفة واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا وقولوا عليها وعلى أهلها اللعنة انتهى وأغراض الناس متباينة بعيدة عن الاعتدال فمنهم المرهق المكفر ومنهم المقلد ومما شنع عليه به أنه ذكر في كتاب البدان صاحب الإرشاد إمام الحرمين إذا ذكر أبو جهل وهامان فهو ثالث الرجلين وأنه قال في شأن الغزالي إدراكه في العوم أضعف من خيط العنكبوت فإن صحت نسبة ذلك إليه فهو من أعداء الشريعة المطهرة بلا ريب وقد حكى عن قاضي القضاة ابن دقيق العيد أنه قال جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته والله أعلم بسريرة حاله وقد أخذ عن جماعة منهم الحراني والبوني مات بمكة انتهى كلام المناوي بحروفه وفيها أبو الحسن بن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي النحوي الحضرمي الأشبيلي حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس قال ابن الزبير أخذ عن الدباج والشلوبين ولازمه مدة ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة وتصدر للاشتغال مدة بعدة بلاد وجال بالأندلس وأقبل عليه الطلبة وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو ولا تأهل لغير ذلك قال الصفدي ولم يكن عنده ورع وجلس في مجلس شراب فلم يزل يرجم بالنارنج إلى أن مات في رابع عشرى ذي القعدة ومولده سنة سبع وسبعين

(5/330)


331
وخمسمائة وصنف الممتع في التصريف كان أبو حيان لا يفارقه المقرب شرحه لم يتم شرح الجزولية مختصر المحتبس ثلاث شروح على الجمل شرح الأشعار الستة وغير ذلك ومن شعره ( لما تدنست بالتفريط في كبرى * وصرت مغرى بشرب الراح واللعس ) ( أيقنت أن خضاب الشيب استرلى * أن البياض قليل الحمل للدنس ) ورثاه القاضي ناصر الدين بن المنير قال ذلك السيوطي في كتابه بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة وفيها المجد بن عساكر محمد بن إسمعيل بن عثمان بن مظفر بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي المعدل سمع من الخشوعي والقسم وجماعة وتوفي في ذي القعدة سنة سبعين وستمائة في رمضان حولت التتار من تبقى من أهل خراسان إلى المشرق وخربت ودثرت بالكلية وفيها توفي معين الدين أحمد بن قاضي الديار المصرية علي بن العلامة أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم المصري ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع من البوصيري وابن يس وطائفة وتوفي في رجب وفيها الملك الأمجد حسن بن الملك الناصر داود بن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أيوب كان من الفضلاء عنده مشاركة جيدة في كثير من العلوم وله معرفة تامة بالأدب وتزهد وصحب المشايخ وكان لا يدخر عنهم شيئا وكان كثير المروءة والاحتمال مات بدمشق ودفن بتربة جده الملك المعظم بسفح قاسيون وفيها الكمال سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الأربلي الشافعي الإمام العلامة مفتي الشام ومفيده أبو الفضائل صاحب ابن الصلاح شيخ الأصحاب ومفيد الطلاب تفقه على ابن الصلاح حتى برع في المذهب وتقدم وساد واحتاج الناس إليه وكان معيدا

(5/331)


332
بالبادرائية عينه لها واقفها فباشرها إلى أن توفي يفيد ويعيد ويصنف ويعلق ويؤلف ويجمع وينشر المذهب ولم يزدد منصبا آخر وقد اختصر البحر للروياني في مجلدات عدة وانتفع به جماعة من الأصحاب منهم الشيخ محي الدين النووي وأثنى عليه ثناء حسنا قال وتفقه على جماعة منهم أبو بكر الماهياني والماهياني علي ابن البرزي وقال الشريف عز الدين وكان عليه مدار الفتوى بالشام في وقته ولم يترك في بلاد الشام مثله توفي في جمادى الآخرة في عشر التسعين أو نيف عليها ودفن بباب الصغير وفيها الجمال البغدادي عبد الرحمن بن سلمان بن سعد بن سلمان البغدادي الأصل الحراني المولد الفقيه الحنبلي أبو محمد نزيل دمشق ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة ف أحد ربيعيها وسمع من عبد القادر الحافظ وحنبل وحماد الحراني وغيرهم وتفقه بالشيخ الموفق وبرع وأفتى وانتفع به جماعة وحدث وروى عنه طائفة منهم ابن الخباز وكان إماما بحلقة الحنابلة بالجامع توفي في رابع شعبان ودفن بسفح قاسيون وفيها ابن يونس تاج الدين العلامة عبد الرحيم بن الفقيه رضي الدين محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي مصنف التعجيز كان من بيت الفقه والعلم بالموصل ولد بها سنة ثمان وتسعين وخمسمائة واشتغل بها وأفاد وصنف ثم دخل بغداد بعد استيلاء التتار عليها في رمضان هذه السنة وولي قضاء الجانب الغربي بها وتدريس البشيرية قال الأسنوي كان فقيها أصوليا فاضلا توفي في شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة ودفن عند قبة الديلم بالمشهد الفاطمي وجزم ابن خلكان وصاحب العبر بوفاته في هذه السنة وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد المقدسي الصحراوي روى عن الخشوعي ومحمد بن الحصيب وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة وفيها القاضي الرئيس عماد الدين محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب الثعلبي الدمشقي والد قاضي القضاة نجم الدين

(5/332)


333
ولد بعد الستمائة وسمع من الكندي وجماعة وكان كامل السؤدد متين الديانة وافر الحرمة توفي في العشرين من ذي القعدة عن تسعين سنة قاله في العبر وفيها الوجيه بن سويد التكريتي محمد بن علي بن أبي طالب التاجر كان واسع الأموال والمتاجر عظيم الحرمة مبسوط اليد في الدولة الناصرية والظاهرية توفي في ذي القعدة عن نيف وستين سنة ولم يرو شيئا وفيها الحافظ محمد بن الحافظ العلم علي الصابوني بن محمود بن أحمد بن علي المحمودي أبو حامد المنعوت بالجمال كان إماما حافظا مفيدا اختلط قبل موته بسنة أو أكثر قال ابن ناصر الدين في بديعته ( محمد بن العلم الصابوني * خبرته فائقة الفنون ) وفيها أبو بكر البشتي نسبة إلى بشت قرية بنيسابور محمد بن المحدث علي بن المظفر بن القسم الدمشقي المولد المؤذن ولد في المحرم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وطائفة كثيرة توقف بعض المحدثين في السماع منه لأنه كان جنائزيا سنة إحدى وسبعين وستمائة فيها وصلت التتار إلى حافة الفرات ونازلوا البيرة وكان السلطان بدمشق فأسرع السير وأمر الأمراء بخوض الفرات فخاض سيف الدين قلاوون وبيسرى والسلطان أولا ثم تبعهم العسكر ووقعوا على التتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا مائتين ولله الحمد وأنشد في ذلك الموفق الطبيب ( الملك الظاهر سلطاننا * نفديه بالأموال والأهل ) ( اقتحم الماء ليطفى به * حرارة القلب من المغل ) وفيها توفي أبو البركات أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري المالكي

(5/333)


334
الأسكندراني ابن النحاس سمع من عبد الرحمن بن موقا وغيره وتوفي في جمادى الأولى وفيها أحمد بن هبة الله بن أحمد السلمي الكهفي روى عن ابن طبرزد وغيره وتوفي في رجب وفيها أبو الفتح عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي القيسي المصري المقرىء الشافعي خطيب جامع المقياس ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات بالسبعة على أبي الجود وسمع من قاسم بن إبراهيم المقدسي وجماعة وأجاز له أبو طالب أحمد بن المسلم اللخمي وأبو طالب بن عوف وجماعة وتفرد بالرواية عنهم وكان صالحا كثير التلاوة وتوفي في شعبان وفيها أبو الفرج فخر الدين عبد القاهر بن أبي محمد بن أبي القسم بن تيمية الحراني الحنبلي ولد بحران سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من جده وابن اللتي وحدث بدمشق وخطب بجامع حران وتوفي في حادي عشر شوال بدمشق ودفن من الغد بمقابر الصوفية وفيها ابن هامل المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن عمار بن هامل بن موهوب الحراني الحنبلي المحدث الرحال نزيل دمشق ولد بحران سنة ثلاث وستمائة وسمع ببغداد من القطيعي وغيره وبدمشق من القاضي أبي نصر الشيرازي وغيره وبالأسكندرية من الصفراوي وغيره وبالقاهرة من ابن الصابوني وغيره وكتب بخطه وطلب بنفسه وكان أحد المعروفين بالفضل والإفادة قال الذهبي عنى بالحديث عناية كلية وكتب الكثير وتعب وحصل وأسمع الحديث وفيه دين وحسن عشرة أقام بدمشق ووقف كتبه وأجزاءه بالضيائية وقال الدمياطي في حقه الإمام الحافظ وسمع منه جماعة من الأكابر منهم الحافظ الدمياطي وابن الخباز وتوفي ليلة الأربعاء ثامن شهر رمضان بالمارستان الصغير بدمشق ودفن من الغد بسفح قاسيون والمارستان الصغير بدمشق أقدم من المارستان النوري كان مكانه في قبلة

(5/334)


335
مطهرة الجامع الأموي وأول من عمره بيتا وخرب رسوم المارستان منه أبو الفضل الأخنائي ثم ملكه بعده أخوه البرهان الأخنائي وهو تحت المأذنة الغربية بالجامع الأموي من جهة المغرب وينسب إلى أنه عمارة معاوية أو ابنه وفيها العدل شرف الدين علي بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الأسكاف كان من كبار أهل دمشق وكان قد عاهد الله تعالى أنه مهما كسب يتصدق بثلثه بنى رباطا بجبل قاسيون وأوقف عليه وقف كبيرا وشرط أن يقيم فيه عشرة شيوخ عمركل شيخ منهم فوق الخمسين ولكل واحد في الشهر عشرة دراهم مات بدمشق ودفن برباطه وفيها الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي القرطبي صاحب كتاب التذكرة بأمور الآخرة والتفسير الجامع لأحكام القرآن الحاكي مذاهب السلف كلها وما أكثر فوائده وكان إماما علما من الغواصين على معاني الحديث حسن التصنيف جيد النقل توفي بمينة بني خصيب من صعيد مصر رحمه الله تعالى وفيها صاحب صهيون سيف الدين محمد بن مظفر الدين عثمان بن منكورس ملك صهيون بعد أبيه اثنتي عشرة سنة وتوفي بها في عشر السبعين وملك بعده ولده سابق الدين ثم جاء إلى خدمة الملك الظاهر مختارا غير مكره وسلم الحصن إليه فأعطاه إمرة وأعطى أقاربه أخبازا قاله في العبر وفيها الشرف بن النابلسي الحافظ أبو المظفر يوسف بن الحسن بن بدر الدمشقي ولد بعد الستمائة وسمع من ابن البن وطبقته وفي الرحلة من ابن عبد السلام الداهري وعمر بن كرم وطبقتهما وكتب الحديث وكان فهما يقظا حسن الحفظ مليح النظم ولي مشيخة دار الحديث النورية وتوفي في حادي عشر المحرم

(5/335)


336
سنة اثنتين وسبعين وستمائة فيها توفي الكمال المحلى أحمد بن علي الضرير شيخ القراء بالقاهرة انتفع به جماعة ومات في ربيع الآخر عن إحدى وخمسين سنة وفيها المؤيد بن القلانسي رئيس دمشق أبو المعالي أسعد بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد التميمي سمع من ابن طبرزد وحدث بمصر ودمشق وتوفي في المحرم وفيها الأتابك الأمير الكبير فارس الدين أقطاي الصالحي المستعرب أمره أستاذه الملك الصالح ثم ولي نيابة السلطنة للمظفر قطز فلما قتل قام مع الملك الظاهر ثم اعتراه طرف جذام فلزم بيته إلى أن توفي في جمادى الأولى بمصر وقد شارف السبعين وفيها النجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل الحراني الحنبلي التاجر مسند الديار المصرية ولد بحران سنة سبع وثمانين وخمسمائة ورحل به أبوه فأسمعه الكثير من ابن كليب وابن المعطوس وابن الجوزي وولي مشيخة دار الحديث الكاملية وتوفي في أول صفر وله خمس وثمانون سنة وفيها الحافظ الإمام نجم الدين علي بن عبد الكافي الربعي الدمشقي أحد من عنى بالحديث مع الذكاء المفرط ولو عاش لما تقدمه أحد في الفقه والحديث بل توفي في ربيع الآخر ولم يبلغ الثلاثين وفيها كمال الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد وضاح بن أبي سعيد محمد بن وضاح نزيل بغداد الفقيه الحنبلي النحوي الزاهد الكاتب ولد في رجب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع صحيح مسلم من المروري وببغداد من ابن القطيعي وابن روزبة صحيح البخاري عن أبي الوقت ومن عمر بن

(5/336)


337
كرم جامع الترمذي ومن عبد اللطيف بن القطيعي سنن الدارقطني وسمع من الشيخ العارف علي بن إدريس اليعقوبي ولبس منه الخرقة وانتفع به ورحل وطاف وسمع الكثير من الكثير وتفقه وبرع في العربية وكان صديقا للشيخ محي الدين الصرصري قال ابن رجب كان سمح النفس صحب المشايخ والصالحين وكان عالما بالفقه والفرائض والأحاديث ورتب عقب الواقعة مدرسا بالمجاهدية وهو أحد المكثرين وخرج وصنف ومن مصنفاته كتاب الدليل الواضح اقتفاء نهج السلف الصالح وكتاب الرد على أهل الإلحاد وغير ذلك وله إجازات من جماعات كثيرة منهم من دمشق الشيخ موفق الدين بن قدامة وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة ثالث صفر ودفن بحضرة قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه عند رجليه وفيها شمس الدين أبو الحسن علي بن عثمان بن عبد القادر بن محمود بن يوسف بن الوجوهي البغدادي الصوفي المقرىء الفقيه الحنبلي الزاهد أحد أعيان أهل بغداد في زمنه ولد في الحجة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي صاحب ابن سعدون القرطبي وسمع الحديث من ابن روزبة وغيره وكان دينا خيرا صالحا خازنا بدار الوزير وكان شيخ رباط ابن الأمير وله كتاب بلغة المستفيد في القراءات العشر وروى عنه جماعات وتوفي في ثالث جمادى ببغداد ودفن بباب حرب ورؤى بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال نزلا علي وأجلساني وسألاني فقلت لمثل ابن الوجوهي يقال ذلك فأضجعاني ومضيا وفيها كمال الدين التفليسي سنة اثنتين وستمائة تقريبا وتفقه وبرع في المذهب والأصلين وغير ذلك ودرس وأفتى وأشغل وجالس أبا عمرو

(5/337)


338
ابن الصلاح وممن أخذ عنه الأصول الشيخ محي الدين النووي وولي القضاء بدمشق نيابة وكان محمود السيرة ولما تملك التتار جاءه التقليد من هلاكو بقضاء الشام والجزيرة والموصل فباشره مدة يسيرة وأحسن إلى الناس بكل ممكن وذب عن الرعية وكان نافذ الكلمة عزيز المنزلة عند التتار لا يخالفونه في شيء قال القطب اليونيني فبالغ في الإحسان وسعى في حقن الدماء ولم يتدنس في تلك المدة بشيء من الدنيا مع فقره وكثرة عياله ولا استصفى لنفسه مدرسة ولا استأثر بشيء وكان مدس العادلية وسار محي الدين ابن الزكي فجاء بالقضاء عن الشام من جهة هلاكو وتوجه كمال الدين إلى قضاء حلب وأعمالها ولما عادت الدولة المصرية غضبوا عليه ونسبت إليه أشياء برأه الله منها وعصمه ممن أراد ضرره وكان نهاية ما نالوا منه أنهم ألزموه بالسفر إلى الديار المصرية فسافر وأفاد أهل مصر وأقام بالقاهرة مدة يشغل الطلبة بعلوم عدة في غالب أوقاته فوجد به الناس نفعا كثيرا وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول ودفن بسفح المقطم وفيها مسند الشام ابن أبي اليسر تقي الدين أبو محمد إسمعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي الكاتب المنشيء ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وروى عن الخشوعي فمن بعده وله شعر جيد وبلاغة وفيه خير وعدالة توفي في السادس والعشرين من صفر وفيها ابن علاق أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري الرزاز المعروف بابن الحجاج سمع من البوصيري وابن يس وكان آخر من حدث عنهما توفي في أول ربيع الأول وله ست وثمانون سنة وفيها الكمال بن عبد السيد أبو نصر عبد العزيز بن عبد المنعم بن الفقيه أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي الدمشقي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وغيره وتوفي في شعبان

(5/338)


339
وفيها ابن مالك العلامة حجة العرب جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني بفتح الجيم وتشديد التحتية ونون نسبة إلى جيان بلد بالأندلس نزيل دمشق ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة وسمع من جماعة وأخذ العربية عن غير واحد وجالس بحلب ابن عمرون وغيره وتصدر لإقراء العربية ثم انتقل إلى دمشق وأقام بها يشغل ويصنف وتخرج به جماعة كثيرة وخالف المغاربة في حسن الخلق والسخاء والمذهب فإنه كان شافعي المذهب قال الذهبي صرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق وأربى على المتقدمين وكان إماما في القراءات وعللها وصنف فيها قصيدة دالية مرموزة في مقدار الشاطبية وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على وحشيها وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجاري وحبرا لا يباري وأما إشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون منه ويتعجبون من أين يأتي بها وكان ينظم الشعر سهلا عليه هذا مع ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة وروى عنه النووي وغيره ونقل عنه في شرح مسلم أشياء توفي بدمشق في شعبان ودفن بالروضة قرب الموفق ومن تصانيفه كتاب تسهيل الفوائد في النحو وكتاب الضرب في معرفة لسان العرب وكتاب الكافية الشافية وكتاب الخلاص وكتاب العمدة وشرحها وكتاب سبك المنظوم وفك المختوم وكتاب إكمال الأعلام بتثليث الكلام وغير ذلك وفيها أبو عبد الله نصير الدين محمد بن محمد بن حسن كان رأسا في علم الأوائل ذا منزلة من هلاكو قال العلامة شمس الدين بن القيم في كتابه إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ما لفظه لما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر

(5/339)


340
والإلحاد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هلاكو شفي نفسه من اتباع الرسول وأهل دينهم فعرضهم على السيف حتى شفى إخوانه من الملاحدة واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم وجعلن خاصته وأولياءه ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الرب جل جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره واتخذ للملاحدة مدارس ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر على ذلك فقال هي قرآن الخواص وذلك قرآن العوام ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر وتعلم السحر في آخر الأمر فكان ساحرا يعبد الأصنام انتهى بلفظه توفي في ذي الحجة ببغداد وقد نيف على الثمانين وفيها الشيخ سيف الدين يحيى بن الناصح عبد الرحمن بن النجم بن الحنبلي كان مولده سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وقيل سنة تسعين وهو آخر من حدث بالسماع عن الخشوعي وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وغيرهم بدمشق والموصل وبغداد وحدث بمصر ودمشق وسمع منه العلامة تاج الدين الفزاري وأخوه الخطيب شرف الدين والحافظ الدمياطي وذكره في معجمة توفي سابع عشر شوال سنة ثلاث وسبعين وستمائة في رمضان غزا السلطان الظاهر بلا دسيس المصيصة وأدنة وبانياس ورجع الجيش بشيء عظيم وغنائم لا تحصى وفيها قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطا الأوزاعي الحنفي كان المشار إليه في مذهبه مع الدين والصيانة والتعفف والتواضع اشتغل عليه جماعة وروى عن ابن طبرزد وجماعة وولي قضاء دمشق وتوفي في جمادى وقد قارب الثمانين

(5/340)


341
وفيها تقي الدين عمر بن يعقوب بن عثمان الأربلي الصوفي روى بالإجازة عن المؤيد وزينب وجماعة وسمع الكثير وتوفي يوم الأضحى وفيها وجيه الدين منصور بن سليم بن منصور بن فتوح المحدث الحافظ ابن العمادية الهمداني بسكون الميم نسبة إلى القبيلة المشهورة الأسكندراني الشافعي محتسب الثغر ولد في صفر سنة سبع وستمائة ورحل وسمع الكثير من أصحاب السلفي ورحل إلى الشام والعراق وخرج واعتنى بالحديث والرحال والتاريخ والفقه وغير ذلك وخرج تاريخا للأسكندرية وأربعين حديثا بلدة ودرس وجمع لنفسه معجما وكان دينا خيرا حميد الطريقة كثير المروءة محسنا إلى الرحالة كتب عنه الدمياطي والشريف عز الدين وتوفي في شوال ولم يخلف ببلده مثله وفيها شرف الدين نصر الله بن عبد المنعم بن حواري التنوخي الحنبلي كان أديبا فاضلا عمر في آخر عمره مسجدا بدمشق عند طواحين الأشنان تأنق في عمارته وصنف كتاب إيقاظ الوسنان في تفضيل دمشق على سائر البلدان وكانت إقامته بالعادلية الصغرى ولما ولي ابن خلكان دمشق طلب الحساب من أربابه ومن شرف الدين هذا عن وقف العادلية فعمل الحساب وكتب ورقة ( ولم أعمل لمخلوق حسابا * وها أنا قد عملت لك الحسابا ) فقال القاضي خذ أوراقك ولا تعمل لنا حسابا ولا نعمل لك ومن شعره ( ما كنت أول مستهام مدنف * كلف بممشوق القوام مهفهف ) ( تزري لواحظه بكل مهند * ماض وعطفاه بكل مثقف ) ( مستعذب الألفاظ يفعل طرفه * في قلب من يهواه فعل المشرفي ) ( أنا واله دنف بورد خدوده * وبفض نرجس مقلتيه المضعف ) ( يا جائرا أبدا بعادل قده * ما حيلتي في الحب أن لم تنصف )

(5/341)


342 (
ديوان حسنك لم يزل مستوفيا * وجدي وأشواقي بحسن تصرف ) ( لك ناظر فتان بالعشاق قد * أضحى على الهلكات أعجل مشرف ) ( ورشيق قدك عامل في مهجتي * من غير حاصل أدمعي لم يصرف ) ( وإذا طلائع عارضيه بدت فقل * قف يا عذار بخده واستوقف ) ( لا شيء أعذب من تهتك عاشق * في عشق معسول المراشف أهيف ) ( يا من يعنف في دمشق ووصفها * لو كنت تعقل كنت غير معنف ) ( هي جنة المأوى ويكفي ميزة * وفضيلة أوصافها في المصحف ) سنة أربع وسبعين وستمائة فيها نزل التتار على البيرة ونصبوا المناجيق وكانوا ثلاثين ألف فارس ونصبوا على القلعة منجنيقا وكان راميه مسلما فنصب أهل القلعة عليه منجنيقا ورموا به على منجانيق التتار فجاء عاليا عليه فقال رامي التتار لو قطع الله من يدك ذراعا كان أهل البيرة يستريحون منك لقلة معرفتك ففطن إشارته وقطع من رجل المنجنيق ذراعا ورمى به فأصاب منجنيق التتار فكسره وخرج أهل البيرة فقتلوا خلقا ونهبوا وأحرقوا المناجيق وفيها توفي سعد الدين شيخ الشيوخ الخضر بن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن شيخ ال شيوخ أبي الفتح عمر بن علي بن ابن القدوة الزاهد ابن حموية الجويني ثم الدمشقي عمل الجندية مدة ثم لزم الخانقاه وله تاريخ مفيد وشعره متوسط سمع من ابن طبرزد وجماعة وأجاز له ابن كليب والكبار وتوفي في ذي الحجة وقد نيف على الثمانين وفيها موفق الدين أبو الحسن علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان البغدادي الأزجي القطيعي الحنبلي الفرضي المعدل ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة وسمع من ابن المني وأجاز له غير واحد وتفقه وقرأ الفرائض وشهد عند قاضي القضاة ابن اللمعاني

(5/342)


343
وكان من أعيان العدول خيرا كثير التلاوة حدث وأجاز لجماعة منهم عبد المؤمن بن عبد الحق وتوفي يوم السبت ثالث شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها عثمان بن موسى بن عبد الله الطائي الأربلي الآمدي الفقيه الحنبلي إمام الحنابلة بالحرم الشريف تجاه الكعبة كان شيخا جليلا إماما عالما فاضلا زاهدا عابدا ورعا متدينا ربانيا متألها منعكفا على العبادة والخير والاشتغال بالله تعالى في جميع أوقاته أقام بمكة نحو خمسين سنة ذكره القطب اليونيني وقال كنت أود رؤيته وأتشوق إلى ذلك فاتفق أني حججت سنة ثلاث وسبعين وزرته وتمليت برؤيته وحصل لي نصيب وافر من إقباله ودعائه وقال الذهبي سمع بمكة من يعقوب الحكاك ومحمد بن أبي البركات بن حمد وروى عنه شيخنا الدمياطي وابن العطار في معجميها وكتب إلينا بمروياته انتهى وتوفي بمكة ضحى يوم الخميس ثاني عشرى المحرم رحمه الله تعالى وفيها أبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل بن عوف الزهري العوفي الأسكندراني آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقاوفاة وفيها المكين الحصني المحدث أبو الحسن مكين الدين بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري ولد سنة ستمائة وسمع الكثير وقرأ وتعب وبالغ واجتهد وما أبقى ممكنا وكان فاضلا جيد القراءة متميزا توفي في تاسع عشر رجب وفيها سعد الدين أبو الفضل محمد بن مهلهل بن بدران الأنصاري سمع الأرتاحي والحافظ عبد الغني وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن الساعي أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي السلامي خازن كتب المستنصرية كان إماما حافظا مبرزا على أقرانه ذكره ابن ناصر الدين وقال الذهبي وقد أورد الكازروني في ترجمة ابن الساعي أسماء التصانيف التي صنفها وهي كثيرة جدا لعلها وقر بعير منها مشيخته بالسماع والإجازة

(5/343)


344
في عشر مجلدات وقرأ على ابن النجار تاريخه الكبير ببغداد وقد تكلم فيه فالله أعلم وله أوهام انتهى قلت وهو شافعي المذهب قال ابن شهبة في طبقاته المؤرخ الكبير كان فقيها بارعا قارئا بالسبع محدثا مؤرخا شاعرا لطيفا كريما له مصنفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ منها تاريخ في ستة وعشرين مجلدا انتهى وفيها التاج الصرخدي محمود بن عابد التميمي الحنفي الشاعر المحسن كان قانعا زاهدا معمرا قاله في العبر وفيها ظهير الدين أبو الثناء محمود بن عبيد الله الزنجاني الشافعي المفتي أحد مشايخ الصوفية كان إمام التقوية وغالب نهاره بها صحب الشيخ شهاب الدين السهروردي وروى عنه وعن أبي المعالي صاعد وله تصانيف منها الرسالة المنقذة من الجمر في الحاق الأنبذة بالخمر وتوفي في رمضان وله سبع وسبعون سنة وفيها تقي الدين مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحداد كان من كبار علماء الشيعة عارفا بمذهبهم وله صيت عظيم بالحلة والكوفة وعنده دين وأمانة وفيها عبد الملك بن العجمي الحلبي كان فاضلا ومن شعره في مليح في عنقه شامة واسمه العز ( العز بدر ولكن إن شامته * مسروقة من دجى صدغيه والغسق ) ( وإنما حبة القلب التي احترقت * في حبه علقت للظلم في العنق ) وفيها عماد الدين عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى الدمنهوري الشافعي كان فقيها فاضلا إماما تولى إعادة المدرسة الصالحية بالقاهرة وصنف كتابه المشهور في الاعتراض على التنبيه وقد أساء التعبير في مواضع منه ولد بدمنهور الوحش من أعمال الديار المصرية في ذي القعدة سنة ست وستمائة وتوفي في شهر رمضان قاله الأسنوي في طبقاته

(5/344)


345
سنة خمس وسبعين وستمائة فيها توفي الشيخ قطب الدين أبو المعالي أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي مدرس الأمينية والعصرونية بدمشق ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وختم القرآن سنة تسع وتسعين وأجاز له ابن كليب وطائفة وسمع من ابن طبرزد والكندي وتوفي في جمادى الآخرة بحلب وفيها السيد الجليل الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن أبي بكر البدوي الشريف الحسيب النسيب قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته أصله من بني بري قبيلة من غرب الشام ثم سكن والده المغرب فولد له صاحب الترجمة بفاس سنة ست وتسعين وخمسمائة ونشأ بها وحفظ القرآن وقرأ شيئا من فقه الشافعي وحج أبوه به وبأخويه سنة ست وستمائة وأقاموا بمكة ومات أبوه سنة سبع وعشرين وستمائة ودفن بالمعلى وعرف بالبدوي للزومه اللثام لأنه كان يلبس لثامين ولا يفارقهما ولم يتزوج قط واشتهر بالعطاب لكثرة عطب من يؤذيه وكان عظيم الفتوة قال المتبولي قال لي رسول الله ما في أولياء مصر بعد محمد بن إدريس أكب رفتوة منه ثم نفيسة ثم شرف الدين الكردي ثم المنوفي انتهى وكان يمكث أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب ولا ينام وأكثر أوقاته شاخصا ببصره نحو السماء وعيناه كالجمرتين ثم سمع هاتفا يقول ثلاثا قم واطلب مطلع الشمس فإذا وصلته فاطلب مغربها وسر إلى طندتا فإن فيها مقامك أيها الفتى فسار إلى العراق فتلقاه العارفان الكيلاني والرفاعي أي بروحانيتهما فقالا يا أحمد مفاتيح العراق والهند واليمن والمشرق والمغرب بيدنا فاختر أيها شئت فقال لا آخذ المفاتيح إلا من الفتاح ثم رحل إلى مصر فتلقاه الظاهر بيبرس بعسكره وأكرمه وعظمه ودخلها سنة أربع وثلاثين وكان من القوم الذين تشقى بهم البلاد وتسعد وإذا قربوا

(5/345)


346
من مكان هرب منه الشيطان وأبعد وإذا باشروا المعالي كانوا أسعد الناس وأصعد فأقام بطندتا على سطح دار لا يفارقه ليلا ولا نهارا اثنتي عشرة سنة وإذا عرض له الحال صاح صياحا عظيما وتبعه جمع منهم عبد العال وعبد المجيد وكان عبد العال يأتيه بالرجل أو الطفل فينظر إليه نظرة واحدة فيملأه مددا ويقال لعبد العال اذهب به إلى بلد كذا أو محل كذا فلا تمكن مخالفته ولما دخل طندتا كان بها جمع من الأولياء فمنهم من خرج منها هيبة له كالشيخ حسن الأخنائي فسكن اخنا حتى مات وضريحه بها ظاهر يزار ومنهم من مكث كالشيخ سالم المغربي وسالم الشيخ البدوي فأقره على حاله حتى مات بطندتا وقبره بها مشهور ومنهم من أنكر عليه كصاحب الايدوان العظيم بطندتا وقبره بها مشهور ومنهم من أنكر عليه كصاحب الايدوان العظيم بطندتا المسمى بوجه القمر كان وليا كبيرا فندر به الحسد فسلبه ومحله الآن بطندتا مأوى الكلاب وليس فيه رائحة صلاح ولا مدد وكان الشيخ إذا لبس ثوبا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا غيره حتى تبلى فتبدل وكان لا يكشف اللثام عن وجهه فقال له عبد المجيد أرني وجهك قال كل نظرة برجل قال أرنيه ولو مت فكشفه فمات حالا وله كرامات شهيرة منها قصة المرأة التي أسر ولدها الفرنج فلاذت به فأحضره في قيوده ومنها أنه اجتمع به ابن دقيق العيد فقال له إنك لا تصلي وما هذا سنن الصالحين فقال اسكت وإلا أغبر دقيقك ودفعه فإذا هو بجزيرة عظيمة جدا فضاق خاطره حتى كاد يهلك فرأى الخضر فقال لا بأس عليك أن مثل البدوي لا يعترض عليه لكن اذهب إلى هذه القبة وقف ببابها فإنه يأتي عند دخول وقت العصر ليصلي بالناس فتعلق بأذياله لعله أن يعفو عنك ففعل فدفعه فإذا هو بباب بيته ومات رضي الله عنه في هذه السنة ودفن بطندتا وجعلوا على قبره مقاما واشتهرت كراماته وكثرت النذور إليه واستخلف الشيخ عبد العال فعمر طيولا إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة واشتهرت أصحابه

(5/346)


347
بالسطوحية وحدث لهم بعد مدة عمل المولد وصار يقصد من بلاد بعيدة وقام بعض العلماء والأمراء بإبطاله فلم يتهيأ لهم ذلك إلا في سنة واحدة وأنكر عليه ابن اللبان ووقع فيه فسلب القرآن والعلم فصار يستغيث بالأولياء حتى أغاثه ياقوت العرشي وشفع فيه انتهى كلام الشيخ عبد الرؤف المناوي باختصار وفيها الشيخ الزاهد جندل بن محمد العجمي قال القطب اليونيني في ذيله على مختصر المرآة له الشيخ الصالح العارف كان زاهدا عابدا منقطعا صاحب كرامات وأحوال ظاهرة وباطنة وله جد واجتهاد ومعرفة بطريق القوم انتهى وكان الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن الفركاح الفزاري يتردد إليه في كثير من الأوقات وله به اختصاص قال ولده الشيخ برهان الدين كنت أروح مع والدي إلى زيارته بمنين ورأيته يجلس بين يديه في جمع كثير ويستغرق في وقته في الكلام مغربا لا يفهمه أحد من الحاضرين بألفاظ غريبة وقال الشيخ تاج الدين المذكور الشيخ جندل من أهل الطريق وعلماء التحقيق اجتمعت به في سنة إحدى وستين وستمائة فأخبرني أنه بلغ من العمر خمسا وتسعين سنة وكان يقول طريق القوم واحد وإنما يثبت عليه ذوو العقول الثابتة وقال الموله منفى ويعتقد أنه واصل ولو علم أنه منفى لرجع عما هو عليه وقال ما تقرب أحد إلى الله عز وجل بمثل الذل والتضرع والانكسار وقال ابن كثير كانت له عبادة وزهادة وأعمال صالحة وكان الناس يترددون إلى زيارته وزاره الملك الظاهر بيبرس مرات وكذلك الأمراء بمنين وكان يقول السماع وظيفة أهل البطالة توفي في رمضان ودفن بزاويته المشهورة بقرية منين ومات وله من العمر مائة وتسع سنين رحمه الله وفيها ابن الفويره بدر الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد السلمي الدمشقي الحنفي أحد الأذكياء الموصوفين درس وأفتى وبرع في الفقه والأصول والعربية ونظم الشعر الفائق الرائق منه قوله

(5/347)


348 (
عاينت حبة خاله * في روضة من جلنار ) ( فغدا فؤادي طائرا * فاصطاده شرك العذار ) وله في أصيل الذهبيات ( ورياض كلما انعطفت * نترت أوراقها ذهبا ) ( تحسب الأغصان حين شذا * فوقها القمري وانتحبا ) ( ذكرت عصر الشباب وقد * لبست أثوابه قشبا ) ( فانثنت في الدوح راقصة * ورمت أثوابها طربا ) توفي رحمه الله في جمادى الأولى قبل الكهولة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر وله بحران في حدود العشر والستمائة وتفقه بها على الشيخ مجد الدين بن تيمية ولازمه حتى برع وقرأ الأصول والخلاف على القاضي نجم الدين بن المقدسي الشافعي وسافر إلى الديار المصرية وأقام بها مدة يحضر درس الشيخ عز الدين بن عبد السلام وولي القضاء ببعض البلاد المصرية وهو أول حنبلي حكم بالديا رالمصرية ثم ترك ذلك ورجع إلى دمشق وأقام بها مدة سنين إلى حين وفاته يدرس الفقه بحلقة له بالجامع ويكتب على الفتاوي وباشر الإمامة بمحراب الحنابلة من جامع دمشق قال القطب اليونيني كان فقيها إماما عالما عارفا بعلم الأصول والخلاف وحسن العبارة طويل النفس في البحث كثير التحقيق غزير الدمعة رقيق القلب وافر الديانة كثير العبادة حسن النظم منه قوله ( طار قلبي يوم ساروا فرقا * وسواء فاض دمعي أو رقا ) ( صار في سقمي من بعدهم * كل من في الحي داوى أو رقى ) ( بعدهم لا ظل وادي المنحنى * وكذا بأن الحمى لا أورقا ) وابتلى بالفالج قبل موته بأربعة أشهر وبطل شفه الأيسر وثقل لسانه وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين لست خلون من جمادى الأولى ودفن بمقابر باب

(5/348)


349
الصغير ونيف على الستين وفيها صاحب تونس أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاني بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالغرب كان ملكا سايسا عالي الهمة شديد البأس جوادا ممدحا تزف إليه كل ليلة جارية تملك تونس سنة سبع وأربعين بعد أبيه ثم قتل عميه وقتل جماعة من الخوارج وتوطد له الملك وتوفي في آخر العام عن نيف وخمسين سنة وفيها الشهاب التلعفري بفتح أوله واللام المشددة والفاء وسكون المهملة وراء نسبة إلى التل الأعفر موضع بنواحي الموصل صاحب الديوان المشهور شهاب الدين محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني الأديب الشاعر المفلق مدح الملوك والكبراء وسار شعره في الآفاق فمنه ( حظ قلبي في هواك الوله * وعذولي فيك مالي وله ) ( باسم عن برد منتظم * لم يفز إلا فتى قبله ) ( جائر الألحاظ يثني قامة * قده المائل ما أعدله ) ومنها ( كم أداري فيك لوامي ومن * يعذل المشتاق ما أجهله ) توفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة سنة ست وسبعين وستمائ في أولها ولي مملكة تونس أبو زكريا يحيى بن محمد الهنتاني بعد أبيه وفي سابع المحرم قدم السلطان الملك الظاهر فنزل بجوسقه الأبلق ثم مرض في نصف المحرم وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما فأخفى موته وسار نائبه بيلبك بمحفة يوهم أن السلطان فيها مريض إلى أن دخل بالجيش إلى مصر

(5/349)


350
فأظهر موته وعمل العزاء وحلفت الأمراء لولده الملك السعيد وكان عهد له في حياته والملك الظاهر هو السلطان الكبير ركن الدين أبو الفتوح بيبرس التركي البندقداري ثم الصالحي صاحب مصر والشام ولد في حدود العشرين وستمائة واشتراه الأمير علاء الدين البندقداري الصالحي فقبض الملك الصالح على البندقداري وأخذ ركن الدين منه فكان من جملة مماليكه ثم طلع ركن الدين شجاعا فارسا مقداما إلى أن بهر أمره وبعد صيته وشهد وقعة المنصورة بدمياط ثم كان أميرا في الدولة المعزية وتنقلت به الأحوال وصار من أعيان البحرية وولي السلطنة في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وكان ملكا سريا غازيا مجاهدا مؤيدا عظيم الهيبة خليقا للملك يضرب بشجاعته المثل له أيام بيض في الإسلام وفتوحات مشهورة ومواقف مشهودة ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحايين لعد من الملوك العادلين قاله في العبر وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام توفي بقصره الأبلق بمرجة دمشق جوار الميدان وغسلوه وصبروه وعلقوه في البحيرة إلى أن فرغ من الظاهرية فنقلوه إليها وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق وتبنى عليه قبة فابتاع له ولده الملك السعيد دار العقيقي بسبعين ألف درهم وبناها مدرسة للشافعية والحنفية ونقله إليها ووقف عليها أوقافا كثيرة وفتح بيبرس من البلاد أربعين حصنا كانت مع الفرنج افتتحها بالسيف عنوة انتهى ملخصا وقال الذهبي انتقل إلى عفو الله ومغفرته يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم بقصره بدمشق وخلف من الأولاد الذكور الملك السعيد محمد ولي السلطنة وعمره ثماني عشرة سنة والخضر وسلامش وسبع بنات ودفن بتربة أنشأها ابنه انتهى وفيها إبراهيم الدسوقي الهاشمي الشافعي القرشي شيخ الخرقة البرهامية وصاحب المحاضرات القدسية والعلوم اللدنية والأسرار العرفانية أحد الأئمة الذين أظهر الله لهم المغيبات وخرق

(5/350)


351
لهم العادات ذو الباع الطويل في التصرف النافذ واليد البيضاء في أحكام الولاية والقدم الراسخ في درجات النهاية انتهت إليه رياسة الكلام على خواطر الأنام وكان يتكلم بجميع اللغات من عجمي وسرياني وغيرهما وذكر عنه أنه كان يعرف لغات الوحش والطير وأنه صام في المهد وأنه رأى في اللوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين وأنه فك طلسم السبع المثاني وأن قدمه لم تسعه الدنيا وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة وأن الدنيا جعلت في يده كخاتم وقال توليت القطبانية فرأيت المشرقين والمغربين وما تحت التخوم وصافحت جبريل ومن كلامه لا تكليف على من غاب بقلبه في حضرة ربه ما دام فيها فإذا رد له عقله صار مكلفا وقال عليك بالعمل بالشرع وإياك وشقشقة اللسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها قاله الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته وفيها الكمال بن فارس أبو إسحق إبراهيم بن الوزير نجيب الدين أحمد بن إسمعيل بن فارس التميمي الأسكندراني المقرىء الكاتب آخر من قرأ بالروايات على الكندي ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي في صفر وكان فيه خير وتدين ترك بعض الناس الأخذ عنه لتوليه نظر بيت المال وفيها بيلبك الخزندار الظاهري نائب سلطنة مولاه كان نبيلا عالي الهمة وافر العقل محببا إلى الناس ينطوي على دين ومروءة ومحبة للعلماء والصلحاء والزهاد ونظر في العلوم والتواريخ رقاه أستاذه إلى أعلى الرتب واعتمد عليه في مهماته قيل أن شمس الدين الفارقاني الذي ولي نيابة السلطة سقاء السم باتفاق مع أم الملك السعيد فأخذه قولنج عظيم وبقي به أياما وتوفي بمصر في سابع ربيع الأول وفيها الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني بالكسر والسكون نسبة إلى مهران جد العدوي شيخ الملك الظاهر كان له حال وكشف ونفس مؤثرة مع سفه فم ومزاح تغير عليه السلطان بعد شدة خضوعه وله وانقياده لأوامره وإرادته

(5/351)


352
لأنه كان يخبره بأمور قبل وقوعها فتقع على ما يخبره منها أنه لما توجه الظاهر إلى الروم سأله قشتمر العجمي فقال له الشيخ خضر يظفر على الروم ويرجع إلى الشام فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما فكان كما قال وكان سبب تغير السلطان عليه أنه نقل بعض أصحاب الشيخ خضر أمورا لا تليق به فأحضره ليحاققوه فأنكر فاستشار الأمراء في أمره فأشاروا عليه بقتله فقال الشيخ خضر وهو بعيد عنهم اسمع ما أقول لك لك أنا أجلي قريب من أجلك من مات قبل صاحبه لحقه الآخر فوجم السلطان ورأى أن يحبسه فحبسه في القلعة وأجرى عليه المآكل المفتخرة وبنى له زاوية بخط الجامع الظاهري في الحسينية فمات سادس المحرم ودفن بزاويته في الحسينية وفيها أبو أحمد زكي بن الحسن البيلقاني بفتح الموحدة واللام والقاف وسكون التحتية آخره نون نسبة إلى البيلقان مدينة بالدربند كان شافعيا فقيها بارعا مناظرا متقدما في الأصلين والكلام أخذ عن فخر الدين الرازي وسمع من المؤيد الطوسي وكان صاحب ثروة وتجارة عمر دهرا وسكن اليمن وتوفي بعدن وفيها البرواناه الصاحب معين الدين سليمان بن علي وزر أبوه لصاحب الروم وعلاء الدين كيقباد ولولده فلما مات ولي الوزارة بعده معين الدين هذا سنة بضع وأربعين وستمائة فلما غلبت التتار على الروم ساس الأمور وصانع التتار وتمكن من الممالك بقوى إقدامه وقوة دهائه إلى أن دخل المسلمون وحكموا على مملكة الروم ونسب إلى البرواناه مكاتيبهم فقتله أبغا في المحرم وفيها عز الدين عبد السلام بن صالح البصري عرف بابن الكبوش الشاعر المشهور وشعره في غاية الرقة فمنه ( أدر ما بيننا كأس الحميا * بكف مقرطق طلق المحيا ) ( يحور ولا يجوز على الندامى * كما جارت لواحظ عليا ) ( غزال لو رأى غيلان مي * شمائه سلا غيلان ميا )

(5/352)


353 (
سقاني من مراشفه شمولا * فأنساني حمياء الحميا ) إلى أن قال ( الام به تلوم ولست أصغي * لقد أسمعت لو ناديت حيا ) وفيها مجد الدين أبو أحمد وأبو الخير عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش بن عبد الله البغدادي المقرىء النحوي اللغوي الفقيه الحنبلي الخطيب الواعظ الزاهد شيخ بغداد وخطيبها سبط الشيخ أبي زيد الحموي ولد في محرم سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ببغداد وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي وغيره وعنى بالقراءات وسمع كثيرا من كتبها وسمع الحديث من الداهري وابن الناقد وغيرهما مما لا يحصى وجمع أسماء شيوخه بالسماع والإجازة فكانوا فوق خمسمائة وخمسين شيخا قال الجعبري قرأ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة واللمع على الكندي وهو غير صحيح ولعله على العكبري وانتهت إليه مشيخة القراءات والحديث وله ديوان خطب في سبع مجلدات وقال الذهبي قرأ عليه الشيخ إبراهيم الرقي الزاهد والمقصاتي وابن خروف وجماعة وكان إماما محققا بصيرا بالقراءات وعللها وغريبها صالحا زاهدا كبير القدر بعيد الصيت انتهى وممن روى عنه الدمياطي في معجمه وأحمد بن القلانسي وتوفي يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول ودفن بحضرة الإمام أحمد وفيها الواعظ نجم الدين علي بن علي بن اسفنديار البغدادي ولد سنة ست عشرة وستمائة وقرأ وسمع من ابن اللتي والحسين بن رئيس الرؤساء ووعظ بدمشق فازدحم عليه الخلق وانتهت إليه رياسة الوعظ لحسن إيراده ولطف شمائله وبهجة محاسنه وتوفي في رجب وفيها شمس الدين أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدين علي بن سرور المقدسي نزيل مصر قاضي قضاة الحنابلة وشيخ الشيوخ ولد يوم السبت رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق وحضر بها علي ابن

(5/353)


354
طبرزد وسمع من الكندي وابن الحرستاني وغيرهما وتفقه على الشيخ موفق الدين ثم رحل إلى بغداد وأقام بها مدة وسمع بها من جماعة وتفقه أيضا به وتفنن في علوم شتى وتزوج بها وولد له ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات بها وعظم شأنه بها وصار شيخ المذهب علما وصلاحا وديانة ورياسة وانتفع به الناس وولي بها مشيخة خانقاه سعيد السعداء وتدريس المدرسة الصالحية ثم ولي قضاء القضاة مدة ثم عزل منه واعتقل مدة ثم أطلق فأقام بمنزله يدرس بالصالحية ويفتي ويقرىء العلم إلى أن توفي قال القطب اليونيني كان من أحسن المشايخ صورة مع الفضائل الكثيرة التامة والديانة المفرطة والكرم وسعة الصدر وهو أول من درس بالمدرسة الصالحية للحنابلة وأول من ولي قضاء القضاة بالديار المصرية وكان كامل الآداب سيدا صدرا من صدور الإسلام متبحرا في العلوم مع الزهد الخارج عن الحد واحتقار الدنيا وعدم الالتفات إليها وكان الصاحب بهاء الدين يعني ابن حنا يتحامل عليه ويغري الملك الظاهر به لما عنده من الأهلية لكل شيء من أمور الدنيا والآخرة ولا يلتفت إليه ولا يخضع له حدث بالكثير وسمع منه الكبار منهم الدمياطي والحارثي والأسعردي وغيرهم وتوفي يوم السبت ثاني عشر المحرم ودفن من الغد بالقرافة عند عمه الحافظ عبد الغني انتهى وفيها الشيخ يحيى المنبجي المقرىء المتصدر بجامع دمشق لقن كثيرا من الناس وكان من أصحاب أبي عبد الله الفاسي وتوفي في المحرم وفيها شيخ الإسلام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الفقيه الشافعي الحافظ الزاهد أحد الأعلام النواوي بحذف الألف ويجوز إثباتها الدمشقي ولد في محرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة وقرأ القرآن ببلده وقدم دمشق بعد تسع عشرة سنة من عمره قدم به والده فسكن بالمدرسة الرواحية قال هو وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى

(5/354)


355
الأرض وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير وحفظت التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف قال وبقيت أكثر من شهرين أو أقل لما قرأت ويجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج اعتقد أن ذلك قرقرة البطن وكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني قال وقرأت وحفظت ربع المهذب في باقي السنة وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدين إسحق المغربي ولازمته فأعجب بي وأحبني وجعلني أعيد لأكثر جماعته فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججت مع والدي وكانت وقفة الجمعة وكان رجيبا من أول رجل فأقمنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف وذكر والده قال لما توجهنا من نوى أخذته الحمى فلم تفارقه إلى يوم عرفة ولم يتأوه قط قال وذكر لي الشيخ أنه كان يقرأ كل يوم اثنى عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا ودرسا في صحيح مسلم ودرسا في اللمع لابن جنى ودرسا في إصلاح المنطق لابن السكيت ودرسا في التصريف ودرسا في أصول الفقه تارة في اللمع لأبي إسحق وتارة في المنتخب لفخر الدين ودرسا في أسماء الرجال ودرسا في أصول الدين وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبطه لغة وبارك الله لي في وقتي وخطر لي الاشتغال في علم الطب فاشتريت كتاب القانون فيه وعزمت على الاشتغال فيه فأظلم على قلبي وبقيت أياما لا أقد رعلى الاشتغال بشيء ففكرت في أمري ومن أين دخل على الداخل فألهمني الله أن سببه اشتغال بالطب فبعت القانون في الحال واستنار قلبي وقال الذهبي لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة حتى فاق الأقران وتقدم على جميع الطلبة وحاز قصب السبق في العلم والعمل ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات وسمع الكثير من الرضى بن البرهان والزين خالد وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي وأقرانهم وكان مع تبحره في العلم وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك

(5/355)


356
مما قد سارت به الركبان رأسا في الزهد وقدوة في الورع عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قانعا باليسير راضا عن الله والله راض عنه مقتصدا إلى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه تعلوه سكينة وهيبة فالله يرحمه ويسكنه الجنة بمنه ولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب الدين أبي شامة وكان لا يتناول من معلومها شيئا بل يتقنع بالقليل مما يبعثه إليه أبوه انتهى وقال ابن العطار كان قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل بالعلم وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر ولم يتزوج ومن تصانيفه الروضة والمنهاج وشرح المهذب وصل فيه إلى أثناء الربا سماه المجموع والمنهاج في شرح مسلم وكتاب الأذكار وكتاب رياض الصالحين وكتاب الإيضاح في المناسك والإيجاز في المناسك وله أربع مناسك أخر والخلاصة في الحديث لخص فيه الأحاديث المذكورة في شرح المهذب وكتاب الإرشاد في علم الحديث وكتاب التقريب والتيسير في مختصر الإرشاد وكتاب التبيان في آداب حملة القرآن وكتاب المبهمات وكتاب تحرير ألفاظ التنبيه والعمدة في تصحيح التنبيه وهما من أوائل ما صنف وغير ذلك من المصنفات الحسنة وقال ابن ناصر الدين هو الحافظ القدوة الإمام شيخ الإسلام كان فقيه الأمة وعلم الأئمة وقال الأسنوي كان في لحيته شعرات بيض وعليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء وفي غيره لم يزل على ذلك إلى أن سافر إلى بلده وزار القدس والخليل ثم عاد إليها فمرض بها عند أبويه وتوفي ليلة الأربعاء رابع عشرى رجب ودفن ببلده رحمه الله ورضي عنه وعنا به سنة سبع وسبعين وستمائة فيها توفي الشهاب بن الجزري أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الأنصاري

(5/356)


357
الدمشقي وله أربع وستون سنة روى عن ابن اللتي وابن المقير وطبقتهما وكتب الكثير ورحل إلى ابن خليل فأكثر عنه وكان يقرأ الحديث على كرس الحائط الشمالي توفي في جمادى الآخرة وفيها الفارقاني شمس الدين اقسنقر الظاهري أستاذ دار الملك الظاهر جعله الملك السعيد نائبه فلم ترض خاصة السعيد بذلك ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه فلم يقدر السعيد على مخالفتهم فقيل أنهم خنقوه في جمادى الأولى وكان وسيما جسيما شجاعا نبيلا له خبرة ورأي وفيه ديانة وإيثار وعليه مهابة ووقار مات في عشر الخمسين وفيها النجيبي جمال الدين أقش النجمي أستاذ دار الملك الصالح ولي أيضا للملك الظاهر استاداريته ثم نيابة دمشق تسعة أعوام وعزله بعز الدين أيدمر ثم بقي بالقاهرة مدة بطالا ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين وكان محبا للعلماء كثير الصدقة لديه فضيلة وخبرة عاش بضعا وستين سنة وتوفي بربيع الآخر وله بدمشق خانقاه وخان ومدرسة ولم يخلف ولدا وفيها قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن أبي العز بن وهيب الأدرعي نسبة إلى أذرعات ناحية بالشام ثم الدمشقي شيخ الحنفية أبو الفضل أحد من انتهت إليه رياسة المذهب في زمانه وبقية أصحاب الشيخ جمال الدين الحصيري درس بمصر مدة ثم قدم دمشق فاتفق موت القاضي مجد الدين ابن العديم فقلد بعده القضاء فبقي فيه ثلاثة أشهر قال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان من كبار العلماء وله تصانيف في مذهبه وولي القضاء بالديار المصرية والشامية واللابد الإسلامية وأذن له في الحكم حيث حل من البلاد انتهى توفي في شعبان عن ثلاث وثمانين سنة ودفن بتربة بقاسيون وفيها كمال الدين أبو محمد طه بن إبراهيم بن أبي بكر الأربلي الشافعي قال الأسنوي كان فقيها أديبا ولد بأربل وانتقل إلى مصر شابا وانتفع به خلق كثير وروى

(5/357)


358
عنه جماعة منهم الدمياطي ومات بمصر في جمادى الأولى وقد نيف على الثمانين وفيها مجد الدين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي الكردي الأربلي الشافعي والد شهاب الدين بن المجد الذي تولى القضاء بدمشق كان المجد المذكور عارفا بالمذهب بصيرا به خبيرا بعلم القراءات خيرا دينا متعبدا حسن السمت والأخلاق سمع وأسمع ودرس بالكلاسة وتوفي في ذي القعدة وفيها الصاحب قاضي القضاة مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين أبي القسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم سمع حضورا من ثابت بن مشرف وسماعا من أبي محمد بن الأستاذ وابن البن وخلق كثير وكان صدرا مهيبا وافر الحشمة عالي الهمة والرتبة عارفا بالمذهب والأدب مبالغ في التجمل والترفع مع دين تام وتعبد وصيانة وتواضع للصالحين توفي في ربيع الآخر عن أربع وستين سنة وفيها ابن حنا الوزير الأوحد بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المصري الكاتب أحد رجال الدهر حزما ورأيا وجلالة ونبلا وقياما بأعباء الأمور مع الدين والعفة والصفات الحميدة والأموال الكثيرة وكان لا يقبل لأحد هدية إلا أن يكون من الفقراء والصلحاء للتبرك وكان من حسنات الزمان توزر للملك الظاهر ولولده السعيد ورزق أولادا ومات وهو جد جد وبنى مدرسة بزقاق القناديل بمصر وابتلي فقد ولديه الصدرين فخر الدين وهني الدين فصبر وتجلد وكان يهش للمديح قال فيه الفارقي ( وقائل قال لي نبه لها عمرا * فقلت أن عليا قد تنبه لي ) ( مالي إذا كنت محتاجا إلى عمر * من حاجة فلينم حتى انتباه على ) توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة وفيها الحكيم الفاضل موفق الدين عبد الله بن عمر المعروف بالورل الفاضل الأديب له مشاركة

(5/358)


359
في علوم كثيرة وكان أكثر إقامته ببعلبك وسافر إلى مصر فلم تطل مدته أخذه قولنج فمات ومن شعره ( يذكرني نشر الحمى بهبوبه * زمانا عرفنا كل طيب بطيبه ) ( ليال سرقناها من الدهر خلسة * وقد أمنت عيناي عين رقيبه ) ( فمن لي بذاك العيش لو عادوا انقضى * ليسكن قلبي ساعة من وجيبه ) ( ألا أن لي شوقا إلى ساك الغضا * أعيد الغضا من حره ولهيبه ) وفيها الظهير العلامة مجد الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الأربلي الحنفي الأديب ولد سنة اثنتين وستمائة بأربل وسمع من السخاوي وطائفة بدمشق ومن الكاشغري وغيره ببغداد ودرس بالقيمارية مدة وله ديوان مشهور ونظم رائق مع الجلالة والديانة التامة توفي في ربيع الآخر وفيها ابن إسرائيل الأديب البارع نجم الدين محمد بن سوار ابن إسرائيل بن خضر بن إسرائيل الدمشقي الفقير صاحب الحريري روح المشاهد وريحانة المجامع كان فقيرا ظريفا نظيفا مليح النظم رائق المعاني لولا ما شانه بالاتحاد تصريحا مرة وتلويحا أخرى من نظمه ما كتب به إلى النجم الكحال ( يا سيد الحكماء هذي سنة * مثبوتة في الطب أنت سننتها ) ( أو كلما كلت سيوف جفون من * سفكت لواحظه الدماء سننتها ) وقال في مليح ناوله تفاحة ( لله تفاحة وافى بها سكنى * فسكنت لهبا في القلب يستعر ) ( كفأرة المسك وافاني الغزال بها * وغرة النجم حياني بها القمر ) توفي في رابع عشر ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وشهر ودفن خارج باب توما عند قبر الشيخ رسلان وفيها ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن عربشاه بن أبي بكر بن أبي نصر المحدث الهمداني ثم الدمشقي روى

(5/359)


360
عن ابن الزبيدي وابن المسلم المازني وابن صباح وكتب الكثير وكان ثقة صحيح النقل توفي في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها أبو المرجا مؤمل بن محمد بن علي البالسي ثم الدمشقي روى عن الكندي والخضر بن كامل وجماعة وتوفي في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة فيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وكان أبوه إماما بحلقة الحنابلة فمات وهذا صغير وسمع سنة ستمائة من الكندي وأجاز له خليل الداراني وابن كليب والبوصيري وخلق وعمر وروى الكثير وكان خياطا ودلالا ثم قرر بالرباط الناصري وأضر بآخره وكان يحفظ القرآن العظيم توفي يوم عاشوراء وفيها أحمد بن عبد المحسن الدمياطي الواعظ عرف بكتاكت كان له الشعر الحسن فمنه ( اكشف البرقع عن شمس العقار * واخل في ليلك مع شمس النهار ) ( وانهب العيش ودعه ينقضي * غلطا ما بين هتك واستتار ) ( إن تكن شيخ خلاعات الصبا * فالبس الصبوة في خلع العذار ) ( وارض بالعار وقل قد لذلى * في هوى خما ركاسي لبس عاري ) توفي بمصر ودفن بالقرافة وفيها القاضي صفي الدين أبو محمد إسحق بن إبراهيم بن يحيى الشقراوي الحنبلي ولد بشقرا من ضياع زرع سنة خمس وستمائة وسمع من موسى بن عبد القادر والشيخ موفق الدين وأحمد بن طاووس وجماعة وتفقه وحدث وولي الحكم بزرع نيابة عن الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وكان فقيها فاضلا حسن الأخلاق قال الذهبي كان رجلا خيرا فقيها حفظ النوادر والأخبار وولي قضاء زرع وأعاد بمدرسته وتوفي في يوم

(5/360)


361
السبت تاسع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون وفيها شيخ الشيوخ شرف الدين أبو بكر عبد الله بن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن عمر بن حموية الجويني ثم الدمشقي الصوفي ولد سنة ثمان وستمائة وروى عن أبي القسم بن صصرى وجماعة وتوفي في شوال وفيها ابن الأوحد الفقيه شمس الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري روى عن الافتخار الهاشمي وكتب بديوان المارستان النوري وتوفي في شوال وله خمس وسبعون سنة وفيها الشيخ القدوة إسمعيل بن محمد بن إسمعيل الحضرمي نسبة إلى حضرموت قال المناوي قطب الدين الإمام الكبير العارف الشهير قدوة الفريقين وعمدة الطريقين شسخ الشافعية ومربي الصوفية كان إماما من الأئمة مذكورا وعلما من أعلام الولاية مشهورا وهو من بيت مشهور بالصلاح مقصود لليمن والنجاح أعلامه للإرشاد منصوبة وبركات أهله كالأهلة مرقومة مرقوبة وكان في بدايته يؤثر الخلوة ثم تفقه فبرع وفاق وسبق الأقران والرفاق وله عدة مؤلفات في عدة فنون تدل على تمنكه منها شرح المهذب ومختصر مسلم ومختصر بهجة المجالس وفتاوي مفيدة وكلام في التصوف يدل على كمال معرفته انتفع به جمع من الأعيان وولي قضاء الأقضية فأنكر المنكرات وأقام مواسم الخيرات ثم عزل نفسه وكتب للسلطان في شقفة من خزف يايوسف كثير شاكوك وقل شاكروك فاما عدلت واما انفصلت فغضب فلم يلتفت إليه وله كرامات قال المطري كادت تبلغ التواتر منها أن ابن معطى قيل له في النوم إذهب إلى الفقيه إسمعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلما انتبه تعجب لكون الحضرمي لا يحسنه ثم قال لا بد من الامتنثال فدخل عليه وعنده جمع يقرؤون الفقه فبمجرد رؤياه قال أجزتك بكتب النحو فصار لا يطالع فيه شيئا إلا عرفه

(5/361)


362
بغير شيخ ومنها أنه قصد بلدة زبيد فكادت الشمس تغرب وهو بعيد عنها فخاف أن تغلق أبوابها فأشار إلى الشمس فوقفت حتى دخل المدينة وإليه أشار الإمام اليافعي بقوله ( هو الحضرمي نجل الولي محمد * إمام الهدى نجل الإمام محمد ) ( ومن جاهه أوما إلى الشمس أن قفي * فلم تمش حتى أنزلوه بمقعد ) ومنها أنه زار مقبرة زبيد فبكى كثيرا ثم ضحك فسئل فقال كشف لي فرأيتهم يعذبون فشفعت فيهم فقالت صاحبة هذا القبر وأنا معهم يا فقيه قلت من أنت قالت فلانتة المغنية فضحكة وقلت وأنت ومنها أن بعض الصلحاء رأى المصطفى فقال له من قبل قدم الحضرمي دخل الجنة فبلغ الحكمى مفتي زبيد فقصده ليقلبها فلما وقع بصره عليه مد له رجليه انتهى ملخصا وفيها الشيخ نجم الدين بن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحموي الصوفي الفقير كان له زاوية بحماة ومريدون وفيه تواضع وخدمة للفقراء وأخلاق حميدة صحب الشيخ إسمعيل الكوراني واتفق موته بدمشق فدفن عنده بمقابر الصوفية وفيها الشيخ عبد السلام بن أحمد بن الشيخ القدروة غانم بن علي المقدسي الواعظ أحد المبرزين في الوعظ والنظم والنثر توفي بالقاهرة في شوال وفيها فاطمة ابنة الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدين ولدت سنة سبع وتسعين وخمسمائة وسمعت من حنبل وابن طبرزد وفيها السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بن الملك الظاهر بيبرس ولد في حدود سنة ثمان وخمسين وستمائة بظاهر القاهرة وتملك بعد أبيه سنة ست وسبعين في صفر وكان شابا مليحا كريما حسن الطباع فيه عدل ولين وإحسان ومحبة للخير خلعوه من الأمر فأقام بالكرك أشهرا ومات شبه الفجأة في نصف ذي القعدة بقلعة الكرك ثم نقل بعد سنة ونصف إلى تربة والده وتملك بعده أخوه خضر

(5/362)


363
وفيها ابن الصيرفي المفتي المعمر جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني الحنبلي ويعرف بابن الحبيشي سمع من عبد القادر الرهاوي بحران ومن ابن طبرزد ببغداد ومن الكندي بدمشق واشتغل على أبي بكر بن غنيمة وأبي بكر العكبري والشيخ الموفق وكان إماما عالما متفننا صاحب عبادة وتهجد وصفات حميدة توفي في رابع صفر سنة تسع وسبعين وستمائة في آخرها نزل السلطان الملك الكامل سنقر الأشقر إلى الشام غازيا فنزل قريبا من عكا فخضع له أهلها وراسلوه في الهدنة وجاء إلى خدمته عيسى بن مهنا فصفح عنه وأكرمه وفيها توفي ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمود بن رفيعا الجدري بفتح الجيم والدال لمهملة وراء نسبة إلى جدرة حي من الأزد المقرىء الفرضي الحنبلي نزيل الموصل قرأ بالسبع على علي بن مفلح البغدادي نزيل الموصل وسمع الحديث من جماعة وصنف تصانيف في القراءات وغيرها ونظم في القراءات والفرائض قصيدة معروفة لامية وكان شيخ القراء بالموصل قرأ عليه ابن خروف الموصلي الحنبلي وأكثر عنه وسمع منه الأحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش غير مرة وتوفي سادس جمادى الآخرة وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر الحنبلي سمع من موسى بن عبد القادر وابن الزبيدي والشيخ الموفق وبه تفقه في مذهب أحمد ومهر في المذهب وعنى به وبالسنة وجمع فيها وناظر الخصوم وكفرهم وكان صاحب حزبية وتخرق على الأشعرية فرموه بالجسيم قال

(5/363)


364
الذهبي ورأيت له مصنفا في الصفات فلم أر به بأسا قال وكان متأيدا للحنابلة وفيه شراسة أخلاق مع صلاح ودين يابس توفي في ثامن شعبان عن نيف وسبعين سنة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن داود بن الياس البعلي الحنبلي ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع من الشيخ موفق الدين وابن البن وطائفة وخدم الشيخ الفقيه اليونيني مدة قال القطب بن اليونيني سمع من حنبل والكندي وابن الزبيدي ورحل إلى البلاد للسماع وخدم والدي وقرأ عليه القرآن واشتغل عليه وحفظ المقنع وعرف الفرائض وكان ذا ديانة وافرة وصدق وأمانة وتحر في شهاداته وأقواله وحدث بمسموعاته وتوفي في حادي عشرى رمضان ودفن بظاهر بعلبك وفيها ابن النن بنونات الفقيه شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي الشافعي سمع من عبد العزيز بن منينا وسليمان الموصلي وجماعة وكان ثقة متيقظا توفي بالأسكندرية في رجب وله ثمانون سنة وفيها الجزار الأديب جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المصري الأديب الفاضل كان جزارا ثم استرزق بالمدح وشاع شعره في البلاد وتناقلته الرواة وكان كثير التبذير لا تكاد خلته تنسد وكان مسرفا على نفسه سامحه الله تعالى ومن شعره ( عاقبتني بالصد من غير جرم * ومحا هجرها بقية رسمي ) ( وشكوت الجوى إلى ريقها العذب * فجارت ظلما بمنع لظلم ) ( أنا حكمتها فجارت وشرع الحب * يقضي أني أحكم خصمي ) ومنها في المديح ( يا أميرا يرجى ويخشى لبأس * ونوال في يوم حرب وسلم ) ( أنت موسى وقد تفر عن ذا * الخطب ففرقه من نداك بيم ) ( لي من حرفة الجزارة والآداب * فقر يكاد ينسيني اسمي )

(5/364)


365
وله ( أكلف نفسي كل يوم وليلة * هموما على من لا أفوز بخيره ) ( كما سود القصار في الشمس وجهه * حريصا على تبييض أثواب غيره ) وكانت بينه وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فأهدى الجزار له تفاحا وكمثرى وكتب مع ذلك ( أكافيك عن بعض الذي قد فعلته * لأن لمولانا علي حقوقا ) ( بعثت خدودا مع نهود وأعينا * ولا غروان يجزي الصديق صديقا ) ( وإن حال منك العبض عما عهدته * فما حال يوما عن ولاك وثوقا ) ( بنفسج تلك العين صار شقائقا * ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا ) ( وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما * قطعت على اللذات منه طريقا ) ( فلا عدمتك العاشقون فطالما * أقمت لأوقات المسرة سوقا ) توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة وفيها الشيخ يوسف الفقاعي الزاهد ابن نجاح بن مرهوب كان عبد صالحا قانتا كبير القدر له أتباع ومريدون توفي في شوال ودفن بزاويته بسفح قاسيون وقد نيف على الثمانين وفيها الفقيه المعمر أبو بكر بن هلال بن عباد الحنفي عماد الدين معيد الشبلية توفي في رجب عن مائة وأربعين سنة وقد سمع في الكهولة من أبي القسم بن صصرى وغيره وفيها النجيب بن العود أبو القسم بن حسين الحلي الرافضي المتكلم شيخ الشيعة وعالمهم سكن حلب مدة فصفع بها لكونه سب الصحابة ثم سكن جزين إلى أن مات بها في نصف شعبان وله نيف وتسعون سنة وكان قد وقع في الهرم سنة ثمانين وستمائة فيها توفي الشيخ موفق الدين الكواشي بالفتح والتخفيف نسبة إلى كواشة

(5/365)


366
قلعة بالموصل المفسر العلامة المقرىء المحقق الزاهد القدوة أبو العباس أحمد ابن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين الشيباني الموصلي الشافعي ولد بكواشة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة واشتغل فبرع في القراءات والتفسير والعربية والفضائل وقدم دمشق فأخذ عن السخاوي وغيره وحج وزار بيت المقدس ورجع إلى بلده وتعبد قال الذهبي كان منقطع القرين عديم النظير زهدا وصلاحا وتبتلا وصدقا واجتهادا كان يزوره السلطان فمن دونه ولا يعبأ بهم ولا يقوم لهم ويتبرم بهم ولا يقبل لهم شيئا وله كشف وكرامات وأضر قبل موته بنحو من عشر سنين وصنف التفسير الكبير والصغير وأخذ عنه القراءات محمد بن علي بن خروف الموصلي وغيره وتوفي في سابع عشر جمادى الآخرة وفيها جيعان إبراهيم بن سعيد الشاغوري الموله مات في جمادى الأولى وكان من أبناء السبعين على قاعدة المولهين من عدم التعبد بصلاة أو صيام أو طهارة وللعامة فيه اعتقاد يتجاوز الوصف لما يرون من كشفه وكلامه على الخواطر وقد شاركه في ذلك الكاهن والراهب والمصروع فانتفت الولاية قاله في العبر وفيها أبغ ملك التتار وابن ملكهم هلاكو بن فاان بن جنكز خان مات بنواحي همذان بين العيدين وله نحو خمسين سنة وفيها الحاج عز الدين ازدمر الجمدار الذي ولي نيابة السلطنة بدمشق لسنقر الأشقر كان ذا معرفة وفضيلة وعنده مكارم كثيرة استشهد على حمص مقبلا غير مدبر وله بضع وخمسون سنة وفيها الكمال أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الصالح سمع من ابن طبرزد والكندي وعدة وتوفي في عاشر جمادى الأولى وفيها المجد بن الخليل عبد العزيز بن الحسين الداري والد الصاحب فخر الدين سمع من أبي الحسين بن

(5/366)


367
جبير الكتاني والفتح بن عبد السلام وطائفة وكان رئيسا دينا خيرا توفي بدمشق في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة وفيها ولي الدين الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن بدر الخجندي الشافعي الفقيه نزيل بيت لهيا كان صاحب حال وكشف وعبادة وتبتل توفي في شوال وقد قار الستين وفيها أبو الحسن علي بن محمود بن حسن بن نبهان المنجم الأديب عاش خمسا وثمانين سنة وروى عن ابن طبرزد والكندي تركه بعض العلماء لأجل التنجيم وفيها ابن بنت الأعز قاضي القاضة صدر الدين عمر ابن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن خلف الشافعي العلامي المصري ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وسمع من الزكي المنذري والرشيد العطار وولي قضاء الديار المصرية في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وعزل سنة تسع وفي رمضان وقيل أنه عزل نفسه واقتصر على تدريس الصالحية قال الذهبي كان فقيها عارفا بالمذهب يسلك طريقة والده في التحري والصلابة وكان فيه دين وتعبد ولديه فضائل وكان عظيم الهيبة وافر الجلالة عديم المزاح بارا بالفقهاء مؤثرا متصدقا وكان والده يحترمه ويتبرك به درس بأماكن وتوفي يوم عاشوراء وفيها الأمير الأربلي العدل أبو محمد القسم بن أبي بكر ابن القسم بن غنيمة رحل مع أبيه وله بضع عشرة سنة فذكر وهو صدوق أنه سمع جميع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي ورواه بدمشق فسمعه منه الكبار وتوفي في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة وفيها ابن سني الدولة قاضي القضاة نجم الدين محمد بن قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين يحيى الدمشقي الشافعي ولد سنة ست عشرة وستمائة واشتغل وتقدم وناب عن والده ثم ولي قضاء حلب ثم ولي قضاء دمشق ثم عزل بعد سنة بابن خلكان ثم سكن مصر مدة وصودر وتعب ثم ولي قضاء حلب ودرس بالأمينية وغيرها وكان يعد من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب مع

(5/367)


368
الهيبة والتحري موصوفا بجودة النقل مشهورا بالصرامة والهمة العالية حدث عن أبي القسم بن صصرى وغيره وتوفي في مان المحرم ودفن بقاسيون وفيها شمس الدين محمد بن مكتوم البعلي الفاضل الأديب توفي شهيدا في وقعت حمص ومن شعره ( رام أن يترك الهوى فبدا له * إذ رأى حسن وجهه قد بدا له ) ( كلما لمته على الحب يزداد * ضلالا فخله وضلاله ) ( كيف يرجى الشفاء يوما لصب * لم يحاك السقام الا خياله ) ( ناقص صبره كثير بكاه * لو رآه عدوه لرثا له ) ( دنف ظل مستهاما ببدر * عمه الوجد حين عاين خاله ) ( أنا صب له وإن حال عني * وعبيد له على كل حاله ) ( فاق كل الورى جمالا وحسنا * ضاعف الله حسنه وجماله ) وفيها ابن المجبر الكتبي شرف الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي ولد سنة عشر وستمائة وسمع من أبي القسم بن صصرى وطائفة ورحل وأكثر عن الأنجب الحمامي وطبقته وكتب الكثير بالخط الحسن ولكنه لم يكن ثقة في نقله توفي في ذي القعدة ولم يكن عليه أنس الحديث الله يسامحه قال الذهبي وفيها ابن رزين قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة واشتغل من الصغر فحفظ التنبيه في صغره ثم حفظ الوسيط والمفصل والمستصفى للغزالي إلى غير ذلك وبرع في الفقه والعربية والأصول وشارك في المنطق والكلام والحديث وفنون العلم وأفتى وله ثمان عشرة سنة وقدم دمشق فلازم ابن الصلاح وقرأ القراءات على السخاوي وسمع منهما ومن غيرهما وأخذ العربية عن ابن يعيش وكان يفتي بدمشق في أيام ابن الصلاح ويؤم بدار الحديث ثم ولي وكالة بيت

(5/368)


369
المال في أيام الناصر مع تدريس الشامية ثم تحول من هلاكو إلى مصر واشتغل ودرس بالظاهرية ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقا تدينا وورعا ودرس بالشافعي وامتنع من أخذ الجامكية وولي عدة جهات وظهرت فضائله الباهرة وتفقه به عدة أئمة وانتفعوا بعلمه وهديه وسمته وورعه وممن نقل عنه الإمام النووي وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة في ثالث رجب وفيها الجمال بن الصابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود شيخ دار الحديث النورية ولد سنة أربع وستمائة وسمع من أبي القسم بن الحرستاني وخلق كثير وكتب العالي والنازل وبالغ وحصل الأصول وجمع وصنف واختلط قبل موته بسنة أو أكثر وتوفي في نصف ذي القعدة وفيها ابن أبي الدنية مسند العراق شهاب الدين أبو سعد محمد بن يعقوب بن أبي الفرج البغدادي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من أبي الفتح المندائي وضياء بن الخريف والأبار وأجاز له ذاكر بن كامل وابن كليب وولي مشيخة المستنصرية إلى أن توفي في ثامن عشر رجب وفيها ابن علان القاضي الجليل شمس الدين أبو الغنايم المسلم بن محمد بن المسلم بن مكي بن خلف القيسي الدمشقي ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع الكثير من حنبل وابن طبرزد وابن مندويه وغيرهم وأجاز له الخشوعي وجماعة وكان من سروات الناس توفي في ذي الحجة وفيها البدر يوسف بن لولو الشاعر المشهور قال الذهبي كان من كبار شعراء الدولة الناصرية ومن الأدبار الظراف من شعره وقد تكاثرت الأمطار بدمشق ( أن ألح الغيث شهرا هكذا * جاء بالطوفان والبحر المحيط ) ( ما هم من قوم نوح ياسما * اقلعي فهم من قوم لوط ) وكتب إلى ابن إسرائيل وكان يهوى غلاما اسمه جارح ( قلبك اليوم طائر * عنك أم في الجوانح )

(5/369)


370 (
كيف يرجى خلاصه * وهو في كف جارح ) ثم بلغه أنه تركه فقال ( خلصت طائر قلبك العاني الذي * من جارح يغدو به ويروح ) ( ولقد يسر خلاصه إن كنت قد * خلصته منه وفيه روح ) توفي في شعبان وقد نيف على سبعين سنة وفيها المزي الفقيه شمس الدين أبو بكر بن عمر بن يونس الحنفي روى البخاري عن ابن مندويه والعطار ومسلما عن ابن الحرستاني وعاش سبعا وثمانين سنة وتوفي في شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة فيها وصلت رسل أحمد بن هلاكو بأنه استقر في المملكة إلى بغداد عوض أخيه وأمر ببناء المساجد والجوامع وإقامة الشرع الشريف على ما كان في زمن الخلفاء ووصلت رسله إلى الشام ومصر وكان منهم الشيخ قطب الدين الشيرازي وفيها كان بدمشق الحريق العظيم الذي لم يسمع بمثله أقامت النار ثلاثة أيام ليلا ونهارا وكان مبدؤه من الذهبيين وذهب للناس شيء كثير ولكن لم يحترق فيه أحد من الناس ومن جملة ما ذهب للشيخ شمس الدين الكتبي عرف بالفشوشة خمسة عشر ألف مجلد وحكى السيد جمال الدين بن السراج البصروي قال تبنا في الجامع وإذا الهواء القي ورقة من الحريق مكتوب فيها ( سلم الأمر راضيا * جف بالكائن القلم ) ( ليس في الرزق حيلة * إنما الرزق في القسم ) ( جل من يرزق الضعيف * وهو لحم على وضم ) ( إن الخلق خالقا * لا مرد لما حكم ) وفيها توفي الأمين الأشتري الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عبد الجبار

(5/370)


371
ابن طلحة بن عمر بن الأشتر الشافعي الحلبي ثم الدمشقي ولد في شوال سنة خمس عشرة وستمائة وسمع من أبي محمد بن علوان والقزويني وابن روزبة وخلق وكان بصيرا بالمذهب ورعا صالحا جمع بين العلم والعمل والإنابة والديانة التامة بحيث أن الشيخ محي الدين النووي كان إذا جاءه شاب يقرأ عليه يرشده القراءة على المذكور لعلمه بدينه وعفته قال المزي كان ممن يظن به أنه لا يحسن أن يعصي الله تعالى وقال الذهبي كان بارز العدالة كبير القدر مقبلا على شأنه سرد الصوم أربعين سنة توفي فجأة بدمشق في ربيع الأول وفيها ابن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الأربلي الشافعي ولد بأربل سنة ثمان وستمائة وسمع البخاري من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وتفقه بالموصل على كمال الدين بن يونس وبالشام على ابن شداد ولقي كبار العلماء وبرع في الفضائل والآداب وسكن مصر مدة وناب في القضاء ثم ولي قضاء الشام عشر سنين وعزل بابن الصايغ سنة تسع وستين فأقام سبع سنين معزولا بمصر ثم رد إلى قضاء الشام ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين واستمر معزولا وبيده الأمينية والنجيبية قال الشيخ تاج الدين الفزاري في تاريخه كان قد جمع حسن الصورة وفصاحة المنطق وغزارة الفضل وثبات الجأش ونزاهة النفس وقال الذهبي كان إماما فاضلا متقنا عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرا بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة من سروات الناس كريما جوادا ممدحا وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان انتهى ولله در القائل ( مازلت تلهج بالأموات تكتبها * فقد رأيتك في الأموات مكتوبا ) ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة حكى انه جاءه إنسان فحدثه في أذنه أن عدلين في مكان يشربان الخمر فقام من مجلسه ودعا

(5/371)


372
برجل وقال اذهب إلى مكان كذا وأمر من فيه بإصلاح أمرهما وإزالة ما عندهما ثم عاد فجلس مكانه إلى أن علم أن نقيبه قد حضر فدعا بذلك الرجل وقال أنا أبعث معك النقيب فإن كنت صادقا ضربتهما الحد وإن كنت كاذبا أشهرتك وقطعت لسانك وجهز النقيب معه فلم يجدوا غير صاحب البيت وليس عنده شيء من ذلك فأحضر الدرة وهدده فشفع النقيب فيه فقبل شفاعته ثم أحضر له مصحفا وحلفه أن لا يعود يقذف عرض مسلم وله النظم الفائق فمنه قوله ( يا سادتي إني قنعت وحقكم * في حبكم منكم بأيسر مطلب ) ( إن لم تجودوا بالوصال تعطفا * وقصدتم هجري وفطر تجنبي ) ( لا تحرموا عيني القريحة أن ترى * يوم الخميس جمالكم في الموكب ) ( قسما بوجدي في الهوى وتحرقي * وتحيري وتلهفي وتلهبي ) ( لو قلت لي جدلي بروحك لم أقف * فيما أمرت وإن شككت فجرب ) ( وحياة وجهك وهو بدر طالع * وبياض غرتك التي كالغيهب ) ( وبقامة لك كالقضيب ركبت من * أخطارها في الحب أصعب مركب ) ( لو لم أكن في رتبة أرعى لها * العهد القديم صيانة للمنصب ) ( لهتكت ستري في هواك ولذلي * خلع العذار ولج فيك مؤنبي ) ( لكن خشيت بأن تقول عواذلي * قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي ) وله في ملاح يسبحون ( وسرب ظباء في غدير تخالهم * بدورا بأفق الماء تبدو وتغرب ) ( يقول خليلي والغرام مصاحبي * أمالك عن هذه الصبابة مذهب ) ( وفي دمك المطول خاضوا كما ترى * فقلت له دعهم يخوضوا ويلعبوا ) وتوفي رحمه الله تعالى في رجب ودفن بالصالحية قال ابن شهبة قال الأسنوي خلكان قرية كذا قال وهو وهم وإنما هو اسم لبعض أجداده

(5/372)


373
انتهى وقال الأسنوي في طبقاته هو صاحب التاريخ المعروف وهو ولد الشهاب محمد بيته كما ترى من أجل البيوت ولكن تلعب الدهر بنابه ما بين لهيب وخبوت وتلعب بتذكاره ما بين ظهور وخفوت وقد أوضح هو حاله في تاريخه مفرقا انتهى ملخصا وفيها البرهان بن الدرجي أبو إسحق إبراهيم بن إسمعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي إمام مدرسة الكشك روى عن الكندي وأبي الفتوح البكري وأجاز له أبو جعفر الصيدالاني وطائفة وروى المعجم الكبير للطبراني وتوفي في صفر وفيها ابن المليحي مسند القراء بالديار المصرية فخر الدين أبو الطاهر إسمعيل بن هبة الله بن علي المقرىء المعدل ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة وقرأ القراءات على أبي النجود فكان آخر من قرأ عليه وفاة وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنا وغيره وتوفي في رمضان وفيها الشيخ عبد الله كتيلة بن أبي بكر الحربي الفقير الصوفي الحنبلي بقية شيوخ العراق كان صاحب أحوال وكرامات وله أتباع وأصحاب تفقه وسمع الحديث وصحب الشيوخ ومات في عشر الثمانين قال ابن رجب ولد سنة خمس وستمائة وسمع الحديث بدمشق من الحافظ الضياء المقدسي وسليمان الأسعردي وأجاز له الشيخ موفق الدين وتفقه في المذهب ببغداد على القاضي أبي صالح وبحران على مجد الدين بن تيمية وابن تميم صاحب المختصر وبدمشق على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وغيره وبمصر على أبي عبد الله بن حمدان ونقل عنهم فوائد وشرح كتاب الخرقي وسماه المهم وله تصانيف أخر منها مجلد في أصول الدين سماه العدة للشدة ومصنف في السماع وحدث وسمع منه عبد الرزاق بن الفوطي وغيره وكان قدوة زاهدا عابدا ذا أحوال وكرامات وقال الذهبي كان مع جلالته يترنم ويغني لنفسه في بعض الأوقات وكان فيه كيس وظرف وبشاشة توفي رحمه الله يوم الجمعة

(5/373)


374
منتصف رمضان ببغداد وفيها جلال الدين أبو محمد عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد بن نصر الزاهد الفقيه الحنبلي المفسر الأصولي الواعظ ولد سنة عشر وستمائة ببغداد وسمع من ابن المني وغيره واشتغل بالفقه والأصول والتفسير والوعظ والطب وبرع في ذلك وله النظم والنثر والتصانيف الكثيرة منها تفسير القرآن في ثمان مجلدات ولم يزل على ذلك إلى واقعة بغداد فأسر واشتراه بدر الدين صاحب الموصل فحمله إلى الموصل فوعظ بها ثم حدره إلى بغداد فاستمر بها صدرا إلى أن توفي في يوم الإثنين سابع عشرى شعبان وكان له يوم مشهود وفيها الشيخ زين الدين الزواوي الإمام أبو محمد عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس المالكي القاضي المقرىء شيخ المقرئين ولد ببجابة سنة تسع وثمانين وخمسمائة وقرأ القراءات بالأسكندرية على ابن عيسى وبدمشق على السخاوي وبرع في الفقه وعلوم القرآن والزهد والإخلاص وولي مشيخة الأقراء بتربة أم الصالح اثنتين وعشرين سنة وقرأ عليه عدد كثير وولي القضاء تسعة أعوام ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه القاضي شمس الدين بن عطاء واستمر على التدريس والأقراء إلى أن توفي في رجب وفيها البرهان المراغي أبو الثناء محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الشافعي العلامة الأصولي ولد سنة خمس وستمائة وحدث عن أبي القسم بن رواحة وكان مع سعة فضائله وبراعته في العلوم صالحا متعبدا متعففا عرض عليه القضاء ومشيخة الشيوخ فامتنع ودرس مدة بالفلكية وأفتى واشتغل بالجامع مدة طويلة وحدث عنه المزي والبرزالي وابن العطار وجماعة وكان شيخا طوالا حسن الوجه مهيبا متصوفا لطيف الأخلاق كريم الشمائل مكمل الأدوات وكان عليه وعلى الشيخ تاج الدين مدار الفتوى بدمشق توفي في ربيع الآخر ودفن بمقابر الصوفية وفيها أبو المرهف المقداد بن

(5/374)


375
أبي القسم هبة الله بن علي بن المقداد الإمام نجيب الدين القيسي الشافعي ولد سنة ستمائة ببغداد وسمع بها من ابن الأخضر وأحمد بن الدبيثي وبمكة من ابن الحصري وابن البنا وروى الكثير وكان عدلا خيرا تاجرا توفي في ثامن شعبان بدمشق وفيها منكوتمر أخو أبغا بن هلاكو المغلى طاغية التتار كان نصرانيا جرح يوم المصاف على حمص وحصل له ألم وغم بالكسرة فاعتراه فيما قيل صرع متدارك كما اعترى أباه فهلك في أوائل المحرم بقوجه من جزيرة ابن عمر وله ثلاثون سنة وكان شجاعا جريئا مهيبا وفيها جمال الدين أبو إسحق يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القصصي الضرير المقرىء النحوي الحنبلي الفرضي ولد سابع رجب سنة ست وستمائة بالقصص من أعمال بغداد وقرأ القرآن بالروايات على أبي عبد الله محمد بن سالم صاحب البطائحي وغيره وسمع الحديث من عمر بن عبد العزيز ابن الناقد وأخته تاج النساء عجيبة وأجاز له ابن منينا وغيره وبرع في العربية والقراءات والفرائض وغير ذلك وانتفع الناس به في هذه العلوم وصنف فيها التصانيف الحسنة قال إبراهيم الجعبري هو جماعة لعلوم القرآن قرأت عليه كتبا كثيرة في ذلك وقال الذهبي كان مقرىء بغداد عارفا باللغة والنحو بصيرا بعلل القراءات متصديا لأقرائها دخل دمشق ومصر وسمع من شيوخهما جم الفضائل لا يتقدمه أحد في زمانه في الإقراء توفي يوم الجمعة تاسع عشرى سفر ببغداد ودفن بباب حرب سنة اثنتين وثمانين وستمائة فيها توفي إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصالحي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة سمع من حنبل وابن طبرزد والكبار وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب

(5/375)


376
وفيها أمير آل مري أحمد بن حجي كان يدعى أنه من نسل البرامكة وأنه ابن عم قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان وكانت سراياه تصل إلى أقصى نجد وأهل الحجاز يؤدون له الخفر وفيها شهاب الدين أبو المحاسن وأبو أحمد عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني نزيل دمشق الحنبلي ابن المجد وأبو شيخ الإسلام تقي الدين ولد سنة سبع وعشرين وستمائة بحران وسمع من والده وغيره ورحل في صغره إلى حلب فسمع بها من ابن اللتي وابن رواحة ويوسف بن خليل ويعيش النحوي وغيرهم وتفقه بوالده وتفنن في الفضائل قال الذهبي قرأ المذهب حتى أتقنه على والده ودرس وأفتى وصنف وصار شيخ البلد بعد أبيه وخطيبه وحاكمه وكان إماما محققا كثير الفنون له يد طولى في الفرائض والحساب والهيئة دينا متواضعا حسن الأخلاق جوادا من حسنات العصر تفقه عليه ولداه أبو العباس وأبو محمد وحدثنا عنه على المنبر ولده وكان قدومه إلى دمشق بأهله وأقاربه مهاجرا سنة سبع وستين وكان من أنجم الهدى وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس يشير إلى أبيه وابنه وقال البرزالي كان من أعيان الحنابلة باشر بدمشق مشيخة دار الحديث السكرية بالقصاعين وبها كان يسكن وكان له كرسي بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه ولما توفي خلفه فيهما ولده أبو العباس وله تعاليق وفوائد ومصنف في علوم عدة توفي ليلة الأحد سلخ ذي الحجة ودفن من الغد يقال بسفح قاسيون وفيها الجمال الجزائري أبو محمد عبد الله بن يحيى العتابي المحدث نزيل دمشق روى عن أبي الخطاب ابن دحية والسخاوي وخلق وكتب الكثير وصار من أعيان الطلبة مع العبادة والتواضع توفي في شوال وفيها شيخ الإسلام وبقية الأعلام شمس الدين أبو الفرج وأبو محمد عبد الرحمن بن القدوة والزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في

(5/376)


377
أول شوال وقيل في المحرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة بدير والده بسفح قاسيون وسمع من أبيه وعمه الشيخ موفق الدين ومن ابن طبرزد وحنبل وأبي اليمن الكندي وأبي القسم بن الحرستاني وابن ملاعب وجماعة مستكثرة وأجاز له الصيدلاني وابن الجوزي جماعة وسمع من أصحاب السلفي وعنى بالحديث وكتب بخطه الأجزاء والطباق وتفقه على عمه شيخ الإسلام موفق وشرح كتاب عمه المقنع في عشر مجلدات ضخمة وأخذ الأصول عن السيف الآمدي ودرس وأفتى وأقرأ العلم زمانا طويلا وانتفع به الناس وانتهت إليه رياسة المذهب في عصره بل رياسة العلم في زمانه وكان معظما عند الخاص والعالم عظيم الهيبة لدى الملوك وغيرهم كثير الفضائل والمحاسن متين الديانة والورع وقد جمع المحدث إسمعيل بن الخباز ترجمته وأخباره في مائة وخمسين جزءا قال الحافظ الذهبي ما رأيت سيرة عالم أطول منها أبدا وقال الذهبي أيضا في معجم شيوخه في ترجمة الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بل شيخ الإسلام وفقيه الشام وقدوة العباد وفريد وقته ومن اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه حدث نحوا من ستين سنة وكتب عنه أبو الفتح بن الحاجب وقال سألت عنه الحافظ الضياء فقال إمام عالم خير قال الذهبي وكان الشيخ محي الدين النواوي يقول هو أجل شيوخي وأول ما ولي مشيخة دار الحديث سنة خمس وستين وستمائة حدث عنه بها وقال ابن رجب روى عنه محي الدين النووي في كتاب الرخصة في القيام له فقال أنبأ الشيخ الإمام المتفق على إمامته وفضله وجلالته القاضي أبو محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد أبي عمر المقدسي رضي الله عنه وقال الذهبي وروى عنه أيضا الشيخ زين الدين أحمد بن عبد الدايم وهو أكبر منه وأسند وذكره في تاريخه الكبير وأطال ترجمته وذكر فضائله وعباداته وأوراده وكرمه ونفعه العام وأنه حج ثلاث مرات وكان آخرها قد رأى النبي صلى الله عليه سولم في المنام يطلبه فحج ذلك العام وحضر

(5/377)


378
الفتوحات وأنه كان رقيق القلب سريع الدمعة كثير الذكر لله والقيام بالليل محافظا على صلاة الضحى ويصلي بين العشاءين ما تيسر ويؤثر بما يأتيه من صلات الملوك وغيرهم وكان متواضعا عند العامة مترفعا عند الملوك وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدثين وأهل الدين وأوقع الله محبته في قلوب الخلق وكان كثير الاهتمام بأمور الناس لا يكاد يعلم بمريض إلا افتقده ولا مات أحد من أهل الجبل إلا شيعه وذكر فخر الدين البعلبكي أنه منذ عرفه ما رآه غضب وعرفه نحو خمسين سنة وقد ولي القضاء مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة على كره منه ولم يتناول عليه معلوما ثم عزل نفسه في آخر عمره وبقي قضاء الحنابلة شاغرا حتى ولي ولده نجم الدين في آخر حياة الشيخ وكان الشيخ ينزل في ولايته الحكم على بهيمة إلى البلد وقد ذكر أبو شامة في ذيله ولاية الشيخ سنة أربع وستين قال جاء من مصر ثلاثة عهود بقضاء القضاة ثلاثة ابن عطاء والزواوي وابن أبي عمر فلم يقبل المالكي والحنبلي وقبل الحنفي ثم ورد الأمر بإلزامهما بذلك وقيل إن لم يقبلاها وألا يؤخذ ما بأيديهما من الأوقاف ففعلا من أخذ جامكية وقالا نحن في كفاية فأعفيا منها وبقي بعد عزل نفسه متوفرا على العبادة والتدريس وأشغال الطلبة والتصنيف وكان أوحد زمانه في تعدد الفضائل والتفرد بالمحامد ولم يكن له نظير في خلقه ورياضته وما هو عليه وانتفع به خلق كثير وممن أخذ عنه العلم الشيخ تقي الدين بن تيمية والشيخ مجد الدين إسمعيل بن محمد الحراني وكان يقول ما رأيت بعيني مثله وروى عنه خلق كثير من الأئمة والحافظ منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية وأبو محمد الحارثي وأبو الحسن بن العطار والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي رحمه الله ليلا الثلاثاء سلخ ربيع الآخر ودفن من الغد عند والده بسفح قاسيون وكانت جنازته مشهودة حضرها أمم لا يحصون ويقال أنه لم يسمع بمثلها من دهر طويل قال الذهبي رأيت وفاة الشيخ شمس الدين بن أبي عمر بخط شيخنا

(5/378)


شيخ الإسلام ابن تيمية فمن ذلك
379
توفي شيخنا الإمام سيد أهل الإسلام في زمانه وقطب فلك الأيام في أوانه وحيد الزمان حقا حقا وفريد العصر صدقا صدقا الجامع لأنواع المحاسن والمعالي البريء عن جميع النقائص والمساوي القارن بين خلتي العلم والحلم والحسب والنسب والعقل والفضل والخلق والخلق ذو الأخلاق الزكية والأعمال المرضية مع سلامة الصدر والطبع واللطف والرفق وحسن النية وطيب الطوية حتى أن كان المتعنت يطلب له عيبا فيعوزه إلى أن قال وبكت عليه العيون بأسرها وعم مصابه جميع الطوائف وسائر الفرق فأي جمع ما سجم وأي أصل ما جذم وأي ركن ما هدم وأي فضل ما عدم ياله من خطب ما أعظمه ومصاب ما أفخمه وبالجملة فقد كان الشيخ أوحد العصر في أنواع الفضائل هذا حكم مسلم من جميع الطوائف وكان مصابه أجل من أن تحيط به العبارة فرحمه الله ورضي عنه وأسكنه بحبوحة جنته ونفعنا بمحبته أنه جواد كيم انتهى وفيها العماد الموصلي أبو الحسن علي بن يعقوب ابن أبي زهران المقرىء الشافعي أحد من انتهت إليه رياسة الأقراء قرأ على ابن وثيق وغيره وكان فصيحا مفوها وفقيها مناظرا تكرر على الوجيز للغزالي وتوفي في صفر وله إحدى وستون سنة وفيها ابن أبي عصرون محي الدين أبو الخطاب عمر بن محمد بن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التميمي الدمشقي الشافعي سمع في الخامسة من عمره من ابن طبرزد وسمع من الكندي وغيره وتعاني الجندية ودرس بمدرسة جده بدمشق وتوفي فجأة في ذي القعدة وفيها المقدسي المفتي شمس الدين محمد بن أحمد بن نعمة الشافعي مدرس الشامية ولي نيابة القضاء عن ابن الصايغ وكان بارعا في المذهب متين الديانة خيرا ورعا توفي في ثاني عشر ذي القعدة قاله في العبر وقال الأسنوي في طبقات الشافعية أبو العباس أحمد الملقب شرف الدين كان إماما في الفقه والأصول والعربية والنظر حاد الذهن دينا متنسكا متواضعا حسن الأخلاق والاعتقاد

(5/379)


380
لطيف الشمائل طويل الروح على الاشتغال يكتب الخط الفائق المنسوب انتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ تاج الدين بن الفركاح وتخرج به جماعة وصنف في الأصول تصنيفا جيدا ودرس بالشامية البرانية والغزالية وتولي مشيخة دار الحديث النورية وخطابة الجامع وناب في الحكم عن ابن الخويني وكان نظيره في العلوم توفي في رمضان سنة أربع وتسعين وستمائة وقد نيف على السبعين وأما أخوه فهو شمس الدين محمد تفقه وبرع في المذهب وكان ممن جمع بين العلم والدين المتين اشترك هو والقاضي عز الدين ابن الصايغ في الشامية البرانية ثم استقل بها عند تولية ابن الصايغ وكالة بيت المال وناب في الحكم عن ابن الصايغ وسمع وحدث وتوفي ثاني عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وستمائة وقد جاوز الخمسين انتهى كلام الأسنوي وفيها ابن الحرستاني خطيب دمشق محي الدين أبو حامد محمد بن الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي أبي القسم عبد الصمد بن الحرستاني الأنصاري الشافعي الخزرجي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من ابن صصرى وغيره ودرس وأفتى وأشغل وكان قوي المشاركة في العلوم على خطابته طلاوة وروح قال ابن كثير كان صينا دينا فقيها نبيها فاضلا شاعرا مجيدا بارعا ملازما منزله فيه عبادة وتنسك وانقطاع طيب الصوت في الخطبة عليه روح بسبب تقواه توفي في جمادى الآخرة ودفن بالصالحية انتهى وفيها ابن القواس شرف الدين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطائي الدمشقي ولد سنة اثنتين وستمائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني والخضر بن كامل وكان شيخا متميزا حسن الديانة توفي في ربيع الآخر وفيها العماد بن الشيرازي القاضي الرئيس أبو الفضل محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي صاحب الخط المنسوب ولد سنة خمس وستمائة وسمع من ابن الحرستاني وداود بن ملاعب وكتب على الولي وانتهت

(5/380)


381
إليه رياسة التجويد مع الحشمة والوقار وتوفي في ثامن عشر صفر وكان مرضه أربعة أيام وفيها الحافظ ابن جعوان بالجيم والواو وبينهما مهملة محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي الشافعي كان إماما حافظا متقنا نحويا توفي قبيل الكهولة ولم يبلغ من التسمع مأموله قاله ابن ناصر الدين وفيها الرشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي سمع دلائل النبوة وصحيح مسلم من ابن الحرستاني وجزء الأنصاري من الكندي وتوفي في ذي الحجة قاله في العبر وفيها المحي بن القلانسي الصدر الأوحد أبو الفضل يحيى بن علي بن محمد بن سعد التميمي الدمشقي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من ابن الموفق وابن البن وطائفة وتوفي في شوال سنة ثلاث وثمانين وستمائة في شعبان كانت الزيادة الهائلة بدمشق بالليل وكان عسكر المصريين بالوادي فذهب لهم ما لا يوصف وخربت البيوت وانطمت الأنهار وكسر الماء أقفال باب الفراديس ودخل حتى وصل إلى مدرسة المقدمية وكسر جسر باب الفراديس وفيها توفي ابن المنير العلامة ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الأسكندراني المالكي قاضي الأسكندرية وفاضلها المشهور ولد سنة عشرين وستمائة وبرع في الفقه والأصول والنظر والعربية والبلاغة وصنف التصانيف وتوفي في أول ربيع الأول وفيها الملك أحمد بن هلاكو المغلى ولي السلطنة بعد أخيه أبغا أسلم وهو صبي ويسر له قرين صالح وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا وسعى في الصلح مات وله بضع وعشرون سنة وكان قليل الشر مائلا إلى الخير ومات أيضا عبد الرحمن في الاعتقال بقلعة دمشق بعده وفيها ابن البارزي

(5/381)


382
قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها الإمام نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله الجهني الشافعي ولد بحماة سنة ثمان وستمائة وسمع من موسى بن عبد القادر وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام له ديانة متينة وصدق وتواضع وشعر بديع منه ( إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا * فلا أضلعي تهدا ولا أدمعي ترقا ) ( وإن ناح فوق البان ورق حمائم * سحيرا فنوحي في الدجى علم الورقا ) ( فرقوا لقلب في ضرام غرامه * حريق وأجفان بأدمعها غرقى ) ( سميرى من سعد خذا نحو أرضهم * يمينا ولا تستبعدا نحوها الطرقا ) ( وعوجا على أفق توشح شيحه * بطيب الشذا المكي أكرم به أفقا ) ( فإن به المغنى الذي بترابه * وذكراه يستشفي لقلبي ويسترقي ) ( ومن دونه عرب يرون نفوس من * يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا ) ( بأيديهم بيض بها الموت أحمر * وسمر لدى هيجائهم تحمل الزرقا ) ( وقولا محبا للشآم غدا لقى * لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى ) ( تعلقكم في عنفوان شبابه * ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى ) ( وكان يمني النفس بالقرب فاغتدى * بلا أمل إذ لا يؤمل أن يبقى ) ( عليكم سلام الله أما مدادكم * فباق وأما البعد عنكم فما أبقى ) توفي في تبوك في ذي القعدة فحمل إلى المدينة المنورة وفيها علاء الدين صاحب الديوان عطا مالك بن الصاحب بهاء الدين محمد بن محمد الخراساني الجويني أخو الوزير الكبير شمس الدين نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدين فساسه أحسن سياسة طلب في هذه السنة فاختفى

(5/382)


383
ومات في الاختفاء وقتل أخوه شمس الدين وفيها ابن مهنا رئس آل فضل ملك العرب عيسى بن مهنا كان له المنزلة العالية عند السلطان توفي في ربيع الأول وقام بعده ولده الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر وفيها الصدر الكبير المنشى بهاء الدين ابن الفخر عيسى الأربلي له الفضيلة التامة والنظم الرائق والنثر الفائق صنف مقامات حسنة ورسالة لطيف ومن شعره ( أي عذر وقد تبدى العذار * أن ثنا تجلد واصطبار ) ( فأقلا إن شئتما أو فزيدا * ليس لي عن هوى الملاح قرار ) ( هل مجير من الغرام وهيهات * أسير الغرام ليس يجار ) ( يا بديع الجمال قد كثرت * فيك اللواحي وقلت الانصار ) وله ( ما العيش إلا خمسة لا سادس * لهم وإن قصرت بها الأعمار ) ( زمن الربيع وشرخ أيام الصبا * والكاس والمعشوق والدينار ) وله فيه ( إنما العيش خمسة فاغتنمها * واستمعها بصحة من صدوق ) ( من سلاف وعسجد وشباب * وزمان الربيع والمعشوق ) وفيها فاطمة بنت الحافظ عماد الدين علي بن القسم بن مؤرخ الشام أبي القسم بن عساكر ولدت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمعت من ابن طبرزد وجماعة وأجاز لها الصيدلاني وتوفيت في شعبان وفيها ابن الصايغ بالصاد المهملة والغين المعجمة قاضي القضاة عز الدين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الدمشقي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع من ابن اللتي وجماعة ولازم القاضي كمال الدين التفليسي حتى صار من أعيان أصحابه وكان عارفا بالمذهب

(5/383)


384
بارعا في الأصول والمناظرة درس بالشامية مشاركة مع شمس الدين المقدسي ثم ولي وكالة بيت المال ثم ولي قضاء الشام وعزل بابن خلكان فظهرت منه نهضة وشهامة وقيام في الحق بكل ممكن وكان عزله في أول سنة سبع وسبعين وبقي له تدريس العذراوية ثم أعيد إلى منصبه في أول سنة ثمانين تم أنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار وتمت له فصول إلى أن خلصه الله ثم ولوا القاضي بهاء الدين بن الزكي وانقطع هو بمنزله في بستانه إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر ولما حضرته الوفاة جمع أهله وتوضأ وصلى بهم ثم قال هللوا معي وبقي يهلل بهم إلى أن توفي مع قول لا إله إلا الله ذكره البرزالي وفيها ابن خلكان قاضي بعلبك بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم كان أسن من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين وسمع الصحيح من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وطائفة وكان حسن الأخلاق رقيق القلب سليم الصدر ذا دين وخير وتواضع توفي في رجب وفيها الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب تملك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة وله عشر سنين رعاية لأمه الصاحبة ابنة الكامل وكان لعابا مصرا على أمور الله يسامحه قاله في العبر وفيها ابن النعمان القدوة الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني قدم الأسكندرية شابا فسمع بها من محمد بن عماد والصفراوي وكان عارفا بمذهب مالك راسخ القدم في العبادة والنسك أشعريا منحرفا على الحنابلة توفي في رمضان ودفن بالقرافة وشيعه أمم قاله في العبر وفيها تقي الدين محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي الفقيه الحنبلي سمع بدمشق من أبي القسم بن صصرى وغيره وببغداد من أبي الحسن القطيعي

(5/384)


385
وطبقته وكان فاضلا مفننا صالحا وهو والد الشيخ شهاب الدين أحمد بن جبارة توفي في ذي الحجة بسفح قاسيون ودفن به وفيها تقي الدين أبو الميامن مظفر بن أبي بكر بن مظفر بن علي الجوسقي ثم البغدادي الحنبلي الفقيه الأصولي النظار المعروف بالحاج ولد في مستهل رجب سنة ثلاث عشرة وستمائة وسمع من أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن السباك وتفقه وبرع في المذهب والخلاف والأصول وناظر وأفتى ودرس بالمدرسة البشرية لطائفة الحنابلة وكان من أعيان الفقهاء وأئمة المذهب وحدث وسمع منه القلانسي وغيره وتوفي ببغداد في آخر نهار السبت رابع عشري ربيع الأول ودفن بحظيرة قبر الإمام أحمد ولم يخلف في بغداد مثله سنة أربع وثمانين وستمائة فيها توفي الوزير المقرىء المجود برهان الدين إبراهيم بن إسحق بن المظفر المصري ولد سنة تسع عشرة وستمائة وقرأ القراءات على أصحاب الشاطبي وأبي الجواد وأقرأها بدمشق وتوفي بين الحرمين في أواخر ذي الحجة وفيها النسفي العلامة برهان الدين محمد بن محمود بن محمد الحنفي المتكلم صاحب التصانيف في الخلاف وتخرج به خلق وبقي إلى هذا العام وكان مولده سنة ستمائة وفيها ست العرب بنت يحيى بن قايماز أم الخير الدمشقية الكندية سمعت من مولاهم التاج الكندي وحضرت على ابن طبرزد الغيلانيات وتوفيت في المحرم عن خمس وثمانين سنة وفيها الرشيد سعيد بن علي بن سعيد البصروي الحنفي مدرس الشبلية أحد أئمة المذهب كان دينا ورعا نحويا شاعرا توفي في شعبان وقد قارب

(5/385)


386
الستين وفيها الصاين مقرىء بلاد الروم أبو عبد الله محمد البصري المقرىء المجود الضرير قرأ القراءات بدمشق على المنتخب وكان بصيرا بمذهب الشافعي عدلا خيرا صالحا وفيها الزين عبد الله بن الناصح عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي سمع بالموصل من عبد المحسن بن الخطيب وببغداد من الداهري وبدمشق من ابن البن وعاش ثمانين سنة وتوفي في شوال وفيها الشمس المقدسي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع من كريمة القرشية وغيرها وتفقه وبرع في المذهب وأفتى ودرس قال اليونيني في تاريخه كان من الفضلاء الصلحاء الأخيار سمع الكثير وكتب بخطه وشرع في تأليف كتاب في الحديث مرتبا على أبواب الفقه ولو تم لكان نافعا وكان الشيخ شمس الدين بن أبي عمر يحبه كثيرا ويفضله على سائر أهله وكان أهلا لذلك فلقد كان من حسنات المقادسة كثير الكرم والخدمة والتواضع والسعي في قضاء حوائج الإخوان والأصحاب توفي يوم الإثنين ثامن عشرى شعبان بقرية جماعيل من عمل نابلس ودفن بها وفيها إسمعيل بن إبراهيم بن علي الفراء الصالحي كان حنبليا صالحا زاهدا ورعا ذا كرامات ظاهرة وأخلاق طاهرة ومعاملات باطنة صحب الشيخ الفقيه اليونيني وكان يقال أنه يعرف الاسم الأعظم توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى قاله ابن رجب وفيها الإمام نور الدين أبو طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي القسم بن علي بن عثمان البصري الضرير الفقيه الحنبلي نزيل بغداد ولد يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة بقرية من قرى البصرة وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة وحفظ الخرقي وكف بصره سنة أربع وثلاثين وسمع بالبصرة من ابن دويرة المذكورة وقدم بغداد وحفظ بها كتاب

(5/386)


387
الهداية لأبي الخطاب ولازم الاشتغال وأفتى سنة ثمان وأربعين وسمع من المجد بن تيمية وغيره وكان بارعا في الفقه له معرفة بالحديث والتفسير ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه وخلع عليه ببغداد خلعة وألبس الطرحه السوداء في خلافة المعتصم سنة اثنتين وخمسين وذكر ابن الساعي أنه لم يلبس الطرحة أعمى بعد أبي طالب بن الخل سوى الشيخ نور الدين هذا ثم بعد واقعة بغداد طلب إليها ليولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية فلم يتفق وتقدم الشيخ جلال الدين بن عكبر فرتب الشيخ نور الدين مدرسا بالبشرية وله تصانيف عديدة منها كتاب جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم وكتاب الحاوي في الفقه في مجلدين والكافي في شرح الخرقي والواضح في شرح الخرقي أيضا وغير ذلك وتفقه عليه جماعة منهم صفي الدين بن عبد الحق وقال عنه كان شيخنا من العلماء المجتهدين والفقهاء المنفردين وكان له فطنة عظيمة ونادرة عجينة منها ما حكى محمد بن إبراهيم الخالدي وكان ملازما للشيخ نور الدين حتى زوجه الشيخ ابنته قال عقد مجلس بالمستنصرية مرة للمظالم وحضره الأعيان فاتفق جلوس الشيخ إلى جانب بهاء الدين بن الفخر عيسى كاتب ديوان الإنشاء وتكلم الجماعة فنزل الشيخ نور الدين عليهم بالبحث ورجع إلى قوله فقال له ابن الفخر عيسى من أين الشيخ قال من البصرة قال والمذهب قال حنبلي قال عجب بصري حنبلي فقال الشيخ هنا أعجب من هذا كراد معدوم أو نادر توفي الشيخ نور الدين ليلة السبت ليلة عيد الفطر ودفن قرب الإمام أحمد ومن فوائده أنه اختار أن الماء لا ينجس إلا بالتغير وإن كان قليلا وإن بني هاشم يجوز لهم أخذ الزكاة إذا منعوا حقهم من الخمس وفيها أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النحوي الأنصاري القرطاجني صاحب القصيدة الميمية في

(5/387)


388
النحو المشهورة قال الشمني في حاشيته على المغنى القرطاجني بفتح القاف وراء ساكنة وطاء مهملة فألف فجيم مفتوحة فنون فياء نسبة من قرطاجنة الأندلس لا من قرطاجنة تونس كان إماما بليغا ريان من الأدب نزل تونس وامتدح بها المنصور صاحب أفريقية أبا عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص ومات سنة أربع وثمانين وستمائة انتهى وفيها أبو القسم علي بن بلبان المحدث الرحال علاء الدين المقدسي الناصري الكركي مشرف الجامع وإمام مسجد الماشكي تحت مأذنة فيروز ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من ابن اللتى والقطيعي وابن القبيطي وخلق كثير بالشام والعراق ومصر وعنى بالحديث وخرج العوالي وتوفي برمضان وفيها المراكشي علاء الدين علي بن محمد بن علي البكري الكاتب سمع من ابن صباح وابن الزبيدي وولي نظر المارستان ونظر الدواوين وتوفي في جمادى الأولى عن بضع وستين سنة وفيها علاء الدين علي البندقداري الأمير الكبير الذي كان مولى الملك الظاهر كان أميرا جليلا عاقلا وكان أولا للأمير جمال الدين بن يغمور ثم جعله للملك الصالح فجعله بندقداره توفي بالقاهرة وفيها الأمير شبل الدولة الطواشي أبو المسك كافور الصوابي الصالحي الصفوي خزندار قلعة دمشق روى عن ابن رواح وجماعة وكان محبا للحديث عاقلا دينا توفي في مرضان وقد نيف على الثمانين وفيها ابن شداد الرئيسي المنشىء البلغي عز الدين محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وهو الذي جمع السيرة للملك الظاهر وجمع تاريخا لحلب توفي في صفر وفيها ابن الأنماطي أبو بكر محمد ابن الحافظ البارع أبي الطاهر إسمعيل بن عبد الله الأنصاري المصري ولد بدمشق سنة تسع وستمائة وسمع حضورا من الكندي وأكثر عن الحرستاني وابن ملاعب وخلق وتوفي في ذي الحجة بالقاهرة

(5/388)


389
وفيها الأمير ناصر الدين الحراني محمد بن الافتخار اياز والي دمشق بعد أبيه ومشد الأوقاف كان من عقلاء الرجال والبائهم مع الفضيلة والديانة والمروة والكلمة النافذة في الدولة استعفى من الولاية فاعفى ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها وتوفي في شعابن ونقل إلى دمشق في آخر الكهولة وفيها الأخميمي الزاهد شرف الدين محمد بن الحسن بن إسمعيل نزيل سفح قاسيون كان صاحب توجد وتعبد وللناس فيه عقيدة عظيمة توفي في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها ابن عامر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الصالحي المقرىء صاحب الميعاد المعروف روى عن ابن ملاعب وجماعة وكان صالحا متواضعا خيرا حسن الوعظ حلو العبارة توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين وفيها الرومي الزاهد شرف الدين محمد بن الشيخ الكبير عثمان بن علي صاحب الزاوية التي بسفح قاسيون كان عجبا في الكرم والتواضع ومحبة السماع توفي في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين قاله في العبر وفيها الرضى رضى الدين الشاطبي محمد بن علي بن يوسف الأنصاري ولد ببلنسية سنة إحدى وستمائة وكان إمام عصره في اللغة وحدث عن المقير وغيره وقرأ لورش على محمد بن أحمد بن مسعود الشاطبي صاحب ابن هذيل وتصدر بالقاهرة وأخذ عنه الناس وروى عنه أبو حيان وغيره وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى بالقاهرة وفيها مجير الدين بن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي الحموي الدمشقي الأمير سبط ابن تميم استوطن حماة وكان من العقلاء الفضلاء الكرماء وشعره في غاية الجودة فمنه قوله ( أطالع كل ديوان أراه * ولم أزجر عن التضمين طيرى ) ( أضمن كل بيت نصف بيت * فشعرى نصفه من شعر غيرى )

(5/389)


390
وقال ( عاينت ورد الروض يلطم خده * ويقول وهو على البنفسج محنق ) ( لا تقربوه وأن توضع نشره * ما بينكم فهو العدو الأزرق ) وقال في توديع مليح ( مولاي قد كثرت ليالي هجرنا * حتى عجزت سلمت لي عن عدها ) ( أودع فمي قبل التودع قبلة * وأنا الكفيل إذا رجعت بردها ) سنة خمس وثمانين وستمائة فيها أخذت الكرك من الملك المسعود خضر بن الملك الظاهر ونزل منها وسار إلى مصر وفيها بدر الدين أبو العباس أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشيباني الصالحي العطار ثم الخياط راوى مسند الإمام أحمد أكثر عن حنبل وابن طبرزد وجماعة وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني وخلق وكان مطبوعا متواضعا توفي في الثامن والعشرني من صفر عن تسع وثمانين سنة وفيها المقرىء الأستاذ القدوة أبو علي الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربري الرجل الصالح تصدر للأقراء والإفادة وأخذ عنه مثل الشيخ التونسي والشيخ شهاب الدين بن جبارة ولم يقرأ على غير الكمال الضرير وتوفي في صفر بالقاهرة وفيها الصفي أبو الصفا خليل بن أبي بكر بن محمد بن صديق المراغي الفقيه الحنبلي المقرىء سمع من ابن الحرستاني وابن ملاعب وطائفة وتفقه على الموفق وقرأ القراءات على ابن ماسويه وقرأ أصول الفقه على السيف الآمدي وناب في القضاء بالقاهرة فحمدت سيرته وطرئقه وشكرت خلائقه قال الذهبي كان مجموع الفضائل كثير المناقب متين الديانة صحيح الأخذ بصيرا بالمذهب عالما بالخلاف والطب قرأ عليه بالروايات بدر الدين بن الجوهري وأبو بكر بن الجعبري وجماعة من المصريين وسمع

(5/390)


391
منه ابن الظاهري وابنه الحافظ المزي وأبو حيان والحافظ عبد الكريم بن منير وخلق سواهم توفي يوم السبت سابع عشر ذي القعدة بالقاهرة ودفن بمقابر باب النصر وفيها الشيخ موفق الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن يوسف بن الصياد المقرىء الفقيه الحنبلي المعدل حدث عن ابن اللتي وروى عن حنبل وابن طبرزد والكندي وهذهالطيفة وروى عنه جماعة وتوفي ببغداد في رجب وفيها أبو الفضل محمد بن محمد بن علي الزيات البابصري البغدادي الحنبلي الواعظ أحد شيوخ بغداد المسندين حدث عن ابن صرما والفتح بن عبد السلام وغيرهما وسمع منه خلق كثير منهم الفرضي وقال كان عالما زاهدا عارفا ثقة عدلا مسندا من بيت الحديث والزهد وعظ في شبابه ثم ترك ذلك وتوفي في آخر السنة وفيها القاضي جمال الدين أبو إسحق إسمعيل بن جمعة بن عبد الرزاق قاضي سامرا كان فاضلا أديبا له نظم حسن سمع من الشيخ جمال الدين عبد الرحمن بن طلحة بن غانم العلثي فضائل القدس لابن الجوزي بسماعه منه وأجاز لغير واحد وتوفي في جمادى الأولى وفيها شامية أمة الحق بنت الحفاظ أبي علي الحسن بن محمد البكري روت عن جد أبيها وجدها وحنبل وابن طبرزد وتفردت بعدة أجزاء وتوفيت بشيزر عند أقاربها في أواخر رمضان عن سبع وثمانين سنة وفيها السراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد إسمعيل التميمي الأسكندراني أخو المقرىء كمال الدين سمع من التاج الكندي وابن الحرستاني وتوفي بالأسكندرية في ربيع الأول وفيها الشيخ القدوة الزاهد تاج الدين عبد الدايم المقدسي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق وجماعة وتوفي في رمضان وقد نيف على السبعين وفيها عفيف الدين عبد الرحيم

(5/391)


392
ابن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي بن الزجاج أحد مشايخ العراق فقيه حنبلي زاهد سني أثري عارف بمذهب أحمد ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من عبد السلام العبرتي والفتح بن عبد السلام وطائفة وتوفي في المحرم بذات لحج بعد قضاء الحج قاله في العبر وفيها الشيخ عبد الواحد ابن علي القرشي الهكاري الفارقي الحنبلي سمع من مسمار بن العويس بالموصل ومن موسى بن الشيخ عبد القادر وطائفة بدمشق وكان عبدا صالحا توفي في رمضان بالقاهرة وله أربع وتسعون سنة وفيها المعين بن تولو الشاعر المشهور عثمان بن سعيد الفهرية المصري توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله ثمانون سنة وفيها الشريشي نسبة إلى شريش ككريم مدينة بشذونة قاله السيوطي العلامة جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوابلي الأندلسي الفقيه المالكي الأصولي المفسر ولد سنة إحدى وستمائة وسمع بالثغر من محمد بن عماد وببغداد من الحسن القطيعي وخلق وبدمشق من مكرم وكان بارعا في مذهب مالك محققا للعربية عارفا بالكلام والنظر قيما بكتاب الله وتفسيره جيد المشاركة في العلوم ذا زهد وتعبد وجلالة شرح مقامات الحريري شرحا ممتعا وتوفي في الرابع والعشرين من رجب وفيها القاضي ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي بفتح الباء إلى البيضاء من بلاد فارس الشافعي قال ابن شهبة في طبقاته صاحب المصنفات وعالم أذربيجان وشيخ تلك الناحية ولي قضاء شيراز قال السبكي كان إماما مبرزا نظارا خيرا صالحا متعبدا وقال ابن حبيب تكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته ولو لم يكن له غير المنهاج الوجيز

(5/392)


393
لفظه المحرر لكفاه ولي أمر القضاء بشيراز وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز توفي بمدينة تبريز قال السبكي والأسنوي سنة إحدى وتسعين وستمائة وقال ابن كثير في تاريخه والكتبي وابن حبيب توفي سنة خمس وثمانين وأهمله الذهبي في العبر انتهى كلام ابن شهبة وقال ابن كثير في طبقاته ومن تصانيفه الطوالع قال السبكي وهو أجل مختصر في علم الكلام والمنهاج مختصر من الحاصل والمصباح ومختصر الكشاف والغاية القصوى في رواية الفتوى وغير ذلك رحمه الله تعالى وفيها ابن الخيمي شهاب الدين محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري الصوفي الشاعر المحسن حامل لواء النظم في وقته سمع جامع الترمذي من علي بن البناء وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة وتوفي في رجب عن اثنين وثمانين سنة وأكثر قاله في العبر ومن شعره ( كلفت ببدر في مبادي الدجى بدا * فعاد لنا ضوء الصباح كما بدا ) ( وحجب عنا حسنه نور حسنه * فمن ذلك الحسن الضلالة والهدى ) ( فيا حبذا نار لقلبي تصطلي * ويا دمع عيني حبذا أنت موردا ) ( ويا سقمي في الحب أهلا ومرحبا * ويا صحة السلوان شأنك والعدا ) ( فلست أرى عن ملة الحب مائلا * وكيف ونور العامرية قد بدا ) وفيها الدينوري خطيب كفر بطنا الشيخ جمال الدين أبو البركات محمد ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصوفي الشافعي ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بالدينور وقدم مع أبيه وله عشر سنين فسكن بسفح قاسيون وسمع الكثير ونسخ الأجزاء واشتغل وحصل وحدث عن ابن الزبيدي والناصح بن الحنبلي وطائفة وكان دينا فاضلا عالما وتوفي في رجب وفيها ابن الدباب الواعظ جمال الدين أبو الفضل محمد بن أبي الفرج

(5/393)


394
محمد بن علي البابصري الحنبلي ولد سنة ثلاث وستمائة وسمع من أحمد بن صرما وثابت بن مشرف وحدث بالكثير وتوفي في آخر العام ببغداد وفيها ابن المهتار الكاتب المجود المحدث الورع مجد الدين يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي قارىء دار الحديث الأشرفية ولد في حدود سنة عشر وسمع من ابن الزبيدي وابن صباح وطبقتهما وروى الكثير وتوفي في تاسع ذي القعدة وفيها ابن الزكي قاضي القضاة بهاء الدين أبو الفضل يوسف بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن قاضي القضاة محي الدين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدين علي بن قاض القضاة منتجب الدين محمد بن يحيى القرشي الدمشقي الشافعي ولد سنة أربعين وستمائة وبرع في العلم بذكائه المفرط وقدرته على المناظرة وحل المعضلات وسمع بمصر من جماعة وتفقه بأبيه وغيره وأخذ العلوم العقلية عن القاضي كمال الدين التفليسي وولي القضاء بعد ابن الصايغ سنة اثنتين وثمانين إلى أن توفي وهو آخر من ولي القضاء من هذا البيت وقد جمع له أجل مدارس دمشق وهي العزيزية والتقوية والفلكية والعادلية والمجاهدية والكلاسة قال الذهبي كان جليلا نبيلا ذكيا سريا كامل الرياسة وافر العلم بارعا في الأصول بصيرا بالفقه فصيحا مفوها حلالا للمشكلات غواصا على المعاني سريع الحفظ قوي المناظرة قيل أنه كان يحفظ الورقتين والثلاثة للدرس من نظرة واحدة ويورد الدرس في غاية الجزالة وكان يورد في اليوم عدة دروس وكان أديبا إخباريا كثير المحفوظ علامة كريم النفس كثير المحاسن مليح الفتاوي وهو ذكي بيت الزكي توفي في حادي عشر ذي الحجة وله خمس وأربعون سنة ودفن بتربتهم جوار ابن عربي قدس سره

(5/394)


395
سنة ست وثمانين وستمائة فيها توفي البرهان السنجاري قاضي القضاة أبو محمد الخضر بن الحسن بن علي الزراري الشافعي ولي قضاء مصر وحدها مدة في دولة الصالح ثم آذاه الوزير بهاء الدين ونكبه فلما مات ولي الوزارة للملك السعيد وبقي مدة ثم عزل وضربه الشجاعي ثم ولى الوزارة ثانيا ثم عزل وأوذي ثم ولي قضاء القضاة بالإقليم فتوفي بعد عشرين يوما فيقال أنه سم توفي في صفر وولي بعده تقي الدين بن بنت الاعز وفيها أو في سنة أربع وثمانين نجم الأمة الرضى شارح الكافية الإمام المشهور قال السيوطي في طبقات النحاة شرح الكافية لابن الحاجب الشرح الذي لم يؤلف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقال أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذهب ينفرد به ولقبه نجم الأئمة ولم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته إلا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة ثلاث وثمانين وستمائة وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدين بن عزم بمكة أن وفاته سنة أربع وثمانين أو ست وثمانين الشك مني وله شرح على الشافية انتهى كلام السيوطي وفيها ابن بليمان الأديب شرف الدين بن سليمان بن بليمان بن أبي الجيش الأربلي الشاعر المشهور أحد الظرفاء في العالم توفي بدمشق وقد كمل التسعين وفيها ابن عساكر الإمام الزاهد أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقي المجاور بمكة روى عن جده والشيخ الموفق وطائفة وكان صالحا خيرا قول المشاركة في العلم بديع النظم لطيف الشمائل صاحب توجه وصدق

(5/395)


396
ولد سنة أربع عشرة وستمائة وجاو ربمكة أربعين سنة وتوفي في جمادى الأولى وفيها عز الدين أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن الصيقل مسند الوقت الحراني روى عن أبي حامد بن جوالق ويوسف بن كامل وطائفة وأجاز له ابن كليب فكان آخر من روى عن أكثر شيوخه وممن روى عنه الحافظ علم الدين البرزالي قال حدثنا الشيخ أبو العز الحراني قال حدثني عبد الكافي بمصر ووصفه بالصلاح قال خرجت في بعض الجنائز وتحت النعش أسود فصلينا على الميت ووقف الأسود لا يصلي فلما أدخل الميت إلى القبر نظر إلي وقال أنا عمله وقفز ودخل القبر فنظرت في القبر فلم أر شيئا انتهى وتوفي أبو العز هذا بمصر في جامع عمرو بن العاص في رابع عشر رجب وقد نيف على التسعين وصلى عليه ابن دقيق العيد وفيها وقيل في التي قبلها كما جزم به الأسنوي وابن قاضي شهبة قاضي القضاة وجيه الدين عبد الوهاب بن الحسن المصري البهنسي الشافعي ولي قضاء مصر والقاهرة بعد موت القاضي تقي الدين بن رزين في رجب سنة ثمانين ثم أخذ منه قضاء القاهرة والوجه البحري وأعطى للقاضي شهاب الدين الجويني في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين واستمر الوجيه حاكما بمصر والوجه القبلي إلى أن توفي قال الأسنوي كان إماما كبيرا في الفقه وقال السبكي كان من كبار الأئمة وقال غيرهما أخذ عن ابن عبد السلام ودرس بالزاوية المحدثة بالجامع العتيق بمصر وكان فقيها أصوليا نحويا متدينا متعبدا عالي الكلام في المناظرة حضر عند الشيخ شهاب الدين القرافي مرة في الدرس وهو يتكلم في الأصول فناظره القرافي وكلام الوجيه يعلو فقام طالب يتكلم بينهما فأسكته الوجيه وقال فروج يصيح بين الديكة توفي الوجيه رحمه الله تعالى في جمادى الأولى في عشر الثمانين وفيها ابن الحبوبي شهاب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي الثعلبي الدمشقي الشاهد روى عن الحرستاني

(5/396)


397
وغيره وأجاز له المؤيد الطوسي وابن الأخضر وتوفي في رجب وفيها ابن القسطلاني الإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري ثم المكي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من علي بن البناء والشهاب السهروردي وتفقه في مذهب الإمام الشافعي وأفتى ثم رحل سنة تسع وأربعين فسمع ببغداد ومصر والشام والجزيرة وكان أحد من جمع العلم والعمل والهيبة والورع قال ابن تغري بردي كان شجاعا عالما عاملا عابدا زاهدا جامعا للفضائل كريم النفس كثير الإيثار حسن الأخلاق قليل المثل وكان بينه وبين ابن سبعين عداوة وينكر عليه بمكة كثيرا من أحواله وقد صنف في الطائفة الذين يسلك طريقتهم ابن سبعين وبدأ بالحلاج وختم بالعفيفي التلمساني وكان القطب هذا مأوى الفقراء والواردين عليه يبرهم ويعين كثيرا منهم ومن شعره ( إذا كان أنسى في التزامي خلوتي * وقلبي عن كل البرية خال ) ( فما ضرني من كان لي الدهر قاليا * ولا سرني من كان في موال ) وقال الأسنوي استقر بمكة وكان ممن جمع العلم والعمل والهيبة والورع والكرم طلب من مكة وفوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن توفي في شهر المحرم ومن شعر ( إذا طاب أصل المرء طابت فروعه * ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد ) ( وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله * ليظهر صنع الله في العكس والطرد ) وفيها الدنيسري الطبيب الحاذق عماد الدين أبو عبد الله محمد بن عباس بن أحمد الربعي ولد بدنيسر سنة ست وستمائة وسمع بمصر من علي بن مختار وجماعة وتفقه للشافعي وصحب البهاء زهير مدة وتأدب به وصنف وقال الشعر وبرع في الطب والأدب ومن شعر ( فيما التعلل بالألحاظ والمقل * ولم أشر إلى الغزلان والغزل )

(5/397)


398 (
وكم أعرض من فرط الغرام به * عن قده بغصون البان في الميل ) ( ما لذة العيش إلا أن أكون كما * قد قيل فيما مضى من سالف المثل ) ( صرحت باسمك يا من لا شبيه له * أنا الغريق فما خوف من البلل ) ( يا عاذلي كف عن عذلي فبي قمر * قد حجبوه عن الأبصار بالأسل ) ( معقرب الصدغ في تكوين صورته * معنى يجل عن الإدراك بالمقل ) ومنه ( من يكن شافعي إلى حنبلي * هو والله مالكي لا محالة ) ( حنفي بوصله عن كئيب * وعلى قتله أقام الدلالة ) ( بشهود من الجمال ثقات * حسن القول منهم والعدالة ) ( ناظر فاتر وطرف كحيل * وجبين هاد ودمع أساله ) ( قد تذللت إذ تذلل حتى * صرت أهوى تذللي ودلاله ) ( وطلبت الوصال منه فنادى * مت بداء الهوى على كل حاله ) ( قمر تخجل البدور لديه * وغزال تغار منه الغزاله ) ( رشأ بالجمال نبىء فينا * ثم أوحى إلى القلوب رساله ) ( أهيف بالجفون أسهر جفني * كيف صبري وقد رأيت جماله ) ( قد أمال القلوب قسرا لديه * وإذا ماس فالنسيم أماله ) ( لامني فيه عاذل وتعدى * أنا مالي وللعذول وماله ) وفي ثامن صفر وفيها البدر بن مالك أبو عبد الله محمد بن العلامة جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الشافعي شيخ العربية وقدوة أرباب المعاني والبيان أخذ عن والده النحو واللغة والمنطق وسكن بعلبك مدة ثم رجع إلى دمشق وتصدر للأشغال بعد موت والده وممن أخذ عنه القاضي بدر الدين بن جماعة والشيخ كمال الدين بن الزملكاني قال الذهبي كان إماما ذكيا فهما حاد الذهن

(5/398)


399
إماما في النحو إماما في المعاني والبيان والنظر جيد المشاركة في الفقه والأصول وغير ذلك وكان عجبا في الذكاء والمناظرة وصحة الفهم وكان مطبوع العشرة وفيه لعب ومزاح وقال الشيخ تاج الدين كان قد تفرد بعلم العربية خصوصا معرفة كلام والده وكان له مشاركات في العلوم وكان صحيح الذهن جيد الإدراك حديد النفس توفي بدمشق في المحرم من قولنج كان يعتريه كثيرا قال الذهبي ولم يتكهل وقال غيره توفي كهلا وقال ابن حبيب توفي عن نيف وأربعين سنة ودفن بباب الصغير ومن تصانيفه شرح ألفية والده وهو شرح في غاية الحسن والمصباح في المعاني والبيان وكتاب في العروض وشرح غريب تصريف ابن الحاجب وشرح لأمية والده التي في الصرف وفيها أبو صادق جمال الدين محمد بن الشيخ الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن علي القرشي المصري العطار سمع من محمد بن عماد وابن باقا وطائفة وكتب وخرج الموافقات وتوفي في ربيع الآخر عن بضع وستين سنة سنة سبع وثمانين وستمائة فيها توفي شرف الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي الفرضي بقية السلف ولد في رابع عشر المحرم سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من الشيخ الموفق وهو جده لأمه وعم أبيه ومن البهاء عبد الرحمن وابن أبي لقمة وابن البن وابن صصرى وغيرهم وأجاز له ابن الحرستاني وجماعة وتفقه على التقي بن العز وكان شيخا صالحا زاهدا عابدا ذا عفة وقناعة باليسير وله معرفة بالفرائض والجبر والمقابلة وله حلقة بالجامع المظفري بقاسيون يشغل بها احتسابا بغير معلوم وانتفع به جماعة وحدث وروى عنه جماعة وتوفي ليلة الثلاثاء خامس المحرم ودفن من الغد عند جده الموفق وفيها الشيخ أبو إسحق إبراهيم بن معضاد الجعبري

(5/399)


400
الزاهد الواعظ المذكر روى عن السخاوي وسكن القاهرة وكان لكلامه وقع في القلوب لصدقه وإخلاصه وصدعه بالحق وكان شافعيا قال السبكي في الطبقات الشيخ الصالح المشهور بالأحوال والمكاشفات تفقه على مذهب الشافعي وسمع الحديث بالشام من أبي الحسن السخاوي وقدم القاهرة وحدث بها فسمع منه شيخنا أبو حيان وغيره وكان يعظ الناس ويتكلم عليهم ويحصل في مجلسه أحوال سنية وتحكى عنه كرامات باهرة وقال في البدر السافر اشتهر عنه أنه قبيل وفاته ركب دابة وجاء إلى موضع يدفن فيه وقال يا قبير جاءك دبير ولم يكن به مرض ولا علة فتوفي بعيد ذلك وتوفي رحمه الله في الرابع والعشرين من المحرم وقد جاوز الثمانين ودفن بتربته بالحسينية وفيها الجمال بن الحموي أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن سليمان بن علي الدمشقي حضر ابن طبرزد وسمع من الكندي وابن الحرستاني افترى على الحاكم بن الصايغ بشهادة فأسقط لأجلها ومات بدويرة حمد في ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة وفيها أبو إسحاق اللوزي إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرعيني الأندلسي المالكي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وحج فسمع من ابن رواح وطبقته وسكن دمشق وقرأ الفقه وتقدم في الحديث مع الزهد والعبادة والإيثار والصفات الحميدة والحرمة والجلالة وناب في القضاء ثم ولي مشيخة دار الحديث الظاهرية وتوفي في الرابع والعشرين من صفر بالينبع وفيها أبو محمد سعد الخير بن أبي القسم عبد الرحمن بن نصر بن علي النابلسي ثم الدمشقي الشاهد سمع الكثير من ابن البن وزين الأمناء وطبقتهما وتوفي في جمادى الآخرة وله سبعون سنة وفيها الأديب الفاضل الحسن بن شاور الكناني عرف بابن النقيب الشاعر المشهور من شعره

(5/400)


401 (
أراد الظبي أن يحكي التفاتك * وجيدك قلت لا يا ظبي فاتك ) ( وقد الغصن قدك إذ تثنى * وقال الله يبقي لي حياتك ) ( فيا آس العذار فدتك نفسي * وإن لم أقتطف بفمي نباتك ) ( ويا ورد الخدود حمتك مني * عقارب صدغه فأمر جناتك ) ( ويا قلبي ثبت على التجني * ولم يثبت له أحد ثباتك ) ( يا من أدار بريقه مشمولة * وحبابها الثغر النقي الأشنب ) ( تفاح خدك بالعذار ممسك * لكنه بدم الخدود مخضب ) وله ( وخود دعتني إلى وصلها * وعصر الشبيبة عني ذهب ) ( فقلت مشيبي ما ينطلي * فقالت بلى ينطلي بالذهب ) وله ( في الناس قوم إذا ما أيسروا بطروا * فاصلح الأمر أن يبقوا مفاليسا ) ( لا تسأل الله إلا في خمولهم * فهم جياد إذا كانوا مناحيسا ) وفيها ابن خطيب المزة شهاب الدين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ثم الدمشقي نزيل القاهرة ومسندها سمع في الخامسة من حنبل وابن طبرزد وكان فاضلا دينا ثقة توفي في تاسع رمضان وفيها القطب خطيب القدس أبو الذكاء عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي الزهري العوفي النابلسي الشافعي المفتي المفسر سمع من داود بن ملاعب وأبي عبد الله بن البناء وأجاز له أبو الفتح المندائي وطائفة وتوفي في سابع رمضان وله أربع وثمانون سنة وفيها ابن النفيس العلامة علاء الدين على ابن أبي الحرم القرشي الدمشقي الشافعي شيخ الطب بالديار المصرية وصاحب التصانيف ومن انتهيت إليه معرفة الطب مع الذكاء المفرط والذهن الخارق والمشار إليه في الفقه والأصول والحديث والعربية والمنطق قال الذهبي ألف

(5/401)


402
في الطب كتاب الشامل وهو كتاب عظيم تدل فهرسته على أنه يكون ثلثمائة مجلدة بيض منها ثمانين مجلدة وكانت تصانيفه يمليها من حفظه ولا يحتاج إلى مراجعة لتبحره في الفن وقال السبكي صنف شرحا على التنبيه وصنف في أصول الفقه وفي المنطق وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله قيل ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وقال الأسنوي أمام وقته في فنه شرقا وغربا بلا مدافعة أعجوبة دهره صنف في الفقه وأصوله وفي العربية والجدل والبيان وانتشرت عنه التلامذة وقال في العبر توفي في الحادي والعشرين من ذي القعدة وقد قارت الثمانين ووقف أملاكه وكتبه على المارستان المنصوري ولم يخلف بعده مثله وفيها السيد الشريف محمد بن نصير بن علي الحسيني كان فاضلا بارعا حكى عن عمر بن الحسن قال رأيت إبليس في النوم على كركدن يقوده بأفعى فقال لي يا عمر بن الحسن سلني حاجتك فدفعت إليه رقعة كانت معي فوقع فيها ( ألم ير العاصي وأصحابه * ما فعل الله بأهل القرى ) ( بلى ولكن ليس من سفرة * إلا إذا استعلى أذل الورى ) ( فليت أني مت فيما مضى * ولم أعش حتى أرى ما أرى ) ( وكل ذي خفض وذي رفعة * لا بد أن يعلو عليه الثرى ) ثم ضرب كركدنه ومضى لسبيله وورى عن الشافعي رضي الله عنه قال رأيت بالمدينة أربع عجائب جدة عمرها إحدى وعشرون سنة ورجلا فلسه القاضي في مدين من النوى وشيخا كبيرا يدور على بيوت القيان يعلمهن الغناء فإذا حضرت الصلاة صلى قاعدا ورجلا يكتب بالشمال أسرع مما يكتب باليمين وفيها النجيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمذاني ثم المصري المحدث أجاز له ابن طبرزد وعفيفة والكبار وسمع من عبد القوي بن الحباب وقرأ بنفسه على ابن باقا ثم صار كاتبا في أواخر عمره

(5/402)


403
ومات في ذي القعدة وفيها شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأموي الأسكندراني أجاز له أبو الفخر أسعد بن روح وسمع من علي بن البنا والحافظ ابن المفضل وطائفة كثيرة وعاش اثنتين وثمانين سنة وفيها الحاج يس المغربي الحجام الأسود كان جرائحيا على باب الجابية وكان صاحب كشف وحال وكان النووي رحمه الله يزوره ويتلمذ له وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين سنة ثمان وثمانين وستمائة في ربيع الأول نازل السلطان الملك المنصور مدينة طرابلس ودام الحصار والقتان ورمى المجانيق الكبار وحضر النقوب ليلا ونهارا إلى أن افتتحها بالسيف في رابع ربيع الآخر وغنم المسلمون ما لا يوصف وكان سورها منيعا قليل المثل وهي من أحسن المدائن وأطيبها فخربها وتركها خاوية على عروشها ثم أنشأوا مدينة على ميل من شرقيها فجاءت رديئة الهواء والمزاج وفيها توفي الشيخ العماد أحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن علي ابن سرور المقدسي الصالحي ولد سنة ثمان وستمائة وسمع من أبي القسم بن الحرستاني وجماعة واشتغل وتفقه ثم تمفقر وتجرد وصار له أتباع ومريدون أكلة بطلة توفي يوم عرفة قاله في العبر وفيها العلم بن الصاحب أبو العباس أحمد بن يوسف بن الصاحب صفي الدين بن شكر المصري اشتغل ودرس وتميز ثم تمفقز وتجرد وأرسل طباعه واشتلق على بني آدم وعاشر الخمارين وله أدلاء رؤساء ونوادره مشهورة وروائده حلوة توفي في ربيع الآخر وقد شاخ قاله في العبر أيضا ومن شعره في الحشيشة

(5/403)


404 (
في خمار الحشيش معنى مرامي * يا أهيل العقول والأفهام ) ( حرموها من غير عقل ونقل * وحرام تحريم غير الحرام ) وفيها أبو العباس أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق قال الذهبي هو أخو شيخنا عيسى المغاري روى عن موسى بن عبد القادر والموفق وجماعة وتوفي في ثاني ذي الحجة عن ثمان وسبعين سنة انتهى وفيها زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني الشيخة المعمرة العابدة أم أحمد سمعت من حنبل وابن طبرزد وست الكتبة وطائفة وازدحم عليها الطلبة وعاشت أربعا وتسعين سنة وتوفيت في شوال وفيها الفخر البعلبكي المفتي أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر الحنبلي الفقيه المحدث الزاهد ولد سنة إحدى عشرة وستمائة ببعلبك وقرأ القرآن على خاله صدر الدين عبد الرحيم بن نصر قاضي بعلبك وسمع الحديث من أبي المجد القزويني والبهاء المقدسي وابن اللتي والناصح بن الحنبلي وخلائق وتفقه على تقي الدين أحمد بن العز وغيره وحفظ كتاب علوم الحديث وعرضه من حفظه على مؤلفه الحافظ تقي الدين بن الصلاح وقرأ الأصول وشيئا من الخلاف على السيف الآمدي وقرأ النحو على أبي عمرو بن الحاجب وغيره وصحب الشيخ الفقيه اليونيني وإبراهيم البطايحي والنووي وغيرهم وكان اليونيني يحبه ويقدمه على أولاده وتخرج به جماعة من الفقهاء وكان كثير البشر يحب الخمول ويؤثره ويلازم قيام الليل من الثلث الأخير ويتلو بين العشاءين ويصوم الأيام البيض وستة من شوال وعشر ذي الحجة والمحرم ولا يخل بذلك ذكر ذلك ولده الشيخ شمس الدين وقال ولد أخبر بأشياء فوقعت كما قال لخلائق ولقد قال لي في صحته وعافيته أنا اعيش عمر الإمام أحمد لكن شتان ما بيني وبينه فكان كما قال وقال ابن اليونيني كان رجلا صالحا زاهدا عابدا فاضلا وهو من أصحاب والدي اشتعل عليه وقدمه يصلي به في مسجد الحنابلة

(5/404)


405
رافقته في طريق مكة فرأيته قليل المثل في ديانته وتعبده وحسن أوصافه وكان من خيار الشيوخ علما وعملا وصلاحا وتواضعا وسلامة صدر وحسن سمت وصفاء قلب وتلاوة قرآن وذلك وقال البرزالي كان من خيار المسلمين وكبار الصالحين توفي ليلة الأربعاء سابع رجب بدمشق ودفن بالقرب من قبر الشيخ موفق الدين وفيها الكمال بن النجار محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الشافعي مدرس الدولقية وكيل بيت المال روى عن ابن أبي لقمة وجماعة وكان ذا بشر وشهامة قاله في العبر وفيها شمس الدين محمد ابن الشيخ العفيف التلمساني سليمان بن علي الكاتب الأديب كان ظريفا لعابا معاشرا وشعره في غاية الحسن منه ( يا من حكى بقوامه * قد القضيب إذا التوى ) ( ماذا أثرت على القلوب * من الصبابة والجوى ) ( ما أنت عندي والقضيب * اللدن في حال سوا ) ( هذا حركة النسيم * وأنت حركت الهوى ) ومنه ( إني لأشكو في الهوى * ما راح يقع خده ) ( ما كان يعرف ما الجفا * حتى تفتح ورده ) وله في ذم الحشيشة ( ما في الحشيشة فضل عند آكلها * لكنه غير مصروف إلى رشده ) ( حمراء في عينه خضراء في يده * صفراء في وجهه سوداء في كبده ) توفي في رجب وله نحو ثلاثين سنة ودفن بمقابر الصوفية وفيها ابن الكمال المحدث الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي ولد في ليلة الخميس حادي عشر ذي الحجة سنة سبع وستمائة بقاسيون وحضر على ابن الحرستان والكندي

(5/405)


406
وسمع ابن ملاعب والشيخ موفق الدين وخلقا ولازم عمه الحافظ الضياء وتخرج به وكتب الكثير وعنى بالحديث وتمم تصنيف الأحكام الذي جمعه عمه الحافظ ضياء الدين قال الذهبي كان إماما فقيها محدثا زاهدا عابدا كثير الخير له قدم راسخ في التقوى ووقع في النفوس متقللا من الدنيا من سادات الشيوخ علما وعملا وصلاحا وعبادة حكى لي عنه أنه كان يحفر مكانا في جبل الصالحية لبعض شأنه فوجد جرة مملوءة دنانير وكانت زوجته معه تعينه على الحفر فاسترجع وطم المكان كما كان أولا وقال لزوجته هذه فتنة ولعل لها مستحقين لا نعرفهم وعاهدها على أنها لا تشعر بذلك أحدا ولا تتعرض إليه وكانت صالحة مثله فتركا ذلك تورعا مع فقرهما وحاجتهما وهذا غاية الورع والزهد وحدث رحمه الله بالكثير نحوا من أربعين سنة وسمع منه خلق كثير وروى عنه جماعة من الأكابر وحدثنا عنه جماعة منهم ابن الخباز وابن قيم الضيائية وتوفي بعد العشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء تاسع جمادى الأولى بمدرسة عمه بالجبل ودفن من الغد عند الشيخ موفق الدين وفيها شمس الدين الأصفهاني الأصولي المتكلم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي ينتهي نسبه إلى أبي دلف الشافعي نزيل مصر وصاحب التصانيف شرح المحصول وله كتاب الفوائد في العوم الأربعة الأصلين والخلاف والمنطق وكتاب غاية المطلب في المنطق وله يد طولى في العربية والشعر ولد رحمه الله بأصفهان سنة ست عشرة وستمائة وكان والده نائب السلطنة بأصفهان واشتغل بأصفهان في جملة من العلوم في حياة أبيه بحيث أنه فاق نظراءه ثم لما استولى العدو على أصفهان رحل إلى بغداد فأخذ في الاشتغال في الفقه على الشيخ سراج الدين الهرقلي وبالعلوم على الشيخ تاج الدين الأرموي ثم ذهب إلى الروم إلى الشيخ أثير الدين الأبهري فأخذ عنه الجدل والحكمة ثم دخل القاهرة وولي قضاء قوص

(5/406)


407
خلافة عن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز فباشره مباشرة حسنة وكان مهيبا قائما في الحق وقورا في درسه ودرس بالشافعي ومشهد الحسين وأخذ عنه جماعة وتخرج به المصريون وقيل أن ابن دقيق العيد كان يحضر درسه بقوص وتوفي في العشرين من رجب وله اثنتان وسبعون سنة وفيها المهذب أبو الغنائم التنوخي العدل الكبير زين الدين كاتب الحكم بدمشق ولد سنة ثمان عشرة وستمائة وقرأ على السخاوي وسمع من مكرم وتفقه وانتهت إليه رياسة الشروط ومعرفة عللها ودقائقها وتوفي في رجب وفيها الملك المنصور محمود بن الملك الصالح إسمعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب سلطنه أبوه بدمشق وركب في أبهة السلطنةن سنة أربعين وستمائة ولا زالت تتقلب به الأحوال إلى أن صار يطلب بالأوراق قال ابن مكتوم رأيته سلطانا ورأيته يستعطى وكان شيخا مهيبا يلبس قباء وعمامة مدورة وفيها الجرائدي تقي الدين يعقوب بن بدران بن منصور المصري شيخ القراء أخذ القراءات عن السخاوي وغيره وروى عن الزبيدي وغيره وتصدر للأقراء وتوفي في شعبان سنة تسع وثمانين وستمائة فيها توفي نجم الدين بن الشيخ قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن شيخ الإسلام شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث ولم يبلغ أوان الرواية وتفقه على والده وولي القضاء في حياة والده بإشارته قال البرزالي كان خطيب الجبل وقاضي القضاة ومدرس أكثر المدارس وشيخ الحنابلة وكان فقيها فاضلا سريع الحفظ جيد الفهم كبير المكارم شهما شجاعا ولي القضاء ولم يبلغ ثلاثين سنة فقام أتم قيام وقال غيره درس بدار

(5/407)


408
الحديث الأشرفية بالسفح وشهد فتح طرابلس مع السلطان الملك المنصور وكان مليح البزة ذكيا مليح الدروس له قدة على الحفظ ومشاركة جيدة في العلوم وله شعر جيد منه ( آيات كتب الغرام أدرسها * وعبرتي لا أطيق أحبسها ) ( لبست ثوب الضنى على جسدي * وحلة الصبر لست ألبسها ) ( وشادن مارنا بمقلته * إلا سبي العالمين نرجسها ) ( فوجه جنة مزخرفة * لكن بنبل الحتوف يحرسها ) ( وريقه خمرة معتقة * داربت علينا من فيه أكؤسها ) ( يا قمرا أصبحت ملاحته * لا يعتريها عيب يدنسها ) ( صل هائما إن جرت مدامعه * تلحقها زفرة تيبسها ) توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى بمنزله بقاسيون ودفن عند أبيه وجده وفيها ابن عز القضاة فخر الدين أبو الفداء إسمعيل بن علي بن محمد الدمشقي الزاهد ولد سنة ثلاثين وستمائة وخدم في الكتابة وكان أديبا شاعرا ناسكا زاهدا خاشعا مقبلا على شأنه حافظا لوقته توفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من رمضان وكانت له جنازة مشهودة وفيها خطيب المصلى عماد الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن حسان بن رافع العامري المعدل روى عن ابن البن وزين الأمناء وطائفة وتوفي في صفر وله ثلاث وسبعون سنة وفيها الشمس عبد الرحمن بن الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير المقدسي ثم الصالحي الحنبلي المحدث الزاهد ولد في ذي القعدة سنة ست وستمائة بقاسيون وسمع بدمشق من الكندي وابن الحرستان وطائفة وتفقه بالموفق ثم رحل وأدرك الفتح بن عبد السلام وطائفة فأكثر وأجاز له ابن طبرزد

(5/408)


409
وغيره قال الذهبي كان فقيها زاهدا ثقة نبيلا من أولى العلم والعمل والصدق والورع حدث بالكثير وأكثر عنه ابن نفيس والمزي والبرزالي وطائفة وتوفي يوم الإثنين تاسع عشرى ذي القعدة بالسفح ودفن بالقرب من قبر الشيخ أبي عمر وفيها خطي بدمشق جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي الدمشقي الشافعي المفتي ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من ابن الصباح وابن الزبيدي وجماعة وناب في القضاء مدة وكان دينا حسن السمت للناس فيه عقيدة كبيرة مات فيت جمادى الأولى وفيها النور بن الكفتي أبو الحسن علي بن ظهير بن شهاب المصري شيخ الأقراء بديار مصر أخذ القراءات عن ابن وثيق وأصحاب أبي الجود وشهر بالاعتناء بالقراءات وعللها وسمع من ابن الجميزي وغيره مع الورع والتقى والجلالة توفي في ربيع الآخر وفيها الرشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسمعيل بن مسعود الربعي الشافعي الأديب ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع من الفخر بن تيمية وابن الزبيدي وابن باقا وكان أديبا بارعا منئا بليغا شاعرا مفلقا لغويا محققا درس بالناصرية مدة ثم بالظاهرية وتصدر للإفادة كتب رقعة إلى علي بن جرير وأرسلها إلى القاسمية مع رجل اسمه علي ( حسدت عليا على كونه * توجه دوني إلى القاسمية ) ( وما بي شوق إلى قربه * ولكن مرادي ألقى سميه ) خنق في بيته في رابع المحرم بالظاهرية وأخذ ماله ودرس بعده علاء الدين ابن بنت الأعز وفيها السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي وأبو الفتح قلاوون التركي الصالحي النجمي كان من أكبر الأمراء زمن الظاهر وتملك في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة وكسر التتار على حمص وغزا الفرنج غير مرة وفتح طرابلس وما جاورها وفتح حصن المرقب وفي

(5/409)


410
سنة ثمان وثمانين عمل في القاهرة بين القصرين تربة عظيمة ومدرسة كبيرة ومارستانا للمرضى وكانت وفاته ظاهر القاهرة بالمخيم وقد عزم على الغزاة فتوفي في سادس ذي القعدة ودفن بتربته بين القصرين وفيها سبط إمام الكلاسة المحدث المفيد بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد ابن النجيب شاب ذكي مليح الخط صحيح النقل حريص على الطلب عالي الهمة سمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وحدث وتوفي في صفر وفيها شمس الدين أبو الفضائل محمد بن عبد الرزاق الرسعني نسبة إلى رأس عين بلد الحنبلي كان شاعرا أديبا معدلا حدث عن ابن القبيطي وغيره وكان أحد الشهود بدمشق ويوؤم بمسجد الرماحين ومن شعره ( ولو أن إنسانا يبلغ لوعتي * ووجدي وأشجاني إلى ذلك الرشا ) ( لأسكنته عيني ولم أرضها له * ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا ) وله ( أآيس من بر وجودك واصل * إلى كل مخلوق وأنت كريم ) ( وأجزع من ذنب وعفوك شامل * لكل الورى طرا وأنت رحيم ) ( وأجهد في تدبير حالي جهالة * وأنت بتدبير الأنام حكيم ) ( وأشكو إلى نعماك ذلي وحاجتي * وأنت بحالي يا عزيز عليم ) غرق رحمه الله بنهر الشريعة من الغور في جمادى الآخرة وفيها محمد ابن عون الدين يحيى بن شمس الدين علي بن عز الدين محمد بن الوزير عون الدين بن هبيرة نزيل بلبيس بها وكان ناظرا على ديوانها حدث عن الداهري ونصر بن عبد الرزاق وابن اللتي وسمع من الحارثي والمزي والبرزالي وغيرهم وكان فاضلا له شعر حسن وفيها ابن المقدسي ناصر الدين محمد بن العلامة المفتي شمس الدين عبد الرحمن بن نوح الشافعي الدمشقي تفقه على أبيه وسمع من ابن اللتي ودرس بالرواحية وتربة أم الصالح ثم داخل الدولة

(5/410)


411
وولي وكالة بيت المال ونظر الأوقاف فظلم وعسف وعدا طوره ثم اعتقل بالعذراوية فوجد مشنوقا بعد ضرب بالمقارع وصودر توفي في ثالث شعبان قاله في العبر سنة تسعين وستمائة فيها ولله الحمد والمنة فتح ما كان بأيدي النصارى من بلاد الشام ولم يبق لهم بها حصن ولا معقل وفيها توفي الشيخ الخابوري خطيب حلب ومقرئها ونحويها الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الزبير الحلبي صاحب النوادر والظرف سمع بحران من فخر الدين بن تيمية وبحلب من ابن الأستاذ وببغداد من ابن الداهري وبدمشق من ابن صباح وقرأ القراءات على السخاوي وتوفي في المحرم وقد قارب التسعين وفيها السويدي الحكيم العلامة شيخ الأطباء عز الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي ولد سنة ستمائة وسمع من الشمس العطار وابن ملاعب وطائفة وتأدب على ابن معطي وأخذ الطب عن المهذب الدخوار وبرع في الطب وصنف فيه وفاق الأقران وكتب الكثير بخطه المليح ونظر في العقليات وألف كتاب الباهر في الجواهر وكتاب التذكرة في الطب وتوفي في شعبان وفيها أرغون بن أبغا بن هلاكو صاحب العراق وخراسان وأذربيجان تملك بعد عمه الملك أحمد وكان شهما مقداما كافر النفس شديد البأس سفاكا للدماء عظيم الجبروت هلك في هذا العام فيقال أنه سم فاتهمت المغل وزيره سعيد الدولة اليهودي بقتله فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسبيا قاله في العبر وفيها إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي الصالحي روى عن موسى بن عبد القادر وجماعة وتوفي في رجب وفيها سلامش الملك العادل بدر الدين ولد الملك الظاهر بيبرس الصالحي

(5/411)


412
الذي سلطنوه عند خلع أخيه السعيد ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر وبقي خاملا بمصر فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضر وأهلهم وجهزهم إلى مدينة اسطنبول بلاد الأشكري فمات بها وله نحو من عشرين سنة وكان ميح الصورة رشيق القد ذا عقل وحياء وفيها التلمساني عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الأديب الشاعر أحد زنادقة الصوفية وقيل له مرة أأنت نصير فقال النصيري بعض مني وأما شعره ففي الذروة العليا من حيث البلاغة لا من حيث الاتحاد توفي في خامس رجب وله ثمانون سنة قاله في العبر وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي أثنى عليه ابن سبعين وفضله على شيخه القونوي فإنه لما قدم شيخه القونوي رسولا إلى مصر اجتمع به ابن سبعين لما قدم من المغرب وكان التلمساني مع شيخه القونوي قالوا لابن سبعين كيف وجدته يعني في علم التوحيد فقال أنه من المحققين لكن معه شاب أحذق منه وهو العفيف التلمساني والعفيف هذا من عظماء الطائفة القائلين بالوحدة المطلقة وقال بعضهم هو لحم خنزير في صحن صيني وأنه يدرج السم القاتل في كلامه لمن لا فطنة له بأساس قواعده ورموه بعظائم من الأقوال والأفعال وزعموا أنه كان على قدم شيخه في أنه لا يحرم فرجا وأن عنده أن ما ثم غير ولا سوى بوجه من الوجوه وأن العبد إنما يشهد السوى إذا كان محجوبا فإذا انكشف حجابه ورأى أن ماثم غيره تبين له الأمر ولهذا كان يقول نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد وإنما هؤلاء المحجبون قالوا حرام علينا فقلنا حرام عليكم وذكروا أنه دخل على أبي حيان فقال له من أنت قال العفيف التلمساني وجدي من قبل الام ابن سبعين فقال أي والله عريق أنت في الآلهية يا كلب يابن الكلب وأكثروا من نقل هذا الهذيان في شأنه وشأن شيخه وشيخ شيخه ولم يثبت عنهم شيء من ذلك بطريق معتبر نعم هم قائلون بأن واجب الوجود هو الوجود المطلق ومبنى طريقهم على ذلك انتهى كلام

(5/412)


413
المناوي ملخصا وقال غيره له عدة تصانيف منها شرح أسماء الله الحسنى وشرح مواقف النفزي وشرح الفصوص وغير ذلك وله ديوان شعر وقال الشيخ برهان الدين بن الفاشوشة الكتبي دخلت عليه يوم مات فقلت له كيف حالك قال بخير من عرف الله كيف يخاف والله مذ عرفته ما خفته وأنا فرحان بلقائه ومن شعره ( إن كان قتلي في الهوى يتعين * يا قاتلي فبسيف طرفك أهون ) ( حسبي وحسبك أن تكون مدامعي * غسلي وفي ثوب السقام أكفن ) ( عجبا لخدك وردة في بانة * والورد فوق البان ما لا يمكن ) ( أدنته لي سنة الكرى فلثمته * حتى تبدل بالشقيق السوسن ) ( ووردت كوثر ثغره فحسبتني * في جنة من وجنتيه أسكن ) ( ما راعني إلا بلال الخال من * خديه في صبح الجبين يؤذن ) وفيها تاج الدين الفركاح فقيه الشام شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الدمشقي الشافعي ولد في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة وسمع من ابن الزبيدي وابن اللتي وابن الصلاح والسخاوي وخلائق وتفقه على الإمامين ابن الصلاح وابن عبد السلام وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للأشغال وله بضع وعشرون سنة وكتب على الفتاوي وله ثلاثون سنة وكانت الفتاوي تأتيه من الأقطا رقال القطب اليونيني انتفع به جم غفير ومعظم قضاة الشام وما حولها وقضاة الأطراف تلامذته وكان رحمه الله عنده من الكرم المفرط وحسن العشرة وكثرة الصبر والاحتمال وعدم الرغبة في التكثر من الدنيا والقناعة والإيثار والمبالغة في اللطف ولين الكلمة والأدب ما لا مزيد عليه وقال الذهبي فقيه الشام درس وناظر وصنف وانتهت إليه رياسة المذهب في الدنيا كما انتهت إلى ولده برهان الدين

(5/413)


414
كان من أذكياء العالم وممن بلغ رتبة الاجتهاد ومحاسنه كثيرة وهو أجل ممن ينبه عليه مثلي وكان رحمه الله يلثغ بالراء فسبحان من له الكمال وكان لطيف اللحية قصيرا حلو الصورة مفركح الساقين ولهذا قيل له الفركاح وقال ابن قاضي شهبة كان أكبر من النووي بسبع سنين وكان أفقه نفسا وأزكى قريحة وأقوى مناظرة من الشيخ محي الدين وأكثر محفوظا منه وكان قليل المعلوم كثير البركة وكان مدرس البادرائية ولم يكن بيده سواها وقال الذهبي جمع تاريخا مفيدا وصنف التصانيف رأيته وسمعت كلامه في حلقة أقرائه مدة وكان بينه وبين النووي رحمهما الله وحشة توفي بالبادرائية في خامس جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الأبهري القاضي شمس الدين عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الشافعي ولد بأبهر وهي بالباء الموحدة الساكنة مدينة نحو يوم من قزوين سنة تسع وتسعين وخمسمائة وسمع من ابن روزبة وابن الزبيدي وطائفة وأجاز له أبو الفتح المندائي والمؤيد ابن الاحوة وخلق وسمع منه الحافظ المزي وتوفي في شوال بدمشق بالخانقاه الأسدية وفيها الفخر بن البخاري مسند الدنيا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي ولد في آخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وخلق وأجاز له أبو المكارم اللبان وابن الجوزي وخلق كثير وطال عمره ورحل الطلبة إليه من البلاد وألحق الأسباط بالأجداد في علو الإسناد قاله في العبر وقال ابن رجب في طبقاته تفرد في الدنيا بالرواية العالية وتفقه على الشيخ موفق الدين وقرأ عليه المقنع وأذن له في إقرائه وصار محدث الإسلام وراويته روى الحديث فوق ستين سنة وسمع منه الأئمة الحفاظ المتقدمون وقد ماتوا قبله بدهر وخرج له عم الحافظ ضياء الدين جزءا من عواليه وحدث به كثير سمعناه من أصحابه

(5/414)


415
وذكره عمر بن الحاجب في معجم شيوخه فقال تفقه على والده وعلى الشيخ موفق الدين قال وهو فاضل كريم النفس كيس الأخلاق حسن الوجه قاض للحاجة كثير التعصب أي للحق محمود السيرة سألت عمه الشيخ ضياء الدين عنه فأثنى عليه ووصفه بالفعل الجميل والمروءة التامة وقال الفرضي في معجمه كان شيخا عالما فقيها زاهدا عابدا مسندا مكثرا وقورا صبورا على قراءة الحديث مكرما للطلبة ملازما لبيته مواظبا على العبادة ألحق الأحفاد بالأجداد وحدث نحوا من ستين سنة وتفرد بالرواية عن شيوخ كثيرة وقال الذهبي كان فقيها عارفا بالمذهب فصيحا صادق اللهجة يرد على الطلبة مع الورع والتقوى والسكينة والجلالة زاهدا صالحا خيرا عدلا مأمونا وقد سألت المزي عنه فقال أحد المشايخ الأكابر والأعيان الأماثل من بيت العلم والحديث ولا نعلم أحدا حصل له من الحظوة في الرواية في هذه الأزمان مثل ما حصل له قال شيخنا ابن تيمية ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين النبي في حديث قلت وقد دخل بيني وبين النبي في أحاديث لا تحصى منها الحديث المسلسل بالحنابلة الذي يقال له سلسلة الذهب ولا يوجد حديث أصح منه وهو ما حدثني به أستاذي الشيخ أيوب بن أحمد بن أيوب وكان حنبليا ثم تحنف وهو سبط الشيخ موسى الحجاوي الحنبلي قال روينا عن الشيخ إبراهيم يعني ابن الأحدب قال روينا بعموم الأذن إن لم يكن سماعا عن النجم بن حسن الماتاني الحنبلي قال ثنا أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ثنا جدي أحمد بن عبد الهادي الحنبلي ح قال ابن الماتاني وأنبأنا أيضا محمد بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق ثنا عبد الرحمن بن الطحان الحنبلي بقراءتي عليه قالا ثنا الصلاح محمد بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي ثنا علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي المعروف بابن البخاري ثنا حنبل بن عبد الله البغدادي الحنبلي ثنا محمد بن الحصين الحنبلي ثنا الحسن بن علي بن المذهب

(5/415)


416
الحنبلي ثنا أحمد بن جعفر القطيعي الحنبلي ثنا عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي ثنا إمام السنة وحافظ الأمة الصديق الثاني الإمام أحمد بن حنبل الشيباني إمام كل حنبلي في الدنيا رضي الله عنه ثنا محمد بن إدريس الشافعي ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع الرطب بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا انتهى والله أعلم وله الحمد والمنة وقال الذهبي وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي ثمانية رجال ثقات وقال ابن رجب حدث ببلاد كثيرة بدمشق ومصر وبغداد والموصل وتدمر والرحبة والحديثة وزرع وتكاثرت عليه الطلبة من نحو الخمسين وستمائة وازدحموا عليه عبد الثمانين وروى عنه من الحفاظ من لا يحصى منهم ابن الحاجب والزكي المنذري والرشيد العطار والدمياطي وابن دقيق العيد والحارثي والشيخ تقي الدين بن تيمية وبقيت طلبته وجماعته إلى نيف وسبعين وسبعمائة وهذه بركة عظيمة ومن شعره ( تكررت السنون علي حتى * بليت وصرت من سقط المتاع ) ( وقل النفع عندي غير أني * أعلل بالرواية والسماع ) ( فإن يك خالصا فله جزاء * وإن يك مانعا فإلى ضياع ) وله ( إليك اعتذار يمن صلاتي قاعدا * وعجزي عن سعي إلى الجمعات ) ( وتركي صلاة الفرض في كل مسجد * تجمع فيه الناس للصلوات ) ( فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني * من النار واصفح لي عن الهفوات ) وتوفي رحمه الله تعالى ضحى يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر وصلى عليه وقت الظهر بالجامع المظفري ودفن عند والده بسفح قاسيون وكانت

(5/416)


417
له جنازة مشهودة شهدها القضاة والأمراء والأعيان وخلق كثير وفيها ابن الزملكاني الإمام المفتي علاء الدين علي بن العلامة البارع كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السماكي الدمشقي الشافعي مدرس الأمينية توفي في ربيع الآخر وقد نيف على الخمسين سمع من خطيب مردا والرشيد العطار ولم يحدث قاله في العبر وفيها الفخر الكرجي أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الشافعي ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالكرج وتفقه بدمشق على ابن الصلاح وخدمه مدة وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي وطائفة وليس ممن يعتمد عليه في الرواية توفي هو والفخر بن البخاري في يوم واحد وفيها أبو محمد غازي الحلاوي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي سمع من حنبل وابن طبرزد وعمر دهرا وانتهى إليه علو الإسناد بمصر وعاش خمسا وتسعين سنة وتوفي في رابع صفر بالقاهرة وفيها الشهاب بن مزهر أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن مزهر الأنصاري الدمشقي المقرىء قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها وكان فقيها عالما وقف كتبه بالأشرفية وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري الصالحي ولد سنة إحدى وستمائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني وطائفة وببغداد من أبي علي بن الجواليقي وجماعة وأجاز له ابن طبرزد وجماعة وكان آخر من سمع من الكندي موتا توفي في منتصف ذي الحجة وفيها ابن المجاور نجم الدين ابو الفتح يوسف ابن الصاحب يعوقب بن محمد بن علي الشيباني الدمشقي الكاتب ولد سنة إحدى وستمائة وسمع من الكندي وعبد الجليل بن مندويه وجماعة وتفرد برواية تاريخ بغداد عن الكندي وتوفي في الثامن والعشرين من ذي القعدة وكان دينا مصليا إلا أنه يخدم في المكس قاله في العبر

(5/417)


418
سنة إحدى وتسعين وستمائة فيها نازل السلطان الملك الأشرف قلعة الروم وهي مجاورة لقلعة البيرة وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار فنصب عليها المناجيق وجد في حصارها وفتحت بعد خمسة وعشرين يوما في رجب وما أحسن ما قال الشهاب محمود في كتاب الفتح فسطا خميس الإسلام يوم السبت على أهل الأحد فبارك الله للأمة في سبتها وخميسها وفيها توفي الزكي المعرى إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي البعلي الفقيه الحنبلي الزاهد العابد أبو إسحق حضر على الشيخ الموفق وسمع من البهاء عبد الرحمن وغيره وتفقه وحفظ المقنع وكان صالحا عابدا زاهدا ورعا اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه ذكره ابن اليونيني وقال الذهبي كان من أعبد البشر توفي ليلة السبت سابع شوال ببعلبك وله إحدى وثمانون سنة وفيها ابن دبوقا المقرىء المحقق أبو الفضل جعفر بن القسم بن جعفر بن حبيش الربعي الضرير قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها وله معرفة متوسطة وشعر جيد توفي في رجب قاله في العبر وفيها سعد الدين الفارقي الأديب البارع المنشىء أبو الفضل سعد الله بن مروان الكاتب قال الذهبي هو أخو شيخنا زين سمع من ابن رواحة وكريمة وطائفة وكان بديع الكتابة معنى وخطا توفي في رمضان بدمشق وهو في عشر الستين وفيها السيف عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرسعني أحد الشهود تحت الساعات كان عدلا صالحا ناسكا روى عن الفخر بن تيمية وغيره وأجاز له عبد العزيز بن منينا وجماعة وتوفي في المحرم عن بضع وثمانين سنة وفيها ابن صصرى العدل علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التغلبي الدمشقي الضرير آخر من روى صحيح البخاري عن عبد الجليل بن مندوية والعطار توفي في شعبان

(5/418)


419
وفيها الخبازي الإمام العلامة جلال الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخجندي الحنفي كان فقيها بارعا زاهدا ناسكا عارفا بالمذهب صنف في الفقه والأصلين وأفتى ودرس ثم جاور بمكة سنة ثم رجع إلى دمشق فدرس بالخاتونية التي على الشرف القبلي إلى أن توفي في آخر ذي الحجة عن اثنتين وستين سنة ودفن بالصوفية رحمه الله تعالى وفيها وكيل بيت المال خطيب دمشق زين الدين أبو حفص عمر بن مكي بن عبد الصمد الشافعي الأصولي المتكلم توفي في ربيع الأول وفيها العماد الصايغ محمد بن عبد الرحمن بن ملهم الفرشي الدمشقي روى عن ابن البن حضورا وعن ابن الزبيدي وتوفي في شعبان عن بضع وسبعين سنة وفيها الصاحب فتح الدين محمد بن المولى محي الدين عبد الله بن عبد الظاهر المصري الكاتب الموقع روى عن ابن الجميزي وتوفي بدمشق في رمضان وفيها ابن عصرون نور الدين محمود بن القاضي نجم الدين عبد الرحمن بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي روى عن المؤيد الطوسي بالإجازة وتوفي في رمضان وفيها النجم أبو بكر بن أبي العز مشرف الكاتب الأديب ويعوف بابن الحردان كان لغويا أخباريا فصيحا متقعرا له شعر جيد توفي في صفر قاله في العبر سنة اثنتين وتسعين وستمائة فيها سلم صاحب سيس قلعة بهنسا للسلطان صفوا عفوا وضربت البشائر في رجب وفيها توفي تقي الدين أبو إسحق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الفقيه الحنبلي الزاهد شيخ الإسلام بركة الشام قطب الوقت ولد سنة اثنتين وستمائة وسمع بدمشق من ابن الحرستاني وابن البنا والشيخ موفق الدين وابن أبي لقمة وخلق ورحل في طلب الحديث والعلم

(5/419)


420
فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السلام وابن الجواليقي وغيرهما وبحلب من عبد الرحمن بن علوان وبحران من أحمد بن سلامة وبالموصل من أبي العز القسطلي وعنى بالحديث وقرأ بنفسه وله إجازات من جماعات من الأصبهانيين والبغداديين وتفقه في المذهب وأفتى ودرس بالمدرسة الصاحبة بقاسيون نحوا من عشرين سنة وبمدرسة الشيخ أبي عمر وولي في آخر عمره مشيخة دار الحديث الظاهرية وكان من خير خلق الله تعالى علما وعمى قال الذهبي قرأت بخط العلامة كمال الدين بن الزملكاني في حقه كان كبير القدر له وقع في القلوب وجلالة ملازما للتعبد ليلا ونهارا قائما بما يعجز عنه غيره مبالغا في إنكار المنكر بايع نفسه فيه لا يبالي على من أنكر يعود المرضى ويشيع الجنايز ويعظم الشعائر والحرمات وعنده علم جيد وفقه حسن وكان داعية إلى عقيدة أهل السنة والسلف الصالح مثابرا على السعي في هداية من يرى فيه زيغا عنها وقال البرزالي تفرد بعلو الإسناد وكثرة الروايات والعبادة ولم يخلف مثله توفي آخر نهار الجمعة في جمادى الآخرة ودفن بتربة الشيخ موفق الدين وفيها الفاضلي جمال الدين أبو إسحق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرىء صاحب السخاوي ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح مدة وسمع من ابن الزبيدي وجماعة وكتب الكثير وتوفي في مستهل جمادى الأولى وفيها الأرموي الشيخ الزاهد إبراهيم بن الشيخ القدوة عبد الله روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في المحرم وحضر جنازته الملوك والأمراء والقضاة وحمل على الرؤس وكان صالحا خيار متقنا قانتا لله تعالى وفيها أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الحنفي المعدل سبط عبد الحق بن خلف ووالد قاضي الحصن روى عنه موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق وتوفي في صفر بنواحي البقاع وفيها ابن النصيبي

(5/420)


421
الرئيس كال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي آخر من حدث عن الافتخار الهاشمي وثابت بن مشرف وأبي محمد بن الأستاذ توفي بحلب في المحرم وفيها تقي الدين أحمد بن أبي الطاهر بن أبي الفضل المقدسي الصلحي شيخ صالح روى عن الموفق والقزويني وتوفي في رجب وفيها صفية بنت الواسطي أخت الشيخ إبراهيم المذكور أول هذه السنة روت عن الموفق وابن راجح وتوفيت في ذي الحجة عن نيف وثمانين سنة وفيها محي الدين عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان المصر الأديب كاتب الإنشاء وأحد البلغاء المذكورين توفي بمصر وفيها المكين الأسمر عبد الله بن منصور الأسكندراني شيخ القراء بالأسكندرية أخذ القراءات عن أبي القسم بن الصفراوي وأقرأ الناس مدة وفيها التقى عبيد بن محمد الأسعردي الحافظ نزيل القاهرة سمع الكثير من أصحاب السلفي وخرج لغير واحد وتوفي في هذا العام وكان ثقة وفيها السيف علي بن الرضى عبد الرحمن بن عبد الجبار المقدسي الحنبلي نقيب الشيخ شمس الدين سمع من ابن البن والقزويني وحضر موسى والموفق وتوفي في شوال وفيها ابن الأعمى صاحب المقامة البحرية كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الأديب الشاعر روى عن ابن اللتي وغيره وتوفي في المحرم عن سن عالية ومن شعره في حمام ضيق ليس فيه ماء بارد ( إن حمامنا الذي نحن فيه * قد أناخ العذاب فيه وخيم ) ( مظلم الأرض والسما والنواحي * كل عيب من عيبه يتعلم ) ( حرج بابه كطاقة سجن * شهد الله من يخر فيه يندم ) ( وبه مالك غدا خازن النار * بلى مالك أرق وأرحم ) ( كلما قلت قد أطلت عذابي * قال لي اخسأ فيه ولا تتكلم ) ( قلت لما رأيته يتلظى * ربنا اصرف عنا عذاب جهنم )

(5/421)


422
وفيها ابن فرقين الأمير ناصر الدين علي بن محمود بن فرقين أجاز له الكندي وسمع من القزويني وغيره وتوفي في شعبان وفيها ابن الأستاذ عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي مدرس المدرسة الظاهرية التي بظاهر دمشق روى سنن ابن ماجه عن عبد اللطيف وتوفي في ربيع الأول وفيها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم المصري آخر من روى جامع الترمذي عن علي بن البناء سنة ثلاث وتسعين وستمائة فيها قتل الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وفتك به الأمير بندار وذلك أنه جهز العسكر مع وزيره إلى القاهرة وتخلى بنفسه ليخلو مع خاصيته بسبب الصيد وترك نائبه الأمير بندار تحت الصناجق فلما كان وقت العصر وهو جالس بمفرده قدم الأمير بندار وصحبته جماعة من الأمراء فقتلوا السلطان وحلفوا البندار وسلطنوه ولقب بالملك القاهر وتوجهوا إلى مصر فلقيهم الخاصكية ومقدمهم الأمير زين الدين كتبغا فحملوا عليهم فانهزم الأمير بندار فأدركوه وقتلوه ومسكوا باقي الأمراء فقتلوهم وأقاموا الملك الناصر وحلفوا له واستقر الشجاعي وزيرا ومسك ابن السلعوس واستأصلوا أمواله ومسكوا أقاربه وذويه وكان قد أحضرهم من الشام فحلت عليهم النقمة إلا رجل واحد لم يحضر من الشام وكتب إليه شعرا ( تنبه يا وزير الأرض واعلم * بأنك قد وطئت على الأفاعي )

(5/422)


423 (
وكن بالله معتصما فإني * أخاف عليك من نهش الشجاعي ) فكان كما قاله فإنه مات من نهشه الشجاعي عاقبه إلى أن مات ولم يجد لنهشه درياقا ثم أن الشجاعي عزم على قتل كتبغا فركب عليه وحصره في القلعة فقتله بعض مماليك السلطان ورموا به إلى كتبغا فسكت الفتنة وفرح الناس بموته وطافوا به في البلد وتزايدت أفراح الناس لما كان تعمد من المظالم وفيها شمس الدين أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بابن الخويى نسبة إلى خوى بضم الخاء المعجمة وفتح الواو بعدها ياء تحتية وهي مدينة من أذربيجان أعني إقليم تبريز دخل خراسان وقرأ الأصول على القطب المصري تلميذ الفخر الرازي وقرأ علم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع بخراسان والشام وكان شافعيا عالما نظارا خبيرا بعلم الكلام والحكمة والطب كثير الصلاة والصيام صنف في الأصول والنحو والعروض وتولى قضاء الشام ومات بها سنة سبع وثلاثين وستمائة وأما ولده شهاب الدين أحمد قاضي البلاد الشامية وابن قاضيها فولد سنة ست وعشرين وستمائة ومات ولده وهو ابن إحدى عشرة سنة فأقام بالعادلية ولزم الاشتغال حتى برع وسمع الحديث وحدث وصنف كتبا منها شرح الفصول لابن معطى ودرس بالمدرسة الدماغية ثم ولي قضاء القدس ثم انتقل إلى القاهرة في وقعة هلاكو فتولى بها قضاء القاهرة والوجه البحري ثم ولي قضاء الشام بعد القاضي شهاب الدين بن الزكي فاجتمع الفضلاء إليه وكان عالما بعلوم كثيرة وصنف كتابا ضمنه عشرين علما وكان له اعتقاد سليم على طريقة السلف حسن الأخلاق والهيئة كبير الوجه أسمر فصيح العبارة مستدير اللحية قليل الشيب حسن الأخلاق توفي ببستان من بساتين دمشق يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة قاله الأسنوي وفيها ابن مزيد المحدث المفيد تقي الدين إدريس بن محمد التنوخي الحموي

(5/423)


424
روى عن ابن رواحة وصفية بنت الحبقبق وطبقتهما وعنى بالحديث وتوفي في ربيع الآخر وفيها إسحق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتاني المقرىء روى عن البهاء عبد الرحمن وتوفي بدمشق في ذي القعدة وفيها بكتوت العلائي الأمير الكبير بدر الدين المنصوري توفي بمصر في جمادى الآخرة وفيها الملك الحافظ غياث الدين محمد بن شاهنشاه بن صاحب بعلبك الأمجد بهرام شاه بن فروخ شاه روى صحيح البخاري عن ابن الزبيدي ونسخ الكثير بخطه وتوفي في شعبان وفيها الدمياطي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله المقرىء أخذ القراءات عن السخاوي وتصدر واحتيج إلى علو روايته وقرأ عليه جماعة وتوفي في صفر وله نيف وسبعون سنة وفيها ابن السلعوس الوزير الكامل مدبر الممالك شمس الدين محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي التاجر الكاتب ولي حسبة دمشق فأحسن السيرة واستصغرها الناس عليه فلم ينشب أن ولي الوزارة ودخل دمشق في دست عظيم لم يعهد مثله وكان قبل ذلك يكثر الصيام والذكر فلما تولى الوزارة تكبر على الناس لا سيما الأمراء وأذى الذي أوصله إلى السلطان ومات في تاسع صفر بعد أن أنتن جسده من شدة الضرب وقلع منه اللحم الميت نسأل الله العافية وفيها ابن التيني فخر الدين محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب صاحب الخط المنسوب روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وستمائة فيها توفي خطيب الخطباء شرف الدين أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي خطيب دمشق ومفتيها وشيخ الشافعية بها ولد سنة اثنتين

(5/424)


425
وعشرين وستمائة وأجاز له أبو علي بن الجواليقي وطائفة وسمع من السخاوي وابن الصلاح وتفقه على ابن عبد السلام وغيره وبرع في الفقه والأصول والعربية وكان كتيسا متواضعا متنسكا ثاقب الذهن مفرط الذكاء طويل النفس في المناظرة أديبا من محاسن الزمان ومن شعره ( احجج إلى الزهر واسعى به * وارم جمار الهم مستنفرا ) ( من لم يطف بالزهر في وقته * من قبل أن يحلق قد قصرا ) وله لغز في ناعورة ( وما أنثى وليست ذات فحل * وتحمل دائما من غير بعل ) ( وتلقى كل آونة جنينا * فيجري في الفلاة بغير رجل ) ( وتبكي حين تلقيه عليه * بصوت حزينة ثكلت بطفل ) توفي رحمه الله تعالى في رمضان وفيها الفاروثي بالفاء والراء والمثلثة نسبة إلى فاروث قرية على دجلة الإمام عز الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي المقرىء الصوفي شيخ العراق ولد بواسط في ذي القعدة سنة أربع عشرة وستمائة وقرأ القراءات على أصحاب ابن الباقلاني وسمع من عمر بن كرم وطبقته وكان إماما عالما متفننا متضلعا من العلوم والآداب رحالا حريصا على العلم ونشره حسن التربية للمريدين لبس الخرقة من السهروردي وجاور مدة قال الذهبي ثم قدم علينا في سنة إحدى وتسعين فأقرأ القراءات وروى الكثير وولي الخطابة بعد ابن المرحل عزل بعد سنة فسافر مع الحجاج ودخل العراق ومات بواسط في أول ذي الحجة وقد نيف على الثمانين وفيها محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد شيخ الحرم الطبري المكي ولد بمكة في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وسمع من جماعة وأفتى ودرس وتفقه وصنف كتابا كبيرا إلى الغاية في الأحكام في ست

(5/425)


426
مجلدات وتعب عليه مدة ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن وروى عنه الدمياطي وابن العطاء وابن الخباز والبرزالي وجماعة قال الذهبي الفقيه الزاهد المحدث كان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز وقال غيره له تصانيف كثيرة في غاية الحسن منها في التفسير كتبا وشرح التنبيه وله كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة وكتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القرى وكتاب السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين وكتاب القرى في ساكن أم القرى وغير ذلك توفي في جمادى الآخرة على الصحيح وحكى البرزالي أن ولده توفي بعده في ذي القعدة واسم ولده محمد ولقبه جمال الدين وكان قاضيا بمكة المشرفة وفيها لجمال المحقق أبو العباس أحمد بن عبد الله الدمشقي كان فقيها ذكيا مناظرا بصيرا بالطب درس وأعاد وكان فيه لعب ومزاح توفي في رمضان عن نحو ستين سنة روى عن ابن طلحة وفيها التاج إسمعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري المحدث كان عالما جليلا سمع من جعفر الهمداني وابن المقير وهذه الطبقة ومات فجأة في رجب وفيها أبو القسم عبد الصمد بن الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي جمال الدين بن الحرستاني الشافعي كان صالحا زاهدا صاحب كشف وفيه تواضع ووله يسير روى عن زين الأمناء وابن الزبيدي وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة وفيها ابن سحنون خطيب النيرب مجد الدين شيخ الأطباء أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحنفي روى عن خطيب مردا يسيرا وله شعر وفضائل وتوفي في ذي القعدة قاله في العبر وفيها اللمتوني أبو الحسن علي بن عثمان بن يحيى الصنهاجي الشواء ثم أمين السجن سمع ابن غسان وابن الزبيدي وطائفة وتوفي في ذي القعدة وقد نيف على السبعين

(5/426)


427
وفيها ابن البزوري أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي التاجر روى عن ابن القسطي ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون وكان نبيلا سريا جمع تاريخا ذيل به على المنتظم وتوفي في صفر عن ثلاث وستين سنة وهو أبو الواعظ نجم الدين وفيها ابن الحامض أبو الخطاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن خليفة البغدادي التاجر روى عن ابن عبد السلام الداهري وجماعة وتوفي بمصر يوم الأضحى وفيها ابن العديم الصاحب جمال الدين أبو غانم محمد بن الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد العقيلي الحلبي الفرضي الكاتب سمع من ابن رواحة وطائفة وببغداد ودمشق وانتهت إليه رياسة الخط المنسوب وتوقى بحماة في أول أيام التشريق وله ستون سنة وفيها قاضي نابلس جمال الدين محمد بن القاضي نجم الدين محمد بن القاضي شمس الدين سالم بن صاعد القرشي المقدسي الشافعي روى عن أبي علي الأوقي وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وفيها صاحب اليمن الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن رسول بقي في السلطنة نيفا وأربعين سنة وكان مستظهرا في الولاية له مشاركة في العلوم يحب العلماء ويعتقد الصالحين محببا إلى الرعايا صحبه في حجته ستمائة فارس ومن ظرفه أنه كتب إليه رجل إنما المؤمنون أخوة وأخوك بالباب يطلب نصيبه من بيت المال فأرسل إليه بدرهم وقال في جوابه إخواني المؤمنون كثير في الدنيا لو قسمت بيت المال بينهم ما حصل لكل واحد منهم درهم وكتب إليه إنسان أنا كاتب أحسن الخط الظريف والكشط اللطيف فقال حسن كشطك يدل على كثرة غلطك واشتكى إليه ناظره على عدن أن عبد الله بن أبي بكر الخطيب أراق خمورهم فأجابه هذا لا يفعله إلا صالح أو مجنون وكلاهما ما لنا معه كلام توفي سامحه الله تعالى في رجب

(5/427)


428
وفيها الجوهري الصدر نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عباس التميمي الحنفي صاحب المدرسة الجوهرية الحنفية بدمشق توفي في شوال ودفن بمدرسته عن سن عالية وفيها أبو بكر بن الياس بن محمد بن سعيد الرسعني الحنبلي روى عن الفخر بن تيمية والقزويني وتوفي بالقاهرة رحمه الله تعالى وفيها أبو الرجال بن مرى المنيني الرجل الصالح القدوة بركة الوقت كان صاحب حال وكشف وله عظمة في النفوس وكان له عشرة أولاد ذكور فكنى بأبي الرجال وكان تلميذ الشيخ جندل العجمي رحمهما الله توفي يوم عاشوراء بمنين عن نيف وثمانين سنة ودفن هناك وفيها أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السلمي الدمشقي رجل مستور روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في أحد الربيعين وله ثلاث وثمانون سنة قاله في العبر سنة خمس وتسعين وستمائة استهلت وأهل الديار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط حتى أكلوا الجيف وأخرج في اليوم الواحد ألف وخمسمائة جنازة وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها لجماعة الكثيرة وفيها كما قال الذهبي قدم علينا شيخ الشيوخ صدر الدين إبراهيم بن الشيخ سعد الدين بن حموية الجويني طالب حديث فسمع الكثير وروى لنا عن أصحاب المؤيد الطوسي وأخبر أن ملك التتار غازان بن أرغون أسلم على يده بواسطة نائبه نوروز وكان يوما مشهودا وفيها توفي نجم الدين أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن أحمد بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن محمود بن غياث بن سابق بن وثاب النميري الحراني الفقيه الأصولي القاضي نزيل القاهرة وصاحب التصانيف ولد سنة ثلاث وستمائة بحران وسمع الكثير بها من الحافظ عبد القادر الرهاوي وهو آخر من روى عنه ومن الخطيب أبي عبد الله بن

(5/428)


429
تيمية وغيره وسمع بحلب من الحافظ ابن خليل وغيره وبدمشق من ابن عساكر وابن صباح وبالقدس من الأوقى وغيره وقرأ بنفسه على الشيوخ وجالس ابن عمه الشيج مجد الدين بن تيمية وبحث معه كثيرا وبرع في الفقه وانتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وغوامضه وكان عارفا بالأصلين والخلاف والأدب وصنف تصانيف كثيرة منها الرعاية الصغرى والرعاية الكبرى في الفقه وكتاب الوافي ومقدمة في أصول الدين وكتاب صفة المفتي والمستفتي وغير ذلك وولي نيابة القضاء بالقاهرة وتفقه به وتخرج عليه جماعة كثيرة وحدث بالكثير وعمر وأسن وأضر وروى عنه الدمياطي والحارثي والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي بالقاهرة يوم الخميس سادس صفر عن اثنتين وتسعين سنة وتوفي أخوه تقي الدين شبيب الأديب البارع الشاعر المفلق الطبيب الكحال في ربيع الآخر من هذه السنة أيضا وهو في عشر الثمانين سمع ابن روزبة وطائفة وقد عارض بانت سعاد بقصيدة عظيمة منها ( مجد كبا الوهم عن إدراك غايته * ورد عقل البرايا وهو معقول ) ( طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى * له بطيب ثراها الجعد تقبيل ) وله أيضا ( وافى يعللني والليل قد ذهبا * فخلت من راحة في راحه ذهبا ) ( ظبى إذا قهقه الأبريق وابتسمت * له المدام بكى الراووق وانتحبا ) ( مقرطق لم يقم بالكاس عرس هنا * إلا وراح بنور الراح مختضبا ) ( يجلو على ابن غمام بكر معصرة * فقم لتشهد أن العود قد خطبا ) ( ماهز من قد العسال في رهج * إلا غدا قلب جيش الهم مضطربا ) وفيها الشيخ أبو العباس الداري أحمد بن عبد الباري الصعيدي ثم

(5/429)


430
الأسكندراني المؤدب الرجل الصالح قرأ القراءات على أبي القسم بن عيسى وأكثر عنه وعن الصفراوي وتوفي في أوائل السنة عن ثلاث وثمانين سنة وألف وفيها أبو الفضائل المنقذي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني الدمشقي خادم مصحف مشهد علي بن الحسين روى عن ابن غسان وابن صباح وجماعة وله حضور على ذرع بن فارس وتوفي في ذي الحجة وفيها الشريف عز الدين الحسيني نقيب الأشراف أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحلبي ثم المصري الحافظ المؤرخ روى عن فخر القضاة أحمد بن الحباب وأكثر عن أصحاب بوصيري وعنى بالحديث وبالغ وتوفي في سادس المحرم وفيها قاضي الحنابلة الإمام شرف الدين حسن بن الشرف عبد الله بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي ولد في شوال سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع من المرسي وابن مسلمة وغيرهم وقرأ بنفسه على الكفر طابى وتفقه وبرع في المذهب الحنبلي وولي القضاء بعد نجم الدين أحمد بن الشيخ وإلى أن مات قال البرزالي كان قاضيا بالشام على مذهب الإمام أحمد ومدرسا بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون وبمدرسة جده وكان مليح الشكل حسن المحاضرة كثير المحفوظ وقال الذهبي كان من أئمة المذهب توفي ليلة الخميس ثاني عشرى شوال ودفن بمقبرة جده بسفح قاسيون وهو والد الشيخ شرف الدين أبي العباس أحمد المعروف بابن قاضي الجبل وفيها بنت الواسطي الزاهدة العابدة أم محمد زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحية قال الذهبي روت لنا عن الشيخ الموفق وتوفيت في المحرم وقد قاربت التسعين وفيها ابن قوام العدل الصالح كمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرصافي ثم الدمشقي قال الذهبي حدثنا عن القزويني وابن الزبيدي

(5/430)


431
ومات فجأة في ذي القعدة وله ثمانون سنة وفيها ابن رزين الإمام صدر الدين عبد البر بن قاضي القضاة تقي الدين محمد قال الذهبي كان إماما شافعيا فاضلا درس بالقيمرية بدمشق ومات بها في رجب وفيها ابن بت الأعز قاضي الديار المصرية تقي الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدين العلائي الشافعي قال الذهبي توفي في جمادى الأولى كهلا وولي بعده ابن دقيق العيد شيخنا وفيها ابن الفاضل الشيخ سعد الدين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل سمع من عبد الصمد الغضاري وجعفر الهمداني فأكثر وتوفي في رجب وقد قارب السبعين وفيها ابن الدميري نسبة إلى دميرة قرية بمصر محي الدين عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري أخذ من الحافظ علي ابن المفضل وأبي طالب بن حديدة وأكثر عن الفخر الفارسي وكان إماما فاضلا دينا توفي في المحرم وله تسعون سنة وفيها العلامة سحنون أبو القسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدكالي بفتح الدال المهملة وتشديد الكاف نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب المالكي المقرىء النحوي قرأ القراءات على الصفراوي وسمع منه ومن علي بن مختار وكان إماما علامة ورعا فاضلا توفي في رابع شوال وفيها الجلال عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي قاضي القدس كان شيخا عالما دينا وقورا قال الذهبي حدثنا عن ابن المقير وتوفي بالقدس في ربيع الآخر وفيها سراج الدين عمر بن محمد الوراق المصري أديب الديار المصرية كان مكثرا حسن التصرف فمن شعره قوله ( سألتهم وقد حثوا المطايا * قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا )

(5/431)


432 (
وما عطفوا على وهم غصون * ولا التفتوا إلى وهم ظباء ) وفيها الشرف البوصيري صاحب البردة محمد بن سعد بن حماد الدلاصي المولد المغربي الأصل البوصيري المنشأ ولد بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أول شوال سنة ثمان وستمائة وبرع في النظم قال فيه الحافظ ابن سيد الناس هو أحسن من الجزر والوراق قاله السيوطي في حسن المحاضرة وأقول والأمر كما قال ابن سيد الناس ومن سبر شعره علم مزيته وما أحسن قوله في افتتاح ديوانه ( كتب المشيب بأبيض في أسود * بقضاء ما بيني وبين الخرد ) والله أعلم وفيها إمام مسجد البياطرة الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التميمي الحنفي الشاهد قال الذهبي حدثنا عن ابن صباح وتوفي في ربيع الأول وله ثلاث وثمانون سنة وفيها ابن عصرون تاج الدين محمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله ابن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي مدرس الشامية الصغرى ولد بحلب في أول سنة عشر وستمائة وأجاز له المؤيد الطوسي وطبقته وسمع من أبيه وابن روزبة وجماعة وروى الكثير وكان خيرا متواضعا حسن الإيراد للدرس توفي في ربيع الأول وفيها الشيخ شرف الدين الأزروني الزاهد محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني كان صالحا عابدا مقصودا بالزيارة والتبرك توفي ببيت لهيا وفيها ابن النحاس الصاحب العلامة محي الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الحلبي الحنفي روى عن الكاشغرى وابن الخازن وكان من أساطين المذهب وتولى الوزارة بالشام في الدولة المنصورية ولم يزل معظما في جميع الدول مشهورا بالأمانة وتوفي بالمزة في آخر السنة وله إحدى وثمانون سنة وشهران

(5/432)


433
وفيها الموفق أبو عبد الله محمد بن العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النصيبي الشافعي المقرىء شيخ القراء والصوفية ببعلبك وقرأ القراءات على ابن الحاجب والسديد عيسى وأقرأها مدة وله نظم رائق توفي في ذي الحجة وقد قارب الثمانين قال الذهبي عرضت عليه ختمة للسبعة وفيها شرف الدين التاذفي بالمثناة الفوقية والمعجمة والفاء نسبة إلى تاذف قرية قرب حلب محمود بن محمد بن أحمد المقرىء كان عبدا صالحا قانتا لله تعالى خائفا منه تاليا لكتابه روى عن ابن رواحة وابن خليل ومات بسفح قاسيون في رجب وقد نيف على السبعين وفيها ابن المنجا العلامة زين الدين أبو البركات المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي أحد من انتهت إليه رياسة المذهب أصولا وفروعا مع التبحر في العربية والنظر والبحث وكثرة الصيام والصلاة والوقار والجلالة ولد في عاشر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وستمائة وسمع من السخاوي وابن مسلمة والقرطبي وجماعة وتفقه على أصحاب جده وأصحاب الشيخ موفق الدين وقرأ الأصول على التفليسي والنحو على ابن مالك وبرع في ذلك كله ودرس وأفتى وناظر وصنف ومن تصانيفه شرح المقنع في أربع مجلدات وتفسير كبير للقرآن العظيم وغير ذلك وسمع منه ابن العطار والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي يوم الخميس رابع شعبان وتوفيت زوجته أم محمد ست البهاء بنت الصدر الخجندي ليلة الجمعة خامس الشهر وصلى عليهما معا عقب صلاة الجمعة بجامع دمشق ودفنا بتربة بيت المنجا بسفح قاسيون وفيها الوجيه النفري بكسر النون وفتح الفاء المشددة وراء نسبة إلى النفر بلد على النرس موسى بن محمد المحدث أحد من عنى بمصر بالحديث وقدم دمشق سنة نيف وسبعين فأكثر عن أصحاب ابن طبرزد وتوفي في جمادى الآخرة

(5/433)


434
وفيها أبو الفتوح نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السكاكيني صالح خير فاضل حسن المجالسة قال الذهبي حدثنا عن أبي القسم بن صصرى وعلي بن زيد التساري وطائفة وتوفي في سلخ شوال وله تسع وسبعون سنة وفيها رضي الدين القسنطيني بضم القاف وفتح السين المهملة وسكون النون نسبة إلى قسنطينية قلعة بحدود أفريقية العلامة أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الشافعي النحوي أخذ العربية عن ابن معطي وابن الحاجب وسمع من أبي علي الأوقي وابن المقير وتصدر للأشغال مدة واضر بآخرة وتوفي في رابع عشر ذي الحجة وله ثمان وثمانون سنة وفيها الكفرابي أبو الغنايم ابن محاسن بن أحمد بن مكارم المعمار روى عن قاضي حران أبي بكر والقزويني وابن روزبة وتوفي في ذي الحجة وله إحدى وثمانون سنة سنة ست وتسعين وستمائة فيها توجه الملك العادل إلى مصر فلما كان باللجون وثب حسام الدين لاشين المنصور على بيحاص وبكتوت الأزرق فقتلهما وكانا جناحي أستاذهما العادل فخاف وركب سرا في أربعة مماليك وساق إلى دمشق فدخل القلعة فلم ينفعه ذلك وزال ملكه وخضع المصريون لحسان الدين ولم يختلف عليه اثنان ولقب الملك المنصور وأخذ العادل تحت الحوطة فاسكن بقلعة صرخد وقنع بها وفيها توفي الصدر الفاضل أحمد بن إبراهيم ببستانه بسطرا ودفن بتربة بسفح قاسيون قبالة الأتابكية جوار تربة تقي الدين توبة كان فاضلا في النحو واللغة والعربية وله تجرد مع الفقراء الحريرية وكان من رؤساء دمشق وله شعر حسن وفيها ابن الأعلاق يابو العباس أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري قال الذهبي روى لنا عن عبد القوي وابن الحباب وابن باقا وكان إمام مسجد توفي في صفر عن ست

(5/434)


435
وثمانين سنة وفيها ابن الظاهري الحافظ الزاهد القدوة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفي المقرىء المحدث كان أحد من عنى بهذا الشأن وكتب عن سبعمائة شيخ بالشام والجزيرة ومصر وحدث عن ابن اللتي والأربلي فمن بعدهما وما زال في طلب الحديث وإفادته وتخريجه إلى آخر أيامه وكان من الثقات الأثبات توفي بالمغس في زاويته بظاهر القاهرة في ربيع الأول وله سبعون سنة قال ابن ناصر الدين كان أبوه مولى للظاهر غازي بن يوسف وفيها النفيس نفيس الدين إسمعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحراني ثم الدمشقي ناظر الأيتام وواقف النفيسية بالرصيف روى عن مكرم القرشي وتوفي في ذي القعدة عن نحو من سبعين سنة وفيها الضياء أبو الفضل جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسيني المصري القباني أحد كبار الشافعية ويعرف بابن عبد الرحيم ولد سنة تسع عشرة وستمائة وتفقه على الشيخين بهاء الدين القفطي ومجد الدين القشيري واستفاد من ابن عبد السلام وأخذ الأصول عن الشيخين محد الدين القشيري وعبد الحميد الخسروشاهى وسمع الحديث من جماعة ودرس بالمشهد الحسيني وولي كتابة بيت المال وكان من كبار الشافعية قال ابن كثير في طبقاته أحد الأعيان كان بارعا في المذهب أفتى بضعا وأربعين سنة وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة وفيها الضياء دانيال بن منكل الشافعي قاضي الكرك قرأ على السخاوي وسمع من ابن اللتي وابن الخازن وطائفه وكان له رواء ومنظر ولديه فضائل وتوفي في رمضان وفيها التاج أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان البعلبكي فقيه عالم جيد المشاركة في الفنون ذو حظ من عبادة وتواضع روى عن الشيخ الموفق والزويني والبهاء عبد الرحمن وتوفي في تاسع المحرم وله ثلاث وتسعون سنة وفيها عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن

(5/435)


436
عزاز المصري البصري الفقيه الحنبلي المحدث الحافظ نزيل المدينة النبوية ولد بالبصرة في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة ورحل إلى بغداد فسمع بها من ابن قميرة وخلق وتفقه على الشيخ كمال الدين بن وضاح ثم انتقل إلى المدينة النبوية واستوطنها نحوا من خمسين سنة إلى أن مات بها وحج منها أربعين حجة على الولاء وحدث بالكثير بالحجاز وبغداد ومصر ودمشق وسمع منه جماعات منهم البرزالي وابن الخباز والحارثي وتوفي يوم الثلاثاء بعد الصبح سابع عشرى صفر ودفن بالبقيع وفيها عز الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي قاضي القضاة بالديار المصرية سمع من جعفر الهمداني وابن رواح وأفتى ودرس وكان محمود القضايا مشكور السيرة متثبتا في الأحكام مليح الشكل سمع منه الذهبي وقال عنه إمام جماع للفضائل محمود القضايا متثبت توفي بالقاهرة في صفر ودفن بتربة الحافظ عبد الغني وله ست وستون سنة وفيها الضياء السبني بفتحتين ونون نسبة إلى السبن موضع أبو الهدى عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي الصوفي المحدث ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وقدم مع أبيه فحج ولبس الخرقة من السهروردي وسمع وقرأ الكتب على الصفراوي وابن المقير وغيرهما وتوفي بالقاهرة فجأة وله ثلاث وثمانون سنة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن حازم بن حامد بن حسن المقدسي الحنبلي سمع من ابن صصرى والناصح بن الحنبلي وابن الزبيدي وابن عساكر والضياء الحافظ وأكثر عنه وكان فقيها فاضلا عابدا توفي في ذي الحجة بنابلس في رجوعه من زيارة المسجد الأقصى وهو في عشر الثمانين وفيها التلعفري الشيخ محمد بن جوه رالصوفي المقرىء قرأ على أبي إسحق ابن وثيق ولقن مدة وكان عارفا بالتجويد وروى عن يوسف بن خليل وغيره

(5/436)


437
وتوفي بدمشق في صفر وفيها الضياء بن النصيبي محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي الكاتب وزر لصاحب حماة وحدث عن ابن روزبة والموفق عبد اللطيف وتوفي في رجب وفيها الرضى محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني المكي الشافعي المفتي النحوي الزاهد شيخ الحرم وفقيه روى عن ابن الجميزي وغيره وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن بطيح الدمشقي قال الذهبي روى لنا عن الناصح وكان ينادي ويتبلغ توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة وفيها ابن العدل محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزبداني مدرس مدرسة جده بالزبداني حدث عن ابن الزبيدي وابن اللتي وتوفي في المحرم وفيها ابن عطا أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي روى عن ابن الزبيدي وغيره وتوفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة وفيها أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي الواسطي سمع من ابن الزبيدي وغيره وتوفي بدمشق في المحرم وله إحدى وتسعون سنة سنة سبع وتسعين وستمائة فيها توفي الشهاب العابر أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي الحنبلي ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة بنابلس وسمع بها من عمه تقي الدين يوسف ومن الصاحب محي الدين بن الجوزي وسمع من سبط السلفي وغيره وترحل إلى مصر ودمشق والأسكندرية وتفقه في المذهب قال الذهبي فقيه إمام عالم لا يدرك شأوه في علم التعبير وله مصنف كبير في هذا العلم سماه البدر المنير توفي يوم الأحد تاسع عشرى ذي القعدة ودفن بتربة أبي الطيب بباب الصغير

(5/437)


438
وفيها الصدر بن عقبة أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي مفت مدرس ولي مرة قضاء حلب وكان ذا همة وجلادة وسعى توفي في رمضان عن سن عالية قاله في العبر وفيها أبو الروح جبريل بن إسمعيل بن جبريل الشارعي قال الذهبي شيخ مقرىء متواضع بزورى يؤم بمسجد توفي في هذا العام ظنا روى لنا عن ابن باقا وغيره وخرج عنه الأبيوردي في معجمه وفيها عائشة ابنة المجد عيسى بن الشيخ الموفق المقدسي مباركة صالحة عابدة قال الذهبي روت لنا عن جدها وابن راجح وعاشت ستا وثمانين سنة وفيها الكمال الفويره مسند العراق أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقرىء البزار المكثر شيخ المستنصرية قرأ القراءات على الفخر الموصلي وسمع من أحمد بن صرما وجماعة وأجاز له ابن طبرزد وعبد الوهاب بن سكينة وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات والحديث وتوفي في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة ووقع في الهرم رحمه الله تعالى وفيها ابن المغيزل الصدر شرف الدين عبد الكريم بن محمد بن محمد بن نصر الله الحموي الشافعي روى عن الكاشغري وابن الخازن وتوفي في المحرم وله إحدى وثمانون سنة وفيها ابن واصل قاضي حماة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن نصر الله بن واصل الحموي الشافعي كان إماما عالما بعلوم كثيرة خصوصا العقليات مفرطا في الذكاء مداوما على الاشتغال والتفكر في العلم حتى كان يذهل عمن يجالسه وعن أحوال نفسه وصنف تصانيف كثيرة في الأصلين والحكمة والمنطق والعروض والطب والأدبيات ومن شعره ( وأغيد مصقول العذار صحبته * وربع سروري بالتأهل عامر ) ( وفارقته حينا فجاء بلحية * تروح وقد دارت عليه الدوائر ) ( فكررت طرفي في رسوم جماله * وأنشدت بيتا قاله قبل شاعر )

(5/438)


439 (
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر ) ( فقال عجيب والفؤاد كأنما * يقلقله بين الجوانح طائر ) ( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجذوذ العواثر ) توفي بحماة يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال وفيها ابن المغربي بدر الدين محمد بن سليمان بن معالي الحلبي المقرىء قال الذهبي عبد خير صالح عالم كتب العلم وقرأ بنفسه وروى عن كريمة وابن المقير وطائفة وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة وفيها الأيكي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي الشافعي كان فقيها صوفيا إماما في الأصلين ورد دمشق ودرس بالغزالية وشرح منطق مختصر ابن الحاجب ثم سافر إلى مصر وولي مشيخة الشيوخ بها فتكلم فيه الصوفية فخرج منها وعاد إلى دمشق فتوفي بالمزة يوم الجمعة قبيل العصر ثالث شهر رمضان عن سبعين سنة قاله الأسنوي قلت رما الإمام أبو حيان بالإلحاد وعده فيمن اشتهر بذلك في المائدة من تفسيره والله أعلم وفيها أبو القسم القاضي بهاء الدين هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القفطي بكسر القاف وسكون الفاء وبالطاء المهملة نسبة إلى قفط بلد بصعيد مصر ولد في سنة ستمائة أو إحدى وستمائة وقيل في أواخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة وتفقه على المجد القشيري في مذهب الشافعي وقرأ الأصول على الشمس الأصفهاني بقوص ودخل القاهرة فاجتمع بالشيخين عز الدين بن عبد السلام والزكي المنذري واستفاد منهما ورجع إلى بلده وانتفع به الناس وتخرجت به الطلبة وولى قضاء أسنا وتدريس المدرسة المعزية بها وكانت أسنا مشحونة بالروافض فقام في نصرة السنة وأصلح الله به خلقا وهمت الروافض بقتله فحماه الله منهم

(5/439)


440
وترك القضاء أخيرا واستمر على العلم والعبادة قال السبكي كان فقيها فاضلا متعبدا مشهور الاسم وانتهت إليه رياسة العلم في إقليمه وكان زاهدا وقال الأسنوي برع في علوم كثيرة وأخذ عنه الطلبة وقصدوه من كل مكان وممن انتفع به تقي الدين بن دقيق العيد والدشناوي وصنف كتبا كثيرة في علوم متعددة وكانت أوقاته موزعة ما بين أقراء وتدريس وتصنيف توفي باسنا ودفن بالمدرسة المجيدية سنة ثمان وتسعين وستمائة استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور حسام الدين لاجين ونائبه منكوتمر مملوكه وهو معتمد عليه في جل الأمور فشرع يمسك كبار الأمراء وينفي آخرين وفي ربيع الآخر استوحش قبجق المنصوري نائب الشام وبكتمر السلحدار وغيرهما من فعائل منكوتمر وخافوا ان يبطش بهم وبلغهم دخول ملك التتار في الإسلام فأجمعوا على المسير إليه فساروا من حمص على البرية فلم يلبثوا إن جاء الخبر بقتل السلطان ومنكوتمر على يد كرجي الأشرفي ومن قام معه هجم عليه كرجي في ستة أنفس وهو يلعب بالشطرنج بعد العشاء ما عنده إلا قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والأمير عبد الله ويزيد البدوي وإمامه المجير بن العسال قال حسام الدين رفعت رأسي فإذا سبعة أسياف تنزل عليه ثم قبضوا على نائبه فذبحوه من الغد ونودي للملك الناصر وأحضروه من الكرك فاستناب في المملكة سلار ثم قتل طغجى وكرجى الأشرفيان ثم ركب الملك الناصر بخلعة الخليفة وتقليده وقدم الأقرم على نيابة دمشق في جمادى الاولى وكان الملك المنصور أشقر أصهب فيه دين وعدل في الجملة وله شجاعة وإقدام وفيها توفي ابن الحصير نائب الحكم نظام الدين أحمد بن العلامة جمال

(5/440)


441
الدين محمود بن أحمد البخاري الدمشقي الحنفي وله نحو من سبعين سنة قاله في العبر وفيها الصوابي الخادم الأمير الكبير بدر الدين بدر الحبشي كان أميرا على مائة فارس بدمشق وأقام في الأمرة نحوا من أربعين سنة وكان خيرا دينا معمرا موصوفا بالشجاعة والعقل والرأي قال الذهبي روى لنا عن ابن عبد الدايم وتوفي فجأة بقرية الخيارة في جمادى الأولى وقال ابن شهبة وحمل إلى قاسيون فدفن بترتبه وهو أول من أبطل ما كان يجبى من الحجاج في كل سنة لأجل العربان وهو على كل جمل عشرة دراهم أقام ذلك من ماله وأبطل الجباية وذلك سنة إحدى وثمانين فبطل ذلك إلى الآن انتهى وفيها التقى البيع الصاحب الكبير أبو البقاء توبة بن علي بن مهاجر التكريتي عرف بالبيع كان تاجرا فلما أخذت التتار بغداد حضر إلى الشام وتولى البيعية بدار الوكالة ثم ضمنها في أيام الظاهر وخدم المنصور وأقرضه ستين ألفا بلا فائدة فلما تولى المنصور أطلق له دار الوكالة وما كان عليه مكسورا وهو مائة ألف درهم وولاه كتابة الخزانة ثم نقل إلى وزارة الشام وتوزر لخمسة ملوك الأشرف والمنصور والعادل كتبغ ولاجين والناصر وكان حسن الأخلاق ناهضا وافرا كافيا وافر الحرمة توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربته بسفح قاسيون عن ثمان وسبعين سنة وفيها صد رالدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن الأنجب بن الكسار الواسطي الأصل البغدادي المحدث الحافظ الحنبلي ولد سنة ست وعشرين وستمائة وسمع ببغداد من ابن قميرة وغيره وبواسط من الشريف الداعي الرشيدي وقرأ كثيرا من الكتب والأجزاء وعنى بالحديث وكانت له معرفة حسنة به قال الذهبي قال لنا الفرضي كان فقيها محدثا حافظا له معرفة وقال الذهبي وبلغني أنه تكلم فيه وهو متماسك وله عمل كثير في الحديث وشهرة بطلبه وقال ابن رجب كان رحمه الله زرى للباس وسخ الثياب على نحو طريقة أبي محمد بن الخشاب النحوي كما سبق ذكره

(5/441)


442
وكان بعض الشيوخ يتكلم فيه وينسبه إلى التهاون في الصلاة وكان الدقوقي يقول أنهم كانوا يحسدونه لأنه كان يبرز عليهم في الكلام في المجالس والله أعلم بحقيقة أمره سمع منه خلق من شيوخنا وغيرهم توفي في رجب ودفن بمقبرة باب حرب انتهى كلام ابن رجب وفيها العماد عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي النابلسي صاحب المدرسة بنابلس روى عن الموفق وابن راجح وموسى بن عبد القادر وجماعة وطال عمره وقصد بالزيارة وتفرد بأشياء وتوفي في ذي الحجة وفيها الشيخ على الملقن بن محمد بن علي بن بقاء الصالحي المقرىء العبد الصالح روى عن ابن الزبيدي وغيره وعاش ستا وثمانين سنة وتوفي في رابع شوال وفيها ابن القواس مسند الوقت ناصر الدين أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن عمر الطائي الدمشقي سمع حضورا من ابن الحرستاني وأبي يعلى بن أبي لقمة فكان آخر من روى عنهما وأجاز له الكندي وطائفة وخرجت له مشيخة وكان خيرا دينا متواضعا محبا للرواية توفي في ثاني ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة وفيها ابن النحاس العلامة حجة العرب بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي شيخ العربية بالديار المصرية روى عن الموفق بن يعيش وابن اللتي وجماعة وكان من أذكياء أهل زمانه توفي في جمادى الأولى وله إحدى وسبعون سنة وفيها ابن النقيب الإمام المفسر العلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي الحنبلي مدرس العاشورية بالقاهرة ولد سنة إحدى عشرة وستمائة وقدم مصر فسمع بها من يوسف بن المخيلي وصنف تفسيرا كبيرا إلى الغاية وكان إماما زاهدا عابدا مقصودا بالزيارة متبركا به أمارا بالمعروف كبير القدر توفي في المحرم ببيت المقدس قاله في العبر وفيها صاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر

(5/442)


443
الدين محمد بن المظفر محمود بن المنصور محمد بن عمر شاهنشاه الحموي آخر ملوك حماة مات في الحادي والعشرين من ذي القعدة وفيها جمال الدين ياقوت المستعصمي الكاتب الأديب البغدادي آخر من انتهت إليه رياسة الخط المنسوب كان يكتب على طريقة ابن البواب وهو من مماليك المستعصم أمير المؤمنين قال الحافظ علم الدين البرزالي قال أنشدني أبو شامة قال أنشدني ياقوت لنفسه ( رعى الله أياما تقضت بقربكم * قصارا وحياها الحيا وسقاها ) ( فما قلت إيه بعدها لمسامر * من الناس إلا قال قلبي آها ) وفيها الملك الأوحد نجم الدين يوسف بن الناصر صاحب الكرك داود بن المعظم توفي بالقدس في ذي الحجة وله سبعون سنة سمع من ابن اللتي وروى عنه الدمياطي في معجمه سنة تسع وتسعين وستمائة فيها كانت بالشام فتنة غازان ملك التتار توفي فيها من شيوخ الحديث بدمشق والجبل أكثر من مائة نفس وقتل بالجبل ومات بردا وجوعا نحو أربعمائة نفس وأسر نحو أربعة آلاف منهم سبعون نسمة من ذرية الشيخ أبي عمر وفيها توفي أبو العباس أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف المقدسي ثم الحراني المقرىء روى عن القزويني وابن روزبة ووالده الفقيه أبي الربيع وتوفي في جمادى الآخرة وله أبه وثمانون سنة وفيها أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز اليونيني الصالحي الحنفي سمع البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي واستشهد بالجبل في ربيع الآخر وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح بن أحمد الأشبيلي الشافعي المحدث الحافظ تفقه على ابن عبد السلام قال الذهبي وحدثنا عن ابن عبد الدايم

(5/443)


444
وطبقته وكان له حلقة أشغال بجامع دمشق عاش خمسا وسبعين سنة وكان ذا ورع وعبادة وصدق وقال ابن ناصر الدين ومن نظمه الرائق قصيدته التي أولها غرامي صحيح والرجا فيك عضل ولقد حفظها جماعة وعلي فهمها عولوا وفيها نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن حمزة بن منصور الهمداني الطبيب الحنبلي روى عن الزبيدي ومات بدويرة حمد في رمضان وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح الصالحي الحداد روى عن أبي القسم بن صصرى وابن الزبيدي وأجاز له الشيخ الموفق هلك في الجبل فيمن هلك وفيها ابن جعوان الزاهد المفتي الشافعي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عباس الدمشقي أخو الحافظ شمس الدين كان عمدة في النقل روى عن ابن عبد الدايم وفيها القاضي علاء الدين أحمد بن عبد الوهاب بن بنت الأعز كان فصيح العبارة تولى حسبة القاهرة والأحباس ودرس بها وبدمشق في الظاهرية والقيمرية وناب بالقاهرة وبها مات ومن نظمه ( إن أومض البرق في ليل بذي سلم * فإنه ثغر سلمى لاح في الظلم ) ( وإن سرت نسمة في الكون عابقة * فإنها نسمة من ربة الخيم ) ( تنام عين التي أهوى وما علمت * بأن عيني طول الليل لم تنم ) ( لله عيش مضى في سفح كاظمة * قد مرحلوا مرور الطيف في الحلم ) ( أيام لا نكد فيها نشاهده * ولت بعين الرضا مني ولم تدم ) وقال في دمشق ( إني أدل على دمشق وطيبها * من حسن وصفي بالدليل القاطع ) ( جمعت جميع محاسن في غيرها * والفرق بينهما بنفس الجامع ) وفيها نجم الدين أحمد بن محسن بفتح الحاء وكسر السين المهملة المشددة ابن حلى باللام الأنصاري البعلبكي الشافعي قال الأسنوي ولد ببعلبك في رمضان

(5/444)


445
سنة سبع عشرة وستمائة وأخذ النحو عن ابن الحاجب والفقه عن ابن عبد السلام والحديث عن الزكي البدري وكان فاضلا في علوم أخرى منها لأصول والطب والفلسفة ومن أذكى الناس وأقدرهم على المناظرة وإفحام الخصوم ودخل بغداد ومصر إلى آخر الصعيد وحضر الدرس ببلدنا اسنا ومدرسها بهاء الدين القفطي ثم استقر بأسوان مدة يدرس بها بالمدرسة البانياسية ثم عاد منها إلى الاشم وكان متهما في دينه بأمور كثيرة منها الرفض والطعن في الصحابة توفي في جمادى الاولى سنة تسع وتسعين وستمائة بقرية يقال لها نخعون من جبال الظنيين وهو جبل بين طرابلس وبعلبك انتهى وفيها شرف الدين أبو العباس وأبو الفضل احمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر المسند الأجل الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع القزويني وابن صصرى وزين الأمناء وطائفة وأجاز له المؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وآخرون وروى الكثير وتفرد بأشياء وتوفي في الخامس والعشرين من أحد الجمادين وفيها العماد الماسح إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح ولد القاضي نجم الدين المقدسي الصالحي روى عن إسمعيل بن ظفر وجماعة وبالإجازة عن عمر بن كرم وتوفي في أواخر السنة عن نيف وسبعين سنة وفيها أبو عمر وأبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسن الفراء الصالحي سمع الموفق والبهاء القزويني واستشهد بالجبل وله سبع وثمانون سنة وفيها إبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي وتوفي في جمادى الأولى بعد الشدة والضرب وفيها الشيخ بهاء الدين أبو صابر أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الحلبي الحنفي ابن النحاس مدرس القليجية وشيخ الحديث بها قال الذهبي روى لنا عن ابن روزبة ومكرم وابن الخازن والكاشغري وابن خليل

(5/445)


446
وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة وفيها بلال المغيثي الطواشي الأمير الكبير أبو الخير الحبشي الصالحي روى عن عبد الوهاب بن رواج وتوفي بعد الهزيمة بالرملة وهو في عشر المائة وفيها جاعان الأمير الكبير سيف الدين الذي ولد السد بدمشق كان فيه خير ودين توفي بأرض البلقاء في أول الكهولة قاله في العبر وفيها المطروحي الأمير جمال الدين الحاجب من جلة أمراء دمشق ومشاهيرهم عمل الحجوبية مدة وعدم في الوقعة فيقال أسر وبيع للفرنج وفيها حسام الدين قاضي القضاة الحسن بن أحمد بن أبي شروان الرازي ثم الرومي الحنفي عدم بعد الوقعة وتحدث أنه في الأسر بقبرص ولم يثبت ذلك والله أعلم وكان هو والمطروحي من أبناء السبعين قاله في العبر وفيها ابن هود الشيخ الزاهد بدر الدين حسن بن علي بن أمير المؤمنين أبي الحجاج يوسف قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقاته المغربي الأندلسي نزيل دمشق المعروف بابن هود كان فاضلا قد تفنن وزاهدا قد تسنن عنده من علوم الأوائل فنون وله طلبة وتلامذة ومريدون فيه انجماع عن الناس وانقباض وانفراد وإعراض عما في هذه الدنيا من الأعراض وكان لفكرته غائبا عن وجوده ذاهلا عن بخله وجوده لا يبالي بما ملك ولا يدري أية سلك قد اطرح الحشمة وذهل عما ينعم جسمه ونسى ما كان فيه من النعمة وكان يلبس قبع لباد ينزل على عينيه ويغطى به حاجبيه ولم يزل على حاله حتى برق بصره وألجمه عيه وحصره سنة سبعمائة وقد ذكره الذهبي فقال الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريق الوحدة كان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليفة المتوكل حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا فسافر وترك الحشمة وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وقرع باب الصوفية وخلط هذا بهذا وكان غارقا في الفكر عديم

(5/446)


447
اللذة مواصل الأحزان فيه انقباض وكان اليهود يشتغلون عليه في كتاب الدلالة ثم قال الذهبي قال شيخنا عماد الدين الواسطي قلت له أريد أن تسلكني فقال من أي الطرق الموسوية أو العيسوية أو المحمدية وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه وهو لاه عنه فإذا حرقه رجع إليه حسه فيلقيه وقال ابن أبي حجلة ابن هود شيخ اليهود عقدوا له العقود على ابنة العنقود فأكل معهم وشرب ودخل من عمران في جحر ضب خرب فأتوا إليه واشتغلوا عليه فانقلب أرضهم وأسلم بعضهم وكان له في السلوك مسلك عجيب ومذهب غريب لا يبالي بما انتحل ولا يفرق بين الملل والنحل فربما سلك المسلم على ملة اليهود واليهود على ملة هود وعاد وثمود وربما أخذته سكتة واعترته بهتة فيقيم اليوم واليومين شاخص العينين لا يفوه بحرف ولا يفرق بين المظروف والظرف ثم قال المناوي له شعر كثير وكلام يسير مات سنة تسع وتسعين وستمائة ودفن بقاسيون وكان والده متوليا نيابة عن أخيه أمير المؤمنين المتوكل محمد بن يوسف بن هود انتهى ملخصا ووصفه الذهبي في العبر بالاتحاد والضلالة وفيها ابن النشابي الوالي عماد الدين حسن بن علي كان قد أعطى الطبل خاناه ومات في شوال بالبقاع وحمل إلى تربته بقاسيون وفيها ابن الصيرفي شرف الدين حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري المحدث أحد من عنى بالحديث وقرأ وكتب وولي مشيخة الفارقانية روى عن بن رواح وابن قميرة وطائفة ومات في ذي الحجة وفيها خديجة بنت يوسف بن غنيمة العالمة الفاضلة أمة العزيز روت الكثير عن ابن اللتي ومكرم وطائفة وقرأت غير مقدمة في النحو وجودت الخط على جماعة وحجت وتوفيت في رجب عن نيف وسبعين سنة وفي حدودها شرف الدين أبو أحمد داود بن عبد الله بن كوشيار الحنبلي الفقيه المناظر كان بغداديا فقيها مناظرا بارعا عارفا بالفقه صنف في أصول

(5/447)


448
الفقه كتابا سماه الحاوي وفي أصول الدين كتابا سماه تحرير الدلائل وفي حدودها أيضا الشيخ رسلان الدمشقي قال المناوي من أكابر مشايخ الشام المجمع على جلالتهم ومن جلة أهل التصريف له أحوال معروفة ومكاشفات مشهورة منها ما حكاه شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أنه حضر سماعا فيه رسلان فأنشد القوال فصار الشيخ يثب في الهوى ويدور فيه ثم ينزل فعل ذلك مرارا ثم لما استقر بالأرض استند إلى شجرة يابسة فاخضر ورقها للوقت وأثمت وكان يقول لا تأكل النار لحما دخل زاويتي فدخل رجل للصلاة بها ومعه لحم نيء فطبخه فلم ينطبخ ومن كلامه قلب العارف لوح منقوش بأسرار الموجودات فهو يدرك حقائق تلك السطور ولا تتحرك ذرة حتى يعلمه الله بها وقال الحدة مأوى كل شر والغضب يحوج إلى ذل الاعتذار وقال مكارم الأخلاق العفو عند القدرة والتواضع عند الرفعة والعطاء بغير منه وقال سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس عليها ممن فوقها فتحدث السطوة والانتقام مات بدمشق ودفن بها قبل السبعمائة انتهى كلام المناوي وفيها زينب بنت عمر بن كندي أم محمد الحاجة البعلبكية الدار الشامية المحتد لها أوقاف ومعروف وروت بالإجازة عن المؤيد الطوسي وأبي روح وعدة وتوفيت في جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة وفيها الشيخ سعيد الكاساني بالسين المهمة نسبة إلى كاسان بلدوراء الشاش الفرغاني شيخ خانقاه الطاحون وتلميذ الصدر القونوي قال الذهبي كان أحد من يقول بالوحدة شرح تائية ابن الفارض في مجلدتين ومات في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة انتهى وفيها ابن الشيرجي الصاحب فخر الدين سليمان بن العماد محمد بن أحمد سمع من ابن الصلاح ولم يحدث وكان ناظر الدواوين فأقره نواب التتار على النظر فمنع أحواش الناس من تشييع جنازته لذلك وطردوهم وما بقي معه غير ولده ومات في رجب عن نيف وستين سنة

(5/448)


449
وفيها الدواداري الأمير الكبير علم الدين سنجر التركي الصالح يكان من نجباء الترك وشجعانهم وعلمائهم وله مشاركة جيدة في الفقه والحديث وفيه ديانة وكرم سمع الكثير من ابن الزكي والرشيد العطار وطبقتهما وله معجم كبير وأوقاف بدمشق والقدس تحيز إلى حصن الأكراد فتوفي به في رجب عن بضع وسبعين سنة وفيها صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفراء الميادي أم محمد روت في الخامة عن الشيخ الموفق وعدمت في الجبل قاله في العبر وفيها الطيار الأمير الكبير سيف الدين المنصوري أدركته التتار بنواحي غزة فقاتل عن حريمة حتى قتل وحصلت له الشهادة والخير بذلك فإنه كان مسرفا على نفسه وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي قال الذهبي إمام مفتي مدرس صالح عارف بالمذهب متبحر في الفرائض والجبر والمقابلة كبير السن توفي في العشر الأوسط من ربيع الآخر وفيها الفقيه سيف الدين أبو بكر بن الشهاب أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النابلسي كان مولده سنة سبعين وستمائة وروى عنه الذهبي في معجمه وقال كان فقيها حنبليا مناظرا صالحا يتوسوس في الماء سمع بمصر جماعة وتفقه على ابن حمدان وسمع بدمشق بعد الثمانين وسمع معنا كثيرا وكان مطبوعا عارفا بالمذهب مناظرا ذكيا حسن المذاكرة عدم في الفتنة وفيها الباجربقي المفتي المفنن جمال الدين عبد الرحيم بن عمرو بن عثمان الشيباني الدنيسري الشافعي اشتغل بالموصل وقدم دمشق فدرس وأشغل وحدث بجامع الأصول عن والده عن المصنف وقد ولى قضاء غزة سنة تسع وسبعين قال الذهبي شيخ فقيه محقق نقال مهيب ساكن كثير الصلاة ملازم للجامع والاشتغال وكان لازما لشأنه حافظا للسانه منقطعا عن الناس على طريقة واحدة وله نظم وسجع ووعظ وقد نظم كتاب التعجيز وعمله برموز

(5/449)


450
وتوفي في خامس شوال وفيها على خلاف كبير أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدميري الديريني نسبة إلى ديرين قرية بصعيد مصر الفقيه الشافعي العالم الأديب الصوفي الرفاعي أخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره ممن عاصره ثم صحب أبا الفتح بن أبي الغنايم الرسعني وتخرج به وتكلم في الطرائق وغلب عليه الميل إلى التصوف وكان مقره بالريف ينتقل من موضع إلى موضع والناس يقصدونه للتبرك به ومن تصانيفه تفسير سماه المصباح المنير في علم التفسير في مجلدين ونظم أرجوزة في التفسير سماها التيسير في التفسير تزيد على ثلاث آلاف ومائتي بيت وكتاب طهارة القلوب في ذلك علام الغيوب في التصوف ونظم الوجيز فيما يزيد على خمسة آلاف بيت ونظم التنبيه وله غير ذلك ومن نظمه ( وعن صحبة الأخوان والكيمياء خذ * يمينا فما من كيمياء ولا خل ) ( ولم أر خلا قد تفرد ساعة * مع الله خالي البال والسر من شغل وفيها ابن الزكي القاضي عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن محمد القرشي الشافعي مدرس العزيزية وقد ولى نظر الجامع وغير ذلك ومات كهلا وفيها عبد الولي بن علي بن السماقي روى عن ابن اللتي وتوفي في أيام التتار ودفن داخل السور وفيها عبيد الله ابن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي العلاف روى عن جعفر الهمداني وكريمة وفيها الشيخ أبو الحسن علي بن الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي قتله التتار على مرحلتين من البيرة بالجامع المظفري وفيها المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق بن خطيب عقوبا قال الذهبي عدل كاتب متميز روى عن ابن اللتي والناصح وطائفة توفي في رجب عن سبع وسبعين سنة

(5/450)


451
وفيها علي بن أحمد بن عبد الدايم بن نعمة أبو الحسن المقدسي الحنبلي قيم جامع الجبل اعتنى بالرواية قليلا وكتب أجزاء وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن صباح وببغداد من ابن الكاشغري وطائفة وكان صالحا كثير التلاوة وعذبه التتار إلى أن مات شهيدا وله اثنتان وثمانون سنة وفيها علي بن مطر المحجي ثم الصالحي البقال روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي وقتل في الجبل في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها ابن العقيمي شيخ الأدباء جمال الدين عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرسعني الكاتب ولد سنة ست وستمائة برأس عين وأجاز له الكندي وسمع من القزويني وابن روزبة وطائفة وبرع في النظم والنثر وتوفي في شوال وفيها الشيخ أبو محمد عبد الله المرجاني قال ابن الأهدل الولي الشهير توفي بتونس قيل له قال فلان رأيت عمود نور ممتدا من السماء إلى فم الشيخ المرجاني في حال كلامه فلما سكت الشيخ ارتفع العمود فتبسم وقال لم يعرف كيف يعبر بل لما ارتفع العمود سكت يعني أنه كان يتكلم عن مدد الأنوار فلما ارتفع النور انقطع الكلام قال اليافعي ومناقبه تحتمل مجلدا قال وأما قول الذهب يأبو محمد عبد الله المرجاني المغربي الواعظ المذكور أحد مشايخ الإسلام علما وعملا فغض من قدره وفيها إمام الدين قاضي القضاة أبو القسم عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي انجفل إلى مصر فتألم في الطريق وتوفي بالقاهره بعد أسبوع في ربيع الآخر وكان تام الشكل سمينا متواضعا مجموع الفضائل لم يتكهل وفيها عمر بن يحيى بن طرخان المعرى ثم البعلبكي روى عن الأربلي وغيره وكان ضعيفا في نفسه قال الذهبي وفيها المجد عيسى بن بركة ابن والي الحوار الصالحي المؤدب روى عن ابن اللتي غيره وهلك في جمادى الأولى وفيها ابن غانم الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سلمان

(5/451)


452
ابن حمايل بن علي المقدسي الشافعي الموقع سبط الشيخ غانم قال الذهبي روى لنا عن شيخ الشيوخ تاج الدين بن حموية وكان مع تقدمه في الإنشاء فقيها مدرسا ذكر لخطابة دمشق وقال غيره روى لنا عن ابن حموية وابن الصلاح وكان أحد الأعيان والأكابر معروفا بالكتابة والأمانة حسن المحاضرة كثير التواضع درس بالعصرونية واقتنى كتبا نفيسة وكان كثير المروءة والعصبية لمن يعرفه ومن لا يعرفه وله بر وصدقة وكان حجازي الأصل وإنما ولد في بغداد في حارة الجعافرة فكان جعفريا وفيها ابن الفخر المفتي المتفنن شمس الدين محمد بن الإمام فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي أحد الموصوفين بالذكاء المفرط وحسن المناظرة والتقدم في الفقه وأصوله والعربية والحديث وغير ذلك قاله الذهبي وقال ابن رجب ولد في أواخر سنة أربع وأربعين وستمائة وسمع الكثير من خطب مردا وشيخ شيوخ حماة وابن عبد الدايم والفقيه اليونيني وغيرهم وتفقه وبرع وأفتى وناظر وحفظ عدة كتب ودرس بالمسمارية والجامع وقال البرزالي كان من فضلاء الحنابلة في الفقه والأصول والنحو والحديث والأدب وله ذهن جيد وبحث فصيح ودرس وأعاد وأفتى وروى الحديث وتوفي ليلة الأحد بين العشاءين تاسع رمضان ودفن بمقابر باب توما قبلى مقبرة الشيخ رسلان وفيها زين الدين محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي بن الحرستاني المعروف بالنحوي قال الذهب يدين خير متودد روى عن ابن صباح وابن اللتي وتوفي في ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة وفيها العلامة شمس الدين محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي المرداوي الصالحي الحنبلي أبو عبد الله ولد سنة ثلاثين وستمائة بمردا وسمع الحديث من خطيب مردا وعثمان بن خطيب القرافة وابن عبد الهادي وابن خليل وغيرهم وتفقه على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وغيره وبرع في

(5/452)


453
العربية واللغة واشتغل ودرس وأفتى وصنف قال الذهبي كان حسن الديانة دمث الأخلاق كثير الإفادة مطرحا للتكلف ولي تدريس الصاحبة مدة وكان يحضر دار الحديث ويشغل بها وبالجبل وله حكايات ونوادر وكان من محاسن الشيوخ قال وجلست عنده وسمعت كلامه ولي منه إجازة وقال ابن رجب وممن قرأ عليه العربية الشيخ تقي الدين بن تيمية وله تصانيف منها في الفقه القصيدة الطويلة الدالية وكتاب مجمع البحرين لم يتمه وكتاب الفروق وعمل طبقات للأصحاب وحدث وروى عنه إسمعيل بن الخباز في مشيخته وتوفي ثاني عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفيها أبو السعود محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المنذري المصري روى عن ابن المقير وجماعة وتوفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة وفيها الفخر محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحباب التميمي المصري ناظر الخزانة روى عن علي بن الجمل وجماعة وتوفي في ربيع الأول عن خمس وسبعين سنة وفيها ابن الواسطي شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي الحنبلي سمع حضورا من الموفق وموسى بن عبد القادر وابن راجح وسمع من ابن البن وابن أبي لقمة وطائفة وتوفي بمارستان البلد في رجب بعد أن قاسى الشدائد وكان قليل العلم خيرا ساكنا قاله الذهبي وفيها الخطيب موفق الدين محمد بن محمد بن الفضل بن محمد النهرواني القضاعي الحموي الشافعي ويعرف بابن حبيش خطيب حماة ثم خطيب دمشق ثم قاضي حماة قال الذهب يروى لنا بالإجازة عن جده مدرك وكان شيخا متنورا مديد القامة مهيبا كثير الفضائل توفي بدمشق في أواخر جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة وفيها محمد بن مكي بن الذكر القرشي الصقلي الرقام روى بمصر عن ابن

(5/453)


454
صباح والأربلي وطائفة كثيرة وتوفي في ربيع الأول وله خمس وسبعون سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العدل الهاشمي العباسي الدمشقي روى عن ابن الزبيدي وأبي المحاسن الفضل بن عقيل العباسي وشهد مدة وانقطع ببستانه ومات في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة وفيها الموفق محمد بن يوسف بن إسماعيل المقدسي الحنبلي الشاهد قال الذهبي حدثنا عن ابن المقير ومات في شعبان عن خمس وسبعين سنة وفيها محمد بن يوسف بن خطاب التلي الصالحي قال الذهبي حدثنا عن جعفر الهمداني ومات في جمادى الأولى بعد المحنة والشدة بالجبل وفيها مريم بنت أحمد بن حاتم البعلبكية حضرت البهاء وسمعت الأربلي وكانت صالحة خيرة قاله في العبر وفيها ابن المقير أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن المقرىء روى عن إبراهيم بن الخير وجماعة وكان عبدا صالحا حضر المصاف واستشهد يومئذ وفيها ابن المقدم الأمير نوح بن عبد الملك بن الأمير الكبير شمس الدين محمد بن المقدم لجده المواقف المشهودة وهو الذي استشهد بعرفة زمن صلاح الدين وكان هذا من أمراء حماة استشهد يومئذ وله خمس وسبعون سنة وقد حدث عن ابن رواحة وقال الذهبي وهو ممن عرفنا من كبار من قتل يوم المصاف وفيها هدية بنت عبد الحميد بن محمد المقدسية الصالحية روت الصحيح عن ابن الزبيدي وتوفيت بالجبل في ربيع الآخر وفيها أبو الكرم وهبان بن علي بن محفوظ الجزري المؤذن المعمر ولد بالجزيرة سنة أربع وستمائة وسمع بمصر من ابن باقا وتوفي في ربيع الأول وكان مؤذن السلطان مدة وفيها ابن المفاري أمير الحاج يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الدمشقي حدث بالصحيح مرات وروى عن الناصح والأربلي وجماعة وحج مرات توفي في زمن التتار ووضع في تابوت فلما أمن الناس نقل إلى

(5/454)


455
النيرب ودفن في قبته التي بالخانقاه وله نحو من تسعين سنة وفيها ابن خطيب بيت الآبار محي الدين أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي يروي عن ابن اللتي والأربلي ومات في شعبان سنة سبعمائة في صفر قويت الأراجيف بالتتار وأكريت المحارة من الشام إلى مصر بخمسمائة درهم وأبيعت الأمتعة بالثمن البخس وفي ربيع الآخر جاوز غازان بجيشه الفرات وقصد حلب وساق الشيخ تقي الدين بن تيمية في البريد إلى القاهرة يحرض الناس على الجهاد واجتمع بأكابر الأمراء ثم نودي في دمشق من قدر على الهرب فلينج بنفسه فانقلبت المدينة ورص الخلق بالقلعة وأشرف الناس على خطة صعبة وبقي الخوف أياما ثم تناقص برجعة غازان لما ناله من المشاق والثلوج وفيها توفي العز أبو العباس أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق وابن أبي لقمة وابن راجح وموسى بن عبد القادر وطائفة وخرج له مشيخة سمعها خلق وزارة نائب السلطان وتوفي في ثالث المحرم وله ثمان وثمانون سنة وفيها العماد أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الصالحي الحنبلي شيخ صالح مشهور روى عن القوزيني وابن الزبيدي وجماعة وروى الكثير وتوفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة وفيها الشيخ إسمعيل بن إبراهيم بن شويخ الصالحي شيخ البكرية كان ينتسب لأبي بكر رضي الله عنه وله أصحاب وفيه خير وسكون مات كهلا وفيها ابن الفراء العدل المسند الكبير عز الدين أبو الفداء إسميل بن عبدالرحمن بن عمر المرداوي الصالحي الحنبلي عن الموفق وابن راجح وابن اللبن وجماعة وروى الصحيح مرات وكان صالحا متعبدا

(5/455)


456
قاسى الشدائد عام أول واحترقت أملاكه توفي في سادس جمادى الآخرة وله تسعون سنة قاله في العبر وفيها أبو جلنك أحمد الحلبي الشاعر المشهور أسره التتر بحلب فسألوه عن عسكر المسلمين فعظمهم وكثرهم فقتلوه ومن شعره ( أتي العذار بماذا أنت معتذر * وأنت كالوجد لا تبقى ولا تذر ) ( لا عذر يقبل إذ نم العذار ولا * ينجيك من شره خوف ولا حذر ) ( كأنني بوحوش الشعر قد أنست * بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا ) ( وكلما مر بي مرد أقول لهم * قفوا انظروا وجه هذا الكيس واعتبروا ) ( قد كان شكلا نقي الخد معتدلا * كأنه غصن بان فوقه قمر ) ( فعاد لحيان فانفل الجماعة إذ * رأوا طريقا إلى السلوان وانتصروا ) ( وعاد في قبضهم لا شك جودلة الأفراح * والدمع من عينيه ينهمر ) ( فاقرأ على نعشه آخر سبأ فلقد * جاءت بما تقتضي أحواله السور ) ( إذا رأى عاشقا في النازعات غدا * ما بعدها وهو قد أودى به الضرر ) ( فعاد والليل يغشى نور طلعته * وزال عن عاشقيه الهم والحصر ) ( هذا جزاؤك يا من لا وفاء له * والعاشقون لهم طوبى بما صبروا ) وفيها المعمر شمس الدين إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي عرف بالفاشوشة مولده سنة اثنتين وستمائة وكان مشهورا بالكتب ومعرفتها وكان عنده فضيلة وكان يتشيع جاء إليه إنسان فقال عندك فضائل يزيد قال نعم ودخل الدكان وطلع ومعه جراب فجعل يضربه به ويقول العجب كيف ما قلت ومن شعره ( وما ذكرتكم إلا وضعت يدي * على حشاشة قلب قلما بردا ) ( وما تذكرت أياما بكم سلفت * إلا تحدر من عين يما بردا ) وفيها أيدمر الأمير الكبير عز الدين الظاهري الذي كان نائب دمشق في

(5/456)


457
دولة مخدومه حبس مدة ثم أطلق فلبس عمامة مدورة وسكن بمدرسة عند الجسر الأبيض توفي في ربيع الأول ودفن بتربته وكان أبيض الرأس واللحية قاله في العبر وفيها الأمير الكبير سيف الدين بلبان المنصوري الطباحي نائب حلب ولي إمرة مصر وإمرة طرابلس وكان من جلة الأمراء وكبرائهم حليما إذا غضب على أحد تكون عقوبته العبد عنه توفي بالساحل كهلا وخلف جملة وفيها ابن عبدان المسند شمس الدين أبو القسم الخضر ابن عبد الرحمن بن الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي الدمشقي الكاتب خدم في جهات الظلم وكان عريا من العلم لكنه تفرد بأشياء وحدث عن ابن البن والقزويني وأبي القسم بن صصرى وجماعة وتوفي في ذي الحجة عن أربع وثمانين سنة قاله في العبر وفيها زينب بنت قاضي القضاة محي الدين يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي أم الخير روت عن علي بن حجاج وابن المقير وجماعة وتوفيت في شعبان عن بضع وسبعين سنة وفيها أبو محمد عبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد بن العنيقة الحراني العطار روى عن أبي المعالي العطار وابن يعيش وابن خليل وتوفي بطريق مصر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سلمان عبد العزيز بن المجلخ الحربي الضرير الفقيه الحنبلي معيد الحنابلة بالمستنصرية سمع من الشيخ مجد الدين بن تيمية وغيره وكان من أكابر الشيوخ وأعيانهم عالما بالفقه والعربية والحديث قرأ عليه الفقه جماعة وسمع منه الدقوقي وغيره وفيها أبو محمد عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء أبي البركات بن عساكر الدمشقي روى عن ابن غسان وابن اللتي وطائفة وتوفي في رجب وله أربع وسبعون سنة وفيها الفرضي الإمام الحافظ شمس الدين أبو العلاء محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء البخاري الكلاباذي الحنفي الصوفي الحافظ كان إماما في

(5/457)


458
الفرائض مصنفا فيها له حلقة أشغال وسمع الكثير بخراسان والعراق والشام ومصر وكتب بخطه الأنيق المتقن الكثير ووقف أجراءه وراح مع التتار من خوف الغلاء فنزل بماردين أشهرا فأدركه أجله بها وله ست وخمسون سنة وكان صالحا دينا سنيا قاله الذهبي وقال حدثنا عن محمد بن أبي الدنية وغيره وفيها الغسولي أبو علي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصالحي الحجار روى عن موسى بن عبد القاد روهو آخر من روى في الدنيا عنه وروى عن الشيخ الموفق وعاش ثمانيا وثمانين سنة وكان فقيرا متعففا أميا لا يكتب خدم مدة في الحصول وتوفي في منتصف جمادى الآخرة بالجبل قاله الذهبي وغيره.

(5/458)


الجزء السادس
2
بسم الله الرحمن الرحيم سنة إحدى وسبعمائة فيها قتل على الزندقة الذكي المتقن فتح الدين أحمد بن الثقفي ضربت رقبته بين القصرين وجعل يتشاهد ولم يقبل المالكي توبته وكان قد قامت عليه بينة بالتنقيص للقرآن المجيد والرسول وتحليل المحرمات والاستهانة بالعقائد وكان ذكيا ومن شعره ( محا الله الحشيش وآكليها * لقد خبثت كما طاب السلاف ) ( كما تصبي كذا تضني وتشقى * لآكلها وغايتها انحراف ) ( وأصغر دائها والداء جم * بغاء أو جنون أو نشاف ) وفيها توفي صاحب مكة عز الدين أبو نمى محمد بن صاحب مكة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني من أبناء السبعين قال الذهبي كان أسمر ضخما شجاعا سايسا مهيبا ولي أربعين سنة قال لي الدباهي لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته انتهى وفيها خديجة بنت الرضى عبد الرحمن بن محمد عن أربع وثمانين سنة روت عن القزويني والبهاء وجماعة وفيها علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية الشاهد الحنبلي قال الذهبي حدثنا عن الموفق عبد اللطيف وابن روزبه ومات بمصر عن اثنتين وثمانين سنة وفيها أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي علي بن أبي بكر المسترشد بالله العباسي توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى وصلى عليه العصر بسوق الخيل تحت القلعة وحضر جنازته

(6/2)


3
الدولة والأعيان كلهم مشاة ودفن بقرب السيدة نفيسة وهو أول من دفن منهم هناك واستمر مدفنهم إلى الآن قاله السيوطي وقال الذهبي كانت خلافته أربعين عاما وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفى سليمان وقال ابن الأهدل كانت خلافتهم بمصر تحكما لا حكما وترسما لا رسما وفيها مسند الشام تقي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصوري الصالحي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق حضورا وعن ابن أبي لقمة والقزويني والبهاء وابن صصرى وخرجوا له مشيخة توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة وفيها الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا أبو المعالي التنوخي الحنبلي أخو الشيخ زين الدين بن المنجا ولد سنة ثلاثين وستمائة وسمع من جعفر الهمداني والسخاوي وخلق وكان شيخا عالما فاضلا كثير المعروف والصدقات والبر والتواضع للفقراء موسعا عليهم موسعا عليه في الدنيا له هيبة وسطوة وجلالة بنى بدمشق دار قرآن معروفة به قريبة من مدرسة الخاتونية الحنفية الجوانية ودرس في أول عمره بالمسمارية والصدرية ثم تركهما لولده فمات في حياته وولي نظر الجامع فأحسن فيه السيرة وحدث وروى عنه جماعة وتوفي في شعبان وفي شعبان أيضا من هذه السنة توفي ببعلبك الفقيه الحنبلي المقرىء المحدث أمين الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الول يبن أبي محمد بن خولان البعلي التاجر وكان مولده سنة أربع وأربعين وستمائة وسمع من الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر وابن عبد الدائم وجماعة وقرأ ونظر في علوم الحديث قال الذهبي سمعت منه ببعلبك والمدينة وتبوك وكان من خيار الناس وعلمائهم فقيها محدثا متقنا صالحا عدلا ملازما للتحصيل وفيها شيخ بعلبك الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ولد ببعلبك في حادي عشر رجب سنة إحدى وعشرين وستمائة قال الذهبي حدثنا عن البهاء حضورا وعن ابن صباح وابن الزبيدي وعدة ودرس وأفتى وقال البرزالي كان شيخا جليلا حسن الوجه بهي المنظر له سمت حسن

(6/3)


وعليه سكينة ولديه فضل كثير فصيح العبارة حسن الكلام له قبول من الناس وهو
4
كثير التودد إليهم قاض للحقوق وقال ابن رجب سمع منه خلق من الحفاظ والأئمة وأكثر عنه البرزالي والذهبي وتوفي ليلة الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك وكان موته شهادة فإنه دخل إليه يوم الجمعة خامس رمضان وهو في خزانة الكتب بمسجد الحنابلة شخص فضربه بعصا على رأسه مرات وجرحه في رأسه بسكين فاتقى بيده فجرحه فيها فأمسك الضارب وضرب وحبس فأظهر الاختلال وحمل الشيخ إلى داره فأقبل على أصحابه يحدثهم وينشدهم على عادته وأتم صيام يومه ثم حصل له بعد ذلك حمى واشتد مرضه حتى توفي ليلة الخميس المذكور وفيها مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء نسبة إلى أبرقوه بلدة بأصبهان حدث عن الفتح بن عبد السلام وابن صمرا وابن أبي لقمة والفخر بن تيمية وتفرد بأشياء وكان مقرئا صالحا متواضعا فاضلا توفي بمكة في عشرى ذي الحجة وفيها مجد الدين يوسف بن القباقبي الفاضل الأديب من شعره في الثلج ( طمث الثلوج على الوهاد مع الربى * فالكون يعجب منه وهو مفضض ) ( فانهض لنجمع شمل أنس مقبل * بلذاذة فاليوم يوم أبيض ) سنة اثنتين وسبعمائة فيها وسط اليعفوري والقباري وقطعت يمين التاج الناسخ لدخولهم في تزوير وفيها طرق غازان التترى الشام فالتقاه يزك الإسلام وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية التقوا على مرج الصفة فقتل من التتار خلق عظيم وأسر منهم جماعة ولكن استشهد من المسلمين جماعة منهم الفقيه إبراهيم بن عبيدان والأمير صلاح الدين ولد الكامل والأمير علاء الدين الحاكي والأمير حسام الدين بن قزمان والأمير الكافري وفيها توفي المسند بدر الحسن بن علي بن الخلال الدمشقي عن ثلاث وسبعين سنة حدث عن مكرم وابن اللتي وابن الشيرازي

(6/4)


5
وابن المقير وجعفر وكريمة وخلق وتفرد بأشياء وتوفي في ربيع الأول وفيها الإمام فخر الدين أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابليس الفقيه الحنبلي ولد سنة ثلاثين وستمائة بنابلس وسمع من ابن الحميري وابن رواح بمصر ومن سبط السلفي بالأسكندرية ومن خطيب مردا محي الدين بن الجوزي لما قدم الشام رسولا قال البرزالي كان شيخا صالحا عالما كثير التواضع محسنا إلى الناس أقام يفتي بنابلس مدة أربعين سنة وقال الذهبي كان عارفا بالمذهب ثقة صالحا ورعا سمعت منه بنابلس توفي ليلة الأحد مستهل المحرم بنابلس وفيها متولى حماة الملك العادل زين الدين كتبغا المغلى المنصوري ونقل فدفن بتربته في سفح قاسيون يوم الجمعة يوم الأضحى وكان في آخر الكهولة أسمر قصيرا دقيق الصوت شجاعا قصير العنق بنطوى على دين وسلامة باطن وتواضع وتسلطن بمصر عامين وخلع في صفر سنة ست وتسعين فالتجأ إلى صرخد ثم أعطى حماة فمات بها وفيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع ابن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي الشافعي المالكي المصري ابن دقيق العيد ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة وتفقه على والده بقوص وكان والده مالكي المذهب ثم تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام فحقق المذهبين وأفتى فيهما وسمع الحديث من جماعة وولي قضاء الديار المصرية ودرس بالشافعي ودار الحديث الكاملية وغيرهما وصنف التصانيف المشهورة منها الإلمام في الحديث وشرحه وسماه الإمام وله الاقتراح في أصول الدين وعلوم الحديث وشرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية ولم يكمله وشرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني وله غير ذلك وكان يقول ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلا أعددت له جوابا بين يدي الله تعالى ويحكى ابن ابن عبد السلام كان يقول ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها ابن منير بالأسكندرية وابن دقيق العيد بقوص وقال

(6/5)


الذهبي في معجمه قاضي
6
القضاة بالديار المصرية وشيخها وعالمها الإمام العلامة الحافظ القدوة الورع شيخ العصر كان علامة في المذهبين عارفا بالحديث وفنونه سارت بمصنفاته الركبان وولي القضاء ثمان سنين وبسط السبكي ترجمته في الطبقات الكبرى قال ولم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة وقال ابن كثير في طبقاته أحد علماء وقته بل أجلهم وأكثرهم علما ودينا وورعا وتقشفا ومداومة على العلم في ليله ونهاره مع كبر السن والشغل بالحكم وله التصانيف المشهورة والعلومالمذكورة برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث فاق فيه على أقرانه وبرز على أهل زمانه رحلت إليه الطلبة من الآفاق ووقع علاى علمه وورعه وزهده الاتفاق وقال الأسنوي له خطب بليغة مشهورة أنشأها لما كان خطيبا بقوص وله شعر بليغ فمنه ( تمنيت أن الشيب عاجل لمتي * وقرب منى في صباي مزاره ) ( لآخذ من عصر الشباب نشاطه * وآخذ من عصر المشيب وقاره ) وله ( قالوا فلان عالم فاضل * فأكرموه ما يرتضى ) ( فقلت لما لم يكن ذا تقى * تعارض المانع والمقتضى ) وله ( وأطيب شيء إذا ذقته * رضاب الحبيب على ما يقال ) وله ( أتعبت نفسك بين ذلة كادح * طلب الحياة وبين حرص مؤمل ) ( وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن * حصلت فيه ولا وقار مبجل ) وتركت حظ النفس في الدنيا وفي الأخرى ورحت عن الجميع بمعزل توفي رحمه الله تعالى في صفر بالقاهرة ودفن بالقرافة وفيها المعمر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البنا أجاز له ابن أبي لقمة وابن البن وسمع أبا القسم بن صصرى

(6/6)


7
والناصح وابن الزبيدي توفي بزملكا عن بضع وثمانين سنة وفيها المقرىء شمس الدين محمد بن قايماز الطحان الدمشقي تلا بالسبع على السخاوي وسمع من ابن صباح وغيره وكان خيرا متواضعا توفي عن ثلاث وثمانين سنة وفيها مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هرون الطائي القرطبي قال الذهبي أجاز لنا مروياته وسمع الموطأ وكامل المبرد من أبي القسم أحمد بن بقي في سنة عشرين وعمر دهرا طويلا توفي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام وفيها نجم الدين أبو إبراهيم موسى بن إبراهيم بن يحيى بن علوان بن محمد الأزدي السقراوي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي المعدل ولد في رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة وسمع من أبيه والحافظين إسمعيل بن مظفر والضيا المقدسي ومن خطيب مردا ويوسف سبط ابن الجوزي وقرأ الكثير على ابن عبد الدايم ومن بعده كابن أبي عمر وطبقته وعنى بالحديث وكتب بخطه ما لا يوصف قال الذهبي كان فقيها إماما مفتيا كثير المحفوظ والنوادر وقال غيره كان حسن المجالسة مفيد المذاكرة حدث وروى عنه الذهبي وغيره وتوفي يوم الإثنين مستهل جمادى الآخرة ودفن من الغد بسفح قاسيون سنة ثلاث وسبعمائة فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية ونازلوا تل حمدون من بلاد سيس وفيها توفي القدوة الزاهد بركة الوقت أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرقي بفتح الراء وتشديد القاف نسبة إلى الرقة بلد على الفرات الحنبلي ولد سنة سبع وأربعين وستمائة بالرقة وقرأ ببغداد بالروايات العشر على يوسف بن جامع القفصي وسمع بها الحديث من الشيخ عبد الصمد بن أبي الحسين وصحبه قال الذهبي وعنى بتفسير القرآن وبالفقه على مذهب الإمام أحمد وتقدم في علم الطب وشارك في علوم الإسلام وبرع في التذكير وله المواعظ المحركة

(6/7)


8
إلى الله عز وجل والنظم العذب والعناية بالآثار النبوية والتصانيف النافعة وحسن التربية مع الزهد والقناعة باليسير في المطعم والملبس وكان إماما زاهدا عارفا قدوة سيد أهل زمانه البرزالي والذهبي وغيرهما وكان يسكن بأهله في أسفل المأذنة الشرقية بالجامع الأموي في المكان المعروف بالطواشية وهناك توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم وصلى عليه عقيب الجمعة بالجامع وحمل إلى سفح قاسيون فدفن بتربة الشيخ أبي عمر وفيها ابن الخباز نجم الدين أبو الفد إسمعيل بن إبراهيم بن سالم ينتهي نسبه إلى عبادة بن الصامت الأنصاري العبادي الصالحي الحنبلي الحافظ المحدث المؤدب ولد سنة تسع وعشرين وستمائة وسمع من الحافظ ضياء الدين وعبد الحق بن خلف وعبد الله بن الشيخ أبي عمر وغيرهم وجد واجتهد من سنة أربع وخمسين وإلى أن مات وسمع وكتب ما لا يوصف كثرة وخرج لنفسه مشيخة في مائه جزء عن أكثر من ألفي شيخ فإنه كتب العالي والنازل وعمن دب ودرج وخرج سيرة لابن أبي عمر في مائة وخمسين جزءا وكان حسن الأخلاق متواضعا غير متقن فيما يجمعه وسمع منه خلق من الحفاظ وغيرهم منهم المزي والذهبي وولده مسند وقته أبو عبد الله محمد وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر بدمشق ودفن بسفح قاسيون وفيها المعمرة أم أحمد ست الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكية بدمشق في المحرم قال الذهبي مكثرة عن البهاء عبد الرحمن بن صالحة خيرة عاشت خمسا وثمانين سنة وفيها زين الدين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فيروز بن الحسن الفارقي الشافعي خطيب دمشق وشيخ دار الحديث ومدرس الشامية البرانية ولد في محرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من جماعة واشتغل وأفتى ودرس وولي مشيخة دار الحديث بعد النووي وهو الذي عمرها بعد خرابها في فتنة غازان قال الذهبي في معجمع كان عارفا بالمذهب وبجملة حسنة في الحديث ذا

(6/8)


9
اقتصاد في ملبسه وتصون في نفسه وسطوة على الطلبة وفيه تعبد وحسن معتقد وقال ابن كثير سمع الحديث الكثير واشتغل ودرس وأفتى مدة طويلة توفي في صفر ودفن بالصالحية في تربة أهله بتربة الشيخ أبي عمر وفيها خطيب بعلبك ضياء الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي الشافعي سمع القزويني وابن اللتي وهو آخر من روى شرح السنة وخطب ستين سنة وتوفي في سفر عن تسع وثمانين سنة وفيها الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضوء الزبداني الفامي أحد رواة الصحيح عن ابن الزبيدي قال الذهبي كتبنا عنه وقد جاوز الثمانين وفيها صاحب الشرق القان محمود غازان بن القان أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلى في شوال بقرب همذان ولم يتكهل ونقل إلى تربته بتبريز سم في منديل يمسح به بعد الجماع وتملك أخوه خربندا وكان بسنجار وسموه محمدا ولقبوه غياث الدين وفيها عمر بن كثير خطيب القرية من عمل بصري وهو والد الشيخ عماد الدين بن كثير وفيها الصاحب عبد الله بن الصاحب عز الدين محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني الحلبي كتب في الإنشاء مدة بعد الوزارة إلى أن مات ومن شعره ( بوجه معذبي آثار حسن * فقل ما شئت فيه ولا تحاشى ) ( وسنخة حسنه قرئت وصحت * وها خط الكمال على الحواشي ) وأصله من قيسارية الشام وتوفي بالقاهرة ودفن بتربته جوا رالسيدة نفيسة قدس سرها سنة أربع وسبعمائة فيها أخذ الشيخ تقي الدين بن تيمية الحجارين وذهب إلى التي في مسجد النارنج جوار المصلى فقطعها وكان يزورها الناس وينذرون لها النذور ولهم فيها اعتقاد فمحى ذلك وبنى مسجد النارنج وفيها ضربت رقبة الكمال الأحدب وسببه أنه جاء إلى القاضي جمال الدين المالكي يستفتيه وهو لا يعلم أنه القاضي ما نقول في إنسان

(6/9)


10
تخاصم هو وإنسان فقال له الخصم تكذب ولو كنت رسول الله فقال له القاضي من قال هذا قال أنا قال فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا وحبسه وأحضره من الغد إلى دار العدل وحكم بقتله وفيها توفي محدث بغداد ومفيدها أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي ولد في جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة وعنى بالحديث وسمع الكثير وتفقه وكتب الكثير بالخط الجيد المتقن وخرج لغير واحد من الشيوخ وحدث بالقليل وسمع منه جماعة وأجاز لجماعة منهم الحافظ الذهبي وتوفي في رجب ببغداد ودفن بباب حرب وفيها ركن الدين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنايم القزويني الطاووس المعمر كبي رالصوفية بدمشق روى بالإجازة العامة عن أبي جعفر الصيدلاني وطائفة وبالسماع عن ابن الخازن والسخاوي وتوفي في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وأربعة أشهر وفيها صاحب المدينة المنورة عز الدين حماد بن شيحه العلوي الحسيني وقد شاخ وأضر وتملك بعده ابنه منصور وفيهم تشيع ظاهر قاله الذهبي وفيها أبو الحسن وأضر وتملك بعده ابنه منصور وفيهم تشيع ظاهر قاله الذهبي وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي الحنبلي الصوفي المحدث الحافظ نزيل دمشق ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة وسمع بحلب من ابن رواحة وإبراهيم بن خليل وبمصر من الكمال الضرير والرشيد العطار وغيرهما وبدمشق من ابن عبد الدايم وجماعة وقرأ كتبا مطولة مرارا وعنى بالحديث عناية تامة وكان يجوع ويشتري الأجزاء ويتعفف بكسرة فيسوء خلقه مع التقوى والصلاح وسمع منه الذهبي وجماعة وتوفي في صفر بالمارستان الصغير بدمشق وحمل إلى سفح قاسيون فدفن قبال زاوية ابن قوام وفيها شيخ الأسكندرية تاج الدين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسبني الغرافي بالغين المعجمة المفتوحة وتشديد الراء وفاء نسبة إلى الغراف نهر تحت واسط على قرى كثيرة قال ابن حجر في الدرر الكامنة ولد سنة ثمان وعشرين

(6/10)


وستمائة وسمع من محمد بن عماد وظافر بن نجم وعلي بن جبارة وطائفة وببغداد من أبي الحسن القطيعي وغيره وحدث فأكثر وحمل عنه المغاربة والرحالة وحدثوا عنه في
11
حياته وكان عارفا بالمذهب وقال أبو العلاء الفرضي كان عالما فاضلا محدثا مكثرا مسندا مفيدا عابدا وأثنى عليه البرزالي والذهبي وغيرهما وكان يرتزق بالوراقة فإذا حصل قوته لا يتجاوز مات في الأسكندرية في ذي الحجة وفيه الضياء عيسى ابن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري شيخ المغارة روى عن ابن الزبيدي وابن صباح والأربلي وتوفي في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الأربلي ثم الدمشقي أبو الفضل كبير الذهبيين كان مكثرا سمع المسلم المازني وابن الزبيدي وأبا نصر بن عساكر وغيرهم وتفرد بأشياء قال الذهبي خرجت له مشيخة ومات في رمضان سقط من السلم فمات لوقتة عن ثمانين سنة وفيها الأمير الكبير الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن أبي سعد بن علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الشيباني الآمدي ثم المصري الحنبلي ولد بمصر ثالث عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع بمصر من ابن الجهيري وابن المقير وبدمشق من جماعة وبماردين من آخرين ونشأ بماردين وكان والده الصاحب شرف الدين من العلماء الفضلاء جمع تاريخا لمدينة آمد وله نظم ونثر وسمع الحديث ورواه وكان محدثا فاضلا متقنا توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة وكان وزيرا للملك السعيد الأرتقي صاحب ماردين وصار ابنه شمس الدين هذا مع ابن الملك المظفر بن السعيد نائبا للملكة ومدبرا لدولته إلى أن ذهب رسولا إلى الملك المنصور قلاوون صاحب مصر فحبسه ست سنين حتى ولى ابنه الملك الأشرف فأخرجه وأنعم عليه وولاه نيابة دار العدل فباشرها وكان عالما فاضلا أديبا متفننا ذا معرفة بالحديث والتاريخ والسير والنحو واللغة وافر العقل مليح العبارة حسن الخط والنظم والنثر جميل الهيئة له خبرة تامة بسير الملوك

(6/11)


المتقدمين ودولهم لا تمل مجالسته وذكر الذهبي أنه نسب إلى نقص في دينه فالله تعالى أعلم قال ابن رجب وسمع منه جماعة منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزي والبرزالي والذهبي وتوفي بمصر سقط من فرس فكسرت أعضاؤه وبقي أياما ثم مات في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى
12
سنة خمس وسبعمائة فيها توفي خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي أخو الشيخ تاج الدين ولد بدمشق في رمضان سنة ثلاثين وستمائة وتلا بالسبع وأحكم العربية وقرأ الحديث وسمع كثيرا من السخاوي وغيره وكان فصيحا عديم اللحن طيب الصوت وأقرأ العربية زمانا مع الكيس والتواضع والتصوف وولي خطابة جامع جراح ثم خطابة جامع دمشق وتوفي في شوال عن خمس وسبعين سنة وشهر ودفن بباب الصغير عند أخيه وفيها المعمرة زينب بنت سليمان بن رحمة الأسعردي سمعت من الزبيدي والشمس أحمد بن عبد الواحد البخاري وعلي بن حجاج وجماعة وتفردت بأشياء وماتت في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة وفيها حافظ الوقت العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف ابن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي الشافعي ولد بدمياط في أواخر سنة ثلاث عشرة وستمائة وتفقه بها وقرأ بالسبع على الكمال الضرير وسمع الكثير ورحل ولازم الحافظ عبد العظيم المنذري سنين وتخرج به ورحل إليه الطلاب وحدث قديما وسمع منه الشيخ محمد بن محمد الأبيوردي وكتب عنه في معجم شيوخه ومات قبله بتسع وثلاثين سنة روى عنه من تلاميذه الحفاظ المزي والبرزالي وابن سيد الناس والسبكي وغيرهم فعلى هذا الدمياطي شيخ هؤلاء وشيخ شيخهم قال المزي ما رأيت أحفظ منه وقال البرزالي كان آخر من بقي من الحفاظ وأهل الحديث أصحاب الرواية العالية والدراية الوافرة وقال الذهبي في معجمه العلامة الحافظ الحجة أحد الأئمة الأعلام وبقية نقاد الحديث رحل وسمع الكثير ومعجمه نحو ألف ومائتين وخمسين شيخا وله تصانيف وفي الحديث والعوالي والفقه

(6/12)


واللغة وغير ذلك ومحاسنه جمة انتهى وقد أثنى عليه غير واحد وله مصنفات نفيسة منها السيرة النبوية في مجلد وكتاب في الصلاة الوسطى وكتاب الخيل وكتاب
13
التسلي والاغتباط بفوات من تقدم من الإفراط وغير ذلك توفي فجأة في نصف ذي القعدة بالقاهرة ودفن بمقابر باب النصر رحمه الله تعالى وفيها قاضي حلب وخطيبها العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي أبو عبد الله الكوراني ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وأخذ عن ابن عبد السلام وأخذ القراءات عن الكمال الضرير فيما قيل وناب في الحكم بدمشق ثم ولي قضاء حلب وله مختصر في الخلاف مأخوذ من حلية الشاشي وغيرها قال الذهبي كان مشكورا دينا يدري المذهب صالحا ورعا وقال السبكي في الطبقات الكبرى كان من علماء حلب وكان يدري القراءات توفي بحلب في جمادى الأولى وفيها المعمر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب المؤدب المصري حدث عن ابن باقا قال الذهبي حدثنا عنه أبو الحسن السبكي وتوفي بمصر وفيها الإمام المعمر شرف الدين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي كبير الشهود سمع منه قاضي القضاة السبكي وجماعة وروى عن ابن عماد والصفراوي وتلا عليه بالسبع وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة وأصم وأضر مدة وتوفي بالأسكندرية عن ست وتسعين سنة وفيها صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني سنة ست وسبعمائة فيها أنشىء في الصالحية تجاه الرباط الناصري جامع الأفرم وخطب به القاضي شمس الدين بن العز الحنفي وفيها مات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد بن السواملي والسوامل كالطاسات العراقي كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم ثم اتجر وسار إلى الصين فتمول وعظم وضمن العراق من القان ورفق بالرعية وصار له أولاد مثل الملوك ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة ومات فجأة بشيراز عن ست وسبعين سنة وفيها العلامة نصير الدين أبو بكر عبد الله

(6/13)


14
ابن عمر بن أبي الرضا الفاروثي الشافعي قال البرزالي في تاريخه قدم علينا دمشق وكان يعرف الفقه والأصلين والعربية والأدب وكان جيد المناظرة ولد بفاروث وهي قرية من عمل شيراز وسكن بغداد ومات بها ودرس بالمستنصرية وغيرها من المدارس الكبار وفيها ضياء الدين عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي ثم الدمشقي الشافعي اشتغل بالعلم وتفنن ودرس بالنجيبية وأعاد بغيرها وشرح الحاوي شرحا حسنا سماه المصباح وشرح مختصرا ابن الحاجب قال البرزالي كان شيخا فاضلا وقال ابن حبيب كان ذا فضائل منتظمة الفرائد وتصانيف مشتملة على كثير من الفوائد توفي فجأة بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها خطيب دمشق شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي بن إمام الكلاسة كان دينا صالحا صينا مليح الشكل طيب الصوت حسن الهدم روى عن ابن البرهان وابن عبد الدايم وأم بالكلاسة مدة ثم خطب للخطابة فأقام ستة أشهر ونصفا وخرج من الحمام وصلى سنة الفجر فغضي عليه وانطفى وحمل على الرؤوس وصلى عليه الأفرم نائب دمشق وولي بعده الخطابة جلال الدين القزويني صاحب تلخيص المفتاح وفيها مسند حلب سنقر القضائي الزيني تفرد بأشياء وحدث عن الموفق عبد اللطيف وابن شداد وابن روزبة وابن الزبيدي وانجب الحمامي وعدة وكان دينا خيرا صبورا على الطلبة قال الذهبي أكثرنا عنه وتوفي بحلب في شوال عن سبع وثمانين سنة سنة سبع وسبعمائة فيها عقد مجلس بالقصر فاستتيب النجم بن خلكان من عبارات قبيحة ودعاو مبيحة للدم وادعاء نبوة فاختلفت فيه الآراء ومال إلى الرفق به الشيخ برهان الدين فتاب وفيها توفي رئيس مصر الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد حنا قال الذهبي حدثنا عن سبط السلفي

(6/14)


15
وكان محتشما وسيما عادلا شاعرا متمولا من رجال الكمال وقال غيره وزير ابن وزير ابن وزير انتهت إليه رياسة عصره بمصر صدقاته كثيرة وتواضعه وافر وهو الذي اشترى الآثار النبوية التي بالقاهرة على ما قيل بستين ألف درهم وجعلها في مكانه المعشوق وهو المكان المنسوب إليه وذلك قطعة من العنزة ومرود ومخصف وملقط وقطعة من قصعة وقال ابن فضل الله رأيت إلى جانب تربته مكتب أيتام وهم يكتبون القرآن في الألواح فإذا أرادوا مسحها غسلوا ألواحهم وسكبوا ذلك على قبره فسألت عن ذلك فقيل لي هذا شرط الواقف وهذا قصد حسن وعقيدة حسنة ومن شعره ( لله في الأحوال لطف جميل * فاغن به عن ذكر قال وقيل ) ( ولا تفارق أبدا بابه * فمنه قد جاء العطاء الجزيل ) ( واشكر على الأنعام فيما مضى * كم أسبل الستر زمانا طويل ) ( واخيبة المعرض عن بابه * خلى كريما ثم أم البخيل ) ( فقل لمن عدد أنعامه * كل لسان عند هذا كليل ) وتوفي رحمه الله تعالى بمصر وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكير الفنيدقي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع من أبي عبد الله بن أسعد المقدسي وجده لأمه خطيب مراد وغيرهما وبمصر من الرشيد العطار وجماعة وتفقه وبرع وأفتى ودرس مع دين وتواضع وصدق وأضر بآخره وسمع منه الذهبي وروى عنه في معجمه وتوفي بجبل نابلس في رجب وفيها رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمر ابن أبي القسم البغدادي الحنبلي المقرى المحدث الصوفي الكاتب ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وسمع الكثير من ابن روزبة والسهروردي وابن الخازن وابن اللتي وغيرهم وعنى بالحديث وسمع الكتب الكبار والأجزاء وكان عالما صالحا من محاسن البغداديين وأعيانهم ذا لطف

(6/15)


16
وسهولة وحسن أخلاق من أجلاء العدول ولبس خرقة التصوف من السهروردي وحدث بالكثير وسمع منه خلق كثير من أهل بغداد والرحالين وانتهى إليه علو الإسناد وتوفي في جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها أبو عبد الله محمد بن مطرف الأندلسي جاور نحو ستين عاما بمكة وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا وتوفي بمكة في رمضان عن نيف وتسعين سنة وحمل نعشه صاحب مكة حميضة وفيها جمال الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السقطي الشافعي روى بالإجازة عن ابن باقا وعن العلم بن الصابوني وأكثر المحدثون عنه وله أخ باسمه وهو العدل نجم الدين محمد مات بعد النووي ومات صاحب الترجمة بالقاهرة عن خمس وثمانين سنة وكان قاضي قضاتها مدة وفيها شهاب الدين محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري البزاز مسند دمشق وشيخ الرواية بالدار الأشرفية حدث عن ابن الزبيدي والناصح وابن صباح وابن المقير وغيرهم وتفرد واشتهر وتوفي بدمشق عن ثمان وثمانين سنة سنة ثمان وسبعمائة فيها توفي بغرناطة عالمها وحافظها أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة وسمع من جماعة وتفرد بالسنن الكبير للنسائي عن أبي الحسن الشاري بينه وبين المؤلف ستة أنفس قال ابن ناصر الدين كان نحويا حافظا علامة أستاذ القراء ثقة عمدة وقال الذهبي مات بغرناطة في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها المعمر عماد الدين إسمعيل بن علي بن الطبال شيخ المستنصرية سمع عمر بن مكرم وابن روزبة وجماعة وتفرد ومات ببغداد وفيها خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم في عشر التسعين قال الذهبي روت لنا عن الركن إبراهيم الحنفي وفيها الشيخ الزاهد القدوة الكبير عثمان بن عبد الله الصعيدي ثم الحلبوني كان صالحا عابدا متعففا تؤثر عنه أحوال وأقام

(6/16)


17
مدة ببعلبك ومدة ببرزة وكان لا يأكل الخبز ويزعم أنه يتضرر بأكله ومات في المحرم بقرية برزة قاله السخاوي وفيها شهاب الدين بن علي المحيى كان عالما مسندا مكثيرا عن ابن المقير وابن رواج والساوى وتوفي بمصر عن ثمانين سنة وفيها علم الدين إبراهيم عرف بابن خليقة كان حكيما فاضلا رئيس الطب بالديار المصرية والشامية وهو أول من ركب شراب الورد ولم يعرف بدمشق قبل ذلك توفي بمصر قيل بلغت تركته ثلثمائة ألف دينار وفيها أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري لها إجازة الفتح وابن عفيجة وجماعة وسمعت المسلم المازني كريمة وابن رواحة وروت الكثير ولم تتزوج توفيت في ربيع الآخر بدمشق عن قريب التسعين وفيها شيخ الحرم ظهير الدين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي جاور بمكة أربعين سنة وحدث عن الشرف المرسى وتوفي بالمهجم من نواحي اليمن عن بضع وسبعين سنة وفيها الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة بن كوكب الطائي السوادي الحكمي وحكم بالفتح قرية من قرى السواد الحنبلي الحافظ الزاهد ولد في رجب سنة اثنتين وستين وستمائة وسمع من أحمد بن أبي الخير وابن أبي عمر وغيرهم ورحل سنة ثلاث وثمانين إلى مصر وسمع بها من العز الحراني وابن خطيب المزة وغيرهما وبالأسكندرية من ابن طرخان وجماعة وببغداد من ابن الطبال وخلق وبأصبهان والبصرة وحلب وواسط عنى بهذا الفن وحصل الأصول وكتب العالي والنازل قال الحافظ عبد الكريم الحلبي كان إماما عالما فاضلا حسن القراءة فصيحا ضابطا متقنا قرأ الكثير وسمع من صغره إلى حين وفاته وقال البرزالي خالط الفقراء وصارت له أوراد كثيرة وتلاوة واستوطن ديار مصر وتزوج

(6/17)


18
وصارت له بها حظوة وشهرة وقراءته وكان معمور الأوقات بالطاعات وقال الذهبي في معجمه أحد الرحالين والحفاظ والمكثرين ودخل أصبهان طمعا أن يجد بها رواة فلم يلق شيوخا ولا طلبة فرجع وكان ثقة صحيح النقل عارفا بالأسماء من أهل الدين والعبادة وقال ابن رجب سمع منه البرزالي والذهبي وعبد الكريم الحلبي وذكروه في معاجمهم توفي يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة ودفن بالقرافة بالقرب من الشافعي وفيها وجزم ابن حجر في الدرر الكامنة أنه في التي قبلها جمال الدين شرف القضاة أبو عبد الله محمد بن المكين بن الطاهر إسمعيل بن محمد بن محمود بن عمر التنوخي بالأسكندراني المالكي سمع من ابن الفوى كرامات الأولياء ومن ابن رواج ومن غيرهما وسمع منه أبو العلاء الفرضي وأبو الفتح بن سيد الناس وغيرهما وحدث وكان من أعيان أهل الإسكندرية مات في أول يوم من شهر رمضان وفيها مسند دمشق والشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي الدمشقي بن الموازيني كان دينا زاهدا حج مرات وتفرد عن القاسم بن صصرى والبهاء عبد الرحمن ورح إليه وتوفي بدمشق في نصف ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة سنة تسع وسبعمائة فيها كما قال السيوطي خرج السلطان الملك الناصر بن قلاوون قاصدا للحج فخرج من مصر في رمضان وخرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردهم فلما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر فلما توسطه انكسر به فسلم من قدامه وقفز به الفرس فسلم وسقط من وراءه وكانوا خمسين فمات أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحته وأقام السلطان بالكرك وكتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة فاثبت ذلك على القضاة بمصر ثم نفذ على قضاة الاسم وبويع الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالسلطنة في الثالث والعشرين من شوال ولقب الملك المظفر وقلده الخليفة وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدورة ونفذ التقليد إلى الشام

(6/18)


19
في كيس أسود أطلس فقرىء هناك وأوله أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم ثم عاد الناصر في رجب سنة تسع وطلب عوده إلى الملك ووالاه على ذلك جماعة من الأمراء فدخل دمشق في شعبان ثم دخل مصر يوم عيد الفطر وصعد القلعة وقال العلاء الوداعي في عوده إلى الملك ( الملك الناصر قد أقبلت * دولته مشرقة الشمس ) ( عاد إلى كرسيه مثل ما * عاد سليمان إلى الكرسي ) وخذل المظفر فجاء إلى خدمة السلطان فوبخه وخنقه وأباد جماعة من رؤس الشر وتمكن وهرب نائبه سلار نحو تبوك ثم خدع وجاء برجله إلى أجله فأميت جوعا وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف وكان تملك إحدى عشرة سنة وكان مغليا أسمر سهل الخدين ليس بالطويل ذا هيئة قليل الظلم وبلغ من الجاه والمال ما لا مزيد عليه وفيها مات المقرىء المعمر أبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسن علي بن صدقة المخرمي قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي وجعفر ومكرم ومات بدمشق عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي المجاور من زمان بمكة بحيث صار مسندها سمع من الأنجب الحمامي أجزاء تفرد بها وأخذ عنه ابن مسلم القاضي وشمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية وأجاز لأبي عبد الله الذهبي وتوفي بمكة في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الأسكندري المالكي الشاذلي قال ابن حجر في الدور الكامنة صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين بن تيمية فبالغ في ذلك وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف عديدة قال الذهبي كانت له جلالة عظيمة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النفوس ومزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم فكثر اتباعه وكانت عليه

(6/19)


20
سيما الخير ويقال أن ثلاثة قصدوا مجلسه فقال أحدهم لو سلمت من العائلة لتجردت وقال الآخر أنا أصلي وأصوم ولا أجد من الصلاح ذرة وقال الثالث أنا صلاتي ما ترضيني فكيف ترضى ربي فلما حضروا مجلسه قال في أثناء كلامه ومن الناس من يقول فأعاد كلامهم بعينه وقال الكمال جعفر سمع من الأبرقوهي وقرأ النحو على الماروني وشارك في الفقه والأدب وصحب المرسي وتكلم على الناس وكثر اتباعه وقال ابن الأهدل الشيخ العارف بالله شيخ الطريقين وإمام الفريقين كان فقيها عالما ينكر على الصوفية ثم جذبته العناية فصحب شيخ الشيوخ المرسي وفتح عليه على يديه والذي جرى له معه مذكور في كتابه لطائف المنن وله عدة تصانيف منها الحكم وكلها مشتملة على أسرار ومعارف وحكم ولطائف نثرا ونظما وما أحسن قوله في شيخه في بعض قصائده ( كم من قلوب قد أميتت بالهوى * أحيا بها من بعد ما أحياها ) وكان شيخه يستعيد منه هذا البيت ومن طالع كتبه عرف فضله توفي رحمه الله تعالى بمصر في نصف جمادى الآخرة ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزار وفيها نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري المعدل سمع من ابن المقير وابن رواج وغيرهما وتوفي بمصر عن تسع وسبعين سنة وأجاز له السهروردي سنة ولادته وهي سنة ثلاثين وستمائة وفيها شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي ولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة وستمائة وحضرت الكاشغرى وعمر بن بدر ولها إجازة من ثابت بن مشرف وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد قال الذهبي سمعت منها وماتت بحلب وفيها مات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدين سنقر المنصوري الأعسر وله عدة مماليك تقدموا وكان كبيرا شهما عارفا فيه ظلم قاله في العبر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي اللغوي ولد سنة خمس وأربعين وستمائة ببعلبك وسمع بها من الفقيه محمد اليونيني وبدمشق من ابن خليل ومحمد

(6/20)


21
ابن عبد الهادي وغيرهما وعنى بالحديث وقرأ العربية واللغة على ابن مالك ولازمه حتى برع في ذلك وصنف تصانيف منها شرح ألفية ابن مالك وكتاب المطلع على أبواب المقنع في غريب ألفاظه ولغاته قال الذهبي كان إماما في المذهب والعربية والحديث غزير الفوائد متفننا ثقة صالحا متواضعا على طريقة السلف حدثنا ببعلبك ودمشق وطرابلس وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرم وذلك عبد دخوله إياها بدون شهر وكان زار القدس وسار إلى مصر ليسمع ابنه ودفن بالقرافة عند الحافظ عبد الغني سنة عشر وسبعمائة قال الذهبي في نيسان مطرنا مطرا أحمر كأعكر ماء الزيادة وبقي أثر الطين على التمر والورق نحو شهرين وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شرف الدين حسن بن الحافظ أبي موسى عبد الله بن الحافظ الكبير عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي قاضي القضاة ولد في ثاني عشر صفر سنة ست وخمسين وستمائة بسفح قاسيون وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وتفقه وبرع وأفتى ودرس وولي القضاء بالشام نحو ثلاثة أشهر سنة تسع وسبعمائة ثم عزل لما عاد الملك الناصر إلى الملك قال البرزالي كان رجلا جيدا من أعيان الحنابلة وفضلائهم فقيها حسن العبارة وروى لنا عن ابن عبد الدايم وتوفي ليلة الأربعاء تاسع عشرى ربيع الأول ودفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي الشاعر قال ابن حجر في الدرر المشتغل بالأدب ومهر وفاق أقرانه وسمع من نظمه أبو حيان والحافظ أبو الفتح اليعمري وحدث عنه غير واحد وله في الموشحات يد طولى وله في القوس ملغزا ( ما عجوز كبيرة بلغت عمرا * طويلا وتبتغيها الرجال )

(6/21)


22 (
قد علا جسمها صفار ولم تشك * سقاما ولو عراها هزال ) ( ولها في البنين قهر وسهم * وبنوها كبار قدر نبال ) قال الكمال جعفر كان مكثرا من النظم وحدث بشيء من شعره وسمع منه الفضلاء وكتب عنه الكبراء ومدح الأعيان والوزراء وتوفي في المحرم بمصر وله ثلاث وثمانون سنة وفيها المسند العالم كمال الدين إسحق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحاس سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة وابن خليل فأكثر ونسخ الأجزاء وانقطع بموته شيء كثير وتوفي في رمضان عن بضع وسبعين أو ثمانين سنة وفيها الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس الأنصاري البخاري الشافعي الشهير بابن الرفعة قال ابن شهبة شيخ الإسلام وحامل لواء الشافعية في عصره ولد بمصر سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الحديث من أبي الحسن بن الصواف وعبد الرحيم بن الدميري وتفقه على الشيخين السديد والظهير التزمنتى وعلى الشريف العباسي وأخذ عن القاضيين ابن بنت الأعز وابن رزين ولقب الفقيه لغلبة الفقه عليه وولى حسبة مصر ودرس بالمعزية بها وناب في القضاء ولم يل شيئا من مناصب القاهرة وصنف التصنيفين العظيمين المشهورين الكفاية في شرح التنبيه والمطلب في شرح الوسيط في نحو أربعين مجلدا وهو أعجوبة في كثرة النصوص والمباحث ومات ولم يكمله بقي عليه من باب صلاة الجماعة إلى البيع وأخذ عنه الشيخ تقي الدين بن السبكي وجماعة وقال السبكي أنه أفقه من الرواياني صاحب البحر وقال الأسنوي كان شافعي زمانه وإمام أوانه مد في مدارك العلم باعا وتوغل في مسائله علما وطباعا إمام مصره بل سائر الأمصار وفقيه عصره في سائر الأقطار لم يخرج إقليم مصر بعد ابن الحداد من يدانيه ولا نعلم في الشافعية مطلعا بعد الرافعي يساويه كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب لا سيما في غير مظانه وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعي

(6/22)


23
وأعجوبة في قوة التخريج دينا خيرا محسنا إلى الطلبة توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة وفيها نجم الدين أبو بكر عبد الله بن أبي السعادات بن منصور بن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري المقرىء خطيب جامع المنصور وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبال سمع ابن بهروز والأنجب الحمامي وأحمد بن المارستاني ومات ببغداد في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها عبد الله ابن أبي جمرة السبتي المالكي روى بالإجازة عن ابن الربيع بن سالم ثم ولي خطابة غرناطة في أواخر عمره فتفق أنه صعد المنبر يوم الجمعة فسقط ميتا وأما عبد الله بن أبي جمرة الإمام القدوة الذي شرح مختصره للبخاري فمات قبل القرن وفيها علي بن علي بن أسمح اليعقوبي الزاهد ويلقب منلا الناسخ كان علامة متفننا ذا محفوظات منها مصابيح البغوي والمفصل والمقامات وسكن الروم وركب البغلة ثم تزهد وهاجر إلى دمشق واستمر بدلق ومئزر صغير أسود وتردد إلى المدارس وأقرأ العربية ومات باللجون وفيها بهاء الدين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري ابن القيم كان ناظر الأوقاف وذكر مرة للوزارة وكان دينا خيرا متواضعا حدث عن الفخر الفارسي وابن باقا وتوفي في ذي القعدة بمصر عن سبع وتسعين سنة وفيها أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النساخ حضر ابن الزبيدي وروى كثيرا عن الضياء ومات بدمشق في رجب عن ثلاث وثمانين سنة وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الشافعي أحد أئمة المذهب صنف التصانيف واشتهر وتوفي في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة وفيها ست الملوك فاطمة بنت علي بن أبي البدر روت كتابي الدارمي وعبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب وتوفيت ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر

(6/23)


24
سنة إحدى عشرة وسبعمائة فيها توفي عماد الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطي الحزامي الزاهد القدوة العارف ولد في حادي أو ثاني عشر ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة بشرقي واسط وكان أبوه شيخ الطائفة الأحمدية ونشأ الشيخ عماد الدين بينهم والهمه الله تعالى من صغره طلب الحق ومحبته والنفور عن البدع وأهلها فاجتمع بالفقهاء بواسط كالشيخ عز الدين الفاروثي وغيره وقرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي ثم دخل بغداد وصحب بها طوائف من الفقهاء وحج واجتمع بجماعة منهم وأقام بالقاهرة مدة ببعض جوانبها وخالط طوائف الفقراء ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطرائق المحدثة واجتمع بالأسكندرية بالطائفة الشاذلية فوجد عندهم ما يطلبه من لوائح المعرفة والمحبة والسلوك فأخذ ذلك عنهم وانتفع بهم واقتفى طريقتهم وهديهم ثم قدم دمشق فرأى الشيخ تقي الدين بن تيمية وصاحبه فدله على مطالعة السيرة النبوية فأقبل على سيرة ابن إسحق تلخيص ابن هشام فلخصها واختصرها وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسنة والآثار وتخلى من جميع طرائقه وأذواقه وسلوكه واقتفى أثر الرسول وهديه وطرائقه المأثورة عنه في كتب السنن والآثار واعتنى بأمر السنة أصولا وفروعا وتبوع في الرد على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم وبين عوراتهم وكشف أستارهم وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد واختصر الكافي في مجلد سماه البلغة وألف تآليف كثيرة في الطريقة النبوية والسلوك الأثري المحمدي وهي من أنفع كتب الصوفية للمريدين وانتفع به خلق كثير من متصوفة أهل الحديث ومتعبديهم قاله ابن رجب وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية هو جنيد وفته وقال البرزالي في معجمه صالح عارف صاحب نسك وعبادة وانقطاع وعزوف عن الدنيا وله كلام متين في التصوف الصحيح وكان داعية إلى طريق الله تعالى وقلمه أبسط

(6/24)


25
من عبارته واختصر السيرة النبوية وكان يتقوت من النسخ ولا يكتب إلا مقدار ما يدفع به الضرورة وكان محبا لأهل الحديث معظما لهم وأوقاته كلها معمورة وقال الذهبي كان سيدا عارفا كبير الشأن منقطعا إلى الله تعالى ينسخ بالأجرة ويتقوت ولا يكاد يقبل من أحد شيئا إلا في النادر صنف أجزاء عديدة في السلوك والسير إلى الله تعالى وفي الرد على الاتحادية والمبتدعة وكان داعية إلى السنة ومذهبه مذهب السلف في الصفات يمرها كما جاءت وقد انتفع به جماعة صحبوه ولا أعلم خلف بدمشق في طريقته مثله توفي آخر نهار السبت سادس عشرى ربيع الآخر بالمارستان الصغير بدمشق وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بسفح قاسيون قبالة زاوية السيوفي وفيها الأمير الكبير سيف الدين استدمر الكرجى قال الذهبي توفي في سجن الكرك في آخر الكهولة ولي البر بدمشق ثم نيابة طرابلس ثم حلب وكان بطلا شجاعا سايسا داهية جبارا ظلوما مهيبا سمع بقراءتي صحيح البخاري انتهى وفيها إسمعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي ومكرم وابن الشيرازي وطبقتهم وشيوخه نحو التسعين وكان مكثرا وفيه خفة وطيش ولكنه فيه دين توفي بدمشق في صفر عن اثنتين وثمانين سنة وفيها وقيل في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة عز الدين الحسن بن الحرث بن الحسن بن خليفة المعروف بابن مسكين وهو من أولاد الحرث بن مسكين أحد المالكية المعاصرين للشافعي قال ابن كثير في طبقاته كان من أعيان الشافعية بالديار المصرية وكان عين لقضاء الشافعية بدمشق فامتنع لمفارقة الوطن وقال الأسنوي درس بالشافعي وكان من أعيان الشافعية الصلحاء كتب ابن الرفعة تحت خطه جوابي كجواب سيدي وشيخي توفي في جمادى الأولى وفيها رشيد الدين رشيد بن كامل الرقي الشافعي درس وأفتى وبرع في الأدب وكان وكيل بلاد حلب حدث عن ابن مسلمة وابن علان وكان علامة شيخ الأدباء توفي عن ست وثمانين سنة وفيها أو في التي قبلها

(6/25)


وجزم به ابن شهبة الشيخ
26
عز الدين عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي المصري الشافعي ولد بنمرا من أعمال الغربية واشتغل وتصدى للاشتغال ودرس في التفسير بالقبة المنصورية قال ابن كثير في طبقاته أحد الفضلاء المناظرين من الشافعية أفتى ودرس وناظر بين يدي العلامة ابن دقيق العيد والعلامة صدر الدين بن الوكيل فاستجاد ابن دقيق العيد بحثه ورجحه في ذلك البحث على ابن الوكيل فارتفع قدره من يومئذ وصحب النائب سلار فازداد وجاهة في الدنيا بذلك توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة وفيها بل في التي قبلها جزم به غير واحد بدر الدين أبو البركات عبد اللطيف بن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين العامري الحموي الأصل المصري الشافعي العلامة مولده سنة تسع وأربعين وستمائة وسمع بمصر والشام من جماعة وأعاد عند والده وهو ابن عشرين سنة وناب عنه في القضاء وأفتى وولي قضاء العسكر في حياة والده وخطب بجامع الأزهر ودرس بالظاهرية والسيفية والأشرفية قال ابن كثير كان من صدور الفقهاء وأعيان الرؤساء وأحد المذكورين في الفضلاء وكان له اعتناء جيد بالحديث ويلقى الدروس منه ومن التفسير والفقه وأصوله وله اعتناء بالسماع والرواية وقال السبكي في الطبقات كان يجتمع عنده بالظاهرية من الفضلاء ما لا يجتمع عند غيره وتحصل بينهم الفضائل الجمة بحيث كان طالب التحقيقات يحضر درسه لأجل من يحضر فممن كان يحضر الوالد وقطب الدين السنباطي وتاج الدين طوير الليل وجماعة توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة وفيها شعبان بن أبي بكر بن عمر الأربلي قال الذهبي الشيخ الزاهد الصالح البركة خرج له رفيقة ابن الظاهري عن محمد بن النعالي وعبد الغني بن بنين والكمال الضرير وطبقتهم وكان خيرا متواضعا وافر الحرمة توفي في رجب عن سبع وثمانين سنة وكانت جنازته مشهودة وفيها القاضي المنشىء جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الأنصاري يروى عن مرتضى وابن المقير ويوسف المحيلي وابن

(6/26)


الطفيل وحدث بمصر ودمشق واختصر تاريخ ابن عساكر وله نظم ونثر وفيه شائبة تشيع وتوفي بمصر في شعبان
27
عن اثنتين وثمانين سنة وفيها الأديب الخليع الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال مؤلف كتاب طيف الخيال كانت له نكت غريبة وطباع عجيبة وصحبه ولد القسيس الملكي وكان جميل الصورة فخاف والده عليه منه فكتب إليه ابن دانيال ( قلت للقسيس يوما * والورى تفهم قصدي ) ( ما الذي أنكرت من نجلك * إذ أخلصت ودى ) ( خفت أن يسلم عندي * هو ما يسلم عندي ) ومن شعره ( ما عاينت عيناي في عطلتي * أيشم من حظي ومن بختي ) ( قد بعت عبدي وحماري وقد * أصبحت لا فوقي ولا تحتي ) وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي البغدادي الحنبلي الزاهد ولد سنة ست أو سبع وثلاثين وستمائة ببغداد وصحب الشيخ يحيى الصرصري وكان خال والدته والشيخ عبد الله كتيلة مدة وسافر معه وجاور بمكة عشر سنين ودخل الروم والجزيرة ومصر والشام ثم استوطن دمشق وبها توفي قال ابن الزملكاني عنه شيخ صالح وعارف زاهد كثير الرغبة في العلم وأهله والحرص على الخير والاجتهاد في العبادة تخلى عن الدنيا وخرج عنها ولازم العبادة والعمل الدائم واستغرق أوقاته في الخير وقال بن رجب سمع منه البرزالي والذهبي ابتلى بضيق النفس سبعة أشهر ثم بالاستسقاء وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس رابع عشرى شهر ربيع الآخر ودفن بقاسيون قبل الشيخ عماد الدين الواسطي بيومين وفيها شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف ابن الوحيد الزرعي قال الذهبي شيخ التجويد وصاحب الكتابة الباهرة والانشاء الجيد كان شجاعا مقداما متكلما منشئا وهو متهم في دينه يرمى بعظائم توفي في شعبان وقد شاخ انتهى وفيها عماد الدين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي بن النابلسي الدمشقي قال في العبر العدل المرتضى المسند سمع من

(6/27)


28
إسحق الشاغوري وكريمة وجماعة حضورا ومن السخاوي وابن قميره وابن شقير وخلق خرجت له معجما كبيرا ووقف أجزاءه وكان محمودا في الشهادات حسن الديانة توفي في جمادى الأولى عن أربع وسبعين سنة وفيها الصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التميمي الداري المصري روى عن المرسي وولي وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية ثم للعادل والمنصور حسام الدين ثم عزل ثم ولي للناصر ثم عزل ومات معزولا وكان خبيرا بالأمور شهما مقداما فيه كرم وسؤدد مات ليلة الفطر عن إحدى وسبعين سنة وفيها أبو حفص عمر بن عبد النصير بن محمد بن هاشم بن عز العرب القرشي السهمي القوصي ثم الأسكندراني المعروف بالزاهد قال الذهبي حدثنا بدمشق عن ابن المقير وابن الجميزي وحج مرات وقال ابن حجر أجاز لبعض شيوخنا وله شعر فمنه ( قف بالحمى ودع الرسائل * وعن الاحبة قف وسائل ) ( واجعل خضوعك والتذلل * في طلابهم وسائل ) ( والدمع من فرط البكاء * عليهم جار وسائل ) ( واسأل مراحمهم فهن * لكل محروم وسائل ) وتوفي في منتصف المحرم بالثغر عن ست وتسعين سنة وفيها أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطايحي البعلي والدة الشيخ إبراهيم بن القرشية وإخوته روت الصحيح عن ابن الزبيدي مرات وسمعت صحيح مسلم من ابن الحصيري شيخ الحنفية وسمعت من ابن رواحة وكانت دينة متعبدة صالحة مسندة توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة وفيها قاضي حماة العلامة عز الدين عبد العزيز بن محي الدين محمد بن نجم الدين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي قال الذهبي حدثنا عن ابن خليل وهدية وغيرهما وكان له اعتناء بالكشاف وبمفتاح السكاكي علامة توفي بحماة في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة ودفن بتربته وفيها قاضي الحنابلة سعد الدين أبو محمد وأبو عبد الرحمن مسعود بن

(6/28)


29
أحمد بن مسعود المحدث الحافظ قاضي قضاة الحنابلة الحارثي ولد سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة وسمع بمصر من الرضى بن البرهان والنجيب الحراني وابن علاق وجماعة من أصحاب البوصيري وبالأسكندرية من عثمان بن عوف وابن الفرات وبدمشق من أحمد بن أبي الخير وأبي زكريا بن الصيرفي وخلق من هذه الطبقة وعنى بالحديث وكتب بخطه الكثير وتفقه على ابن أبي عمر وغيره وبرع وأفتى وصنف وخرج لنفسه أمالي وتكلم فيها على الحديث ورجاله وعلى التراجم فأحسن وشفى وحج غير مرة ودرس بعدة أماكن وولي القضاء سنتين ونصفا وكان سنيا أثريا متمسكا بالحديث قال الذهبي في معجمه كان فقيها مناظرا مفتيا عالما بالحديث وفنونه حسن الكلام عليه وعلى الأسماء ذا حظ من عربية وأصول واقرأ المذهب ودرس ورأس الحنابلة روى عنه إسمعيل بن الخباز وهو أسند منه وأبو الحجاج المزي وأبو محمد البرزالي وذكره الذهبي أيضا في طبقات الحفاظ وقال كان عارفا بمذهبه ثقة متقنا صينا وقال ابن رجب حدثنا بالكثير وروى عنه جماعة من شيوخنا وغيرهم وتوفي سحر يوم الأربعاء عشرى ذي الحجة بالقاهرة ودفن من يومه بالقرافة والحارثي نسبة إلى الحارثية قرية ببغداد غربيها كان أبوه منها سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي حدث عن سليمان الأسعردي وأبي سليمان الحافظ والشيخ الفقيه وبالإجازة عن ابن روزبة ونصر بن عبد الرزاق وكان من العلماء الأبرار قليل المثل خيرا منورا أمارا بالمعروف توفي في صفر عن نيف وثمانين سنة وفيها الصدر الأديب المقرىء شهاب الدين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي من تجار الخواصين ومن عدول القيمة عرض الشاطبية على

(6/29)


30
السخاوي وسمع منه أجزاء وله نظم جيد منه ( هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا * ومنتهى أربى صدوا وإن وصلوا ) ( مال ياعتراض عليهم في تصرفهم * جادوا علي بوصل أو هم بخلوا ) ( أحبابنا كيف حللتم قطيعة من * أمسى وليس له في غيركم أمل ) ( لا يحمل الضيم إلا في محبتكم * ولا يقاس به في عيره رجل ) ( والحب يبدي اعتذارا من جنايته * بغير وجه ويعلو وجهه الخجل ) ( وكل ساع سعى فينا يقول لنا * لا ناقة لي في هذا ولا جمل ) توفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة وفيها تاج الدين أحمد بن العماد بن الشيرازي ولي الوكالة والحسبة ونظر الدواوين ونظر الجامع وتنقل في المناصب ثم مات بطالا حدث عن ابن عبد الدايم وتوفي بالمزة في رجب عن ثمان وخمسين سنة وفيها الفقيه الحنبلي المعمر عماد الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي سمع ببغداد من الكاشغري وابن الخازن وبمصر من ابن رواج وطائفة وتفرد بأجزاء وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن خمس وسبعين سنة وفيها زين الدين أبو محمد الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي سبط الفقيه زيادة سمع من أبي القسم بن عيسى المقرىء ومحمد بن عمر الفوطي المقرىء وتفرد عنهما وتلا بالسبع على أصحاب أبي النجود وكان خيرا فاضلا كيسا يؤدب في منزله توفي بمصر في شوال عن خمس وتسعين سنة وفيها نجم الدين داود الكردي الشافعي درس بصلاحية القدس ثلاثين سنة وكان علامة وتوفي بالقدس وفيها شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القسم بن عبد الغني بن خطيب حران فخر الدين بن تيمية الحراني الحنبلي التاجر روى عن ابن اللتى حضورا وعن ابن رواحة وابن شقير وجماعة وكان صالحا عدلا تقيا توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن هرون

(6/30)


31
التغلبي الدمشقي قارىء المواعيد للعامة سمع من ابن صباح حضورا ومن ابن الزبيدي والمازري وابن اللتي والناصح ومكرم وعدة وتفرد بالعوالي واشتهر وكان دينا خيرا متواضعا مسندا عالما توفي بمصر في ربيع الآخر وله ست وثمانون سنة وفيها نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري بن الصواف الشافعي الذي روى عن ابن باقا أكثر سنن النسائي سماعا وتفرد واشتهر وسمع من جعفر الهمداني والعلم بن الصابوني وله إجازة أبي الوفا محمود بن مندة من أصبهان وتوفي في رجب وقد قارب التسعين وفيها الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الناصر داود بن المعظم بن العادل قال الذهبي حدثنا عن الصدر البكري وخطيب مردا وكان عاقلا دينا عاش نيفا وسبعين سنة وفيها سلطان دشت القفجاق طقططية المغلى الجنكز خانى وله نحو من أربعين سنة وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة وكان على دين قومه يحب السحرة وفيه عدل في الجملة وميل إلى الإسلام وعسكره خلق عظيم بالمرة وتملك بعده القان الكبير أزبك خان وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة وامتدت أيامه قاله في العبر وفيها صاحب ماردين نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن أرتق بن غازي بن تمرتاش بن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي توفي في ربيع الآخر ودفن بتربة آبائه عن بضع وستين سنة وتملك بعده ولده العادل فمات بعد أيام فيقال سمهما قرا سنقر ثم تملك ابنه الآخر الملك الصالح وفيها المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس ولها ست وثمانون سنة تروى عن ابن الزبيدي حضورا وعن ابن اللتى والهمذاني وغيرهم وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة سمراء قابلة توفيت بالقدس في جمادى الأولى قاله الذهبي وفيها ست الأجناس موفية بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية روت عن الحسن بن دينار والعلم بن الصابوني وغيرهما وتفردت وعمرت اثنتين

(6/31)


32
وثمانين سنة وفيها الأديب محمد بن موسى القدسي عرف بكاتب أمير سلاح كتب في لوح صبي مليح اسمه سالم ( وأهيف تهفو نحو بانة قده * قلوب تبث الشجو في حمائم ) ( عجبت له إذا دام توريد خده * وما الورد في حال على الغصن دائم ) ( وأعجب من ذا أن حية شعره * تجول على أعطافه وهو سالم ) سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القسم الدشتي بفتح المهملة وسكون المعجمة وفوقية نسبة إلى دشتى محلة بأصبهان الكردي المؤدب الحنبلي قال الذهبي حدثنا عن ابن رواحة وابن يعيش وابن قميرة والضيا وصفية القرشية وعدة وله مشيخة بانتقاء البرزالي وتفرد بأشياء عالية وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر وفيها المسند المعمر ركن الدين بيبرس التركي العديمي قال الذهبي حدثنا عن الكاشغري وهبة الله بن الدوامي وجماعة وكان مسندا توفي بحلب في ذي القعدة عن نحو التسعين أو أكثر وفيها شيخ القراء تقي الدين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيع الجزري المقصاتي أم مدة بالرباط الناصري بسفح قاسيون وتلا على الشيخ عبد الصمد وغيره وروى عن الكواشي تفسيره وكان دينا صالحا بصيرا بالسبع وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها فخر الدين أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان التوزري بفتح المثناة الفوقية والزاي بينهما واو ساكنة وآخره راء نسبة إلى توزر مدينة بأفريقية الحافظ المالكي المجاور سمع السبط وابن الجميزي وعدة وقرأ ما لا يوصف كثرة ثم جاور للعبادة مدة وكان قد تلا بالسبع وتوفي بمكة المشرفة في ربيع الآخر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها الخطيب القاضي عماد الدين علي ابن الفخر عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العي

(6/32)


33
ابن السكري المصري الشافعي خطيب جامع الحاكم ومدرس مشهد الحسين وقد ذهب في الرسالة إلى ملك التتار وحدث بدمشق عن جده لأمه ابن الجميزي وتوفي عن أربع وسبعين سنة سنة أربع عشرة وسبعمائة فيها جرت وقعة بقرب مكة بين الأخوين حميضة وأبي الغيث فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكة وفيها توفي العدل المسند زين الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشيرازي الشافعي قال الذهبي حدثنا عن اسخاوي وكريمة والنسابة والتاج بن حموية وطائفة وانتخب عليه العلائي مولده وتوفي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة وفيها رشيد الدين إسمعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي الحنفي شيخ الحنفية سمع من ابن الزبيدي الثلاثيات وسمع من السخاوي والنسابة وجماعة وتفرد وتلا بالسبع على السخاوي وأفتى ودرس ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة وتغير قبل موته بقليل وانهرم وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وتسعين سنة ومات قبله ابنه المفتي تقي الدين بقليل وفيها نقيب الأشراف أمين الدين جعفر ابن شيخ الشيعة محي الدين محمد بن عدنان الحسيني توفي في حياة أبيه فولي النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان وخلع عليه بطرحة وهو شاب طري قاله في العبر وفيها الشيخ سليمان التركماني الموله قال الذهبي كان يجلس بسقاية باب البريد وحوله الكلاب ثم يطرق العلبيين وعليه عباءة نجسة ووسخ بين وهو ساكن قليل الحديث له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة وللناس فيه اعتقاد زائد وكان شيخنا إبرهيم الرقي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده قارب سبعين سنة وكان يأكل في رمضان ولا صلاة ولا دين ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه

(6/33)


34
يتجانن انتهى وفيها محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي وخلف نعمة جزيلة وكان عالما واعظا حدث عن جده أبي جعفر وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي بالباء الموحدة والجيم نسبة إلى باجة مدينة بالأندلس المصري الشافعي الإمام المشهور ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة سنة مولد النووي وتفقه بالشام على ابن عبد السلام ثم ولي قضاء الكرك قيدما في دولة الملك الظاهر ثم دخل القاهرة واستوطنها وناب في الحكم ثم ترك ذلك ولزمته الطلبة للاشتغال عليه وممن أخذ عنه الشيخ تقي الدين السبكي أخذ عنه الأصلين وتخرج به في المناظرة وله مصنفات في فنون قال ابن شيبة كان أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري وكان هو بالقاهرة والصفي الهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري وكان ابن دقيق العيد كثير التعظيم له وقال التقى السبكي كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا إلا بقوله يا إنسان غير اثنين الباجي وابن الرفعة يقول للباجي يا إمام ولابن الرفعة يا فقيه وقال الأسنوي له في المحافل مباحث مشهورة وفي المشاهد مقامات مأثورة كان إماما في الأصلين والمنطق فاضلا فيما عداها كان أنظر أهل زمانه ومن أذكاهم قريحة لا يكاد ينقطع في المباحث فصيح العبارة وكان يبحث مع الكبير والصغير إلا أنه قليل المطالعة جدا ولا يكاد أحد يراه ناظرا في كتاب وصنف مختصرات في علوم متعددة واشتهرت وحفظت في حياته وعقب موته ثم انطفت كأن لم تكن توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة بقرب المكان المعروف بورش وفيها العالمة الفقيهة الزاهدة القانتة سيدة نساء زمانها الواعظة أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية الشيخة بمصر عن نيف وثمانين سنة وشيعها خلائق وانتفع بها خلق من النساء وتابوا وكانت وافرة العقل والعلم قانعة باليسير حريصة على النفع والتذكير ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف انصلح بها نساء

(6/34)


دمشق ثم نساء مصر وكان لها قبول زائد ووقع
35
في النفوس رحمها الله زرتها مرة قاله في العبر وفيها العدل جمال الدين ابن عطية بن إسمعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية اللخمي المتفرد بكرامات الأولياء عن مظفر الفوى مات وهو من أبناء الثمانين وفيها الصالح المعمر بقية السلف محمد حياك الله الموصلي بزاويته في سويقة كوم الريش بمصر ودفن بالقرافة وكان من الأخيار يقصد للزيارة والتبرك سئل عن مولده فقال قدمت مصر في أول دولة المعز أيبك التركماني وعمري خمس وثمانون سنة فيكون لي مائة وستون سنة وكان كثير الذكر والتلاوة وعنده محاضرة وعلى ذهنه أشياء ومن شعره ( إذا الحب لم يشغلك عن كل شاغل * فما ظفرت كفاك منه بطائل ) ( وما الحب إلا خمرة تسكر الفتى * فيصبح نشوانا لطيف الشمائل ) ( لقيني من أهواه يوما فقال لي * بمن أنت مشغوف فقلت بسائلي ) ( ولو أن في السلوان ما عنكم غني * لخلصت قلبي واستراحت عواذلي ) سنة خمس عشرة وسبعمائة فيها كما قال في العبر قتل أحمد الرويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة وكان له كشف وإخبار عن المغيبات فضل به الجهلة وكان يقول أتاني النبي وحدثني وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة وعليه قباء وفيها توفي السيد ركن الدين حسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي صاحب التصانيف كان علامة متكلما نحويا مبالغا في التواضع يقوم لكل أحد حتى للسقاء وكانت جامكيته الشهر ألفا وثمانية دراهم وتوفي بالموصل في المحرم وقد شاخ وفيها الشيخة الصالحة ست الوزراء ابنة أبي الفضل يحيى بن محمد بن حمزة التغلبي الدمشقي مولدها سنة تسع وثلاثين وستمائة وأجاز لها ابن البخاري والضياء وعز الدين بن عساكر وعتيق السلماني وخطي بعقربا وجماعة وهي من بيت الحديث وفيها مسند الشام قاضي القضاة تقي الدين أبو الفضل سليمان بن

(6/35)


36
حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة وحصر على ابن الزبيدي صحيح البخاري وعلى الفخر الأربلي وابن المقير وجماعة وسمع من ابن اللتي وجعفر الهمداني وكريمة القرشية والحافظ ضياء الدين وابن قمرية وخلق وأكثر عن الحافظ الضياء حتى قال سمعت منه نحو ألف جزء وكتب كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء وأجاز له خلق من البغداديين كالسهروردي والقطيعي ومن المصريين كابن عمار وعيسى بن عبد العزيز وابن باقا ولازم الشيخ شمس الدين بن أبي عمرو أخذ عنه الفقه والفرائض وغير ذلك قال البرزالي شيوخه بالسماع نحو مائة شيخ وبالإجازة أكثر من سبعمائة وخرجت له المشيخات والعوالي والمصالحات والموافقات ولم يزل يقرأ عليه إلى قبل وفاته بيوم قال وكان شيخاجليلا فقيها كبيرا بهي المنظر وضيىء الشيبة حسن الشكل مواظبا على حضور الجماعات وقيام الليل والتلاوة والصيام وأوراد وعبادةوكان عارفا بالفقه خصوصا كتاب المقنع قرأه واقرأه مرات وكان قوي النفسي لين الجانب حسن اخلق متوددا إلى الناس حريصا على قضاء الحوائج وعلى النفع المتعدى وحدث بثلاثيات البخاري سنة ست وخمسين وستمائة وحدث بجميع الصحيح سنة ستين وولي القضاء سنة خمس وتسعين وقال الذهبي كان إماما محدثا أفتى نيفا وخمسين سنة وبرع في المذهب وتخرج به الفقهاء وروى الكثير وتفرد في زمانه وكان يقول لم أصل الفريضة قط منفردا الا مرتين وكأنى لم أصلهما وسمع من الأبيوردي وذكره في معجمه مع أنه توفي قبله بدهر وابن الخبارز وتوفي قبله بمدة وسمع منه أئمة وحفاظ وروى عنه خلق كثير وتوفي ليلة الإثنين حادي عشرى ذي القعدة بمنزله بالدير فجأة وكان قد حكم يوم الإثنين بالمدينة وطلع إلى الجبل آخر النهار فعرض له تغير يسير وتوضأ للمغرب ومات عقيب المغرب ودفن من الغد بتربة جده الشيخ أبي عمر وفيها الشيخ

(6/36)


37
الزاهد محي الدين علي بن محتسب دمشق فخر الدين محمود بن سيما السلمي روى عن أبيه حضورا وعن ابن عبد الدايم وأجاز له ابن دحية والأربلي وجماعة وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس توفي بدمشق في بستانه في صفر عن أربع وثمانين سنة وفيها محب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع القاضي الإمام الشافعي بن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد ولد بقوص في صفر سنة سبع وخمسين وستمائة وأخذ عن والده وسمع الحديث وحدث وناب في الحكم عن والده قال الأسنوي كان فاضلا ذكيا علق على التعجيز شرحا جيدا لم يكمله وانقطع في القرافة مدة وتوفي في شهر رمضان بمصر ودفن عند أبيه وفيها العلامة شيخ الشيوخ صفي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي ثم الهندي الشافعي المتكلم على مذهب الأشعري مولده بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة وتفقه على جده لأمه الذي توفى سنة ست وستمائة وسار من دلى سنة سبع وستين إلى اليمن وحج وجاور ثلاثة أشهر وجالس ابن سبعين ثم قدم مصر فأقام بها أربع سنين ثم سافر إلى بلاد الروم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها وأخذ عن صاحب التحصيل ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين وسمع من ابن البخاري وولي بها مشيخة الشيوخ ودرس بها بالظاهرية الجوانية والأتابكية والرواحية والدولعية وانتصب للإفتاء والإقراء في الأصول والمعقول والتصنيف والنظر وأخذ عنه ابن المرحل وابن الوكيل والفخر المصري والكبار وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد وكان يحفظ ربع القرآن قال السبكي كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسين وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين وقال الأسنوي كان فقيها أصوليا متكلما أديبا متعبدا توفي بدمشق في صفر عن إحدى وسبعين سنة ودفن بمقابر الصوفية ومن تصانيفه في علم الكلام الزبدة والفائق وفي أصول الفقه النهاية والرسالة السيفية وكل مصنفاته حسنة جامعة لا سيما النهاية انتهى وفيها العلامة

(6/37)


المفتي شمس الدين بن العونسي محمد بن
38
أبي القسم بن جميل المالكي ولي قضاء الأسكندرية مدة وكان علامة متفننا توفي بمصر وله ست وسبعون سنة وفيها تاج الدين أبو المكارم محمد بن كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي قال الذهبي مكثر عن يوسف بن خليل وكان مدرس العصرونية ووكيل بيت المال وولي مرة نظر الأوقاف وكتابة الإنشاء وتوفي بحلب عن أربع وسبعين سنة وفيها ناصر الدين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم سمع المرجا بن شقيرة ومكي بن علان وأبا عمرو بن الصلاح وعدة وله مشيخة وأجاز له ظافر بن شحم وابن المقير وتفرد بأشياء وتوفي في ذي الحجة عن تسع وسبعين سنة وفيها عز الدين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي الحنفي روى عن الأربلي حضورا وعن مكرم والسخاوي وابن الصلاح وجماعة وتفرد ورحل إليه وتوفي في ذي الحجة بمصر عن سبع وثمانين سنة سنة ست عشرة وسبعمائة فيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الأشبيلي المالكي سمع التيسير من ابن حوير بسماعه من أبي حمزة وبحث كتاب سيبويه على ابن أبي الربيع وتلا بالسبع وكان مقرئا نحويا ذا علوم وتصانيف وجلالة وتلامذة توفي بسبتة وله خمس وسبعون سنة وفيها المقرىء المعمر صد رالدين أبو الفدا إسمعيل بن يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي سمع ابن اللتي ومكرما وابن الشيرازي والسخاوي وقرأ عليه بثلاث روايات وكان فقيها بالمدارس ومقريا بالزوزانية وله أملاك وتفرد بأجزاء وتوفي بدمشق في شوال عن ثلاث وتسعين سنة وفيها الرئيس العدل شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر بن الحظيري الدمشقي ولي نظر الخزانة ونظر الجامع ونظر المارستان وحدث عن ابن رواج وبالإجازة عن علي بن الجمل وابن الصفراوي وطائفة وكان دينا صينا أمينا وافر الجلالة

(6/38)


39
وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة وفيها كشتية الناصري وفيها علاء الدين علي بن مظفر الكندي ويعرف بكاتب ابن وداعة سمع من البكري وإبراهيم بن خليل وطبقتهما وتلا بالسبع على العلم القسم وغيره ونسخ الأجزاء كان أديبا بارعا محدثا من جياد الطلبة على رقة في دينه وهنات وله نظم ونثر وحسن كتابة ولي مشيخة النفيسية مدة وكتابة الإنشاء وتوفي عن ست وسبعين سنة قاله الذهبي وفيها نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري ثم البغدادي الحنبلي الأصولي المتفنن ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفا من أعمال صرصر وحفظ بها مختصر الخرقي في الفقه واللمع في النحو لابن جنى وتردد إلى صرصر وقرأ الفقه بها على الشيخ شرف الدين علي بن محمد الصرصري ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين فحفظ المحرر في الفقه وبحثه على الشيخ تقي الدين الزريراني وقرأ العربية والتصريف على أبي عبد الله محمد بن الحسين الموصلي والأصول على النصير الفارقي وغيرهم وقرأ الفرائض وشيئا من المنطق وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعل قعنهم وسمع الحديث من ابن الطبال وغيره وسافر إلى دمشق سنة أربع وسبعمائة فسمع بها الحديث من ابن حمزة وغيره ولقي الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزى والبرزالي ثم سافر إلى مصر سنة خمس وسبعمائة فسمع من الحافظ عبد المؤمن بن خلف والقاضي سعد الدين الحارثي وقرأ على أبي حيان النحوي مختصره لكتاب سيبويه ولقي بها جماعة وحج وجاور بالحرمين الشريفين وسمع بهما وقرأ بهما كثيرا من الكتب وأقام بالقاهرة مدة وصنف تصانيف كثيرة منها الأكسير في قواعد التفسير والرياض النواضر في الأشباه والنظاير وبغية الواصل إلى معرفة الفواصل وشرح مقامات الحريري في مجلدات وغير ذلك وكان مع ذلك كله شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى أنه قال في نفسه أشعري حنبلي رافضي هذه إحدى العبر ووجد له في الرفض قصائد ويلوح به في كثير من

(6/39)


تصانيفه حتى أنه صنف كتابا سماه العذاط الواصب على أرواح النواصب قال تاج الدين أحمد
40
ابن مكتوم اشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر رضي الله عنه وابنته عائشة رضي الله عنها وفي غيرهما من جلة الصحابة رضوان الله عليهم وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له منها قوله في قصيدة ( كم بين من شك في خلافته * وبين من قيل أنه الله ) فرفع أمر ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدين الحارثي وقامت عليه بذلك البينة فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره وإشهاره وطيف به ونودي عليه بذلك وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس وحبس أياما ثم أطلق فخرج من حينه مسافرا فبلغ قوص من صعيد مصر وأقام بها مدة ثم حج في أواخر سنة أربع عشرة وجاور سنة خمس عشرة ثم حج ثم نزل إلى الشام في الأرض المقدسة فأدركه الأجل في بلد الخليل عليه السلام في شهر رجب وفيها طقطاي بن منكوتمر بن طغاي بن باطو بن الطاغية الأكبر جنكز خان المغلي التتري ملك القبجاق جلس على تخت الملك وعمره سبع سنين وكان يحب السحرة ويعظمهم ويحب الأطباء وممالكه واسعة جدا منها قرم وسراي وغير ذلك وكان له جيش عظيم إلى الغاية يقال أنه هز عسكرا مرة يشتمل على مائتي ألف فارس وطالبت أيامه إلى هذه السنة وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة وملك بعده أخوه أزبك خان وفيها مسندة الوقت ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية روت عن أبيه القاضي شمس الدين وابن الزبيدي وحدثت بالصحيح وبمسند الشافعي بدمشق ومصر مرات وكانت على خير عظيم وتوفيت في شعبان فجاءة عن اثنتين وتسعين سنة وفيها سلطان التتار غياث الدين خربندا بن أرغون بن أبغ بن هلاكو هلك من هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل وكانت دولته ثلاث عشرة سنة وتملك بعده ابنه أبو سعيد وفيها بحماة أم أحمد فاطمة بنت النفيس محمد بن الحسين بن رواحة روت أجزاء عن عمها بمصر وطرابلس قال الذهبي سمعنا منها وفيها الشيخ العلامة

(6/40)


ذو الفنون صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن مكي
41
ابن عبد الصمد بن عطية بن أحمد بن عطية الشافعي العثماني المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة ونشأ بدمشق وسمع من ابن علان والقسم الأربلي وحفظ كتبا يقال أنه كان إذا وضع بعضها على بعض كانت طول قامته وحفظ المفصل في مائة يوم ومقامات الحريري في خمسين يوما وديوان المتنبي في جمعة واحدة قاله ابن قاضي شهبة وتفقه على والده وعلى الشيخ شرف الدين المقدسي والشيخ تاج الدين الفزاري وغيرهم وأخذ الأصلين عن الصفي الهندي والنحو عن بدر الدين بن مالك وبرع وأفتى وله اثنتان وعشرون سنة واشتغل وناظر واشتهر اسمه وشاع ذكره ودرس بالشاميتين والعدرواية وولى مشيخة دار الحديث الأشرافية وخالط النائب أقش الأفرم وجرت له أمور لا يحسن ذكرها ولا يرشد أمرها وأخرجت جهاته وانتقل إلى حلب فأقام بها مدة ودرس ثم انتقل إلى الديار المصرية ودرس بالمشهد الحسيني وجمع كتاب الأشباه والنظائر وأثنى عليه السبكي كثيرا وله نظم رائق وشعر فائق منه ( ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا * في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب ) ( لا تأسفن على مال تفرقة * أيدي سقاة الطلا والخرد العرب ) ( راح بها راحتي في راحتي حصلت * فتم عجبي بها وازدادني العجب ) ( فما كسوارا حتى من راحها حللا * إلا وعروا فؤادي الهم واستلبوا ) ( إذ ينبع الدن من حلو مذاقته * والتبر من منسبك في الكاس منسكب ) ( وليست الكيميا في غيرها وجدت * وكلما قيل في ألوانها كذب ) ( قيراط خمس على القنطار من حزن * يعود في الحال أفراجا وينقلب ) ( عناصر أربع في الكاس قد جمعت * وفوقها الفلك السيار والشهب ) ( ماء ونار هواء أرضها قدح * وطوقها فلك والأنجم الحبب ) ( ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل * بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب ) ( شججت بالماء منها الرأس موضحة * فحين أعقلها بالخمس لا عجب )

(6/41)


42 (
وما تركت بها الخمس التي وجبت * وإن رأوا تركها في بعض ما يجب ) ( وإن تقطب وجهي حين تبسم لي * فعند بسط الموالي يحسن الأدب ) ( عاطيتها من بنات الترك غانية * كإظهار لأسود والسود قد غلبوا ) ( ما قلت أردافها مهما برزت بها * قف لي عليها وقل لي هذه الكتب ) ( وإن مررت بشعر فوق قامتها * بالله قل لي كيف البان والعذب ) ( تحكي الثنايا التي أبدته من حبب * لقد حكيت ولكن فاتك الشنب ) وله ( عيرتني بالسقم أنك مشبهى * ولذاك خصرك مثل جسمي ناحلا ) ( وأراك تشمت إذ رأيتك سائلا * لا بد أن يأتي عذارك سائلا ) قال الذهبي تخرج به الأصحاب وكان أحد الأذكياء وقال ابن شهبة توفي في ذي الحجة بالقاهرة ودفن بالقرافة بتربة القاضي فخر الدين ناظر الجيش ولما بلغت وفاته ابن تيمية قال أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين وفيها على خلاف في ذلك محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري ثم المصري شمس الدين أبو عبد الله ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة واشتغل بالعلم وأخذ بقوص عن الأصفهاني وشرح منهاج البيضاوي شرحا حسنا والفية بن مالك وأخذ السبكي عنه علم الكلام وتوفي بمصر في ذي القعدة وفيها على خلاف أيضا شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي بكر ابن هبة الله الحزري ثم المصري الشافعي ويعرف بابن المحوجب وفي بلاده بابن القوام ولد سنة ست وثلاثين وستمائة كذا رأيته في بعض تواريخ المصريين وقرأ القراآت السبع وأخذ بدمشق النحو عن شرف الدين بن المقدسي وبقوص المعقولات عن الأصفاني والفقه عن الشيخين ابن دقيق العيد والدشناوي وأخذ بمصر عن القرافي قال الأسنوي كان ذكيا أقام بمصر وأخذ عنه كثير من طلبتها ودرس بالمعزية بعد موت ابن الرفعة وكانت السوداء تغلب على مزاجه توفي في رجب سنة إحدى عشرة

(6/42)


43
وسبعمائة وقد جاوز الثمانين كذا قاله الأسنوي سنة سبع عشرة وسبعمائة في مستهل صفرها شرع في بناء جامع تنكز ظاهر دمشق وفي صفرها أيضا كانت الزيادة العظمى ببعلبك فغرق في البلد مائة وبضع وأربعون نسمة وخرق السيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا ثم تدكدك بعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع فكان ذلك آية بينة وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع وفيها ظهر جبلى ادعى أنه المهدى بجبلة وثار معه خلق من النصيرية والجهلة وبلغوا ثلاثة آلاف فقال أنا محمد المصطفى مرة ومرة قال أنا علي وتارة قال أنا محمد بن الحسن المنتظر وزعم أن الناس كفرة وأن دين النصيرية هو الحق وأن الناصر صاحب مصر قدمات وعاثوا بالساحل واستباحوا جبلة ورفعوا أصواتهم وقالوا لا إله إلا على ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سلمان ولعنوا الشيخين وخربوا المساجد وكانوا يحضرون المسلم إلى طاغيتهم ويقولون اسجد لالهك فسار إليهم عسكر طرابلس وقتل الطاغية وجماعة وتمزقوا قاله في العبر وفيها مات الأديب الفاضل شهاب الدين أحمد بن أبي المحاسن الطيبي الطرابلسي بها ومن شعره ( ما مسني الضيم إلا من أحبائي * فليتني كنت قد صاحبت أعدائي ) ( ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا * داء يزيد بهم همي وأدوائي ) ( من كان يشكو من الأعداء جفوتهم * فإنني أنا شاك من أودائي ) وفيها أبو بكر أحمد بن أبي بكر البغدادي الدمشقي المعروف بنقيب المتعممين كانت عنده فضائل في النظم والنثر مما يناسب الوقائع ويحضر التهاني والتعازي ويعرف الموسيقيا والشعبذة وضرب الرمل ويحضر مجالس البسط والهزل ثم انقطع لكبر سنه حكاه ابن الجزري في تاريخه وفيها وجزم ابن شهبة أنه في التي قبلها فقال

(6/43)


44
يوسف بن محمد بن موسى بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي بن بهاء الدين ابن كمال الدين بن رضى الدين بن قاضي الموصل قال بعض المتأخرين في طبقات جمعها انتهت إليه رياسة إقليمه وشرح الحاوي وقدم رسولا من غازان على الملك الناصر فأكرمه وظهر له من الحشمة والمهابة ما يليق ببيته وأصالته مات بالسلطانية سنة ست عشرة وسبعمائة انتهى كلام ابن شهبة وفيها على خلاف أيضا عز الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن أحمد المدلجي النسائي المصري قال ابن شهبة لا أدري عمن أخذ الفقيه وسمع من جماعة ودرس بالفاضلية وله على الوسيط إشكالات حسنة مفيدة إلا أنها لم تكمل وعليه تفقه ولده كمال الدين والشيخ مجد الدين الزنكلوني وقال الأسنوي كان إماما بارعا في الفقه والنحو والعلوم الحسابية محققا دينا ورعا زاهدا متصوفا يحب السماع ويحضره وكانت في أخلاقه حدة وانتفع به خلق كثير وقال ابن السبكي كان فقيها كبيرا ورعا صالحا حج في البحر من عيذاب سنة ست عشرة وسبعمائة وتوفي في تلك السنة بمكة في العشر الأخير من ذي القعدة وقيل في ذي الحجة ودفن بالمعلى انتهى وفيها شرف الدين الحسين بن علي بن إسحق بن سلام بتشيديد اللام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة واشتغل فبرع وحصل وأفتى وناظر ودرس بالعدراوية وولي إفتاء دار العدل أيام الأفرم وكلام الكتبي يفهم أنه أول من ولي الإفتاء بها قال الذهبي كان من الأذكياء وقال ابن كثير كان واسع الصدر كبير الهمة كريم النفس مشكورا في فهمه وحفظه وفصاحته ومناظرته توفي بدمشق في رمضان ودفن بباب الصغير وفيها الرشيد فضل الله بن أبي الخير الهمذاني الطبيب كان أبوه يهوديا عطارا فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة وأسلم واتصل بغازان وعظم في دولة خربندا بحيث أنه صار في رتبة الملوك قام عليه

(6/44)


45
الوزير على شاه بأنه هو الذي قتل القان خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيأ فخارت قواه فاعترف وبرطل جوبان بألف ألف دينار فما نفع بل قتل هو وابنه وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء فسر القرآن العظيم فشحنه بآراء الأوائل وعاش نيفا وسبعين سنة وقيل بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد وكان وزير التتار ومدبر دولتهم وفيها المحدث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبني بالضم والتشديد نسبة إلى الجبن المأكول الصوفي روى عن الفخر علي وتاج الدين الفزاري وكان تقيا دينا مؤثرا كثير المحاسن توفي في المحرم عن سبع وأربعين سنة وفيها الشيخ تاج الدين محمد بن علي الباريناري المصري العالم الشافعي الملقب طوير الليل قال السبكي أحد أذكياء الزمان برع فقها وأصولا ومنطقا قرأ الأصول والمعقول على الأصبهاني شارح المحصول وسمعت الوالد رحمه الله يقول قال لي ابن الرفعة من عندكم من الفضلاء في درس الظاهرية فقلت له قطب الدين السنباطي وفلان وفلان حتى انتهيت إلى الباريناري فقال لي ما في من ذكرت مثله مولده سنة أربع وخمسين وستمائة انتهى وفيها المعمر قاضي المالكية بدمشق جمال الدين محمد بن سليمان بن سومر الزاوي استمر قاضيا بدمشق ثلاثين سنة قال الذهبي ثنا الزواوي عن الشرف المرسي وابن عبد السلام وأصابه فالج سنوات فعجز عن المنصب فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلامة فخر الدين بن سلامة الأسكندراني وتوفي الزواوي بدمشق عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو القسم محمد بن خالد بن إبراهيم الحراني الفقيه الحنبلي التاجر بدر الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية لأمه ولد سنة خمسين وستمائة تقريبا بحران وسمع بد مشق من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وابن الصيرفي وابن أبي عمر وغيرهم وتفقه ولازم الاشتغال على الشيوخ أفتى بالمدرسة الجوزية وبمسجد الرماحين بسوق جقمق ودرس بالمدرسة الحنبلية نيابة عن أخيه الشيخ تقي الدين مدة قال

(6/45)


الذهبي كان فقيها عالما إماما بالجوزية وله رأس مال
46
يتجر به وكان قد تفقه على أبي زكريا بن الصيرفي وابن المنجا وغيرهما سمعنا منه أجزاء وكان خيرا متواضعا وقال البرزالي كان فقيها مباركا كثير الخير قليل الشر حسن الخلق منقطعا عن الناس وكان يتجر ويتكسب وترك لأولاده تركه وروى جزاء ابن عرفة مرارا عديدة وتوفي يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصوفية عند والدته وفيها شمس الدين محمد بن الصلاح موسى بن خلف بن راجح الصالحي الحنبلي سمع ابن قميرة والرشيد بن مسلمة وجماعة وله نظم جيد توفي في جمادى الآخرة في عشر الثمانين وفيها القاضي الأثير شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلى العدوي كاتب السر بمصر ثم بدمشق كان دينا عاقلا ناهضا ثقة مشكورا مليح الخط والأنشاء روى عن ابن عبد الدايم وتوفي بدمشق في رمضان عن أربع وتسعين سنة وفيها القاضي الأديب علاء الدين علي بن الصاحب فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي الجذامي كان من كبار المنشئين وعلمائهم ورثاه الشهاب محمود بقصيدة أولها ( الله أكبر أي ظل زالا * عن آمليه وأي طود مالا ) ( أنعى إلى الناس المكارم والعلا * والجود والإحسان والأفضالا ) وفيها فخر الدين عثمان بن بلبان المقاتلي معيدالمنصورية قال الذهبي كان رفيقنا محدثا رئيسا حدث عن أبي حفص بن القواص وطبقته وارتحل وحصل وكتب وخرج وكان نديما إخباريا توفي بمصر عن اثنتين وخمسين سنة وفيها المقرى زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم الأسكندراني إمام سجد قداح سمع من ابن رواج ومظفر بن الفوى وتوفي في ذي الحجة قاله في العبر

(6/46)


47
سنة ثمان عشرة وسبعمائة فيها كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر وأكلت الميتة وبيع الأولاد وجلا الناس ومات بعض الناس من الجوع وجرى ما لا يعبر عنه وكان أهل بغداد في قحط أيضا ولكن دون ذلك وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة وحملت الجمال في الجو قاله في العبر وفيها توفي كمال الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن الشريشي الوابلي البكري الشافعي وكيل بيت المال وشيخ دار الحديث وشيخ الرباط الناصري مولده في رمضان سنة ثلاث وخمسين وستمائة وسمع ورحل وطلب مدة وقرأ بنفسه الكتب الكبار وكان أبوه مالكيا فاشتغل هو في مذهب الشافعي وأفتى ودرس وناظر وناب في القضاء عن ابن جماعة ثم ترك ذلك ودرس بالشامية البرانية وبالناصرية عشرين سنة قال ابن كثير اشتغل في مذهب الشافعي فبرع وحصل علوما كثيرة وكان خبيرا بالنظم والنثر وكان مشكور السيرة فيما يتولاه من الجهات كلها توفي في سلخ شوال متوجها إلى الحج بالحسا ودفن هناك وفيها الشهاب المقرى الجنايزى أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي أبوه الدمشقي هو صاحب الألحان والصوت الطيب وله نظم ونثر وفضائل وظرف ومنادمة ووعظ توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة وفيها المهتار شهاب الدين أحمد بن مرضان عرف بابن كسيرات مهتار الطستخاناه وهو الذي سعى في تبطي لما يؤخذ من قوام الحمامات للرجال والنساء في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واستمر الحال إلى الآن وفيها فخر الدين أحمد بن سلامة بن أحمد الأسكندراني المالكي القاضي العلامة الأصولي البارع كان حميد السيرة بصيرا بالعلم محتشما توفي بدمشق في ذي الحجة عن سبع وخمسين سنة وفيها مجد الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي الشافعي قال الذهبي هو شيخ النحاة والبحاثين أخذ القراآت والنحو عن الشيخ حسن الراشدي وتصدر بتربة الأشرفية

(6/47)


48
وبأم الصالح وتخرج به الفضلاء وكان دينا صينا ذكيا حدثنا عن الفخر علي وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة وفيها السيد ركن الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن شرفشاه الإمام العلامة المفتن الحسيني الأستراباذي الشافعي أخذ عن النصير الطوسي وحصل وتقدم وكان الطوسي قد جعله رئيس أصحابه بمراغة يعيد دروس الجلة ثم انتقل إلى الموصل ودرس بالنورية بها وشرح مختصر ابن الحاجب شرحا متوسطا وشرح الحاجبية ثلاثة شروح المتوسط أشهرها وشرح الحاوي في أربيع مجلدات فيه اعتراضات على الحاوي حسنة وتوفي في هذه السنة في المحرم عن نيف وسبعين سنة بالموصل وقيل توفي في سنة خمس عشرة وفيها برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الشيخ عز الدين عبد الحافظ بن أبي محمد عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي الحنبلي تفقه بدمشق وحضر بنابلس على خطيب مردا وسمع وكتب بخطه كثيرا قال الذهبي كان فقيها إماما عارفا بالفقه والعربية وفيه دين وتواضع وصلاح وسمعت منه قصيدته التي يرثى بها الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ثم روى عنه حديثا وقال ابن رجب كان عدلا وفقيها في المدارس من أهل الدين والعفاف وكان كثير السكوت قليل الكلام توفي بالصالحية ودفن بتربة الشيخ موفق الدين وكان من أبناء التسعين وفيها أبو بكر بن المنذر بن زين الدين أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي الحنبلي قال الذهبي كان مسند الوقت صالحا سمع حضورا في سنة سبع وعشرين وستمائة وسمع من ابن الزبيدي والناصح والأربلي والهمذاني وسالم بن صصرى وطائفة وتفرد وكان ذا همة وجلادة وذكر وعبادة لكنه أضر وثقل سمعه وتوفي في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر وفيه اتقي الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان التلى الصالحي الأديب الزاهد الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من ابن قميره والمرسي اليلداني

(6/48)


49
وجماعات وقرأ النحو والأدب على الشيخ جمال الدين بن مالك وعلى ولده بدر الدين وصحبه ولازمه مدة وأقام بالحجاز مدة قال البرزالي كان شيخا فاضلا بارعا في الأدب حسن الصحبة مليح المحاضرة صحب الفضلاء والفقراء وتخلق بالأخلاق الجميلة زاهدا متقللا من الدنيا لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا زبدية ولا سراج بل كان بيته خاليا من ذلك كله ومن شعره ( يا من عصيت عواذلي في حبه * وأطعت قلبي في هواه وناظري ) ( لي في هواك صبابة عذرية * علقت بأذيال النسيم الحاجري ) ( وحديث وجدي في هواك مكرر * فلذاك يحلو إذ يمر بخاطري ) توفي ليلة السبت ثالث ربيع الآخر ودفن من الغد بمقابر المرداويين بالقرب من تربة الشيخ أبي عمر وفيها تاج الدين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين حامد التبريزي الأفضلي الشافعي الواعظ قال الذهبي كان شيخ تبريز إماما قدوة قانتا مذكرا مات في رمضان ببغداد بعج حجه كهلا وفيها زين الدين علي بن مخلوف بن ناهض النويري المالكي قاضي المالكية بمصر كانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة وحدث عن المرسي وغيره وكان مشكور السيرة وتوفي بمصر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها الإمام القدوة بركة الوقت الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي نزيل دمشق ولد سنة خمسين وستمائة قال الذهبي كان كبير القدر ذا صدق وإخلاص وانقباض عن الناس متين الديانة قرأت عليه أوراقا من أوائل الغيلانيات وسمع من الشيخ شمس الدين ابن الشيخ أبي عمر والكمال عبد الرحيم والفخر وطائفة وقد ألف سيرة لجده في ثلاث كراريس وقال ابن كثير كان شيخا جليلا بشوش الوجه حسن السمت مقصدا لكل أحد كثير الوقار عليه سيما العبادة والخير ولم يكن له مرتب على الدولة ولا لزاويته وقد عرض عليه ذلك فلم يقبل وكان لديه علم وفضل وله فهم صحيح

(6/49)


50
ومعرفة تامة وسحن عقيدة وطوية صحيحة ومات في شهر صفر بزاويتهم في سفح قاسيون وفيها محمد بن عمر بن أحمد بن خشير الزاهد قال الشيخ عبد الرءوف المناوي في طبقاته كان عالما عاملا عارفا كاملا معروفا بالصلاح طائرا بجناح النجاح ذا كرامات مشهورة وإشارات بين القوم مذكورة وكان في بدايته يختلي في مكان مشهود له بالفضل فأقام فيه شهرا فدخل رجل فسلم وأحرم بركعتين ثم صلى ثلاثة أيام ولم يجدد وضوءا قال صاحب الترجمة فقلت هذا الرجل أعطى هذا الحال وأنت مقيم في هذا الموضع مدة ما فتح عليك بشيء ثم عزمت على الخروج فالتفت إلي وقال يقرع أحدكم بالباب مدة حتى يوشك أن يفتح له ثم يعزم على الخروج فأقمت فما تم لي أربعون يوما إلا وكلى عين ناظرة وله كلام في الحقائق يدل على كمال فضله وتوسعه في علوم المعارف فمنه المجتبى مطلوب والمنيب ( ^ يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ) والسلام على من اتبع لا من ابتدع وقال رأس مال الفقير الثقة بالله وإفلاسه الركون إلى الخلق ( ^ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) والظلم تشترك فيه العامة والخاصة بدليل إن الإنسان لظلوم فإياك والركون لغير الله فتقع في الشرك الخفي وقال التعلق بغير الله تعب في الدنيا والآخرة والإقبال عليه بالقلب راحة فيهما والتوفيق كله من الله إلا أن التعرض للنفحات مندوب قال ذلك الهادي الرشاد الشافع في الميعاد عليه الصلاة والسلام انتهى ملخصا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد المحمود بن رباطر الحراني الفقيه الزاهد نزيل دمشق الحنبلي ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة بحران وسمع بها من عيسى الخياط والشيخ مجد الدين بن تيمية وسمع بدمشق من إبراهيم بن خليل ومحمد بن عبد الهادي واليلداني وابن عبد الدايم وخطيب مردا وعنى بسماع الحديث إلى آخر عمره قال الذهبي كان فقيها زاهدا ناسكا سلفيا عارفا بمذهب الإمام أحمد وقال ابن رجب حدث وسمع منه

(6/50)


51
جماعة منهم الذهبي وصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق وسافر سنة إحدى عشرة إلى مصر لزيارة الشيخ تقي الدين بن تيمية فأسر من سبخة بردويل وبقي مدة في الأسر ويقال أن الفرنج لما رأوا ديانته وأمانته واجتهاده أكرموه واحترموه انتهى وفيها الجلال محمد بن محمد بن حسن القاهري طباخ الصوفية حدث عن ابن قميرة وابن الجميزى والساوى وطائفة وتوفي بالقاهرة قاله في العبر وفيها أبو الوليد محمد بن أبي القسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بنالحاج التجيبي القرطبي الإمام الكبير إمام محراب المالكية بدمشق ووالد إمامه كان من العلماء العاملين ومن بيت فضل وجلالة قال الذهبي حدثنا عن الفخر ابن البخاري وتوفي بدمشق في رجب وله ثمانون سنة سنة تسع عشرة وسبعمائة فيها كما قال في العبر جاء كتاب سلطاني يمنع ابن تيمية من فتياه بالكفارة في الحلف بالطلاق وجمع له القضاة وعوقب في ذلك واشتد المنع فبقي أصحابه يفتون بها خفية وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا ولم يقتل من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا ( ^ إن في ذلك لآية ) فلله الحمد على هذا النصر المبين واشتهرت هذه الكائنة وصحت لدينا قاله في العبر أيضا وفيها توفي شيخ القراء شهاب الدين حسين بن سليمان بن فزارة الكفري الحنفي قال الذهبي كان قاضيا مفتيا شيه القراء تلا بالسبع على علم الدين القسم وأخذ عنه خلق وحدث عن ابن طلحة وغيره وكان دينا خيرا فقيها توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي المقرىء قال الذهبي له مشيخة حدثنا عن عمه الرشيد بن مسلمة وابن علان وجماعة وعن السخاوي حضورا وكان فيه خير وقناعة مات بدمشق في المحرم عن سبع وسبعين

(6/51)


52
سنة وفيها مسند الوقت شرف الدين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم في الأشجار ثم السمسار في العقار سمع الصحيح بفوت من ابن الزبيدي وسمع الأربلي حضورا وسمع ابن اللتي وجعفر وكريمة والضياء وتفرد وتكاثروا عليه وكان أميا عاميا قاله في العبر وفيها سيف الدين عزلو الأمير الكبير العادلي الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين وستمائة وكان أحد الشجعان العقلاء وله تربة مليحة بقاسيون توفي بدمشق ودفن بها وفيها الإمام بدر الدين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري قال الذهبي كان صدرا كبير الرؤساء روى عن إبراهيم بن خليل والكمال الضرير وجماعة وتلا بالسبع وتفقه وكان فيه دين ونزاهة وتذكر للوزارة ومات غريبا بدمشق وله سبع وستون سنة وفيها العلامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع القرطبي تفرد بالسماع من الشلوبين والكبار وكان شيخ مالقة على الإطلاق وفيها الإمام القدوة العباد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي المقرىء حدث عن إبرهيم بن خليل وجماعة وتلا بثلاث على الكمال الضرير وتفقه وانعزل ثم اشتهر وزاره الأعيان وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبه وله سيرة ومحاسن جمة توفي بمصر في زاويته في الحسينية في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها جزم السيوطي في حسن المحاضرة في التي قبلها فقال أبو العلاء رافع بن محمد بن هجرس بن شافع الصعيدي السلامي المقرىء المحدث جمال الدين والد الحافظ تقي الدين محمد بن رافع تفقه في مذهب الشافعي على العلم العراقي وأخذ النحو عن البهاء بن النحاس وسمع من أبي الحسن ابن البخاري وجماعة وتلا على أبي عبد الله محمد بن الحسن الأربلي الضرير وتصدر للأقراء بالفاضلية ولد بدمشق سنة ثمان وستين وستمائة ومات بالقاهرة في ذي الحجة سنة ثمان عشرة وسبعمائة انتهى كلام السيوطي وفيها نخوة بنت محمد بن عبد الاقهر بن النصيبي قال الذهبي روت

(6/52)


لنا عن يوسف بن خليل
53
سنة عشرين وسبعمائة فيها توفي القاضي جمال الدين أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي الحنبلي قال الطوفي حضرت درسه وكان بارعا في الفقه والتفسير والفرائض وأما معرفة القضاء والأحكام فكان أوحد عصره في ذلك وفيها أبو الهدى أحمد بن إسمعيل بن علي بن الحباب الكاتب تفرد بأجزاء عن سبط السلفي وكان قضايا صدرا ويلقب بفخر الدين توفي بمصر عن سبع وسبعين سنة وفيها حميضة بن أبي نمى الحسني صاحب مكة كان ثم نزع الطاعة فتولى أخوه عطيفة قتله جندي التصق به في البرية غيلة ثم قتله السلطان لغدره وفيها كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي وكان خطيب المنشية قال الذهبي حدثنا عن السبط واختلط قبل موته بنحو أربعة أشهر فما أخاله حدث فيها وكان عدلا فقيها توفي في ربيع الآخر وله ثلاث وتسعون سنة وفيها شمس الدين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري ثم الدمشقي الصايغ كان نحويا لغويا أديبا بارعا ذا نظم ونثر وتصانيف تخرج به فضلاء ومات بدمشق عن خمس وسبعين سنة وفيها المسند الجليل شرف الدين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عباس القرشي التاجر الحريري المسند بن النشو قال الذهبي حدثنا عن ابن رواج وابن الجميزي وابن الحباب وتفرد بعوالي وتوفي بدمشق في شوال عن ثمانين سنة وفيها المعمر الصالح أمين الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلي الصفار روى عن صفية القرشية وشعيب الزعفراني والساوى وابن خليل وتفرد وأكثروا عنه وتوفي في شوال بدمشق أيضا عن نيف وتسعين سنة قال الذهبي

(6/53)


54
سنة إحدى وعشرين وسبعمائة فيها توفي بهاء الدين إبراهيم بن المفتى شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي قال الذهبي حدثنا عن ابن مسلمة وابن علان والمرسي وله أوقاف على البر وفيه خير وتصون وكاني كره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق وكان عدلا مسندا توفي بدمشق في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة وفيها نور الدين إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الضيعة الحميري الأسنائي ويقال الأسنوي نسبة إلى اسنا بلد بصعيد مصر الأعلى الشافعي قال الأسنوي في طبقاته كان إماما عالما ماهرا في فنون كثيرة ملازما للاشتغال والاشغال والتصنيف دينا خيرا أخذ في بلده عن البهاء القفطي وهاجر إلى القاهرة في صباه فلازم الشمس الأصبهاني شارح المحصول والبهاء بن النحاس الحلبي النحوي وغيرهما من شيوخ العصر وصنف تصانيف حسنة بليغة في علوم كثيرة وتولى أعمالا كثيرة بالديار المصرية آخرها الأعمار القوصية ثم صرف عنها في أواخر سنة عشرين وسبعمائة لقيام بعض كتاب أهل الدولة عليه لكونه لم يجبه إلى ما لا يجوز تعاطيه فاستوطن القاهرة وشرع في الاشتغال والتصنيف على عادته واجتمعت عليه الفضلاء فعاجلته المنية وتوفي في أوائل السنة وقد قارب السبعين انتهى وفيها خطيب الفيوم الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدين أحمد بن القاضي معين الدين أبي بكر الهمداني المالكي كان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم عزى به الناس أخاه شرف الدين المالكي وفيها تاج الدين أحمد بن المجير محمد بن الشيخ كمال الدين علي بن شجاع القرشي العباسي روى عن جده الكمال الضرير وابن رواج والسبط وحدث بالكرك لما ولى نظرها وكان رئيسا محتشما توفي بمصر في جمادى الأولى وله تسع وسبعون سنة وفيها الشيخ مجد الدين إسمعيل

(6/54)


55
ابن الحسين بن أبي التايب الأنصاري الكاتب المعدل روى عن مكي بن علان والرشيد العراقي وجماعة وطلب بنفسه وأخذ النحو عن ابن مالك وكتب الطباق والإجازات وتوفي ببستانه بقرية جوبر وفيها صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر يوسف بن عمر التركماني كانت دولته بضعا وعشرين سنة وكان عالما فاضلا سايسا شجاعا جوادا له كتب عظيمة نحو مائة ألف مجلد وكان يحفظ التنبيه وغير ذلك وتوفي بتعز في ذي الحجة وفيها العارف الكبير نجم الدين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشافعي تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي جاور بمكة مدة وانتقد عليه الشيخ على الواسطي أنه مع ذلك لم يزر النبي وتوفي بمكة في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة وفيها العدل المسند علاء الدين علي بن يحيى بن علي الشاطبي الدمشقي الشروطي روى شيئا كثيرا وسمع ابن المسلمة وابن علان والمجد الأسفراييني وعدة وتفرد وتوفي في رمضان من خمس وثمانين سنة وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان بن مشرق بن رزين الأنصاري الدمشقي الكتاني ثم الخشاب المعمار روى عن التقى بن العز وغيره وبالإجازة عن ابن اللتى وابن المقير وابن الصفراوي وتوفي بدمشق في ذي الحجة عن اثنتين وتسعين سنة وفيها تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المهلبي حمل عن إسمعيل بن عرون والنجيب وطبقتهما وحصل وتعب ثم انقطع ولزم المنزل مدة وكان صوفيا محدثا رحالا ساء خلقه آخرا وتوفي بمصر وفيها شيخ الشيعة وفاضلهم محمد بن أبي بكر بن أبي القسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني كان لا يغلو ولا يسب معينا ولديه فضائل روى عن ابن مسلمة والعراقي ومكي بن علان وتلا بالسبع وله نظم كثير وأخذ عن أبي صالح الرافضي الحلبي وأخذه معه صاحب المدينة منصور فأقام بها سنوات وكان يتشيع به سنة ويتسنن

(6/55)


56
به رافضة وفيه اعتزال توفي بدمشق في صفر عن ست وثمانين سنة وفيها سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي روى عن ابن اللتي حضورا وعن جعفر والمرسي وطائفة وأجاز له ابن روزبة والقطيعي وعدة وتفرد واشتهر اسمه وبعد صيته مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع قال الذهبي وتفرد بإجازة ابن صباح فيما أرى وهو والد المحدث شمس الدين توفي بالصالحية في ذي الحجة عن تسعين سنة وتسعة أشهر وفيها عالم المغرب الحافظ العلامة أبو عبد الله بن رشيد الفهري في المحرم بفاس عن أربع وستين سنة قاله في العبر سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة فيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي شيخ الإسلام وإمام المقام كان صاحب حديث وفقه وخلاص وتأله روى عن شعيب الزعفراني وابن الجميزي وعبد الرحمن بن أبي حرمى والمرسي وعدة وأجاز له السخاوي وغيره وخرج لنفسه التساعيات وتفرد بأشياء وتوفي بمكة في ربيع الأول وله ست وثمانون سنة وفيها الزاهد الكبير قال في العبر جلال الدين إبراهيم ابن شيخنا زين الدين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي بن القلانسي الكاتب روى عن ابن عبد الدايم والكرماني ودخل مصر منجفلا وانقطع في مسجد فتغالوا فيه ونوهوا بذكره وعظموه وبنوا له زاوية واشتهر وحصل لأخيه عز الدين الحسبة ونظر الخزانة وتوفي المترجم بالقدس في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة وفيها المعمرة الرحلة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة سمعت ابن اللتي والهمداني وتفردت بأجزاء كالثقفيات ومسندي عبد والدارمي وارتحلت إليها الطلبة وحدثت بمصر والمدينة النبوية وماتت ببيت المقدس وفيها زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصر بن رواحة الأنصاري الجميزي الشافعي سمع من

(6/56)


57
جده لأمه أبي القسم بن رواحة وصفية القرشية وتفرد ورحل إليه وله إجازات من ابن روزبة والسهروردي وعدة وتوفي بأسيوط في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة وكان رئيسا معمرا كاتبا وفيها نصير الدين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التغلبي التكريتي ثم الدمشقي الصدر الكبير صاحب الأموال من أبناء السبعين سمع الرضى والبرهان والنجيب وابن عبد الدايم وفيها تقي الدين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري كان محدثا زاهدا له رحلة وفضائل وروى عن النجيب وابن علاق ومرض بالفالج مدة ثم توفي بمصر في ذي القعدة وفيها المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي النجدي كان ذا خشية وعبادة وتلاوة وقناعة سمع من المرسي وخطيب مردا وأجاز له ابن القبيطي وكريمة وخلق وروى الكثير ومات بالسفح في صفر عن بضع وثمانين سنة وفيها قطب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي المصري الشافعي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وتفقه بابن رزين وغيره وسمع من الدمياطي وغيره وتقدم في العلم ودرس بالمدرسة الحسامية ثم الفاضلية وولي وكالة بيت المال وناب في الحكم وصنف تصحيح التعجيز وأحكام المبعض واستدراكات على تصحيح التنبيه للنووي واختصر قطعة من الروضة قال السبكي كان فقيها كبيرا تخرجت به المصريون وقال الأسنوي كان إماما حافظا للمذه بعارفا بالأصول دينا خيرا سريع الدمعة متواضعا حسن التعليم متلطفا بالطلبة توفي بالقاهرة في ذي الحجة ودفن بالقرافة وسنباط بلدة من أعمال المحلة وفيها السيد المعمر الإمام محي الدين محمد بن عدان بن حسن الحسيني الدمشقي قال الذهبي ولي نظر الحلق والسبع مدة وكان عبادا كثير التلاوة جدا تخضع له الشيعة وهو والد النقيبين زين الدين حسين وأمين الدين جعفر وجد النقيب ابن عدنان وابن عمه عاش ثلاثا وتسعين سنة وكانت له معرفة وفضيلة وفيه انجماع وانقباض عن الناس وفيها أو في التي قبلها الأديب شمس

(6/57)


الدين محمد بن
58
على المازني كان يعرف الأنغام ويعمل الشعر ويلحنه ويغني به فمن ذلك قوله ( لا تحسبوا أنني عن حبكم سالي * وحياتكم لم يزل حالي بكم حالي ) ( أرخصتم في هواكم مدنفا صلفا * وهو العزيز الذي عهدي به غالي ) ( سكنتم في فؤادي وهو منزلكم * لا عشت يوما أراه منكم خالي ) ( يا هاجرين بلا ذنب ولا سبب * قطعتم بسيوف الهجر أوصالي ) ( إن كان يوسف أوصى بالجمال لكم * فإن والده بالحزن أوصى لي ) وفيها الإمام أقضى القضاة شمس الدين محمد بن شرف الدين أبي البركات محمد بن الشيخ أبي العز الأذرعي الحنفي كان فاضلا فقيها بصيرا بالأحكام حكم بدمشق نحو عشرين سنة وخطب بجامع الأفرم مدة ودرس بالظاهرية والقليجية والمعظمية وأفتى وفيها العلامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي المالكي روى عن الموطأ عن ابن أبي الربيع عن ابن بقي وكان صاحب فنون وولي خطابة سبتة ثلاثين عاما وتفقهوا عليه ثم حج وبقي بمكة سبع سنين ومات بها في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة وفيها مجد الدين محمد بن محمد بن علي بن الصيرفي سبط ابن الحبوبي روى عن أبي اليسر ومحمد بن النشى وشهد وحضر المدارس وقال الشعر وعمل لنفسه مجلدا ضخما وكان متواضعا ساكنا توفي في رمضان بدمشق عن إحدى وستين سنة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فيها توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي ويعرف بابن سعفور ويلقب بعمى سمع من المرسى حضورا ومن محمد بن عبد الهادي وخطي بمردا وطائف وأجاز له السبط وكان خيرا كيسا متعففا منقطعا توفي بقاسيون في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة وفيها قاضي

(6/58)


59
القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد بن الرئيس الكبير عماد الدين محمد بن المعدل أمين الدين سالم بن الحافظ بهاء الدين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الربعي الدمشق الشافعي سمع الحديث من جماعة وقرأ للسبع وجود الخط على ابن المهتار وأتقن الأقلام السبعة ودرس بالأمينية وغيرها واستمر على القضاء إلى أن مات وكان حسن الأخلاق كثير التودد كريم المجالسة مليح المحاضرة حسن الملتقى متواضعا جدا له مشاركة في فنون شتى وعنده حظ من الأدب والنظم ومن نظمه ( ومهفهف بالوصل جاد تكرما * فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا ) ( مازلت الثم ما حواه ثغره * حتى أعدت الورد فيه بنفسجا ) توفي ببستانه بالسهم وحمل الصوفية نعشه إلى الجامع المظفري وصلى عليه الشيخ برهان الدين الفزاري ودفن بتربته بالقرب من الركنية وفيها الفاضل الأدي بالعدل شهاب الدين أحمد بن محمد عرف بابن دمرداش كان جنديا فلما كبر وشاخ ترك ذلك وصار شاهدا بمركز الرواحية وله شعر كثير لطيف منه قوله ( أقول لمسواك الحبيب لك الهنا * بلثم فم ما ناله ثغر عاشق ) ( فقال وفي أحشائه حرق الجوى * مقالة صب للديار مفارق ) ( تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى * أعلله بين العذيب وبارق ) وله ( يا قمري إن جئت وادي الأراك * وقبلت أغصانه الخضر فاك ) ( فارسل إلى عبدك من بعضها * فإنني والله مالي سواك ) وله دوبيت قيل أن الشيخ صدر الدين بن الوكيل قال وددت أنه يأخذ جميع شيء قلته ويعطينه وهو ( الصب بك المنعوب والمعتوب * والقلب بك المسلوب والملسوب ) ( يا من طلبت لحاظه سفك دمى * مهلا ضعف الطالب والمطلوب ) وفيها الرئيس شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة التاجر المشهور كان

(6/59)


60
فقيرا معدما ففتح الله تعالى عليه بحيث بلغت زكاته ثمانين ألفا وكان فيه بر وخير وبنى مدرسة بذرع وتوفي بدمشق ودفن بتربته على طريق القابون وفيها مؤرخ الآفاق العالم المتكلم كما الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الفضل بن العباس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشيباني المروزي الأصل البغدادي الأخباري الكاتب المؤرخ الحنبلي ابن الصابوني ويعرف بابن الفوطي محركا نسبة إلى بيع الفوط وكان الفوطي المنسوب إليه جده لأمه ولد في سابع عشر محرم سنة اثنتين وأربعين وستمائة بدار الخلافة من بغداد وسمع بها من الصاحب محي الدين بن الجوزي ثم أسر في واقعة بغداد وخلصه النصير الطوسي الفيلسوف وزير الملاحدة فلازمه وأخذ عنه علوم الأوائل وبرع في الفلسفة وغيرها وأمده بكتابة الزيج وغيره من علم النجوم واشتغل على غيره في اللغة والأدب حتى برع ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس وأقام بمراغة مدة وولي بها كتب الرصد بضع عشرة سنة وظفر بها بكتب نفيسة وحصل من التواريخ ما لا مزيد عليه وسمع بها من المبارك بن المستعصم بالله سنة ست وستين ثم عاد إلى بغداد وبق يبها إلى أن مات وسمع ببغداد الكثير وعنى بالكثير وعد من الحفاظ حتى ذكره الذهبي في طبقاتهم وقال له النظم والنثر والباع الأطول في ترصيع تراجم الناس وله ذكاء مفرط وخط منسوب رشيق وفضائل كثيرة وسمع منه الكثير وعنى بهذا الشأن وجمع وأفاد فلعل الحديث أن يكفر عنه به وكتب من التواريخ ما لا يوصف وعمل تاريخا كبيرا لم يبيضه ثم عمل آخر دونه في خمسين مجلدا سماه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب وله كتاب درر الأصداف في غر رالأوصاف وهو كبير جدا ذكر أنه جمعه من ألف مصنف وكتاب المؤتلف والمختلف رتبة مجدولا وكتاب التاريخ على الحوادث وكتاب حوادث المائة السابعة وإلى أن مات وكتب نظم الدرر الناصعة في شعر المائة

(6/60)


السابعة في عدة مجلدات وذكر الذهبي
61
أيضا في المعجم المختص أنه خرج معجما لشيوخه فبلغوا خمسمائة شيخ بالسماع والإجازة قال وذيل على تاريخ شيخه ابن الساعي نحوا من ثمانين مجلدا وله تلقيح الإفهام في تنقيح الأوهام وله أشياء كثيرة في الأنساب وغيرها وقد تكلم في عقيدته وفي عدالته قال وهو في الجملة أخباري علامة ما هو بدون أبي الفرج الأصبهاني وكان ظريفا متواضعا حسن الأخلاق الله يسامحه توفي في ثالث المحرم ببغداد ودفن بالشونيزية وفيها مسند الشام بهاء الدين القسم بن مظفر بن الندم محمود بن تاج الأمناء ابن عساكر حضر في سنة تسع وعشرين وستمائة على مشهور النيرباني وحضر ابن عساكر وكريمة وعبد الرحيم بن عساكر وابن المقير وسمع من ابن اللتي وجماعة وأجاز له مشايخ البلاد وبلغ معجمه سبع مجلدات وألحق الصغار بالكبار ووقف أماكن على المحدثين وكان طبيبا مؤرخا وخرج له البرزالي مشيخة وابن طغرلبك معجما كبيرا جمع فيه شيوخه فبلغوا أكثر من خمسمائة وسبعين شيخا وتوفي بدمشق في شعبان عن أربع وتسعين سنة وفيها خطب صفد وعالمها بها نجم الدين حسن بن محمد الصفدي تقدم في الأدب والمعقول وله تآليف وتوفي في رمضان وهو من أبناء الثمانين وفيها شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الأحد بن عمر بن نجيح الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الإمام سمع من الفخر بن البخاري وغيره وطلب الحديث وقرأ بنفسه وتفقه وأفتى وصح بالشيخ تقي الدين بن تيمية ولازمه وكان صحيح الذهن جيد المشاركة في العلوم من خيار الناس وعقلائهم وعلمائهم توفي في ذي الحجة بوادي بني سالم في رجوعه من الحج وحمل إلى المدينة النبوية فدفن بالبقيه وكان كهلا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمود الجيلي نزيل بغداد المدرس للحنابلة بالبشيرية كان إماما فقيها عالما فاضلا له مصنف في الفقه لم يتمه سماه الكفاية ذكر فيه أن الإمام أحمد

(6/61)


نص على أن من وصى بقضاء الصلاة المفروضة عند نفذت وصيته توفي ببغداد في يوم الثلاثاء عاشر جمادى
62
الأولى وفيها الأمير الصاحب الوزير نجم الدين محمد بن عثمان بن الصفي البصروي الحنفي ولي الحسبة ثم الخزانة ثم الوزارة ثم الإمرة ودرس أولا بمدرسة بصرى وكان فاضلا مقدم خيول عربية فتقدم في ذلك وتوفي ببصرى كهلا وفيها مسند الوقت شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن مميل بن الشيرازي الدمشقي سمع من جده القاضي أبي نصر والسخاوي وجماعة وبمصر من العلم بن الصابوني وابن قميرة وأجاز له أبو عبد الله بن الزبيدي والحسين ابن السيد وقاضي حلب بن شداد وخلق وله مشيخة وعوال وروى الكثير وكان ساكنا وقورا منقبضا له كفاية وكبر سنه وأكثر ولم يختلط وتوفي بالمزة ليلة عرفة عن أربع وتسعين سنة وشهرين وفيها صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم القرافي الصوفي كان محدثا لغويا إماما سمع الكثير وكتب وتعب واشتهر وحدث عن النجيب والكمال وكان شافعيا حفظ التنبيه مع دين وتصون ومعرفة توفي بدمشق بالمارستان في جمادى الآخرة وله ست وسبعون سنة وفيها صاحب الأجرومية أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي النحوي المشهور بابن آجروم بفتح الهمزة الممدودة وضم الجيم والدال المشددة ومعناه بلغة البربر الفقير الصوفي صاحب المقدمة المشهورة بالجرومية قال ابن مكتوم في تذكرته نحوى مقرى له معلومات من فرائض وحساب وأدب بارع وله مصنفات وأراجيز وقال غيره المشهور بالبركة والصلاح ويشهد لذلك عموم النفع بمقدمته ولد بفاس سنة اثنتين وسبعين وستمائة وتوفي بها في صفر سنة أربع وعشرين وسبعمائة فيها كان الغلاء المفرط بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياما ثم جلب القمح من مصر بالزام سلطاني لأمرائه فنزل إلى مائة وعشرين درهما ثم بقي أشهرا ونزل السعر بعد شدة وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني

(6/62)


63
وكان على الغرارة ثلاثة دراهم ونصف قاله في العبر وفيها توفي القاضي المعمر العدل شمس الدين أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي سمع من ابن الصلاح من سنن البهيقي وتوفي بدمشق في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة وفيها وزير الشرف على شاه بن أبي بكر التبريزي كان سنيا معظما لصاحب مصر محبا له توفي بأرجان في جمادى الآخرة وقد شاخ وفيها الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن العلم هبة الله بن السديد المصري وكيل السلطان أسلم كهلا في أيام الجاشنكير وكان كاتبه وتمكن من السلطان غاية التمكن بحيث صار الكل إليه وبيده العقد والحل وبلغ من الرتبة ما لا مزيد عليه وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان وكان حسن الخلق عاقلا خيرا سمحا داهية وقورا مرض نوبة فزينت مصر لعافيته وكان يعظم الدينين وله بر وإيثار عمر البيارات وأصلح الطرق وعمر جامع القبيبات وجامع القابون وأوقف عليهما الأوقاف ثم انحرف عليه السلطان وكبه فنفى إلى الشويكة ثم إلى القدس ثم إلى أسوان فأصبح مشنوقا بعمامته ولما أحسن بالقتل صلى ركعتين وقال هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء أعطاني السلطان الدنيا والآخرة وشنق وقد قارب السبعين وفيها الحافظ الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم بن دواد بن سلمان بن سليمان أبو الحسن بن العطار الشافعي ويلقب بمختصر النووي سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وغيرهما ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة وتفقه على الشيخ محي الدين النووي وأخذ العربية عن جمال الدين بن مالك وولي مشيخة دار الحديث النورية وغيرها ومرض بالفالج أزيد من عشرين سنة وكان يحمل في محفة وكتب الكثير وحمله ودرس وأفتى وصنف أشياء مفيدة قال الذهبي خرجت له معجما في مجلد انتفعت به وأحسن إلي باستجازته لي كبار المشيخة وله فضائل وتأله وأتباع وقال ابن كثير له مصنفات مفيدة وتخاريج ومجاميع وقال غيره هو أشهر

(6/63)


64
أصحاب النووي وأخصهم به لزمه طويلا وخدمه وانتفع به وله معه حكايات واطلع على أحواله وكتب مصنفاته وبيض كثيرا منها وعده في الحفاظ العلامة ابن ناصر الدين وأثنى عليه توفي بدمشق في ذي الحجة عن سبعين سنة وفيها الإمام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن أبو الحسن البكري المصري الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة وسمع مسند الشافعي من وزيرة بنت المنجا واشتغل وأفتى ودرس وكان يذكر نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولما دخل ابن تيمية إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه قاله ابن شهبة وقال السبكي في الطبقات الكبرى صنف كتابا في البيان وكان من الأذكياء سمعت الوالد يقول أن ابن الرفعة أوصى بأنه يعمل شرحه على الوسيط وكان رجلا جيدا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وقد واجه مرة الملك الناصر بكلام غليظ فأمر السلطان بقطع لسانه حتى شفع فيه وقال الأسنوي تحيا بمجالسته النفوس ويتلقى بالأيدي فيحمل على الرؤس تقمص بأنواع الورع والتقى وتمسك بأسباب التفى فارتقى كان عالما صالحا نظارا ذكيا متصوفا أوصى إليه ابن الرفعة بأن يكمل ما بقي من من شرحه على الوسيط لما علم من أهليته لذلك دون غيره فلم يتفق ذلك لما كان يغلب عليه من التخلي والانقطاع والإقامة والأعمال الخيرية تنقل بأعمال مصر لأن الملك الناصر منعه من الإقامة بالقاهرة ومصر إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وفيها الشيخ ركن الدين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبى الشاهد بن جابى الأحباس تفرد عن السبط بجزء شيبان وبالدعاء للمحاملي ومشيخته وتوفي بالثغر في صفر عن خمس وثمانين سنة وفيها قاضي حلب زين الدين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصار ولي حلب نيفا وعشرين سنة وقبلها ولي بعلبك وناب بدمشق وولي حمص وكان مسمتا مليح الشكل فاضلا وتوفي عن سبعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن الإمام جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجر بقي

(6/64)


الشافعي قال الذهبي الضال الذي
65
حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مدة بعد أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة فتغيب عن دمشق وأقام بمصر بالجامع الأزهر وتردد إليه جماعة وكان الشيخ صدر الدين يتردد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه وكان يرى الناس بوارق شيطانية وكان له قوة تأثير وشهد عليه أيضا بما أبيح دمه به منهم الشيخ مجد الدين التونسي فسافر إلى العراق ثم سعى أخوه بحماة حتى حكم الحنبلي بعصمة دمه فغضب المالكي وجدد الحكم بقتله وكان أولا فقيها بالمدارس ثم حصل له كشف شيطاني فضل به جماعة وكان يتنقص بالأنبياء ويتفوه بعظائم ثم قدم القابون مختفيا وسكن بها إلى أن مات في ربيع عن ستين سنة وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي ثم المصري الخطيب الحنبلي قال ابن رجب الإمام الصد رالفقيه خطيب دمشق وحلب سمع الحديث وتفقه بالديار المصرية وحفظ المحرر وشرحه على ابن حمدان ولازمه مدة من السنين حتى قرأه عليه وبرع في الفقه وكان ابن حمدان يشكره ويثني عليه كثيرا واشتغل بالكتابة واتصل بالأمير سنقر المنصوري بحلب وولاه نظر الأوقاف وخطابة جامعها وصرف عنه جلال الدين القزويني وولي ابن الحداد حينئذ نظر المارستان ثم ولي حسبة دمشق ونظر الجامع واستم رفي نظره إلى حين وفاته وعين لقضاء الحنابلة في وقت وتوفي ليلة الأربعاء سابع جمادى بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي ولد سنة خمس وسبعين وستمائة وأسمعه والده الكثير من المسلم بن علان وابن أبي عمر وطبقتهما وسمع المسند والكتب الكبار وتفقه وأفتى ودرس بالمسمارية وكان من خواص أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية وملازمية حضرا وسفرا وكان مشهورا بالديانة والتقوى ذا خصال جميلة وعلم وشجاعة روى عنه الذهبي في معجمه وقال كان إماما فقيها حسن الفهم صالحا

(6/65)


66
متواضعا توفي إلى رضوان الله في رابع شوال ودفن بسفح قاسيون وفيها أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنا كان عاقلا نبيلا فيه خير وهو أخو مهنا توفي بسلمية في أحد الربيعين عن نيف وسبعين سنة ودفن عند أبيه سنة خمس وعشرين وسبعمائة في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول وبقيت كالسفينة وساوى الماء الأسوار وغرق أمم لا تحصى وعظمت الاستغاثة بالله تعالى ودام خمس ليال وقيل تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت قال الذهبي ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله تعالى وبقيت البواري عليها غبار حول القبر صح هذا عندنا وفيها توفي شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحق بن يحيى الآمدي الحنفي روى كثيرا عن ابن خليل وعن عيسى الخياط وعدة وطلب الحديث وحصل أصولا بمروياته قال الذهبي خرج له ابن المهندس معجما قرأته توفي بدمشق في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة رحمه الله تعالى وفيها الأديب الأمشاطي أحمد بن عثمان قيم الشام في نظم الزجل كان فردا في وقته وكان كاتبا في دار البطيخ ومن نظمه ( وفتاك اللواحظ بعد هجر * وفي كرما وأنعم بالمزار ) ( وظل نهاره يرمي بقلبي * سهاما من جفون كالشفار ) ( وعند الليل قلت لمقلتيه * وحكم النوم في الاجفان سار ) ( تبارك من توفاكم بليل * ويعلم ما جرحتم بالنهار ) وفيها كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدين بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار صاحب التاريخ الكبير ورأس الميسرة ونايب مصر قبل أرغون توفي في رمضان بمصر عن ثمانين سنة قال ابن حجر في الدرر الكامنة هو صاحب

(6/66)


67
التاريخ المشهور في خمسة وعشرين مجلدا وقال الذهبي كان عاقلا وافر الهيبة كبير المنزلة وقال غيره كان كثير الأدب حنفي المذهب عاقلا قد أجيز بالإفتاء والتدريس وله يد ومعروف كثير الصدقة سرا ويلازم الصلاة في الجماعة وغالب نهاره في سماع الحديث والبحث في العلوم وليله في القرآن والتهجد مع طلاقة الوجه ودوام البشر رحمه الله وفيها الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح توفي في صفر وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر وفيها جمال الدين أحمد بن علي اليمني المعروف بالعامري وهو ابن أخت إسمعيل الحضرمي شارح المهذب قال الأسنوي كان شافعيا عالما جليلا شرح الوسيط في نحو ثمانية أجزاء وشرح أيضا التنبيه شرحا لطيفا وتولى قضاء المهجم ومات بها وفيها صد رالدين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب القاضي العالم الزاهد الورع أبو الربيع الهاشمي الجعفري المعروف بخطيب داريا ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه على الشيخين تاج الدين الفزاري ومحي الدين النووي وولي خطابة داريا وأعاد بالناصرية وناب في الحكم مدة سنين واستسقى الناس به سنة تسع عشرة فسقوا وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطيار بينهما ثلاثة عشر أبا ثم أنه ول يخطابة جامع التوبة وترك نيابة الحكم قال الذهبي كان يتزهد في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله وفيه تواضع وترك للرياسة والتصنع وفراغ عن الرعونات وسماحة ومروءة ورفق وكان لا يدخل حماما حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد وكان عارفا بالفقه وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنه وإلى فقير وربما نزل في طريق داريا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة رحمه الله توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند شيخه تاج الدين وفيها الشيخ المعمر عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي سبط اليلداني سمع من جده كثيرا ومن الرشيد العراقي وابن خطي بالقرافة

(6/67)


وشيخ الشيوخ الحموي
68
وأجاز له الضياء والسخاوي وسمع منه نايب السلطنة الآثار للطحاوي ووصله ورتب له مرتبا ثم أضر وعجز وتوفي بدمشق في ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة وفيها أول الملوك العثمانية خلد الله دولتهم وهو السلطان عثمان بن طغربك بن سليمان شاه بن عثمان تولى صاحب الترجمة سنة تسع وتسعين وستمائة فأقام ستا وعشرين سنة نقل القطبي أن أصله من التركمان الرحالة النزالة من طائفة التتار ويتصل نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام انتهى ونقل صاحب درر الأثمان في أصل منبع آل عثمان أن عثمان جدهم الأعلى من عرب الحجاز وأنه هاجر من الغلاء لبلاد قرمان واتصل باتباع سلطانها في سنة خمسين وستمائة وتزوج من قونيا فولد له سليمان فاشتهر أمره بعد عثمان ثم تسلطن وهو الذي فتح برصا في حدود ثلاثين وسبعمائة ثم تسلطن بعد سليمان ولده عثمان حواى الأصغر ويقال هو الذي افتتح برسبا وأنه أول ملوك بني عثمان فإنه استقل بالملك وأما أبواه فكانا تابعين للملوك السلجوقية ونقل بعض المؤرخين أن أصل ملوك بني عثمان من المدينة المورة فالله أعلم ولما ظهر جنكزخان أخر بلاد بلخ فخرج سليمان شاه بخمسين ألف بيت إلى أرض الروم فغرق في الفرات فدخل ولده طغربك الروك فأكرمه السلطان علاء الدين السلجوقي سلطان الروم فلما مات طغربك خلف أولادا أمجادا أشدهم بأسا وأعلاهم همة عثمان صاحب الترجمة فنشأ مولعا بالقتال والجهاد في الكفار فلما أعجب السلطان علاء الدين السلجوقي ذلك منه أرسل إليه الراية السلطانية والطبل والزمر فلما ضربت النوبة بين يديه قام على قدميه تعظيما لذلك فصار قانونا مستمرا لآل عثمان إلى الآن يقومون عند ضرب النوبة ثم بعد ذلك تمكن من السلطنة واستعل بالأمر وافتتح من الكفارة عدة قلاع وحصون رحمه الله تعالى قاله الشيخ مرعي في نزهة الناظرين وفيها الإمام المحدث نور الدين علي بن جابر الهاشمي اليمني الشافعي شيخ الحديث حدث عن زكي البيلقاني وعرض عليه

(6/68)


الوجيز للغزالي وله مشاركات وشهرة وتوفي بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة وفيها علاء الدين بن النصير
69
محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي روى عن الكمال الضرير الشاطبية وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وطلب وكتب وتفقه وشارك في العلم وتميز في كتابة الحكم والشروط وتوفي بدمشق عن ثمانين سنة وفيها شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق العلامة المعروف بابن الصايغ الشافعي شيخ القراء بالديار المصرية قرأ الشاطبية على الكمال الضرير والكمال على مصنفه ابن فارس واشتهر وأخذ عنه خلق ورحل إليه وكان ذا دين وخير وفضيلة ومشاركة قوية قال الأسنوي رحل إليه الطلبة من أقطار الأرض لأخذ علم القراءة عليه لانفراده بها رواية ودراية وأعاد بالطيرسية والشريفية وغيرهما وتوفي بمصر في صفر عن أربع وتسعين سنة وفيها العلامة الورع نور الدين محمد بن إبراهيم بن الأسيوطي الشافعي حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة وتفقه به الطلبة وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس وتوفي بالكرك وفيها شهاب الدين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي أبو الثناء كاتب السر الحنبلي قال الذهبي علامة الأدب وعلم البلاغيين وكاتب السر بدمشق حدث عن ابن البرهان ويحيى بن الحنبلي وابن مالك وخدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة وكان يكتب التقاليد على البديه وقال ابن رجب في طبقاته تعلم الخط المنسوب ونسخ بالأجرة بخطه الأنيق كثيرا واشتغل بالفقه على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدين بن مالك وتأدب بالمجد بن الظهير وغيره وفتح له في النظم والنثر ثم ترقت حاله واحتيج إليه وطلب إلى الديار المصرية واشتهر اسمه وبعد صيته وصار المشار إليه في هذا الشأن في الديار المصرية والشامية وكان يكتب القاليد الكبار بلا مسودة وله تصانيف في الإنشاء وغيره ودون الفضلاء نظمه ونثره ويقال لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله وله من

(6/69)


الخصائص ما ليس للفاضل من كثرة القصائد المطولة الحسنة الانيقة وبقي في ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة بدمشق ومصر وولي كتابة السر بدمشق نحوا من ثمانين سنين قبل موته
70
وحدث وروى عنه الذهبي في معجمه وقال كان دينا خيرا متعبدا مؤثرا للانقطاع والسكون حسن المحاورة كثير الفضايل وتوفي بدمشق ليلة السبت ثاني عشرى شعبان ودفن بتربته التي أنشاها بالقرب من اليعمورية وولى بعده ابنه شمس الدين ومن شعره أي الشهاب محمود ( يا من أضاف إلى الجمال جميلا * لا كنت إن طاوعت فيك عذولا ) ( عوضتني من نار هجرك جنة * فسكنت ظلا من رضاك ظليلا ) ( ومننت حين منحتني سقما به * أشبهت خصرك رقة ونحولا ) ( وسلكت بي في الحب أحسن مسلك * لم يبق لي نحو السلو سبيلا ) ( ولرب ليل مثل وجهك بدره * ودجاه مثل مديد شعرك طولا ) ( أرسلت لي فيه الخيال فكان لي * دون الأنيس مؤانسا وخليلا ) ( إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي * لا نال قلبي من وصالك سولا ) وله في حراث ( عشقت حراثا مليحا غدا * في يده المساس ما أجمله ) ( كأنه الزهرة قدامه الثور * يراعي مطلع السنبله ) وفيها سراج الدين يونس بن عبد المجيد بن علي الأرمنتي نسبة إلى أرمنت من صعيد مصر الأعلى ولد بها في المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة واشتغل بقوص على الشيخ مجد الدين القشيري وأجازه بالفتوى ثم ورد مصر فاشتغل على علمائها وسمع من الرشيد العطار وغيره وصار في الفقه من كبار الأئمة مع فضله في النحو والأصول وغير ذلك وتصدر لإفادة الطلبة وصنف كتابا سماه المسائل المهمة في اختلاف الأئمة وكتاب الجمع والفرق وولاه ابن بنت الأعز قضاء أخميم ثم صار يتنقل في أقاليم الديار المصرية مشكور السيرة محمود الحال إلى أن تولى القوصية فأقام بها سنين قليلة فلسعه ثعبان في المهشد بظاهر قوص فمات به في ربيع الآخر وذكر قبل موته بقليل أنه لم يبق أحد في الديار المصرية أقدم منه في الفتوى

(6/70)


71
وكان أديبا شاعرا حسن المحاضرة وجد بعضهم مكتوبا بخطه على ظهر كتاب له ( الحال مني يا فتى * يغني عن الخبر المفيد ) ( فبغير سكين ذبحت * فؤاد حر في الصعيد ) فكان كذلك لم يخرج من قوص كما سبق وله البيتان المعروفان في الكفاءة ( شرط الكفاءة حررت في ستة * ينبيك عنها بيت شعر مفرد ) ( نسب ودين صنعة حرية * فقد العيوب وفي اليسار تردد ) قاله الأسنوي سنة ست وعشرين وسبعمائة فيها في شعبانها أخذ ابن تيمية وحبس بقلعة دمشق في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن يؤنسه وعزروا جماعة من أصحابه منهم ابن القيم وفيها توفي زين الدين أبو بكر بن يوسف المري بن الحريري الشافعي كان عالما متواضعا مقريا بالسبع أخذ عن الزواوي وحفظ الفقه والنحو وحدث عن خطيب مردا والبكري وابن عبد الدايم وله جهات وكان مقريا مدرسا توفي بدمشق في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها الخطيب المسند تقي الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي الحنبلي سمع من خطيب مردا السيرة وسمع من اليلداني والبكري ومحمد بن عبد الهادي حضورا ومن إبرهيم بن خليل وأجاز له السبط وجماعة وكان يخطب جيدا بالجامع المظفري وتوفي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة وفيها المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي ابن الواسطي الصالحية المحدثة سمعت جزاء ابن عرفة من عبد الحق حضورا وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره وأجاز لها جعفر الهمذاني وكريمة وأحمد بن المعز وابن القسطي وعدد كثير وكانت مشاركة صالحة مباركة روت الكثير وهي والدة فاطمة بنت الدباهي توفيت في ربيع الآخر عن ثلاث وتسعين سنة

(6/71)


72
وفيها الفاضل الأديب الحسن بن أحمد بن زفر الأربلي سافر وتغرب ودخل إلى بلاد العجم واشتغل بالطب واستوطن دمشق وأقام بها صوفيا بدويرة حمد إلى أن مات وكان يعرف النحو والأدب والتاريخ ومن شعره ( وإذا المسافر آب مثل مفلسا * صفر اليدين من الذي رجاه ) ( وخلا عن الشيء الذي يهديه * للأخوان عند لقائهم إياه ) ( لم يفرحوا بقدومه وتثقلوا * بوروده وتكرهوا لقياه ) ( وإذا أتاهم قادما بهدية * كان السرور بقدر ما أهداه ) وفيها الزاهد الكبير الشيخ حماد التاجر بن القطان كان يقرىء القرآن ويحكي عجايب عن الفقراء وفيه زهد وتعفف ويحضر السماع ويصيح وله وقع في القلوب توفي بالعقيبة عن ست وتسعين سنة وفيها الشيخ علاء الدين علي بن محمد السكاكري الشاهد كان رأسا في كتابة الشروط وفيه شهامة وحط على الكبار ولكنه متحرز في الشهادة ساء ذهنه بأخرة وأجاز له عبد العزيز بن الزبيدي وهبة الله بن الواعظ وغيرهما وسمع من ابن عبد الدايم وجماعة وتوفي في المحرم عن ثمانين سنة وفيها خطيب المدينة وقاضيها سراج الدين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري الشافعي حدث عن الرشيد وأجازه الشرف المرسي والمنذري وتفقه بابن عبد السلام قليلا ثم بالسديد التزمنتي والنصير بن الطباخ وخطب بالمدينة أربعين سنة ثم سافر إلى مصر ليتداوى فأدركه الموت بالسويس عن تسعين سنة وفيها العالم المسند شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بن الهيجاء بن الزراد الصالحي روى شيئا كثيرا وتفرد قال الذهبي وخرجت له مشيخة روى عن البلخي ومحمد بن عبد الهادي والبلداني وخطيب مردا والبكري وكان يروي السند والسيرة ومسند أبي عوانة والأنواع والتقاسيم ومسند أبي يعلى وأشياء وافتقر واحتاج وتغير ذهنه قبل موته ولم يختلط وتوفي بقاسيون عن ثمانين سنة وفيها شمي الدين

(6/72)


73
أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الزيني الصالحي الفقيه الحنبلي قاضي قضاة المدينة المنورة ولد سنة اثنتين وستين وستمائة وتوفي أبوه سنة ثمان وستين وكان من الصالحين فنشأ يتيما فقيرا وكان قد حضر على ابن عبد الدايم وعمر الكرماني وسمع من ابن البخاري وطبقته وأكثر عن ابن الكمال وعنى بالحديث وتفقه وأفتى وبرع في العربية وتصدى للاشتغال والإفادة واشتهر اسمه مع الديانة والورع والزهد والاقتناع باليسير ثم بعد موت القاضي تقي الدين سليمان ورد تقليده للقضاء في صفر سنة ست عشرة موضعه فتوقف في القبول ثم استخار الله تعالى وقبل بعد أن شرط أن لا يلبس خلعة حرير ولا يركب في المواكب قال الذهبي في معجمه برع في المذهب والعربية واقرأ الناس مدة على ورع وعفاف ومحاسن جمة ثم ولي القضاء بعد تمنع فشكر وحمد ولم يغير زيه واجتهد في الخير وفي عمارة أوقاف الحنابلة وكان من قضاة العدل والح قلا يخاف في الله لومة لائم وهو الذي حكم على ابن تهيمية بمنعه من الفتيا بمسائل الطلاق وغيرها مما يخالف المذهب وقد حدث وسمع منه جماعة وخرج له المحدثون تخاريج عدة وحج ثلاث مرات ثم حج رابعة فتمرض في طريقه فورد المدينة المنورة يوم الإثنين ثالث عشرى ذي القعدة وهو ضعيف فصلى في المسجد وسلم على النبي وكان بالأشواق إلى ذلك في مرضه ثم مات عشية ذلك اليوم وصلى عليه بالروضة الشريفة ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل رضي الله عنه وفيها كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري الشافعي حدث عن النجيب وجماعة وقرأ عليه ولده الإمام نور الدين صحيح البخاري وله عليه حواش بخطه المنسوب وكان إماما قاضيا توفي بمصر عن إحدى وسبعين سنة وفيها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين عبد الله اليونيني الحنبلي المؤخ ولد بدمشق سنة أربعين وستمائة وسمع من أبيه ومن ابن عبد الدايم وعبد العزيز شيخ

(6/73)


شيوخ حماة وبمصر من الرشيد العطار وإسمعيل بن صارم وجماعة وأجاز له ابن رواج
74
والبشيري قال الذهبي كان عالما فاضلا مليح المحاضرة كريم النفس معظما جليلا حدثنا بدمشق وبعلبك وجمع تاريخا حسنا ذيل به على مرآة الزمان واختصر المرآة قال وانتفعت بتاريخه ونقلت منه فوائد جمة وقد حسنت في آخر عمره حالته وأكثر من العزلة والعبادة وكان مقتصدا في لباسه وزيه صدوقا في نفسه مليح الشيبة كثير الهيبة وافر الحرمة توفي ببعلبك عن ست وثمانين سنة ودفن عند أخيه بباب سطحا وفيها جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي المقري الفقيه الحنبلي الأديب النحوي المتفنن قرأ بالروايات وسمع الحديث من محمد بن حلاوة وعلي بن حصين وعبد الرزاق الفوطي وغيرهم وقرأ بنفسه على ابن الطبال وأخذ عن ابن القواس شارح الفية ابن معطي الأدب والعربية والمنطق وغير ذلك وتفقه بالشيخ تقي الدين الزيزراني وكان معيدا عنده بالمستنصرية قال الطوفي استفدت منه كثيرا وكان نحوى العراق ومقريه عالما بالأدب له حظ من الفقه والأصول والفرائض والمنطق وقال ابن رجب نالته في آخر عمره محنة واعتقل بسبب موافقته الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسئلة الزيارة وكتابته عليها مع جماعة من علماء بغداد وتخرج به جماعة وتوفي في حادي عشر شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها كبير السادة الأشراف ناصر الدين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة وكان رئيسا وسيما حدث عن خطيب مردا وذكر للنقابة وفيها هلك قتلا بالسيف ناصر بن أبي الفضل ضربت عنقه لثبوت زندقته على قاضي القضاة شرف الدين بن مسلم الحنبلي ونقل الثبوت إلى قاضي القضاة شرف الدين المالكي فأنفذه وحكم بإراقة دمه وعدم قبول توبته وأن أسلم مع العلم بالخلاف وطلع معه عالم عظيم فصلى ركعتين وضربت عنقه وكان في ابتداء أمره من أحسن الناس صورة حسن الصوت وعاشر الكبار وانتفع بهم وكان كثير المزح والمجون ولما كبر اجتمع

(6/74)


بمحلولي العقيدة متل ابن المعمار والباجر بقي والنجم بن خلكان وغيرهم فانحلت عقيدته وتزندق من غير علم فشهد عليه فهرب إلى بلاد الروم ثم قدم حلب واجتمع بالشيخ كمال الدين
75
ابن الزملكاني فأكرمه واستتابه ثم ظهر منه زندقة عظيمة فسيره إلى دمشق فضربت عنقه وهو من أبناء الستين وفرح الناس بذلك ثم ضربت عنق توما الراهب الذي أسلم من ثلاث سنين وارتد سرا ثم أفشى ذلك عند المالكي فقتل وأحرق ولم يتكهل وهو بعلبكي وفيها هلك المعمر فضل الله بن أبي الفخر بن السقاعي النصراني الكاتب ببستانه بارزة ودفن في مقابر النصارى وكان خبيرا في صناعته باشر ديوان المرتجع ثم نقل إلى ديوان البرنم ثم انقطع عن ذلك كله وكانت عنده فضيلة في دينه جمع الأناجيل الأربعة إنجيل متى ومرقص ولوقا ويوحنا وجعلها إنجيلا واحدا في كتاب بألسنة مختلفة عبراني وسرياني وقبطي ورومي وذكر في كل فصل ما قاله الآخر وذكر اختلاف الحواريين وبين عباراتهم وكان يقول أنه يحفظ التوراة والإنجيل والمزامير وكان المكين بن العميد النصراني قد عمل تاريخا من أول العالم إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة فكتبه ابن السقاعي بخطه وذيل عليه إلى سنة عشرين وسبعمائة واختصر تاريخ ابن خلكان وذيل عليه وعمل وفيات المطربين وغير ذلك وقارب مائة سنة سنة سبع وعشرين وسبعمائة فيها توفي الشيخ نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن مكي بن يس القرشي المخزومي القمولي بالفتح والضم نسبة إلى قمولة بلد بصعيد مصر المصري الشافعي قال الأسنوي تسربل بسربال الورع والتقى وتعلق بأسباب الرقى فارتقى وغاص مع الأولياء فركب في فلكهم وأكرمهم حتى انتظم في سلكهم كان إماما في الفقه عارفا بالأصول والعربية صالحا سليم الصدر كثير الذكر والتلاوة متواضعا متوددا كريما كبير المروءة شرح الوسيط شرحا مطولا أقرب تناولا من شرح ابن الرفعة وإن كان كثير الاستمداد منه وأكثر فروعا منه أيضا بل لا أعلم كتابا في

(6/75)


76
المذهب أكثر مسائل منه سماه البحر المحيط في شرح الوسيط ثم لخص أحكامه خاصة كتلخيص الروضة من الرافعي سماه جواه رالبحر وشرح مقدمة ابن الحاجب في النحو شرحا مطولا وشرح الأسماء الحسنى في مجلد وكمل تفسير ابن الخطيب وتولى تدريس الفخرية بالقاهرة ونيابة الحكم توفي في رجب ودفن بالقرافة وفيها الرئيس العابد الأمين ضياء الدين إسمعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي الكاتب سمع من خطيب القرافة وشيخ الشيوخ وكان ذا حظ من صيام وقيام وإطعام وإيثار تام بصيرا بالحساب شارف الجامع مدة والخزانة وتوفي بتدمشق في صفر عن اثنتين وتسعين سنة وفيها الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاني المغربي ويعرف باللحياني وقد وزر أبوه لابن عمه المستنصر بتونس مدة اشتغل زكريا في الفقه والنحو فبرع في ذلك وتملك يونس وحج سنة تسع وسبعمائة ورجع فبايعوه في سنة إحدى عشرة ولقبوه بالقايم بأمر الله فاستمر سبع سنين ثم تحول إلى طرابلس المغرب وأخذت منه تونس فتوجه إلى الأسكندرية في سنة إحدى وعشرين فسكنها وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم أعتى ابن تومرت من الخطب وتوفي بالثغر عن بضع وثمانين سنة وفيها المفتي الزاهد القدوة شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه الإمام المتقن أبو محمد أخو الشيخ تقي الدين ولد في حادي عشر محرم سنة ست وستين وستمائة بحران وقدم مع أهله إلى دمشق رضيعا فحضر بها على ابن أبي اليسر وغيره ثم سمع ابن علان وابن الصيرفي وخلقا وسمع المسند والصحيحين وكتب السنن وتفقه في المذهب حتى أفتى وبرع أيضا في الفرائض والحساب وعلم الهيئة وفي الأصلين والعربية وله مشاركة قوية في الحديث ودرس بالحنبلية مدة وكان صاحب صدق وإخلاص قانعا باليسير شريف النفس شجاعا مقداما مجاهدا زاهدا عابدا ورعا يخرج من بيته ليلا ويأوي إليه نهارا ولا

(6/76)


يجلس في مكان معين بحيث يقصد فيه لكنه يأوي المساجد المهجورة خارج البلد
77
فيختلي فيها للصلاة والذكر وكان كثير العبادة والتأله والمراقبة والخوف من الله تعالى ذا كرامات وكشوف كثير الصدقات والإيثار بالذهب والفضة في حضره وسفره مع فقره وقلة ذات يده وكان رفيقه في المحمل في الحج يفتش رحله فلا يجد فيه شيئا ثم يراه يتصدق بذهب كثير جدا وهذا أمر مشهور معروف عنه وحج مرات متعددة وكان له يد طولى في معرفة تراجم السلف ووفياتهم في التواريخ المتقدمة والمتأخرة وجلس مع أخيه مدة في الديار المصرية وقد استدعى غير مرة وحده للمناظرة فناظر وأفحم الخصوم وسئل عنه الشيخ كمال الدين بن الزملكاني فقال هو بارع في فنون عديدة من الفقه والنحو والأصول ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم حسن العبارة قوي في دينه مليح البحث صحيح الذهن قوي الفهم رحمه الله قاله ابن رجب وذكره الذهبي في المعجم وغيره وأثنى عليه كثيرا توفي رحمه الله تعالى يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى بدمشق وصلى عليه الظهر بالجامع وحمل إلى القلعة فصلى عليه أخواه تقي الدين وعبد الرحمن وغيرهما صلى عليه أخواه في السجن لأن التكبير عليه كان يبلغهم وكان وقتا مشهودا ثم صلى عليه مرة ثالثة ورابعة وحمل على الرؤوس والأصابع فدفن في مقابر الصوفية وفيها الشيخ عز الدين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الكردي الشافعي ويعرف بابن خطيب الأشمونين قال ابن شهبة سمع من عبد الصمد بن عساكر بمكة وسمع بدمشق وغيرها من جماعة وتفقه وتفنن وفاق الأقران وكان قد عين لقضاء دمشق بعد موت ابن صصرى فلم يتفق ودرس وأفتى وصنف على حديث الأعرابي الذي جامع في رمضان كتابا نفيسا مشتملا على ألف فائدة وفائدة وولي قضاء قوص وقضاء المحلة ثم قدم القاهرة فمات بها في رمضان انتهى وقال السبكي له تصانيف كثيرة حسنة وأدب وشعر وفيها المعمر شمس الدين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم

(6/77)


الصالحي سمع من عبد الحق حضورا ومن ابن قميرة والمرسي واليلداني وأجاز له الضياء الحافظ وابن يعيش
78
النحوي وروى جملة وتفرد وتوفي في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها النور علي بن عمر بن أبي بكر الداني الصوفي سمع من ابن رواح والسبط والمرسي وتفرد بعوالي وكان دينا خيرا أضر ثم أبصر وتوفي بمصر في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها قاضي القضاة صدر الدين علي بن الإمام صفي الدين أبي القسم بن محمد بن عثمان بن محمد البصراوي الحنفي ولد في رجب سنة اثنين وأربقعين وستمائة بقلعة بصرى وكان من أكابر علماء الحنفية اشتغل على قاضي القضاة شمس الدين بن عطاء ودرس في المقدمية والخاتونية البرانية والنورية وولي القضاء وكان متحريا في أحكامه متعه الله بسمعه وبصره وجميع حواسه إلى أن توفي ببستانه بأرض سطرا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن القسم بن أبي العز بن الوراق الموصلي المقري الفقيه الحنبلي المحدث النحوي ويعرف بابن الخروف ولد في حدود الأربعين وستمائة بالموصل وقرأ بها القراءات على عبد الله بن إبراهيم الجزري الزاهد وقصد الإمام أبا عبد الله شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت ثم رحل ابن خروف إلى بغداد بعد الستين وقرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السبع والعشر على الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش ولازمه مدة طويلة وقرأ القراءات أيضا على أبي الحسن بن الوجوهي وسمع الحديث منهما ومن ابن وضاح وذكر الذهبي أنه حفظ الخرقي وعنى بالحديث وقرأ في التفسير على الكواشي المفسر بالموصل وقرأ بها أيضا على الغرنوي معالم التنزيل للبغوي وتصدى للأقراء والاشتغال ببلده مدة وقرأ عليه جماعة وقدم الشام سنة سبع عشرة فسمع منه الذهبي والبرزالي وذكره في معجمه وأثنى عليه وسمع منه أيضا أبو حيان وعبد الكريم الحلبي وذكره في معجمه ورجع إلى بلده الموصل فتوفي بها في ثامن جمادى الأولى ودفن بمقبرة المعافى بن عمران رضي الله عنه وفيها الشيخ

(6/78)


كمال الدين أبو المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري الشافعي بن خطيب زملكا ويعرف بابن الزملكاني ولد في شوال سنة سبع وقيل
79
ست وستين وستمائة وسمع من جماعة وطلب الحديث بنفسه وكتب الطباق بخطه وقرأ الفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري والأصول على بهاء الدين بن الزكي والصفي الهندي والنحو على بدر الدين بن مالك وجود الكتابة على نجم الدين ابن البصيص وكتب الإنشاء مدة وولي نظر الخزانة مدة ووكالة بيت المال ونظر المارستان ودرس بالعادلية الصغرى وتربة أم الصالح ثم بالشامية البرانية والظاهرية الجوانية والعدراوية والرواحية والمسرورية وجلس بالجامع للأشغال وله تسع عشرة سنة أرخ ذلك شيخه الشيخ تاج الدين ثم ولي قضاء حلب سنة أربع وعشرين بغير رضاه ودرس بها بالسلطانية والسيفية والعصرونية والأسدية ثم طلب إلى مصر ليشافهه السلطان بقضاء الشام فركب البريد فمات قبل وصوله إلى مصر ومن مصنفاته الرد على ابن تيمية في مسئلة الزيارة والرد عليه في مسألة الطلاق قال ابن كثير في مجلد قال وعلق قطعة كبيرة من شرح المنهاج للنووي وله كتاب في فضل الملك على البشر قال الذهبي في معجمه المختص شيخنا عالم العصر طلب بنفسه وقرأ على الشيوخ ونظر في الرجال والعلل وكان عذب القراءة سريعا وكان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء زمانه ودرس وأفتى وصنف وتخرج به الأصحاب وقال ابن كثير انتهت إليه رياسة المذهب تدريسا وإفتاء ومناظرة برع وساد أقرانه وحاز قصب السبق عليهم بذهنه الوقاد وتحصيله الذي أسهره ومنعه الرقاد وعبارته التي هي أشهى من السهاد وخطه الذي هو أنضر من أزاهير المهاد إلى أن قال أما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس يدرس أحسن منه ولا أجل من عبارته وحسن تقريره وجودة احترازاته وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظره توفي في رمضان ببلبيس وحمل إلى القاهرة ودفن جوار قبة الشافعي رضي الله عنه وفيها فخر الدين

(6/79)


محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الصقلي ضبطه بعضهم بفتح الصاد والقاف وبعضهم بفتح الصاد وكسر القاف نسبة إلى جزيرة صقلية في بحر الروم الشافعي تفقه في القاهرة على الشيخ قطب الدين السنباطي
80
وناب في القضاء بظاهر القاهرة وصنف التنجيز في الفقه وهو التعجيز إلا أنه يزيد فيه التصحيح على طريقة النووي ويشير إلى تصحيح الرافعي بالرموز وزاد فيه بعض قيود قال السبكي كان فقيها فاضلا دينا ورعا توفي بالقاهرة في ذي القعدة وفيها القاضي الأديب شمس الدين محمد بن الشهاب محمود كاتب السر توفي في شوال عن ثمان وخمسين سنة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فيها نقض رخام الحائط القبلي من ناحية جامع دمشق الغربية فوجد الحائط منحدبا فنقض كأنه تغير من زلزلة فأخبر إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا فبنى وأحدث فيه محراب للحنفية وجدد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة وأركان القبة وفيها توفي الإمام القدوة عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي الشافعي من ولد موسى الكاظم سمع من والده وحليمة بنت ولد جمال الإسلام والبادراي وجماعة وأجاز له ابن يعيش وابن رواج ونسخ بالأجرة وتفرد مع التقوى والعلم والورع توفي بالثغر في المحرم عن تسعين سنة وفيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني الحنبلي بل المجتهد المطلق ولد بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة وقدم به والده وباخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين فسمع الشيخ بها ابن عبد الدابم وابن أبي اليسر والمجد بن عساكر ويحيى بن الصيرفي والقسم الأربلي والشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وغيرهم وعنى بالحديث وسمع المسند مرات والكتب الستة ومعجم الطبراني الكبير وما لا يحصى من الكتب والأجزاء وقرأ بنفسه وكتب بخطه جملة من الأجزاء وأقبل على العلوم في صغره فأخذ الفقه والأصول عن والده وعن الشيخ شمس

(6/80)


الدين بن أبي عمر والشيخ زين الدين بن المنجا وبرع في ذلك وناظر وقرأ العربية
81
على ابن عبد القوي ثم أخذ كتاب سيبويه فتأمله وفهمه وأقبل على تفسير القرآن الكريم فبرز فيه واحكم أصول الفقه والفرائض والحساب والجبر والمقابلة وغير ذلك من العلوم ونظر في الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على أهله ورد على رؤسائهم وأكابرهم ومهر في هذه الفضائل وتأهل للفتوى والتدريس وله دون العشرين سنة وأفتى من قبل العشرين أيضا وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ وقوة الإدراك والفهم وبطء النسيان حتى قال غير واحد أنه لم يكن يحفظ شيئا فينساه ثم توفي والده وله إحدى وعشرون سنة فقام بوظائفه بعده مدة فدرس بدار الحديث التنكزية المجاورة لحمام نور الدين الشهيد في البزورية في أول سنة ثلاث وثمانين وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي والشيخ تاج الدين الفزاري وابن المرحل وابن المنجا وجماعة فذكر درسا عظيما في البسملة بحيث بهر الحاضرين وأثنوا عليه جميعا قال الذهبي وكان الشيخ تاج الدين الفزاري يبالغ في تعظيم الشيخ تقي الدين بحيث أنه علق بخطه درسه بالتنكرية ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم وشرع من أول القرآن فكان يورد في المجلس من حفظه نحو كراسين أو أكثر وبقي يفسر في سورة نوح عدة سنين أيام الجمع وقال الذهبي في معجم شيوخه شيخنا وشيخ الإسلام وفريد العصر علما ومعرفة وشجاعة وذكاء وتنويرا إلهيا وكرما ونصحا للأمة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر سمع الحديث وأكثر بنفسه من طلبه وكتب وخرج ونظر في الرجال والطبقات وحصل ما لم يحصله غيره وبرع في تفسير القرآن وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال وخاطر وقاد إلى مواضع الأشكال ميال واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها وبرع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظ من الحديث معزوا إلى أصوله وصحابته مع شدة استحضار له وقت إقامة الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف

(6/81)


المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين بحيث أنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب بل بما يقوم دليله عنده وأتقن العربية أصولا وفروعا
82
وتعليلا واختلافا ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين ورد عليهم ونبه على خطأهم وحذر ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين وأوذى في ذات الله من المخالفين وأخيف في نصر السنة المحضة حتى أعلى الله مناره وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له وكبت أعداءه وهدى به رجالا كثيرة من أهل الملل والنحل وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبا وعلى طاعته وأحيا به الشام بل الإسلام بعد أن كاد ينثلم خصوصا في كائنة التتار وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلى فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى مثل نفسه انتهى كلام الذهبي وكتب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني تحت اسم ابن تيمية كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا حابسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها وكتب الحافظ ابن سيد الناس في جواب سؤالات الدمياطي في حق ابن تيمية الفيته ممن أدرك من العلوم حظا وكان يستوعب السنن والآثار حفظا أن تكلم في التفسير فهو حامل رايته وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته أو دان بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته أو حاضر بالحنل والملل لم ير أوسع من نحلته ولا أرفع من درايته برز في كل فن على أبناءه جنسه ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه وقال الذهبي في تاريخه الكبير بعد ترجمة طويلة بحيث يصدق عليه أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث وترجمة ابن الزملكاني أيضا ترجمة طويلة وأثنى عليه ثناء عظيما وكتب تحت ذلك ( ماذا يقول الواصفون له

(6/82)


*
وصفاته جلت عن الحصر ) ( هو حجة لله باهرة * هو بيننا أعجوبة الدهر )
83 (
هو آية للخلق ظاهرة * أنوارها أربت على الفجر ) وللشيخ أثير الدين أبي حيان النحوي لما دخل الشيخ مصر واجتمع به فأنشد أبو حيان ( لما رأينا تقي الدين لاح لنا * داع إلى الله فردا ما له وزر ) ( على محياه من سيما الأولى صحبوا * خير البرية نور دونه القمر ) ( حبر تسربل منه دهره حبرا * بحر تقاذف من أمواجه الدرر ) ( قام ابن تيمية في نصر شرعتنا * مقام سيد تيم إذ عصت مضر ) ( فأظهر الدين إذ آثاره درست * وأحمد الشرك إذ طارت له شرر ) ( يا من تحدث عن علم الكتاب أصخ * هذا الإمام الذي قد كان ينظر ) يشير بهذا إلى أنه المجدد وممن صرح بذلك الشيخ عماد الدين الواسطي وقد توفي قبل الشيخ وقال في حق الشيخ بعد ثناء طويل جميل ما لفظه فوالله ثم والله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية علما وعملا وحالا وخلقا واتباعا وكرما وحلما وقياما في حق الله عند انتهاك حرماته أصدق الناس عقدا وأصحهم علما وعزما وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة وأسخاهم كفا وأكملهم اتباعا لنبيه محمد ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل يشهد القلب الصحيح إن هذا هو الاتباع حقيقة وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد سئل عن ابن تيمية بعد اجتماعه به كيف رأيته فقال رأيت رجلا سائر العلوم بين عينيه يأخذ ما شاء منها ويترك ما شاء فقيل له فلم لا تتناظرا قال لأنه يحب الكلام وأحب السكوت وقال برهان الدين بن مفلح في طبقاته كتب العلامة تقي الدين السبكي إلى الحافظ الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين بن تيمية فالمملوك يتحقق قدره وزخاره بحره وتوسعته في العلوم الشرعية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وأنه بلغ من ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف والمملوك يقول ذلك دائما وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل مع ما جمعه الله له من

(6/83)


الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه
84
على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل في أزمان انتهى وقال العلامة الحافظ ابن ناصر الدين في شرح بديعته بعد ثناء جميل وكلام طويل حدث عنه خلق منهم الذهبي والبرزالي وأبو الفتح بن سيد الناس وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا الأكياس وقال الذهبي في عد مصنفاته المجودة وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسماية مجلدة وأثنى عليه الذهبي وخلق بثناء حميد منهم الشيخ عماد الدين الواسطي العارف والعلامة تاج الدين عبد الرحمن الفزاري وابن الزملكاني وأبو الفتح وابن دقيق العيد وحسبه من الثناء الجميل قول أستاذ أئمة الجرح والتعديل أبي الحجاج المزي الحافظ الجليل قال عنه ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا اتبع لهما منه وترجمه بالاجتهاد وبلوغ درجته والتمكن في أنواع العلوم والفنون ابن الزملكاني والذهبي والبرزالي ابن عبد الهادي وآخرون ولا يخلف بعده من يقاربه في العلم والفضل انتهى كلام ابن ناصر الدين ملخصا وكان الشيخ العارف بالله أبو عبد الله ابن قوام يقول ما أسلمت معارفنا إلا على يد ابن تيمية وقال ابن رجب كانت العلماء والصلحاء والجند والأمراء والتجار وسائر العامة تحبه لأنه منتصب لنفعهم ليلا ونهارا بلسانه وعلمه ثم قال ابن رجب وغيره ذكر نبذة من مفرداته وغرائبه اختار ارتفاع الحدث بالمياه المعتصرة كماء الورد ونحوه والقول بأن المائع لا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا أن يتغير قليلا كان أو كثيرا والقول بجواز المسح على النعلين والقدمين وكلما يحتاج في نزعه من الرجل إلى المعالجة باليد أو بالرجل الأخرى فإنه يجوز المسح عليه مع القدمين واختار أن المسح على الخفين لا يتوقت مع الحاجة كالمسافر على البريد ونحوه وفعل ذلك في ذهابه إلى الديار المصرية على خيل البريد ويتوقت مع إمكان النزع

(6/84)


وتيسره واختار جواز المسح على اللفايف ونحوها واختار جواز التيم بخشية فوات الوقت في حق غير المعذور كمن أخر الصلاة عمدا حتى تضايق وقتها وكذا من خشي فوات الجمعة والعيدين وهو محدث
85
واختار أن المرأة إذا لم يمكنها الاغتسال في البيت وشق عليها النزول إلى الحمام وتكرره أنها تتيمم وتصلي واختار أن لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لسن الإياس وأن ذلك يرجع إلى ما تعرفه كل امرأة من نفسها واختار أن تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء ولا يشرع له بل يكثر من النوافل وأن القصر يجوز في قصير السفر وطويله كما هو مذهب الظاهرية واختار القول بأن البكر لا تستبرأ وإن كانت كبيرة كما هو قول ابن عمر واختاره البخاري صاحب الصحيح والقول بأن سجود التلاوة لا يشترط له وضوء كما هو مذهب ابن عمر واختيار البخاري والقول بأن من أكل في شهر رمضان معتقدا أنه ليل وكان نهارا لا قضاء عليه كما هو الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإليه ذهب بعض التابعين وبعض الفقهاء بعدهم والقول بجواز المسابقة بلا محلل وإن أخرج المتسابقان والقول باستبراء المختلعة بحيضة وكذلك الموطوءة بشبهة والمطلقة آخر ثلاث تطليقات والقول بإباحة وطء الوثنيات بملك اليمين وجواز طواف الحائض ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرا والقول بجواز بيع الأصل بالعصير كالزيتون بالزيت والسمسم بالسيرج والقول بجواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي وغيره كالخاتم ونحوه بالفضة متفاضلا وجعل الزايد من الثمن في مقابلة الصنعة والقول ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الافتاء بها محن وقلاقل قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق وأن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة وأن الطلاق المحرم لا يقع وله في ذلك مؤلفات كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط وقال ابن رجب مكث الشيخ معتقلا في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ثم مرض بضعة وعشرين يوما ولم

(6/85)


يعلم أكثر الناس بمرضه ولم يفجأهم إلا موته وكانت وفاته في سحر ليلة الإثنين عشرى ذي القعدة ذكره مؤذن القلعة على منارة الجامع وتكلم به الحرس على الأبرجة فتسامع الناس بذلك وبعضهم علم به في منامه واجتمع الناس حول القلعة حتى أهل
86
الغوطة والمرج ولم يطبخ أهل الأسواق ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين وفتح باب القلعة واجتمع عند الشيخ خلق كثير من أصحابه يبكون ويثنون وأخبرهم أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه ختم هو والشيخ منذ دخلا القلعة ثمانين ختمة وشرعا في الحادية والثمانين وانتهيا إلى قوله تعالى ( ^ إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) فشرع حينئذ الشيخان الصالحان عبد الله بن المحب الصالحي والزرعي الضرير وكان الشيخ يحب قراءتهما فابتدآ من سورة الرحمن حتى ختما القرآن وخرج من عند من كان حاضرا إلا من يغسله ويساعد على تغسيله وكانوا جماعة من أكابر الصالحين وأهل العلم كالمزي وغيره وما فرغ من تغسليه حتى امتلأت القلعة وما حولها بالرجال فصلى عليه بدركاة القلعة الزاهد القدوة محمد بن تمام وضج الناس حينئذ بالبكاء والثناء والدعاء بالترحم وأخرج الشيخ إلى جامع دمشق وصلوا عليه الظهر وكان يوما مشهوا لم يعهد بدمشق مثله وصرخ صارخ هكذا تكون جنايز أئمة السنة فبكى الناس بكاء كثيرا وأخرج من باب البريد واشتد الزحام وألفى الناس على نعشه مناديلهم وصار النعش على الرؤس يتقدم تارة ويتأخر أخرى وخرجت جنازته من باب الفرج وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج وعظم الأمر بسوق الخيل وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبد الرحمن ودفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية وحزر من حضر جنازته بمائتي ألف ومن النساء بخمسة عشر ألفا وختمت له ختمات كثيرة رحمه الله ورضي عنه وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن بدر الجزري ثم الصالحي المقرىء الفقيه الحنبلي ولد في حدود

(6/86)


السبعين وستمائة وقرأ بالروايات على الشيخ جمال الدين البدري وسمع من جماعة من أصحاب ابن طبرزد والكندي ولزم المجد التونسي وأخذ عنه علم القراءات حتى مهر فيها وأقبل على الفقه وصحب القاضي ابن مسلم مدة وانتفع به وكان من خيار الناس دينا وعقلا وحياء ومروءة وتعففا أقرأ القراءات وحدث وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة قاله ابن رجب
87
وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المقرىء الفقه الحنبلي الأصولي النحوي شهاب الدين بن الشيخ تقي الدين ولد سنة سبع أو ثمان وأربعين وستمائة وسمع من خطيب مرادا وابن حصورا وابن عبد الدايم وارتحل إلى مصر بعد الثمانين فقرأ بها القراءات على الشيخ حين الراشدي وصحبه إلى أن مات وقرأ الأصول على شهاب الدين القرافي المالكي والعربية على بهاء الدين بن النحاس وبرع في ذلك وتفقه في المذهب وقدم دمشق ثم تحول إلى حلب وأقرأ بها ثم استوطن بيت المقدس وتصدر لأقراء القراءات والعربية وصنف شرحا كبيرا للشاطبية وشرحا آخر للرائية في الرسم وشرحا لالفية ابن معطى وصنف تفسيرا وأشياء في القراءات ذكره الذهبي في معجم شيوخه فقال كان إماما مقرئا بارعا فقيها نحويا نشأ إلى اليوم في صلاح ودين وزهد سمعت منه مجلس البطاقة وانتهت إليه مشيخة بيت المقدس وذكر البرزالي أنه حج وجاو ربمكة وأنه يعد في العلماء الصالحين الأخيار وقال قرأت عليه بدمشق والقدس عدة أجزاء وتوفي بالقدس سحر يوم الأحد رابع رجب وذكر الدبيثي أنه مات فجأة وفيها الشيخ جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية قال ابن قاضي شهبة في طبقاته مولده في رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من جماعة واشتغل وبرع وقال ابن كثير درس بالمستنصرية مدة طويلة نحو أربعين سنة وباشر نظر الأقاف وعين لقضاء القضاة في وقت وأفتى من سنة سبع وخمسين وإلى أن مات وذلك إحدى وسبعون سنة وهذا شيء غريب جدا وكان

(6/87)


قوي النفس له وجاهة في الدولة كم كشفت به كربة عن الناس بسعيه وقصده وقال السبكي ولي قضاء القضاة بالعراق وقال الكتبي انتهت إليه رياسة الشافعية ببغداد ولم يكن يومئذ من يماثله ولا يضاهيه في علومه وعلو مرتبته وعين لقضاء القضاة فلم يقبل توفي في شوال ببغداد وله تسعون سنة وثلاثة أشهر ودفن بداره وكان وقفها على شيخ وعشرة صبيان يقرؤن القرآن ووقف عليها أملاكه كلها وفيها الفقيه المعمر جمال
88
الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة وسمع من النور البلخي والمرسي ومحمد بن عبد الهادي وطائفة توفي بالصالحية في ذي القعدة وفيها عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي قال الذهبي الإمام الواعظ مسند العراق شيخ المستنصرية مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة سمع من عجيبة كثيرا وابن الخير وابن قميرة وأخيه وطائفة وتفرد ومات ببغداد في جمادى الأولى وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدمشقي الحنفي بن الحريري ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة وحدث عن ابن الصيرفي والقط ببن عصرون وابن أبي اليسر وكان عادلا مهيبا صارما دينا رأسا في المذهب وتوفي بمصر في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وسبعمائة فيها توفي العلامة شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل الشافعي بل شافعي الشام ولد في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة وسمع الكثير من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وعدة وله مشيخة خرجها العلائي وأخذ عن والده وبرع وأعاد في حلقته وأخذ النحو عن عمه شرف الدين ودرس بالبادرائية بعد وفاة أبيه وخلفه في أشغال الطلبة والافتاء ولازم الاشتغال والتصنيف وحدث بالصحيح مرات وعرض عليه القضاء فامتنع وباشر الخطابة بعد موت عمه مدة يسيرة ثم تركها وصنف

(6/88)


التعليقة على التنبيه في نحو عشر مجلدات وله تعليقة على مختصر ابن الحاجب في الأصول وله مصنفات أخر ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه ووجوهه مع علمه متون الأحكام وعلم الأصول والعربية وغير ذلك وسمع الكثير وكتب مسموعاته وكان يدري علوم الحديث مع الدين والورع وحسن السمت والتواضع توفي
89
بالبادرائية في جمادى الأولى ودفن بباب الصغير عند أبيه وعمه وفيها مجد الدين أبو الفدا إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن الفراء الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي شيخ المذهب ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة بحران وقدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين فسمع بها الكثير من ابن أبي عمر وابن الصيرفي والكمال عبد الرحيم وابن البخاري والأربلي وابن حامد الصابوني وغيرهم وطلب بنفسه وسمع المسند والكتب الكبار وتفقه بالشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وغيره ولازمه حتى برع في الفقه وتصدى للأشغال والفتوى مدة طويلة وانتفع به خلق كثير مع الديانة والتقوى وضبط اللسان والورع في المنطق وغيره واطراح التكلف في الملبس وغيره قال الطوفي كان من أصلح خلق الله وأدينهم كأن على رأسه الطير وكان عالما بالفقه والحديث وأصول الفقه والفرائض والجبر والمقابلة وقال الذهبي كان شيخ الحنابلة وقال غيره يقال أنه أقرأ المقنع مائة مرة وكان عديم التكلف يحمل حاجته بنفسه وليس له كلام في غير العلم ولا يخالط أحدا وأوقاته محفوظة وقال هو ما وقع في قلبي الترفع على أحد من الناس فانى أخبر بنفسي ولست أعرف أحوال الناس وقال ابن رجب كان سريع الدمعة سمعت بعض شيوخنا يذكر عنه أنه كان لا يذكر النبي في دروسه إلا ودموعه جارية ولا سيما أن ذكر شيئا من الرقائق أو أحاديث الوعيد ونحو ذلك وقد قرأ عليه عامة أكابر شيوخنا ومن قبلهم حتى الشيخ تقي الدين الذريراتي شيخ العراق وحدث وسمع منه جماعة منهم الذهبي وغيره وتوفي ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى بالمدرسة الجوزية

(6/89)


ودفن بمقابر الباب الصغير وفيها الصاحب الأمجد رئيس الشام عز الدين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي كان محتشما معظما متنعما عمل الوزارة وغيرها وروى عن البرهان وابن عبد الدايم وتوفي في ذي الحجة عن ثمانين سنة وأشهر قاله في العبر وفيها الإمام تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسمعيل بن أبي البركات بن مكي بن أحمد الذريراتي ثم البغدادي الحنبلي
90
فقيه العراق ومفتي الآفاق ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وستمائة وحفظ القرآن وله سبع سنين وسمع الحديث من إسمعيل بن الطبال وخلائق وتفقه ببغداد على جماعة منهم الشيخ مفيد الدين الحربي وغيره ثم ارتحل إلى دمشق فقرأ بها المذهب على الشيخ زين الدين بن المنجا والشيخ مجد الدين الحراني ثم عاد إلى بلده وبرع في الفقه وأصوله ومعرفة المذهب والخلاف والفرائض ومتعلقاتها وكان عارفا بأصول الدين وبالحديث وبأسماء الرجال والتواريخ وباللغة والعربية وغير ذلك وانتهت إليه معرفة الفقه بالعراق وكان يحفظ الهداية والخرفي وذكر أنه طالع المغنى للشيخ موفق الدين ثلاثا وعشرين مرة وكان يستحضر أكثره وعلق عليه حواشي وفوايد قال ابن رجب انتهت إليه رياسة العلم ببغداد من غير مدافع وأقر له الموافق والمخالف وكان الفقهاء من ساير الطوائف يجتمعون به ويستفيدون منه في مذاهبهم ويتأدبون معه ويرجعون إلى قوله ويردهم عن فتاويهم فيذعنون له ويرجعون إلى ما يقوله حتى ابن المطهر شيخ الشيعة كان الشيخ يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له ويوم وفاته قال الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية لم يبق ببغداد من يراجع في علوم الدين مثله وقرأ عليه جماعة من الفقهاء وتخرج به أئمة وأجاز لجماعة وولي القضاء توفي ببغداد ليلة الجمعة ثاني عشرى جمادى الأولى ودفن بمقابر الإمام أحمد قريبا من القاضي أبي يعلى رحمهم الله تعالى وفي حدودها نجم الدين أبو الفضل إسحق بن أبي بكر بن المنى

(6/90)


بن أطر التركي ثم المصري الفقيه الحنبلي المحدث الأديب الشاعر ولد سنة سبعين وسبعمائة وسمع بمصر من الأبرقوهي ورحل وسمع بالأسكندرية من القرافي وبدمشق من أبي الفوارس وإسمعيل بن الفراء وبحلب من سنقر الزيني وتفقه وقال الشعر الحسن وسمع منه الحافظ الذهبي بحلب ثم دخل العراق بعد السبعمائة وتنقل في البلاد وسكن أذربيجان ولم تكن سيرته هناك مشكورة وبقي إلى حدود هذه السنة ولم تتحقق سنة وفاته وليس له في الزهد والعلم مشبه سوى الحسن البصري وابن المسيب قاله ابن رجب وفيها قاضي القضاة علاء

(6/91)


91
الدين علي بن إسمعيل بن يوسف القونوي الشافعي قاضي القضاة وشيخ الشيوخ فريد العصر ولد بمدينة قونوة سنة ثمان وستين وستمائة واشتغل هناك وقدم دمشق في أول سنة ثلاث وتسعين فازداد بها اشتغالا وسمع الحديث من جماعة وتصدر للأشغال بالجامع ودرس بالأقبالية ثم تحول سنة سبعمائة إلى مصر وسمع بها من جماعة ولازم ابن دقيق العيد وأثنى عليه ثناء بالغا مع شدة احترازه في الألفاظ وتولى بالقاهرة تدريس الشريفية ومشيخة الميعاد بالجامع الطولوني وولي مشيخة الشيوخ في سنة عشر وسبعمائة وانتصب للأشغال وازدحم عليه الناس إلى أن تخرج به خلق كثير وصنف شرحه المشهور على الحاوي وصنف مصنفا في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال قدم علينا دمشق في أوائل سنة ثلاث وتسعين فحضر المدارس وبهرت فضائله ودرس وأفتي وأعادوا وأفاد وبرع في عدة علوم وتخرج به أئمة مع الوقار والورع وحسن السمت ولطف المحاورة وجميل الأخلاق قل أن ترى العيون مثله وذكر له تلميذه الشيخ جمال الدين الأسنوي ترجمة حسنة وقال كان أجمع من رأيناه للعلوم مع الاتساع فيها خصوصا العلوم العقلية واللغوية لا يشار بها إلا إليه ولا يحال فيه إلا عليه وولي القضاء بدمشق ومشيخة الشيوخ وباشر على النمط الذي كان عليه بالديار المصرية مع الحرمة والنزاهة والأشغال والتحديث إلى أن توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بجل قاسيون وفيها الصد رنجم الدين علي بن محمد بن هلال الأزدي حدث عن ابن البرهان والقاضي صد رالدين بن سنى الدولة والزين خالد والكرماني وطل بوحصل الأصول وولي نظر الأيتام وكان تام الشكل حسن البزة ذا كرم وتحمل ومات بدمشق في ربيع الآخر عن ثمانين سنة وفيها القاضي نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي ثم المصري الشافعي شارح التنبيه ولد سنة ستين وستمائة وسمع بدمشق من جماعة واشتغل وفضل ثم دخل القاهرة وسمع من ابن دقيق

(6/92)


العيد ولازمه وناب في الحكم بمصر ودرس
92
بالمعزية والطييرسية وكان قوي النفس كثير الإيثار مع التقلل وانتفع به طلبة مصر ودارت عليه الفتيا بها قال الذهبي كان إماما زاهدا وقال السبكي في الطبقات الكبرى شارح التنبيه واختصر كتاب الترمذي في الحديث وكان أحد أعيان الشافعية دينا وورعا وقال الأسنوي كان له في التقوى سابقة قدم وفي الورع رسوخ قدم وفي العلم آثار هي أوضح للسارين من نار على علم كان فقيها محدثا ورعا قواما في الحق توفي في المحرم بالقاهرة ودفن بالقرافة الصغرى وفيها بدر الدين أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر الأنصاري الدمشقي الإمام الزاهد بن قاضي القضاة عز الدين المعروف بابن الصايغ الشافعي مولده في المحرم سنة ست وسبعين وستمائة وقرأ التنبيه ولازم الشيخ برهان الدين الفزاري زمانا وسمع الكثير وحدث وسمع منه البرزالي وخرج له أجزاء من حديثه وحدث به ودرس بالعمادية والدماغية وجاءه التقليد بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فامتنع وأصر على الامتناع فأعفى ثم ولي خطابة القدس ثم تركها قال الذهبي الإمام القدوة العابد كان مقتصدا في أموره كثير المحاسن حج غير مرة وقال ابن رافع كان على طريقة حميدة وعنده عبادة واجتماع وملازمة لصلحاء والأخيار وإعراض عن المناصب وكان معظما مبجلا وقورا توفي بدمشق في جمادى الأول ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها العلامة ناظر الجيش معين الدين هبة الله بن مسعود بن حشيش روى عن ابن البخاري وغيره وله نظم ونثر وقوة أدوات توفي بمصر عن ثلاث وستين سنة وفيها المسند المعمر فتح الدين يونس بن إبرهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدبابيسي كان آخر من روى عن ابن المقير بالسماع وبالإجازة وعن المخيل وحمزة بن أوس وظافر بن شحم وعدة وتفرد وروى الكثير وكان عاقلا منورا توفي بمصر في جمادى الأولى وقد جاوز التسعين بيسير

(6/93)


93
سنة ثلاثين وسبعمائة فيها توفي مسند الدنيا شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجار بن الشحنة من قرية من قرى وادي بردا بدمشق انفرد بالرواية عن الحسين الزبيدي وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة وسافر إلى القاهرة مرتين مطلوبا مكرما ليحدث بها قال البرزالي مولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة وعمر مائة عام وسبعة أعوام وانفرد بالدنيا بالإسناد عن الزبيدي وكان أميا يوم لا يسمع عليه يخرج إلى الجبل مع الحجارين يقطع الحجارة وألحق أولاد الأولاد بالأجداد وكان ربما خرج الطلبة إليه وهو يقطع الحجارة ليسمعهم فيقول اقرءوا على الفروة وكان إذا قلب عليه سند حديث يقول لم أسمعه هكذا وإنما سمعته كذا وكذا طبق ما في الصحيح وقال الذهبي حدث يوم موته وسمع من الزبيدي وابن اللتي وأجاز له ابن روزبة وابن القطيعي وعدة ونزل الناس بموته درجة ومات بصالحية دمشق في الخامس والعشرين من صفر ودفن بالتربة المحوط عليها بمحلة تعرف بالسكة بالقرب من زاوية الدومى جوار جامع الأفرم وفيها سيف الدين بهادر آص المنصوري كان من أمراء الألوف بدمشق وقبته خارج باب الجابية ودفن بها وقد نيف على السبعين وفيها المعمر زين الدين أيوب بن نعمة النابلسي ثم الدمشقي الكحال حدث عن المرسي والرشيد العراقي وعبد الله بن الخشوعي وجماعة وتفرد وحدث بمصر ودمشق ومات في ذي الحجة عن أزيد من تسعين سنة وفيها فخر الدين أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن إبرهيم بن إسمعيل بن يوسف بن يعقوب الطائي الحلبي الشافعي المعروف بابن خطيب جبرين مولده بالقاهرة في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وستمائة تفقه على ابن بهرام قاضي حلب وغيرها قرأ عليه التعجيز بقراءته له على مصنفة قرأ على القاضي شرف الدين البارزي وغيرهما ودرس وأفتى وأشغل الناس بالعلم بحلب

(6/94)


94
وانفع به وشرح مختصر ابن الحاجب والحاوي الصغير ولم يكمله والتعجيز والشامل الصغير للقزويني والبديع لابن الساعاتي وله منسك ومصنفات أخر وولي وكالة بيت المال بحلب وقضاء القضاة بهاء بعد شمس الدين بن النقيب ووقع بينه وبين نايب حلب فكاتب فيه فطلب إلى مصر بسبب حكومة فأدركه أجله هناك وقال الكتبي تخرج به الفقهاء والقراء واشتهر اسمه وتوفي بالقاهرة في المحرم ودفن بمقبرة الصوفية وجبرين بالجيم والباء والراء المكسورة قرة من قرى حلب والصحيح في وفاته أنه في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة كما جزم به الأسنوي وابن قاضي شهبة وغيرهما وفيها قاضي القضاة فخر الدين أبو عمرو وعثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم الجهني الحموي المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حلب ولد بحماة سنة ثمان وستين وستمائة وناب عن عمه القاضي شرف الدين بحماة وتولى قضاء حمص مدة ثم عاد إلى حماة وولي خطابة الجامع بها ثم ولي قضاء حلب قال الذهبي حدث بمسند الشافعي عن ابن النصيبي وحفظ كتبا وأفتى وذكره ابن حبيب وأثنى عليه وقال كان عارفا بمشكلات الحاوي وله عليه شرح يفيد السامع والراوي توفي بحلب فجأة في صفر ودفن خارج باب المقام وفيها المحدث الزاهد فخر الدين عثمان قال الذهبي ابن شيخنا الحافظ أحمد بن الظاهري حضر ابن علاق والنجيب وكان مكثرا ارتحل به أبوه ونسخ هو بخطه وحدث وتوفي بمصر في رجب عن ستين سنة سوى أشهر
0
وفيها قاضي مكة ومفتيها نجم الدين محمد بن محمد بن الشيخ محب الدين الطبري الشافعي ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة وسمع من جده الشيخ محب الدين ومن عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري والفاروثي وغيرهم قال الأسنوي والسبكي كان فقيها شاعرا وقال الكتبي كان شيخا فاضلا فقيها مشهورا يقصد بالفتاوى من بلاد

(6/95)


95
الحجاز واليمن وكان له النظم الفائق والنثر الرائق ولم يخلف في الحرمين مثله توفي بمكة في جمادى الآخرة ودفن بقبة باب المعلى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وفيها وصل إلى حلب نهر الساجور بعد غرامة كثيرة وحفر طويل وفرحوا به وفيها توفي مسند حلب وخاتمة أصحاب ابن خليل عز الدين إبراهيم بن صالح بن العجمي سمع بدمشق من خطيب مردا وتوفي في حلب بعد أيام خلت من رجب وهو في سنت التسعين وفيها أقضى القضاة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد بن القلانسي الشافعي الصد رالكبير الرئيس الإمام العالم ولد سنة تسع وستين وستمائة وحفظ التنبيه ثم المحرر اللرافعي واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري وقرأ النحو على شرف الدين الفزاري والأدب على الرشيدالفارقي وولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال وتدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية قال ابن كثير تقدم بطلب العلم والرياسة وباشر جهات كبار ودرس في أماكن وتفرد في وقته بالرياسة في البيت والمناصب الدينية والدنيوية وكان فيه تواضع وحسن سمت وتودد وإحسان وبر بأهل العلم والصلحاء وهو ممن أذن له في الفتيا وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة فأجاد وأفاد وأحسن التعبير وعظم في عيني وسمع الحديث من جماعة وخرج له فخر الدين البعلبكي مشيخة سمعناها عليه توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسفح وفيها نايب السلطنة أرغون الدويدار الذي باشر النيابة مدة ثم أخر وكان مليح الخط نسخ صحيح البخاري وقرأ في مذهب أبي حنيفة وحصل كتبا نفيسة ومات بحلب في ربيع الأول كهلا وفي حدودها جمال الدين عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الجيلوني الشيرازي الشافعي صاحب البحر الصغير والعجالة قال الأسنوي كان فقيها كبيرا ذا حظ من كثير

(6/96)


96
من العلوم ورعا زاهدا بحث الحاوي الصغير بقزوين على ابن المصنف في أربعين يوما ثم عاد إلى بلده وصنف كتابه المسمى بالبحر وهو مختصر أوضح من الحاوي متضمن لزيادات توفي بجبل من نواحي شيراز سنة نيف وثلاثين وسبعمائة انتهى وفيها ضياء الدين أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة العالم القاضي الشافعي الأنصاري الأذرعي أخذ عن الشخي محي الدين النووي قال الذهبي أخذ عن الشيخ تاج الدين وغيره وتنقل لقضاء النواحي نحوا من ستين سنة وكان منطبعا بساما عاقلا وقال ابن كثير تنقل في ولايات الأقضية بمدائن كثيرة مدة ستين سنة وحكم بطرابلس ونابلس وحمص وعجلون وزرع وغيرها وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر وكان عنده فضيلة وله نظم كثير نظم التنبيه في ستة عشر ألف بيت وتصحيحه في ألف وثلثمائة بيت وله غير ذلك توفي بالرملة في ربيع الأول وفيها قاضي الحنابلة عز الدين محمد بن قاضي القضاة سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في عشرى ربيع الآخر سنة خمس وستين وستمائة وسمع وناب عن والده في الحكم وروى عن الشيخ وعن أبي بكر الهروي وبالإجازة عن ابن عبد الدايم قال الذهبي كان متوسطا في العلم والحكم متواضعا وقال غيره ولي القضاء مستقلا بعد موت ابن المسلم وكان ذا فضل وعقل وحسن خلق وتودد وتهجد وقضاء حوائج للناس وتلاوة وحج ثلاث مرات وتوفي في تاسع صفر ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر فيها السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني كانت دولته اثنتين وعشرين سنة توفي بالمغرب في ذي القعدة وقد قارب التسعين وتملك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن وفيها تاج الدين عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الأسكندري الفاكهي العلامة النحوي قال في الدرر ابن الفاكهاني سمع على ابن طرخان والمكين الأسمر وتفقه لمالك وأخذ عن ابن المنير

(6/97)


97
وغيره ومهر في العربية والفنون وصنف شرح العمدة وغيرها ومن تصانيفه الإشارة في النحو والمورد في المولد وغيرهما وحج من طريق دمشق سنة ثلاثين وسبعمائة ورجع فمات في بلده سنة إحدى وثلاثين وقال الشمني له شرح مقدمة في النحو وسمع من التقى بن دقيق العيد والبدر بن جماعة وأجاز لعبد الوهاب الهروي انتهى وفيها فاطمة بنت الشيخ الحافظ علم الدين البرزالي بدمشق حفظت القرآن وسمعت الحديث من جماعة وكتبت ربعة شريفة وصحيح البخاري وعدة أجزاء وأحكام مجد الدين بن تيمية وفيها كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي وتسمى ست الناس روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي ومحمد بن الجراح والشرف المرسي وماتت في الثغر في شعبان وفيها نجم الدين هاشم بن عبد الله البعلي الشافعي قرأ الأصول والفقه ومن نظمه ( ولقد سمعت بسكر من وصلكم * فعساكم أن تجعلوه مكررا ) ( وأظنه حلوا لذيذا طعمه * إذ كنت أسمع بالوصال ولا أرى ) وفيها العدل بدر الدين يوسف بن عمر الختني سمع من ابن رواج حضورا وصالح المدلجي والبكري والرشيد والمرسي وابن اللمط الذي سمع من أبي جعفر الصيدلاني وتفرد بأشياء وتوفي بمصر في صفر عن أربع وثمانين سنة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فيهاجاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمام النايب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد وفيها توفي العلامة رضي الدين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرومي الحنفي مدرس القيمازية حج سبع مرات كان مفتيا له علم وفضل وتلامذة وتوفي بدمشق عن ست وثمانين سنة وفيها برهان الدين أبو إسحق

(6/98)


98
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الشيخ العلامة المقرىء الشافعي الربعي الجعبري شيخ بلد الخليل ولد بجعبر في حدود سنة أربعين وستمائة وتلا بالسبع على أبي الحسن الوجوهي وبالعشر على المنتخب التكريتي وسمع ببغداد من جماعة وحفظ التعجيز وعرضه على مصنفه وأخذ عنه الفقه ثم قدم دمشق وسمع من جماعة وخرج له البرزالي مشيخة ثم دخل إلى بلد الخليل عليه السلام وأقام به مدة طويلة نحو أربعين سنة ورحل الناس إليه وروى عنه السبكي والذهبي وخلائق وصنف التصانيف الكثيرة منها شرح الشاطبية وشرح الرائية واختصر مختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو وحسبك قدرة على الاختصار من مختصر ابن الحاجب والحاجبية وكمل شرح التعجيز فإن مصنفه لم يكمله كما تقدم قال بعضهم وتصانيفه تقرب المائة وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال العلامة ذو الفنون مقرىء الشام له التصانيف المتقنة في القراءات والحديث والأصول والعربية والتاريخ وغير ذلك وله مصنف مؤلف في علوم الحديث توفي في بلد الخليل في شهر رمضان وله اثنتان وتسعون سنة وفيها عماد الدين إبراهيم بن يحيى بن الكيال الدمشقي الحنفي قرأ على بان عبد الدايم وابن أبي اليسر وأيوب الحمامي وعدة وكان محدثا إماما عالما فصيحا خدم في المواريث وحصل ثم ناب وحج وأم بالربوة وغيرها وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وثمانين سنة وفيها أبو العباس احمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني روى عن خطيب مردا وابن عبد الدايم وروى كثيرا وكان مقرئا صالحا تقيا توفي بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة وفيها صاحب حماة الملك المؤيد عماد الدين إسمعيل بن الأفضل علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي العالم العلامة المفنن الشافعي السلطان مولده في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة كما ذكره هو في تاريخه قال ابن قاضي شهبة اشتغل في العلوم وتفنن فيها وصنف التصانيف المشهورة منها التاريخ في ثلاث مجلدات والعروض والأطوال والكلام على

(6/99)


البلدان في مجلد وله نظم الحاوي الصغير وكتاب
100
النحاس وبالإجازة عن يوسف الشاوي والأمير يعقوب الهدباني وتوفيت بالأسكندرية في رجب وفيها كبير الطب أمين الدين سليمان بن داود في عشر التسعين وكان فاضلا طبيبا درس بالدخوارية وفيها قاضي الحنابلة شرف الدين عبد الله بن حسن بن عبد الله واليلداني وخطيب مردا وإبراهيم ابن خليل وغيرهم وروى عنهم وأجاز له جماعة وطلب بنفسه وتفقه وأفتى وناب في الحكم عن أخيه ثم عن ابن مسلم مدة ولامهما ثم ولي القضاء في آخر عمره مستقلا فوق سنة ودرس بالصاحبية وولي مشيخة الحديث بالصادرية والعالمية وكان فقيها عالما صالحا خيرا منفردا بنفسه ذا فضيلة جيدة حسن القراءة حميد السيرة في القضاء وحدث وسمع منه الذهبي وخلق وتوفي فجأة وهو يتوضأ للمغرب آخر نهار الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفن بتربة الشيخ أبي عمر وكان قد حكم ذلك اليوم بالمدينة وتوجه آخر النهار إلى السفح وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد بن سلطان بن محمد بن علي القرامزي العابد الحنبلي ولد سنة أربع وأربعين وستمائة تقريبا وقرأ بالروايات وسمع ابن عبد الدايم إسمعيل بن أبي اليسر وجماعة وتفقه في المذهب ثم تزهد وأقبل على العبادة والطاعة وملازمة الجامع وكثرة الصلوات واشتهر بذلك وصار له قبول وعظمة عند الأكابر وقد غمزه الذهبي بأنه نال بذلك سعادة دنيوية وتمتع بالدنيا وشهواتها التي لا تناسب الزاهدين قال وسمعت منه اقتضاء العلم للخطيب وكان قوي النفس لا يقوم لأحد وله محبون ومن حسناته أنه كان من اللاعنين للإتحادية انتهى توفي مستهل المحرم ببستانه بأرض جوبر ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها عز الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبرهيم بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة المقدسي الحنبلي الفرضي الزاهد القدوة ولد في تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وحج صحبة الشيخ

(6/100)


101
شمس الدين بن أبي عمر وكمل عليه قراءة المقنع بالمدينة النبوية وحج بعد ذلك مرات وسمع منه الذهبي وذكره في معجمه فقال كان فقيها عالما متواضعا صالحا على طريقة سلفه وكان عارفا بمذهب أحمد له فهم ومعرفة تامة بالفرائض وفيه تودد وانطباع وعدم تكلف أخذ عنه الفرائض جماعة وانتفعوا به وتوفي في ثامن شهر رجب ودفن بتربتة الشيخ أبي عمر وفيها فخر الدين أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر لبعلي ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه المحدث ولد يوم الخميس رابع عشرى ربيع آخر سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري في الخامسة ومن الشيخ تقي الدين الواسطي وعمر بن القواص وعنى بالحديث ارتحل فيه مرات وكتب العالي والنازل وخرج لغير واحد من الشيوخ وأفاد وتفقه وأفتى في آخر مره وولي مشيخة الصدرية والإعادة بالمسمارية وسمع منه الذهبي وجماعة وكان فقيها محدثا كثير الاشتغال بالعلم عفيفا دينا حج مرات وأقام بمكة أشهرا وكان مواظبا على قراءة جزئين من القرآن العظيم في الصلاة كل ليلة وله مؤلفات كثيرة منها كتا بالثم رالرائق المجتنى من الحدائق وانتفع بمجالسه الناس وتوفي يوم الخميس تاسع عشرى ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية ولم يعقب رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري الفقيه الحنبلي المناظر الأصولي ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع بقراءة والده الكثير بالديار المصرية من العز الحراني وابن خطيب المزة وغازى الحلاوى وشامية بنت البكري وغيرهم وبدمشق من ابن البخاري وابن المجاور وجماعة وبالأسكندرية من العراقي وقدم دمشق بنفسه مرة ثانية فسمع من عمر بن القواس وغيره وعنى بالسماع والطلب وتفقه بالمذهب حتى برع وأفتى وناظر وأخذ الأصول عن ابن دقيق العيد والعربية عن ابن النحاس وناب عن والده وغيره في الحكم ودرس بالمنصورية وجامع طولون وغيرهما وتصد

(6/101)


رللأشغال وكان شيخ المذهب
102
بالديار المصرية وله مشاركة في التفسير والحديث مع الديانة والورع والجلالة معد من العلماء العاملين وحدث وسمع منه جماعة وتوفي يوم الجمعة سادس عشرى ذي الحجة بالمدرية الصالحية بالقاهرة ودفن إلى جانب والده بالقرافة وفيها العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي مدرس المستنصرية وله ثمان وثمانون سنة وفيها الإمام تاج الدين أبو القسم عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي الشافعي سمع ابن أبي عصرون والنجيب وعدة وخرج التساعيات وأربعين مسلسلات وطلب وكتب الكثير وتميز وأتقن وولي مشيخة الصاحبة وأفتى ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد وخرج لشيوخ ومات بمصر في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة وفيها محي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن إبراهيم المقريزي البعلي الحنبلي المحدث الفقيه ولد في حدود سنة سبع وسبعين وستمائة وسمع بدمشق من عمر بن القواس وطائفة وبمصر من سبط زيادة وغيره وعنى بالحديث وقرأ وكتب خبطه كثيرا وخرج وتفقه قال الذهبي له مشاركة في علوم الإسلام ومشيخه الحديث بالبهائية وغير ذلك علقت عنه فوائد وسمع منه جماعة وتوفي ليلة الإثنين ثامن عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة الصوفية بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين رحمهما الله تعالى وفيها العدل نور الدين علي بن التاج إسمعيل بن قريش المخزومي سمع الزكي المنذري والرشيد وشيخ شيوخ حماة وابن عبد السلام وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة وكان صالحا مكثرا توفي بمصر في رجب عن ثمانين سنة وفيها الشيخ بدر الدين محمد بن أسعد التستري بمثناتين فوقيتين بينهما سين مهملة نسبة إلى تستر مدينة بقرب شيراز الشافعي أخذ عنه الأسنوي وقال كان فقيها إمام زمانه في الأصلين والمنطق مطلعا على أسرارها ووضع على كثير منها تعاليق متضمنة لنكت غريبة وإن كانت عبارته

(6/102)


103
قلقة ركيكة منها شرح ابن الحاجب وشرح البيضاوي والطالع والطوالع والغاية القصوى وشرح أيضا كتاب ابن سينا أقام بقزوين يدرس نحو عشر سنين وقدم الديار المصرية في أوائل سنة سبع وعشرين وسبعمائة فأقام بها أشهرا قلائل ثم رجع إلى العراق وكان يصيف بهمذان ويشتي ببغداد لحرارتها وتوفي بهمذان في نيف وثلاثين وسبعمائة قال وكان مداوما على لعب الشطرنج رافضيا كثير الترك للصلاة ولهذا لم تكن عليه أنوا رأهل العلم ولا حسن هيئتهم مع ثروة زائدة وحسن شكالة انتهى وفيها قاضي القضاة علم الدين محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة السعدي الأخنائي المصري الشافعي ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة وسمع الكثير وأخذ عن الدمياطي وغيره وولي قضاء الأسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي قال الذهبي في معجمه من نبلاء العلماء وقضاة السداد وقد شرع في تفسير القرآن وجملة من صحيح البخاري وكان أحد الأذكياء وكان يبالغ في الاحتجاب عن الحاجات فتتعطل أمور كثيرة ودائرة علمه ضيقة لكنه وقور قليل الشر وقال في العبر كان دينا عادلا حدث بالكثير وقال ابن كثير كان عفيفا نزها ذكيا شاذ العبارة محبا للفضايل معظما لأهلها كثير الاستماع للحديث في العادلية الكبرى خيرا دينا توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا وفيها ناظر الجيش الصدر قطب الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية كان من رجال الدهر وله فضل وخبرة وتوفي بدمشق في ذي الحجة ودفن بتربة مليحة أنشأها قاله في العبر وفيها زاهد الأسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشاذلي صاحب أبي العباس المرسي كان من مشاهير الزهاد وكان يقول أنا أعلم الخلق بلا إله إلا الله توفي بالأسكندرية عن ثمانين سنة

(6/103)


104
سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة فيها توفي الفاضل أبو إسحق إبراهيم بن شمس الدين الفاشوشة الكتبي اشتغل بالعربية والأدب ومن شعره المشمش ( قد أتى سيد الفواكه في ثوب * نضار والشهد منه يفور ) ( يشبه العاشق المتيم حالا * اصف راللون قلبه مكسور ) وفيها الرئيس المعمر تاج الدين أحمد بن المحدث إدريس بن محمد بن مزين الحموي ذكل لوزارة بلده وسمع من صفية حضورا وبدمشق من ابن علان واليلداني ومحمد بن عبد الهادي وعدة وأجاز له إبراهيم بن الخير وابن العليق وكان صدرا رئيسا محتشما توفي بحماة في رمضان عن تسعين سنة وشهرين وفيها الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن إسمعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بابن جهبل ولد سنة سبعين وستمائة وسمع من جماعة واشتغل بالعلم ولزم الشيخ صدر الدين بن المرحل وأخذ عن الشيخ شرف الدين المقدسي وغيره ودرس بصلاحية القدس الشريف مدة ثم تركها وتحول إلى دمشق فباشر مشيخة دار الحديث الظاهرية ثم ولي تدريس البادرائية بعد وفاة الشيخ برهان الدين وترك المشيخة المذكورة واستمر في تدريس البادرائية إلى أن مات قال ابن كثير ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما قال وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم قال السبكي درس وأفتى وأشغل مدة بالعلم بالقدس ودمشق وحدث وسمع منه الحافظ علم الدين البرزالي قال ووقفت له على تصنيف في نفي الجهة ردا على ابن تيمية لا بأس به وسرده بمجموعه في الطبقات الكبرى في نحو كراسين توفي بدمشق في جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصوفية وفيها الأمير الكبير بكتمر الساقي بدرب الحجاز بعيون القصب ثم حمل فدفن بالتربة التي أنشأها بالقرافة كان له عند السلطان مكانة عظيمة لا يفترقان أما

(6/104)


105
أن يكون عند السلطان أو السلطان عنده وكان فيه خير وسياسة وقضاء لحوائج الناس وكان في اصطبله مائة سطل لمائة سايس كل سايس على ستة رءوس من الخيل العتاق وبيع من خيله بما لا يحصى وقومت زرد خاناه على الأمير قوصون بستمائة ألف دينار وأخذ السلطان ثلاثة صناديق جوهو ليس لها قيمة وابيع له من كل نوع بما لا يحصر وفيها أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى أخت القاضي نجم الدين سمعت من مكي بن علان وتفردت وحجت مرارا وتوفيت بدمشق في ذي الحجة عن خمس وتسعين سنة وكانت سمندة ذات صدقات وفضل رحمهما الله تعالى وفيها الإمام القدوة الولي الشيخ على ابن الحسن الواسطي الشافعي كان من أعبد البشر حج واعتمر أزيد من ألف مرة وتى أزيد من أربعة آلاف ختمة وطاف مرات في الليل سبعين أسبوعا ومات ببدر محرما رحمه الله تعالى قاله في العبر وفيها الإمام المحدث العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنايم بن المهندس الصالحي الحنفي سمع من ابن أبي عمر وابن شيبان فمن بعدهما وكتب الكثير ورحل وخرج وتعب ونسخ تهذيب الكمال مرتين مع الدين والتواضع ومعرفة الشروط وتوفي في شوال عن ثمان وستين سنة وفيها قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله الكناني الحموي الشافعي ولد في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة وسمع الكثير واشتغل وأفتى ودرس وأخذ أكثر علومه بالقاهرة عن القاضي تقي الدين بن رزين وقرأ النحو على الشيخ جمال الدين بن مالك وولي قضاء القدس سنة سبع وثمانين ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية سنة تسعين وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ ثم نقل إلى دمشق وجمع له بين القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية بعد وفاة ابن دقيق العيد ولما عاد الملك الناصر من الكرك عزله مدة سنة ثم أعيد وعمى في أثناء سنة سبع وعشرين فصرف عن القضاء واستمر معه تدريس

(6/105)


106
الزاوية بمصر وانقطع بمنزله بمصر قريبا من ست سنين يسمع عليه ويتبرك به إلى أن توفي قال الذهبي في معجم شيوخه قاضي القضاة شيخ الإسلام الخطيب المفسر له تعاليق في الفقه والحديث والأصول والتواريخ وغير ذلك وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام مع دين وتعبد وتصون وأوصاف حميدة وأحكام محمودة وله النظم والنثر والخطب والتلامذة والجلالة الوافرة والعقل التام الرضى فالله تعالى يحسن له العاقبة وهو أشعر يفاضل وقال السبكي في الطبقات الكبرى حاكم الإقليمين مصرا وشاما وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى متحل بالعفاف إلا عن مقدار الكفاف محدث فقيه ذو عقل لا تقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه ومن نظمه قوله ( لما تمكن في فؤادي حبه * عاتبت قلبي في هواه ولمته ) ( فرثى له طرفي وقال أنا الذي * قد كنت في شرك الردى أوقعته ) ( عاينت حسنا باهرا فاقتادني * قسرا إليه عندما أبصرته ) توفي في جمادى الأولى ودفن قريبا من الإمام الشافعي رضي الله عنهما وله أربع وتسعون سنة وفيها تقي الدين أبو الثناء محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدقوقي ثم البغدادي الحنبلي المحدث الحافظ ولد بكرة نهار الإثنين سادس عشرى جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع الكثير بإفادة والده من عبد الصمد بن أبي الجيش وعلي بن وضاح وابن الساعي وعبد الله بن بلدجي وعبد الجبار بن عكبر وغيرهما وأجاز له جماعة كثيرة من أهل العراق والشام ثم طلب بنفسه وقرأ ما لا يوصف كثرة وكان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف وانتهى إليه علم الحديث والوعظ ببغداد ولم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه ولا معرفة بلغاته وضبطه وله اليد الطولى في النظم والنثر وإنشاء الخطب وكان لطيفا حلو النادرة مليح الفكاهة ذا حرمة وجلالة وهيبة ومنزلة عند الأكابر وجمع عدة أربعينيات في معان مختلفة وله كتاب مطالع الأنوار في الأخبار والآثار الخالية عن السند والتكرار وكتاب الكواكب الدرية

(6/106)


في المناقب العلوية وتخرج به جماعة
107
في علم الحديث وانتفعوا به وسمع منه خلق وحدث عنه طائفة وتوفي يوم الإثنين بعد العصر عشرين الحرم ببغداد رحمه الله سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فيها جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال وعشرين فرسا وخرب أماكن وفيها توفي قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو بن عثمان الزرعي الشافعي قال السبكي سمع من عبد الدايم والجمال بن الصيرفي وغيرهما وولي قضاء زرع مدة ثم تنقلت به الأحوال وهو قوي النفس لا يطلب رزقا عفيفا في أحكامه ثم ولي هو قضاء القضاة بالديار المصرية عن ابن جماعة ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى ثم عزل بعد عام وبقي شيخ الشيوخ ومدرس الأتابكية وتوفي بالقاهرة في صفر عن تسع وثمانين سنة وقال الذهبي كان مليح الشكل وافر الحرمة قليل العلم لكنه حكام وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلي الفقيه الزاهد قال ابن رجب ولد سنة خمس وسبعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تقي الدين وغيره وبرع وأفتى وكان إماما عارفا بالفقه وغوامضه والأصول والحديث والعربية والتصوف زاهدا عابدا ورعا متألها ربانيا صح بالشيخ عماد الدين الواسطي وتخرج به في السلوك وتذكر له أحوال وكرامات ويقال أنه كان يطلع على ليلة القدر كل سنة وقد نالته محنة مرة بسبب حال حصل له وصنف كتابا في الأحكام على أبواب المقنع سماه المطلع وشرح قطعة من أول المقنع وجمع زوايد المحرر على المقنع وله كلام في التصوف وحدث بشيء من مصنفاته وتوفي في منتصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا وفيها نجم الدين أبو عمر عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللخمي المصري القبابي وقباب قرية من قرى الصعيد الحنبلي الفقيه الزاهد العابد القدوة قال ابن رجب كان رجلا صالحا زاهدا عابدا قدوة عارفا فقيها ذا فضل ومعرفة وله اشتغال بالمذهب أقام بحماة في زاوية يزار بها وكان معظما عند الخاص والعام وأئمة وقته يثنون عليه

(6/107)


كالشيخ
108
تقي الدين بن تيمية وغيره وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر من العلماء الربانيين وبقايا السلف الصالحين وله كلام حسن يؤثر عنه توفي في آخر نهار الإثنين رابع عشر رجب بحماة وكانت جنازته مشهودة ودفن شمالي البلد وتوفي ولده الإمام سراج الدين عمر بالقدس وكان جامعا بين العلم والعمل واشتغل وانتفع بابن تيمية ولم أر على طريقته في الصلاح مثله رحمه الله تعالى انتهى كلام ابن رجب وفيها عماد الدين أبو حفص عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن عبيد الله بن حسن القرشي الزهري النابلسي الخطيب الشافعي الإمام قاضي نابلس تفقه بدمشق وأذن له بالفتوى وانتقل إلى نابلس وولي خطابة القدس مدة طويلة وقضاء نابلس معها ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره قال ابن كثير له اشتغال وفضيلة وشرح مسلما في مجلدات وكان سريع الحفظ سريع الكتابة مات في المحرم ودفن بتربة ماملا وفيها كما قال في العبر الشيخ الضال محمد بن عبد الرحمن السيوفي صاحب ابن سبعبن هلك به جماعة انتهى وفيها فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الشافعي الإمام الحفاظ اليعمري الأندلس الأشبيلي المصري المعروف بابن سيد الناس قال ابن قاضي شهبة ولد في ذي القعدة وقيل في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة وسمع الكثير من الجم الغفير وتفقه على مذهب الشافعي وأخذ علم الحديث عن والده وابن دقيق العيد ولازمه سنين كثيرة وتخرج عليه وقرأ عليه أصول الفقه وقرأ النحو على ابن النحاس وولي دار الحديث بجامع الصالح وخطب بجامع الخندق وصنف كتبا نفيسة منها السيرة الكبرى سماها عيون الأثر في مجلدين واختصره في كراريس وسماه نور العين وشرح قطعة من كتاب الترمذي إلى كتاب الصلاة في مجلدين وصنف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدا ضخما يدل على علم كثير وذكره الذهبي في معجمه المختص وقال أحد أئمة هذا الشأن كتب بخطه المليح

(6/108)


كثيرا وخرج وصنف وصحيح وعلل وفرع وأصل وقال الشعر البديع
109
وكان حلو النادرة حسن المحاضرة حالسته وسمعت قراءته وأجاز لي مروياته عليه مآخذ في دينه وهديه فالله يصلحه وإيانا وقال ابن كثير اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو وعلم السير والتاريخ وغير ذلك وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وقد حرر وحبر وأجاد وأفاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر والنثر الفايق وحسن التصنيف والترصيف والتعبير وجودة البديهة وحسن الطوية والعقيدة السلفية والاقتداء بالأحاديث النبوة وتذكر عنه شئون أخر الله يتولاه فيها ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والأشعار والحكايات وقال صاحب البدر السافر وخالط أهل السفه وشراب المدام فوقع في الملام ورشق بسهام الكلام والناس معادن والقرين يكرم ويهين باعتبار المقارن قال ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه ولا من يبلغ في ذلك مرامه أعقبه الله السلامة في دار الإقامة وقال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا عجيبا مصنفا بارعا شاعرا أديبا دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادي عشر شعبان فقام لدخوله تم سقط من قامته فلقف ثلاث لقفات ومات من ساعته ودفن بالقرافة عند ابن أبي جمرة رحمها الله تعالى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة فيها وقع بحماة حريق كبير ذهبت به الأموال واحترق مايتا وخمسون دكانا قاله في العبر وفيها توفي بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدين إبراهيم بن محمد الخلاطي الشافعي الواني حدث عن الرضى بن البرهان وابن عبد الدايم وجماعة ومات في صفر عن أكثر من تسعين سنة وفيها نصير الدين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي المعمر الحنبلي سمع الكثير من عبد الصمد بن أبي الجيش وابن وضاح وهذه الطبقة وحدث وسمع منه خلق وتفقه وأعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة

(6/109)


110
وأضر في آخر عمره وانقطع في بيته وكان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو وأصحابه من قطع الطريق لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلى أخرى حائل فصعد فنظر حية عمياء والعصفور يأتيها برزقها فتاب هو وأصحابه ذكره ابن الجوزي في صفوة الصفوة توفي صاحب الترجمة في جمادى الأولى ببغداد عن خمس وتسعين سنة وفيها الواعظ شمس الدين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير سمع الحافظ عبد العظيم وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي والنجيب وكان حسن المذاكرة والعلم توفي بمصر عن أربع وثمانين سنة وفيها المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمية روت عن اليلداني وإبراهيم بن خليل وابن خطيب القرافة وغيرهم ولها إجازة من السبط وروت الكثير وتفردت وتوفيت في ذي القعدة عن سبع وثمانين سنة وفيها مسند الوقت بدر الدين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد حدث عن ابن علان والعراقي والبلخي وعثمان بن خطيب القرافة وجماعة وسماعه صحيح لكنه لين تفرد بأشياء وتوفي في صفر عن قريب من تسعين سنة وفيها أقضى القضاة زين الدين أبو محمد عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري الخزرجي السبكي المصري والد الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي سمع من جماعة وقرأ الفروع على الظهير والسديد والأصول على القرافي وتنقل في أعمال الديار المصرية وحدث بالقاهرة والمحلة وخرج له ولده تقي الدين مشيخة حدث بها قال حفيده القاضي تاج الدين كان من أعيان نواب القاضي تقي الدين بن دقيق العيد وكان رجلا صالحا كثير الذكاء وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي وتوفي في رجب وفيها الحافظ الكبير الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي تلا بالسبع على إسمعيل المليحي وسمع من ابن العماد وإبراهيم المنقري والعز والفخر علي وبنت مكي وابن الفرات

(6/110)


111
الأسكندراني وصنف وخرج وأفاد مع الصيانة والديانة والأمانة والتواضع والعلم ولزوم الاشتغال والتآليف حج مرات قال الذهبي حدثنا بمنى وعمل تاريخا كبيرا لمصر بيض بعضه وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين وعمل أربعين تساعيات وأربعين متباينات وأربعين بلدانيات وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات وكان حنفي المذهب يدرس بالجامع الحاكمي وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة وفيها العدل الأديب الفاضل أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد أنوشروان التبريزي الحنفي عرف بكرشت كان يشهد قبالة المسمارية وعنده معرفة بالشروط وكتابة حسنة وله شعر كثير ومن قوله ( أترى تمثل طيفك الأحلام * أم زورة الطيف الملم حرام ) ( يا باخلا بالطيف في سنة الكرى * ما وجه بخلك والملاح كرام ) ( لو كنت تدري كيف بات متيم * عبثت به في حبك الأسقام ) ( لرحمت كل متيم من أجله * وعلمت أهل العشق كيف يناموا ) ( إن دام هجرك والتجني والقلا * فعلى الحياة تحية وسلام ) ( نار الغرام شديدة لكنها * برد على أهل الهوى وسلام ) وفيها مفيد الجماعة أمين الدين محمد بن إبراهيم المذكور في أول هذه السنة روى المترجم عن الشرف بن عساكر وابن الحسن اللمتوني وابن مؤمن وعدة وارتحل مرات وحج وجاور وكتب وخرج وأفاد ومات بعد والده بشهر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن قاسم بن البرزالي البغدادي الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النحوي قرأ الفقه على الشيخ تقي الدين الزريراتي وكان إماما متقنا بارعا في الفقه والأصلين والعربية والأدب والتفسير وغير ذلك وله نظم حسن وخط مليح درس بالمستنصرية بعد شيخه الزريراتي وكان من فضلاء أهل بغداد وكذلك كان والده أبو الفضل إماما عالما مفتيا صالحا توفي

(6/111)


112
أبو عبد الله ببغداد في هذه السنة وفيها مجود دمشق بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك محي الدين محمد بن عبد الرحيم المسلمي كتب صحيح البخاري وكان دينا صينا مليح الشكل متواضا عمر سبعا وأربعين سنة قاله في العبر وفيها ملك العرب حسام الدين مهنا بن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرب سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة وأقاموا عليه المآتم ولبسوا السواد وكان فيه خير وتعبد قاله في العبر أيضا سنة ست وثلاثين وسبعمائة فيها توفي الشيخ الصالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكاري الصرخدي حدث عن خطيب مردا وابن عبد الدايم وتوفي في ربيع الأول عن تسعين سنة وفيها الرئيس الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي العشاب وزير تونس حدث عن يوسف بن خميس وغيره وطلب الحديث وبرع في النحو وأقرأه ومات بالثغر في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة وفيها ناظر الخزانة عز الدين أحمد بن الزين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي المحتسب كان مليح الشكل متواضعا نزها دينا ورعا أخذت منه الحسبة عام أو لواعتقل لامتناعه من شهادة وتوفي بدمشق عن ثلاث وستين سنة وفيها كمال الدين أبو القسم أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله ابن الشيرازي الشافعي الصدر الكبير العالم مولده سنة سبعين وستمائة وسمع من جماعة وحفظ مختصر المزني وتفقه على الشيخين تاج الدين الفزاري وزين الدين الفارقي وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدين الهندي ودرس في وقت بالبادرائية مدة يسيرة لما انتقل الشيخ برهان الدين إلى الخطابة ودرس بالشامية البرانية وبالناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته قال الذهبي كان فيه معرفة وتواضع وصيانة وقال ابن كثير كان صدرا كبيرا ذكر لقضاء دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة

(6/112)


113
والشكل توفي في صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها والي دمشق شهاب الدين احمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقي كان جيد السياسة محببا إلى الناس ولي ثلاث عشرة سنة وحدث عن ابن علاق والجد بن الخليلي وتوفي عن أربع وستين سنة ومات بعده بيومين وإلى البر فخر الدين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدين لولو عن أربع وستين سنة أيضا وكان أجود الرجلين قاله في العبر وفيها شيخ الشيعة الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب روى عن ابن علان وتفقه للشافعي وترفض ومات عن اثنتين وسبعين سنة وفيها الصاحب الأمجد قال الأذهبي عماد الدين إسمعيل بن محمد ابن شيخنا الصاحب فتح الدين بن القيسراني كان منشئا بليغا رئيسا دينا صينا نزها روى عن العز الحراني وغيره وهو والد كاتب السر القاضي شهاب الدين توفي بدمشق في ذي القعدة عن خمس وستين سنة وفيها القان أرياخان الذي تسلطان بعد أبي سعيد ضربت عنقه صبرا يوم الفطر وكانت دولته نصف سنة خرج عليه على باش والقان موسى فالتقوا فأسر المذكور ووزيره الذي سلطنه محمد بن الرشيد الهمداني وقتلا صبرا وكان المصاف في وسط رمضان فدقت لذلك البشاير بدمشق وجاء الرسول بنصرتهم قاله في العبر وفيها القان أبو سعيد بن خربندا ابن أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلى كان يكتب الخطب المنسوب ويجيد ضرب العود وفيه رأفة وديانة وقلة شر هادن سلطان الإسلام وهادنه وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرشيد وقدم بغداد مرات وأحبه الرعية وكانت دولته عشرين سنة وتوفي بالأزد ونقل إلى السلطانية فدفن بتربته وله بضع وثلاثون سنة وفيها عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية أخت محاسن روت عن العراقي والبلخي حضورا وعن اليلداني ومحمد بن عبد الهادي وتفردت وتوفيت في شوال عن تسعين سنة وفيها المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود

(6/113)


114
ابن جامع البندنيجي البغدادي الصوفي سمع صحيح مسلم من الباذبيني البغدادي وجامع الترمذي من العفيف بن الهيتي وأجاز له جماعات وتفرد وأكثروا عنه وتوفي بالسميساطية في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها قطب الدين الأخوين واسمه محمد بن عمر التبريزي الشافعي قاضي بغداد سمع شرح السنة من قاضي تبريز محي الدين وكان ذا فنون ومروءة وذكاء وكان يرتشي وعاش ثمانيا وستين سنة قاله في العبر سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فيها أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم فرجع ورسم بنفيه وفيها قتل على الزندقة عدو الله الحموي الحجار بحماة وأحرق أضل جماعة وقام عليه قاضي القضاة شمس الدين قاله في العبر وفيها الاديب البليغ شهاب الدين أحمد بن محمد بن غانم الشافعي الناظم الناثر دخل اليمن ومدح الكبار وخدم في الديوان وروى عن ابن عبد الدايم وجماعة ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر وربما ثاب إليه وعيه وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ وعاش سبعا وثمانين سنة ومات قبله بأشهر أخوه الصدر الإمام علاء الدين علي بن محمد المنشى روى عن ابن عبد الدايم والزين خالد والنظام ابن البانياسي وعدة وحفظ التنبيه وله النظم والترسل الفائق والمروءة التامة وكثرة التلاوة ولزوم الجماعات والشيبة البهية والنفس الزكية باشر الإنشاء ستين سنة وحدث بالصحيحين وحج مرات وتوفي بتبوك في المحرم عن ست وثمانين سنة وفيها محب الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبرهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي الصالحي المقدسي الحنبلي بن المحب ولد يوم الأحد ثاني عشر المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة بقاسيون وأسمعه والده من الفخر بن البخاري وابن الكمال وزينب بنت

(6/114)


115
مكي وجماعة ثم طلب بنفسه وسمع من عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر ويوسف الغسولي وخلق من بعدهن وذكر أن شيوخه الذين أخذ عنهم نحوا من ألف شيخ قال الذهبي كان فصيح القراءة جهوري الصوت منطلق اللسان بالآثار سريع القراءة طيب الصوت بالقرآن صالحا خائفا من الله تعالى صادقا انتفع الناس بتذكيره ومواعيده وذكره أيضا في معجم شيوخه وقال كان شابا فاضلا صالحا في سمعه ثقل ما وقد حدث كثيرا وسمع منه جماعة وتوفي يوم الإثنين سابع ربيع الأول ودفن بالقرب من الشيخ موفق الدين وفيها الزاهد القدوة شمس الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي ولد سنة تسع وأربعين وستمائة وحضر على خطيب مردا وسمع من عم أبيه جمال الدين عبد الرحمن بن عبد المؤمن وأجاز له سبط السلفي وتفقه وأفتى وأم بمسجد الحنابلة بنابلس نحوا من سبعين سنة وكان كثير العبادة حسن الشكل والصوت عليه البهاء والوقار وحدث وسمع منه طائفة وتوفي يوم الخميس ثاني عشرى ربيع الآخر بنابلس وتوفي بها وتوفي قبله في ربيع الأول من السنة بنابلس أيضا الإمام المفتي عماد الدين أبو إسحق إبرهيم بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة وفيها قتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك عمر بن عبد الواحد الزناتي البربي كان سيء السيرة قتل أباه وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السيرة وقبح السريرة ثم تمكن وتظلم وكان بطلا شجاعا تملك نيفا وعشرين سنة حاصره سلطان المغرب أبو الحسين المزيني مدة ثم برز عبد الرحمن ليكبس المزيني فقتل على جواده في رمضان كهلا قاله في العبر وفيها المعمر الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم روى السيرة وأجزاء عن خطيب مردا وتفرد وكان ممتعا بحواسه مليح الشكل ما تزوج ولا تسرى توفي في رمضان عن خمس وتسعين سنة ودفن بالقدس الشريف

(6/115)


116
وفيها المحدث المفيد ناصر الدين محمد بن طغربك الصيرفي قرأ الكثير وتعب ورحل وخرج وقرأ للعوام وحدث عن أبي بكر بن عبد الدائم وعيسى الدلال ومات غريبا عن نيف وأربعين سنة الله يسامحه وفيها الفقيه العالم شمس الدين محمد بن أيوب بن علي الشافعي بن الطحان نقيب الشامية والسبع الكبير سمع من عثمان بن خطيب القرافة ومن الكرماني والزين خالد وتوفي بدمشق في رجب وله خمس وثمانون سنة وأشهر وفيها الشيخ محمد بن عبد الله ابن المجد إبراهيم المصري المرشدي الزاهد الشافعي قرأ في التنبيه والقرآن وانقطع بزاوية له وكان يقرىء الضيفان وربما كاشف وللناس فيه اعتقاد زائد ويخدم الواردين ويقدم لهم ألوان المآكل ولا خادم عنده حتى قيل أنه أطعم للناس في ليلة ما قيمته مائة دينار وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار وزاره الأمراء والكبراء وبعد صيته حتى أن بعض الفقهاء يقول كان مخدوما وبلغني أنه كان في عافية فأرسل إلى القرى المجاورة له أحضروا فقد عرض أمر مهم ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا في رمضان بقريته مينة مرسد كهلا قاله في الغبر وفيها مسند مصر العدل شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي له إجازة ابن رواج وابن الجميزي وروى الكثير وتفرد وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة وفيها أحمد بن علي بن أحمد النحوي يعرف بابن نور قال ابن حجر في الدرر الكامنة كان أبوه خوليا وباشر هو صناعة أبيه ثم اشتغل على النجم الأصفوني فبرع في مدة قريبة ومهر في الفقه والنحو والأصول ودرس وأفتى ومات بمرض السل رحمه الله تعالى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فيها كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدايد لاختلاف التتار وفيها توفي الصالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرضى الصالحي القطان سمع حضورا من خطيب مردا وعبد الحميد بن عبد الهادي وسمع من عبد الله

(6/116)


117
ابن الخشوعي وابن خليل وابن البرهان وتفرد وأكثروا عنه قال الذهبي ونعم الشيخ كان له إجازة السبط وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة ومات قبله بشهر المعمر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي عن ثلاث وتسعين سنة روى الكثير بإجازة السبط انتهى وفيها شيخ الشافعية زين الدين عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس المعروف بابن الكتاني قال الأسنوي شيخ الشافعية في عصره بالاتفاق ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بالقاهرة قريبا من جامع الأزهر ثم سافر بعد سنة مع أبويه إلى دمشق لأن أباه كان تاجرا في الكتان من مصر إلى الشام فاستقر بها وتفقه وقرأ الأصول على البرهان المراغي والفقه على لاتاج الفركاح وأفتى ودرس ثم انتقل إلى الديار المصرية فتولى الحكم بالحكر ثم ولاه ابن جماعة الغربية ثم عز لنفسه وانقطع عن ابن جماع وهجره بلا سبب وتولى مشيخة حلقة الفقه بالجامع الحاكمي وخطابة جامع الصالح ومشيخة الخانقاه الطيبرسية بشاطىء النيل وتدريس المدرسة المنكدمرية للطائفة الشافعية ثم فوض إليه في آخر عمره مشيخة الحديث بالقبة المنصورية وكان نافرا عن الناس سيء الخلق يطير الذباب فيغضب ومن تبسم عنده يطرد إن لم يضرب وأفضى به ذلك إلي أنه في غالب عمره المتصل بالموت كان مقيما في بيته وحده لم يتزوج ولم يتسر ولم يقن رقيقا ولا مركوبا ولا دارا ولا غلاما ولم يعرف له تصنيف ولا تلميذ ومع ذلك كان حسن المحاضرة كثير الحكايات والأشعار كريما وكتب بخطه حواشي على الروضة وكان قليل الفتاوى توفي بمسكنه على شاطىء النيل بجوار الخانقاه التي مشيخته بيده يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر رمضان ودفن بالقرافة وفيها زين الدين أبو محمد عبادة بن عبد الغني بن عبادة الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي المفتي الشروطي المؤذن ولد في رجب سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع من القسم الأربلي وأبي الفضل بن عساكر وجماعة وطلب الحديث وكتب الأجزاء وتفقه على

(6/117)


الشيخ زين الدين بن المنجا ثم على الشيخ
118
تقي الدين بن تيمية قال الذهبي في معجم شيوخه كان فقيها عالما جيد الفهم يفهم شيئا من العربية والأصول وكان صالحا دينا ذا حظ من تهجد وإيثار وتواضع اصطحبنا مدة ونعم والله الصاحب هو كان يسع الجماعة بالخدمة والأفضال والحلم خرجت له أجزاء وحدث بحصبح مسلم انتهى وسمع من جماعة وتوفي في شوال ودفن بمقبرة الباب الصغير وفيها قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن المجد الأربلي ثم الدمشقي الشافعي روى عن ابن أبي اليسر وابن أبي عمر وجماعة وأفتى وناظر وحكم نحو ثلاث سنين وجاء على منصبه قاضي الممالك جلال الدين وتوفي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة نفرت به بغلته فرضت دماغه ومات إلى عفو الله بعد ست ليال وفيها الشيخ زين الدين أبو عبد الله محمد بن علم الدين عبد الله بن الشيخ الإمام زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد العثماني المعروف بابن المرحل الشافعي سمع من جماعة وأخذ الفقه والأصلين عن عمه الشيخ صدر الدين وغيره ونزل له عمه عن تدريس المشهد الحسيني بالقاهرة فدرس به مدة ثم قايض الشيخ شهاب الدين بن الأنصاري منه إلى تدريس الشامية البرانية والعذراوية فباشرهما إلى حين وفاته وناب في الحكم فحمدت سيرته ثم تركه وبيض كتاب الأشباه والنظائر لعمه وزاد فيه قال الذهبي العلامة مدرس الشامية الكبرى فقيه مناظر أصولي وكان يذكر للقضاء وقال السبكي ولد بعد سنة تسعين وستمائة وكان رجلا فاضلا دينا عالما عارفا بالفقه وأصوله صنف في الأصول كتابين وقال الصلاح الكتبي كان من أحسن الناس شكلا وربى على طريقة حميدة في عفاف وملازمة للاشتغال بالعلوم وانجماع عن الناس وكان يلقى الدروس بفصاحة وعذوبة لفظ قيل لم تكن دروسه بعيدة من دروس ابن الزملكاني وكان من أجود الناس طباعا وأكرمهم نفسا وأحسنهم ملتقى توفي في رجب ودفن بتربة لهم عند مسجد الذبان عند جده وفيها ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير

(6/118)


المؤمنين المستكفي كان سريا فقيها شجاعا مهيبا وسيما قيل هو
119
السبب في تسييرهم إلى قوص مات بقوص في ذي الحجة عن أربع وعشرين سنة وفيها قاضي القضاة شرف الدين أبو القسم هبة الله بن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين إبراهيم المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حماة وصاحب التصانيف الكثيرة ولد في رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع من والده وجده وعز الدين الفاروثي وجمال الدين بن مالك وغيرهم وأجاز له جماعة وتلا بالسبع وتفقه على والده وأخذ النحو عن ابن مالك وتفنن في العلوم وأفتى ودرس وصنف وولي قضاء حماة وعمى في آخر عمره وحدث بدمشق وحماة وسمع منه البرزالي والذهبي وخلق وقد خرج له ابن طغربك مشيخة كبيرة وخرج له البرزالي جزءا وذكره الذهبي في معجمه فقال شيخ العلماء بقية الأعلام صنف التصانيف مع العبادة والدين والتواضع ولطف الأخلاق ما في باعه من الكبر ذرة وله ترام على الصالحين وحسن ظن بهم وقال الأسنوي كان إماما راسخا في العلم صالحا خيرا محبا للعلم ونشره محسنا إلى الطلبة وصارت إليه الرحلة وقال السبكي انتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام وقصد من الأطراف توفي في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة وفيه يقول ابن الوردي ( حماة مذ فارقها شيخها * قد أعظم العاصي بها الفرية ) ( صرت كمن ينظرها بلقعا * أو كالذي مر على قرية ) ومن تصانيفه روضات الجنان في تفسير القرآن عشر مجلدات كتاب الفريدة البارزية في حل الشاطبية كتاب المجتبى كتاب المجتنى كتاب الوفا في أحاديث المصطفى مجلدان وغير ذلك وفيها القاضي جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم ابن جمله بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف المحجي الدمشقي الصالحي الشافعي ولد في سنة اثنتين وثمانين وستمائة وسمع من جماعة وأخذ عن الشيخين صدر الدين ابن الوكيل وشمس الدين بن النقيب وولي القضاء مدة سنة ونصف فشكرت سيرته ونهضته إلا أنه وقع بينه وبين بعض خواص النائب فعزل

(6/119)


وسجن مدة ثم أعطى
120
الشامية البرانية قال البرزالي خرجت له جزءا عن أكثر من خمسين نفسا وحدث به بالمدينة النبوية وبدمشق وكان فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوايد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولي قضاء دمشق نيابة واستقلالا ودرس بالمدارس الكبار توفي في ذي القعدة بدمشق عن سبع وخمسين سنة ودفن بسفح قاسيون عند والده وأقاربه سنة تسع وثلاثين وسبعمائة فيها هلك بطرابلس الشام تحت الزلزة ستون نفسا وفيها قدم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على قضاء الشافعية بالشام وفرح الناس به وفيها توفي الشيخ موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكي الشارعي فكان آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه وتوفي بمصر عن تسعين سنة وفيها القاضي كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين بن الأخنائي حدث عن الدمياطي وغيره وكان قاضي العساكر وناظر الخزانة بالقاهرة وبها توفي وفيها قال الذهبي شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد ابن العماد الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر درس بالعمادية وأفتى وحدث عن ابن أبي اليسر وابن الأوحد وجماعة انتهى وفيها نجم الدين حسين بن علي بن سيد الكل الأزدي المهلبي الأسواني الشافعي مولده سنة ست وأربعين وستمائة وتفقه على أبي الفضل جعفر التزمنتي وبرع وحدث وأشغل الناس بالعلم مدة كثيرة قال الشيخ تقي الدين السبكي وكان قد وصل إلى سن عالية وتحصل للطلبة انتفاع في الاشتغال عليه وهو فقيه حسن مفتي وله قدم هجرة وصحبة للفقراء يتخلق بأخلاق حسنة وقال الأسنوي كان ماهرا في الفقه يشغل في أكثر العلوم متصوفا كريما جدا مع الفاقة منقطعا عن الناس شريف النفس معزا للعلم اشتغل عليه الخلق طبقة بعد

(6/120)


121
طبقته وانتفعوا به وتصدر بمدرسة الملك بالقاهرة وتجرد مع الفقراء في البلاد توفي في صفر وقد زاحم المائة وفيها خطيب القدس زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي توفي بالقدس الشريف وفيها المعمر نجم الدين عبد الرحيم بن الحاج محمود الشيعي حدث عن ابن عبد الدايم وغيره وتوفي بالصالحية عن إحدى وتسعين سنة ذكره الذهبي وفيها عالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود بن شمايل البغدادي الحنبلي الإمام الفرض المتقن ولد في سابع عشرى جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وستمائة ببغداد وسمع بها الحديث من عبد الصمد بن أبي الجيش وابن الكسار وخلق وسمع بدمشق من الشرف ابن عساكر وجماعة وبمكة من الفخر التوزري وأجاز له ابن الخباري وأحمد بن شيبان وبنت مكي وغيرهم من أهل الشام ومصر والعراق وتفقه على أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري ولازمه حتى برع وأفتى ومهر في علم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة والمساحة ونحو ذلك واشتغل في أول عمره بعد التفقه بالكتابة والأعمال الدنيوية مدة ثم ترك ذلك وأقبل على العلم فلازمه مطالعة وكتابة وتدريسا وتصنيفا وأشغالا وإفتاء إلى حين موته وصنف في علوم كثيرة فمن مصنفاته شرح المحرر في الفقه ست مجلدات شرح العمدة مجلدان إدراك الغاية في اختصار الهداية مجلد لطيف وشرحه في أربع مجلدات تلخيص المنقح في الجدل تحقيق الأمل في علم الأصول والجدل اللامع المغيث في علم المواريث واختصر تاريخ الطبري في أربع مجلدات واختصر الرد على الرافضي للشيخ تقي الدين بن تيمية في مجلدين لطيفين واختصر معجم البلدان لياقوت وله غير ذلك وخرج لنفسه معجما لشيوخه بالسماع والإجازة نحوا من ثلثمائة شيخ وسمع منه خلق كثيرون وله شعر رائق منه ( لا ترج غير الله سبحانه * واقطع عرى الآمال من خلقه ) ( لا تطلبن الفضل من غيره * واضنن بماء الوجه

(6/121)


واستبقه )
122 (
فالرزق مقسوم وما لامرىء * سوى الذي قدر من رزقه ) ( والفقر خير للفتى من غنى * يكون طول الدهر في رقه ) توفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة عاشر صفر ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها قاضي حلب ذو الفنون فخر الدين عثمان بن علي الحلبي المعروف بابن خطيب جبرين بالباء الموحدة والراء قرية من قرى حلب وقد تقدمت ترجمته في سنة ثلاثين والصحيح وفاته في هذه السنة وفيها الشيخ شرف الدين أبو الحسين علي بن عمر البعلي شيخ الربوة والشبلية حدث عن الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وابن البخاري وطائفة وتوفي في المحرم وله بضع وثمانون سنة وفيها معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان بن الخراط حدث عن ابن البخاري وغيره وعمل خطبا ومقامات وتوفي بدمشق وفيها الحافظ محدث الشام وصاحب التاريخ والمعجم الكبير أول سماعه في سنة ثلاث وسبعين وستمائة وكان له من العمر عشر سنين وروى عن ابن أبي الخير وابن أبي عمر والعز الحراني وخلق كثير ووقف جميع كتبه وأوصى بثلثه وحج خمس مرات انتهى وقال ابن قاضي شهبة ولد سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع الجم الغفير وكتب بخطه ما لا يحصى كثرة وتفقه بالشيخ تاج الدين الفزاري وصحبه وأكثر عنه الشيخ تاج الدين في تاريخه وولي مشيخة دار الحديث النورية ومشيخة النفيسية وصنف التاريخ ذيلا على تاريخ أبي شامة بدأ فيه من عام مولده وهو السنة التي مات فيها أبو شامة في سبع مجلدات والمعجم الكبير وبلغ ثبته بضعا وعشرين مجلدا أثبت فيه كل من سمع منه وانتفع به المحدثون من زمانه إلى آخر القرن وقال الذهبي أيضا في معجمه الإمام الحافظ المتقن الصادق الحجة مفيدنا ومعلمنا ورفيقنا مؤرخ العصر ومحدث الشام مشيخته بالإجازة والسماع فوق الثلاثة آلاف وكتبه وأجزاؤه الصحيحة في عدة أماكن وهي مبذولة للطلبة وقراءته المليحة الفصيحة مبذولة لمن قصده

(6/122)


123
وتواضعه وبشره مبذول لكل غني وفقير توفي محرما بخليص في ذي الحجة وله أربع وسبعون سنة وأشهر وفيها بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصايغ الدمشقي الشافعي قال الذهبي القاضي الإمام القدوة العابد مدرس العمادية والدماغية حدث عن ابن شيبان والفخر وطائفة وحفظ التنبيه ولازم الشيخ برهان الدين وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصر على الامتناع فأعفى ثم ولى خطابة القدس وتركها وكان مقتصدا في أموره كثير المحاسن حج غير مرة وتوفي في جمادى الأولى عن ثلاث وستين سنة وفيها قاضي القضاة الإقليمين جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي دلف العجلي القزويني ثم الدمشقي الشافعي قال ابن قاضي شهبة مولده بالموصل سنة ست وستين وستمائة وتفقه على أبيه وأخذ الأصلين عن الأربلي وسكن الروم مع أبيه واشتغل في أنواع العلوم وسمع من أبي العباس الفاروثي وغيره وخرج له البرزالي جزءا من حديثه وحدث به وأفتى ودرس وناب في القضاء عن أخيه ثم عن ابن صصرى ثم ولي الخطابة بدمشق ثم القضاء بها ثم انتقل إلى قضاء الديار المصرية لما عمى القضاء بدر الدين بن جماعة فأقام بها نحو إحدى عشرة سنة ثم صرف في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين ونقل إلى قضاء الشام وألف تلخيص المفتاح في المعاني والبيان وشرحه بشرح سماه الإيضاح وقال الذهبي أفتى ودرس وناظر وتخرج به الأصحاب وكان مليح الشكل فصيحا حسن الأخلاق غزير العلم وأصابه طرف فالج مدة وقال ابن رافع حدثني وسمع منه البرزالي وخرج له جزءا من حديثه عن جماعة من شيوخه وصنف في الأصول كتابا حسنا وفي المعاني والبيان كتابين كبيرا وصغيرا ودرس بمصر والشام بمدارس وكان لطيف الذات حسن المحاضرة كريم النفس ذا عصبية ومودة وقال الأسنوي كان فاضلا في علوم

(6/123)


كريما مقداما ذكيا مصنفا
124
وإليه ينسب كتاب الإيضاح والتلخيص في علمي المعاني والبيان توفي بدمشق في جمادى الأولى ودفن بمقابر الصوفية وفيها شمس الدين محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي قال الذهبي شيخ بلاد الجزية الإمام القدوة كان عالما صالحا وقورا وافر الجلالة حج مرتين وروى عن الفخر علي بدمشق وببغداد وخلق أولادا كبارا لهم كفاية وحرمة وتوفي في أول ذي الحجة بقرية الحيال من عمل سنجار عن سبع وثمانين سنة وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن الجزري صاحب التاريخ الكبير قال الذهبي كان دينا خيرا ساكنا وقورا به صمم روى عن إبراهيم بن أحمد والفخر بن البخاري وسمع ولديه مجد الدين ونصير الدين كثيرا وكان عدلا أمينا وقال غيره كان من خيار الناس كثير المروءة من كبار عدول دمشق أقام يشهد على القضاة مدة وإذا انفرد بشهادة يكتفون به لوثوقهم به جمع تاريخا كبيرا ذكر فيه أشياء حسنة لا توجد في غيره توفي ببستانه الزعيفرانية في وسط السنة وله إحدى وثمانون سنة وفيها بأطرابلس الشيخ ناصر الدين محمد بن المعلم المنذري سمع المسند من ابن شيبان وفيها وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي المالكي قال الذهبي مات بالأسكندرية قاضيها العلامة سنة أربعين وسبعمائة في صفر هبت بجبل طرابلس سموم وعواصف على جبال عكا وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا ويبست ثمارا وأحرقت منازل وكان ذلك آية ونزل من السماء نار بقرية الفسيحة على قبة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت وصح هذا واشتهر قاله في العبر وبهذه السنة ختم الذهبي كتابيه العبر والدول وفيها توفي نجم الدين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي الصوفي أحد الأعيان الصوفية

(6/124)


125
وأكابر الفقهاء القادرية حدث عن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وكان خاتمة أصحابه وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وجماعة وولي مشيخة الشبلية والأسدية وتوفي بدمشق في رجب عن تسعين سنة أو أكثر وفيها مجد الدين أبو بكر بن إسمعيل بن عبد العزيز الزنكلوني المصري الشافعي ولد سنة تسع وسبعين وستمائة وتفقه على مشايخ عصره قال ابن قاضي شهبة ولا أحفظ عمن أخذ منهم وسمع الحديث وتصدى للاشتغال والتصنيف وممن أخذ عنه الشيخ جمال الدين الأسنوي وذكر له في طبقاته ترجمة حسنة فقال كان إماما في الفقه أصوليا محدثا نحويا ذكيا حسن التعبير قانتا لله لا يمكن أحدا أن تقع منه غيبة في مجلسه صاحب كرامات منقبضا عن الناس ملازما لشأنه لا يتردد إلى أحد من الأمراء ويكره أن يأتوا إليه وراض نفسه إلى أن صار يحمل طبق العجين على كتفه إلى الفرن ويعود به مع كثرة الطلبة عنده وكان ملازما للأشغال ليلا ونهارا ويمزج الدروس بالوعظ وبحكايات الصالحين ولذلك بارك الله في طلبته وحصل لهم نفع كبير وكان حسن المعاشرة كثير المروءة ولي مشيخة الخانقاه البيرسية وتدريس الحديث بها وبالجامع الحاكمي توفي في ربيع الأول ودفن بالقرافة وزنكلون قرية من بلاد الشرقية من أعمال الديار المصرية وأصلها سنكلوم بالسين المهملة في أولها والميم في آخرها إلا أن الناس لا ينطقون إلا الزنكلوني ولذلك كان الشيخ يكتبه بخطه كذلك غالبا ومن تصانيفه شرح التنبيه الذي عم نفعه للمتفقهة ورسخ في النفوس وقعه والمنتخب مختصر الكفاية وشرح المنهاج نحو شرح التنبيه وشرح التعجيز ومختصر التبريزي وغير ذلك وفي حدودها علاء الدولة وعلاء الدين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد السمناني ذكره الأسنوي في طبقاته وقال كان إماما عالما مرشدا له مصنفات كثيرة في التفسير والتصوفي وغيرهما وفيها القاضي محي الدين إسمعيل بن يحيى بن إسمعيل بن نصر بن جهبل أبو الفدا الحلبي الأصل الدمشقي الشافعي ولد بدمشق في

(6/125)


سنة ست وستين وستمائة واشتغل وحصل وحدث عن ابن عطا وابن البخاري وأفتى ودرس بالأتابكية وسمع منه جماعة
126
منهم البرزالي وخرج له مشيخة وحدث بها وناب في الحكم بدمشق وولي قضاء طرابلس مدة ثم عزل منها وعاد إلى دمشق وتوفي في شعبان ودفن عند أخيه بمقبرة الصوفية وفيها مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية المرأة الصالحة العذراء روت عن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا واليلداني وسبط ابن الجوزي وجماعة وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية وابن الخير وابن العليق وعدد كثير وتكاثروا عليها وتفردت وروت كتبا كبارا وتوفيت في تاسع عشر جمادى الأولى عن أربع وتسعين سنة وفيها الخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله ولد في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة واشتغل قليلا وبويع بالخلافة بعهد من أبيه في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية وصارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار والممالك الإسلامية وكانوا يسكنون بالكبش فنقلهم السلطان إلى القعلة وأفرد لهم دارا وتوفي بقوص وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة وبويع أخوه إبراهيم بغير عهد وفيها قبض على الصاحب شرف الدين عبد الوهاب القبطي في صفر وصودر واستصفيت حواصله بمباشرة لأمير سيف الدين شنكر الناصري ومن جملة ما وجد له صندوق ضمنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار وصليب مجوهر ووجد بداره كنيسة مرخمة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها واستمر الملعون في العقوبة حتى هلك في ربيع الآخر وفيها في ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللبادين القبلية وما تحتها وما فوقها إلى عند سوق الكتب واحترق سوق الوراقين وسوق الذهب وحاصل الجامع وما حوله والمأذنة الشرقية وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر قاله في العبر والله أعلم وفيها الحسن بن إبرهيم بن أبي خالد البلوي قال

(6/126)


في تاريخ غرناطة كان أديبا فقيها نحويا أخذ عن أبي خميس وأبي الحسن القيجاطي ومات
127
يوم عيد الفطر وفيها أبو عامر محمد بن عبد الله بن عيد العظيم بن أرقم النميري الوادياشي قال في تاريخ غرناطة كان أحمد شيوخه مشاركا في فنون من فقه وأدب وعربية وهي أغلب الفنون عليه مطرحا مخشوشنا مليح الدعابة كثير التواضع بيته معمور بالعلماء أولى الأصالة والتعين تصد رببلده للفتيا والأسماع والتدريس وكان قرأ على أبي العباس بن عبد النور وأبي خالد بن أرقم وروى عنه ابن الزبير وأبو بكر بن عبيد وغيرهما وله شعر مات ببلده انتهى وفيها شمس الدين محمد المغربي الأندلسي قال ابن حجر كان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار حسن الفهم عارفا بعدة علوم خصوصا بالعربية أقام بحماة مدة وولي قضاءها ثم توجه إلى الروم فأقام بها وأقبل عليه الناس مات ببرصا في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة في ذي الحجة منها كانت زلزلة عظيمة بمصر والشام والأسكندرية مات فيها تحت الردم ما لا يحصى وغرقت مراكب كثيرة وتهدمت جوامع ومواذن لا تعد وفيها كانت واقعة طريف ببلاد المغرب قال لسان الدين في كتاب الإحاطة استشهد فيها جماعة من الأكابر وغيرهم وكان سببها أن سلطان فاس أمير المسلمين أبا الحسن علي بن عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق المزيني جاز البحر إلى جزيرة الأندلس برسم الجهاد ونصرة أهلها على عدوهم حسبما جرت بذلك عادة سلفه وغيرهم من ملوك العدوة وشمر عن ساعد الاجتهاد ووجد من الجيوش الإسلامية نحو ستين ألفا وجاء إليه أهل الأندلس بقصد الأمداد وسلطانهم ابن الأحمر ومن معه من الأجناد فقضى الله الذي لا مرد لما قدره أن سارت تلك الجموع مكسرة ورجع السلطان أبو الحسن مغلولا وأضحلا حسام الهزيمة عليه وعلى من معه مسلولا ونجا برأس طمرة ولجام ولا تسل كيف وقتل جمع من أهل الإسلام وجملة وافرة من الأعلام وأمضى فيهم حكمه السيف وأسر ابن السلطان وحريمه وانتهبت ذخائره واستولى على

(6/127)


الجميع أيدي
128
الكفر والحيف واشرأب العدو الكافر لأخذ ما بقي من الجزيرة ذات الظل الوريف وثبت قدمه في بلد طريف وبالجملة فهذه الواقعة من الدواهي المعضلة الداء والأزراء التي تضعضع لها ركن الدين بالمغرب وقرت بذلك عيون الأعداء انتهى وممن استشهد في هذه الواقعة والد لسان الدين بن الخطيب هو عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني قال لسان الدين في الأكليل في حق والده هذا إن طال الكلام وجمحت الأقلام كنت كما قيل مادح نفسه يقرئك السلام وإن أجمحت فما سديت في الثناء ولا ألحمت أضعت الحقوق وخفت ومعاذ الله العقوق هذا ولو أني زجرت طير البيان عن أوكاره وجئت بعون الإحسان وأبكاره لما قضيت حقه بعد ولا قلت إلا بالذي علمت سعد فقد كان رحمه الله ذمر عزم ورجل رجاء وازم تروم أنوار خلاله الباهرة وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة ذكاء يتوقد وطلاقة يحسد نورها الفرقد وكانت له في الأدب فريضة وفي النادرة العذبة منادح عريضة تكلمت يوما بين يديه في مسائل من الطب وأنشدته أبياتا من شعرى ورقاعا من أنشائي فتهلل وما برح أن ارتجل ( الطب والشعر والكتابة * سماتنا في بنى النجابة ) ( هن ثلاث مبلغات * مراتبا بعضها الحجابة ) ووقع لي يوما بخطه على ظهر أبيات بعثتها إليه أعرض نمطها عليه ( وردت كما صد رالنسيم بسحرة * عن روضة جاد الغرام رباها ) ( فكأنما هاروت أودع سحره * فيها وآثرها به وحباها ) ( مصقولة الألفاظ يبهر حسنها * فبمثلها افتخر البليغ وباها ) ( فقررت عينا عند رؤية وجهها * أني أبوك وكنت أنت أباها ) ومن شعره ( عليك بالصمت فكم ناطق * كلامه أدى إلى كلمه )

(6/128)


129 (
أن لسان المرء أهدى إلى * غرته والله من خصمه ) ( يرى صغير الجسم مستضعفا * وجرمه أكبر من جرمه ) وقال في الإحاطة كان من رجال الكمال طلق الوجه فقد في الكائنة العظمى بطريف يوم الإثنين سابع جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ثابت الجأش غير جذوع ولا هيابة حدثني الخطيب بالمسجد الجامع من غرناطة الفقيه أبو عبد الله بن اللوشي قال كبا باخيك الطرف وقد غشي العدو فجنحت إلى أردافه فانحدر إليه والدك وصرفني وقال أنا أولى به فكان آخر العهد بهما انتهى وذكر في الإحاطة أن مولده بغرناطة في جمادى الأولى عام اثنين وسبعين وستمائة وفيها افتخار الدين أبو عبد الله جابر بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي الكاتي بالمثناة أو المثلثة الحنفي النحوي ولد في عاشر شوال سنة سبع وستين وستمائة وقرأ على خاله أبي المكارم وقرأ المفصل والكشاف على أبي عاصم الأسفندري واشتغل ببلاده ومهر وقدم القاهرة فسمع من الدمياطي وولي مشيخة الجاولية التي بالكبش وباشر الإفتاء والتدريس بأماكن وقدم مكة وقرأ الصحيح علي التوزري وتكلم على أماكن فيه من جهة العربية ودرس بالقدس ومكة وكان فاضلا حسن الشكل مليح المحاضرة مات بالقاهرة في منتصف المحرم وفيها برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر الفرضي سمع بدمشق من عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر وغيرهما وتفقه وأفتى قديما ودرس وناظر وولي نيابة الحكم عن علاء الدين ابن المنجا وغيره ودرس بالحنبلية من حين سجن الشيخ تقي الدين بالقلعة في المرة التي توفي فيها فساء ذلك أصحاب الشيخ ومحبيه واستمر بها إلى حين وفاته وكان بارعا في أصول الفقه والفرائض والحساب وإليه المنتهى في التحري وجودة الخط وصحة الذهن وسعرة الإدراك وقوة المناظرة وحسن الخلق لكنه كان قليل الاستحضار

(6/129)


130
لنقل المذهب وكان قاضي القضاة أبو الحسن السبكي يسميه فقيه الشام وكان فيه لعب وعليه في دينه مآخذ سامحه الله تعالى وتفقه وتخرج له جماعة ولم يصنف كتابا معروفا توفي في وقت صلاة الجمعة سادس عشر رجب ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الحسين بن أبي بكر بن الحسين الأسكندري المالكي النحوي قال في الدرر ولد سنة أربع وخمسين وستمائة واشتغل بالعلم خصوصا العربية وانتفع به الناس وجمع تفسيرا في عشر مجلدات وحدث عن الدمياطي وتوفي في ذي الحجة وفي حدودها الشيخ علي بن عبد الله الطواشي اليمني الصوفي الكبير العارف الشهير ذو الأحوال السنية والمقامات العلية وحسبك فيه ما قاله تلميذه ومريده الإمام اليافعي من أبيات ( إذا قصد الزوار للبيت كعبة * علي بن عبد الله قصدي وكعبتي ) وفيها ركن الدين شافع بن عمر بن إسمعيل الفقيه الحنبلي الأصولي نزيل بغداد سمع الحديث ببغداد على إسمعيل بن الطبال وابن الدواليبي وغيرهما وتفقه على الشيخ تقي الدين الزريراتي وصاهره على ابنته وأعاد عنده بالمستنصرية وكان رئيسا نبيلا فاضلا عارفا بالفقه والأصول والطب مراعيا لقوانينه في مأكله ومشربه ودرس بالمجاهدية بدمشق واقرأ جماعة من الأئمة الأربعة قال ابن رجب منهم والدي وله مصنف في مناقب الأئمة الأربع سماه زبدة الأخبار في مناقب الأئمة الأربعة الأبرار وكان قاصر العبارة لأن في لسانه عجمة ومدرسة المجاهدية تعرف الآن بالحجازية ثم صارت اصطبلا خيل الطانشمندية لا حول ولا قوة إلا بالله توفي المتركم ببغداد يوم الجمعة ثاني عشر شوال ودفن بدهليز تربة الإمام أحمد رضي الله عنه وفيها شرف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن إسمعيل الزريراتي البغدادي الحنبلي بن شيخ العراق تقي الدين أبي بكر المتقدم ذكره ولد ببغداد ونشأ بها وحفظ المحرر وسمع الحديث واشتغل ثم رحل إلى دمشق فسمع من زينب بنت الكمال وجماعة من أصحاب ابن عبد الدايم وخطيب مردا

(6/130)


وطبقتهما
131
وارتحل إلى مصر وسمع من مسندها يحيى بن المصري وغيره ولقي بها أبا حيان وغيره ثم رجع إلى بغداد بفضائل جمة ودرس للحنابلة بالبشرية بعد وفاة صفي الدين بن عبد الحق ثم درس بالمجاهدية بعد وفاة صهره المترجم قبله شافع ولم تطل بها مدته قال ابن رجب وحضرت درسه وأنا إذ ذاك صغير لا أحققه جيدا وناب في القضاء ببغداد واشتهرت فضائله وخطه في غاية الحسن وألف مختصرات في فنون عديدة وتوفي ببغداد يوم الثلاثاء عشر ذي الحجة ودفن عند والده بمقبرة الإمام أحمد وله من العمر نحو الثلاثين سنة رحمه الله تعالى وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الشافعي خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق ولد ببغداد سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع الحديث وكان صالحا خيرا جمع وألف فمن تأليفه تفسير القرآن العظيم وشرح عمدة الأحكام وأضاف إلى جامع الأصول مسند الإماء أحمد وسنن ابن ماجة وسنن الدارقطني وسماه مقبول المنقول وجمع سيرة وحدث ببعض مصنفاته وكان صوفيا بالخانقاه المذكورة وكان بشوش الوجه ذا تودد وسمت حسن توفي في شعبان وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام بن حسان التكي ثم الصالحي القدوة الزاهد الفقيه الحنبلي ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وصحب الشيخ شمس الدين ابن الكمال وغيره من العلماء والصلحاء وكان صالحا تقيا من خيار عباد الله يقتات من عمل يده وكان عظيم الحرمة مقبول الكلمة عند الملوك وولاة الأمور ترجع إلى رأيه وقوله أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر ذكره الذهبي في معجم شيوخه وقال كان مشارا إليه في الوقت بالإخلاص وسلامة الصدر والتقوى والزهد والتواضع التام والبشاشة ما أعلم فيه شيئا يشينه في دينه أصلا وقال ابن رجب حدث بالكثير وسمع منه خلق وأجاز لي ما تجوز له روايته بخط يده وتوفي في ثالث عشر ربيع الأول ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن

(6/131)


حيدرة بن علي بن عقيل الإمام العالم الفقيه الشافعي
132
المفتي المدرس الكبير بن القماح القرشي المصري ولد في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة وسمع الكثير وقرأ الحديث بنفسه وكتب بخطه وتفقه على الظهير الترميني وغيره وبرع وأفتى ودرس بقبة الإمام الشافعي إلى حين وفاته بعد أن أعاد بها خمسين سنة وناب في الحكم مدة سنسن وسمع منه خلق كثير من الفقهاء والمحدثين قال الأسنوي كان رجلا عالما فاضلا فقيها محدثنا حافظا لتواريخ المصريين ذكيا إلا أن نقله يزيد على تصرفه وكان سريع الحفظ بعيد النسيان مواظبا على النظر والتحصيل كثير التلاوة سريعا متوددا توفي في ربيع الآخر أو الأول ودفن بالقرافة وفيها شرف الدين محمد بن عبد المنعم المنفلوطي المعروف بابن المعين الشافعي تفقه بالشيخ نجم الدين البالسي وغيره وقرأ الأصول على الشمس المحوجب قال الكمال الأدفوي كان أديبا فقيها شاعرا اختصر الروضة وتكلم على أحاديث المهذب وسماه الطراز المذهب انتهى وفيها عز الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن يوسف الأفقهسي المصري سمع بالقاهرة ودمشق من جماعة قال ابن رافع ودرس بدمشق وكان كثير النقل لفروع مذهبه قوي الحافظة قيل أنه حفظ محر رالرافعي في شهر وستة أيام توفي بدمشق شابا رحمه الله تعالى وفيها أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن بكر بن سعد الأشعري المالقي يعرف بابن بكر قال في تاريخ غرناطة كان من صدور العلماء وأعلام الفضل معرفة وتفننا ونزاهة عارفا بالأحكام والقراءات مبررا في الحديث والتاريخ حافظا للأنساب والأسماء والكنى قائما على العربية مشاركا في الأصول والفروع واللغة والفرائض والحساب أصيل النظر منصفا مخفوض الجناح حسن الخلق عطوفا على الطلبة محبا للعلم والعلماء أخذ القراءات والعربية والفقه والحديث والأدب عن الأستاذ أبي محمد بن أبي السداد الباهلي وابن الزبير وابن رشيد وغيرهم وأجاز له جماعة من سبتة

(6/132)


وأفريقبة والمشرق منهم الشرف الدمياطي والأبرقوهي وولي الخطابة والقضاء بغرناطة فصدع بالحق وتصدر لنشر العلم فاقرأ العربية والفقه
133
والقراءات والأصول والفرائض والحساب وعقد مجلس الحديث شرحا وسماعا مولده في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وستمائة ووقف في مصاف المسلمين يوم المساحة الكبرى بظاهر طريف فكبت به بغلته فمات منها وذلك يوم الإثنين سابع جمادى الأولى انتهى وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام قال المقرىء في التعريف بابن الخطيب قال مولاي الجد رحمه الله تعالى فممن أخذت عنه علماها يعني تلمسان الشامخان وعالماها الراسخان أبو زيد عبد الرحمن وأبو موسى عيسى ابنا محمد بن عبد الله بن الإمام وكانا قد رحلا في شبابهما من بلدهما برشك إلى تونس فأخذا بها عن ابن جماعة وابن العطار والنفزي وتلك الحلبة وأدركا المرجاني وطبقته من أعجاز المائة السابعة ثم وردا في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المسلمين أبي يعقوب وهو محاصر لها وفقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن مخلف التنسي وكان قد خرج إليه برسالة من صاحب تلمسان المحصورة فلم يعد وارتفع شأنه عند أبي يعقوب حتى أنه شهد جنازته ولم يشهد جنازة غيره وقام على قبره وقال نعم الصاحب فقدنا اليوم ثم زادت حظوتهما عند أمير المسلمين أبي الحسن إلى أن توفي أبو زيد في العشر الأوسط من رمضان عام أحد وأربعين وسبعمائة بعد وقعة طريف بأشهر فزادت مرتبة أبي موسى عند السلطان وكانا رحلا إلى المشرق في حدود العشرين وسبعمائة فلقيا علاء الدين القونوي وجلال الدين القزويني صاحب البيان وسمعا صحيح البخاري على الحجاز وناظرا تقي الدين بن تيمية وظهرا عليه وكان ذلك من أسباب محنته وكان شديد الإنكار على الإمام فخر الدين حدثني شيخي العلامة أبو عبد الله الأيلي أن عبد الله بن إبراهيم الزنوري أخبره أنه سمع ابن تيمية ينشد لنفسه ( محصل في أصول الدين حاصله * من بعد تحصيله علم بلا

(6/133)


دين ) ( أصل الضلالة والإفك المبين فما * فيه فأكثره وحي الشياطين ) قال وكان في يده قضيب فقال والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب وشهدت مجلسا
134
عند السلطان قرىء فيه على أبي زيد بن الإمام حديث لقنوا موتاكم لا إله إلا الله في صحيح مسلم فقال له الأستاذ أبو إسحق بن حكم السلوي هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم والأصل الحقيقة فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض التنقيح أي للقرافي فقلت زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة إجماعا وعلى هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال وذكر أبو زيد بن الإمام يوما في مجلسه أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشرطيتين ( ^ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) فإنها يستلزمان بحكم الإنتاج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهو محال ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين فقال ابن الحاكم قال الخونجي والإهمال بالإطلاق لفظ لو وأن في المتصلة فهاتان القضيتان على هذا مهملتان والمهملة في قوة الجزئية ولا قياس عن جزءيتين انتهى وفيها الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي ولد في صفر وقيل في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة وشوهد منه أنه ولد وكفاه مقبوضتان ففتحتهما الداية فسال منهما دم كثير ثم سار يقبضهما فإذا فتحهما سال منهما دم كثير فأول ذلك بأنه يسفك على يديه دماء كثيرة فكان كذلك وولي السلطنة عقب قتل أخيه الأشرف وعمره تسع سنين فولي السلطنة سنة إلا ثلاثة أيام ثم خلع بكتبغا وكان كتبغا قد جهز الناصر إلى الكرك بعد أن حلف له أنه إذا ترعرع وترجل يفرغ له عن المملكة بشرط أن يعطيه مملكة الشام استقلالا ثم أحضر الناصر من الكرك إلى مصر سنة ثمان وتسعين وسلطنوه ثانيا واستقر بيبرس الجاشنكير

(6/134)


دويدارا وسلار نائبا في السلطنة ولم يكن للناصر معهما حكم البتة واستقر اقش الأفرم نائب دمشق وحضر الناصر وقعة غازان سنة تسع وتسعين وثبت الناصر الثبات القوي وجرى لغازان بدمشق ما اشتهر وقطعت خطبة الناصر من دمشق مدة ثم أعيدت فتحرك غازان في العود فوصل إلى حلب ثم رجع
135
وفي شعبان سنة اثنتين وسبعمائة كانت وقعة شقحب وكان للناصر فيها اليد البيضاء من الثبات والفتك ووقع النصر للمسلمين ثم في سنة ثمان وسبعمائة أظهر الناصر أنه يطلب الحج فتوجه إلى الكرك وأقام بها وطرد نائب الكرك إلى مصر وأعرض علن المملكة لاستبداد سلار وبيبرس دونه بالأمور وكتب الناصر إلى الأمراء بمصر يترقق لهم ويستعفيهم من السلطنة ويسألهم أن يتركوا له الكرك فوافقوه على ذلك وتسلطن ببيرس الجاشنكير ثم قصد الناصر مصر في سنة تسع وسبعمائة فاستقر في دست سلطنته يوم عيد الفطر ولما استقرت قدمه قبض على أكثر الأمراء وعزل وولي وحج وجدد خيرات كثيرة وبنى جوامع ومدارس وخوانق وفتحت في أيامه ملطية وطرسوس وغيرهما واشترى المماليك فبالغ في ذلك حتى اشترى واحدا بما يزيد على أربعة آلاف دينار قال في الدرر ولم ير أحد مثل سعادة ملكه وعدم حركة الأعادي عليه برا وبحرا مع طول المدة فمنذ وقعة شقحب إلى أن مات لم يخرج عليه أحد ووجدت له إجازة بخط البرزالي من ابن مشرف وغيره وسمع من ست الوزراء وابن الشحنة وخرج له بعض المحدثين جزءا وكان مطاعا مهيبا عارفا بالأمور يعظم أهل العلم والمناصب الشرعية ولا يقرر فيها إلا من يكون أهلا لها وتوفي في تاسع عشرى ذي الحجة بقلعة مصر في آخر النهار وحمل ليلا إلى المنصورية فغسل بها وصلى عليه عز الدين بن جماعة القاضي إماما بحضرة أناس قلائل من الأمراء وحصل للمسلمين بموته ألم شديد لأنهم لم يلقوا مثله وعهد قيل موته لولده الملك المنصور فجلس على كرسي الملك قبل موت والده بثلاثة أيام والله أعلم سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وفي محرمها بايع

(6/135)


السلطان الملك المنصور الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد بن الخليفة المستكفي للخلافة بعهد من والده وجلس مع السلطان على كرسي
136
واحد وبايعهم القضاة وغيرهم وفيها توفي السلطان الملك المنصور أبو بكر بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلع في صفر قال السيوطي لفساده وشرب الخمور حتى قيل أنه جامع زوجات أبيه ونفى إلى قوص وقتل بها وتسلطان أخوه الملك الأشرف كجك ثم خلع من عامه وولي أخوه أحمد ولقب الناصر وعقد المبايعة بينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدين السبكي قاضي الشام وكان قد حضر معه وفيها الحافظ الكبير جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزهر الإمام العلامة الحافظ الكبير المزي الشافعي قال ابن قاضي شهبة شيخ المحدثين عمدة الحفاظ أعجوبة الزمان الدمشقي المزي مولده في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب ونشأ بالمزة قرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي وحصل طرفا من العربية وبرع في التصريف واللغة ثم شرع في طلب الحديث بنفسه وله عشرون سنة وسمع الكثير ورحل قال بعضهم ومشيخته نحو الألف وبرع في فنون الحديث وأقر له الحفاظ من مشايخه وغيرهم بالتقدم وحدث بالكثير نحو خمسين سنة فسمع منه الكبار والحفاظ وولي دار الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصفا وقال ابن تيمية لما باشرها لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط للواقف منه لقول الواقف فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الرواية وقال الذهبي في المعجم المختص شيخنا الإمام العلامة الحافظ الناقد المحقق المفيد محدث الشام طلب الحديث سنة أربع وسبعين وهلم جرا وأكثر وكتب العالي والنازل بخطه المليح المتقن وكان عارفا بالنحو والتصريف بصيرا باللغة يشارك في الأصول والفقه ويخوض في مضايق العقول انتهى وقال السبكي في

(6/136)


137
الطبقات ولا احسب شيخنا المزي يدري المعقولات فضلا عن الخوض في مضايقها فسامح الله شيخنا الذهبي ثم قال الذهبي ويدري الحديث كما في النفس متنا وإسنادا وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم ومن نظر في كتابه تهذيب الكمال علم محله من الحفظ فما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه في معناه وكان ينطوي على سلامة باطن ودين وتواضع وفراغ عن الرياسة وحسن سمت وقلة كلام وحسن احتمال وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيان وابن سيد الناس وغيرهما من علماء العصر توفي في صفر ودفن بمقابر الصوفية غربي قبر صاحبه ابن تيمية ومن تصانيفه تهذيب الكمال والأطراف وغيرهما سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة في محرمها جمع الناصر الأموال التي في قلعة الجبل وأخذها وراح إلى الكرك وترك الملك ونسبت إليه أشياء قبيحة فخلعوه من السلطنة وبايعوا أخاه السلطان الصالح إسمعيل فأرسل جيشا إلى محاربة الناصر أحمد في الكرك وأظهر أنه يطلب الأموال ووقع بالشام غلاء بسبب هذا الحصار وفيها توفي الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل البعلبكي روى عن التاج بن عبد الخالق بن عبد السلام وتوفي في شعبان قاله في الدرر وفيها الإمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي شارح الكشاف العلامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان قال ابن حجر كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن مقبلا على نشر العلم متواضعا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة مظهرا فضائحهم مع استيلائهم حينئذ شيديد الحب لله ورسوله كثير الحياء ملازما لاشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع بل يجديهم ويعينهم ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم من يعرف ومن لا يعرف محبا لمن عرف منه تعظيم الشريع وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة فلم يزل ينفقه في وجوه الخيرات حتى صار في آخر عمره فقيرا صنف شرح الكشاف والتفسير

(6/137)


138
والتبيان في المعاني والبيان وشرحه وشرح المشكاة وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجه إلى مجلس الحديث فصلى النافلة وجلس ينتظر إقامة الفريضة فقضى نحبه متوجها إلى القبلة وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشرى شعبان قال السيوطي ذكر في شرحه على الكشاف أنه أخذ من أبي حفص السهروردي وأنه قبيل الشروع في هذا الشرح رأى النبي وقد ناوله قدحا من اللبن فشرب منه وفيها الأمير صارم الدين صاروجا بن عبد الله المظفري كان أميرا في أول دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون بالديار المصرية وكان صاحب أدب وحشمة ومعرفة ولما أعطى الملك الناصر تنكز إمرة عشرة جعل صاروجا هذا أغاه له وضمه إليه فأحسن صاروجا لتنكز ودربه واستمر إلى أن حضر الملك الناصر من الكرك اعتقله ثم أفرج عنه بعد عشر سنين تقريبا وأنعم عليه بإمرة في صفد فأقام بها نحو سنتين ونقل إلى دمشق أميرا بها بسفارة تنكز نائب الشام فلما وصل إلى دمشق عن له تنكز خدمته السالفة وحظي عنده وصارت له كلمة بدمشق وعمر بها عماير مشهورة به منها السويقة التي خارج دمشق إلى جهة الصالحية ولما أمسك تنكز قبض على صاروجا وحضر مرسوم بتكحيله فكحل وعمى ثم ورد مرسوم بالعفو عنه ثم جهز إلى القدس الشريف فأقام به إلى أن مات في أواخر هذه السنة وفيها تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله الإمام الأديب البارع اليماني الأصل المكي الشافعي ولد في رجب سنة ثمانين وستمائة بمكة وقدم دمشق ومصر وحلب ودرس بالمشهد النفيسي وأقام باليمن مدة وولي الوزارة ثم عزل وصودر ثم استقر بالقدس ودرس به واشتغل وله تآليف منها مطرب السمع في شرح حديث أم زرع ومنها لقطة العجلان المختصر في وفيات الأعيان وسمع منه البرزالي والذهبي وذكراه في معجميهما وابن رافع وخلائق وكتب عنه الشيخ أبو حيان وأثنى عليه وأكثر وعمل تاريخا للنحاة واختصر

(6/138)


الصحاح توفي بالقاهرة في
139
شهر رمضان رحمه الله تعالى وفيها برهان الدين عبيد الله بن محمد الشريف برهان الدين الحسيني الشافعي الفرغاني المعروف بالعبري بكسر العين المهملة كما قاله ابن شهبة وقال لا أدري نسبته إلى أي شيء وقال السيوطي بالضم والسكون نسبة إلى عبرة بطن من الأزد قاضي تبريز كان جامعا لعلوم شتى من الأصلين والمعقولات وله تصانيف مشهورة وسكن السلطانية مدة ثم انتقل إلى تبريز وشرح كتب البيضاوي المنهاج والغاية القصوى والمصباح والمطالع وقال الحافظ زين الدين العراقي في ذيل العبر كان حنيفيا يقرىء مذهب أبي حنيفة والشافعي وصنف فيهما وقال الذهبي في المشتبه السيد العبري عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة وقال بعض فضلاء العجم كان مطاعا عند السلاطين مشهورا في الآفاق مشارا إليه في جميع الفنون ملاذا للضعفاء كثير التواضع والإنصاف توفي في رجب أو في ذ الحجة وفيها أو في التي قبلها وجزم به السيوطي في طبقات النحاة أبو المعالي محمد بن يوسف بن علي بن محمود الصبري بلدا قاضي تعز كان ذا فضل في الفقه والنحو والحديث والقراءات السبع والفراض كثير الصلاح والورع والعبادة ساعيا في قضاء حوائج الناس حج في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة مع الملك المجاهد صاحب اليمن وتوفي آخر يوم عرفة من هذا العام مبطونا وغسل بمنى ودفن بالأبطح انتهى وفيها شرف الدين محمود بن محمد بن نحمد بن محمود الدركزيني بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الكاف والزاي نسبة إلى دركزين بلد بهمذان القرشي الطالبي العالم الصالح الشافعي قال الأسنوي كان عالما زاهدا كثير العبادة شديد الاتباع للسنة صاحب كرامات أجمع عليه الخاصة والعامة والملوك والعلماء فمن دونهم وكان طويلا جدا جهوري الصوت حسن الخلق والخلق جوادا من بيت علم ودين صنف في الحديث كتابا سماه نزل السائرين في مجلد وشرح منازل السائرين في جزءين توفي في شعبان بدركزين ودفن بها والله أعلم

(6/139)


140
سنة أربع وأربعين وسبعمائة في جمادى الآخرة منها قتل إبراهيم بن يوسف المقصاتي الرافضي إلى لعنة الله شهد عليه بسب الصحابة رضي الله عنهم وقذف عائشة والوقع في حق جبريل عليه السلام وفيها توفي القاضي تاج الدين أحمد بن عثمان بن إبرهيم بن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني الحنفي قال في الدرر ولد بالقاهرة ليلة السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وستمائة واشتغل بأنواع العلوم ودرس وأفتى وناب في الحكم وصنف في الفقه والأصلين والحديث والعربية والعروض والمنطق والهيئة وغالبها لم يكمل وسمع من الدمياطي وابن الصواف والحجار وحدث ومات في أوائل جمادى الأولى وله نظم وسط وفيها حسن بن محمد ابن أبي بكر السكاكيني قال في الدرر كان أبوه فاضلا في عدة علوم متشيعا من غير سب ولا غلو فنشأ ولده هذا غاليا في الرفض فثبت عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بدمشق وثبت عليه أنه أكفر الشيخين وقذف ابنتيهما ونسب جبريل إلى الغلط في الرسالة إلى غير ذلك فحكم بزندقته وبضرب عنقه فضربت بسوق الخيل حادي عشر جمادى الاولى وفيها شهاب الدين أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن أبي العز بن نعمة الإمام البارع المحقق النحوي الشافعي المصري المعروف بابن المرحل قال ابن شهبة سمع من جماعة واشتغل في العلم ومهر في النحو وقد انتهت إليه وإلى الشيخ أبي حيان مشيخة النحو بالديار المصرية وأخذ عنه جمال الدين بن هشام وهو الذي نوه باسمه وعرف بقدره وقال أن الاسم في زمانه كان لأبي حيان والانتفاع بابن المرحل وقال ابن رافع وخرجت له جزءا من حديثه عن بعض شيوخه وتصدر بالجامع الحاكمي وأشغل الناس بالعلم مدة وانتفع به جماعة وقال الأسنوي كان فاضلا فقيها إماما في النحو مدققا فيه محققا عارفا باللغة وعلم البيان والقراءات وتصدر بالجامع الحاكمي مدة طويلة وانتفع به وتخرجت به الطلبة

(6/140)


141
وصاروا أئمة فضلاء توفي في المحرم بالقاهرة وقد جاوز الستين وممن أخذ عنه الشيخ شمس الدين بن الصايغ الحنفي ورثاه بقصيدة وفيها الحافظ أبو حامد محمد بن أيبك السروجي كان علامة ثقة متقنا وممن عده من الحفاظ ابن ناصر الدين قال في بديعته محمد بن أيبك السروجي دار ذرى مواطن العروج وفيها الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل ثم الصالحي الفقيه الحنبلي المقرىء المحدث الحافظ الناقد النحوي المتفنن الجبل الراسخ ولد في رجب سنة أربع وسبعمائة وقرأ بالروايات وسمع الكثير من ابن عبد الدايم والحجار وخلق كثير وعنى بالحديث وفنونه ومعرفة الرجال والعلل وبرع في ذلك وأفتى ودرس ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية مدة وقرأ عليه قطعة من الأربعين في أصول الدين للرازي ولازم أبا الحجاج المزي وأخذ عن الذهبي وغيره وقد ذكره الذهبي في طبقات الحفاظ فقال ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة واعتنى بالرجال والعلل وبرع وتصدرى للإفادة والاشتغال في الحديث والقراءات والفقه والأصلين والنحو وله توسع في العلوم وذهن سيال وله عدة محفوظات وتآليف وتعاليق مفيدة كتب عني واستفدت منه ثم قال وصنف تصانيف كثيرة بعضها كمله وبعضها لم يكمله لهجوم المنية وعد له ابن رجب في طبقاته ما يزيد على سبعين مصنفا يبلغ التام منها ما يزيد على مائة مجلد توفي رحمه الله عاشر جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون وفيها تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري السبكي الشافعي الفقيه المحدث الأديب المفنن ولد سنة أربع وسبعمائة وطلب الحديث في صغره وسمع خلقا وتفقه على جده الشيخ صدر الدين وعلى الشيخ تقي الدين السبكي والشيخ قطب الدين السنباطي وتخرج بالشيه تقي الدين السبكي في كل فنونه وقرأ النحو على أبي حيان وتلا عليه بالسبع ولازمه سبعة عشر عاما ودرس

(6/141)


بالقاهرة وناب في الحكم ثم قدم دمشق وناب في الحكم أيضا ودرس في الشامية الجوانية والركنية وعلق
142
تاريخا للمتجددات في زمانه ذكره الذهبي في المعجم المختص قال ابن فضل الله ليس في الفقهاء بعد ابن دقيق العيد أدرب منه توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها بهاء الدين أبو الثناء محمود بن علي بن عبد الولي بن خولان البعلي الفقيه الحنبلي الفرضي ولد في حدود السبعمائة وسمع الحديث من جماعة وقرأ على الحافظ الدبيثي عدة أجزاء وتفقه على الشيخ مجد الدين الحراني ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية وبرع في الفرائض والوصايا والجبر والمقابلة وكان مفتيا دينا متواضعا متوددا ملازما للاشتغال والاشغال حريصا على إفادة الطلبة بارا بهم محسنا إليه تفقه به جماعة وانتفعوا به وبرع منهم طائفة وفي ببعلبك في رجب رحمه الله تعالى سنة خمس وأربعين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي ولد سنة اثنتين وسبعمائة وسمع من ابن الموازيني وغيره وطلب بنفسه وكتب الكثير وسمع الكثير أيضا وتفقه في المذهب وأصول الفقه وهو الذي بيض مسودة الأصول لابن تيمية ورتبها ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال من أعيان أهل مذهبه فيه دين وتقوى ومعرفة بالفقه أخذ عني ومعي وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها علم الدين سنجر بن عبد الله الأمير الكبير الجاولي الشافعي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وبآمد ثم صار لأمير من الظاهرية يسمى جاولى وانتقل بعد موته إلى بيت المنصور وتنقلت به الأحوال إلى أن صار مقدما بالشام وكانت داره بدمشق غربي جامع تنكز وبعضها شماليه فسأله تنكز عند بناء الجامع إضافة ما بين جامعه وبين الميدان وكان هناك اصطبل وغيره فأبى ذلك كل الإباء ووقفها وكان ذلك سببا لنقله من دمشق ثم ولي نيابة غزة ثم قبض عليه في شعبان سنة عشرين اتهم بأنه يريد الدخول

(6/142)


إلى اليمن وسجن بالأسكندرية وأحيط على أمواله ثم أفرج عنه آخر سنة ثمان وعشرين ثم استقر أميرا مقدما بمصر
143
واستقر من أمراء المشورة ثم ولي حماة بعد موت الناصر مدة يسيرة ثم ولي نيابة غزة فأقام بها أربعة أشهر ثم عاد إلى مصر وقد روى مسند الشافعي عن قاضي الشوبك دانيال وحدث به غير مرة ورتب مسند الشافعي ترتيبا حسنا وشرحه في مجلدات بمعاونة غيره جمع بين شرحيه لابن الأثير والرافعي وزاد عليهما من شرح مسلم للنووي وبنى جامعا بالخليل في غاية الحسن وجامعا بغزة ومدرسة بها وخانقاه بظاهر القاهرة قال ابن كثير وقف أوقافا كثيرة بغزة والقدس وغيرهما وكان له معرفة بمذهب الشافعي ورتب المذهب ترتيبا حسنا فيما رأيته وشرحه في مجلدات فيما بلغني قال الحافظ زين الدين العراقي أنه رتب الأم للشافعي توفي في رمضان ودفن بالخانقاه التي أنشأها وفيها جلال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الحنفي النحوي العراقي الكوفي المعروف بابن الفصيح طلب الحديث وسمع من الخزرجي والذهبي وشارك في الفضائل مولده في شوال سنة اثنتين وسبعمائة قاله الصفدي وفيها نجم الدين أبو الحسن علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة الزبيري القرشي الأسدي قال الصفدي شيخ أهل دمشق في عصره خصوصا في العربية قرأ عليه أهل دمشق وانتفعوا به ولد في جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة وقرأ النحو على العلاء بن المطرز والفقه على الشمس الحريري والأصول على البدر بن جماعة والعربية على الشرف الفزاري والمجد التونسي والمعاني والبيان على البدر بن النحوية والميقات على البدر بن دانيال وسمع الحديث على النجم الشقراوي والبرهان بن الدرجي قال ولم أصنف شيئا لمؤاخذتي للمصنفين فكرهت أن أجعل نفسي غرضا غير أني جمعت منسكا للحج وله النظم والنثر والكتابة المنسوبة ولي تدريس الركنية ثم نزل عنها ورعا وخطب بجامع تنكز ومن شعره ( اضمرت في القلب هوى شادن * مشتغل في النحو لا

(6/143)


ينصف ) ( وصفت ما أضمرت يوما له * فقال لي المضمر لا يوصف ) توفي في رابع عشرى رجب وفيها سراج الدين عمر بن عبد الرحمن
144
ابن عمر البهبهائي صاحب الكشف على الكشاف قرأ على قوام الدين الشيرازي وهو قرأ على القطب العالي وكان له حظ وافر من العلوم سيما العربية واخترمته المنية شابا عن سبع أو ثمان وثلاثين سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن علي المصري النحوي قال الخزرجي في طبقات أهل اليمن كان فقيها فاضلا عارفا بالنحو والفقه واللغة والحديث والتفسير والقراءات أعاد بالمؤيدية بثغر رودس وبالمجاهدية بها وفيها شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبرهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان بن النقيب ولد تقريبا سنة اثنتين وستين وستمائة وأخذ شيئا من الفقه عن الشيخ محي الدين النووي وخدمه وتفقه بالشيخ شرف الدين المقدسي وسمع الحديث وسمع منه البرزالي وغير واحد وأخذ عنه جمال الدين بن جملة قديما وولي قضاء حمص فطرابلس ثم حلب ثم صرف عنها وعاد إلى دمشق وولي تدريس الشامية البرانية قال السبكي له الديانة والعفة والورع الذ طرد به الشيطان وأرغم أنفه كان من أساطين المذهب توفي في ذي القعدة ودفن بالصالحية وفيها تقي الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن همام بالضم والتخفيف ابن راجي الله بن سرايا بن ناصر بن داود الإمام المحدث العسقلاني الأصل المصري المعروف بابن الإمام الشافعي مولده في شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة وطلب الحديث وقرأ وكتب بخطه وحصل الأجزاء والكتب الحديثية وتخرج بالحافظ الدمياطي وسمع من جماعة وكان إماما بالجامع الصالحي ظاهر القاهرة وساكنا به وصنف كتابا حسنة في الأذكار والأدعية سماه سلاح المؤمن وكتاب الاهتداء في الوقف والابتداء من أخصر ما ألف وأحسنه وكتابا في المتاشبه مرتبا على السور واشتهر كتابه سلاح المؤمن في حياته واختصره الذهبي توفي في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن مظفر الدين الخلخالي ويعرف أيضا بالخطيبي

(6/144)


الشافعي قال الأسنوي كان إماما في العلوم العقلية والنقلية ذا تصانيف كثيرة مشهورة منها شرح المصابيح ومختصر ابن الحاجب والمفتاح والتلخيص في علم
145
البيان وصنف أيضا في المنطق وتوفي بأران بهمزة مفتوحة وراء مهملة مشددة والخلخالي نسبة إلى الخلخال بخاءين معجمتين مفتوحتين آخره لام قرية من نواحي السلطانية وفيها الإمام أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلس الغرناطي النفزي نسبة إلى نفزة بكسر النون وسكون الفاء قبيلة من البربر نحوى عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقريه ومؤرخه وأديبه ولد بمطخشارش مدينة من حضيرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع والعربية عن أبي الحسن الأبذي وأبي جعفر بن الزبير وابن أبي الأحوص وابن الصائغ وبمصر عن البهاء بن النحاس وجماعة وتقدم في النحو وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب وسمع الحديث بالأندلس وأفريقية والأسكندرية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا منهم أبو الحسن بن ربيع وابن أبي الأحوص والقطب القسطلاني وأجاز له خلق من المغرب والمشرق منهم الشرف الدمياطي وابن دقيق العيد والتقى بن رزين وأبو اليمن بن عساكر وأكب على طلب الحديث وأتقنه وشرع فيه وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ واشتهر اسمه وطار صيته وأخذ عنه أكابر عصره وتقدموا في حياته كالشيخ تقي الدين السبكي وولديه والجمال الأسنوي وابن قاسم وابن عقيل والسمين وناظر الجيش والسفاقسي وابن مكتوم وخلائق قال الصفدي لم أره قط إلا يسبح أو يشغل أو يكتب أو ينظر في كتاب وكان ثبتا قيما عارفا باللغة وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما وله اليد الطولي في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم خصوصا المغاربة وأقرأ الناس قديما وحديثا

(6/145)


146
وألحق الصغار بالكبار وصارت تلامذته أئمة وشيوخا في حياته والتزم أن لا يقرىء أحدا إلا في كتاب سيبويه أو التسهيل أو مصنفاته وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة الشبيه على التعرض للأستاذ أبي جعفر بن الطباع وقد وقعت بينه وبين أبي جعفر بن الزبير واقعة فنال منه وتصدى لتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته فرفع أمره إلى السلطان فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى ثم ركب البحر ولحق بالمشرق وقال السيوطي ورأيت في كتابه النضار الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أن مما قوي عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان أني قد كبرت وأخاف أن أموت فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم لينتفعوا من بعدي قال أبو حيان فأشير إلى أن أكون من أولئك وترتب لي راتب جيد وكسوة وإحسان فتمنعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك قال الصفدي وقرأ على العلم العراقي وحضر مجلس الأصبهاني وتمذهب للشافعي وكان أبو البقاء يقول أنه لم يزل ظاهريا وقال ابن حجر كان أبو حيان يقول محال أن يرجع عن مذهب بالظاهر من علق بذهنه وقال الأدفوي كان يفخر بالبخل كما يفخر الناس بالكرم وكان ثبتا صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة علي بن أبي طالب كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن وكان شيخا طوالا حسن النغمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا بحمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر وكان يعظم ابن تيمية ثم وقع بينه وبينه في مسئلة نقل سيبويه في تبيين موضع من كتابه فأعرض عنه ورماه في تفسيره النهر بكل سوء وقال الصفدي وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض لهم في لججها وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب هذه نحو الفقهاء تولى تدريس التفسير بالمنصورية والإقراء بجامع

(6/146)


الأقمر وكانت عبارته فصيحة لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف وله
147
من التصانيف البحر المحيط في التفسير ومختصره النهي واتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب والتذييل والتكميل في شرح التسهيل ومطول الارتشاف ومختصره مجلدان ولم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين ولا اجمع ولا أحصى للخلاف والأحوال قال السيوطي وعليهما اعتمدت في كتابي جمع الجوامع نفع الله به ومن مؤلفاته التنحيل الملخص من شرح التسهيل للمنصنف وابنه بدر الدين والأسفار الملخص من شرح سيبويه للصفار والتجويد لأحكام سيبويه والتذكرة في العربية أربع مجلدات كبار والتقريب في مختصر المقرب والتدريب في شرحه والمبدع في التصريف والارتضاء في الضاد والظاء وعقد اللآلى في القراءات على وزن الشاطبية وقافيتها والحلل الحالية في أسانيد القراءات العالية ونحاة الأندلس والأبيات الوافية في علم القافية ومنطق الخرس في لسان الفرس والإدراك للسان الأتراك وزهو الملك في نحو الترك والوهاج في اختصار المنهاج للنووي وغير ذلك مما لم يكمل كمجاني الهصر في تاريخ أهل العصر ومن شعره ( عداي لهم فضل على ومنة * فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا ) ( هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها * وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا ) ومنه ( سبق الدمع بالمسير المطايا * إذ نوى من أحب عني نقله ) ( فأجاد السطور في صفحة الخد * ولم لا يجيد وهو ابن مقله ) ومنه ( راض حبيبي عارض قد بدا * يا حسنه من عارض رائض ) ( وظن قوم أن قلبي سلا * والأصل لا يعتد بالعارض ) مات بالقاهرة في ثامن عشر صفر ودفن بمقبرة الصوفية رحمه الله تعالى

(6/147)


148
سنة ست وأربعين وسبعمائة فيها توفي الملك الصالح إسمعيل بن محمد بن قلاوون ولي السلطنة سنة ثلاث وأربعين كما تقدم وكان حسن الشكل تزوج بنت أحمد بن بكتم التي من بنت تنكز وكان يميل إلى السود مع العفة وكراهة الظلم والمثابرة على المصالح وكان أرغون العلائي زوج أمه مدبر دولته ونائب مصر اق سنقر السلاري ومات الصالح في ربيع الآخر وله نحو عشرين سنة ومدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وهو الذي عمر البستان بالقلعة وكانت أيامه طيبة والناس في دعة وسكون خصوصا بعد قتل أخيه أحمد واستقر عوض الصالح شقيقه الكامل شعبان وفيها أبو بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام بن علي بن منصور بن قوام الشيخ العالم الصالح القدوة نجم الدين البالسي الأصل الدممشقي الشافعي المعروف بابن قوام ولد في ذي القعدة سنة تسعين وستمائة وسمع وتفقه وكان شيخ زاوية والده ودرس في آخر عمره بالرباط الناصري وحدث وسمع منه الحسيني وآخرون قال ابن كثير كان رجلا حسنا جميل المعاشرة فيه أخلاق وآداب حسنة وعنده فقه ومذاكرة ومحبة للعلم مات في رجب ودفن بزاويتهم إلى جانب والده وفيها فخر الدين أحمد بن الحسين بن يوسف الإمام العلامة الجاربردي الشافعي نزيل تبريز أحد شيوع العلم المشهورين بتلك البلاد والتصي لشغل الطلبة أخذ عن القاضي ناصر الدين البيضاوي وشرح منهاجه والحاوي الصغير ولم يكمله وشرح تصريف ابن الحاجب وله على الكشاف حواشي مفيدة قال السبكي كان إماما فاضلا دينا خيرا وقورا مواظبا على الاشتغال بالعلم وإفادة الطلبة وجده يوسف أحد شيوخ العلم المشهورين بتلك البلاد والتصدي لشغل الطلبة وله تصانيف معروفة وعنه أخذ الشيخ نور الدين الأردبيلي وغيره توفي صاحب الترجمة بتبريز في شهر رمضان وفيها تاج الدين علي بن عبد الله

(6/148)


149
ابن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي الشافعي المتضلع بغالب الفنون من المعقولات والفقه والنحو والحساب والفرائض ولد سنة سبع وستين وستمائة وأخذ عن قطب الدين الشيرازي وعلاء الدين النعماني الخوارزمي وغيرهما ودخل بغداد سنة ست عشرة وحج ثم دخل مصر سنة اثنتين وعشرين قال الذهبي هو عالم كبير شهير كثير التلامذة حسن الصيانة من مشايخ الصوفية وقال السبكي كان ماهرا في علوم شتى وعنى بالحديث بآخره وصنف في التفسير والحديث والأصول والحساب ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم وقال الأسنوي واظب العلم فرادى وجماعة وجانب الملك فلم يسترح قبل قيامته ساعة كان عالما في علوم كثيرة من أعرف الناس بالحاوي الصغير وقال غيره قرأ الحاوي كله سبع مرات في شهر واحد وكان يرويه عن علي بن عثمان العفيقي عن مصنفه وتخرج به جماعة منهم برهان الدين الرشيدي وناظر الجيش وابن النقيب وتوفي بالقاهرة يوم الأحد تاسع عشرى شهر رمضان ودفن بتربته التي أنشأها قريبا من الخانقاة الدويدارية وفيها مجد الدين أبو الحسن عيسى بن إبرهيم بن محمد الماردي بكسر الراء نسبة إلى ماردة جد النحوي الشاعر قال في الدرر تفقه على أحمد بن مندل ومهر واختصر المعالم للرازي ومات في المحرم وهو في عشر السبعين وفيها أسد الدين رميثة بمثلثة مصغر أبو عرادة بن أبي نمى بالنون مصغر محمد بن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة الحسني ولي مكة مع أخيه ثم استقل سنة خمس عشرة ثم قبض عليه في ذي الحجة سنة ثمان عشرة فاجرى الناصر عليه في الشهر ألفا ثم هرب بعد أربعة أشهر فأمسكه شيخ عرب آل حديث بعقبة أيلة فبسجن إلى أن أفرج عنه في محرم سنة عشرين ورد إلى مكة فلما كان في سنة إحدى وثلاثين تحارب هو وأخوه عطية ثم اصطلحا وكثر ضرر الناس منهما ثم بلغ الناصر أنه أظهر مذهب الزيدية فأنكر عليه وأرسل إليه عسكرا فلم يزل أمير الحاج يستميله حتى عاد ثم أمنه السلطان فرجع إلى مكة ولبس الخلعة ثم حج الناصر سنة

(6/149)


150
اثنتين وثلاثين فتلقاه رميثة إلى ينبع فأكرمه الناصر واستقر رميثة وأخوه إلى أن انفرد رميثة سنة ثمان وثلاثين ثم نزل عن الإمرة لولديه ثقبة وعجلان إلى أن مات وفيها الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون الصالحي ولي السلطنة وعمره خمس سنين تقريبا وذلك في أواخر سنة اثنتين وأربعين واستمر مدة يسيرة وقوصون مدبر المملكة إلى أن حضر الناصر أحمد من الكرك فخلع وادخل الدور إلى أن مات في هذه السنة في أيام أخيه الكامل شعبان وله من العمر نحو الاثنتي عشرة سنة وفيها ضياء الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي الشافعي القاضي ولد بمنية القائد سنة خمس وخمسين وستمائة وسمع من جماعة وأخذ الفقه عن ابن الرفعة وطبقته وقرأ النحو على البهاء بن النحاس والأصول على الأصفهاني والقرافي وأفتى وحدث ودرس بقبة الشافعي وغيرها وولي وكالة بيت المال ونيابة الحكم بالقاهرة قال الأسنوي ووضع على التنبيه شرحا مطولا وكان دينا مهيبا سليم الصدر كثير الصمت والتصميم لا يحابى أحدا منقطعا عن الناس وتوفي في رمضان ودفن بالقرافة وفيها بدر الدين محمد بن محي الدين بن يحيى بن فضل الله كاتب السر ولد سنة عشر وسبعمائة وتعاني صناعة أبيه وكان في خدمته بدمشق ومصر وهو شقيق شهاب الدين وأرسله أخوه علاء الدين إلى دمشق فباشر كتابة السر بها عوضا عن أخيه شهاب الدين وذلك في رجب سنة ثلاث وأربعين وكان أحب إخوته إلى أبيه وأخيه شهاب الدين وكان عاقلا فاضلا ساكنا كثير الصمت حسن السيرة أحبه الناس وتوفي في رجب والله أعلم سنة سبع وأربعين وسبعمائة فيها خلع ثم قتل الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون قال في الدرر ولي السلطنة سنة ست وأربعين في ربيع الآخر بعد أخيه الصالح فاتفق أنه ركب من باب النصر إلى الإيوان لعب به الفرس فنزل عنه ومشى خطوات حتى دخل

(6/150)


151
إيوان دار العدل فتطير الناس وقالوا لا يقيم إلا قليلا فكان كذلك ثم باشر السلطنة بمهابة فخافه الأمراء والأجناد لكنه أقبل على اللهو والنساء وصار يبالغ في تحصيل الأموال ويبذرها عليهم وولع بلعب الحمام وسهل في النزول عن الإقطاعات فثار عليه يلبغا بدمشق وأشاع خلعه معتمدا على أن الناصر كان أوصاه وأوصى غيره أنه من تسلطن من أولاده ولم يسلك الطريقة المرضية فجروا برجله وملكوا غيره فلما بلغ الكامل جهز إليه عسكرا فاتفق الأمراء والأجناد وأصحاب العقد والحل في جمادى الأولى من هذه السنة فخلع ثم خنق في يوم الأربعاء ثالث الشهر المذكور وقرروا أخاه المظفر حاجي وفيها سيف الدين أبو بكر بن عبد الله الحريري قال في الدرر سمع من الحجار وقرأ بالروايات ومهر في النحو وولي تدريس الظاهرية البرانية ومشيخة النحو بالناصرية وذكره الذهبي في المختص وقال فيه الإمام المحصل ذو الفضائل سمع وكتب وتعب واشتغل وأفاد سمع مني وتلا بالسبع وأعرض عن أشياء من فضلات العلم توفي في ربيع الأول ودفن بالصوفية وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الكريم بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن الزكي ولد سنة أربع وستين وستمائة وسمع من الفخر وحدث وكان من أعيان الدمشقيين وبقية أهل بيته وكان أول ما درس سنة ست وثمانين بالمجاهدية وولي مشيخة الشيوخ سنة ثلاث وسبعمائة لما تركها الشيخ صفي الدين الهندي وكان رئيسا محتشما توفي في شوال وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن عيسى الحصري القاضي الشافعي خرج من مصر صحبة القاضي علاء الدين القونوي وقد تضلع من العلوم وولي قضاء بعلبك مدة ثم نقل إلى قضاء صفد ثم تركه وولي قضاء حمص قال ابن رافع وحمدت سيرته وكان فاضلا وأشغل الناس ببعلبك وصفد وحمص وقال العثماني قاضي صفد في طبقات الفقهاء شيخي وأستاذي وأجل من لقيت في عيني أحد مشايخ المسلمين والفقهاء المحققين

(6/151)


152
والحفاظ المتقنين والأذكياء البارعين والفضلاء الجامعين والحكام الموفقين والمدرسين الماهرين قال ولما ولي صفد أحياها ونشر العلم بها ودرس بها التدريس البديع الذي لم يسمع مثله وكان طريقه جدا لا يعرف الهزل ولا يذكر أحد عنده بسوء توفي بحمص في شعبان وفيها شمس الدين أبو بكر محمد بن محمد بن نمير بن السراج قال ابن حجر قرأ على نور الدين الكفتي وعلى المكين الأسمر وغيرهما وعنى بالقراءات وكتب الخط المنسوب وحدث عن شامية بنت البكري وغيرها وتصدر للإقراء وانتفع الناس به وكان سليم الباطن يعرف النحو ويقرئه مات في شعبان وله سبع وسبعون سنة وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية أخو الشيخ تقي الدين ولد سنة ثلاث وستين وستمائة بحران وحضر على أحمد بن عبد الدايم وسمع من ابن أبي اليسر والقسم الأربلي والقطب بن أبي عصرون في آخرين وجمع له منهم البرزالي ستة وثمانين شيخا وكان يتعانى التجارة وهو خير دين حبس نفسه مع أخيه بالأسكندرية ودمشق محبة له وإيثارا لخدمته ولم يزل عنده ملازما معه للتلاوة والعبادة إلى أن مات الشيخ وخرج هو وكان مشهورا بالديانة والأمانة وحسن السيرة وله فضيلة ومعرفة مات في ذي القعدة قاله ابن حجر وفيها أبو زكريا يحيى ين إبرهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب ملك تونس نحو ثلاثين سنة توفي في رجب واستقر بعده ابنه أبو حفص عمر سنة ثمان وأربعين وسبعمائة قتل في ثالث عشر شعبانها الملك المظفر سيف الدين حاجي بن محمد بن قلاوون ولد وأبوه في الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وولي السلطنة في العام الذي قبل هذا كما تقدم واتفق رخص الأسعار في أول ولايته ففرح الناس به لكن انعكس مزاجهم عليه بلعبه وإقباله على اللهو والشغف بالنساء حتى وصلت قيمة عصبة حظيته

(6/152)


153
التي على رأسها مائة ألف دينار وصار يحضر الأوباش بين يديه يلعبون بالصراع وغيره وكان مرة يلعب بالحمام فدخل عليه بعض الأمراء ولامه وذبح منها طيرين فطار عقله وقال لخواصه إذا دخل هذا إلي فبضعوه بالسيف فسمعها بعض من يميل إليه فحذره فجمع الأمراء وركب فبلغ ذلك المظفر فخرج فيمن بقي معه فلما تراءى الجمعان ضربه بعض الخدم بطبر من خلفه فوقع وكتفوه ودخلوا به إلى تربة هناك فقتلوه ثم قرروا أخاه الناصر حسن مكانه في رابع عشر شعبان قاله ابن حجر وفيها كمال الدين أبو الفضل جعفر بن تغلب بن جعفر بن الإمام العلامة الأدفوي بضم الفاء نسبة إلى أدفو بلد بصعيد مصر الشافعي ولد في شعبان سنة خمس وثمانين وقيل خمس وسبعين وستمائة وسمع الحديث بقوص والقاهرة وأخذ المذهب والعلوم عن علماء ذلك العصر منهم ابن دقيق العيد قال أبو الفضل العراقي كان من فضلاء أهل العلم صنف تاريخا للصعيد ومصنفا في حل السماع سماه كشف القناع وغير ذلك وقال الصلاح الصفدي صنف الأمتاع في أحكام السماع والطالع السعيد في تاريخ الصعيد والبدر السافر في تحفة المسافر في التاريخ انتهى توفي في صفر بمصر ودفن بمقابر الصوفية وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور ابن وزير المقدسي الشافعي ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبا وقرأ على التاج الفزاري وولده برهان الدين وبرع في الفقه واللغة والعربية وسمع الحديث الكثير بدمشق والقدس ودرس بالأسدية وبحلقة صاحب حمص وسمع منه الذهبي وذكره في المعجم المختص فقال الإمام الفقيه البارع المتقن المحدث بقية السلف قرأ بنفسه ونسخ أجزاء وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن وأعاد بالبادرائية ثم تحول إلى القدس ودرس بالصلاحية تغير وجف دماغه في سنة اثنتين وأربعين وكان إذا سمع عليه في حال تغيره يحضر ذهنه وكان يستحضر العلم جيدا توفي بالقدس في شهر رمضان وفيها الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن

(6/153)


قايماز التركماني الذهبي قال التاج السبكي في طبقاته الكبرى شيخنا وأستاذنا
154
محدث العصر اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ وبينهم عموم وخصوص المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الوالد لا خامس لهم في عصرهم فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة أمام الوجود حفظا وذهب العصر معنى ولفظا وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل كأنما جمعة الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها وكان محط رحال المعنت ومنتهى رغبات من تعنت تعمل المطى إلى جواره وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة جزاه الله عنا أفضل الجزاء وجعل حظه من عرصات الجنان موفر الأجزاء وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم يذعن له الكبير والصغير من الكتب والعالي والنازل من الأجزاء كان مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة وأجاز له أبو زكريا بن الصيرفي والقطب بن عصرون والقسم الأربلي وغيرهم وطلب الحديث وله ثمان عشرة سنة فسمع بدمشق من عمر بن القواس وأحمد بن هبة الله بن عساكر ويوسف بن أحمد الغسولي وغيرهم وببعلبك من عبد الخالق بن علوان وزينب بنت عمر بن كندي وغيرهما وبمصر من الأبرقوهي وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب وشيخ الإسلام بن دقيق العيد والحافظين أبي محمد الدمياطي وأبي العباس بن الظاهري وغيرهم ولما دخل على شيخ الإسلام بن دقيق العيد وكان المذكور شديد التحري في الأسماع قال له من أين جئت قال من الشام قال بم تعرف قال بالذهبي قال من أبو طاهر الذهبي قال له المخلص فقال أحسنت وقال من أبو محمد الهلالي قال سفيان بن عيينة قال أحسنت إقرأ ومكنه من القراءة حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء وسمع بالأسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي وأبي الحسين يحيى بن أحمد بن الصواف وغيرهما وبمكة من التوزري وغيره وبحلب من سنقر الزيني وغيره وبنابلس من

(6/154)


العماد بن بدران وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم وسمع منه الجم الكثير
155
وما زال يخدم هذا الفن حتى رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه وضربت باسمه الأمثال وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر ولا يدبر إذا أقبلت الليال وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهو به الدنيا وما فيها طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها وقهقهة غدرانها وتارة تلبس ثوب الوقار والافتخار بما اشتملت عليه من أبياتها المعدود من سكانها توفي رحمه الله تعالى ليلة الإثنين ثالث ذي القعدة بالمدرسة المنسوبة لأم الصالح في قاعة سكنه ورآه الوالد قبل المغرب وهو في السياق ثم سأله أدخل وقت المغرب فقال له الوالد ألم تصل العصر فقال نعم ولكن لم أصل المغرب إلى الآن وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله ومات بعد العشاء قبل نصف الليل ودفن بباب الصغير حضرت الصلاة عليه ودفنه وكان قد أضر قبل موته بمدة يسيرة أنشدنا شيخنا الذهبي من لفظه لنفسه ( تولى شبابي كأن لم يكن * وأقبل شيب علينا تولى ) ( ومن عاين المنحنى والنقى * فما بعد هذين إلا المصلى ) انتهى ما قاله السبكي ملخصا وقال ابن تغري بردي في المنهل الصافي بعد ترجمة حسنة وله أوراد هائلة وتصانيف كثيرة مفيدة منها تاريخ الإسلام الكبير في أحد وعشرين مجلدا ومختصره سير النبلاء في عدة مجلدات كثيرة ومختصر العبر في خبر من غبر ومختصر آخر سماه الدول الإسلامية ومختصره الصغير المسمى بالإشارة ومختصره أيضا وسماه الإعلام بوفيات الإعلام واختصر تهذيب الكمال للمزي وسماه تذهيب التهذيب واختصر أيضا منه مجلدا سماه الكاشف وله ميزان الاعتدال في نقد الرجال والمغنى في الضعفاء مختصره ومختصر آخر قبله والنبلاء في شيوخ السنة مجلدا والمقتنى في سر الكنى وطبقات الحفاظ مجلدين

(6/155)


وطبقات مشاهير القراء مجلد والتاريخ الممتع في ستة أسفار والتجريد في أسماء الصحابة ومشتبه النسبة واختصر أطراف
156
المزي واختصر تاريخ بغداد للخطيب واختصر تاريخ ابن السمعاني واختصرت وفيات المنذري والشريف النسابة واختصر سنن البيهقي على النصف من حجمها مع المحافظة على المتون واختصر تاريخ دمشق في عشر مجلدات واختصر تاريخ نيسابور للحاكم واختصر المحلى لابن حزم واختصر الفاروق لشيخ الإسلام الأنصاري وهذبه واختصر كتاب جواز السماع لجعفر الأدفوي واختصر الزهد للبيهقي والقدر له والبعث له واختصر الرد على الرافضة لابن تيمية مجلد واختصر العلم لابن عبد البر واختصر سلاح المؤمن في الأدعية وصنف الروع والأدجال في بقاء الدجال وكتاب كسروثن رتن الهندي وكتاب الزيادة المضطرة وكتاب سيرة الحلاج وكتاب الكبائر وكتاب تحريم أدبار النساء كبيرة وصغيرة وكتاب العرش وكتاب أحاديث الصفات وجزء في فضل آية الكرسي وجزء في الشفاعة وجزءان في صفة النار ومسئلة السماع جزء ومسئلة الغيب وكتاب رؤية الباري وكتاب الموت وما بعده وطرق أحاديث النزول وكتاب اللباس وكتاب الزلازل ومسئلة دوام النار وكتاب التمسك بالسنن وكتاب التلويح بمن سبق ولحق وكتاب مختصر في القراءات وكتاب هالة البدر في أهل بدر وكتاب تقويم البلدان وكتاب ترجمة السلف ودعاء المكروب وجزء صلاة التسبيح وفضل الحج وأفعاله وكتاب معجم شيوخه الكبير والمعجم الأوسط والمعجم الصغير والمعجم المختص وله عدة تصانيف أضربت عنها لكثرتها وقال الصفدي ذكره الزملكاتي بترجمة حسنة وقال أنشدني من لفظه لنفسه وهو تخيل جيد إلى الغاية ( إذا قرأ الحديث على شخص * وأخلى موضعا لوفاة مثلي ) ( فما جازى بإحسان لأني * أريد حياته ويريد قتلي ) ثم قال وأنشدني أيضا ( العلم قال الله قال رسوله * إن صح والإجماع فاجهد فيه )

(6/156)


157 (
وحذار من نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين رأي فقيه ) انتهى وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي الفرج أبو عبد الله بن أبي الحسن بن سرايا بن الوليد الحراني نزيل مصر الفقيه الحنبلي القاضي ويعرف بابن الحبال ولد بعد السبعين وستمائة تقريبا وسمع من العز الحراني وابن خطيب المزة والشيخ نجم الدين بن حمدان وغيرهم وتفقه وبرع وأفتى وأعاد بعدة مدارس وناب في الحكم بظاهر القاهرة وصنف تصانيف عديدة منها شرح الخرقي وهو مختصر جدا وكتاب الفنون وحدث وروى عنه جماعه منهم ابن رافع وكان حسن المحاضرة لين الجانب لطيف الذات ذا ذهن ثاقب توفي في تاسع عشر ربيع الآخر وفيها عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الخطيب الصالح القدوة ابن الشيخ العز ولد في رجب سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم والكرماني وغيرهما وتفقه قديما بعم أبيه الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ودرس بمدرسة جده الشيخ أبي عمر وخطب بالجامع المظفري دهرا وكان من الصالحين الأخيار المتفق عليهم وعمر وحدث بالكثير وخرجوا له مشيخة في أربعة أجزاء ذكره الذهبي في معجم شيوخه فقال كان فقيها عالما خيرا متواضعا على طريقة سلفه توفي يوم الإثنين عشرى رمضان ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر وفيها جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد البصال بالباء الموحدة اليمني الشافعي تفقه على الفقيه عبد الرحمن بن شعبان وصحب الشيخ عمر الصفار ووضع شرحا على التنبيه وسئل أن يلي قضاء عدن فامتنع وأخذ عنه الشيخ عبد الله اليافعي ولبس منه خرقة التصوف قال الأسنوي وكان صاحب كشف وكرامات ومشاهدات وفيها قوام الدين أبو محمد مسعود بن برهان الدين محمد بن شرف الدين الكرماني الحنفي الصوفي قال في الدرر ولد سنة أربع وستين وستمائة واشتغل في تلك البلاد ومهر في الفقه والأصول والعربية وكان نطارا بحاثا

(6/157)


158
وقدم دمشق فظهرت فضائله ثم قدم القاهرة وأشغل الناس بالعلم وله النظم الرائق والعبارة الفصيحة أخذ عنه البرزالي وابن رافع ومات في منتصف شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة فيها كان الطاعون العام الذي لم يسمع بمثله عم سائر الدنيا حتى قيل أنه مات نصف الناس حتى الطيور والوحوش والكلاب وعمل فيه ابن الوردي مقامة عظيمة ومات فيه كما يأتي قريبا وفيها مات برهان الدين إبرهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري الشافعي النحوي العلامة مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتفقه على العلم العراقي وقرأ القراءات على التقي بن الصايغ وأخذ النحو عن الشيخين بهاء الدين بن النحاس وأبي حيان والأصول عن الشيخ تاج الدين البارنباري والمنطق عن السيف البغدادي وسمع وحدث ودرس وأفتى واشتغل بالعلم وولي تدريس التفسير بالقبة المنصورية بعد موت الشيخ أبي حيان وتصدر مدة وعين لقضاء المدينة المشرفة فلم يفعل وممن أخذ عنه القاضي محب الدين ناظر الجيش والشيخان زين الدين العراقي وسراج الدين بن الملقن قال الصفدي أقرأ الناس في أصول ابن الحاجب وتصريفه وفي التسهيل وكان يعرف الطب والحساب وغير ذلك توفي بالقاهرة شهيدا بالطاعون في شوال أو في ذي القعدة وفيها برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري المقرىء النحوي أخذ عن ابن النحاس وتلا على التقى الصايغ وابن الكفتي ولازم درس أبي حيان وأخذ عنه الناس وكان حسن التعلين وسمع الحديث من الدمياطي والأبرقوهي مولده سنة نيف وسبعين وستمائة ومات في الطاعون العام في ذي القعدة وفيها علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي قال ابن قاضي شهبة الشيخ الإمام السبكي ثم النووي نسبة إلى نوى من أعمال القليوبية وكان خطيبا بها تفقه على الشيخ عز الدين النسائي وغيره وكتب شرحا على التنبيه في أربع مجلدات وصنف

(6/158)


159
كتابا آخر فيه ترجيحات مخالفة لما رجحه الرافعي والنووي قال الزين العراقي كان رجلا صالحا صاحب أحوال ومكاشفات شاهدت ذلك منه غير مرة وكان سليم الصدر ناصحا للخلق قانعا باليسير باذلا للفضل بل لقوت يومه مع حاجته إليه وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن قيس الإمام العلامة الشافعي المعروف بابن الأنصاري وابن الظهير فقيه الديار المصرية وعالمها ولد في حدود الستين وستمائة وأخذ عن الضياء جعفر وخلق وبرع في المذهب وسمع من جماعة ودرس وأفتى وأشغل بالعلم وشاع اسمه وبعد صيته وحدث بالقاهرة والأسكندرية قال السبكي لم يكن بقي من الشافعية أكبر منه وقال الأسنوي كان إماما في الفقه والأصلين ومات وهو شيخ الشافعية بالديار المصرية وكان فصيحا إلا أنه لا يعرف النحو فكان يلحن كثيرا وقال الزين العراقي في ذيله فقيه القاهرة كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شمس الدين بن عدلان توفي شهيدا بالطاعون يوم الأضحى أو يوم عرفة وفيها تاج الدين أبو محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن محمد القيسي الحنفي النحوي قال في الدرر ولد في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة وأخذ النحو عن البهاء بن النحاس ولازم أبا حيان دهرا طويلا وأخذ عن السروجي وغيره وتقدم في الفقه والنحو واللغة ودرس وناب في الحكم وكان سمع من الدمياطي اتفاقا قبل أن يطلب ثم أقبل على سماع الحديث ونسخ الأجزاء والرواية عنه عزيزة وقد سمع منه ابن رافع وذكره في معجمه وله تصانيف حسان منها الجمع بين العباب والمحكم في اللغة وشرح الهداية في الفقه والجمع المنتقاة في أخبار اللغويين والنحاة عشر مجلدات وكأنه مات عنها مسودة فتفرقت شذر مذر قال السيوطي وهذا الأمر هو أعظم باعث لي على اختصار طبقاتي الكبرى في هذا المختصر يعني طبقات النحاة ومن تصانيفه شرح مختصر ابن الحاجب وشرح شافيته وشرح الفصيح والدرر اللقيط من البحر المحيط مجلدات والتذكرة ثلاث مجلدات

(6/159)


سماها قيد الأوابد توفي
160
في الطاعون في رمضان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلى القرشي العمري الشافعي القاضي الكبير الإمام الأديب البارع ولد بدمشق في شوال سنة سبعمائة وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة وتخرج في الأدب بوالده وبالشهاب محمود وأخذ الأصول عن الأصفهاني والنحو عن أبي حيان والفقه عن البرهان الفزاري وابن الزملكاني وغيرهما وباشر كتابة السر بمصر نيابة عن والده ثم أنه فاجأ السلطان بكلام غليظ فإنه كان قوي النفس وأخلاقه شرسة فأبعده السلطان وصادره وسجنه بالقلعة ثم ولي كتابة السر بدمشق وعزل ورسم عليه أربعة أشهر وطلب إلى مصر فشفع فيه أخوه علاء الدين فعاد إلى دمشق واستمر بطالا إلى أن مات ورتبت له مرتبات كثيرة وصنف كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار في سبعة وعشرين مجلدا وهو كتاب جليل ما صنف مثله وفواضل السمر في فضائل عمر أربع مجلدات والتعريف بالمصطلح وله ديوان في المدائح النبوية وغير ذلك ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال ابن كثير كان يشبه بالقاضي الفاضل في زمانه حسن المذاكرة سريع الاستحضار جيد الحفظ فصيح اللسان جميل الأخلاق يحب العلماء والفقراء توفي شهيدا بالطاعون يوم عرفة وفيها بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري المولد النحوي اللغوي الفقيه المالكي البارع المعروف بابن أم قاسم وهي جدته أم أبيه واسمها زهرا وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة فكانت شهرته تابعة لها ذكر ذلك العفيف المطرى في ذيل طبقات القراء قال وأخذ النحو والعربية عن أبي عبد الله الطنجي والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري وأبي حيان والفقه عن الشرف المقيلي المالكي والأصول عن الشيخ شمس الدين بن اللبان وأتقن العربية والقراءات على المجد إسمعيل التستري وصنف وتفنن وأجاد وله شرح التسهيل وشرح المفصل وشرح الألفية والجنى الداني في حروف المعاني

(6/160)


161
وغير ذلك وكان تقيا صالحا مات يوم عيد الفطر وفيها الإمام علاء الدين طيبرس الجندي النحوي قال الصفدي هو الشيخ الإمام العالم الفقيه النحوي أقدم من بلاده إلى البيرة فاشتراه بعض الأمراء بها وعلمه الخط والقرآن وتقدم عنده وأعتقه فقدم دمشق وتفقه بها واشتغل بالنحو واللغة والعروض والأدب والأصلين حتى فاق أقرانه وكان حسن المذاكرة لطيف المعاشرة كثير التلاوة والصلاة بالليل صنف الطرفة جمع فيها بين الألفية والحاجبية وزاد عليها وهي تسعمائة بيت وشرحها وكان ابن عبد الهادي يثني عليها وعلى شرحها ولد تقريبا سنة ثمانين وستمائة ومات بالطاعون العام ومن شعره ( قد بت في قصر حجاج فذكرني * بضنك عيشة من في النار يشتعل ) ( بق يطير وبق في الحصير سعى * كأنه ظلل من فوقه كظلل ) وفيها زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن الوردي المصري الحلبي الشافعي كان إماما بارعا في اللغة والفقه والنحو والأدب مفننا في العلم وهنظمه في الذروة العليا والطبقة القصوى وله فضائل مشهورة قرأ على الشرف البارزي وغيره وصنف البهجة في نظم الحاوي الصغير وشرح الفية ابن مالك وضوء الدرة على ألفية ابن معطي واللباب في علم الإعراب وتذكرة الغريب في النحو نظما ومنطق الطير في التصوف وغير ذلك وله مقامات في الطاعون العام واتفق أنه مات بآخره في سابع ذي الحجة بحلب والرواية عنه عزيزة قال ابن شهبة له مقدمة في النحو اختصر فيها الملحة سماها النفحة وشرحها وله تاريخ حسن مفيد وأرجوزة في تعبير المنامات وديوان شعر لطيف ومقامات مستظرفة وناب في الحكم بحلب في شبيبته عن الشيخ شمس الدين بن النقيب ثم عزل نفسه وحلف لا يلي القضاء لمنام رآه وكان ملازما للاشغال والاشتغال والتصنيف شاع ذكره واشتهر بالفضل اسمه وقال الصفدي بعد ترجمة طويلة حسنة شعره أسحر من عيون الغيد

(6/161)


162
وأبهى من الوجنات ذوات التوريد وقال السبكي شعره أحلى من السكر المكرر وأغلى قيمة من الجوهر وقال السيوطي ومن نظمه ( لا تقصد القاضي إذا أدبرت * دنياك واقصد من جواد كريم ) ( كيف ترجي الرزق من عند من * يفتي بأن الفلس مال عظيم ) وله ( سبحان من سخر لي حاسدي * يحدث لي في غيبتي ذكرا ) ( لا أكره الغيبة من حاسد * يفيدني الشهرة والأجرا ) وقال وقد مر به غلام جميل له قرط ( مر مقرطق * ووجهه يحكي القمر ) ( هذا أبو لؤلؤة * منه خذوا ثأر عمر ) وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الحراني ثم الدمشقي الفقيه الفرضي القاضي الحنبلي أخو شرف الدين محمد ولد سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع من يوسف بن الغسولي وغيره بالقاهرة وغيرها ودخل بغداد وأقام بها ثلاثة أيام وتفقه وبرع في الفقه والفرائض ولازم الشيخ تقي الدين وغيره وولي نيابة الحكم عن ابن منجا وكان دينا خيرا حسن الأخلاق متواضعا بشوش الوجه متثبتا سديد الأقضية والأحكام حدث ابن شيخ السلامية عنه أنه قال لم أقض قضية إلا وأعددت لها الجواب بين يدي الله وذكره الذهبي في المختص فقال عالم ذكي خير وقور متواضع بصير بالفقه والعربية سمع الكثير وتخرج بابن تيمية وغيره توفي شهيدا بالطاعون وفيها صفي الدين أبو عبد الله الحسين بن بدران بن داود الباصري البغدادي الخطيب الفقيه الحنبلي المحدث النحوي الأديب ولد آخر نهار عرفة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وسمع الحديث متأخرا وعنى بالحديث وتفقه وبرع في العربية والأدب ونظم الشعر الحسن وصنف في علوم الحديث وغيرها واختصر إلا كمال لابن ماكولا

(6/162)


163
قال ابن رجب وقرأت عليه بعضه وسمعت بقراءته صحيح البخاري على الشيخ جمال الدين مسافر بن إبراهيم الخالدي وحضرت مجالسه كثيرا وتوفي يوم الجمعة سابع عشرى رمضان ببغداد مطعونا ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو الخير سعيد بن عبد الله الذهلي الحريري الحنبلي الحافظ المؤرخ مولى الصدر صلاح الدين عبد الرحمن بن عمر الحريري سمع ببغداد من الدقوقي وخلق وبدمشق من زينب بنت الكمال وأمم وبالقاهرة والأسكندرية وبلدان شتى وعنى بالحديث وأكثر من السماع والشيوخ وجمع تراجم كثيرة لأعيان أهل بغداد وخرج الكثير وكتب بخطه الرديء كثيرا قال الذهبي له رحلة وعمل جيد وهمة في التاريخ ويكثر المشايخ والأجزاء وهو ذكي صحيح الذهن عارف بالرجال حافظ انتهى وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي الأزجي البزار الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة تقريبا وسمع من إسمعيل بن الطبال وابن الدواليبي وجماعة وعنى بالحديث وقرأ الكثير ورحل إلى دمشق فسمع بها صحيح البخاري على الحجار بالحنبلية وأخذ عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية وحج مرارا ثم أقام بدمشق وكان حسن القراءة ذا عبادة وتهجد وصنف كثيرا في الحديث وعلومه ثم توجه إلى الحج في هذه السنة فتوفي بمنزلة حاجر قبل الوصول إلى الميقات ومعه نحو خمسين نفسا بالطاعون وذلك صبيحة يوم الثلاثاء حادي عشرى ذي القعدة ودفن بتلك المنزلة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان المصري الشافعي الإمام العلامة ولد سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع الحديث بدمشق والقاهرة من جماعة وتفقه بابن الرفعة وغيره وصحب في التصوف الشيخ ياقوت العرشي المقيم بالأسكندرية ودرس بقبة الشافعي وغيرها وله مؤلفات منها ترتيب الأم للشافعي ولم يبيضه واختصر الروضة ولم يشتهر لغلاقة لفظه وجمع كتابا في علوم الحديث وكتابا في النحو وله تفسير لم يكمله وله كتاب متشابه القرآن والحديث تكلم فيه على

(6/163)


طريقة
164
الصوفية قال الأسنوي كان عارفا بالفقه والأصلين والعربية أديبا شاعرا ذكيا فصيحا ذا همة وصرامة وانقباض عن الناس وقال الحافظ زين الدين العراقي أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني وادعى عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس وتعصب عليه بعض الحنابلة وتخرج به جماعة من الفضلاء توفي شهيدا بالطاعون في شوال وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق بن داود المعروف بابن عدلان الكناني المصري شيخ الشافعية ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من جماعة وتفقه على ابن السكري وغيره وقرأ الأصول على القرافي وغيره والنحو على ابن النحاس وبرع في العلوم وحدث وأفتى وناظر ودرس بعدة أماكن وأفاد وتخرج به جهات وشرح مختصر المزني شرحا مطولا لم يكمله قال الأسنوي كان فقيها إماما يضرب به المثل في الفقه عارفا بالأصلين والنحو والقراءات ذكيا نظارا فصيحا يعبر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة مع السرعة والاسترسال دينا سليم الصدر كثير المروءة وقال غيره كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شهاب الدين بن الأنصاري وولي قضاء العسكر في أيام الناصر أحمد وتوفي في ذي القعدة وفيها عماد الدين محمد بن إسحق بن محمد بن المرتضى البلبيسي المصري الشافعي أخذ الفقه عن ابن الرفعة وغيره وسمع من الدمياطي وغيره وولي قضاء الأسكندرية ثم امتحن وعزل وكان صبورا على الاشتغال ويحث على الاشتغال بالحاوي قال الأسنوي كان من حفاظ مذهب الشافعي كثير التولع بالألغاز الفروعية محبا للفقراء شديد الاعتقاد فيهم وقال الزين العراقي انتفع به خلق كثير من أهل مصر والقاهرة توفي شهيدا في شعبان بالطاعون وفيها تقي الدين محمد المعروف بابن الببائي ابن قاضي ببا الشافعي تفقه على العماد البلبيسي وابن اللبان وغيرهما من فقهاء مصر ذكره الزين العراقي

(6/164)


في وفياته فقال
165
برع في الفقه حتى كان أذكر فقهاء المصريين له مع فقه النفس والدين المتين والورع وكان يكتسب بالمتجر يسافر إلى الأسكندرية مرتين أو مرة ويشغل بجامع عمرو بغير معلوم وكان يستحضر الرافعي والروضة ويحل الحاوي الصغير حلا حسنا وصحب الشيخ أبا عبد الله بن الحاج وغيره من أهل الخير وتوفي شهيدا بالطاعون وفيها شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي الشافعي العلامة الأصبهاني ولد في شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة واشتغل ببلاده ومهر وتميز وتقدم في الفنون فبهرت فضائله وسمع كلامه التقي بن تيمية فبالغ في تعظيمه ولازم الجامع الأموي ليلا ونهارا مكبا على التلاوة وشغل الطلبة ودرس بعد ابن الزملكاني بالرواحية ثم قدم القاهرة وبنى له قوصون الخانقاه بالقرافة ورتبه شيخا لها قال الأسنوي كان بارعا في العقليات صحيح الاعتقاد محبا لأهل الصلاح طارحا للتكلف وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزمان صنف تفسيرا كبيرا وشرح كافية ابن الحاجب وشرح مختصره الأصلي وشرح منهاج البيضاوي وطوالعه وشرح بديعية ابن الساعاتي وشرح الساوية في العروض وغير ذلك مات في ذي القعدة بالطاعون ودفن بالقرافة وفيها محب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن لب بن الصايغ الأموي المري قال في تاريخ غرناطة أقرأ النحو بالقاهرة إلى أن صار يقال له أبو عبد الله النحوي وكان قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش وغيره ولازم أبا حيان وانتفع بجاهه وكان سهلا دمث الأخلاق محبا للطلب وتعانى الضرب بالعود فنبغ فيه وقال في الدرر كان ماهرا في العربية واللغة قيما في العروض ينظم نظما وسطا توفي في رمضان بالطاعون وفيها يوسف بن عمر بن عوسجة العباسي النحوي المقرىء ذكره الذهبي في طبقات القراء وأصحاب التقى الصايغ وقال في الدرر وكان شيخ العربية انتهى

(6/165)


166
سنة خمسين وسبعمائة في ربيعها الأول قتل أرغون شاه الناصري كان أبو سعيد أرسله إلى الناصر فحظي وتأمر وزوجه بنت اق بغا عبد الواحد ثم وولي الاستادارية في زمن المظفر حاجي ثم ولي نيابة صفد ورجع إلى مصر ثم ولي نيابة حلب ثم دمشق وتمكن وبالغ في تحصيل المماليك والخيول وعظم قدره ونفذت كلمته في سائر الممالك الشامية والمصرية ولم يزل على ذلك إلى أن برز أمر بإمساكه فأمسك وذبح وكان خفيفا قوي النفس شرس الأخلاق قاله في الدرر وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الأشبيلي ويعرف بالشرقي قال ابن الزبير كان إماما في حفظ اللغات وعلمها لم يكن في وقته بالمغرب من يضاهيه أو يقاربه في ذلك متقدما في علم العروض مقصودا في الناس مشكور الحال في علمه ودينه انتهى وفيها أبو العباس أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي الصوفي قال الصفدي شيخ العربية بدمشق في زمانه أخذ عن أبي حيان وأبي جعفر بن الزيات وكان منجمعا عن الناس حضر يوما عند الشيخ تقي الدين بن السبكي بعد إمساك تنكز بخمس سنين فذكر إمساكه فقال وتنكز أمسك فقيل له نعم وجاء بعده ثلاثة نواب أو أربعة فقال ما علمت بشيء من هذا وكان بارعا في النحو مشاركا في الفضائل تلا على الصايغ وشرح التسهيل واختصر تهذيب الكمال وشرع في تفسير كبير مولده بعد التسعين وستمائة ومات بعلة الاسهال في ذي القعدة وفيها جمال الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي الحنبلي الفقيه الفرضي الأديب ولد سنة سبع وسبعمائة تقريبا وسمع الحديث على صفي الدين بن عبد الحق وعلي بن عبد الصمد وغيرهما وتفقه على الشيخ صفي الدين ولازمه وعلى غيره وبرع في الفرائض والحساب وقرأ الأصول والعربية والعروض والأدب ونظم الشعر الحسن وكتب بخطه الحسن كثيرا واشتهر بالاشتغال والفتيا

(6/166)


167
ومعرفة المذهب وأثنى عليه فضلاء الطوائف وكان صالحا دينا متواضعا حين الأخلاق طارحا للتكلف قال ابن رجب حضرت دروسه وأشغاله غير مرة وسمعت بقراءته الحديث وتوفي في طاعون سنة خمسين ببغداد بعد رجوعه من الحج وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن خفاجا الصفدي الشافعي شيخ صفد مع ابن الرسام أخذ عن ابن الزملكاني وغيره قال العثماني في طبقاته كان ماهرا في الفرائض والوصايا نقالا للفروع الكثيرة انقطع بقرية بقرب صفد يفتي ويصنف ويتعبد ويعمل بيده في الزراعة لقوته وقوت أهله ولا يقبل وظيفة ولا شيئا وله مصنفات كثيرة نافعة منها شرح التنبيه في عشر مجلدات ومختصر في الفقه سماه العمدة وشرح الأربعين للنووي في مجلد ضخم وغير ذلك لكن لم يشتهر شيء منها توفي بصفد وفيها نجم الدين أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي أبو القسم وأبو محمد الأصفوني بفتح الهمزة وبالفاء الشافعي ولد بأصفون بلدة في صعيد مصر في سنة سبع وسبعين وستمائة وتفقه على البهاء القفطي وقرأ القراءات وسكن قوص وانتفع به كثيرون وحج مرات من بحر عيذاب آخرها سنة ثلاث وثلاثين وأقام بمكة إلى أن توفي قال الأسنوي برع في الفقه وغيره وكان صالحا سليم الصدر يتبرك به من يراه من أهل السنة والبدعة اختصر الروضة وصنف في الجبر والمقابلة توفي بمنى ثاني عيد الاضحى ودفن بباب المعلى وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي قاضي القضاة ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة وسمع الكثير عن ابن الخباري وخلق وولي القضاء من سنة اثنتين وثلاثين وحدث بالكثير وقال ابن رجب قرأت عليه جزءا فيه الأحاديث التي رواها مسلم في صحيح عن الإمام أحمد بسماعه الصحيح من أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن أبي عصرون بإجازته من المؤيد توفي في شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن

(6/167)


168
محارب الصريخي النحوي المالقي بن أبي الجيش قال في تاريخ غرناطة كان من صدور المقرئين قائما على العربية إماما في الفرائض والحساب مشاركا في الفقه والأصول وكثير من العقليات أقرأ بمالقة وشرع في تقييد على التسهيل في غاية الاستيفاء فلم يكمله ومات في ربيع الآخر بعد أن تصدق بمال جم ووقف كتبه سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فيها توفي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي بل المجتهد المطلق المفسر النحوي الأصولي المتكلم الشهير بابن قيم الجوزية قال ابن رجب شيخنا ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع من الشهاب النابلسي وغيره وتفقه في المذهب وبرع وأفتى ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه وتفنن في علوم الإسلام وكان عارفا بالتفسير لا يجاري فيه وبأصول الدين وإليه فيه المنتهى وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه لا يلحق في ذلك وبالفقه وأصوله والعربية وله فيها اليد الطولى وبعلم الكلام وغير ذلك وعالما بعلم السلوك وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ومتونه وبعض رجاله وقد حبس مدة لإنكاره شد الرحيل إلى قبر الخليل وتصدر للاشغال ونشر العلم وقال ابن رجب وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوة وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشاهد مثله في ذلك ولا رأيت أوسع منه علما ولا أعرف بمعاني القرآن والحديث والسنة وحقائق الإيمان منه وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن وبالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الأذواق

(6/168)


169
والمواجيد الصحيحة وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وحج مرات كثيرة وجاور بمكة وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات وانتفعوا به وكان الفضلاء يعظمونه ويسلمون له كابن عبد الهادي وغيره وقال القاضي برهان الدين الزرعي عنه ما تحت أدميم السماء أوسع علما منه ودرس بالصدرية وأم بالجوزية مدة طويلة وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة وصنف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلوم وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء كتبه واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره فمن تصانيفه كتاب تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة مجلد كتاب سفر الهجرتين وباب السعادتين مجلد ضم كتاب مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين مجلدان وهو شرح منازل السائرين لشيخ الإسلام الأنصاري كتاب جليل القدر كتاب عقد محكم الاحقاء بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى رب السماء مجلد ضخم كتاب شرح أسماء الكتاب العزيز مجلد كتاب زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدى خاتم الأنبياء مجلد كتاب زاد المعاد في هدى خير العباد أربع مجلدات وهو كتاب عظيم جدا كتاب حل الافهام في ذكر الصلاة والسلام على خير الأنام وبيان أحاديثها وعللها مجلد كتاب بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل مجلد كتاب نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول مجلد كتاب اعلام الموقعين عن رب العالمين ثلاث مجلدات كتاب بدائع الفوائد مجلدان الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية وهي القصيدة النونية في السنة مجلد كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة مجلدان كتاب حادي الأرواح

(6/169)


170
إلى بلاد الأفراح وهو كتاب صفة الجنة مجلد وكتاب نزهة المشتاقين وروضة المحبين مجلد كتاب الداء والدواء مجلد كتاب تحفة المودود في أحكام المولود مجلد لطيف كتاب مفتاح دار السعادة مجلد ضخم كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو الفرقة الجهمية مجلد كتاب مصايد الشيطان مجلد كتاب الطرق الحكمية مجلد رفع اليدين في الصلاة مجلد نكاح المحرم مجلد تفضيل مكة على المدينة مجلد فضل العلم مجلد كتاب عدة الصابرين مجلد كتاب الكبائر مجلد حكم نارك الصلاة مجلد نور المؤمن وحياته مجلد حكم اغمام هلال رمضان مجلد التحرير فيما يحل ويحرم من لباس الحرير مجلد إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان مجلد إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان مجلد جوابات عابدي الصلبان وإن ما هم عليه دين الشيطان مجلد بطلان الكيمياء من أربعين وجها مجلد الروح مجلد الفرق بين الخلة والمحبة ومناظرة الخليل لقومه مجلد الكلام الطيب والعمل الصالح مجلد لطيف الفتح القدسي والتحفة المكية كتاب أمثال القرآن شرح الأسماء الحسنى إيمان القرآن المسائل الطرابلسية مجلدان الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم مجلدان كتاب الطاعون مجلد لطيف وغير ذلك توفي رحمه الله وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر ثم بجامع جراح ودفن بمقبرة الباب الصغير وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدين رحمه الله في النوم وسأله عن منزلته فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر ثم قال له وأنت كدت تلحق بنا ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة رحمه الله وفيه فخر الدين أبو الفضائل وأبو المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم الإمام العلامة فقيه الشام وشيخها ومفتيها ابن الكاتب المصري الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بالفخر المصري ولد بالقاهرة سنة اثنتين وقيل إحدى وتسعين وستمائة واخرج إلى دمشق وهو صغير وسمع الحديث بها وبغيرها وتفقه على الفزاري وابن الوكيل وابن الزملكاني

(6/170)


وتخرج به في فنون العلم وأذن له في الافتاء في سنة خمس
171
عشرة وأخذ الأصول عن الصفي الهندي والنحو عن مجد الدين التونسي وأبي حيان وغيرهما والمنطق عن الرضى المنطيقي والعلاء القونوي وحفظ كتبا كثيرة وحفظ مختصر ابن الحاجب في تسعة عشرة يوما وكان يحفظ في المنتقى كل يوم خمسمائة سطر وناب في القضاء عن القزويني والقونوي ثم ترك ذلك وتفرغ للعلم وتصدر للاشتغال والفتوى وصار هو الإمام المشار إليه والمعول في الفتوى عليه وحج مرارا وجاور في بعضها وتعاني التجارة وحصل منها نعما طائلة وحصلت له نكبة في آخر أيام تنكز وصودر وأخرجت عنه العادلية الصغرى والرواحية ثم بعد موت تنكز استعادهما ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال تفقه وبرع وطلب الحديث بنفسه ومحاسنه جمة وكان من أذكياء زمانه وقال الصلاح الكتبي أعجوبة الزمان كان ابن الزملكاني معجبا به وبذهنه الوقاد يشير إليه في المحافل وينوه بذكره ويثني عليه توفي في ذي القعدة ودفن بمقابر باب الصغير قبلي قبة القلندرية وفيها بل في التي قبلها يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد الحارثي الكوفي النحوي قال في الدرر ولد في شعبان سنة ثمان وسبعمائة واشتغل بالكوفة وبغداد وصنف مفتاح الألباب في النحو وقدم دمشق ومات بالكوفة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة فيها توفي أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن دمسين اليمني قال الخزرجي في تاريخ اليمن كان فقيها نبيها عالما عاملا عارفا بالفقه وأصوله والنحو واللغة والحديث والتفسير ورعا زاهدا صالحا عابدا متواضعا حسن السيرة قانعا باليسير كثير الصيام والقيام وجيها عند الخاص والعام يحب الخلوة والانفراد تفقه وجمع وانتشر ذكره وله كرامات مات بزبيد وفيها عماد الدين أبو العباس أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الصالحي الحنبلي المقري ولد الحافظ شمس الدين المتقدم ذكره سمع من الفخر بن البخاري والشيخ شمس

(6/171)


172
الدين بن أبي عمر وغيرهما وسمع منه ابن رافع والحسيني وجمع وتوفي في رابع صفر وفيها أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن يعقوب المريني صاحب مراكش وفاس وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن فتوح الدمنهوري قال الحافظ أبو الفضل العراقي برع في النحو والقراءات والحديث والفقه وكان جامعا للعلوم أخذ العربية عن الشرف الشاذلي والقراءات عن التقي الصايغ والأصول عن العلاء القونوي والمعاني عن الجلال القزويني والفقه عن النور البكري وسمع من الحجار والشريف الموسوي ودرس وأفتى وحدث عنه أبو اليمن الطبري وقال الفارسي توفي يوم الثلاثاء ثالث عشرى ربيع الأول ومولده بعد ثمانين وستمائة وفيها بهاء الدين أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن إمام المشهد محتسب دمشق ولد في ذي الحجة سنة ست وتسعين وستمائة وسمع بدمشق ومصر وغيرهما وكتب الطباق بخطه الحسن وتلا بالسبع على الكفري وجماعة وتفقه على المشايخ برهان الدين الفزاري وابن الزملكاني وابن قاضي شهبة وغيرهم وأخذ النحو عن التونسي والقحفازي وبرع في الحديث والقراءات والعربية والفقه وأصوله وأفتى وناظر ودرس بعدة مدارس وخطب بجامع التوبة وولي الحسبة ثلاث مرات ذكره الذهبي في المختص وقال ابن رافع جمع مجلدات على التمييز للبارزي وكتابا في أحاديث الأحكام في أربع مجلدات وناولني إياه وتوفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها تاج الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المراكشي المصري الشافعي ولد سنة إحدى وقيل ثلاث وسبعمائة واشتغل بالقاهرة على العلاء القونوي وغيره من مشايخ العصر وأخذ النحو عن أبي حيان وتفنن في العلوم وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة وأعاد بقبة الشافعي وكان ضيق الخلق لا يحابي أحدا ولا يتحاشاه فآذاه لذلك القاضي جلال الدين القزويني أوله دخوله القاهرة فلم يرجع فشاور عليه السلطان

(6/172)


173
فرسم بإخراجه من القاهرة إلى الشام مرسما عليه فأقام بها ودرس بالمسرورية مدة يسيرة ثم أعرض عنها تزهدا قال الأسنوي حصل علوما عديدة أكثرها بالسماع لأنه كان ضعيف النظر مقاربا للعمى وكان ذكيا غير أنه كان عجولا محتقرا للناس كثير الوقيعة فيهم ولما قدم دمشق أقبل على الاشتغال والاشغال وسماع الحديث والتلاوة والنظر في العلوم إلى الموت وقال السبكي كان فقيها نحويا مفتيا مواظبا على طلب العلم جميع نهاره وغالب ليله يستفرغ فيه قواه ويدع من أجله طعامه وشرابه وكان ضريرا لا نراه يفتر عن الطلب إلا إذا لم يجد من يطالع له توفي فجاءة في جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فيها على ما قاله في ذيل الدول قبض السلطان على الوزير علم الدين بن زنبور وصودر بعد الضرب والعذاب فكان المأخوذ منه من النقد ما ينيف على ألف ألف دينار ومن أواني الذهب والفضة نحو ستين قنطارا ومن اللؤلؤ نحو أردبين ومن الحياصات الذهب ستة آلاف ومن القماش المفصل نحو ألفين وستمائة قطعة وخمسة وعشرين معصرة سكر ومائتي بستان وألف وأربعمائة ساقية ومن الخيل والبغال ألف ومن الجواري سبعمائة ومن العبيد مائة ومن الطواشية سبعون إلى غير ذلك وفي صفر كان الحريق العظيم بباب جيرون وفيها توفي أمير المؤمنين أبو العباس الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي العباسي كان أبوه لما مات بقوص عهد إليه بالخلافة فقدم الملك الناصر عليه إبراهيم ابن عمه لما كان في نفسه من المستكفي وكانت سيرة إبراهيم قبيحة وكان القاضي عز الدين بن جماعة قد جهد كل الجهد في صرف السلطان عنه فلم يفعل فلما حضرته الوفاة أوصى الأمراء برد الأمر إلى ولي عهد المستكفي ولده أحمد فلما تسلطان المنصور عقد مجلسا وقال من يستحق الخلافة فاتفقوا على أحمد هذا فخلع إبراهيم وبايع أحمد وبايعه القضاة ولقب الحاكم بأمر

(6/173)


174
الله لقب جده قال ابن فضل الله في المسالك هو إمام عصرنا وغمام مصرنا قام على غيظ العدى وغرق بفيض الندى صارت له الأمور إلى مصائرها وسيقت إليه مصايرها فأحيا رسوم الخلافة ورسم بما لم يستطع أحد خلافه وسلك مناهج آبائه وقد طمست وأحياها بمناهج أبنايه وقد درست وجمع شمل بني أبيه وقد طال بهم الشتات وأطال عذرهم وقد اختلفت السيآت ورفع اسمه على ذرى المنابر وقد غبر مدة لا تطلع إلا في إفاقه تلك النجوم ولا تسح الا من سحبه تلك الغيوم والسجوم طلب بعد موت السلطان وأنفذ حكم وصيته في تمام مبايعته والتزام متابعته وكان أبوه قد أحكم له بالعقد المتقدم عقدها وحفظ له عند ذوي الأمانة عهدها وذكر الشيخ زين الدين العراقي أن الحاكم هذا سمع الحديث على بعض المتأخرين وأنه حدث مات في الطاعون في نصف السنة بمصر ودفن بها وفيها أبو علي حسين بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسيني السبتي نزيل تلمسان قال في تاريخ غرناطة كان ظريفا شاعرا أديبا لوذعيا مهذبا له معرفة بالعربية ومشاركة في الأصول والفروع حج ودخل غرناطة وولي القضاء ببلاد مختلفة ثم قضاء الجماعة بتلمسان ولد سنة ثلاث وستين وستمائة ومات يوم الإثنين سابع عشر شوال وفيها عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار قاضي قضاة المشرق وشيخ العلماء والشافعية بتلك البلاد الأيجى بكسر الهمزة وإسكان التحتية ثم جيم الشيرازي شارح مختصر ابن الحاجب وله المواقف قال الأسنوي كان إماما في علوم متعددة محققا مدققا ذا تصانيف مشهورة منها شرح مختصر ابن الحاجب والمواقف والجواهر وغيرها في علم الكلام والفوايد الغياثية في المعاني والبيان وكان صاحب ثروة وجود وإكرام للوافدين عليه تولى قضاء القضاة بمملكة أبي سعيد فحمدت سيرته وقال السبكي كان إماما في المعقولات عارفا بالأصلين والمعاني والبيان والنحو مشاركا في الفقه له في علم الكلام كتاب المواقف وغيره وفي أصول الفقه شرح المختصر وفي المعاني والبيان

(6/174)


الفوايد الغياثية وكانت له سعادة مفرطة ومال جزيل وأنعام على طلبة العلم وكلمة نافدة مولده سنة
175
ثمان وسبعمائة وأنجب تلامذة اشتهروا في الآفاق مثل الشمس الكرماني والضياء العفيفي والسعد التفتازاني وغيرهم وقال التفتازاني في الثناء عليه لم يبق لنا سوى اقتفاء آثاره والكشف عن خبيئات أسراره بل الاجتناء من بحار ثماره والاستضاءة بأنواره توفي مسجونا بقلعة بقرب ايج غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها واستمر محبوسا إلى أن مات وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بليش العبدري الغرناطي النحوي قال في تاريخ غرناطة كان فاضلا منقبضا متضلعا بالعربية عاكفا عمره على تحقيق اللغة له في العربية باع شديد مشاركا في الطب أثرى من التكسب بالكتب وسكن سبتة مدة ورجع وأقر بغرناطة وكان قرأ على ابن الزبير ومات في رجب وفيها شهاب الدين يحيى بن إسمعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد القيسراني أحد الموقعين ولد سنة سبعمائة وورد مع أبيه من حلب فباشر أبوه توقيع الدست وباشر هو كتابة الانشاء وكان حسن الخلق جدا تام الخلق متواضعا متوددا صبورا على الأذى كثير التجمل في ملبوسه وهيئته حتى كان ابن فضل الله يقول المولى شهاب الدين جمل الديوان وكان يكتب قلم الرقاع قويا إلى الغاية ثم باشر توقيع الدست بعد أبيه سنة ست وثلاثين ثم ولي كتابة السر في نيابة تنكز ثم أمسك وصودر فلزم بيته مدة ثم نقل إلى القاهرة فكتب بها الانشاء سنة ما رأيت منه سوءا قط وكان يتودد للصالحين ويكثر الصوم والعبادة ويصبر على الأذى ولا يعامل صديقه وعدوه إلا بالخير وطلاقة الوجه مات بعلة الاستسقاء بعد أن طال مرضه به في ثاني عشرى رجب بدمشق وصلى عليه بالجامع الأموي بعد العصر سنة أربع وخمسين وسبعمائة فيها كما قال ابن كثير كان في ترابلس بنت تسمى نفيسة زوجت بثلاثة أزواج ولا يقدرون عليها يظنون أنها رتقاء فلما بلغت خمس عشرة سنة غار ثدياها ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليلا

(6/175)


إلى أن برز
176
منه ذكر قدر أصبع وانثيان وكتب ذلك في محاضر وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني يعرف بابن الفخار وبالألبيري النحوي قال في تاريخ غرناطة أستاذ الجماعة وعلم الصناعة وسيبويه العصر وأحد الطبقة من أهل هذا الفن كان فاضلا تقيا منقبضا عاكفا على العلم ملازما للتدريس إمام الأئمة من غير مدافع مبرزا منتشر الذكر بعيد الصيت عظيم الشهرة متبحر العلم يتفجر بالعربية تفرج البحر ويسترسل استرسال القطر قد خالطت لحمه ودمه ولا يشكل عليه منها مشكل ولا يعوزه توجيه ولا تشذ عنه حجة جدد بالأندلس ما كان قد درس من العربية من لدن وفاة أبي علي الشلوبين وكانت له مشاركة في غير العربية من قراءات وفقه وعروض وتفسير وقل في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطلبة وكان مفرط الطول نحيفا سريع الخطو قليل الالتفات والتفريج جامعا بين الحرص والقناعة قرأ على أبي إسحق الغافقي ولازمه وانتفع به وبغيره مات بغرناطة ليلة الإثنين ثاني عشر رجب وفيها صدر الدين محمد بن علي بن أبي الفتح بن أسعد بن المنجا الحنبلي حضر على زينب بنت محلى وسمع من الشرف بن عساكر وعمر بن القواس وجماعة وسمع منه الذهبي والحسيني وابن رجب وحج مرارا وتوفي ليلة الإثنين ثاني عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون وفيها جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الإمام العالم العامل العابد الحبر ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع سنن ابن ماجه من الحافظ ابن بدران النابلسي وسمع من التقى سليمان وأبي بكر بن عبد الدايم وعيسى المطعم ووزيرة بنت المنجا وغيرهم وسمع منه ابن كثير والحسيني وابن رجب وكان من العماء العباد الورعين كثير التلاوة وقيام الليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحبة الحديث والسنة توفي في العشر الأوسط من جمادى الآخرة ودفن بقاسيون

(6/176)


177
سنة خمس وخمسين وسبعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي القاضي الشافعي المعروف بالظاهري مولده في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع من جماعة وتفقه على الشيخ برهان الدين الفزاري وسمع منه البرزالي والذهبي وولده القاضي تقي الدين ودرس بالأمجدية وغيرها وأفتى وولي قضاء الركب سنين كثيرة وحج بضعا وثلاثين مرة وزار القدس أكثر من ستين مرة وتوفي في شعبان ودفن بقاسيون وفيها نجم الدين أحمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي الخطيب بالجامع المظفري سمع من جده التقي سليمان وغيره وكان من فرسان الناس وقل من كان مثله في سمته توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة وفيها القاضي جمال الدين أبو الطيب الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي المصري ثم الدمشقي الشافعي ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضره أبوه التقي السبكي على جماعة من المشايخ وسمع البخاري على الحجار لما ورد مصر وتفقه على والده وعلى الزنكلوني وغيره وأخذ النحو عن أبي حيان والأصول عن الأصفهاني وقدم دمشق مع والده سنة تسع وثلاثين ثم طلب الحديث بنفسه فقرأ على المزي والذهبي وغيرهما ثم رجع إلى مصر ثم عاد إلى الشام وأفتى وناظر وناب عن والده في القضاء سنة خمس وأربعين ودرس بالشامية البرانية والعذراوية وغيرهما قال ابن كثير كان يحكم جيدا نظيف العرض في ذلك وأفتى وتصدر وكان لديه فضيلة وقال أخوه في الطبقات الكبرى كان من أذكياء العالم وكان عجبا في استحضار التسهيل ودرس بالأجر على الحاوي الصغير وكان عجبا في استحضاره

(6/177)


178
ومن شعره ملغزا ولعله في ريباس ( يا أيها البحر علما والغمام ندى * ومن به أضحت الأيام مفتخره ) ( أشكو إليك حبيبا قد كلفت به * مورد الخد سبحان الذي فطره ) ( خمساه قد أصبحا في زي عارضه * وفيه بأس شديد قل من قهره ) ( لا ريب فيه وفيه الريب أجمعه * وفيه يبس وليس القامة النضره ) ( وفيه كل الورى لما تصحفه * في ضيعة ببلاد الشام مشتهره ) توفي في شهر رمضان قبل والده بسبعة أشهر ودفن بتربتهم بقاسيون وفيها زين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن القسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي المعروف بابن شيخ العوينة كان جده الأعلى علي من الصالحين واحتفر عينا في مكان لم يعهد بالماء فقيل له شيخ العوينة ولد زين الدين في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة وقرأ القراءات على الشيخ عبد الله الواسطي الضرير وأخذ الشاطبية عن الشيخ شمس الدين بن الوراق وشرح الحاوي والمختصر ورحل إلى بغداد وقرأ على جماعة من شيوخها وسمع الحديث وقدم دمشق وسمع بها من جماعة ثم رجع إلى الموصل وصار من علمائها وله تصانيف منها شرح المفتاح للسكاكي وشرح مختصر ابن الحاجب والبديع لابن الساعاتي وغير ذلك قال ابن حبيب إمام بحر علمه محيط وظل دوحه بسيط وألسنة معارفه ناطقة وأفنان فنونه باسقة كان بارعا في الفقه وأصوله خبيرا بأبواب كلام العرب وفصوله نظم كتاب الحاوي وشنف سمع الناقل والراوي وبينه وبين الشيخ صلاح الدين الصفدي مكاتبات قال ابن حجر وشعره أكثر انسجاما وأقل تكلفا من شعر الصفدي توفي بالموصف في شهر رمضان وفيها سراج الدين عمر بن عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن بن القباني الحنبلي سمع من عيسى المطعم وغيره وكان مشهورا بالصلاح كريم النفس كبير القدر جامعا بين العلم والعمل واشتغل وانتفع بابن تيمية ولم ير على طريقه في الصلاح مثله وخرج له الحسيني مشيخة وحدث بها

(6/178)


179
ومات ببيت المقدس وفيها ناصر الدين خطيب الشام محمد بن أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي ولد سنة ثمانين وستمائة وسمع على الفخر بن البخاري مشيخته ومن جامع الترمذي وكان أحد العدول بدمشق توفي مستهل ربيع الآخر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن المهيني سمع من ابن البخاري ومن التقي سليمان وحدث وكان بشوش الوجه حسن الشكل كثير التودد للناس وفيه تساهل للدنيا وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية وتوفي في رابع شوال بدمشق ودفن بالباب الصغير قاله العليمي سنة ست وخمسين وسبعمائة في شهر ربيع الآخر منها مطر ببلاد الروم بردزنة الواحدة نحو رطل وثلثي رطل بالحلبي وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بني وسف بن محمد وقيل عبد الدايم المعروف بابن السمين وقال السيوطي في طبقات النحاة ويعرف بالسمين الحلبي ثم المصري الشافعي النحوي المقرىء الفقيه العلامة قرأ النحو على أبي حيان والقراءات على ابن الصايغ وسمع وولي تصدير إقراء النحو بالجامع الطولوني وأعاد بالشافعي وناب في الحكم بالقاهرة وولي نظر الأوقاف بها ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه وسمع الحديث من يونس الدبوسي وله تفسير القرآن في نحو عشرين مجلدا وإعراب القرآن ألفه في حياة شيخه أبي حيان وناقشه فيه كثيرا وشرح التسهيل وشرح الشاطبية وغير ذلك مات في جمادى الآخرة بالقاهرة وفيها محي الدين أبو الربيع سليمان بن جعفر الأسنوي المصري الشافعي ولد في أوائل سنة سبعمائة وأفتى ودرس واشتغل وأشغل ذكره ابن أخته جمال الدين الأسنوي في طبقاته وقال كان فاضلا مشاركا في علوم ماهرا في الجبر والمقابلة صنف طبقات فقهاء الشافعية ومات عنها وهي مسودة لا ينتفع بها توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربة الصوفية خارج باب النصر

(6/179)


180
وفيها قاضي القضاة فخر الدين أبو إبراهيم إسمعيل بن يحيى بن إسمعيل بن ممدود التميمي الشيرازي الشافعي قال ابن السبكي تفقه على والده وقرأ التفسير على قطب الدين الشعار صاحب التقريب على الكشاف وولي قضاء القضاة بفارس وهو ابن خمس عشرة سنة وعزل بعد مدة بالقاضي ناصر الدين البيضاوي ثم أعيد بعد ستة أشهر واستمر على القضاء خمسا وسبعين سنة وكان مشهورا بالدين والخير والمكارم وله شرح مختصر ابن الحاجب ومختصر في الكلام ونظم كثير توفي بشيراز في رجب وفيها جمال الدين عبد الله بن شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي الفاضل ابن ابن قيم الجوزية كان لديه علوم جيدة وذهن حاضر حاذق وأفتى ودرس وناظر وحج مرات وكان أعجوبة زمانه توفي يوم الأحد رابع عشر شعبان وفيها الإمام تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسور بن سوار بن سليم السبكي الشافعي المفسر الحافظ الأصولي اللغوي النحوي المقرىء البياني الجدلي الخلافي النظار البارع شيخ الإسلام أوحد المجتهدين قال السيوطي ولد مستهل صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة وقرأ القرآن على التقي بن الصايغ والتفسير على العلم العراقي والفقه على ابن الرفعة والأصول على العلاء الباجي والنحو على أبي حيان والحديث على الشرف الدمياطي ورحل وسمع من ابن الصواف والموازيني وأجاز له الرشيد بن أبي القسم وإسمعيل بن الطبال وخلق يجمعهم معجمه الذي خرجه له ابن أيبك وبرع في الفنون وتخرج به خلق في أنواع العلوم وأقر له الفضلاء وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني فباشره بعفة ونزاهة غير ملتفت إلى الأكابر والملوك ولم يعارضه احد من نواب الشام إلا قسمه الله وولي مشيخة دار الحديث بالأشرفية والشامية البرانية والمسرورية وغيرها وكان محققا مدققا نظارا له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة والدقائق

(6/180)


والقواعد المحررة التي لم يسبق إليها وكان منصفا في
181
البحث على قدم من الصلاح والعفاف وصنف نحو مائة وخمسين كتابا مطولا ومختصر المختصر منها يشتمل على ما لا يوجد في غيره من تحرير وتدقيق وقاعدة واستنباط منها تفسير القرآن وشرح المنهاج في الفقه ومن نظمه ( أن الولاية ليس فيها راحة * إلا ثلاث يبتغيها العاقل ) ( حكم بحق أو إزالة باطل * أو نفع محتاج سواها باطل ) وله ( قلبي ملكت فما له * مرمي لواش أو رقيب ) ( قد حزت من أعشاره * سهم المعلى والرقيب ) ( يحييه قربك أن مننت * به ولو نفدا رقيب ) ( يا متلفي ببعاده * عني أمالك من رقيب ) وأنجب أولادا كراما أعلاما وتوفي بمصر بعد أن قدم إليها وسأل أن يولي القضاء مكانه ولده تاج الدين فأجيب إلى ذلك وفيها شمس الدين محمد بن إسمعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات بن سعد بن بركات بن سعد بن كامل بن عبد الله بن عمر من ذرية عبادة بت الصامت رضي الله عنه الشيخ الكبير المسند المعمر المكثر المعروف بابن الخباز الحنبلي ولد في رجب سنة تسع وستين وستمائة وحضر الكثير على ابن عبد الدايم وغيره وسمع من المسلم بن علان المسند بكماله وأجازه عمر الكرماني والشيخ محي الدين النووي وخرج له البرزالي مشيخة وذكر له أكثر من مائة وخمسين شيخا وسمع منه المزي والذهبي والسبكي وابن جماعة وابن رافع وابن كثير والحسيني والمقري وابن رجب وابن العراقي وغيرهم وكان رجلا جيدا صدوقا مأمونا صبورا على الأسماع محبا للحديث وأهله مع كونه يكتب بيده في حال السماع وحدث مع أبيه وعمره عشرون سنة وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان بدمشق عن سبع وثمانين سنة وشهرين ودفن بباب الصغير وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله بن أبي نصر

(6/181)


182
المعروف بابن البطايني الحنبلي الشيخ العدل الأصيل ولد في رمضان سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع من ابن سنان وابن البخاري والشرف بن عساكر وسمع منه جماعة منهم المقري وابن رجب والحسيني وباشر نيابة الحسبة بالشام وتولى قضاء الركب الشامي وتكسب بالشهادة وتوفي يوم الجمعة سادس رجب ودفن بسفح قاسيون سنة سبع وخمسين وسبعمائة وقع فيها في جمادى الآخرة حريق بدمشق ظاهر باب الفرج لم يعهد مثله بحيث كانت عدة الحوانيت المحرقة سبعمائة سوى البيوت وفيها توفي كمال الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن أحمد بن أحمد بن مهدي الإمام العالم الورع المصري الشافعي النشائي بالنون والمعجمة مخففا نسبة إلى نشا قرية بريف مصر ولد في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسستمائة وسمع من الحفاظ الدمياطي ورضي الدين الطبري وجماعة واشتغل على والده وغيره من مشايخ العصر ودرس بجامع الخطيري وخطب به وأم أول ما بنى وأعاد بالظاهرية والصالحية وغيرها وصنف التصانيف المفيدة الجامعة المحررة منها المنتقى في خمس مجلدات وجامع المختصرات وشرحه في ثلاث مجلدات ونكت التنبيه وهو كتاب مفيد والأبريز في الجمع بين الحاوي والوجيز وكشف غطاء الحاوي ومختصر سلاح المؤمن وكلامه في مصنفاته قوي مختصر جدا وفي فهمه عسر فلذلك أحجم كثير من الناس عن مصنفاته وسمع منه وحدث عنه زين الدين العراقي وابن رجب الحنبلي وذكره رفيقه الأسنوي فقال كان إماما حافظا للمذهب كريما متصوفا طارحا للتكلف وفي أخلاقه حدة كوالده توفي في صفر ودفن بالقرافة الصغرى وفيها سلطان بغداد حسن ابن اقبغا بن ايلكان بن خربندا بن أرغون بن هلاكو المغلى ويعرف بحسن الكبير تمييزا له عن حسن بن عرياس وكان حسن الكبير ذا سياسة حسنة وقيام بالملك

(6/182)


183
أحسن قيام وفي ولايته وقع ببغداد الغلاء المفرط حتى بيع الخبز بصنج الدراهم ونزح الناس عن بغداد ثم نشر العدل إلى أن تراجع الناس إليها وكانوا يسمونه الشيخ حسن لعدله قال في الدرر وفي سنة تسع وأربعين توجه إلى تستر ليأخذ من أهلها قطيعة قررها عليهم فأخذها وعاد فوجد نوابه في بغداد في رواق العدل ببغداد ثلاث قدور مثل قدور الهريسة مملوءة ذهبا مصريا وصوريا ويوسفيا وغير ذلك فيقال جاء وزن ذلك أربعين قنطارا بالبغدادي ولما توفي قام ابنه أويس مقامه وفيها جمال الدين عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عباس بن حامد بن خلف المعروف بابن الناصح وهو لقب عبد الرحمن الحنبلي سمع على الفخر ابن البخاري وحدث وكان رجلا صالحا مباركا يتعانى التجارة ثم ترك ذلك ولازم الجامع نحو الستين سنة توفي في ذي القعدة وفيها السيد شرف الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد الحسيني الأرموي المصري الشافعي المعروف بابن قاضي العسكر مولده سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع من جماعة واشتغل بالفقه والأصول والعربية وأفتى ودرس بمشهد الحسين والفخرية والطيبرسية وولي نقابة الأشراف والحسبة ووكالة بيت المال وحدث وسمع منه جماعة قال ابن رافع كان من أذكياء العالم كثير المروءة أديبا بارعا وقال ابن السبكي كان رجلا فاضلا ممدحا أديبا هو والشيخ جمال الدين بن نباتة والقاضي شهاب الدين بن فضل الله أدباء العصر إلا أن ابن نباته وابن فضل الله يزيدان عليه بالشعر فإنه لم يكن له فيه يد وأما في النثر فكان أستاذيا ماهرا مع معرفته بالفقه والأصول والنحو توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة فيها وثب مملوك يقال له آي قجا من مماليك السلطان على شيخو الناصري وكان شيخو هذا تقدم في أيام المظفر واستقر في أول دولة الناصر حسن من رؤس

(6/183)


184
أهل المشورة ثم كاتب القصص إلى أن صار زمام الملك بيده وعظم شأنه في سنة إحدى وخمسين كتب له بنيابة طرابلس وهو في الصيد فساروا به إلى دمشق فوصل أمر بإمساكه فأمسك وأرسل إلى الأسكندرية فسجن بها فلما استقر الصالح أفرج عنه في رجب سنة اثنتين وخمسين واستقر على عادته أولا وكثر دخله حتى قيل أنه كان يدخل له من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته في كل يوم مائتا ألف ولم يسمع بمثل ذلك في الدولة التركية ولما وثب عليه المملوك وجرحه بالسيف في وجهه وفي يده اضطرب الناس فمات من الزحام عدد كثير وأمسك المملوك فقال ما أمرني أحد بضربه ولكني قدمت له قصة فما قضى حاجتي فطيف بالمملوك وقتل وقطبت جراحات شيخو فأقام نحو ثلاثة أيام والناس تعوده السلطان فمن دونه ثم مات في سادس عشر ذي القعدة وترك من الأموال ما لا يحصى وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن المصري العسجدي ولد في رمضان سنة ست وثمانين وستمائة وطلب الحديث وهو كبير فسمع من النور البعلي والدبوسي والواني وغيرهم وأكثر جدا وكتب الطباق وأسمع أولاده وكان أديبا متواضعا فاضلا متدينا يعرف أسماء الكتب ومصنفيها وطبقات الأعيان ووفياتهم وولي تدريس الحديث بالمنصورية والفخرية وغيرهما قال ابن حبيب كان عالما بارعا مفيدا مسارعا إلى الخير ومن شعره ( ولعى بشمعته وضوء جبينه * مثل الهلال على قضيب مائس ) ( في خده مثل الذي في كفه * فأعجب لماء فيه جذوة قابس ) وفيها أرغون الصغير الكاملي نايب حلب كان أحد مماليك الصالح إسمعيل رباه وهو صغير السن حتى صيره أميرا وزوجه أخته لأمه هي بنت أرغون العلائي وكان جميلا جدا قال الصفدي لما تزوج خرج وعليه قباء مطرز فبهر الناس بحسنه ولما ولي الكامل حظي عنده وكان يدعي أرغون الصغير فصار يدعي أرغون الكاملي ثم ولاه الناصر حسن نيابة حلب فباشرها مباشرة حسنة وخافة التركمان والعرب ثم

(6/184)


185
ولي نيابة دمشق في أول دولة الصالح صالح ثم اعتقل بالأسكندرية ثم أفرج عنه وأقام بالقدس بطالا وعمر له فيها تربة حسنة ومات بها في شوال وفيها قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة الأتقاني الحنفي قال السيوطي اسمه لطف الله قال ابن حبيب كان رأسا في مذهب أبي حنيفة بارعا في اللغة والعربية وقال ابن كثير ولد بأتقان في ليلة السبت تاسع عشر شوال سنة خمس وثمانين وستمائة واشتغل ببلاده ومهر وقدم دمشق سنة عشرين وسبعمائة ودرس وناظر وظهرت فضائله وقال ابن حجر ودخل مصر ثم رجع فدخل بغداد وولي قضاءها ثم قدم دمشق ثانيا وولي بها تدريس دار الحديث الظاهرية بعد وفاة الذهبي وتكلم في رفع اليدين في الصلاة وادعى بطلان الصلاة به وصنف فيه مصنفا فرد عليه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره ثم دخل مصر فأقبل عليه صرغتمش وعظم عنده جدا وجعله شيخ مدرسته التي بناها وذلك في جمادى سنة سبع وخمسين فاختار لحضور الدرس طالعا فحضر والقمر في السنبلة والزهرة في الأوج وأقبل عليه صرغتمش إقبالا عظيما وقدر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة وشيء وكان شديد التعظيم لنفسه متعصبا جدا معاديا للشافعية يتمنى تلافهم واجتهد في ذلك بالشام فما أفاد وأمر صرغتمش أن يقصر مدرسته على الحنفية وشرح الهداية وحدث بالموطأ رواية محمد بن الحسن بإسناد نازل جدا وذكر القاضي عز الدين ابن جماعة أن بينه وبين الزمخشري اثنين فأنكر ذلك وقال أنا أسن منك وبيني وبينه أربعة أو خمسة وكان أحد الدهاة وأخذ عنه الشيخ محب الدين بن الوحدية ومات في حادي عشر شوال انتهى ما ذكره السيوطي في طبقات النحاة وفيها أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن بدر بن الحسن بن مفرج بن بكار بن النابلسي سبط الزين خالد أبو العباس كان حافظا مفيدا حجة ذا صلاح ظاهر لكنه عن الناس نافر قاله ابن ناصر الدين وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الولي بن جبارة

(6/185)


المقدسي
186
ثم الصالحي المرداوي الحنبلي المعمر المسند المعروف بالحريري مولده سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من الكرماني وابن البخاري وخلق وأجاز له أحمد بن عبد الدايم والنجيب عبد اللطيف قال الحسيني وهو آخر من حدث بالإجازة عنهم في الدنيا وسمع منه الذهبي والبرزالي والحسيني وطائفة وضعف بصره وهو كثير التلاوة والذكر توفي في ثالث عشر رمضان ببستان الأعسر وصلى عليه بجامع المظفري ودفن بالسفح بمقبرة المرادوة وفيها شرف الدين أبو سليمان داود بن محمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي الشيخ الإمام الصالح أخو قاضي القضاة جمال الدين المرداوي سمع الكثير متأخرا على التقي سليمان وأجاز له جماعة منهم ابن البخاري وغيره وتوفي في رمضان ودفن بسفح قاسيون وفيها تاج الدين محمد بن أحمد بن رمضان بن عبد الله الجزيري ثم الدمشقي الحنبلي سمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن عساكر وابن الفراء وأجاز له الصيرفي وابن الصابوني وابن البخاري وابن الكمال وخلق وخرج له ابن سعد مشيخة سمعها عليه جماعة منهم الحسيني وابن رجب توفي مستهل رمضان وصلى عليه بالأموي ودفن بسفح قاسيون وفيها مريم وتدعى قضاة بنت الشيخ عبد الرحمن ابن أحمد بن عبد الرحمن الحنبلية الشيخة الصالحة المسندة من أصحاب الشيخ المسند أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر ولدت عام أحد أو اثنين وتسعين ستمائة وروت عن خلق وحدثت وأجازت لولدها شمس الدين بن عبد القادر النابلسي ويأتي ذكره إن شاء الله تعالى وتوفيت في المحرم وفيها بهاء الدين عمر بن محمد بن أحمد بن منصور الهندي الحنفي نزيل مكة قال الفارسي كان عالما بالفقه والأصول والعربية مع حلم وأدب وعقل راجح وحسن خلق جاور بالمدينة وحج فسقط إلى الأرض فيبست أعضاؤه وبطلت حركته وحمل إلى مكة وتأخر عن الحج ولم يقم إلا قليلا ومات وفيها محب الدين أبو الثناء محمود بن علي بن إسمعيل بن يوسف التبريزي القونوي الأصل المصري الشافعي ولد بمصر

(6/186)


سنة تسع
187
عشرة وسبعمائة وتوفي والده وهو صغير فاشتغل وأخذ عن مشايخ العصر ودرس وأفتى وصنف ذكره رفيقه الأسنوي في طبقاته وبالغ في المدح له والثناء عليه وشرع في تصنيف أشياء عاقه عن أكمالها اخترام المنية وكمل شرح المختصر في جزءين وهو من أحسن شروحه توفي في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وسبعمائة فيها توفي أبو الغيث بن عبد الله بن راشد السكوني الكندي الحضرمي قال الخزرجي كان فقيها بارعا محققا عارفا بالفقه والنحو واللغة والمعاني والبيان والعروض والقوافي أخذ عن جماعة من أهل زبيد وولي القضاء بها وتدريس العفيفية ثم نقله المجاهد إلى تعز لتدريس مدرسته فاستمر بها إلى أن مات وفيها الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير الموصلي الحنبلي قدم الشام وكان شيخا طوالا ذكيا له قدرة على نظم الألغاز وكتابته جيدة وكان يذكر أنه سمع جامع الأصول ودرس وتوفي في خامس عشر رمضان وهو والد الشيخ عز الدين الموصلي وفيها علاء الدين علي بن عبد الرحمن بن الحسين الخطيب بن الخطيب العثماني الصفدي الشافعي ناب في الحكم بصفد وخطب بها ودرس وقام بالفتوى بعد ابن الرسام وله مختصر في الفقه سماه النافع توفي بصفد عقب وصوله من الحج وهو أخو القاضي شمس الدين العثماني قاضي صفد وصاحب طبقات الفقهاء المحشوة بالأوهام وتاريخ صفد وغيرهما قاله ابن قاضي شهبة وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن إسمعيل المعروف بالحفة بمهملة وفاء وقد يصغر فيقال حفيفة الحنبلي الشيخ الصالح المقرىء الملقن المعمر سمع من ابن البخاري مشيخته وحدث وسمع منه ابن رجب والعراقي وطائفة وكان يقرىء بالجامع المظفري وقرأ عليه جماعة مستكثرة توفي ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأول بالصالحية ودفن بسفح قاسيون وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد المقدسي

(6/187)


188
الأصل ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الإمام كان إماما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق وحضر على ابن البخاري المسند وسمع من جده لأمه الشيخ تقي الدين الواسطي وابن عساكر وغيرهما وحدث وسمع منه الحسيني وابن رجب توفي يوم السبت سابع عشر شعبان بسفح قاسيون ودفن به وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عثمان بن موسى الآمدي ثم المكي الحنبلي أمام مقام الحنابلة بمكة شرفها الله تعالى ولي الإمامة بعد وفاة والده فباشرها أحسن مباشرة واستمر نحو ثلاثين سنة وسمع الحديث من والده وغيره وفيها شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الشيخ الإمام العالم المتقن المحدث المفيد الحنبلي المقدسي ثم الصالحي ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال المحدث الفاضل البارع مفيد الطلبة بكر به والده فسمع كثيرا وهو حاضر وسمع من خلق كثير وطلب بنفسه وكتب ورحل وخرج للشيوخ وقال الحسيني سمع خلقا كثيرا وجما غفير وجمع فأوعى وكتب ما لا يحصى وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه وأثنى عليه ابن كثير وابن حبيب وغيرهما توفي يوم الإثنين ثالث ذي القعدة بالصالحة ودفن بقاسيون وقد قارب الستين سنة ستين وسبعمائة فيها توفي خطيب مكة وقاضيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري القاضي المكي الشافعي من بيت العلم والقضاء والرياسة والحديث قال في الدرر ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة وولي قضاء مكة وهو شاب بعد أبيه وولي الخطابة وكان سمع على الرضى والصفى والفخر التوزري وغيرهم وسمع منه غير واحد من شيوخنا ومات في العشر الآخر من شعبان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الزهر بن عطية الهكاري الحنبلي الشيخ الإمام سمع من ابن البخاري مشيخته وغيرها وسمع منه

(6/188)


189
الذهبي وابن رجب وابن العراقي وغيرهم وكان شيخا صالحا حسنا من أولاد المشايخ توفي ليلة الجمعة سابع عشرى جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن سام بن السراج الحنبلي الشسخ الصالح حضر في الثانية على ابن القواس معجم ابن جميع وسمع الغسولي وغيره وحدث وسمع منه الذهبي والحسيني وابن ايدغدي وجماعة وكان رجلا جيدا توفي سابع ذي الحجة بالصالحية ودفن بقاسيون وفيها زين الدين عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل المقدسي المؤدب الصالحي الحنبلي سمع من ابن البخاري سنن أبي داود ومن التقي الواسطي وخطيب بعلبك وحدث وسمع منه الحسيني وابن ايدغدي وجماعة وكان من أهل الدين والخير وكان عامل الضيائية متوددا كثير التحصيل للكتب الحديثية توفي ليلة الخميس سادس عشر ذي القعدة وفيها محمد بن عيسى بن عبد الله السكسكي النحوي الشافعي المصري نزيل دمشق قال في الدرر مهر في العربية وشغل الناس بها وكان كثير المطالعة والمذاكرة وله أرجوزة في التصريف وكتب شيئا على منهاج النووي وله سماع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وغيره وكان كثير العبادة حسن البشر جيد التعليم درس وأفتى وولي الخانقاه الشهابية وله أسئلة في العربية سأل عنها الشيخ تقي الدين السبكي فأجابه مات في ثامن عشر ربيع الأول والله أعلم سنة إحدى وستين وسبعمائة فيها توفي أورخان بن عثمان السلطان العظيم ثاني ملوك بني عثمان ولي سنة ست وعشرين وستمائة بعد وفاة والده السلطان عثمان حق أول ملوك بني عثمان وكانت ولاية صاحب الترجمة في أيام السلطان حسن صاحب مصر قال القطبي كان أورخان شديدا على الكفار ففاق والده في الجهاد وفتح البلاد فافتتح قلاعا

(6/189)


190
كثيرة وحصونا منيعة وفتح برسا وجعلها مقر سلطنته ثم ولي بعده ولده مراد وفيها بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلي الحنبلي الشيخ الصالح المقرىء الفقيه ولد في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وستمائة وسمع من التاج عبد الخالق وابن مشرف والشيخ شرف الدين اليونيني وغيرهما وكان خيرا حسن السمت صحب الفقراء وروى عنه ابن رجب حديث الربيع بنت النضر وقول النبي إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره وجاور بمكة وتوفي بمعان مرجعه من الحج ليلة الجمعة رابع عشر ذي الحجة ودفن هناك وأرخ الحافظ ابن حجر وفاته في المحرم ولعله الأقرب وفيها جمال الدين الدارفوي الحنبلي المقرىء للسبع إمام الضيائية بدمشق توفي في جمادى الأولى قاله العليمي وفيها صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى بن عبد الله العلائي الشافعي الإمام المحقق بقية الحفاظ ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع الكثير ورحل وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة وأخذ علم الحديث عن المزي وغيره وأخذ الفقه عن الشيخين البرهان الفزاري ولازمه وخرج له مشيخة والكمال الزملكاني وتخرج به وعلق عنه كثيرا وأجيز بالفتوى وجد واجتهد حتى فاق أهل عصره في الحفظ والإتقان ودرس بدمشق بالأسدية وغيرها ثم انتقل إلى القدس مدرسا بالصلاحية وحج مرارا وجاور وأقام بالقدس مدة طويلة يدرس ويفتي ويحدث ويصنف إلى آخر عمره ذكره الذهبي في معجمه وأثنى عليه وكذلك الحسيني في معجمه وذيله فقال كان إماما في الفقه والنحو والأصول مفننا في علم الحديث ومعرفة الرجال علامة في معرفة المتون والأسانيد بقية الحفاظ ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن درس وأفتى وناظر ولم يخلف بعده مثله وقال السبكي كان حافظا ثبتا ثقة عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون فقيها متكلما أديبا شاعرا ناظما متفننا أشعريا صحيح العقيدة سنيا لم يخلف بعده في الحديث مثله لم يكن في عصره من يدانيه فيه ومن تصانيفه القواعد المشهورة

(6/190)


والوشي المعلم فيمن روى عن
191
أبيه عن جده عن النبي وعقيلة المطالب في ذكر أشراف الصفات والمناقب وجمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي ومنخة الرائض بعلوم آيات الفرائض وكتابا في المدلسين وكتابا سماه تلقيح الفهوم في صيغ العموم وغير ذلك من التصانيف المتقنة المحررة توفي بالقدس في المحرم ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد وفيها أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد الحق الحنفي البليغ الناظم الناثر ولي ولايات جليلة ومن شعره ( من يكن أصم أعمى * يدخل الحان جهارا ) ( يسمع الالحان تتلو * وترى الناس سكارى ) وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد المقدسي الصالحي البزوري العطار الحنبلي المعروف بابن قيم الضيائية ولد في أواخر سنة تسع وستين وستمائة وأخذ عن الفخر بن البخاري وسمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن الزين وابن الكمال وسمع منه الذهبي وابن رافع والحسيني وابن رجب وأجاز للشيخ شهاب الدين بن حجي وللشيخ شرف الدين بن مفلح وكان مكثرا مسندا فقيها وكان له حانوت بالصالحة يبيع فيه العطر توفي بالصالحية ليلة الثلاثاء خامس عشرى المحرم ودفن بالروضة عن إحدى وتسعين سنة وفيها جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري الحنبلي النحوي العلامة قال في الدرر ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة ولزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وتلا على ابن السراج وسمع على أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى ولم يلازمه ولا قرأ عليه وحضر درس التاج التبريزي وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة وتفقه للشافعي ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر وذلك قبل موته بخمس سنين وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وتصدر لنفع الطالبين وانفرد بالفوايد الغريبة والمباحث

(6/191)


192
الدقيقة والستدراكات العجيبة والتحقيق البالغ والاطلاع المفرط والاقتدار على التصرف في الكلام والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مع التواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق ورقة القلب قال ابن خلدون وما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه صنف مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه وقد كتب عليه حاشية وشرحا لشواهده والتوضيح على الألفية مجلدا ورفع الخصاصة عن قراء الخلاصة أربع مجلدات وعمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب مجلدان والتحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتذييل عدة مجلدات وشرح التسهيل مسودة وشرح الشواهد الكبرة والصغرى والجامع الكبير والجامع الصغير وشرح اللمحة لأبي حيان وشرح بانت سعاد وشرح البردة والتذكرة خمس مجلدات والمسائل السفرية في النحو وغير ذلك وله عدة حواش على الألفية والتسهيل ومن شعره ( ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله * ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل ) ( ومن لم يذل النفس في طلب العلى * يسيرا يعش دهرا طويلا أخاذل ) وله ( سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى * بكل شيء في الحياة قد أتى ) توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة الصوفية بمصر وفيها أبو القسم محمد بن أحمد بن محمد الشريف الحسيني الفقيه الجليل النبيه رئيس العلوم اللسانية بالأندلس وقاضي الجماعة بها قال المقري المغربي المتأخر في كتابه تعريف ابن الخطيب في ذكر مشايخ لسان الدين بن الخطيب كان هذا الشريف آية الله الباهرة في العربية والبيان والأدب قال محمد بن علي بن الصباغ العقيلي كان آية زمانه وأزمة البيان طوع بنانه له شرح المقصورة القرطاطاجنية أغرب ما تتحلى به الآذان وأبدع ما ينشرح له الجنان إلى العقل الذي لا يدرك والفضل

(6/192)


193
الذي حمد منه المسلك جرت بينه وبين الوالد نادرة وذلك أن الوالد دخل عليه يوما لأداء شهادة فوجد بين يديه جماعة من الغزاة يؤدون شهادة أيضا فسمع القاضي منهم وقال هل ثم من يعرفكم فقالوا نعم يعرفنا سيدي على الصباغ فقال القاضي أتعرفهم يا أبا الحسن فقال نعم يا سيدي معرفة محمد بن يزيد فما أنكر عليه شيئا بل قال لهم عرف الفقيه أبو الحسن ما عنده فانظروا من يعرف معه رسم حالكم فانصرفوا راضين ولم يرتهن والدي في شيء من حالهم ولا كشف القاضي لهم ستر القضية قال محمد بن الصباغ أما قول والدي معرفة محمد بن يزيد فإشارة إلى قول الشاعر ( أسائل عن ثمالة كل حي * فكلهم يقول وما ثماله ) ( فقلت محمد بن يزيد منهم * فقالوا الآن زدت بهم جهاله ) قال ففطن القاضي رحمه الله تعالى لجودة ذكائه إلى أنه يرتهن في شيء من معرفتهم ممتنعا من إظهار ذلك بلفظه الصريح فكنى واكتفى بذكاء القاضي الصحيح رحمه الله تعالى ومن شعر الشريف ( واحور زان خديه عذار * سبى الألباب منظره العجاب ) ( أقول لهم وقد عابوا غرامي * به إذ لاح للدمع انسكاب ) ( ابعد كتاب عارضه يرجى * خلاص لي وقد سبق الكتاب ) توفي في هذه السنة وقال في الإحاطة مولده سنة سبع وتسعين وستمائة وتوفي سنة ستين وسبعمائة والأول أصح وفي حدودها قاضي القضاة أبو عبد الله جد المقري المتأخر صاحب نفح الطيب قال في الإحاطة محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المقري قاضي الجماعة بفاس ولد بتلمسان وكان أول من اتخذها من سلفه قرارا جده الخامس

(6/193)


194
عبد الرحمن صاحب الشيخ أبي مدين الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين وقال حفيده المقري في كتابه التعريف بابن الخطيب وقد ألف علم الدنيا ابن مرزوق تأليفا استوفى فيه التعريف بمولاي الجد سماه النور البدري في التعريف بالفقيه المقري وهذا بناء منه على مذهبه أنه بفتح الميم وسكون القاف كما صرح بذلك في شرح الألفية عند قوله ووضعوا لبعض الأجناس علم وضبطه غيره وهم الأكثرون بفتح الميم وتشديد القاف وعلى ذلك عول أكثر المتأخرين وهما لغتان في البلد التي نسب إليها وهي قرية من قرى زاب أقريقة وقال مولاي الجد مولدي بتلمسان أيام أبي حم موسى بن عثمان وقد وقفت على تاريخ ذلك ولكني رأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السلفي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح بن رويان عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت علي بن محمد اللبان عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سأت أبا إسمعيل الترمذي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سأت بعض أصحاب الشافعي عن سنة فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنة فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال اقبل على شأنك ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنه انتهى وأنشد لبعضهم في المعنى ( احفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال ما استطعت ومذهب ) ( فعلى الثلاثة تبتلي بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب ) وقال في الإحاطة في ترجمة الفقيه المقري هذا هذا الرجل مشار إليه بالعدو الغريبة اجتهادا وأدبا وحفظا وعناية واضطلاعا ونقلا ونزاهة سليم الصدر قريب الغور صادق القول مسلوب التصنع كثير الهشة مفرط الخفة ظاهر السذاجة ذاهب أقصى مذاهب التخلق محافظ على العمل مثابر على

(6/194)


الانقطاع حريص على العبادة قديم النعمة
195
متصل الخيرية مكب على النظر والدرس معلوم الصيانة والعدالة منصف في المذاكرة حاسر الذراع عند المباحثة رحب الصدر في وطيس المناقشة غير ضنين بالفائدة كثير الالتفات متقلب الحدقة جهير بالحجة بعيد عن المراء والمباهتة قائل بفضل أولى الفضل من الطلبة يقوم أتم القيام على العربية والفقه والتفسير ويحفظ الحديث ويتهجر بحفظ التاريخ والأخبار والآداب ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والمنطق والجدل ويكتب ويشعر مصيبا غرض الإصابة ويتكمل في طريقة الصوفية كلام أرباب المقال ويعني بالتدوين فيها شرق وحج ولقي جلة ثم عاد إلى بلده فأقرأ به وانقطع إلى خدمة العلم وقال المقري في هذه الترجمة سأل ابن فرحون ابن حكم هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت ( رأى فحب فرام الوصل فامتنعت * فسام صبرا فأعيا نيله فقضى ) ففكر ثم قال نعم ( ^ فطاف عليها طائف من ربك ) إلى آخرها ثم قال لابن فرحون هل عندك غيره فقال نعم ( ^ فقال لهم رسول الله ) إلى آخر السورة وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد وقال المقري صاحب الترجمة رأيت بجامع الفسطاط من مصر فقيرا عليه قميص إلى جانبه دفاسة قائمة وبين يديه قلنسوة فذكر لي هنالك أنهما محشوتان بالبرادة وأن زنة الدفاسة أربعمائة رطل مصرية وهي ثلثمائة وخمسون مغربية وزنة القلنسوة مائتا رطل مصرية فعمدت إلى الدفاسة فأخذتها من طرفها أنا ورجل آخر وأملناها بالجهد فلم نصل بها إلى الأرض وعمدت إلى القلنسوة فأخذتها من أصبع كان في رأسها فلم أطق حملها فتركتها وكان يوم جمعة فلما قضيت الصلاة مررنا في جملة من أصحابنا بالفقير فوجدناه لابسا تلك الدفاسة في عنقه واضعا تلك القلنسوة على رأسه فقام إلينا وإلى غيرنا ومشى بهما كما يمشي أحدنا بثيابه فجعلنا نتعجب ويشهد بعضنا بعضا على ما رأى ولم يكن بالعظيم الخلقة وقال لما حللت ببيت المقدس وعرف به مكاني

(6/195)


من الطلب سألني بعض الطلبة بحضرة قاضيها فقال
196
أنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمر بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة وقد قال رسول الله بعد أن عين المواقيت لأهل الآفاق هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن وهذا قد مر على ذي الحليفة وليس من أهله فيكون له فقلت له أن النبي قال من غير أهلهن أي من غير أهل المواقيت وهذا سلب كلي وأنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقيضه وهو الإيجاب الجزئي عليه لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا فلما لم يتناوله النصر رجعنا إلى القياس ولا شك أنه لا يلزم أحد أن يحرم قبل ميقاته وهو يمر عليه فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك انتهى قلت الحديث صحيح خرجه البخاري ومسلم وأبو داود بلفظ هن لهم ولمن أتى عليهن من غير أهلهن وفي أكثر طرقه هن لهن والأول أصح وفيها القاضي صدر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ثم المصري الحنبلي الشيخ الإمام سمع من العماد بن الشيخ شمس الدين ابن العماد والتقي بن تمام وغيرهما وكان حسن الشكالة مع تواضع وحسن كتابة ولما كان والده قاضي الحنابلة بالديار المصرية رأى من الجاه والسعادة ما لم يره غيره من أولاد القضاة ويقال انه كان في اصطبله ما يزيد على خمسين رأسا وبسببه عزل والده من القضاء توفي المرتجم ليلة النصف من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وسبعمائة استهلت والفناء بالديار المصرية فاش وحصل للسلطان مرض ثم عوفي ثم لما كان يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى وثب يلبغا الخاسكي وركب معه جماعة من الأمراء وباتوا تحت القلعة ثم هجموا على السلطان الناصر وقبضوا عليه ثم أحضروا صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد وأجلسوه على الكرسي وحلفوا له ولقبوه الملك المنصور وعذبوا الناصر حتى هلك بعد أيام ودفنوه في مصطبة في داره وكانت مدة سلطنته الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر والثانية ست سنين وسبعة أشهر

(6/196)


197
وأيام ومات ولم يكمل ثلاثين سنة وخلف عشرة ذكور وست إناث وصار المتكلم في المملكة يلبغا وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الشيخ الصالح المعمر الحنبلي أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كان فيه أقدام على الملوك وأبطال مظالم كثيرة وصحب الشيخ تقي الدين دهرا وانتفع به وكان له وجاهة عند الخاص والعام ولديه تقشف وزهد توفي بمدينة حبراص في المحرم وفيها الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحكري الحنفي صاحب التصانيف قال الصفدي سمع من التاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدين ومن الواني والحسيني وغيرهما وأكثر جدا من القراءة والسماع وكتب الطباق وكان قد لازم الجلال القزويني فلما مات ابن سيد الناس تكلم له مع السلطان فولاه تدريس الحديث بالظاهرية فقام الناس بسبب ذلك وقعدوا وبالغوا في ذمه وهجوه فلما كان في سنة خمس وأربعين وقف له العلائي لما رحل إلى القاهرة على كتاب جمعه في العشق تعرض فيه لذكر الصديقة عائشة رضي الله تعالى عنها فأنكر عليه ذلك ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي فاعتقله بعد أن عزره فانتصر له ابن البابا وخلصه وكان يحفظ الفصيح لثعلب ومن تصانيفه شرح البخاري وذيل المؤتلف والمختلف والزهر الباسم في السيرة النبوية قال الشهاب ابن رجب تصانيفه نحو المائة أو أزيد وله مآخذ على أهل اللغة وعلى كثير من المحدثين قال وأنشدني لنفسه في الواضح المبين شعرا يدل على استهتاره وضعفه في الدين وقال زين الدين بن رجب كان عارفا بالأنساب معرفة جيدة وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة وتصانيفه كثيرة جدا توفي في رابع عشر شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة فيها توفي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العباسي بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين بعهد منه وكان

(6/197)


198
خيرا متواضعا محبا لأهل العلم توفي في يوم الخميس ثاني عشرى جمادى الأولى بمصر وبويع بعده ولده محمد بعهد منه ولقب المتوكل وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن عمر الأسنوي الشافعي الإمام ابن عم الشيخ جمال الدين قال ابن قاضي شهبة كان أحد العلماء العاملين اختصر الشفاء للقاضي عياض وشرح مختصر مسلم والألفية لابن مالك واشتغل قديما ببلده وغيرها ثم أقام ببلده ثم صار يجاور بمكة سنة وبالمدينة سنة قال له الشيخ عبد الله اليافعي أنت قطب الوقت في العلم والعمل توفي بمكة بعد الحج وفيها شمس الدين أبو امامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم المغربي الأصل المصري المعروف بابن النقاش الشافعي مولده في رجب سنة عشرين وسبعمائة وحفظ الحاوي الصغير ويقال أنه أول من حفظه بالديار المصرية واشتغل على الشيخ شهاب الدين الأنصاري والتقي السبكي وأبي حيان وغيرهم وقرأ القراءات على البرهان الرشيدي ودرس وأفتى وتكلم على الناس وكان من الفقهاء المبرزين والفصحاء المشهورين وله نظم ونثر حسن وحصل له بمصر رياسة عظيمة وشاع ذكره في الناس ودرس بعدة مدارس وبعد صيته وخرج أحاديث الرافعي وسماه كاشف الغمة عن شافعية الأمة وسماه أيضا أمنية الألمعي في أحاديث الرافعي وورد الشام في أيام السبكي وجلس بالجامع ووعظ بجنان ثابت ولسان فصيح من غير تكلف فعكف الناس عليه ومن مصنافته شرح العمدة في نحو ثمان مجلدات وشرح ألفية ابن مالك وكتاب النظاير والفروق وشرح التسهيل وله كتاب في التفسير مطول جدا التزم فيه ان لا ينقل فيه حرفا من كتاب من تفسير من تقدمه وهذا عجب عجيب وسماه اللاحق السابق وكان يقول الناس اليوم رافعية لا شافعية ونووية لا نبوية توفي في شهر ربيع الأول قاله ابن قاضي شهبة وفيها أبو عبد الله شمس الدين محمد بن عيسى بن حسين بن كثير الشيخ المسند الحنبلي البغدادي شيخ الزاوية جوار مسجد الحسين بالقاهرة روى عن غازي الحلاوي

(6/198)


من المسند مواضع وتوفي بالقاهر
199
وفيها أقضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الحنبلي الشيخ الإمام العالمة العلامة وحيد دهره وفريد عصره شيخ الإسلام وأحمد الأئمة الأعلام سمع من عيسى المطعم وغيره وتفقه وبرع ودرس وأفتى وناظر وحدث وأفاد وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وتزوج ابنته وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث وكان آية وغاية في نقل مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه قال عنه أبو البقاء السبكي ما رأت عيناي أحدا أفقه منه وكان ذا حظ من زهد وتعفف وصيانة وورع ودين متين وشكرت سيرته وأحكامه وذكره الذهبي في المعجم فقال شاب عالم له عمل ونظر في رجال السنن ناظر وسمع وكتب وتقدم ولم ير في زمانه في المذاهب الأربعة من له محفوظات أكثر منه فمن محفوظاته المنتقى في الأحكام وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ما تحت قبلة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح وحسبك بهذه الشهادة من مثل هذا وحضر عند الشيخ تقي الدين ونقل عنه كثيرا وكان يقول له ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته حتى أن ابن القيم كان يراجعه في ذلك وله مشايخ كثيرون منهم ابن مسلم والبرهان الزرعي والحجار والفويره والبخاري والمزي والذهبي ونقل عنهما كثيرا وكانا يعظمانه وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثني عليه كثيرا قال ابن كثير وجمع مصنفات منها على المقنع نحو ثلاثين مجلدا وعلى المنتقى مجلدين وكتاب الفروع أربع مجلدات قد اشتهر في الآفاق وهو من أجل الكتب وأنفعها وأجمعها للفوايد لكنه لم يبيضه كله ولم يقر عليه وله كتاب جليل في أصول الفقه حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره وله الآداب الشرعية الكبرى مجلدان والوسطى مجلد والصغرى مجلد لطيف ونقل في كتابه الفروع في باب ذكر أصناف الزكاة أبياتا رويت عن يحيى بن خالد بن برمك في

(6/199)


ذم السؤال وهي ( ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله * عوضا ولو نال الغنى بسؤال )
200 (
وإذا بليت ببذل وجهك سائلا * فابذله للمتكرم المفضال ) ( وإذا السؤال مع النوال وزنته * رجح السؤال وخف كل نوال ) توفي ليلة الخمس ثاني رجب بسكنه بالصالحة ودفن بالروضة بالقرب من الشيخ موفق الدين ولم يدفن بها حاكم قبله وله بضع وخمسون سنة سنة أربع وستين وسبعمائة فيها اشتد الوباء والطاعون بالبلاد الشامية والعربية وفيها خلع يلبغا وغيره من الأمراء السلطان صلاح الدين المنصور محمدا محتجين باختلال عقله خلعوه بحضرة الخليفة والقضاة ثم سجن بقلعة الجبل وبايعوا شعبان بن الامجد حسين بن الناصر محمد ولقب بالأشرف شعبان وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي الشافعي المعروف بابن النقيب سمع بدمشق من ابن الشحنة والفزاري وابن العطار وغيرهم وبالقاهرة من جماعة وأخذ القراءات عن الشهاب الكفري والنحو عن أبي حيان والمجد التونسي والأصول عن الأصفهاني وولي عدة مدارس وإفتاء دار العدل وناب في الحكم عن ابن المجد قال ابن كثير كان بارعا في القراءات والنحو والتصريف وله يد في الفقه وغيره توفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة الصوفية وفيها شهاب الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد الشيرجي الزاهد الحنبلي المعيد بالمستنصرية ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها صلاح الدين أبو الصفا خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي مولده بصفد في سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة وسمع الكثير وقرأ الحديث وكتب بعض الطباق وأخذ عن القاضي بدر الدين بن جماعة وأبي الفتح بن سيد الناس والتقى السبكي والحافظين أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي وغيرهم وقرأ طرفا من الفقه وأخذ النحو عن أبي حيان والأدب عن ابن نباتة والشهاب محمود ولازمه ومهر في فن الأدب وكتب الخط المليح وقال النظم الرائق وألف المؤلفات الفائقة وباشر كتابة الإنشاء بمصر

(6/200)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع ابن حجر الهيتمي الباب الثاني{الجزء الثاني}

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع/الباب الثاني المحتويات  القسم الأول: اللعب بالنرد  القسم [الثاني]: اللعب بالشِّطرَنج  القسم الثالث: ...