Translate

الأحد، 19 فبراير 2023

ج1وج2..شذرات الذهب - ابن العماد

 

ج1.

بسم الله الرحمن الرحيم 

الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد
موافق للمطبوع


الحمد لله رب العالمين
شذرات الذهب في أخبار من ذهب
لعبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي
(الكتاب مدقق مرة واحدة)
ولادة المؤلف :: 1032
وفاة المؤلف :: 1089
دار النشر :: دار الكتب العلمية
ج 1
7
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق ما في الأرض جميعاً للإنسان وركبه في أي صورة شاء على أكمل وضع بأبهر إتقان وجعله بأصغريه القلب واللسان فهذا ملك أعضائه وهذا له ترجمان فإذا صلح قلبه صلح منه سائر الأركان وكان ذلك على فوزه بخيري الدارين أعظم عنوان وإذا فسد فسد جسده واستدل على خسرانه بأوضح برهان قضى سبحانه بأن يبلى ديباجة شبابه الجديدان ويصير حديثاً لمن بعده من أولى البصائر والعرفان وأعد تعالى له بعد النشأة الآخرة إحدى داري العز والهوان حكمة بالغة تجير فيها عقول ذوي الأذهان أحمده حمداً معترف بالتقصير مقر بأن إليه المصير وأشكره شكر من توالت عليه آلاؤه وتتابع عليه من فضله عطاؤه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله أمات وأحيا وخلق الزوجين الذكر والأنثى وألهم نفس كل متنفس الفجور والتقوى فأما أن يزكيها فيسعد أو يدسسها فيشقى قدم إلى عباده بالوعيد وقسمهم كما أخبر إلى شقي وسعيد وأحصى لكل عامل ما فعل من طارف وتليد حتى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وأشهد أن سيدنا محمدأً عبده ورسوله خير نبي أرسله ففتح به آذاناً صماً وأعيناً عمياء وقلوباً مقفلة أرسله على حين فترة من الرسل وطموس لمعالم الهدى والسبل فكانت بعثته أنفع للخليفة من الماء الزلال بل من الأنفس والأهل والصحب والمال إذ بمبعثه تمت للناس مصالح الدارين واتضح لها لهم أقوام الطريقين فطوبى لمن أمسى باتباع شريعته قرير العين وويل لمن نبذ ما جاء به ظهرياً وأخرج هدية من البين اللهم فصل وسلم عليه أفضل صلاة وأكمل سلام وآته الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود أشرف مقام وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل من

(1/7)


8
بذلوا في طاعته رضاً لمرسله المهج ففازوا بجزيل الثناء وجميل الخلال وسعدوا بما نالوا من شريف المآل وعلى تابيعهم وأتباعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان وأشرق النيران آمين وبعد فهذه نبذة جمعتها تذكرة لي ولمن تذكر وعبرة لمن تأمل فيها وتبصر من أخبار من تقدم من الآماثل وغبر وصار لمن بعده مثلاً سائراً وحديثاً يذكر جمعتها من أعيان الكتب وكتب الأعيان ممن كان له القدم الراسخ في هذا الشان إذ جمع كتبهم في ذلك إما عسر أو محال لا سيما من كان مثلي فاقد الجدة بائس الحال فتسليت عن ذلك بهذه الأوراق وتعللت بعلل عله يبرد أوام الاحتراق إذ هذا شأو لا يدرك دقه وجله فليكن كما قيل ما لا يدرك كله لا يترك كله أردت أن أجعله دفتراً جامعاً لوفيات أعيان الرجال وبعض ما اشتملوا عليه من المآثر والسجايا والخلال فإن حفظ التاريخ أمر مهم ونفعه من الدين بالضرورة علم لا سيما وفيات المحدثين والمتحملين لأحاديث سيد المرسلين فإن معرفة السند لا تتم إلا بمعرفة الرواة وأجل ما فيها تحفظ السيرة والوفاة فممن جمعت من كتبهم وكرعت من نهلهم وعلمهم مؤرخ الإسلام الذهبي وفي الأكثر على كتبه أعتمد ومن مشكاة ما جمع في مؤلفاته استمد وبعده من اشتهر في هذا الشأن كصاحب الكمال والحلية والمنهل وابن خلكان وغير ذلك من الكتب المفيدة والأسفار الجميلة الحميدة وسميته شذرات الذهب في أخبار من ذهب ورتبته على السنين من هجرة سيد الأولين والآخرين وأسأل الله تعالى أن يثقل به ميزان الحسنات وأن يجعله مقرباً إليه وإنما الأعمال بالنيات فأقول ومنه أطلب العون والقبول

(1/8)


9
السنة الأولى من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية
قدم النبي المدينة ضحى يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وفيها توفى النقيبان أسعد بن زرارة النجاري والبراء بن معرور السلمي
وفي الثانية
حولت القبلة وذلك في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان وفيه فرض الصوم وفي سابع عشر من رمضان منها يوم الجمعة كانت وقعة بدر واستشهد من المسلمين أربعة عشر ستة من قريش وهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي وعمرو بن أبي وقاص الزهري وذو الشمالين وعاقل بن البكير ومهجع مولى عمر وهو يماني من عك بن عدنان وهو أول قتيل قتل يومئذٍ وصفوان بن بيضاء ومن الأنصار ثمانية خمسة من الأوس وهم سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر وزيد بن الحارث وعمير بن الجملة وروافع بن المعلى وثلاثة من الخزرج وهم حارثة بن سراقة وعوف بن الجملة وروافع بن المعلى وثلاثة من الخزرج وهم حارثة بن سراقة وعوف ومعوذ ابنا عفراء رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقتل من الكفار سبعون وفيها توفيت رقية بنت رسول الله وفي شوال منها دخل رسول الله بعائشة رضي الله عنها وفيها بنى علي بفاطمة رضي الله عنهما وفيها توفي عثمان بن مظعون القرشي الجمحي وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة بعد رجوعه من بدر وقبّله النبي ميت وكان يزوره ودفن إلى جنب ولده إبراهيم وكان ممن حرم الخمر على نفسه قبل تحريمها وكان

(1/9)


10
عابدا مجتهداً وسمع لبيد بن ربيعة ينشد
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فقال صدقت فلما قال وكل نعيم لا محالة زائل قال كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد يا معشر قريش أكذب في مجلسكم فلطم بعض الحاضرين وجهه لطمة اخضرت منها عينه وذلك في أول الإسلام فقال له عتبة بن ربيعة لو بقيت في نزلي ما أصابك شيء وكان قد رد عليه جواره فقال له عثمان إن عيني الأخرى لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله وفيها ولد عبد الله بن الزبير وقيل في الأولى السنة الثانية في نصف رمضان منها ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما وأما الحسين فمقتضى ما ذكروه في مدة عمرهما وتاريخ ولادتهما أن يكون ولد في الخامسة ولم يظهر كما سيأتي من تاريخ وفاتهما ما يقتضى ما ذكروه فليتأمل وقال القرطبي ولد الحسن في شعبان من الرابعة وعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن ويؤيده ما ذكره الواقدي أن فاطمة علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة وجزم النواوي في التهذيب أن الحسن ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الخجرة وقيل لم يكن بين ولادتهما إلا طهر واحد وفي رمضان منها دخل صلى الله عليه وسلم بحفصة ودخل بزينب بنت جحش وبزينب بنت خزيمة العامرية أم المساكين وعاشت عنده نحو ثلاثة أشهر ثم توفيت وفيها تزوج عثمان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها تحريم الخمر ووقعة أحدي يوم السبت السابع من شوال وصحح بعضهم أنها في الحادي عشر منه وقتل فيها حمزة عم النبي بعد أن قتل جماعة وكان إسلامه في السنة الثانية وقيل في السادسة من المبعث ولم يسلم إخوته سوى العباس

(1/10)


11
وكانوا تسعة وقيل عشرة وقيل اثني عشر ولما وقف يوم أحد ورأى ما به من المثلة حلف ليمثلن بسبعين منهم فنزل قوله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية فق بل نصير وكفر عن يمينه وفي ذي القعدة منها كانت غزوة بدر الصغرى وغزوة بين النضير والصواب أنها في الرابعة السنة الرابعة في صفر منها غزوة بئر معونة ودانوا سبعين وقيل أربعين وفي ربيع الأول منها غزوة بني النضير نزلوا صلحا وارتحلوا إلى خيبر وفي محرمها غزوة ذات الرقاع وغزوة الخندق عند بعضهم وكان مقام الأحزاب فيها خمسة عشر يوماً و قيل أكثر من عشرين يوماً وفيها نزول التميم وقصة الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها السنة الخامسة في الصلاة الخوف عند بعضهم وغزوة دومة الجندل وغزوة ذات الرقاع عند بعضهم وقيل وغزوة الخندق بني قريظة وصحح في الروضة أن الخندق في الرابعة وبني قريظة في الخامسة وجزم ابن ناصر الدين أنهما في الخامسة كما سيأتي وهذا هو الصحيح لأنه توجه إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه من الأحزاب وفيها توفي سعد بن معاذ سيد الأوس واهتز لموته عرش الرحمن السنة السادسة فيها بيعة الرضوان وموت سعد بن خولة الذي رثى له النبي أن مات بمكة قيل وفيها غزوة بني المصطلق وفيها فرض الحج وقيل

(1/11)


12
سنة خمس
وكسفت الشمس ونزل حكم الطهارة السنة السابعة فيها غزوة حيبر وفتحها في صفر وأكرم بالشهادة بضعة عشر وتزوج رسول الله صفية وميمونة وأم حبيبة وجاءته مارية القبطية وقدم جعفر ومهاجرة الحبشة رضي الله عنهم وأسلم أبو هريرة رضي الله عنه وفيها عمرة القضاء السنة الثامنة فيها غزوة مؤتة واستشهد بها الأمراء الثلاثة زيد بن حارثة الذي نوه القرآن بقدره وذكره وجعله النبي هو وابنه كفؤاً للعربيات والقرشيات ثانيهم جعفر بن أبي طالب الطيار واستشهد وله إحدى وأربعون سنة ومناقبه عديدة قال له النبي أشبهت خلقي وخلقي وناهيك بها فضيلة ثالثهم عبد الله بن رواحة الخزرجي أحد النقباء الصادق في طلب الشهادة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وفتح الله فيها على يد خالد بن الوليد وهي أول مشاهدة في الإسلام وفي رمضان منها فتح مكة وغزوة حنين في شوال ثم حصار الطائف ونصب النبي عليهم المنجنيق ثم رحل عنها عن غير فتح وأسلم أهلها في العام القابل وفيها غزوة ذات السلاسل وفيها غلا السعر فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله هو المسعر والقابض الباسط وفيها ولد إبراهيم بن رسول الله ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رافع لما بشره بولادته عبداً وتنازعت الأنصار في رضاعته فدفعه إلى أبي سيف وزوجته أم سيف وتوفيت ابنته زينب وهي أكبر أولاده

(1/12)


13
السنة التاسعة
فيها غزوة تبوك في رجب وحج أبو بكر بالناس ومات النجاشي في رجب وتوفيت أم كلثوم بنت رسول الله وعبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين وكان موته في ذي القعدة وهو القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فلما رجعوا من غزوة تبوك منعه ابنه عبد الله المفلح من دخول المدينة حتى يأذن له النبي وفيها قتل عمرو الثقفي قتله قومه أن دعاهم إلى الإسلام وكان من دهاة العرب وتوفي سهيل بن بيضاء الفهري وصلى عليه رسول الله في المدينة وقتل ملك الفرس وملكوا بورب بضم الباء الموحدة وبالراء وإليها الإشارة بقوله لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
السنة العاشرة
فيها حجة الوداع ولم يحج بعد الهجرة سواها ولم ينضبط عدد حجاته قبلها كان نفلاً إذ فرض الحج كان في السنة السادسة كما تقدم وفيها توفي إبراهيم بن النبي وهو ابن سنة ونصف وكسفت الشمس يوم مات ذكر بعض الشافعية أن كسوفها يوم مات إبراهيم يرد على أهل الفلك لأنه مات في غير يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين وهم يقولون لا تنكسف إلا فيها قال اليافعي وهذا يحتاج إلى نقل صحيح فإن العادة المستقرة المستمرة كسوفها في اليومين المذكورين وفيها أسلم جرير وظهر الأسود العنسي وكان له شيطان يخبره بالمغيبات فضل به كثير من الناس وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر ولكن استطارت فتنته استطارة

(1/13)


14
النار وتطابقت عليه اليمن والسواحل كجاد عثر والشريحة والحردة وغلافقه وعدن وامتد إلى الطائف وبلغ جيشه سبعمائة فارس وكان عك بتهامة اليمن معترضون عليه وقد كانوا أول مرشد بعد رسول الله وتجمعوا على غمير رئيس بالأغلاب وأوقع بهم الطاهر بن أبي هالة ومعه مسروق العكي وبددهم وسماهم أبو بكر رضي الله عنه الأخابت وكثرتا الوفود فيها وقيل في التاسعة وكانت غزواته خمساً وعشرين وقيل سبعاً وعشرين وسراياه ستاً وخمسين وقيل غر ذلك والله أعلم الحادية عشرة فيها توفي النبي في وسط نهار الاثنين في ربيع الأول وما قيل أنه توفي في الثاني عشر فيه إشكال لأنه كانت وقفته في الجمعة في السنة العاشرة إجماعاً ولا يتصور مع ذلك وقوع الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول من السنة التي بعدها فتأمل وبعث رسول الله على رأس أربعين فأقام بمكة ثلاثة عشر وقيل عشراً وقيل خمس عشرة وأقام بالمدينة عشراً بالإجماع وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح وولد عام الفيل في شعب بني هاشم وتوفي جده عبد المطلب وهو ابن ثمان على قول وشهد بناء قريش الكعبة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على قول وفي الصحيح أنه كان ينقل معهم الحجارة وهو صغير وكانوا يجعلون أزرهم على عواتقهم تقيهم الحجارة ففعل مثلهم فسقط مغشياً عليه فإن حمل على أن قريشاً بنت الكعبة مرتين أو في أمر غير بناء الكعبة فلا إشكال وإلا فأحد النقلين ساقط وتزوج خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة وهي بنت أربعين على الصحيح فيهما ورجح كثيرون أنها ابنة ثمان وعشرين وفرضت الصلاة بمكة ليلة الإسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر وفرض الصوم

(1/14)


15 بعد الهجرة وفرضت الزكاة قبل الصوم وقيل بعده وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان هذا المتفق عليه وجده هاشم هو الذي سن لقريش الرحلتين للتجارة ومات بغزة من أرض الشام البلدة التي ولد فيها الشافعي رحمه الله وفي السنة الحادية عشرة من الهجرة توفيت فاطمة بنت رسول الله بعد وفاة أبيها بستة أشهر تزوجها علي رضي الله عنه وهي بنت خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف عمره إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ولم يتزوج عليها حتى ماتت كأمها لم يتزوج عليها النبي حتى ماتت وغسل فاطمة أسماء بنت عميس وعلي دفنها ليلاً وفيها ماتت أم أيمن حاضنة رسول الله وأمه بعد أمه ومنزلتها من النبي ومنزلة زوجها وبنتها لا توصف ولا تكيف وخرجت مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حساً على رأسها فرفعته لفإذا دلو برشاء أبيض معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها وفيها مات عكاشة الأسدي أحد السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب وفيها قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة ممن منع الزكاة وكان مالك من دهاة العرب وكان عرض على خالد الصلاة دون الزكاة فقال خالد لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك كذلك كان يقول صاحبك قال خالد وما نراه لك صاحباً والله لقد هممت أن أضرب عنقك ثم تجادلا في الكلام فقال خالد إني قاتلك قال أو كذلك أمر صاحبك قال خالد وهذه ثانية بعد تلك والله لأقتلنك فكلمه عبد الله بن عمر وأبو قتادة في استبقائه

(1/15)


16 فأبى فقال مالك فابعثني إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم في فقال خالد يا ضرار قم فاضرب عنقه فقام بضرب عنقه واشترى زوجه من الفيء وتزوجها فأنكر عليه عمر والصحابة وسأل عمراً أبا بكر قتل بمالك أو حده في زواج زوجته فقال أبو بكر إنه تأول فأخطأ فسأله عزله فقال ما كنت لأشيم أي أغمد سيفاسله الله عليهم أبداً ولمتمم بن نويرة في أخيه مراث كثيرة مشهورة من أعجمها قوله ( لقد لامني عند القبور على البكى * صحابي لتذارف الدموع السوافك ) ( فقالوا أتبكي كل قبر رأيته * لغير ثوى بين اللوى والدكادك ) ( فقلت لهم إن الشجا يبعث الشجا * دعوني فهذا كله قبر مالك ) ولحافظ دمشق ابن ناصر الدين قصيدة سماها بواعث الفكرة في حوادث الهجرة أحببت أن أثبتها لما فيها من الفوائد وهي ( سنو هجرة المختار فيها حوادث * فخذ نثرها من كل عام وأحكم ) ( مصلى قبا في أول ثم مسجدا * بنى وبيوتاً والصلاة فأتمم ) ( وحلف أذان جمعة مات أسعد * براء وعبد الله أسلم فاسلم ) ( وثان صيام فطرة أم كعبة * وغزوة ودان بواط لمغنم ) ( عسير وبدر عرس عائش مثله * البتول وموت لابن مظعون أكرم ) ( سويق سليم قينقاع ومسور * ومروان والنعمان سرواً بمقدم ) ( كذا ابن زبير مثل موت رقية * أبو بنت هند أنمار كانت بمعلم ) ( غزا أحداً في ثالث قتل حمزة * وذا أمر والخمر ردت فحرم ) ( وحمراء مع بدر أخيراً بناؤه * بزينب ذات البر كسباً لمعدم ) ( كذا حفصة مع أم كلثوم زوجت * أتى حسن قبل الحسين المقدم ) ( وفي رابع تزويج هند معونة * نضير وقصر والتيمم فافهم ) ( مريسيع إفك والرقاع وموعد * ورجم وموت أم المساكين عظم )

(1/16)


17 ( وصلى لخوف ثم في الخمس حندق * قريظة سعد مات دومة قدم ) ( ضمام أتى اسلام عمرو وخالد * وعثمان الداري التزلزل فاعلم ) ( وفي سادس لحيان ذو قرد به * حديبية استسقى ابن خولة أعظم ) ( مقوقس أهدى والظهار وخاتم * لشيروية الطاعون حج لمسلم ) ( وخيبر في سبع صفية رملة * زواجهما ذو الحبس آبوا بأنعم ) ( قدوم أبي هر هدأنا عطية * قضا عمرة تزويج ميمونة أتمم ) وثامن عام مؤتة الفتح أسلموا * ومولد إبراهيم نجل المعظم ) ( حنين غلاء طائف نصب منبر * وبنت رسول الله زينب سلم ) ( بتسع تبوك والوفود وجزية * وحج أبو بكر وموت أم كلثم ) ( ومات ابن بيضا والنجاشي وعروة * قتيل ثقيف والسلولي فافهم ) ( لعان وإيلاء وبوران ملكت * لقتل فتى شيروية بتظلم ) ( وفي العاشر إبراهيم مات ومولد * لنجل أبي بكر محمد أعظم ) ( جرير اهتدى ضلت بأسود غنسة * كسوف بخلف حجة التم أعجم ) ( وسبع وعشرون المغازي ومثلها * سراياه مع عشرين أرخ لمقدم ) ( أصبنا لإحدى عشرة بنينا * فيا عظمه رزءاً لدى كل مسلم ) ( بها بايعوا الصديق ردة وابكين * لفاطمة مع أم أيمن واختم ) انتهى ما أورده ابن ناصر الدين وما ذكره في منظومته تقدم غالبة وبقيته مفهوم سوى قصة الظهار أحببت إيرادها لما فيها من الفوائد فأقول قال العلامة الشيخ علي الحلبي في سيرته وقبل خيبر وقيل بعد خيبر نزلت آية الظهار ( ^ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) وسبب ذلك أن أوس بن الصامت لا عبادة بن الصامت كما قيل أي وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه وفي لفظ كان به لمم أي من الجنون وكان فاقد البصر قال لزوجته خولة بنت ثعلبة وفي لفظ بنت خويلد وكانت بنت عمه وقد راجعته في شيء فغضب فقال

(1/17)


18 لها أنت على ظهر أمي وكان ذلك في زمن الجاهلية طلاقاً أي في كالطلاق في تحريم النساء ثم روادها عن نفسها فقالت كلا لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى أسأل رسول الله لفظ إنه لما قال لها أنت علي كظهر أمي أسقط في يده وقال ما أراك إلا قد حرمت علي انطلقي إلى رسول الله فدخلت عليه وهو يمشط رأسه أي عنده ماشطة وهي عائشة تمشط رأسه وفي لفظ كان الظهار أشد الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر الرجل من امرأته لم يرجع أبداً فأخبرته فقال لها ما أمرنا بشيء من أمرك ما أراك إلا قد حرمت عليه فقالت يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي وتركي بغير أحد وقد كبر سني ودق عظمي وفي لفظ أنها قالت اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما شق علي من فراقه وما نزل بي وبصبيتي قالت عائشة رضي الله عنها فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها وفي لفظ قالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالي وذهب شبابي ونفضت بطني وتفرق أهلي ظاهر مني فقال لها رسول الله أراك إلا قد حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو إلى الله فقري ووحدتي وصبية صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا وصارت ترفع رأسها إلى السماء فبينما فرغ رسول الله شق رأسه وأخذ في الآخر أنزل الله عليه الآية فسرى عنه وهو يبتسم فقال لها مريه فليحرر رقبة فقالت والله ماله خادم غيري قال فمريه فليصم شهرين متتابعين فقالت والله إنه لشيخ كبير إن لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره أي لو كان مبصراً فلا ينافى ما تقدم أنه كان فاقد البصر قال فليطعم مسكيناً فقالت والله مالنا اليوم وقية قال مريه فلينطلق إلى فلان يعني

(1/18)


19 شخصاً من الأنصار وأخبرني أن عنده شطر وسق من تمر يريد أن يتصدق به فليأخذه منه وفي رواية مريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكيناً وليراجعك ثم أتته فقصت عليه القصة فانطلق ففعل وفي لفظ قال رسول الله فأنا سأعينه بفرق من تمر فبكت وقالت وأنا يا رسول الله سأعينه بفرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً وفي رواية لما قال لها رسول الله ما أعلم إلا قد حرمت عليه قالت لها عائشة وراءك فتنحت فلما نزل عليه الوحي وسري عنه قال يا عائشة أين المرأة قالت ها هي هذه قال ادعها فدعتها قال النبي اذهبي فجيئي بزوجك فذهبت فجاءت به وأدخلته على النبي فإذا هو ضرير البصر فقير سيء الخلق فقال له أتجد رقبة قال لا وفي لفظ قال مالي بهذا من قدره قال أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرة والمرتين والثلاثة يغشى علي وفي لفظ إني إذا لم آكل في اليوم مرتين كل بصري أي لو كان موجود قل فتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال لا إلا أن تعينني بها فأعانه رسول الله فكفر عنه في رواية أنه أعطاه مكتلاً يأخذ خمسة عشر صاعاً فقال أطعمه ستين مسكيناً قال بعضهم وكانوا يرون أن عند أوس مثلها حتى يكون لكل مسكين نصف صاع وفيه أنه خلاف الروايات من أنه لا يملك شيئاً فقال علي أفقر مني فوالله الذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني فضحك رسول الله وقال اذهب به إلى أهلك وهذا أول ظهار وقع في الإسلام ومر عمر رضي الله عنه بخولة هذه في أيام خلافته فقالت قف يا عمر فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها وأطالت الوقوف وأغلظت القول أي قالت لها ههيا يا عمر عهدنك وأنت تسمى عميراً وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم

(1/19)


20 أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال لها الجارود قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر دعها وفي رواية فقال له قائل حبست الناس لأجل هذه العجوز قال وحك وتدري من هذه قال لا قال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لو لم تتصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها انتهى قالت ومما يناسب المقام ذكر ابن صياد فإن أخباره ولا بد بعد الهجرة ولكني لم أقف على تاريخها وسأثبته إن عثرت عليه فلنورد ما ورد منه مختصرا ًوليكن لفظ مشكاة المصابيح فإنه من أجمع ما رأيت فيه قال فيه باب ابن الصياد الفصل الأول عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انطلق مع رسول الله بيده ثم قال أتشهد أني رسول الله فنظر إليه فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد أتشهد إني رسول الله فنظر إليه فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد يومئذٍ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ثم قال ابن صياد أتشهد أني رسول الله فرصه النبي قال آمنت بالله وبرسله ثم قال لابن صياد ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب قال رسول الله عليك الأمر ثم قال رسول الله إني خبأت لم خبيئاً وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين فقال هو الدخ فقال اخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله إن يكن هو لا تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله قال ابن عمر انطلق بعد ذلك رسول الله وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها

(1/20)


21 ابن صياد وطفق رسول الله يتقى بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة فرأت أن ابن صياد النبي وهو يتقى بجذوع النخل فقالت أي صاف وهو اسمه هذا محمد فتناهى ابن صياد قال رسول الله لو تركته بين قال عبد الله بن عمر قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور متفق عليه وعن أبي سعيد الخدري قال لقيه رسول الله وأبو بكر وعمر يعني ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال له رسول الله آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ما ترى قال أرى عرشاً على الماء فقال رسول الله ترى عرش إبليس على البحر وما ترى قال أرى صادقين وكاذباً أو كاذبين وصادقاً فقال رسول الله عليه فدعوه رواه مسلم وعنه أن ابن صياد سأل النبي عن تربة الجنة فقال رسول الله ترى عرش إبليس على البحر وما ترى قال أرى صادقين وكاذباً أو كاذبين وصادقاً فقال رسول الله ( لبس عليه فدعوه رواه مسلم وعنه أن ابن صياد سأل النبي عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء مسك خالص رواه مسلم وعن نافع قال لقي ابن عمر ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له رحمك الله ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله قال إنما يخرج من من غضبة يغضبها رواه مسلم وعن أبي سعيد الخدري قال صحبت ابن صياد إلى مكة فقل لي ما لقيت من الناس يزعمون أني الدجل ألست سمعت رسول الله يقول أنه لا يولد له وقد ولد لي أليس قد قال هو كافر وأنا مسلم أو ليس قد قال لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة ثم قال لي في آخر قوله أما والله إني لأعلم مولده ومكانه

(1/21)


22 وأين هو وأعرف أباه وأمه قال فلبسني قال قلت تباً لك سائر اليوم قال وقيل له أيسرك أنك ذاك الرجل قال فقال لو عرض علي ما كرهت رواه مسلم وعن ابن عمر قال لقيته وقد نقرت عينيه فقلت متى فعلت عينيك ما أرى قال لا أدري قلت لا تدري وهي في رأسك قال إن شاء الله خلقها في عصاك قال فنخر كأشد نخير حمار سمعت رواه مسلم وعن محمد بن المنكدر قال رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال قلت تحلف بالله قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي عليه الفصل الثاني عن نافع قال كان ابن عمر يقول والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد رواه أبو داود والبيهقي في كتاب البعث والنشور وعن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة رواه أبو داود وعن أبي بكرة قال قال رسول الله أبو الدجال ثلاثين عاماً لا يولد لهما ولد ثم يولد غلام أعور أضرس وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه ثم نعت لنا رسول الله أبويه فقال أبوه طوال ضرب اللحم كان أنفه منقار وأمه امرأة فرضاً خية طويلة اليدين فقال أبو بكرة فسمعنا بمولد في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه نعت رسول الله فيهما فقلنا هل لكما ولد فقالا مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ولد ثم ولد لنا غلام أعور أضرس وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال ما قلتما قلنا وهل سمعت ما قلنا قال نعم تنام عيناي ولا نام قلبي رواه الترمذي وعن جابر أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاماً ممسوحة عينه طالعة نابه فأشفق رسول الله أن يكون الدجال فوجده تحت قطيفة يهمهم فآذنته أمه فقالت يا عبد الله هذا أبو القسم فخرج من القطيفة فقال رسول الله ما لها قاتلها الله لو تركته لبين فذكر مثل معنى حديث ابن عمر فقال عمر ابن الخطاب ائذن لي يا رسول الله فأقتله فقال رسول الله إن يكن هو فلست

(1/22)


23 صاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم وألا يكن هو فليس لك تقتل رجلاً من أهل العهد فلم يزل رسول الله مشفقاً أن يكون هو الدجال رواه في شرح السنة انتهى ما ذكره في مشكاة المصابيح وقال أبو عبد الله الذهبي في كتابه تجريد الصحابة ما لفظه عبد الله بن صياد أورده ابن شاهين وقال هو ابن صائد وكان أبوه يهودي فولد له عبد الله أعور مختوناً وهو الذي قيل أنه الدجال ثم أسلم فهو تابعي له رواية قال أبو سعيد الخدري صحبني ابن صياد إلى مكة فقال لقد هممت أن آخذ حبلاً فأوثقه إلى شجرة ثم اختنق مما يقول الناس في وذكر الحديث وهو في مسلم انتهى ما قاله الذهبي السنة الثانية عشرة فيها غزوة اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب وفتحت اليمامة صلحاً على يد خالد بن الوليد بعد أن استشهد من الصحابة رضي الله عنهم نحو أربعمائة وخمسين وقيل ستمائة وجملة القتلى من المسلمين ألف رجل ومائتا رجل وكان رأي أهل الردة على منع الزكاة دون غيرها فأجمع رأي أبي بكر على قتالهم وأبى سائر الصحابة واحتجوا عليه بقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر الزكاة حق المال وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فانظر كيف منع من التعلق بعموم الخبر من وجهين أحدهما أنه بين أن الزكاة حق المال فلم يدخل مانعها في الخبر والثاني أنه خص الخبر في الزكاة كما خص في الصلاة فخص مرة بالخبر وأخرى بالنظر وهذا غاية ما ينتهي إليه المجتهد المحقق والعالم المدقق وفي ذي الحجة منها توفي صهر النبي زوج ابنته زينب أبو العاص بن الربيع العبشمي ابن أخت خديجة هالة بنت خويلد وكان النبي عليه ولما أسلم لم يجادله النبي النكاح على ابنته بل أبقاهما على نكاحها

(1/23)


24 السنة الثالثة عشرة فيها وقعة أجنادين بقرب الرملة واستشهد فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ثم كان النصر والحمد لله وفيها بعث أبو بكر رضي الله عنه أمراء إلى الشام منهم أبو عبيدة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وبعث خالداً إلى العراق فافتتح الابلة وأغار على السواد وحاصر عين النمر وأرى الفرس ذلاً وهوانا ثم سار من العراق إلى الشام في برية ورمال لا يهتدى طريها ولحق بأمراء الشام فكان له الأثر العظيم وفي جمادى الآخرة منها توفي الخليفة أبو بكر الصديق عبد اله بن عثمان رضي الله عنه عن ثلاث وستين ومناقبه كثيرة مشهورة وفيه يقول أبو محجن الثقفي ( وسميت صديقاً وكل مهاجر * سواك يسمى باسمه غير منكر ) ( وبالغار إذ سميت بالغار صاحباً * وكنت رفيقاً للنبي المطهر ) ( سبقت إلى الإسلام والله شاهد * وكنت جليساً بالعريش المشهر ) ومناقبه وسوابقه في الإسلام لا تنحصر وكان رئيساً في الجاهلية وكان إليه الديات ومعرفة الأنساب والرؤيا وأسلم على يده جماعة وأعتق أعبداً افتداهم من أيدي المشركين يعذبونهم منهم بلال وعامر بن فهيرة ونص أن سبقه لغيره بواقر وقر في صدره وجاء أنه كان إذا تنفس يشم منه رائحة كبد مشوية وبينه وبين مرة بن كعب ستة آباء كالنبي سلمى أم الخير بنت صخر بن عامر تيمية أيضاً ولد بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياماً وعاش بعدد ما سبقه النبي بالولادة واستخلف عمر فلم يختلف عليه اثنان والإجماع منعقد على صحة خلافته ودلائلها أشهر من أن تذكر لعن الله باغضيه قال محب الدين أبو جعفر محمد الطبري في كتابه الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم وعن أبي ذر رضي الله عنه قال دخل

(1/24)


25 رسول الله منزل عائشة فقال يا عائشة ألا أبشرك قالت بلى يا رسول الله قال أبوك في الجنة ورفيقه إبراهيم الخليل عليه السلام وعمر في الجنة ورفيقه نوح عليه السلام وعثمان في الجنة ورفيقه أنا وعلى في الجنة ورفيقه يحيى بن زكريا وطلحة في الجنة ورفيقه داود عليه السلام والزبير في الجنة ورفيقه إسماعيل عليه السلام وسعد بن أبي وقاص في الجنة ورفيقه سليمان بن داود عليه السلام وسعيد في الجنة ورفيقه موسى بن عمران عليه السلام وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ورفيقه عيسى عليه السلام وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ورفيقه إدريس عليه السلام ثم قال يا عائشة أنا سيد ا لمرسلين وأبوك أفضل الصديقين وأنت أم المؤمنين خرجه الملا في سيرته انتهى وقال اللقانى في شرح الجوهرة افضل الصحابة أهل الحديبية وأفضل أهل الحديبية أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر وأفضل أهل بدر العشرة وأفضل العشرة الخلفاء الأربعة وافضل الأربعة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله من أحسن القول في أصحابي فقد برىء من النفاق ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفاً لسنتي ومأواه العمى قال أخبرني أبي قال أدركت أربعين شيخاً من التابعين كلهم حدثونا عن أصحاب رسول الله قال من أحب جميع أصحابى وتولاهم واستغفر لهم جعله الله تعالى يوم القيامة معهم في الجنة خرجه ابن عرفة العبدي وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من أحب أصحابى وأزاجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة خرجه الملا في سيرته وعن الأعمش قال خرجت في ليلة مقمرة أريد المسجد فإذا أنا

(1/25)


26 بشيء عارضني فاقشعر منه جسدي وقلت أمن الجن أم من الإنس من الجن فقلت مؤمن أم كافر فقال بل مؤمن فقلت هل فيكم من هذه الأهواء والبدع شيء قال نعم ثم قال وقع بينى وبين عفريت من الجن أختلاف في أبى بكر وعمر فقال العفريت أنهما ظلماً عليا واعتديا عليه فقلت بمن ترضى حكما فقال بإبليس فأتيناه فصصنا عليه القصة فحك ثم قال هؤلاء من شيعتي وأنصارى وأهل مودتي ثم قال ألا أحدثكم بحديث قلنا بلى قال أعلمكم أنى عبدت الله تعالى في السماء الدنيا ألف عام فسميت فيها العابد وعبدت الله في الثانية ألف عام فسميت فيها الزاهد وعبدت الله في الثالثة ألف عام فسميت فيها الراغب ثم رفعت إلى الرابعة فرأيت فيها سبعين ألف صف من الملائكة يستغفرون لمحبي أبي بكر وعمر ثم رفعت إلى الخامسة فرأيت فيها سبعين ألف ملك يلعنون مبغضى أبي بكر وعمر انتهى وفي الصحيحين أنه ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة الآربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر ما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر وامرأته فاذا هى أكثر مما كنت فرفعها إلى رسول الله وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها ومات يوم وفاة أبي بكر أميره على مكة عتاب بن أسيد الأموي وكان من مسلمة الفتح وأمره النبي على مكة حين خرج إلى حنين والطائف ولم يزل عليها حتى توفي النبي ولما أن جاء الخبر بموت النبي اختفى وخاف على نفسه فقام سهيل بن عمرو وخطب خطبة بليغة ثبت الله بها قلوب الناس فصح في سهيل قول رسول الله عسى أن يقوم مقاماُ يحمد فيه السنة الرابعة عشرة فيها فتحت دمشق صلحاً من أبي عبيدة وعنوة من خالد ثم أمضيت صلحاً بعد مراجعة عمر وعزل خالداً بأبي عبيدة فقال خالد والله لو ولى عمر على امرأة

(1/26)


27 سمعت وأطعت وكان قد رأى تلك الأيام أن قلنسوته سقطت ففسرت بعزله وكان عمر قد أنفذه إلى العراق لشجاعته وإقدامه ثم عزله لتعزيزه بالمسلمين مع أن عمر أشار على أبي بكر أن ينفذه لقتال أهل الردة وكان في صلح أبي عبيدة لأهل دمشق أن لهم ما حملت إبلهم وأن لا يتبعوا إلى انقضاء ثلاثة أيام فتبعهم خالد بعد الثلاث فأدركهم بمرج الديباج فوضع فيهم السيف وقتل أميرهم وسبى بنت مليكهم فروجع عمر فيها وقد أرسل أبوها بمال عظيم في فدائها فأمر عمر بإطلاقها بغير مال أنه لا رغبة ولا رهبة له فيهم وفيها وقعة جسر أبي عبيدة على مرحلتين من الكوفة واستشهد من المسلمين بها نحو ثمانمائة منهم أو عبيدة بن مسعود والد المختار الكذاب وكان من جلة الصحابة رضي الله عنهم وفيها مصر عتبة بن غزوان البصرة وأمر ببناء مسجدها الأعظم وفتحت بعلبك وحمص صلحاً وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى القسطنطينية وفيها توفي أبو قحافة والد أبي بكر الصديق واسمه عثمان وكان أسلم يوم الفتح ومات عن أربع وتسعين سنة رضي الله عنه وعن ولده وذريته سنة خمس عشرة فيها وقعة اليرموك وكان المسلمون ثلاثين ألفاً والروم أزيد من مائة ألف الخمسة والستة في سلسلة لئلا يفروا فداستهم الخيل وقيل كان المسلمون خمسين ألفاً والروم ألف ألف والرماة فيهم مائة ألف ومعهم جبلة بن الأيهم الغساني في ستين ألفاً من منتصرة العرب فقدمهم الروم فانتقى لهم خالد ستين رجلاً من أشراف العرب فقاتلوهم يوماً كاملاً ثم نصر الله المسلمين وهرب جبلة ولم ينج منهم إلا القليل ثم التقى المسلمون مع الروم مرة بعد أخرى حتى أبادوهم بالقتل وهربت بقيتهم تحت الليل واستشهد في اليرموك جماعة من فضلاء المسلمين منهم عكرمة

(1/27)


28 ابن أبي جهل وكان قد حسن إسلامه بحيث أنه لا يقدر يثبت بصره في المصحف من كثرة الدم وعياش بن أبي ربيعة المخزومي وعبد الرحمن بن العوام أخو الزبير وعامر بن أبي وقاص أخو سعد وأما عتبة بن أبي وقاص فلم يكن مسلماً وهو الذي كسر رباعية لنبي وظهرت بها نجدة جماعة منهم الزبير والفضل بن العباس وخالد بن الوليد وعبد الرحمن بن أبي بكر في آخرين رضي الله عنهم وفي شوال منها وقعة القادسية وقيل كانت في ستة عشر وكان أمير المسلمين سعد بن أبي وقاص ورأس المجوس رستم معه الجالينوس وذو الحاجب وكان المسلمون سبعة آلاف والمجوس ستون ألفاً ومعهم سبعون فيلاً فحصرهم المسلمون في المدائن وقتلوا رؤساءهم الثلاثة وخلقاً واستشهد بها عمرو بن أم مكتوم الأعمى المذكور في قوله تعالى ( ^ إن جاءه الأعمى ) وأبو زيد الأنصاري وافتتحت الأردن عنوة إلا طبرية صلحاً وتوفي سعد بن عبادة سيد الخزرج بحوران قعد يول في حجر فخر ميتاً وسمع يومئذٍ صائح من الجن في داره بالمدينة يقول ) نحن قتلنا سيد ال * خزرج سعد بن عبادة ) ( قد رميناه بسهم * فلم يخط فؤاده ) سنة ست عشرة افتتحت حلب وأنطاكية صلحاً واختط مصر سعد بن أبي وقاص أي علم موضع البناء وحاصر المسلمون بيت المقدس مدة فقالوا للمسلمين لا تتبعوا أنفسكم فلن يفتحها إلا رجل له علامة عندنا فإن كان إمامكم بتلك العلامة سلمناها من غير قتال فلما وصل الخبر إلى عمر بذلك ركب راحلته ومعه غلام له يعاقبه الركوب وتزود شعيراً وتمراً وزيتاً ولبس مرقعة فلما قرب تلقاه المسلمون وسألوه تغيير

(1/28)


29 تلك الهيئة نفعل قليلاً ثم قال أقيلوني فرجع إلى هيئته الأولى فلما رآه الكفار كبروا وفتحوها وقالوا هو هذا وفيها ماتت مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله سنة سبع عشرة فيها استسقى عمر بالعباس رضي الله عنهما فسقوا ثم خرج عمر إلى الشام ورجع لما سمع بالطاعون بعد اختلاف بين الصحابة في الرجوع والقدوم على ما هو مقرر وفي سقياهم بالعباس يقول العباس بن عتبة بن أبي لهب ( بعمي سقى الله الحجاز وأهله * عشية يستسقى بشيبته عمر ) ( توجه بالعباس في الجدب راغباً * إليه فما أن زال حتى أتى المطر ) ( ومنا رسول الله فينا تراثه * فهل أحدها مفتخر ) وفيها زاد عمر في المسجد النبوي وافتتح أبو موسى الأشعري الأهواز وفيها كانت وقعة جلولاء وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف وقيل ثمانين ألف ألف وتزوج عمر أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهم سنة ثماني عشرة فيها طاعون عمواس بناحية الأردن سمي بها لأنه منها ابتدأ لم يسمع بطاعون مثله في الإسلام واستشهد بها أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وأمير الأمراء بالشام وهو ابن ثمان وخمسين سنة واستشهد فيها الفضل وكان من أشجع الناس قلباً وأحسنهم وجهاً وأسخاهم يداً وله في الجود مآثر يضيق عنها هذا المختصر وفيه أيضاً استشهد سلطان العلماء وأعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل ورد أن العلماء تأتي تحت رايته يوم القيامة وقال له النبي إني أحبك

(1/29)


30 يا معاذ وكان من نضلاء الصحابة وفقهائهم وهو الذي بنى مسجد الجند باليمن وقيل بنى بعده ومات عن ست أو ثمان وثلاثين سنة وكان النبي اليمن على خمسة رجال خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء والمهاجر ابن أمية على كندة وزياد بن لبيد على حضرموت ومعاذ بن جبل على الجند وأبو موسى على زيد وعدن والساحل وغيرها وفيها وقيل في التي بعدها مات يزيد بن أبي سفيان بن حرب أفضل اخوته أسلم عام الفتح وشهد حنيناً وأعطاه النبي ناقة وأربعين وقية فضة واستعمله أبو بكر على الشام وعمر بعده ثم استخلف بعده عمر أخاه معاوية وأقره عثمان إلى أن استقرت له الخلافة حتى مات خليفة حقاً رضي الله عنه وأبو جندل بن سهيل بن عمرو والعامري وقصته في صلح الحديبية مشهورة في الصحيح وسهيل بن عمرو والد أبي جندل وكان من سادات قريش وخطائهم ومن حلمه وصحة إسلامه أنه قدم المدينة في شيوخ من قريش فيهم أبو سفيان فاستأذنوا على عمر فأبطأ عليهم واستأذن بعدهم فقراء من المسلمين فأذن لهم فقال أبو سفيان عجباً يؤذن للمساكين والموالي وكبار قريش واقفين فقال سهيل اغضبوا على أنفسكم فإن الله دعا هؤلاء فأسرعوا ودعاكم فأبطأتم والله إن الذي سبقوكم إليه من الخير خير من هذا الذي تنافسون فيه من هذا الباب ولا أرى أحداً منكم يلحق بهم إلا أن يخرج إلى الجهاد لعل الله يرزقه الشهادة فخرج سريعاً إلى الشام وكان يتردد في مكة إلى بعض الموالي يقرئه القرآن فغيره بعض قريش فقال سهيل هذا والله الكبر الذي حال بيننا وبين الخير ولما رآه رسول الله مقبلاً يوم الحديبية قال قد سهل لكم من أمركم أي تفاؤلاً باسمه وفيها شرحبيل بن حسنة الكندي نسب إلى أمه وأبوه بن مطاع هاجر إلى الحبشة واستعمله عمر الكندي نسب إلى أمه وأبوه عبد الله بن مطاع هاجر إلى الحبشة واستعمله عمر على بعض الشام مات في طاعون عمواس والحرث بن هشام بن المغيرة أخو أبي

(1/30)


31 جهل بن هشام مات أيضاً في الطاعون المذكور وفيها افتتحت حران والموصل والسوس تستر سنة تسع عشرة افتتحت تكريت وقيسارية وتوفي أبو المنذر أبى بن كعب الخزرجي سيد القراء كان من علماء الصحابة ومناقبه أكثر من أن تحصر وقيل توفي سنة اثنتين وعشرين سنة عشرين فيها فتح عمرو بن العاص بعض ديار مصر وتوفى بلال بن رباح الحبشي وأمه وحمامه مولى أبى بكر ومؤذن رسول الله صادق الإسلام وعذب في ذات الله اشد العذاب وكانت أمر أنه عند موته تقول واحرباه فيقول بل واطرباه غدا نلتقي الأحبة محمداً وصحبه وكان موته بداريا من أرض الشام وقيل بدمشق ودفن عند الباب الصغير وعمره ثلاث وستون سنة وفيها توفيت أم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية التي زوجها الله رسوله أسرع أزواج النبي لحوقاً به وأطولهن يداً بالصدقة وهي التي كانت تسامى عائشة في الحظوة والمنزلة عند النبي وفيها مات أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري الذي استضافه النبي وكرمه بذلك فقال ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني وأسيد بن حضير الأنصاري الأشهلي أحد النقباء الذي شاهد السكينة عياناً وكان إذا مشى سبقه نور عظيم روى البخاري أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما وعياض بن غنم الفهري نائب أبي عبيدة على الشام وأبو سفين الحرث بن عبد ا لمطلب الهاشمي ابن عمر النبي اسمه المغيرة وهو الذي كان أخذ يوم حنين بلجام بغلة النبي وثبت يومئذ معه وهو أخو

(1/31)


32 نوفل بن الحرث وسعد بن عامر الجحمي وهرقل ملك الروم وقيل أنه أسلم في الباطن سنة إحدى وعشرين افتتحت مصر وتوفي سيف الله خالد بن الوليد المخزومي عن ستين سنة على فراشه بعد ارتكابه عظيم الأخطار في طلب الشهادة وفتحه الفتوحات العظيمة ونكايته في أعداء الله تعالى وفيه عبرة لكل جبان وحاصر حصناً فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم فشربه ولم يضره وفيها وقعة نهاوند دامت المصاف ثلاثة أيام ثم نزل النصر واستشهد أمير المؤمنين النعمان بن مقرن المزنى وكان من سادة الصحابة فنعاه عمر للناس يوم أصيب على المنبر وأخذ حذيفة بن اليمان الراية من بعده ففتح الله عليه واستشهد بها طليحة بن خويلد الأسدي وكان قد ارتد وادعى النبوة وكانت دعوته النبوة بجبل سمرقند من نجد ثم حسن إسلامه وكان يعد بألف فارس وفيها ولى عمر عمار بن ياسر أمامة الصلاة بالكوفة لم ا اشتكى أهلها سعد ابن أبي وقاص وولى عبد الله بن مسعود بيت المال وتوفي العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي وكان يقول في دعائه يا عليم يا حليم يا على يا عظيم فيستجاب له دعا الله بأنهم يسقون ويتوضئون لم عدموا الماء ولا يقى بعدهم فجيب ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور عليه فمر هو والعسكر بخيولهم ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدموا على المرور عليه فمر هو والعسكر بخيولهم ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد سنة اثنتين وعشرين فيها افتتحت أذربيجان على يد المغيرة بن شعبة ومدينة نهاوند صلحا والدينور مع همذان على يد حذيفة وطرابلس المغرب على يد عمرو بن العاص وافتتحت جرجان وتوفي أبي بن كعب على خلاف تقدم وهو أحد الأربعة

(1/32)


33 الذين جمعوا القرآن وأمر الله نبيه يقرأ عليه سورة لم يكن وسماه له وناهيك بها وقال له ليهنك العلم يا أبا المنذر سنة ثلاث وعشرين فيها توفى أبو حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوى شهيداً طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة في ليال يقين من ذي الحجة بعد مرجعه من لحج وكان آدم شديد الأدمة طوالاً صليباً في دين الله لا تأخذه في الله لومة لائم ومناقبه أشهر من أن تذكر وأكثر من أتحصر وفي الأحاديث الصحاح من موافقة التنزيل له وتزكية النبي له فيوجهه وعز الإسلام بإسلامه واتسعت دائرة الإسلام في خلافته وبكراته ومناقبه وكراماته عديدة ولما طعنه أبو لؤلؤة في صلاة الصبح جعل الأمر شورى بين من بقى من العشرة وأخرج نفسه وبنيه من ذلك فأقضى الأمر بعد التشاور إلى عثمان وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن فيأتي أحد فعمر وفي الترمذي وغيره عن النبي أنه قال لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر وفي الترمذي أيضاً لو كان بعدي نبي لكان عمر وفي حديث آخر أن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول مانبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ثبت هذا عنه من رواية الشعبي وقال ابن عمر وما كان عمر يقول لشيء أنى لأراه كذا إلا كان كما يقول وعن قيس بن طلق كما نتحدث أن عمر ينطبق على لسان مكل وكان عمر يقول اقتروبا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنه تنجلى لهم أمور صادقة وهذه الأمور التي أخبر أنها تنجلى للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله لهم فقد ثبت أن لا ولياء الله مخاطبات ومكاشفات ولا شك أن أفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد أبي بكر عمر رضي الله عنه واستشهد وله ثلاث وستون سنة وقيل خمس وستون ومدة خلافته عشر سنين وسبعة أشهر وخمس ليال وقيل غير

(1/33)


34 ذلك ودف مع صاحبيه بإذن عائشة رضي الله عنها وفي آخر خلافته توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة القرشية العامرية تزوجها بعد موت خديجة وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وكانت قبله تحت السكران ابن عمها أخى سهيل بن عمرو وكانت طويلة جسيمة ووهبت نوبتها من القسم لعائشة رجاء أن تموت في عصمة النبي ص فتم لها ذلك والصحيح أنها توفيت سنة خمس وخمسين في خلافة معاوية والله أعلم وفيها مات قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسى الذي ورد النبي عينه يوم أحد حين سقطت وكانت أحسن عينيه وسببه أن رماة المشركين كانوا يقصدونه بالرمى وكان أصحابه يقف الواحد منهم بعد الواحد في وجهه يتلقى عنه الرمى يفديه بنفسه حتى قتل عشرة وكان قتادة الحادي عشر فما استتم أ مر الوقعة وقد سالت عينه قال له أن لي زوجة وأنا ضنين بها محب لها وأنها تقذرني إذا رأتني على هذه الحال وأنا ما فعلت إلا لأنال الشهادة أو كلاماً هذا معناه فردها فكانت أضوأ عينيه وأحسنهما وفي ذلك يقول ابنه وقد ووفد على بعض خلفاء الأمويين فقال له من أنت فقال ( أنا ابن الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد ) سنة أربع وعشرين في أولها بويع ذو النورين عثمان بن عفان الأموي بالخلافة بإجماع من المسلمين وكيفيتها مقررة في صحيح البخاري وغيره وهو من أهل السوابق والقدم في الإسلام هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وتزوج الإبنتين وجهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها والف دينار وغير ذلك وقال النبي ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم وتلاوته للقرآن في الصلاة وصدقانه وعبادته وحياؤه وحب النبي له أمر معلوم

(1/34)


35 وفيها توفي سارقة بن مالك بن جعثم المذكور في حديث الهجرة وكان نازلاً بعديد وهو منزل أم معبد المذكورة أيضاً في حديث الهجرة ولكليهما جرى معجزات من معجزات النبوة منها ما ذكره في ربيع الأبرار عن هند بنت الجون نزل رسول الله على خيمة خالتها أم معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومج في عوسجة إلى جانب الخيمة فأصبحنا وهي كأعظم دوحة وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد ما أكل منها جائع إلا شبع ولا ظمآن إلا روى ولا سقيم إلا برىء ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا ودر لبنها فكنا نسميها المباركة وكان من البوادي من يستشفى بها ويتزود منها حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها واصفر ورقها ففزعنا فما راعنا إلا نعى رسول الله ثم أنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها وتساقط ثمرها وذهبت نضارتها فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه فما أثمرت بعد ذلك اليوم فكنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط وقد بذل ورقها فبينا نحن فزعين مهمومين إذا أتانا خبر مقتل الحسين ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص انتهى سنة خمس وعشرين فيها انتقض أهل الرى فغزاهم أبو موسى الأشعري وانتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص فقتل وسبى استعمل فيها عثمان على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط وجهز سليمان بن ربيعة الباهلي في أثنى عشر ألفاً إلى برذعة فقتل وسبى

(1/35)


36 سنة ست وعشرين فيها فتحت سابور على يد عثمان ابن أبي العاص فصالحهم على ثلاثة آلاف درهم قبل وفيها زاد عثمان رضي الله عنه في المسجده سنة سبع وعشرين فيها ركب معاوية في البرح لغزو قبرس وعزل عمرو بن العاص بعبد الله بن سعد بن أبي سرح وسبب العزل أنه غزا الإسكندرية ظانا نقض العهد فقتل وسبى ولم يصح عند عثمان نقضهم للعهد فأمر برد السبى وعزله فاعتزل عمرو في ناحية فلسطين وكان ذلك بدء المخالفة وغزا عبد الله بن سعيد اقليم إفريقية وافتتحها وأصاب الراجل الف دينار والفارس ثلاثة آلاف وقتل ملكهم جرير وتوفيت م حرام بنت ملحان بقبرس في هذه الغزاة وكانت مع زوجها عبادة بن الصامت سنة ثمان وعشرين فيها انتقض أهل أذربيجان فغزاهم الوليد بن عقبة ثم صالحوه وقيل فيها غزوة قبرس سنة تسع وعشرين فيها افتتح عبد الله بن عامر بن كريز مدينة اصطخر عنوة بعد قتال عظيم وعزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة وعثمان بن أبي العاص عن فارس وجمعهما لعبد الله بن عامر وهو ابن خال عثمان وأمره وهو ابن أربع وعشرين سنة فافتتح فارس وخراسان جميعاً في سنة ثلاثين وروى أنه لما ولد أتى به النبي فتفل في فيه فبلغه فقال له النبي إنك لسقا فكان لا يعالج أرضا إلا طهر له ماؤها وهو الذي عمل السقايات بعرفة وشق نهر البصرة وكان من الأجواد

(1/36)


37 وهو مجهول الوفاة سنة ثلاثين فيها توفي حاطب بن أبى بلتعة صاحب القصة في غزوة الفتح نزل فيه قوله تعالى ( ^ يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء ) الآية وهو الرسول إلى المقوقس إن كان رسولاً فماله لم يدع على قزمه حين كذبوه وأخرجوه قال له حاطب فعيسى بن مريم أخذه قزمه ليقتلوه ويصلبوه فماله لم يدع عليهم فقال له أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم فأهدى لنبي مارية وبعث معها طرفا وهدايا جميلة وفيها افتتح عبد الله بن عامر سجستان مع فارس وخراسان وهرب كسرى واعتمر عبد الله بن عامر واستخلف الأحنف ابن قيس وخراسان وهرب كسرى واعتمر عبد الله بن عامر واستخلف الأحنف ابن قيس على خراسان فاجتمعوا جمعاً لم يسمع بمثلهم فهزمهم الأحنف وكثرت الفتوح في هذا العام والخارج فاتخذ عثمان الخزائن وكان يأمر للرجل بمائة ألف سنة إحدى وثلاثين فيها توفى أبو سفيان بن حرب والد معاوية رضي الله عنهما وهو أموي وقيل توفي سنة ثلاث وثلاثين وفي صحيح مسلم أنه قال يا رسول الله ثلاث أعطينهن قال نعم فسأله تزويج أم حبيبة ابنته وأن يجعل معاوية كاتبه وأن يأمره فيقاتل الكفار كما قاتل المسلمين قال ابن عباس لو لا أنه طلب ذلك من رسول الله لم يعطه لأنه لم يكن يسال شيئاً إلا قال نعم وتزوج النبي لأم حبيبة قد كان تقرر قبل ذلك وهو مشرك وكان الولي غيره وإنما قال له نعم تطيباً لقلبه أو أن مرادك قد حصل وإن لم يكن حقيقة عقد وذهبت عينا أبى سفيان في الجهاد أحداهما يوم الطائف والثانية يوم اليرموك وكان يومئذ تحت راية ولده يزيد ومات وهو ابن ثمان وثمانين سنة أو تسعين سنة وصلى عليه معاوية وقيل عثمان ودفن بالبقيع

(1/37)


38 وفيها مات الحكم بن أبي العاص عم عثمان رضي الله عنه ووالد مروان كان النبي قد كرده إلى الطائف وبقى طريداً إلى زمن عثمان فرده إلى المدينة واعتذر بأنه قد كان شفع فيه إلى النبي فوعده برده وهو مؤتمن على ما قال وهو أحد الأسباب التي نقموا بها على عثمان رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين فيها توفى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله وأبو الخلفاء العباسيين حسن بلاؤه يوم حنين وكان رسول الله يكرمه وبحله وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده وكان صيتا ينادى غلمانه من سلع وهم بالغابة فيسمعونه وذلك على ثمانية أميال وكان موته أول رمضان عن ست وثمانين سنة وصلى عليه عثمان رضي الله عنه وفيها عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة من السابقين الأولين تصدق مرة بأربعين ألفا وبقافلة جاءت من الشام كما هي وفضائله كثيرة وهو من المقطوع لهم بالجنة وما يذكر أنه يدخل الجنة حبواً لغناه فلا أصل له وياليت شعري إذا كان هذا يدخلها حبواً ويتأخر دخوله لأجل غناه فمن يدخلها سابقاً مستقيماً وفي خلافة عثمان رضي الله عنه قتل عبيد الله بن معمر التيمي عن أربعين سنة برستاق ألف دينار وكانت لفتى أدبها أحسن الأدب فأملق فباعها وهو مغرم بها فأنشدت أبياتاً فيها ( عليك سلام لا زيارة بيننا * ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر ) فرفق لها عبيد الله وردها عليه وثمنها وفيها توفى عبد الله بن مسعود الهذلي وهو أحد القراء الأربعة ومن أهل السوابق في الإسلام ومن علماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين هاجر الهجرتين

(1/38)


39 وصلى إلى القبلتين وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وسبب إسلامه أنه مر عليه النبي وهو يرعى غنما بمكة لعقبة بن أبي معيط فأخذ النبي منها شاة حائلاً وحلبها فشرب وسقى أبا بكر فقال له ابن مسعود علمني من هذا القول فمسح رأسه وقال إنك عليم معلم ومن كلامه رضي الله عنه لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله وقال رضي الله عنه الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل والغنى ينبت النفاق في القلب كما ينبت المساء البقل مات عن نيف وستين سنة ودفن بالبقيع وفيها أبو الدرداء الخزرجي الزاهد الحكيم أسلم بعد بدر وولى قضاء دمشق لمعاوية في خلافة عثمان وقالت له زوجته ما عندنا نفقة فقال له إن بين ايدينا عقبة لا يجوزها إلا المخفون وفيها أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري صادق الإسلام واللسان قال رسول الله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر وقصة إسلامه في ا لصحيح مشهورة وفيها زيد بن عبد الله بن عبد ربه الأنصاري الذي أرى الأذان وكان بدرياً سنة ثلاث وثلاثين فيها توفى المقداد بن الأسود في أرضه بالجرف وحمل إلى المدينة وشهد بدراً وقوله يومئذ مشهور مذكور وشجاعته معلومة وبالإتفاق أنه كان يزم بدر فارساً واختلف في الزبير ومرثد الغنوى وفيها غزا عبد الله بن سعيد بن أبي سرح الحبشة

(1/39)


40 سنة أربع وثلاثين فيها أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص ورضوا بأبي موسى الأشعري وكتبوا فيه إلى عثمان فأقره عليهم ثم رد عليهم سعيداً فخرجوا إليه ومنعوه الدخول وهو اليوم المذكور في صحيح مسلم المسمى بيوم الجرعة سنة خمس وثلاثين فيها مات أبو طلحة الأنصاري النقيب عن سبعين سنة وصلى عليه عثمان شهد بدراً وما بعدها وهو من أهل السوابق في الإسلام وهو ما لم تصدق بأحب أمواله إليه بيرحا قال في القاموس وبيرحا كفعيلاً موضع بالمدينة وفيها مات النقيب الآخر عبادة بن الصامت شهد رآ وما بعدها ووجهه عمر إلى الشام قاضياً ومعلماً فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها وقيل بالرملة ودفن ببيت المقدس وفيها توفي عالم الكتاب به و بالآثار كعب الأحبار أسلم في زمن أبي بكر وروى عن عمر رضي الله عنه وفيها توفى عامر بن أبي ربيعة وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلما لجند ومخاليفها من بلاد اليمن وفي آخرها حاصر المصريون أمير المؤمنين عثمان نحو شهرين وعشرين يوما ًثم اقتحم عليه أراذل من أوباش القبائل فقتلوه والصحيح أنه لم يتعين قاتله وكانوا أربعة آلاف واشتهر عنه أ نه قال لأرقائه عن اغمد سيفه فهو حر فأغمدوها إلا واحداً قاتل حتى قتل وكانوا مائة عبد وقيل أربعمائة وأن عليا رضي الله عنه أرسل إليه ابنه الحسن وقال له أن شئت أتيتك للنصر فقال إن رسول الله قال لي إن قاتلتهم نصرت عليهم أن لم تقاتلهم أفطرت عندنا الليلة وأنا أحب أن أفطر عند رسول الله وجاءه عبد الله بن سلام

(1/40)


41 لينصره فقال له اخرج إليهم فإنك خارجاً خير لي من داخل فخرج فقال لهم أيها الناس إن لله سيفاً مغموداً عليكم وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه فتطردوا جيرانكم ويسل سيف الله المغمد فلا يغمد إلى يوم القيامة فقالوا اقتلوا اليهودي ولا شك أن الدماء المهراقة عقب قله والملاحم بين علي ومعاوية عقوبة من الله بقتل عثمان وانفتح باب الشر من يومئذٍ وقد صحت الأحاديث بأن له الجنة على بلوى تصيبه وأنه شهيد سعيد وقتلوه يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة والمصحف بين يديه فتنضخ الدم على قوله تعالى ( ^ فسيكفيكم الله وهو السميع العليم ) وعمره يومئذٍ بضع وثمانون أو وتسعون سنة ومدة خلافته اثنتا عشرة سنة وأيام ودفن بالبقيع بموضع يعرف بحش كوكب وكان قد اشتراه ووقفه زاده في البقيع وكان إذا مر به يقول يدفن فيك رجل صالح وقوله قال لي النبي عندنا معناه أول شيء تستعمله على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذٍ صائماً فإن يوم قتله كان ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه وفيه إشارة إلى قوله تعالى ( ^ ولا تحسب الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) وبشارة له بصدق الشهادة وفيه يقول حسان ( ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً ) إلى قوله ( لتسمعن وشيكاً في ديارهم * الله أكبر يا ثارات عثمانا ) وله أيضاً ( قتلتم ولي الله في جوف بيته * وجئتم بأمر جائر غير مهتدي ) ( فلا طهرت إيمان قوم تعاونوا * على قتل عثمان الرشيد المسدد )

(1/41)


42 سنة ست وثلاثين فيها وقعة الجمل وتلخيصها أنه لما قتل عثمان صبراً توجع المسلمون وسقط في أيدي جماعة وعنوا بكيفية المخرج من تقصيرهم فيه فسار طلحة والزبير وعائشة نحو البصرة وكانت عائشة قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها فرجعت إلى مكة وطلبوا من عبد الله بن عمر أن يسير معهم فأبى وقال مروان لطلحة والزبير على أيكما أسلم بالإمارة وأنادي بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي وقال محمد بن طلحة على أبي فكرهت عائشة قوله وأمرت ابن اختها عبد الله بن الزبير فصلى بالناس ولما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة ليردهم إلى الطاعة وينهاهم عن شق عصا المسلمين ففاتوه فمضى لوجهه وأرسل ابنه الحسن وعماراً يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة فخطب عمار وقال في خطبته إني لأعلم أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها ولما قدمت عائشة وطلحة والزبير البصرة استعانوا بأهلها وبيت مالها ووصل علي خلفهم واجتمع عليه أهل البصرة والكوفة فحاول صلحهم واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك فثار الأشرار بالتحريش ورموا بينهم بالنار حتى اشتعلت الحرب وكان ما كان وبلغت القتلى يومئذٍ ثلاثة وثلاثين ألفاً وقيل سبعة عشر وقتل عشرة من أصحاب الجمل ومن عسكر علي رضي الله عنه نحو ألف وقطع على خطام جمل عائشة سبعون يداً من بني ضبة وهي في هودجها ثم أمر علي بعقره وكان رايتهم فحمى الشر وظهر علي وانتصر وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة ولما ظهر علي جاء إلى عائشة فقال غفر الله لك قالت ولك ما أردت إلا الإصلاح ثم أنزلها في دار البصرة وأكرمها واحترمها وجهزها إلى المدينة في عشرين أو أربعين امرأة ذوات الشرف وجهز معها أخاها محمداً وشيعها هو وأولاده وودعها رضي الله عنهم

(1/42)


43 وقتل يومئذٍ طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي قيل رماه مروان بن الحكم لحقد كان في قلبه عليه وكان هو وهو في جيش واحد وولده محمد بن طلحة السجاد وكان له ألف نخلة يسجد تحتها في كل يوم ومر به علي صريعاً فنزل ونفض التراب عن وجهه وقال هذا قتله بره بأبيه وتمنى الموت قبل ذلك وقتل يومئذٍ الزبير بن العوام القرشي الأسدي أحد العشرة قتله ابن جرموز غدراً بوادي السباع وقد فارق الحرب وودعها حين ذكره على قول النبي وأنت طظالم له ولما جاء ابن جرموز إلى علي ليبشره بذلك بشره بالنار وروى ابن عبد البر عن علي كرم الله وجهه أنه قال إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من أهل هذه الآية ( ^ ونزعنا ما صدورهم من غل ) ولا ينكر ذلك إلا جاهل بفضلهم وسابقتهم عند الله وقد روى عن النبي قال يكون لأصحابي من بعدي هنات يغفرها الله بسابقتهم معي يعمل بها قوم من بعدهم يكبهم الله في النار على وجوههم وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه شجاعاً مقداماً مقطوعاً له بالجنة من أيسر الصحابة رضي الله عنهم ولو قيل أنه أيسرهم لما بعد يؤيد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في باب بركة الغازي في ماله حياً وميتاً من كتاب الجهاد أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حسب دين أبيه فكان ألفي ألف ومائتي ألف وأنه أوصى بالثلث بعد الدين وأنه قضى دينه وأخرج ثلث الباقي بعد الدين وقسم ميراثه فأصاب كل زوجة من زوجاته الأربع ألف ألف ثم قال البخلري بعد ذلك فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انتهى وقال ابن الهائم رحمه الله بل الصواب أن جميع ماله حسبما فرض تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف انتهى وصرح ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما بأنما قاله البخاري غلط في الحساب وأن الصواب كما قال ابن الهايم وأجاب الحافظ شرف الدين الدمياطي رحمه الله بأن قول البخاري رحمه اله محمول على أن جملة المال حين الموت كانت ذلك دون الزائد في أربع سنين إلى حين القسمة انتهى

(1/43)


ومناقب الزبير ومآثره يضيق عنها
44 هذا المختصر ولو لم يكن إلا مصاهرته للصديق فإنه كان زوج ابنته أسماء ذات النطاقين ورزق منها عبد الله وهو أول مولود ولد بالمدينة للمهاجرين وبه كنى النبي عائشة على الصحيح لكفى وقتل يومئذٍ زيد بن صوحان من خواص علي من الصلحاء الأتقياء وتوفي في تلك السنة حذيفة بن اليمان العبسي صاحب السر المكنون في تمييز المنافقين ولذلك كان عمر لا يصلي على ميت حتى يصلي عليه حذيفة يحشى أن يكون من المنافقين وسمى ابن اليمان لأن جده حالف بني الأشهل وهم من اليمن وفيها سلمان الفارسي المشهور بالفضل والصحبة الذي قال في حقه المصطفى منا أهل البيت وقصته مشهورة في طلب الدين وقوله تداولني بضعة عشر ربا حتى اتصلت بالنبي من وجوه أنه اشترى نفسه من مواليه يهود بكذا وكذا وقية وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا ودية من النخل ويعمل عليها حتى تدرك فغرسها بيده المباركة إلا واحدة غرسها عمر فأطعم كل النخل من عامة إلا تلك الواحدة فقطعها غرسها فأطعمت وكان سلمان الفارسي وأبو الدرداء يأكلان من صفحة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها وفيها أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو من السابقين الأولين سنة سبع وثلاثين فيها وقعة صفين وهي صحراء ذات كدى وأكمات وتلخيص خبرها أن معاوية رضي الله عنه لما بلغه فراغ علي كرم الله وجهه من قصة العراق والجمل وسيره إلى الشام خرج من دمشق حتى ورد صفين في نصف المحرم فسبق إلى سهولة المنزل وقرب من الفرات فلما ورد عليهم علي يرجعهم إلى الطاعة والدخول تحت البيعة فلم يفعلوا ثم خرج عليهم لمنعهم إياه من الماء فلم يقبلوا فقاتلهم حتى نحاهم عنها ونزلها

(1/44)


45 وبنى مسجداً هناك على تل ليصل فيه جماعة وأقاما بصفن سبعة أشهر وقيل تسعة وقيل ثلاثة وكان بينهم قبل القتال نحو من سبعين زحفاً في ثلاثة أيام من أيام البيض وقتل من الفريقين ثلاثة وسبعون ألفاً وآخر أمرهم ليلة الهرير وهو الصوت شبه النياح فنيت نالهم واندقت رماحهم وانقصفت سيوفهم ومشى بعضهم إلى بعض وتقاربوا بما بقي من السيوف وعمد الحديد فلا تسمع إلا غمغمة وهمهمة القوم والحديد في الهام فلما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب ثم تكادموا بالأفواه وكسفت الشمس من الغبار وسقطت الألوية والرابات واقتتلوا من بعد صلاة الصبح إلى نصف الليل وذلك في شهر ربيع الأول قاله الإمام أحمد في تاريخه وقال غره في ربيع الآخر وقيل في صفر وكان عدد أصحاب علي مائة وعشرين أو ثلاثين ألفاً وأهل الشام مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفاً وكان في جانب علي جماعة من البدريين وأهل بيعة الرضوان ورايات رسول الله منعقد على إمامته وبغى الطائفة الأخرى ولا يجوز تكفيرهم كسائر البغاة واستدل أهل السنة والجماعة على ترجيح جانب علي بدلائل أظهرها وأثبتها قوله بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وهو حديث ثابت ولما بلغ معاوية ذلك قال إنما قتله الذي أخرجه وهو الزام لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها وكان شبهة معاوية ومن معه الطلب بدم عثمان وكان الواجب عليهم شرعاً الدخول في البيعة ثم الطلب من وجوهه الشرعية وولي الدم في الحقيقة أولاد عثمان مع أن قتلة عثمان لم يتعينوا وكان ممن توقف عن القتال سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن سلمة وآخرون وممن قتل مع علي عمار بن ياسر ميزان العدل في تلك الحروب وهو الذي ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه وقتل وقد نيف على السبعين وقتل معه أيضاً ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت

(1/45)


46 وكان متوقفاً فلما قتل عمار تبين له الحق وجرد سيفه وقاتل حتى قتل وأبو ليلى والد عبد الرحمن الفقيه ومن غير الصحابة عبيد الله بن عمر بن الخطاب قاتل الهرمزان صاحب تستر حين طعن أبوه عمر اتهمه لأن أبا لؤلؤة كان له به تعلق وكان على خيل معاوية وقتل أيضاً حامل راية علي هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المعروف بالمر قال ويقال أنه من الصحابة وصاحب رجاله على عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وأبو حسان قيس بن المكسوح المرادي أحد الأبطال وأحد من أعان على قتل الأسود العنسي قيل ووجد في قتلى أصحاب علي سيد التابعين أويس بن عامر المرادي القرني ذو المناقب الشهيرة من أمر النبي وعلياً إذا لقياه أن يطلبا منه الدعاء وهو سيد زهاد زمنه كان يلتقط ما على المزابل فإذا نبحه كلب قال له كل مما يليك وآكل مما يليني إن تجاوزت الصراط فأنا خير منك فأنت خير مني وقتل أيضاً صاحب رجالة معاوية قاضي حمص حابس الطائي وقتل أيضاً أحد أمرائه ذو الكلاع الحميري وهو الذي حطب الناس وحرضهم على القتال وقتل معه أيضاً أحد الأبطال الذيب بن الصباح الحميري قتل جماعة مبارزة ثم برز له علي فقتله وذكر أن علياً واجه معاوية في بعض تلك الزحوف فقال له ابرز إلي فإذا قتل أحدنا صاحبه استراح الناس فقال له عمرو العاص أنصفك الرجل فقال له معاوية أظنك طمعت فيها يعني الخلافة لأنك تعلم أنه قاتل من بارزه ولما أيقن أهل الشام بالهزيمة أشار عليهم عمرو ابن العاص يرفع المصاحف على الرماح والدعاء إلى حكم الله فأجاب علي إلى التحكيم فأنكر عليه بعض جيشه واختلفوا وخرجت عليهم الخوارج وقالوا لا حكم إلا لله وكفروا علياً ومعاوية وكان أمر الحكمين في رمضان وذلك أنه اجتمع من جانب علياً ومعاوية وكان أمر الحكمين في رمضان وذلك أنه اجتمع من جانب علي أبو موسى ومن معه من الوجوه ومن جانب معاوية عمرو بن العاص ومن معه بددومة الجندل فخلا عمرو بأبي موسى بعد الاتفاق عليهما وقال له

(1/46)


نخلع علياً ومعاوية ثم يختار المسلمون من يقع عليه وكانت الإشارة إلى عبد الله
47 ابن عمر فلما خرجا إلى الناس قال عمرو لأبي موسى قم فتكلم أولاً لأنك أفضل وأكثر سابقة فتكلم أبو موسى بخلعهما ثم قام عمرو فقال إن أبا موسى قد خلع علياً كما سمعتم وقد وافقته على خلعه ووليت معاوية وقيل اتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه فخلع أبةو موسى وأثبت الآخر ثم سار أهل الشام وقد بنوا على هذا الظاهر ورجع أهل العراق عارفين أن الذي فعله عمرو خدديعة لا يعبأ بها وصح عن أبي وائل عن أبي ميسرة أنه قال رأيت قباباً في رياض فقيل هذه لعمار بن ياسر وأصحابه فقلت كيف وقد قتل بعضهم بعضاً فقال إنهم وجدوا الله واسع المغفرة وفي هذه السنة توفي خباب بن الأرت التميمي أحد السابقين البدريين وصلى عليه علي بالكوفة سأله عمر يوماً عما لقي من المشركين فقال لقد أوقدت نار وسحبت عليها فما أطفأها ألا ودك ظهري ثم أراه ظهره فقال عمر ما رأيت كاليوم سنة ثمان وثلاثين في شعبان منها قتلت الخوارج عبد الله بن خباب فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم بالتحكيم في اتلاف المحرم بالصيد والتحكيم بين الزوجين وبغير ذلك كما يأتي قريباً مفصلاً فرجع بعضهم وأضر الأكثر فسار إليهم علي فكانت وقعة النهروان وقيل أنها في العام القابل وفي شوال منها توفي صهيب بن سنان الرومي أحد السباق الأربعة وكان فيه دعابة يقال أنه كان بأحد عينيه رمد يأكل مع النبي رطباً فأمعن فقال ما معناه أنه يضر الرمد فقال آكل بالعين السليمة وفضائله عديدة وتوفي بالمدينة رضي الله عنه وفيه يقول عمر نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه معناه لو لم يكن فيه خوف الله لمنعته قوة دينه من معصية الله فكيف وهو خائف

(1/47)


48 وفيها توفي سهل بن حنيف الأوسي في الكوفة شهد بدراً وما بعدها واستخلفه علي على المدينة حين خرج إلى العراق وولاه فارس وشهد معه صفين وتكلم بكلام عجيب مروى في البخارى وفيها قتل محمد بن أبي بكر الصديق وكان علي ولاه على مصر وكان علي قد تزوج بأمه أسماء بنت عميس ولما استقر في مصر جهز معاوية جيشاً وأمر عليهم معاوية بن خديج الكندي فالتقيا فانهزم عسكر محمد واختفى هو في بيت امرأة فدلت عليه فقتل وأحرق وقيل قتله عمرو بن العاص أو عمرو بن عثمان وفيها مات الأشتر النخعي وكان من الشجعان بعثه علي إلى مصر فسم في شربة عسل سنة تسع وثلاثين فيها وقيل في سنة إحدى وخمسين توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث الهلالية بسرف بين مكة ومر وهو الموضع الذي بنى بها النبي فيه وذلك سنة تسع وكان الذي خطبها للنبي جعفر بن أبي طالب وجعلت أمرها إلى العباس وكان زوج أختها وفيها تنازع أصحاب على وأصحاب معاوية في إقامة الحج فأصلح بينهم أبو سعيد الخدري على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان الحجبي سنة أربعين فيها توفي خوات بن جبير الأنصاري البدري أحد الشجعان وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري نزل بدراً ساكناً ولم يشهدها على الصحيح وشهد العقبة وأبو سهل الساعدي بدري مشهور وقيل أنه بقي إلى سنة ستين وغيقيب بن أبي فاطمة الدوسي من مهاجرة الحبشة قيل وشهد بدراً

(1/48)


49 والأشعث بن قيس الكندي بالكوفة في ذي القعدة وكان شريفاً مطاعاً جواداً شجاعاً وله صحبة ارتد زمن الردة ثم أسلم وتزوج أخت أبي بكر بالمدينة فأمر غلمانه أن يذبحوا ما وجدوه من البهائم في شوارع المدينة ففعلوا فصاح الناس عليهم فقالوا أيها الناس قد تزوجت عندكم ولو كنت في بلادي لأولمت وليمة مثلي فاقبلوا ما حضر من هذه البهائم وكل من تلف له شيء فليأتني لثمنه وكان هاجر في أول الإسلام من اليمن في ثمانين رجلاً منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي ثم ارتدا زمن الردة وأسلما وحسن إسلامهما وحمدت مواقفهما وفيها استشهد أمير المؤمنين سامي المناقب أبو الحسنين علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي في يافوخه فبقى يوماً ثم مات وقتل ابن ملجم وأحرق وكان ذلك صبيحة يوم الجمعة وهو خارج إلى الصلاة سابع عشر رمضان وله ثلاث وستون سنة وقيل ثمان وخمسون وصلى عليه ابنه الحسن ودفن بالكوفة في قصر الإمارة عند المسجد الجامع وغيب قبره وخلافته أربع سنين واشهر وأيام قيل والسبب في قتل على كرم الله وجهه أن ابن ملجم خطب امرأة من الخوارج على قتل على ومعاوية وعمرو بن العاص فانتدب لذلك ابن ملجم والحجاج بن عبد الله الضمري ودادويه العنبري فكان من أمر ابن ملجم ما كان وضرب الحجاج معاوية في الصلاة بدمشق فجرح اليته قيل أنه قطع منه عرض النسل فلم يجبل معاوية بعدها و أما صاحب عمرو فقدم مصر لذلك فوجد عمراً قد أصابه وجع فيتلك الغذاة المعينة واستخاف على الصلاة خارجة ابن حذافة الذي كان يعدل ألف فارس فقتله يظنه عمراً ثم قبض فأدخل على عمرو فقال له أردت عمرا وأراد الله خارجة فصارت مثلاً وإلى فداء عمرو بخارجة أشار عبد الحميد بن عبدوية الأندلسي في بسامته بقوله وليتها اذفدت عمراً بخارجة فدت عليناً بمن شاءت من البشر وكان على رضى الله عنه ربعة إلى القصر ادعح العينين حسن الوجه أدم

(1/49)


50 ضخم البطن عريض المنكبين لهما مشاش كالسبع أصلع ليس له شعر الامن خلفه عظيم اللحية وهو أول من أسلم عند كثير بن خديجة وعلى كل حال لم يشرك باله بالغاُ شهد المشاهد كلها وحمدت مواقفه وكان اللواء معه في كثرها وفضل على خالد بن الوليد في الشجاعة لأن شجاعة خالد فارساً وعلى فارساً وراجلاً ومناقبه لا تعد من أكبرها تزويج البتول ومؤاخاة الرسول ودخوله في الباهلة والكساء وحمله في أكثر الحروب اللواء وقول النبي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وغير ذلك مما يطول ذكره ويعز حصره وقد نقل اليافعي الخلاف بين أهل السنة في المفاضلة بينه وبين عثمان وأختبار هو تفصيله على عثمان وأشار إلى ذلك في قصيدة جملتها خمسة وثلاثون بيتا منها ( والظاهر الآن عندي ما أقول به * والله أعلم ما في باطن الحال ) ( من بعد تفضيلنا الشيخين معتقدي 5 تفضيله قبل ذي النورين من تالى ) انتهى والصحيح تفضيل عثمان كما هو معلوم ولما استقر الخوارج في حروراء بعد النهر وأن وكانوا استة آلاف مقاتل وقيل ثمانية آلاف أتاهم على وخطبهم وعظم فرجعوا معه إلى الكوفة وأشاعوا أن عليا تاب من التحكيم فأتاه الأشعث بن قيس فقال له أن الناس قائلون أنك رأيت الحكومة ضلالاً وتبت منها فقام في الناس وقال من زعم أن الحكومة ضلال فقد كذب فثارت الخوارج وخرجوا من المسجد فقيل له أنهم خارجون عليك فقال ما أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون فبعث إليهم ابن عباس رضي الله عنهما يناظرهم فاحتج عليهم ابن عباس وبالتحكيم في اتلاف المحرم الصيد والتحكيم بني الزوجين وبأن النبي أمسك عن قتاله الهدنة يوم الحديبية فصدقوه في ذلك كله وقالوا له أن علياً محا نفسه من الخلافة بالتحكيم فقال لهم ابن عباس أن رسول الله محا اسم الرسالة يوم الحديبية فلم يزلها ذلك عنه فرجع منهم ألفان وبقى أربعة أو ستة آلاف أصروا وبايعوا عبد الله بن وهب الراسي فخرج بهم إلى النهروان فسار إليهم على وأوقع

(1/50)


51 بهم وقتل منهم ألفين وثمانمائة منهم ذو الثدية علامة الفرقة المارقة ثم كلمهم أيضاً فأصروا وقالوا إن عمدت على جهاد العدو سرنا بين يديك وإن بقيت على التحكيم قاتلناك ثم قال لهم أيكم قاتل عبد الله بن خباب فقالوا كلنا قتله وكانوا قبل لقوا مسلماً ونصرانيا فأعفوا النصراني وقالوا احفظوا وصية نبيكم فيه وقتلوا المسلم ثم لقوا عبد الله بن خباب الصحابي وفي عنقه المصحف فقالوا إن المصحف يأمرنا بقتلك فوعظهم وذكرهم وحدثهم عن أبيه عن رسول الله يقبلوا وقالوا له ما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى عليهما فقالوا ما تقول في علي قبل التحكيم وعثمان قبل الحدث فأثنى عليهما خيراً قالوا فما تقول في التحكيم والحكومة قال أقول إن علياً أعلم منكم وأشد توقياً على دينه فقالوا إنك لست تتبع الهدى فربطوه إلى جانب النهر وذبحوه فاندفق دمه على الماء يجري مستقيماً وروى أن رجلاً قال لعلي ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية وخلافتك أنت وعثمان متكدرة فقال إن أبا بكر وعمر كنت أنا وعثمان من أعوانهما وكنت أنت وأمثالك من أعواني وأعوان عثمان وقال له رجل من اليهود ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيف وعشرون سنة حتى ضرب بعضكم بعضاً بالسيف فقال رضي الله عنه فأنتم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ومما رثى به علي كرم الله وجهه ( ألا قل للخوارج أجمعينا * فلا قرت عيون الشامتينا ) ( أفي شهر الصيام فجمعتمونا * بخير الناس طراً ابتغينا ) ( قتلتم خير من ركب المطايا * وذللها ومن ركب السفينا ) ( ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثانني والمئينا ) ( وكل مناقب الخيرات فيه * وحب رسول العالمينا ) وبعد وفاة علي بويع لابنه الحسن رضي الله عنهما فتممت بأيامه خلافة

(1/51)


52 النبوة ثلاثون سنة وظهر تصديق الخبر النبوي سنة إحدى وأربعين في ربيع الأول منها سار أمير المؤمنين الحسن بن علي بجيوشه نحو الشام وعلى مقدمته قيس بن سعد بن عبادة وسار معاوية بجيوشه فالتقوا في ناحية الأنبار فوفق الله الحسن في حقن دماء المسلمين وترك الأمر لمعاوية كما هو مقرر في صحيح البخاري وظهر حينئذٍ صدق الحديث النبوي فيه حيث قال إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولما تم الصلح بشروطه برز الحسن بين الصفين وقال إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية فإن كان لي فقد تركته لله وإن كان له فما ينبغي أن أنازعه ثم قرأ ( ^ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) وكبر الناس فرحاً واختلطوا من ساعتهم وسمت سنة الجماعة وتمت الخلافة لمعاوية رضي الله عنه ولله الحمد وفيها توفيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها وقيل في سنة خمس وأربعين وكان النبي طلقها مرة فبكى عمر واشتد عليه فنزل جبريل وقال للنبي مرة فبكى عمر واشتد عليه فنزل جبريل وقال للنبي الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر رحمة لعمر وفي رواية فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك بالجنة وفيها مات صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجمحي وكان من أشراف قريش ومسلمة الفتح وكان هرب يومئذٍ إلى جده فاستؤمن له فرجع وطلب من النبي شهرين فقال له لك أربعة وشهد حنيناً فاكثروا له غنائمها فقال أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي وحسن إسلامه وقدم المدينة فقال له النبي هجرة بعد الفتح فرجع إلى مكة وكان من الأغنياء قيل ملك قنطاراً من الذهب شهد اليرموك أميراً وفيها لبيد بن ربيعة الشاعر العامري الذي صدقه النبي إسلامه وقيل مات في خلافة عثمان بالكوفة عن مائة وخمسين سنة

(1/52)


53 سنة اثنتين وأربعين فيها افتتح عبد الرحمن بن سمرة سجستان أو بعضها وافتتحت السند وفيها توفي عثمان الحجبي وفيها سار راشد بن عمر وشن الغارات وأوغل في بلاد السند سنة ثلاث وأربعين فيها افتتح عقبة بن نافع كوراً من بلاد السودان وسبى بشر بن أرطأة بأرض الروم وفي ليلة عيد الفطر توفي أبو عبد الله عمرو بن العاص القرشي السهمي بمصر أميراً لمعاوية كان من الدهاة المجربين أسلم في هدنة الحديبية وهاجر وولى إمرة جيش ذات السلاسل وكان من أجلاء قريش وذوي الحزم والرأي وحديث وفاته ونثبته عند النزع مذكور في صحيح مسلم وفيه عبرة وقال آخر أمره اللهم إنك أمرتنا فعصينا ونهيت فارتكبنا فلا أنا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر ولكن لا إله إلا أنت م فاضت روحه رحمه الله تعالى ورضي عنه وفيها توفي عبد الله بن سلام الإسرائيلي حليف الأنصار من سبط يوسف ابن يعقوب صلى الله عليهما وسلم وقصة إسلامه مشهورة في الصحاح وشهد له النبي بالجنة وهو المراد عند بعض المفسرين بقوله تعالى ( ^ ومن عنده علم الكتاب ) وقوله تعالى ( ^ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) وفي صفر منها محمد بن مسلمة الأنصاري البدري وكان ممن اعتزل الفتنة واتخذ سيفاً من خشب ولزم المدينة حتى مات سنة أربع وأربعين في ذي الحجة منها توفي أبو موسى الأشعري اليمني الأمير نسب إلى الأشعر أخي حمير بن سبأ وكان من أهل السابقة والسبق في الإسلام هاجر من بلده زبيد نحو اثنين وخمسين رجلاً ورجع فركب البحر ألقتهم الريح إلى

(1/53)


54 النجاشي بالحبشة فوقف مع جعفر وأصحاب حتى قدم معهم في سفينته وجعفر وأصحابه في سفينة أخرى وأسهم رسول الله جاء معهم ولم يسهم لمن غب غيرهم واستعمله النبي عدن واستعمله عمر على الكوفة والبصرة وفتحت علي يده عدة أمصار وقال علي فيه صبغ بالعلم صبغة وفيها افتتح عبد الرحمن بن سمرة كابل وغزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند وهزم العدو وفيها توفيت أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فتنصر هناك ومات فأرسل رسول الله عمرو بن أمية الضمري وكيلاً في زواجها فلما بشرت بذلك نثرت سوارين كانا في يدها وأصدقها النجاشي عن النبي أربعمائة دينار أو أربعة آلاف درهم وحضر عقدها جعفر وأصحابه سنة خمس وأربعين فيها غزا معاوية بن خديج أفريقية وتوفي فيها سنة إحدى وخمسين أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ الفرضي الكاتب عن ست وخمسين سنة قتل أبوه يوم بغاث وهو ابن ست وهاجر النبي وهو ابن إحدى عشرة واجتمع له شرف العلم والصحبة وأول مشاهدة الخندق وكان عمر وعثمان يستخلفانه على المدينة وكان ابن عباس يأتيه إلى بيته للعلم ويقول العلم يؤتى ولا يأتي وكان إذا ركب أخذ بركابه ويقول ابن عباس هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء فيأخذ زيد كفه ويقبلها ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا وفيها عاصم بن عدي سيد بني العجلان وكان قد رده النبي وسلم من بدر في شغل وضرب له بسهمه وقتل أخوه معن يوم اليمامة

(1/54)


55 سنة ست وأربعين فيها ولى الربيع بن زياد الحارثي سجستان فزحف كابل شاه في جمع نت الترك وغيرهم فالتقوا على بست فهزمهم وفيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مسموما على ما قيل وكان أحد الأجواد وكان بيده لواء معاوية يوم صفين وكان أخوه مهاجر مع علي رضي الله عنه وقيل أن معاوية خطب الناس حين كبر وأسن واستشارهم فيمن يستخلفوكان مراده أن يشيروا بيزيد فأشاروا بعبد الرحمن بن خالد وغزا عبد الرحمن الروم غير مرة سنة سبع وأربعين فيها غزا رويفع بن ثابت الأنصاري أمير طرابلس أفريقية فدخلها ثم انصرف وفيها حج بالناس عنبسة بن أبي سفيان وفيها جمعت الترك فالتقى بهم عبد الله ابن سوار العبدي ببلاد القيفان فاستشهد عبد الله وعامة جنده وغلبت الترك على القيفان سنة ثمان وأربعين فيها توجه سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي والياً على الهند عوض عبد الله ابن سوار وقتل بسجستان عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان مولده بالحبشة والحارث بن قيس الجعفي صاحب ابن مسعود سنة تسع وأربعين في ربيع الأول منها سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله

(1/55)


56 وريحانته أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والأكثر عل أنه توفي سنة خمسين بالمدينة عن سبع وأربعين سنة ومناقبه كثيرة روى أنه حج خمساً وعشرين حجة ماشياً والجنائب بين يديه وخرج عن ماله ثلاث مرات وشاطره مرتين وأعطى إنساناً يسأله خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وأعطى حمال ذلك طيلسانه وقال يكون كراؤه من عندي ومر بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل عن فرسه وأكل معهم ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وقال البدء لهم لأنهم لم يجدوا إلا ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه وبلغه أن أبا ذرقال الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة فقال يرحم الله أبا ذر أنا أقول من اتكل على حسن اختيار الله لم يحب غير ما اختاره سنة خمسين فيها توفي عبد الرحمن بن سمرة العبشمي من مسلمة الفح قال له النبي لا تسأل الإمارة الحديث افتتح سجستان وكابل أميراً لعبد الله بن عامر وفيها توفي كعب بن مالك الأنصاري السلمي مؤاخي طلحة بن عبيد الله وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا أو تاب الله عليهم واحد شعراء النبي المجيبين عنه عدوه وشهد المشاهد غير تبوك ذهب بصره في آخر عمره وهو القائل ( جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب ) فقال له النبي ر لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا ) وفيها مات المغيرة بن شعبة الثقفي أسلم عام الخندق وولى العراق لعمرو غيره وكان من رجال الدهر حزماً وعزماً ورأيا وجهاء يقال أنه أحصن ثلاثمائة امرأة قيل الف امرأة ولاه عمر البصرة ثم الكوفة وفيها توفيت أم المؤمنين صفية بنت حي بن أخطب الإسرائيلية الهارونية وكانت جميلة فاضلة كفاها فضلاً ونبلاً زواج النبي وأوتيت أجرها

(1/56)


57 مرتين جاءت جاريتها عمر فقالت أن صفية تحب السبت وتصل اليهود فبعث إليها عمر يسألها عن ذلك فقالت أما السبت فلم أحبه وقد أبدلني الله يوم الجمعة وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً وقالت للجارية ما حملك على هذا قالت الشيطان قالت اذهبي فأنت حرة وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في سنة إحدى سنة إحدى وخمسين فيها توفى سعيد بن زيد القرشي العدوى أحد العشرة المجاب الدعوة دعا على أروى لما كذبت عليه فقال اللهم أن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت لم يشهد بدارً هو ولا عثمان أبن عفان ولا طلحة بن عبيد الله فأما عثمان فاحتبس على مرض زوجته رقية بنت طريق الشام وضرب لهما النبي سهمها من الغنيمة وفيها وقيل في التي تليها توفى أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد بالقسطنطينية وهم محاصرون لها وقبره تحت سورها يستقى به ويتبرك وكان عقيباً كثير المناقب وموضع بيته الذي نزل فيه رسول الله ص مدرسة تعرف بالشاهبية وفيه موضع يقال له المبرك يعنون مبرك ناقه رسول الله وفيها قتل حجر بن عدي وأصحابه بمرج عذراء من أرض الشام قيل قتلوا بأمر معاوية ولذا قال على كرم الله وجهه حجر بن عدي وأصحابه كأصحاب الأخدود ( وما نقموا من هم إلا أن يؤموا بالله العزيز الحميد فإن صح هذا عن على فيكون من باب الأخبار بالغيب لأنه توفى قبل كما تقدم وكان لحجر صحبة ووفادة وجهاد وعابدة وفيها على الأصح توفى جرير بن عبد الله البجلى بقر قيسا

(1/57)


58 وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية وقد تقدمت ترجمتها في سنة تسع وثلاثين سنة اثنتين وخمسين فيها توفي عمران بن حصين الخزاعي كثير المناقب ومن أهل السوابق بعثه عمر يفقه أهل البصرة وتولى قضاءها وكان الحسن البصري يحلف بالله ما قدمها خير لهم من عمران بن حصين وهو الراوي لحديث وصف المتوكلين الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وكان يسمع تسليم الملائكة عليه حتى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً ثم أكرمه الله برد ذلك أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر واستقضاه عبد الله بن عامر على البصرة ثم استعفاه فأعفاه وفيها توفي كعب بن عجرة الأنصاري وكان من فضلاء الصحابة ومعاوية بن خديج الكندي التجيبي الأمير له صحبة ورواية وأبو بكرة بن نفيع بن الحارث وقيل ابن مسروح تدلى من حصن الطائف ببكرة للإسلام فلذا كنى بأبي بكرة وفيها وقيل في سنة إحدى أو أربع وخمسين توفي سيد بجيلة جرير بن عبد الله البجلي الأمير قال ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي اسلم سنة عشر وسكن الكوفة وبجيلة أم القبيلة وقيل هو أنمار أحد أجدادهم وفيهم يقول الشاعر ( لولا جرير هلكت بجيلة * نعم الفتى وبئست القبيلة ) قال عمر رضي الله عنه ما مدح من سب قومه ووجد عمر مرة من بعض جلسائه رائحة فقال عزمت على صاحب هذه الريح إلا قام فتوضأ فقال جرير اعزم علينا كلنا فعزم عليهم ثم قال يا جرير ما زلت شريفاً في الجاهلية والإسلام وسأله عمر عن الناس فقال هم كسهام الجعبة منها القائم الرائش

(1/58)


59 والنصل الطائش سنة ثلاث وخمسين فيها توفي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وكان من الزهاد الشجعان قتل يوم اليمامة سبعة شهد مع قريش بدراً وأحداً مشركاً وأسلم في هدنة الحديبية وله المشاهد الجميلة في نصر الإسلام ولما دعاه معاوية إلى البيعة ليزيد امتنع فبعث إليه بمائة ألف درهم فردها وقال لا أبيع ديني بدنياي وقصته معهم مشهورة في البخاري وذلك أنه قام حين دعى للبيعة فقال مروان هذا الذي نزل فيه ( ^ والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني ) الآية وذلك من كيد مروان وإنما أورده البخاري مرسلاً لبيان أثر عائشة الذي ردت به على مروان ولما بلغ عائشة خبر موته بمكة ارتحلت حتى وقفت على قبره وقالت ( وكنا كندماني جذيمة حقبة * من الدهر حتى قيل لن تتصدعا ) ( فلما تفرقنا كأني ومالكاً * بطول اجتماع لم نبت ليلة معا ) وفيها توفي زياد بن أمه المستحلق وكان يضرب بدهائه المثل ولاه معاوية العراقين وفيها أو في التي قبلها توفي عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي ولي نجران وله سبع عشرة سنة وفيها فيروز الديلمي قاتل الأسود العنسي له صحبة ورواية وفضالة بن عبيد الأنصاري قاضي دمشق لمعاوية وخليفته عليها سنة أربع وخمسين توفي فيها أسامة بن زيد الهاشمي الكلبي حبرسول الله حبه قدمه النبي على فضلاء الصحابة وجلة المهاجرين والأنصار على حداثة سنه ثوبان بن بجدد مولى رسول الله بن مطعم

(1/59)


60 النوفلي وكان من سادات قريش وحلمائها وقيل توفي سنة ثمان وخمسين وحسان بن ثابت الأنصاري الشاعر عن مائة وعشرين سنة مناصفة في الجاهلية والإسلام قيل وكذلك أبوه وجده وكان لسانه يصل إلى جبهته ومن قوله مخاطباً لأبي سفيان بن الحرث ( أتهجوه ولست له بكفؤ * فشركما لخيركما الفداء ) قيل وهذا أنصف بيت قالته العرب وفيها على خلاف حكيم بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي ابن أخي خديجة الشريف الجواد أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير وفعل مثل ذلك في الإسلام وأهدى مائة بدنة وألف شاة وأعتق بعرقة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وباع دار الندوة بمائة ألف وتصدق بها فقيل له بعت مكرمة قريش فقال ذهبت المكارم ولدته أمه في الكعبة وعاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام ودفن في داره بالمدينة وهو من مسلمة الفتح وفيها أبو قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله أحداً وما بعدها ومخرمة بن نوفل الزهري والد المسور وكان من المؤلفة قلوبهم وفيها غزا عبيد الله بن زياد فقطع نهر جيحون إلى بخارى وافتتح بعض البلاد وكان أول عربي عدا النهر وفيها علي ما رجحه الواقدي أم المؤمنين سودة بنت زمعة وتقدم أنها ماتت في خلافة عمر وهو الأصح وفيها توفي سعيد بن بريوع المخزومي من مسلمة الفتح عاش مائة وعشرين سنة وفيها عبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار وكان أحد من شهد العقبة

(1/60)


61 سنة خمس وخمسين فيها توفي أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص الزهري أحد العشرة ومقدم جيوش الإسلام في فتح العراق وأول من رمى بسهم في سبيل الله مجاب الدعوة وفداه النبي بأبويه وما دعا قط ألا استجيب له ومناقبه جمة وأبو اليسير كعب بن عمرو الأنصاري السلمي أسر العباس يوم بدر والأرقم ابن الأرقم المخزومي أحد السابقين وقيل توفي سنة ثلاث وخمسين سنة ست وخمسين فيها استعمل معاوية سعيد بن عثمان فغزا سمرقند فالتقى هو والصفد فكسرهم ثم صالحوه وكان معه من الأمراء المهلب واستشهد معه يومئذٍ قثم بن العباس بن عبد المطلب وكان يشبه بالنبي آخر من طلع من لحد النبي وفيها أم المؤمنين جويرية بنت الحرث المصطلقية وصلى عليها لعبيد الله بن زياد وتوفي عبد الله بن السعدي العامري له صحبة وفيها وقيل في سنة ثمان وخمسين في رمضان توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق من أخص مناقبها ما علم من حب رسول الله وشاع من تخصيصها عنده ونزول القرآن في عذرها وبراءتها والتنويه بقدرها ووفاة رسول الله سحرها ونحرها وفي نوبته وريقها في فمه الشريف لأنه كان يأمرها أن تندى له السواك بريقها ونزول الوحي وهو في لحافها ولم يتزوج بكراً سواها وما حمل عنها من الفقه لم يحمل عن أحد سواها تزوجها وهي بنت تسع وتوفي بنت ثمان عشرة

(1/61)


62 وتوفيت عن خمس وستين سنة ونقل عنها علم كثير حتى ورد خذوا نصف دينكم عن الحميراء وفي رواية ثلثي دينكم وكانت من أكثر الصحابة وفتياً قال في معالم الموقعين والذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة مائة ونيف وثلاثون نفساً ما بين رجل وامرأة وكان المكثرون منهم سبعة عمر بن الخطاب وعلب بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله ن عباس وعبد الله بن عمر قال أبو محمد بن حزم ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم قال وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتياً عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في عشرين كتاباً وأبو بكر المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث قال أبو محمد والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير وأبو موسى الأشعري وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جداً ويضاف إليهم طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان والباقون منهم مقلون في الفتيا لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث انتهى ملخصاً ما ذكره ابن القيم وكان من الآخذين عن عائشة الذين لا يكادون يتجاوزون قولها المتفقهين بها القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها وعروة بن الزبير ابن أختها أسماء قال مسروق لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله

(1/62)


63 يسألونها عن الفرائض وقال عروة بن الزبير ما جالست أحداً قط أعلم بقضاء ولا بحديث بالجاهلية ولا أروى للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة رضي الله عنها وفيها توفي أبو هريرة عبد الرحمن عبد الرحمن بن صخر الدوسي قاله هشام وابن المديني وقيل سنة ثمان وخمسين قاله أبو معر ويحي بن بكير وجماعة وقيل سنة تسع وخمسين كان كثير العبادة والذكر حسن الأخلاق ولى إمرة المدينة وكان حافظ الصحابة وأكثرهم رواية قال الحافظ الذهبي المكثرون من رواية الحديث من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أبو هريرة مروياته خمسة آلاف وثلثمائة وأربعة وسبعون ابن عمر ألفان وستمائة وثلاثون أنس ألفان ومائتان وستة وسبعون عائشة ألفان ومائتان وعشر ابن عباس ألف وستمائة وسبعون جابر ألف وخمسمائة وأربعون أبو سعيد ألف ومائة وسبعون على خمسمائة وستة وثمانون عمر خمسمائة وسبعة وثلاثون عبد الله بن مسعود ثمانمائة وثمانية وأربعون عبد الله بن عمر سبعمائة أم سلمة ثلاثمائة وثمانية وسبعون أبو موسى ثلثمائة وستون البراء بن عازب ثلثمائة وخمسة أبو ذر مائتان وأحد وثمانون سعد مائتان وأحد وسبعون أبو أمامة مائتان وخمسون سهل بن سعد مائة وثمانية وثمانون عبادة مائة وأحد وثمانون عمران مائة وثمانون معاذ مائة وسبعة وخمسون أبو أيوب مائة وخمسة وخمسون ثمان مائة وأربعة وستون جابر بن سمرة مثله أبو بكر الصديق مائة واثنان وثلاثون أسامة مائة واثنان وثمانون ثوبان مائة واثنان وسبعون سمرة بن جندب مائة واثنان وثلاثون النعمان بن بشير مائة واثنان وأربعون أبو مسعود مائة واثنان جرير مائة ابن أبي أوفى خمسة وتسعون انتهى ولبعضهم في المكثرين من رواية الحديث ( سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا * من الحديث عن المختار خير مضر )

(1/63)


64 ( أبو هريرة سعد جابر أنس * صديقة وابن عباس كذا ابن عمر ) وكان في أبي هريرة دعابة وكان يخطب ويقول طرقوا لأميركم قيل هو أبو سعيد الخدري وكان يصلي خلف علي ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال ويقول الصلاة خلف علي أتم وسماط معاوية أدسم وترك القتال أسلم استعمله عمر على البحرين وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل أسلم عام خيبر سنة سبع وصدقه الشيطان ونصحه فقد ثبت في الصحيح عن النبي حديث أبي هريرة لما وكله النبي بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النبي فعل أسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول إنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال له دعني أعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( ^ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) إلى آخرها فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فلما أخبر النبي صدقك وهو كذوب وأخبره أنه شيطان وفيه دليل على أن الإنسي أقوى وأشد من الجني كما اختاره الفخر الرازي سنة ثمان وخمسون فيها توفي جبير بن مطعم على خلاف في ذلك وشداد بن أوس الأنصاري نزيل بيت المقدس وعقبة بن عامر الجهني الصحابي أمير معاوية على مصر وكان فقيهاً فصيحاً مفوهاً وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب له صحبة ورواية ولي اليمن لعلي فسار إليه بشر بن أرطأة فذبح ولديه وكان أحد الأجواد أشاع بعض الناس أنه يدعو الناس للغداء ولا علم له فامتلأت رحبة بيته فقال ما شأنهم قالوا إنك دعوتهم فقال لا يخرجن منهم أحد وغداهم جميعاً ثم نادى مناديه أن يحضروا كل يوم

(1/64)


65 سنة تسع وخمسين فيها توفي أبو محذورة الجمحى المؤذن صحبة ورواية وكان من اندى الناس صوتاً وأحسنهم نغمة وفيها وقيل في التي تليها شيبة بن عثمان الحجبي العبدري سادن الكعبة وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية والد عمرو الأشدق والذي أقيمت عريبة القرآن على لسانه لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله ولى الكوفة لعثمان وافتتح طبرستان وكان ممدحاً كريماً عاقلاً حليماً اعتزل الجمل وصفين ومولده قبل بدر وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عامر بن كريز العبسي أمير عثمان على العراق له رواية وهو الذي افتتح خراسان وأصبهان وحلوان وكرمان واطراف فارس كلها سنة ستين فيها توفي معاوية بن أبي سفيان بدمشق في رجب وله ثمان وسبعون سنة ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وتملكها بعد على عشرين إلا شهراً وسار بالرعية سيرة جميلة وكان من دهاة العرب وحلمائها يضرب به المثل وهو أحد كتبة الوحي وهو الميزان في حب الصحابة ومفتاح الصحابة سئل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فقال لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله خير من عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وأماتنا على محبته وفيها توفي سمرة بن جندب الفزارى في أولها نزيل البصرة وبلال بن الحارث المزنى وعبد الله بن مغفل المزنى نزيل البصرة من أهل بيعة الرضوان وفيها أو في التي قبلها أبو حميد الساعدي رضي الله تعالى عنهم أجمعين

(1/65)


66 وفيها عزل الوليد بن عقبة عن المدينة واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق فقدمها في رمضان فدخل عليه أهل المدينة وكان عظيم الكبر واستعمل على شرطته عمر بن الزبير لما كان بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء فأرسل إلى نفر من أهل المدينة فضربهم ضرباً شديداً لهواهم في أخيه عبد الله منهم أخوه المنذرين بن الزبير ثم جهز عمرو بن سعيد عمر بن الزبير في جيش نحو الفى رجل إلى أخيه عبد الله ببن الزبير فنزل بالأبطح وأرسل إلى أخيه بريمين يزيد وكان حلف ألا يقبل بيعته إلا أن يؤتى به في جامعة ويقال حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى ولا تضرب الناس بعضهم ببعض فإنك في بلد حرام فأرسل إليه أخوه عبد الله من فرق جماعته وأصحابه فدخل دار ابن علقمة فأتاه أخوه عبيدة فأجاره ثم أتى عبد الله فقال له قد أجرت عمرا فقال تجير من حقوق الناس هذا ما لا يصح أو ما أمرتك أن لا تجير هذا الفاجر الفاسق المستحل لحرمات الله ثم أقاد عمرا بكل من ضربه إلا المنذر وابنه فإنهما أبيا أن يستقيدا ومات تحت السياط سنة إحدى وستين استشهد فيها في يوم عاشوراء أبو بعيد الله الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله وريحانته بكربلاء عن ست وخمسين سنة ومن أسباب ذلك أنه كان قد أبى من البيعة ليزيد حين بايع له أبوه الناس رابع أربعة عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فلما مات معاوية جاءت كتب أهل العراق إلى الحسين يسألونه القدوم عليهم فسار بجميع أهله حتى بلغ كربلاء موضعاً بقرب الكونة فعرض له عبيد الله بن زيادة فقتلوه وقتلوا معه وليده عليا إلا كبر وعبد الله وأخواته جعفراً ومحمداً وعتيقاً والعباس إ لا كبر وابن أخيه قاسم بن

(1/66)


67 الحسن وأولاد عمه محمداً وعوناً ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم ابن عقيل بن أبي طالب وابنيه عبد الله وعبد الرحمن ومختصر ذلك أن يزيد لما بويع له بعد موت أبيه وكان أبوه بايع له الناس فأرسل يزيد إلى عاملة بالمدينة الوليد بن عتبة يأخذ له البيعة فأرسل إلى الحسين بن وعبد الله بن الزبير فأتياه ليلاً وقالا له مثلنا لا يبايع سراً بل على رؤوس الأشهاد ثم رجعا وخرجا من ليلتهما في بقية من رجب فقدم الحسين مكة وأقام بها وخرج منها يوم الترويه إلى الكوفة فبعث عبد الله بن زياد لحربه مر بن سعيد بن أبي وقاص وقيل أرسل عبيد الله ابن الحرث التيمي أن جعجع بالحسين أي أحبه الجعجاع المكان الضيق ثم أمر معمر بن سعيد في أربعة آلاف ثم صار عبيد الله بن زياد يزيد في العسكر إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفاً وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص واتفقوا على قتله يوم عاشوراء قيل يوم الجمعة وقيل السبت وقيل الأحد بموضع يقال له الطف وقتل معه اثنان وثمانون رجلاً فيهم الحرث بن يزيد التيمي لأنه تاب آرخاً حين رأى منعم له من الماء وتضييقهم عليه قيل ووجد بالحسين رضى الله عنه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلاً وقال الحسن البصرى أصيب مع الحسين ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ له شبيه وجاء بعض الفجرة برأسه إلى ابن زياد وهو يقول أو قر ركابي فضة وذهباً أني قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أماً وأباً فغضب لذلك وقال إذا علمت انه كذلك فلم قتلته والله لا لحقنك به وضرب عنقه وقيل إن يزيد هو الذي قتل القائل ولما تم قتله حمل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ومن أمر به أو رضيه قيل قال لهم عند ذلك بعض الحاضرين ويلكم إن لم تكنوا أتقياء في دينكم فكونوا أحراراً في دنياكم والصحيح أن الرأس المكرم دفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة وذلك أن

(1/67)


يزيد بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق فكفنه
68 ودفنه والعلماء مجمعون على تصويب قتال على لمخالفيه لأنه الإمام الحق ونقل الإتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد وخروج ان الزبير وأهل الحرمين على بني أمية وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج ثم الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد الحجاج ومهم من جوز الخروج على كل ظالم وعد ابن حزم خروم الإسلام أربعة قتل عثمان وقتل الحسين ويوم الحرة وقتل ابن الزبير ولعلماء السلف في يزيد وقتلة الحسين خلاف في اللعن والتوقف قال ابن الصلاح والناس في يزيد ثلاث فرقب فرقة تحبه وتتولاه وفرقة تسبه وتلعنه وفرقة متوسطة ف يذلك لا تتولاه ولا تلعنه قال وهذه الفرقة هي المصيبة ومذهبها هو اللائق لمن يعرف سير الماضين ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة انتهى كلامه ولا أظن الفرقة الأولى توجد اليوم وعلى الجملة فما نقل عن قتلة الحسين والمتحاملين عليه يدل الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم وتهاونهم بمنصب النبوة وما أعظم ذلك فسبحان نم حفظ الشريعة حينئذ وشيد أركانها حتى انقضت دولتهم وعلى فعل الأمويين وأمرائهم بأهل البيت حمل قوله هلاك أمتي على أيدي أغيلة من قريش قال أبو هريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبنى فلان لفعلت ومثل فعل يزيد فعل بشر بن ارطأة العامري أمير معاوية في أهل لبيت من القتل والتشريد حتى خد لهم الأخاديد وكانت له أخبار شنيعة ف يعلى وقتل ولدى عبيد الله بن عباس وخما صغيران على يدي أمهما ففقدت عقلها وهامت على وجهها فدعا عليه على أن يطيل الله عمره ويذهب عقله فكان كذلك خرف في آخر عمره ولم تصح ل صحبة وقال الدارقطني كانت له صحبة ولمتكن له استقامة بعهد النبي وقال التفازاني في شرح العقائد النسفية اتفقوا على اللعن على من قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضى به قال والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهلي

(1/68)


بيت رسول الله مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحاداً قال فنحن
69 لا نتوقف في شأنه بل في كفره وإيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه وقال الحافظ ابن عساكر نسب إلى يزيد قصيدة منها ( ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل ) ( لعبت هاشم بالملك بلا * ملك جاء ولا وحى نزل ) فإن ضحت عنه فهو كافر بلا ريب انتهى بمعناه وقال الذهبي فيه كان ناصبياً فظاً غليظاً يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بقتل الحسين وختمها بوقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين وذكر من خرج عليه وقال فيه في الميزان أنه مقدوح في عدالته ليس بأهل أن يروى عنه وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين يزيد فضربه عمر عشرين سوطاً واستفتى الكيا الهراسى فيه فذكر فصلاً واسعاً من مخازيه حتى نفدت الورقة ثم قال ولو مددت بياض لمددت العنان في مخازى هذا الرجل وأشار الغزالي إلى التوقف في شأنه والتنزه عن لعنه مع تقبيح فعله وذكر ابن عبد البر والذهبي وغيرهما مخازى مروان بأنه أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة وقتل النعمان ابن بشير أول مولود من الأنصار في الإسلام وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل وإلى هؤلاء المذكورين والوليد بن عقبة والحكم بن أبي العاص ونحوهم الإشارة بما ورد في حديث المحشر وفيه فأقول يا رب أصحابي فيقال أنك لا تدري ما أحدثوا بعك ولا يرد على ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة وأن المراد به الغالب وعدم الاعتداد بالنادر والذين ساءت أحوالهم ولا بسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة وقال اليافعي وأما حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممن استحل ذلك فهو كافر وإن لم يستحل ففاسق فاجر والله أعلم وفيها توفى حمزة بن عمرو والأسلمي وله صحبة ورواية وأم المؤمنين هند المعروفة بأم سلمة وقيل توفيت سنة تسع وخمسين وهي

(1/69)


70 آخر أمهات المؤمنين موتاً تزوجها رسول الله بعد سنتين من الهجرة وحين خطبها اعتذرت بكبر السن والأولاد وكونها غيوراً فذكر النبي أنه كبير أيضاً وذو أولاد وأما الغيرة فأدعوا الله عز وجل أن يذهبها عنك فكان أزاوج النبي يتحاكمن إليها لعلمهن ببراءتها من الغيرة وهي صاحبة المشورة المباركة يوم الحديبية ورأت جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبى سنة اثنتين وستين فيها توفي بريدة الحصيب الصحابى الأسلمي وقبره بمرو وقد أسلم قبل بدر وعلقمة بن قيس النخعي الكوفي في الفقيه صاحب ابن مسعود وكان يشبه به واستفاه غير واحد من الصحابة أبو مسلم الخولاني اليمنى من سادات التابعين صاحب كرامات أجج يه الأسود العنسى ناراً عظيمة وألقه فيها فلم تضره فنفاه لئلا يرتاب الناس فيه فوفد على أبي بكر مسلماً فقال الحمد لله الذي لم يتمنى حتى أراني من أمه محمد من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله واستبطئت سرية فبينما هو يصلي ورمحه مر كوزجاء طائر ووقع عليه وخاطبه مشيراً له أن السرية سالمة غانمة تقدم يوم كذا وكذا وكان كذلك وفيها توفى عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي نزيل دمشق له صحبة ورواية وأمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري له صحبة ورواية أيضاً وفيها غزا أسلم بن أحور خوارزم فصالحوه ثم عبر إلى سمرقند فصالحوه أيضاً سنة ثلاث وستسن كانت وقعة الحرة وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلة دينه فجهز لهم مسلمة بن عقبة فخرجوا له بظاهر المدينة بحرة واقم فقتل من أولاد المهاجرين

(1/70)


71 والأنصار ثلثمائة وستة أنفس ومن الصحابة معقل بن سنان الأشجعي وعب الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني الذي حكى وضوء النبي ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس ومحمد بن عمرو ابن حزم ومحمد بن أبي جهيم بن حذيفة ومحمد بن أبي بن كعب ومعاذ بن الحرث أبو حليمة الأنصاري الذي أقامه عمر يصلى التراويح بالناس وواسع بن حبان الأنصاري ويعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التميمي وكثير بن أفلح أحد كتاب المصاحف التي أرسلها عثمان وأبو أفلح مولى أبي أيوب وذلك لثلاث بقين من ذي الحجة وهجر المسجد النبوي فلم يصل فيه جماعة أياماً ولم تمتد حياة يزيد بعد ذلك ولا أميره مسلم بن عقبة وفي ذلك يقول شاعر الأنصار ( فإن يقتلونا يوم حرة وأقم * فنحن على الإسلام أول من قتل ) ( ونحن تركناكم ببدر أذلة * وأبنا بأسياف لنا منكم نفل ) وفيها توفى أبو مسروق الأجذع الهمداني الفقيه العابد صاب ابن مسعود وكان يصلى حتى تورم قدماه وحج فما نام إلا ساجداً وعن الشعبي قال ما رأيت أطلب للعلم منه كان أعلم بالفتوى من شريح سنة أربع وستين في أولها هلك مسلم بن عقبة بهرشى بين مكة والمدينة جبل قريب من الجعفة متجهزاً لحرب ابن الزبير بعد ما استباح المدينة وفعل القبائح ابتلاه الله بالماء الأصفر في بطنه ومن العجب أنه شهد الحرة وهو مريض في محفة كأنه مجاهد ومات بزيد بعده بنيف وسبعين يوماً توفى بالذبحة وذات الجنب فينصف ربيع الأول بحمص وله ثمان وثلاثون سنة وصلى عليه ابنه معاوية وقيل ابنه خالد وكان شديد الأدمة كثير الشعر ضخماً عظيم الهامة فيوجهه أثر الجري

(1/71)


72 وكنيته أبو خالد قيل له أبوه معاوية رضي الله عنه بايعت لك الناس ومهدت لك الأمر ولم سيتخلف عن بيعتك إلا أربعة الحسين وبعد بالله بن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فاستوص بالحسين خيراً لقرابته من رسول الله وأنه لحمه ودمه وأما عبد الله بن عمر فقد وقرته العبادة فليس له في الملك حاجة وأما عبد الرحمن فمغرم بالنساء فأذعنه بالمال وأما الذي يثب عليك وثب الأسد فكذا وكذا وذكر كلاماً معناه التحريض على قتاله وكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر واثني عشر يوماً وعهد بالأمر إلى ابنه معاوية فبقى في المر شهرين أو أقل ومات وكان يذكر فيه الخير ومات وله أحدى وعشرون سنة وأبى أن يستخلف وقال لم أصب حلاوتها فلا أتحمل مرارتها ولما كان من أمر الحسين ما كان بقى ابن الزبير بمكة عائذاً بالبيت فجهز لحربه يزيد الحصين بن نمير السكوني فرمى الحصين الكعبة بالمنجنيق حتى تضعضع بنؤها وهي وقتل بحجر المنجنيق المسور بن مخزمة النوفلي له صحبة ورواية واحترق قرنا الكبش الذي فدى به إسماعيل وجاء نعى يزيد فترجل الحصين وبايع أهل الحرمين ابن الضحاك الفهري مختلف في صحبت وكان دعا إلى ابن الزبير ثم تركه ودعا إلى نفسه فانحاز عنه مروان في بني أمية إلى أرض حوران ووافاهم عبيد الله بن زياد من الكوفة مطروداُ من أهلها وتضعضع أمر بني أمية حتى كاد يندرس فنهض مروان لطلب الملك فالتقى هو والضحاك بعد قصص تطول فقتل الضحاك في الأنصاري الصحابي لينصر الضحاك فقتله أصحاب مروان وفيها توفي بالطاعون الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بن حرب وكان جواداً حليماً عين للخلافة بعد يزيد ولى أمرة المدينة غير مرة وفيها توفى ربيعة الجرشي فقيه الناس زمن معاوية

(1/72)


73 وفيها نقض أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم على ما حدثته خالته عائشة رضي الله عنه أو أدخل الحجر في البيت وكان قد تشقق أيضاً من المنجنيق واحترق سقفه سنة خمس وستين فيها توجه مروان إلى مصر فملكها واستعمل عليها ابنه عبد العزيز ومهد قواعدها ثم عاد إلى دمشق ومات في رمضان وعهد بالأمر إلى ابنه عبد الملك وكان مروان فقيها وكان كاتب السر لابن عمه عثمان رضي الله عنه وكان قصيراً كبير الرأس واللحية دقيق القبة أو قص أحمر الوجه واللحية يلقب خيط باطل عاش ثلاثاً وستين سنة وفيها ولى خراسان المهلب بن أبي صفرة لابن الزبير وحارب الأزارقة وأباد منهم ألوفاً وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي الصحابي والمسيب بن نجبة الفزاري صاحب على في أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين ويسمى جيش التوابين وجيش السراة وكان مروان قد جهز ستين ألفاً مع عبيد الله بن زياد ليأخذ و العراق والتقوا بالجزيرة فانكسر سليمان وأصحابه وقتل هو والمسيب وطائفة وكان لسليمان صحبة ورواية وفيها مات على الصحيح عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ولم يكن بينه وبين أبيه في الولادة إلا إحدى عشرة سنة وكان من فضلاء الصحابة وعبادهم المكثرين في الرواية وأسلم قبل أبيه وكان يلوم أباه على القيام في الفتن وحلف بالله أنه لم يرم في حرب صفين بمرح ولا سهم وإنما حضرها لعزم أبيه عليه ولقوله أطع أباك وفيها توفى الحرث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور صحب على وابن مسعود وكان متهماً بالكذب وحديثه في السنن الأربعة

(1/73)


74 سنة ست وستين فيها توفي جابر بن سمرة السوائي الصحابي وقيل توفي سنة أبع وستين وكان أبوه صحابياً أيضاً وزيد بن أرقم الأنصاري وقيل في سنة ثمان وكان غزا مع النبي سبع عشرة غزوة وفيها قويت شوكة الخوارج واستولى نجدة الحرورى الخارجي على اليمامة والبحرين سنة سبع وستين فيها قتل عمرو بن سعد بن أبي وقاص وعبيد الله بن زياد وحصين بن نمير السكني الذي حاصر ابن الزبير وانصرف عنه وشرحبيل بن ذي الكلاع وكثيرون من دعاة الشر واصطلم عسكرهم وكانوا أربعين ألفاً وذلك أنه جهز المختر بن أبي عبيد الكذاب جيشاً قدر ثمانية آلاف مع إبراهيم بن الأشتر النخعي فكانت وقعة الحارث بأرض الموصل وقيل كانت في السنة التي بعدها وكانت ملحمة عظيمة انتقم الله فيها من أهل الجرم ونصبت رؤوسهم حيث نصب رأسه وشاهدهم نساء أهل البيت الكرام وبقى الوقوف بين يدي الملك العلام وفيها وقيل في التي قبلها توفى عدى بن حاتم الطائي وله مائة وعشرون سنة أسلم سنة سبع وأكرمه النبي وألقى له وسادة وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وفيها ثارت الفتنة بن أبن الزبير والمختار بن أبي عبيد الثقفي كان متلوناً كذباً يدعو مرة إلى محمد بن الحنيفة ومرة لابن الزبير حتى ادعى آخر أن جبريل يأتيه بالوحي من السماء فلما تحقق ابن الزبير سوء حاله بعث أخاه المصعب لحربه فقدم المصعب البصرة وتأهب منها واجتمع غليه جيش الكوفة فسار بهم جميعاً

(1/74)


75 وعلى مقدمته عباد بن عباد الحصين وعلى ميمنته المهلب بن أبي صفرة وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي فجهز المختار لحربهم أمر بن شميط وكيسان فهزمهم مصعب وقتل أمر وكيسان وقتل من جيش مصعب محمد بن الأشعث الكندي ابن أخت أبي بكر وعبيد الله بن علي بن أبي طالب وقتل من جند المختار عمر الأكبر بن علي بن أبي طالب ثم سار جيش مصعب فدخلوا الكوفة وحصروا المختار بقصر الإمارة أياماً إلى أن قتله الله في رمضان وصفت العراق لمصعب سنة ثمان وستين فيها توفى عبد الله بن عباس الهاشمي حبر الأمة بالطائف عن إحدى وسبعين سنة كان يقال له البحر والحبر وترجمان القرآن وذلك أن النبي قال في دعائه له اللهم فقيه في الدين وعلمه التأويل وذهب بصره آخراً فقال ( أن يذهب الله من عيني نورهما * ففي لساني وقلبي منهما نور ) ( قلبي ذكى وذهني غير ذي وكل * وفي فمي صارم كالسيف مشهور ) ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وكان جميلاً نبيلاً مجلسه مشحوناً بالطلبة في أنواع العلوم قال بعضهم حج معاوية وابن عباس فكان لمعاوية موكب بالولاية ولابن عباس موكب بالرواية والدارية قال ابن عباس فكان ضمنى رسول الله وقال الله علمه الحكمة وقال أيضاً دعاني رسول الله فمسح ناصيتي وقال اللهم علمه الحكم وتأويل الكتاب وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما رأيت أحداً أعلم بالسنة ولا أجلد رأياً ولا أثقب نظراً حين ينظر من ابن عباس وكان عمر بن الخطاب يقول له قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولا مثالها وقال عطاء بن أبي رباح ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس كثر فقها وأعظم إن أصحاب الفقه عنده وأصحاب القرآن عنده وأصحاب الشعر عنده

(1/75)


76 يصدرهم كلهم في واد واسع وقال مغيرة لابن عباس أني أصبت هذا العلم قال بلسان سئول وقلب عقول وقال مجاهد كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه وقال طاوس أدركت نحواً من خمسين من أصحاب رسول الله إذا ذكر ابن عباس شيئاً فخالفوه لم يزل بهم حتى يقررهم وقال ابن أبي نجيح كان من أصحاب ابن عباس يقولون ابن عباس أعلم من عمر ومن علي ومن عبد الله ويعدون ناساً فيثب عليهم الناس فيقولون لا تعجلوا علينا إن لم يكن أحد من هؤلاء إلا وعنده من العلم ما ليس عند صاحبه وكان ابن عباس قد جمعه كله وقال الأعمش كان ابن عباس إذا رأيته قلت أجمل الناس فإذا تكلم قلت أفصح الناس فإذا حدث قلت أعلم الناس وفيه عزل ابن الزبير أخاه مصعباً عن العراق وولاها ابنه حمزة وتوفي أبو شريح الخزاعي الكعبي ويقال له أيضاً العدوى وكان قد أسلم قبل فتح مكة وأبو واقد الليثي وكان ممن شهد الفتح وعاش بضعاً وسبعين سنة سنة تسع وستين فيها كان طاعون الجارف بالبصرة قال المدائني حدثني من أدرك الجارف قال كان ثلاثة أيام فمات في كل يوم نحو من سبعين ألفاً ومات لأنس بن مالك نحو سبعين ابناً ومات فيه عشرون ألف عروس وأصبح الناس في اليوم الرابع ولم يبق إلا اليسير من الناس وصعد ابن عامر المنبر يوم الجمعة فلم يجتمع معه إلا سبعة رجال وامرأة فقال ما فعلت الوجوه فقالت المرأة تحت التراب أيها الأمير وفيه مات قاضي البصرة أبو الأسود الدؤلي الذي أسس النحو بإشارة علي إليه وفيها قتل الخارجي الحروري قتله أصحابه واختلفوا عليه وقيل ظفر به أصحاب ابن الزبير

(1/76)


77 وفيها مات قبيصة بن خالد الأسدي وكان فصيحاً مفوهاً روى عبد الملك ابن عمير عنه قال قال لي عمر إني أراك شاباً فصيح اللسان فسيح الصدر وفيها أعاد ابن الزبير أخاه مصعباً وعزل ابنه حمزة وقصد هو عبد الملك بن مروان كل منهما الآخر ثم فصل بينهما الشتاء فوثب على دمشق في غيبة عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق وأراد الخلافة فجاء عبد الملك وجرى بينهما قتال وحصار ثم نزل إليه بالأمان وفيها كان بين الأزارقة وبين المهلب حرب شديد ودام القتال شهراً بسولاف سنة سبعين فيها غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق بعد أن أمنه وحلف له وجعله ولي عهده من بعده فذبحه صبراً وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي وولد في حياة رسول الله جد عمر بن عبد العزيز من قبل أمه وقيل كانت وفاته لستين سنة وفيها مات مالك بن يخامر السكسكي صاحب معاذ وكان قد أدرك الجاهلية وفيها كان الوباء بمصر وفيها قال ابن جرير ثارت الروم وقووا على المسلمين لاختلاف كلمتهم فصالح عبد الملك ملك الروم على أن يؤدي كل جمعة ألف مثقال وهو أول وهن دخل على المسلمين والإسلام سنة إحدى وسبعين فيها توفي عبد الله بن أبي حدرد الأسلي ممن بايع تحت الشجرة وله روايات في غير الكتب الستة سنة اثنتين وسبعين فيها توفي أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاري الحارثي نزيل الكوفة كان

(1/77)


78 من أقران ابن عمر استصغر يوم بدر ومعبد بن خالد الجهني صاحب لواء جهينة يوم الفتح له حديث واحد عن أبي بكر رضي الله عنهما وفيها على الصحيح توفي أبو بحر المعروف بالأحنف بن قيس التميمي السعدي كان من سادات التابعين يضرب بحلمه المثل فعن الحسن قال ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف أدرك عهد النبي قومه بإشارته ولم يفد على رسول الله على عمر وله رواية عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قال له معاوية ما أذكر صفين إلا وكانت في قلبي حرارة فقال الأحنف إن القلوب التي أبغضناكم بها لفي صدورنا وإن السيوف التي قاتلناكم بها لفي أغمادها ثم خرج فقالت أخت معاوية من هذا قال الذي غضب له ألف فارس من تميم لا يدرون فيما غضب ولما بايع معاوية لولده يزيد حسن له بعض الحاضرين ذلك فقال له معاوية فما تقول أنت يا أبا بحر فقال أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت فقال معاوية جزاك الله من الطاعة خيراً وأمر له بألوف فلما خرجا قال له ذلك الرجل إني لأعلم ذم يزيد ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال نستخرجها بما سمعت فقال الأحنف إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون له وجه عند الله ونقل الإمام الطرطوشي إن بعض الخلفاء سأل رجلاً عن الأحنف ابن قيس وعن صفاته فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن شئت أخبرتك عنه بواحدة وإن شئت أخبرتك عنه بثنتين وإن شئت أخبرتك عنه بثلاث فقال أخبرني عنه باثنتين فقال كان الأحنف يفعل الخير ويحبه ويتوقى الشر ويبغضه قال فأخبرني عنه بثلاث قال كان لا يحسد أحداً ولا يبغى على أحد ولا يمنع أحداً حقه قال فأخبرني عنه بواحدة قال كان من أعظم الناس سلطاناً في قيامه على نفسه وفيها على الصحيح عبيدة السلماني المرادي الكوفي الفقيه المفتي أسلم في حياة النبي بعي وابن مسعود قال الشعبي كان يوازي شريحاً

(1/78)


79 في القضاء وفيها وقعة دير الجاثليق بالعراق وكانت وقعة هائلة بين مصعب وعبد الملك وذلك أن عبد الملك أفسد جيش مصعب بالأطماع ولما استظهر عبد الملك أرسل إلى مصعب بالأمان فأبى وقال مثلي لا ينصرف إلا غالباً أو مغلوباً فاثخنوه بالرمي ثم شد عليه زياد بن عمرو بن حبيسة فطعنه وقال يا لثارات المختار وانصرف إلى عبد الملك وقتل مع مصعب ولداه عيسى وعروة وإبراهيم ن الأشتر النخعي سيد نخع وفارسها ومسلم بن عمرو الباهلي واستولى عبد الملك على العراق وولاها بشراً وفيه يقول الشاعر ( قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق ) وبعث الأمراء إلى الأمصار وبعث الحجاج إلى مكة لحرب ابن الزبير فقتله واستوى الأمر لعبد الملك من غير معارض سنة ثلاث وسبعين فيها توفي عوف ابن مالك الأشجعي الحبيب الأمين وكان ممن شهد فتح مكة وأبو سعيد بن المعلى الأنصاري له صحبة ورواية وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي عم محمد بن المنكدر له رواية عن عمر وفيها نازل الحجاج ابن الزبير فحاصره ونصب المنجنيق على أبي قبيس ودام القتال أشهراً وتفرق عن عبد الله أصحابه فأخبر أمه بذلك واستشارها فقالت يا بني إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت وإن كان لله فلا تسلم نفسك فقاتلهم ولم يزل يهزمهم عند كل باب حتى أصابته رمية في رأسه فنكس رأسه وهو يقول ( ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا تقطر الدما )

(1/79)


80 فلما سقط قالت له وا أمير المؤمنين فعرفوه ولم يكونوا عرفوه من لباس الحديد فشدوا عليه من كل جانب وقتلوه قريباً من باب المسجد من ناحية الصفا وذلك في جمادى الأولى وطافوا برأسه فيمصر وغيرها قال النواوي في شرح مسلم مذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوماً والحجاج ورفقته خارجون عليه ودخل الحجاج على أمه بعد قتله فقال كيف رأيتني صنعت بابنك فقالت أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك وقد أخبرنا رسول الله إن في ثقيف مبيراً وكذاباً فأما الكذاب فرأيناه يعني المختار وأما المبير فلا أخالك إلا إياه والمبير المهلك قتل وله اثنتان وسبعون سنة وكانت ولايته تنيف على ثمان سنين وكان ابن الزبير صواما وقواما مستغرق الساعات في الطاعات بطلا شجاعا ومناقبه شهيرة كثيرة رضي الله تعالى عنه وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمخي رئيس مكة وابن رئيسها ولد في حياة النبي ولما حج معاوية قدم له ابن صفوان ألفي شاة وقتل معه أيضاً عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي الذي ولي الكوفة لابن الزبير قبل غلبة المختار وقتل مع عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي ممن أسلم يوم الحديبية وتوفيت أم عبد الله بن الزبير بن مصاب ابنها بيسير وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي في عشر المائة وهي من المهاجرات الأول ومن أهل السوابق في الإسلام وهي ذات النطاقين رضي الله عنها وفيها استوثق الأمر لعبد الملك بن مروان بمقتل ابن الزبير وولى الحجاج أمر الحجاز ونقض بناء ابن الزبير للكعبة وأعادها إلى بنائها في زمن النبي بمشاورة عبد الملك وسبب هدم ابن الزبير الكعبة أنها كانت قد تهدمت وتشعثت من حجر المنجنيق الذي كان يرمى به الحصين بن نمير وأصحابه وحدثته خالته عائشة أن

(1/80)


81 قريشاً قصرت بهم النفقة يعني الحلال التي كانوا جمعوها لبنائها فاقتصروا عن قواعد إبراهيم ستة أذرع أو سبعة وهي الحجر ولما عزم ابن الزبير على ذلك فرقت الناس وخرج بعضهم هارباً إلى الطائف وإلى عرفات ومنى وطلع ابن الزبير بنفسه واتخذ معه عبداً حبشياً دقيق الساقين رجاء أن يكون ذا السويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة وأما الحجاج فلم يهدمها إلا أنفه أن يبقى هذا الشرف والمكرمة لابن الزبير واختلفوا كم بنيت مرات فقيل سبعاً وقيل خمساً ومنشأ الخلاف أنها هل بنيت قبل إبراهيم أو هو أول من بناها سنة أربع وسبعين فيها توفي السيد الجليل الفقيه العابد الزاهد أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي وكان قد عين للخلافة يوم التحكيم مع وجود علي والكبار رضي الله عنهم وقال فيه النبي عبد الله رجل صالح وقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعدها لا يرقد من الليل إلا قليلاً وكان من زهاد الصحابة وأكثرهم أتباعاً للسنن وأعرفهم عن الفتن وتم له ذلك إلى أن مات قيل اعتمر قريباً من ألف عمرة قال مالك بلغ ابن عمر ستاً وثمانين سنة أفتى في ستين منها ولما مات أمرهم أن يدفنوه ليلاً ولا يعلموا الحجاج لئلا يصلي عليه ودفن في ذات أذاخر يعني فوق القرية التي يقال لها العابدة وبعضهم يزعم أنه وبعضهم يزعم أنه في الجبل الذي فوق البستان على يمين الخارج من مكة إلى المحصب وتوفي بعده في تلك السنة أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري وكان من أعيان الصحابة وفقهائهم شهد الخندق وبيعة الرضوان وغيرهما وفيها توفي بالمدينة سلمة بن الأكوع الأسلمي وكان ممن بايع النبي الموت يوم الحديبية وكان بطلاً شجاعاً رامياً يسبق الفرس شداً وله سوابق ومشاهد محمودة

(1/81)


82 وفيها توفى بالكوفة أبو جحيفة السوائي ويقال له وهب الخير له صحبة ورواية وكان صاحب شرطة على رضى الله عنه وكان يقوم تحت منبره يوم الجمعة وقيل تأخر إلى بعد الثمانين وفيها توفى محمد بن حاطب بن الحرث الجمحي له صحبة ورواية وهو أو لمن سمى في الإسلام محمداً بعد رسول الله ورافع بن خديج الأنصاري الصحابي أسابه سهم يوم أحد فبقى النصل إلى أن مات في جسمه وأوس بن ضمعج الكفي في العابد وخرسة بن الحرة وقد ربى يتيماً في حجر عمر ونزل الكوفة وعاصم بن حمزة السلولى ومالك بن أبي عامر الأصبحي جد الإمام مالك له رواية عن عمر وعثمان وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي بالمدينة له رؤية ورواية وكان كثير الحديث والفتوى وعبد الله بن عمير الليثي سنة خمس وسبعين فيها حج عبد الملك بن مروان وخطب على منبر النبي وعزل الحجاج عن الحجاز وأمره على العراقين وفيها توفى العرباض بن سارية السلمى أحد أصحاب الصفة بالشام وعمرو بن ميمون الودي قدم مع معاذ من اليمن فنزل الكوفة وكان صالحاً قانتاً قيل حج مائة حجة وعمرة وكان إذا رؤى ذكر الله والأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد كان يصلي في اليوم والليلة سبعمائة ركعة واستسقى به معاوية فسقوا

(1/82)


83 وبشر بن مروان الأموي أمير العراقين بعد مصعب وسليم بن عنزة التجبيبى قاضي وناسكها وقد حضر خطبة عمر بالجابية سنة ست وسبعين فيها وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي ابن عمر المختار لحرب شبيب بن قيس الخارجي الشيباني فاستظهر شبيب وقتل زائدة وهزم العساكر مرات واستفحل أمر شبيب سنة سبع وسبعين فيها بعث الحجاج لحرب شبيب عتاب بن ورقاء الرباحي بالباء الموحدة فلقى شبيب بسواد الكوفة فقتل شبيب أيضاً عتاباً وهزم جيشه ثم جهز الحجاج له الحرث بن معاوية الثقفي فقتل الحرث أيضاً فوجه الحجاج له أبا الورد البصرى فقتله أيضاً فوجه له طهمان مولى عثمان فقتله أيضاً ففرق الحجاج وسار بنفسه فاقتتلوا شديداً أشد القتال وتكاثروا على شبيب فانهزم وقتلت غزالة امرأة شبيب وكانت قد قاتلت في تلك الحروب قتالاً عجز عنه كمل الرجال وكانت بحيث يضرب بشجاعتها المثل وكانت نذرت أن تأتي مسجد الكوفة فتصلى فيه ركعتين بسورة البقرة وآل عمران فخرجت غليه في سبعين رجلاً ووفت نذرها فقال الناس ( وفت الغزالة نذرها * يارب لا تغفر لها ) وقال الشاعر في الحجاج بن يوسف ( أسد على وفي الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصافر ) ( هلا كررت على غزالة في الوغى * بلى كان قلبك في جناحى طائر ) ونجا شبيب بنفسه في فوارس من أصحابه إلى الأهواز وبها محمد بن موسى ابن طلحة التيمي فخرج لقتاله فبارزه فقتله شبيب وسار إلى كرمان فتقوى ثم رجع إلى الأهواز فبعث إليه الحجاج سفين بن الأبرد الكلبي وحبيب بن

(1/83)


84 عبد الرحمن فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ثم ذهب شبيب وعبر على جسر نهر دجيل فقطع به فغرق وقيل بل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل فألقاه في الماء فقال بعض أصحابه أغراقاً يا أمير المؤمنين فقال ذلك تقرير العزيز العليم فألقاه دجيل ميتاً على ساحله فحمل على البريد إلى الحجاج فأمر بشق بطنه واستخرج قلبه فإذا هو كالحجر إذا ضرب به الأرض نبا عنها فشق فإذا قلب صغير كالكرة الصغيرة فشق أيضاً فوجد في داخله علقة دم وكانت شجاعته خارجة أكثر ما يكون في مائة نفس فيهزمون الألوف وفيها توفى أبو تميم الجيشاني وكان قرأ القرآن على معاذ وكان من عباد أهل مصر وعلمائهم سنة ثمان وسبعين فيها وثب الروم على ملكهم فنزعوه من الملك وقطعوا أنفه ونفوه إلى بعض الجزائر وفيها جرت حروب وملاحم بافريقية وولى فيها موسى بن نصير امرة المغرب كله وولى خراسان المهلب بن أبي صفرة وفيها توفى جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام الإنصاري السلمي وهو آخر من مات من أهل العقبة عن أربع وتسعين سنة وهو من أهل بيعة الرضوان وأهل السوابق والسبق في الإسلام وكان كثير العلم وأبوه عبد الله بن عمرو ابن حرام مناقبه عديدة وفيها على الأصح زيد بن خالد من مشاهير الصحابة مات بالكوفة وله خمس وثمانون سنة وعبد الرحمن بن غنم الأشعري بالشام وكان من رؤوس التابعين بعثه عمر بفقه الناس قال مسهر هو رأس التابعين

(1/84)


85 وفيها وقيل في سنة ثمانين أبو أمية شريح بن الحرث الكندي ولى قضاء الكوفة لعمر فمن بعده خمساً وسبعين سنة ولم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين امتنع فيها من القضاء وعاش على ما قال ابن قتيبة مائة وعشرين سنة واستعفى عن القضاء قبل موته بعام فأعفاه الحجاج وكان فيهاً نبيهاً شاعراً صاحب مزاح وكان له دربة في القضاء بالغة وهو أحد السادات الطلس وهم أربعة عبد الله بن الزبير وقيس بن سعد بن عبادة والأخنف بن قيس وشريح والأطلس الذي لا شعر بوجهه وحكى أن علياً دخل على شريح مع خصم له ذمى فقام له شريح فقال له على كرم الله وجهه هذا أول جورك فقال لو كان خصمك مسلماً لما قمت ويقال إنه قضى على علي وذلك أن ادعى على الذمى درعاً سقطت منه فقال للذمى ما تقول فقال مالى وبيدي فقال لعلى كرم الله وجهه ألك بينة أنها سقطت منك قال نعم فأحضر كلاً من الحسن وبعده قنبر فقال قبلت شهادة قنبر ورججت شهادة الحسن فقال على ثكلتك أمك أما بلغك أن النبي قال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال اللهم نعم غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده فقال لليهودي خذها فليس عندي غيرهما فقال اليهودي لكني أشهد أنها لك وان دينكم هو الحق قاضي المسلمين يحكم على أمير المؤمنين ويرضى أشهد أن لا غله إلى الله واشهد أن محمداُ رسول الله فدفع على الدرع له فرحاً بإسلامه وضرب شريح امرأة له تميمية ثم ندم فقال ( رأيت رجالاً يضربون نساءهم * فشلت يمينى حين أضرب زينباً ) ( فز ينب بدر والنساء كواكب * إذا طلعت لم تبق منهن كوكباً ) وذكر أن زياداً كتب إلى معاوية ضبطت لك العراق بشمالى و يمينى فارغة لطاعتك فولني الحجاز فبلغ ذلك عبد الله بن عمر وكان مقيماً بمكة فقال اللهم اشغل يمين زياد فأصابه الطاعون أو الا كلة في يمينه فجمع الأطباء فأشاروا بقطعها فاستشار شريحاً فقال اكره لك أن كانت لك مدة تعيش بلا يمين وإن كان قددنا أجلك

(1/85)


86 أن تلقى ربك مقطوع اليد فإذا قال لك لم قطعتها قلت بغضاً للقائك وفراراً من قضائك ومات نم يومه فلام الناس شريحاً حيث نصح له لبغضهم لزيادة فقال استشارني والمستشار مؤتمن وإلا لوددت أنه قطع يده يوماً ورجله يوماً وسائر جسده يوماً يوماً وتقدم إلى شريح رجلان في شتى فأقر أحدهما بما ادعى عليه ولم يعلم فقضى عليه شريح فقال اتقضى على بغير بينة فقال قد شهد عليك ثقة قال ومن ذلك قال ابن أخت خالتك وقال له آخر أين أنت أصلحك الله قال بينك وبين الحائط قال أتى رجل من أهل الشام قال مكان سحيق قال وتزوجت امرأة قال بالرفاء و البنين قال وولدت غلاماً قال ليهنك الفارس قال وشرطت لها داراً قال الشرط أملك قال اقض بيننا قال قد فعلت قال بم قال حدث امرأة حديثين فإن أبت فأربع وقال في الإشراف على مناقب الإشراف في ذكر المخضومين وذكر شريحاً منهم قال الفضل بن دكين بلغ شريحاً مائة وثمان سنين وتوفى سنة ست وسبعين وقال غيره من أهل العلم سنة ثمان وسبعين وكان ثقة ولى قضاء المصرين الكوفى والبصرة ومات بالكوفة رحمه الله انتهى وفيها قتل بسجستان أبو المقدم شريح بن هانىء المذحجى صاحب على وله مائة وعشرون سنة سنة تسع وسبعين فيها وقيل في التي قبلها رأس الخوارج قطري بن فجاءة التيمي عثر به فرسه فقتل وأتى الحجاج برأسه وكان الحجاج قد جهز إليه جيشاً بعد جيش وهو يهزمهم وممن قاتله سوادة أو سودة بن أبجر الدارمي وكان مجرباُ في الحروب ومن قوله يخاطب نفسه ( أقول لها وقد طارت شعاعا * من الأبطال ويحك ل اتراعى ) ( فإنك لو سألت بقاء يوم * على الأجل الذي لك لم تطاعى ) ( قصيراً في محال الموت صبرا * فما نيل الخلود بمستطاع )

(1/86)


87 ( سبيل الموت غاية كل حي * وداعية لأهل الأرض داعى ) قال ابن قتيبة هو من كنانة من بني حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو ابن تميم وكان يكنى أبا نعامة وخرج زمن مصعب بن الزبير فبقى عشرين سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة فوجه إليه الحجاج جيشاً بعد جيش وكان آخرهم سفيان بن الأبرد الكلبي فقتله وكان المتولى لذلك سودة بن أبجر بن الحرث الدارمي ولا عقب لقطري انتهى وفيها توفى عبد الله بن أبي بكرة وكان قد بعثه الحجاج أميراً على سجستان في العام الماضي وكان جواداً ممدحاً يعتق في كل يوم عيد مائة عبد وفيها مات عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي وفيها أصاب أهل الشام طاعون كادوا يفنون منشدته قال ابن جرير سنة ثمانين فيها بعث الحجاج على سجستان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي فلما استقر بها خلع الحجاج وخرج وكانت بينهما حروب يطول شرحها وفيها مات عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي وهو آخر من رأى النبي من بني هاشم وكان مولده بالحبشة ويقال لم يكن في المسلمين أجود منه وله فيه أخبار طويلة وفي الصحيح أن ابن الزبير قال له أتذكر إذا تلقينا رسول الله أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وترك وهذا من الأجوبة المسكتة لكن الذي في صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي مليكة قال قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير أتذكر إذا تلقينا رسول الله أنا وأنت وابن عباس فحملنا وتركك فلينظر ذلك وقال الإمام النووي في شرح مسلم وقد توهم القاضي أن القائل فحملنا وتركك ابن الزبير وجعله علطاً في رواية مسلم وليس كما قال بل صوابه ما ذكرناه أن القائل فحملنا وتركك هو ابن جعفر انتهى وقيل أن أجواد المسلمين عشرة منهم عبد الله بن جعفر وبعيد الله بن عباس

(1/87)


88 وطلحة الطلحات الخزاعي وفيها مات أبو إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله فقيه أهل الشام وقاصهم وقاضيهم سمع من أبي الدرداء وطبقته وقال ابن عبد البر سماع أبى إدريس عندنا عن معاذ صحيح وفيها مات أسلم مولى عمر رضي الله عنه اشتراه عمر في حياة أبي بكر رضي الله عنه وهو من سبى عين النمر وكان فقيها نبيلاً وفيها صلب عبد الملك معبد الجهني في القدر وقيل بل عذبه الحجاج بأنواع العذاب وقتله توفي ملك عرب الشام حسان بن النعمان بن المنذر الغساني غازياً بالروم وفيها وقيل قبلها جنادة بن أبي أمية الأزدي بالشام له ولأبيه صحبه وحديثه في الصحيحين عن الصحابة وقد ولى غزو البحر لمعاوية وفيها على الأصح أبو عبد الرحمن جبير بن نفير الحضرمي نزيل حمص وكان من جلة التابعين روى عن أبي بكر وعمر وفيها توفي عبد الرحمن بن عبد القارىء أتى به أبوه النبي وهو صغير وروى عن جماعة منهم عمر وهو مدني وفيها مات اليون عظيم الروم وفيها حاصر المهلب بن أبي صفرة كش ونسف سنة إحدى وثمانين فيها قام مع الأشعث عامة أهل البصرة من العلماء والبعاد فاجتمع له جيش عظيم ولقوا الحجاج يوم الأضحى فانكشف عسكر الحجاج وانهزم هو وتمت بينهما عدة وقعات حتى قيل كان بينهما أربع وثمانون وقعة في مائة يوم ثلاث وثمانون على الحجاج والآخرة له وفيها وقيل في التي بعدها توفى أبو القسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي

(1/88)


89 ابن الحنفية عن سبعين سنة إلا سنة وكلن جمع له بين الإسم والكنية ترخيصاً من النبي له قال لعلى سيولد لك غلام بعدي وقد نحلته اسمى وكنيتي ولا يحل لأحد من أمتي بعده وللعلماء في هذا تنازع وكان ابن الحنفية نهاية في العلم غاية في العبادة وتوقف عن حمل راية أبيه يوم الجمل وقال هذه مصيبة عمياء فقال له أبوه ثكلتك أمك أتكون عمياء وأبوك قائدها وروى نحو هذا في يوم صفين عنه وقيل له كيف دان أبوك يقحمك المالك دون أخويك فقال كانا عينيه وكنت يده فكان يتقى عن عينيه بيده وكان شديد القوة قيل استطال أبوه درعاً فقطعه من الموضع الذي علم له قيل ان ملك الروم وجه إلى معاوية رجلين أحدهما جسيم طويل والآخر قوى فقال عمرو بن العاص لمعاوية أما الطويل فعندنا كفؤه وهو قيس بن سعد بن عبادة ورأيك في الآخر فقال معاوية ههنا رجلان محمد ابن الخنيفة وعبد الله بن الزبير ومحمد هو اقرب الينا على كل حال فلما حضروا نزع قيس سروايله وروماها إلى العلج فبلغت ثندوته فاطرق العلج مغلوبا وقيل لاموا قيساً على خلع سروايله في المجلس فقال ( أردت لكيما يعلم القوم أنها * سراويل قيس والوفود شهود ) ( وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه * سروايل عادي نمته ثمود ) وقال محمد بن الحنفية قولوا للعلج أن شاء جلس وأقمته كرها بيدي أو يقعدني وإن شاء فليكن هو القائم وأنا القاعد فاختار الرومي عن أقامته فانصرفا مغلوبين وعند الكيسانية أن ابن الحنفية لم يمت وأنه المهدي الذي يخرج في آخر الزمان وفي ذلك يقول كثيرة عزة ( ألا أن الأئمة من قريش * ولاة الحق أربعة سواء ) ( على والثلاثة من بنيه * هم الأسباط بهم خفاء )

(1/89)


90 ( فبسط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء ) ( وسبط لا يذوق الموت حتى * يقول الخيل يقدمها اللواء ) ( نراه مخيماً بجبال رضوى * مقيم عنده عسل وماء ) ولما اتسق المر لابن الزبير دعا محمداً وابن عباس إلى بيعته فقالا حتى يجتمع الناس على بيعتك ثم أراد ابن عباس بع تمهل أن يبايعه فأبى ابن الزبير فرد لعيه ابن عباس قولاً شديداً يتضمن التنويه بعبد الملك والغض منه وذلك مذكور في صحيح البخاري وفيها سويد بن غفلة الجعفي بالكوفة وقدم المدينة وقد دفنوا النبي ر ومولده عام الفيل كما قيل وكان فقيها أماماً عباداً قانعاً كبير القدر وفيها حجت أم الدرداء الكبرى صاية الحميرية وكان لها نصيب وافر م العلم والعمل ولها حرمة زائدة بالشام وقد خطبها معاوية بعد أبى الدرداء فامتنعت وقتل مع ابن الأشعث ليلة دجيل أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي روى عن طائفة ولم يدرك السماع من والده وقتل معه ليلتئذ عبد الله بن شادا بن الهاد الليثي ابن خالد بن الوليد وكان فقيهاً كثير الحديث لقي كبار الحصباة وأدرك معاذ بن جبل سنة اثنتين وثمانين فيها استعرت الحرب بين الحجاج وابن الأشعث وبلغ جيش ابن الأشعث ثلاثة وثلاثين الف فارس ومائة وعشرين ألف راجل قاموا معه على الحجاج له تعالى وفيها توفى أبو عمر زاذان مولى كندة وقد شهد خطبة عمر بالجابية وكان من علماء الكوفة وفيها توفي المهلب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان صاحب الحروب

(1/90)


91 والفتوح أمير عبد الملك بن مروان على خراسان قال أبو إسحاق السبيعي لم أر أميراً أيمن نقيبة ولا أشجع لقاء ولا أبعد ما يكره ولا أقرب مما يحب من المهلب ومولده عام الفتح ولأبيه صحبة وأبو صفرة هو ظالم بن سراق من أزد العتيك أزددبا ودبا بين عمان والبصرة وقال عبد الله بن الزبير هو سيد العراق وخلف أولاداً نجباً كراماً قيل بلغ عددهم ثلثمائة ولد وحمى البصرة من الشراه بعد جلاء أهلها عنها إلا من كانت به قوة فهي تسمى بصرة المهلب قال ابن قتيبة ولم يكن يعاب إلا بالكذب وكان ولي خراسان فعمل عليها خمس سنين ومات بمرو الروز من نواحي هراة بينها وبين بلخ واستخلف ابنه يزيد ابن المهلب ويزيد ابن ثلاثين سنة فعزله عبد الملك بن مروان برأي الحجاج ومشورته وولي قتيبة بن مسلم انتهى وفيها توفي أبو مريم زر بن حبيش الأسدي القاري بالكوفة وله مائة وعشرون سنة وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية وفيها قتل الحجاج كميل بن زياد النخعي صاحب علي رضي الله عنه وكان شريفاً مطاعاً شيعياً متعبداً وفيها قتل الشعثاء سليم بن أسود المحاربي الكوفي بظاهر البصرة وقتل محمد بن سعد بن أبي وقاص لقيامه مع ابن الأشعث وفيها توفي جميل بن عبد الله بن معمر العذري المتيم صاحب بثينة وكان هويها في الصغر فلما كبر خطبها فصد عنها فتيم بها وكان منزلها وادي القرى وهي عذرية أيضاً وتكنى أم عبد الملك ولما أكثر الشعر فيها قيل له لو قرأ القرآن كان خير ل فقال حدثني أنس قال قال رسول الله من الشعر لحكمة وكان كثير عزة راوية جميل وجميل راوية هدبة وهدبة راوية الحطيئة والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى المزني وابنه كعب وكان آخر أمر جميل أن وفد على عبد العزيز بن مروان بمصر فأحسن جائزته ووعده في أمر

(1/91)


92 بثينة وسأله المقام عنده فأقام قليلاً ومات هناك قال عباس بن سهل دخلت عليه وهو يجود بنفسه فقال يا عباس ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط ولم يزن ولم يقتل النفس ولم يسرق يشهد أن لا إله إلا الله قلت أظنه قد نجا من النار وأرجو له الجنة فمن هو قال أنا قلت تشببت ببثينة منذ عشرين سنة وأنت سالم منها قال لا تنالي شفاعة محمد وإني في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة إن كنت وضعت يدي عليها لريبة ثم مات وكان أوصى رجلاً أن يأتي حي بثينة فيعلو شرفاً ويصيح بهذين البيتين ( صرخ النعي وما كني جميل * وثوى بمصر بغير قفول ) ( قومي بثينة فاندبي بعويل * وابكي خليلاً دون كل خليل ) قال خرجت كأنها بدر في دجنهتتثنى في مرطها فقالت يا هذا إن كنت صادقاً فلقد قتلتني وإن كنت كاذباً فلقد فضحتني فقلت والله إني صادق وأخرجت حلته فلما رأتها صاحت وصكت وجهها وغشي عليها ساعة واجتمع نساء الحي يبكين معها ومن قوله فيها ( وخبر تماني أن تيماء منزل * لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا ) ( فهذي شهور الروم عناقد انقضت * فما للنوى يرمي بلبلي المراميا ) في قصيدة وغلط بعضهم فجعلها لمجنون بني عامر وليس كذلك فإن تيماء من منازل بني عذرة واله أعلم سنة ثلاث وثمانين فيها قول الفلاس وهو الصحيح وقعة الجماجم بين الحجاج وابن الأشعث وكان شعارهم ياثارات الصلاة لأن الحجاج كان يميت الصلاة حتى يخرج وقتها فقتل مع ابن الأشعث أبو البختري الطائي مولاهم واسمه سعيد بن فيروز وكان من كبار فقهاء الكوفة روى عن ابن عباس وطبقته وغرق مع ابن الأشعث بدجيل عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الفقيه الكوفي المقري قال ابن سير رأيت أصحابه يعظمونه كالأمير أخذ عن عثمان وعلي ورأى عمر يمسح على الخفين

(1/92)


93 وفيها توفي ابن الجوزاء الربعي البصري واسمه أوس بن عبد الله روى عن عائة وجماعة وفيها توفي قاضي مصر عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني روى عن أبي ذر وغيره وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه في السنة ألف دينار فلا يدخرها سنة أربع وثمانين فيها افتتح موسى بن نصير أوربة من المغرب وبلغ عدد السبي خمسين ألفاً وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية وهي جدته لكن قال في القاموس القرية كجرية الحوصلة ولقب جماعة بنت جشم أم أيوب بن يزيد الفصيح المعروف الهلالي انتهى وكان أمياً نصيحاً وارتفع شأنه بالفصاحة والخطابة قدم على الحجاج فأعجبه وأوفده على عبد الملك ولما قام ابن الأشعث بعثه الحجاج إليه فقال إنما أنا رسول قال هو ما أقول لك ففعل ذلك وأقام عنده فلما هزم ابن الأشعث كتب الحجاج إلى عماله أن لا يجدوا أحداً من أصحاب ابن الأشعث إلا أرسلوه إليه أسراً فكان فيمن أرسلوا ابن القرية فسأله الحجاج عن البلدان والقبائل فقال أهل العراق أعلم الناس بحق وباطل وأهل الحجاز أسرع الناس إلى فتنة وأهجزهم فيها وأهل الشام أطوع الناس لخلفائهم وأهل مصر عبيد من خلب أي خدع وأهل البحرين نبط استعربوا وأهل عمان عرب استنبطوا وأهل الموصل أشجع أشجع الفرسان وأهل اليمن أهل أهواء وصبر عند اللقاء وأهل اليمامة أهل جفاء واختلاف وريف كثير وقرى يسير وأما القبائل فقال قريش أعظم أحلاما وأكرمها مقاما وبنو عامر بن صعصعة أطولها رماحاً وأكرمها صباحاً وثقيف أكرمها جوداً وأكثرها وفوداً وبنو زيد ألزمها للرايات وأدركها للثارات وقضاعة أعظمها أخطاراً وأكرمها نجاراً وأبعدها أثاراً والأنصار أثبتها مقاماً وأحسنها إسلاماً

(1/93)


94 وأكرمها أياما وتميم أظهرها جلداً وأكثرها عدداً وبكر بن وائل أثبتها صفوفاً وأحدها سيوفاً وعبد القيس أسبقها إلى الغايات وأصبرها تحت الرايات وبنو أسد أهل تجلد وجلد وعسر ونكد ولخم ملوك وفيهم نوك أي حمق وعك ليوث جاهدة في قلوب فاسدة وغسان أكرم العرب أحساباً وأثبتها أنساباً وأمنع العرب في الجاهلية أن تضام قريش في بلدة حمى الله دارها ومنع جارها وسأله عن مآثر العرب فقال كانت العرب تقول حمير أرباب الملك كندة ألباب الملوك ومذحج أهل الطعان وهمدان أحلاس الخيل والأزد أساس الناس وسأله عن الأراضي فقال الهند بحرها دروجيلها ياقوت وشجرها عود وورقها عطر وأهلها طغام وخراسان ماؤها حامد وغذاؤها جاحد وعمان بلد سديد وصيدها عبيد والبحرين كناسة بين المصراعين واليمن أصل العرب وأهل البيوت والحسب ومكة رجالها علماء جفاة ونساؤها كساة عراة والمدينة رسخ العلم فيها وظهر منها والبصرة شتاؤها جليد وحرها شديد وماؤها ملح وحربها صلح والكوفة ارتفعت عن حر البحر وسفلت عن برد الشام وطاب ليلها وكثر خيرها وواسط جنة بين حماة وكنية وما حملتها وكنتها قال البصرة والكوفة يحسدانها ودجلة والفرات يتجاذبان بإفاضة الخير عليها والشام عروس بين نسوة وجلوس وسأله عن الآفات فقال آفة الحلم الغضب وآفة العقل العجب وآفة العلم النسيان وآفة السخاء المن وآفة الكرم مجاورة اللئام وآفة الشجاعة البغي وآفة العبادة الفترة وآفة الزهد حديث النفس وآفة الحديث الكذب وآفة المال سوء التدبير وآفة الكامل من الرجال العدم قال فما آفة الحجاج بن يوسف قال لا آفة لمن كرم حسبه وطاب نسبه وزكا فرعه فقال أظهرت نفاقاً ثم قال اضربوا عنقه فلما رآه قتيلاً ندم وفيها ظفر أصحاب الحجاج بابن الأشعث فقتلوه بسجستان وطيف برأسه في البلدان واسم ابن الأشعث عبد الرحمن بن محمد وفيها توفي عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي

(1/94)


95 وكان حنكه النبي عند ولادته ومات بعمان هارباً من الحجاج وهو ابن أخت معاوية وعتبة بن المنذر السلمي بالشام له صحبة وحديثان وعمران بن حطان السدوسي البصري أحد رِس الخوارج وشاعرهم البليغ وروح الحرامي وهو روح بن زنباع سيد حرام وأمير فلسطين كان ذا عقل ورأي وكان معظماً عند عبد الملك لا يكاد يفارقه وهو عنده بمنزلة وزيراً وكان صاحب علم ودين سنة خمس وثمانين فيها غزا محمد بن مروان بن الحكم أرمينية فأقام سنة وأمر ببناء أردبيل وبرذعة وفيها كانت وقعة بين المسلمين والروم بطوانة أصيب فيها المسلمون واستشهد نحو الألف وفيها توفي عبد العزيز بن مروان أبو عمر ولي مصر عشرين سنة وكان ولي العهد بعد عبد الملك عقد لهما أبوهما كذلك فلما مات عقد عبد الملك من بعده لولده وبعث إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له الناس فامتنع سعيد بن المسيب وصمم فضربه هشام ستين سوطاً وطيف به وروى عبد العزيز عن أبي هريرة وغيره وتوفي واثلة بن الأسقع الليثي أحد فقراء الصفة وله ثمان وتسعون سنة وكان شجاعاً ممدحاً فاضلاً شهد غزوة تبوك وعمروبن حريث المخزومي له صحبة ورواية ومولده قبل الهجرة وعمرو بن سلمة الجرمي البصري الذي صلى بقومه في عهد النبي صغره ويقال له صحبة وأسير بن جابر بالعراق وله أربع وثمانون سنة

(1/95)


96 وعمرو بن سلمة الهمذاني سمع عليا وابن مسعود ولم يخرجوا له في الكتب الستة شيئاً وهو مقل وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حليف آل عمر بن الخطاب روى عن النبي ليس بمتصل خرجه أبو داود وله رواية عن الصحابة رضي الله عنهم وفيها مات خالد بن يزيد بن معاوية الأموي كان له معرفة بالطب والكيمياء وفنون من العلم وله رسائل حسنة أخذ الصنعة عن راهب رومي ومن قوله في زوجته رملة بنت الزبير ( تجول خلاخيل النساء ولا أرى * لرملة خلخالاً يجول ولا قلبا ) ( أحب بني العوام من أجل حبها * ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا ) جرى بينه وبين عبد الملك شيء فقال له عبد الملك ما أنت في العير ولا في النفير فقال خالد ويحك من العير والنفير غيري وجدي أبو سفيان صاحب العير وجدي عتبة صاحب النفير ولكن لو قت غنيمات الطائف يرحم الله عثمان لصدقت وأشار بذلك إلى جده الحكم نفاه النبي الطائف فرده عثمان سنة ست وثمانين فيها ولي قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وافتتح بلاد صاغان من الترك صلحا وافتتح مسلمة بن عبد الملك حصنين من بلاد الروم وفيها توفي أبو أمامة الباهلي الصحابي رضي الله عنه واسمه صدى بن عجلان نزيل حمص وقد قال كنت يوم حجة الوداع ابن ثلاثين سنة فيكون عمره مائة وست سنين وفيها وقيل سنة ثمان توفي عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي وهو آخر الصحابة موتاً بالكوفة وآخر من مات من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم بنص القرآن ولا يدخل أحد منهم النار بنص السنة

(1/96)


97 وفيها على الصحيح توفي عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي آخر الصحابة موتاً بمصر وقميصه بن ذؤيب الخزاعي المدني الفقيه بدمشق روى عن أبي بكر وعمر قال مكحول ما رأيت أعلم منه وقال الزهري كان من علماء الأمة وفي شوال توفي عبد الملك بن مروان الخليفة أبو الوليد وله ستون سنة ولايته المجمع عليها بعد ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأشهر وكان أبيض طويلاً كبير العينين مشرف الأنف رقيق الوجه ليس بالبادن عده أبو زياد في الفقه في طبقة ابن المسيب وقال نافع لقد رأيت أهل المدينة وما بها شاب أشد تشميراً ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك وولي بعده ابنه الوليد المشهور أن عبد الملك رأى كأنه بال في زوايا المسجد الأربع أو في المحراب أربع مرات فوجه إلى سعيد بن المسيب من يسأله فقال من ولده لصلبه أربعة تلي فكان كما قال ولي الوليد وسليمان وهشام ويزيد سنة سبع وثمانين فيها استعمل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى أن عزله سنة ثلاث وتسعين بأبي بكر بن حزم وفيها ابتدئ بناء جامع دمشق ودام العمل في بنائه وزخرفته بالجد والاجتهاد أكثر من عشرين سنة وكان فيه اثنا عشر ألف صانع وهو أحد عجائب الدنيا لتركيبه على الفلك وفيها كانت ملحمة هائلة بناحية بخارى بين قتيبة والكفار ونصر الله الإسلام وفيها فتحت سردانية من المغرب وفيها توفي بحمص صاحب رسول الله بن عبيد السلمي وله أربع

(1/97)


98 وتسعون سنة والمقدام بن معد يكرب الكندي الصحابي وهو ابن إحدى وتسعين سنة ومات بحمص أيضاً سنة ثمان وثمانين فيها زحفت الترك وأهل فرغانة والصغد وعليهم ابن أخت ملك الصين في مائتي ألف فالتقاهم مسلمة وقيل قتيبة بن مسلم فكسرهم وهزمهم ولله الحمد وافتتح مسلمة جرثومة وطوانة وفيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص وهو آخر من مات من الصحابة بحمص بل في الشام وأطلق الذهبي أنه آخر الصحابة موتاً وكلامه ينتقض بسهل بن سعد في سنة إحدى وتسعين وأنس بن مالك في نة ثلاث وتسعين على الأصح وأبي الطفيل فإن المشهور أنه آخر الصحابة موتاً وموته في سنة مائة لكن قيل إن ابن بسر مات سنة تسع وتسعين فعلى هذا يتجه أن يقال هو آخرهم موتاً سنة تسع وثمانين فيها جهز موسى بن نصير ولده عبد الله فافتتح جزيرتي ميروقة ومنورقة وجهز ولده الآخر مروان فغزا السوس الأقصى وبلغ السبي أربعين ألفاً وغزا مسلمة عمورية فالتقى الروم وهزمهم وفيها توفي على الصحيح عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري المدني مسح النبي ودعا له فوعى ذلك سمع من ابن عمر سنة تسعين فيها غزا قتيبة وردان خذاه الغزوة الثانية فاستصرخ عليه بالترك فالتقاهم قتيبة وكسرهم وفيها غزا مسلمة سورية وافتتح الحصون الخمسة

(1/98)


99 وفيها غدر ملك الطائفان واستعان بترك طرحان على قتيبة بن مسلم بأهل الطالقان فقتل منهمصبراً مقتلة لم يسمع بمثلها وصلب منهم سماطين كل سماط أربعة فراسخ في نظام واحد وفيها ولى إمرة مصر قرة بن شريكوكان جباراً ظالماً وتوفي أبو طيبان حصي أو حصين بن جند الجهني الكوفي والد قابوس وفيها علي الأصح خالد بن يزيد بن معاوية وتقدم ذكره وعبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري المدني الفقيه ومفتي مصر أبو الخير يزيد بن عبد الله اليزني تفقه بعقبة بن عامر سنة إحدى وتسعين فيها عزل الوليد عمه محمداً عن الجزيرة وأذربيجان وأرمينية وولى عليها أخاه مسلمة فغزا مسلمة في هذا العام إلى أن بلغ الباب الحديد وافتتح حصوناً ودائن وافتتح فيها قتيبة عدة مدائن بما وراء النهر وأرطأ الكفار ذلاً وخوفاً وحمل إليه طرخون القطيعة وفيها وقيل في سنة ثمان وثمانين توفي السائب بن يزيد الكندي ابن أخت النمر ال حج بي أبي مع النبي الوداع وأنا ابن سبع سنين ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه وفيها مات أبو العباس سهل بن سعد الساعدي الأنصاري وقد قارب المائة وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة اثنتين وتسعين فيها افتتح إقليم الأندلس علي يد طارق مولى موسى بن نصير وتمم موسى فتحه في سنة ثلاث وفيها توفي ملك بن أوس بن الحدثان النضري المدني وكان أدرك الجاهلية

(1/99)


100 ورأى أبا بكر وفيها قتل الحجاج إبراهيم بن يزيد التيمي الكوفي العابد المشهور ولم يبلغ أربعين سنة روى عن عمرو بن ميمون الاودي وجماعة وطويس المغني مولى أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان وكان اسمه طاووساً فلما تخنث سمي طويساً وكان مجوداً في المغنى وإيا عنى الشاعر فيمدح معبد ( تغنى طويس والشريحي بعده * وما قصبات السبق إلا لمعبد ) وضرب المثل بشؤمه وقيل لأنه ولد يوم مات النبي يوم مات الصديق وختن يوم مقتل عمر وقد بلغ الحلم في ذلك اليوم وتزوج يوم قتل عثمان وقيل يوم مات الحسن بن علي رضي الله عنهم وهذا من عجائب الاتفاقات وكان مفرطاً في طوله مضطرباً في خلقه أحول العين انتقل عن المدينة إلى السويداء على مرحلتين منها في طريق الشام وتوفي هناك سنة ثلاث وتسعين فيها افتتح قتيبة بن مسلم عدة فتوح وهزم الترك ونازل سمرقند في جيش عظيم ونصب المجانيق عليها فجاءت نجدة الترك فاكمن لهم كميناً فالتقوا في نصف الليل فاقتتلوا قتالاً عظيماً ولم يفلت من الترك إلا اليسير وافتتحها صلحاً وبنى بها الجامع والمنبر وقيل صالحهم على مائة ألف فارس وعلى بيوت النار وعلى حلية الأصنام فسلبت ثم وضعت الأصنام بين يديه فكانت كالقصر لالعظيم فأحرقها ثم جمعوا ما بثي منها من مسامير الذهب والفضة فكانت خمسين ألف مثقال واستعمل على البلد ابنه عبد الله ورد إلى مرو وفيها كانت الفتوح بأرض المغرب والأندلس وبأرض الروم وبأرض الهند ولم يفتح المسلمون منذ خلافة عثمان مثل هذه الفتوح التي جرت بعد التسعين شرقاً وغرباً فلله الحمد والمنة وفيها توفي من سادات الصحابة خادم رسول اله أبو حمزة أنس بن

(1/100)


101 مالك الأناري النجاري وقيل توفي سنة تسعين أو إحدى أو اثنتين وتسعين قدم النبي وله عشر سنين فخدمه ودعا له بكثرة المال والولد والبركة فيهما وفيما أوتي فدفن لصلبه إلى مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرين وكان نخله يثمر في العام مرتين وبلال بن أبي الدرداء روى عن أبيه وولى إمرة دمشق وأبو الشعثاء جابر بن زيد الذي قال فيه ابن عباس لو أن أهل البصرة نزلوا على قول أبي الشعثاء لأوسعهم علماً عما في كتاب الله عز وجل وأبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي المخزومي الشاعر المشهور قيل لم يكن في قريش أشعر منه وهو كثير المجون والتغزل بالثريا ابنة علي بن عبد الله بن الحرث بن أمية بن عبد شمس الأموية التي جدتها قتيلةبالتصغير ابنة النضر بن الحارث المنشدة في قتيل أبيها يو بدر الأبيات وقال النبي سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته واستدل بهذا القول الصحيح أن النبي له أن يجتهد في الأحكام وكانت الثريا موصوفة بارعة الجمال وتزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ونقلها إلى مصر وفيهما يقول عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ( أيها المنكح الثريا سهيلاً * عمرك الله كيف يلتقيان ) ( هي شامي إذا ما استقلت * وسهيل إذا استقل يماني ) وهو القائل ( إن من أكب الكبائر عندي * قتل بيضاء خودة عطبول ) ( كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول ) ولد عمر في ليلة قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الجة سنة ثلاث وعشرين وكان الحسن البصري يقول فيها أي حين رفع وأي باطل وضع يعني مقتل عمر ووضع عمر وكان جده أبو ربيعة يلقب بذي الرمحين وأبوه عبد الله أخو أبي جهل بن هشام لأمه توفي في سفينة

(1/101)


102 غرقاً وعمره سبعون سنة أو ثمانون وفيها على الصحيح وقيل سنة تسعين توفي أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي مولاهم البصري المقرئ المفسر دخل على أبي بكر وقرأ القرآن على أبي وكان ابن عباس يرفعه على السرير وقريش أسفل وقال أو بكر بن أبي داود ليس بعد الصحابة أحد أعلم بالقرآن من أبي العالية وبعده سعيد بن جبير وقال ابن قتيبة حج أبو العالية ستين حجة وقال الأصمعي كان أبو العالية ومكحول جميلين يعني مكحول الأزدي وكان مزاحاً قال مسلم بن إبراهيم سألت أبا العالية عن قتل الذر فجمع منهن شيئاً كثيراً وقال مساكين ما أكيسهن ثم قتلهن وضحك وفيها توفي السيد الجليل زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب قاضي البصرة قرئ في صلاة الصبح ( ^ فإذا نقر بالناقور فذلك يومئذٍ يوم عسير ) فخر ميتاً وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني ولد في عهد النبي عن الصحابة وولى قضاء المدينة وعن الأعرج قال ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه سنة أربع وتسعين فيها غزا قتيبة بن مسلم فرغانة فافتتحها بعد قتال عظيم وبعث جيشاً ففتحوا الشاش وفيها افتتح مسلمة سدرة من أرض الروم وتوفي الإمام السيد الجليل أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي المدني أحد أعلام الدنيا سيد التابعين وقال ابن عمر لو رأى رسول الله لسره وقال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم ما رأينا أعلم من ابن المسيب قال علي بن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه وهو عندي أجل التابعين وقال أحمد العجلي كان لا يأخذ العطاء وله أربعمائة دينار يتجر بها في الزيت وقال مسعر عن سعد ابن إبراهيم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله أبو بكر ولا عمر مني سمع من الصحابة وجل روايته عن أبي

(1/102)


103 هريرة وكان تزوج ابنته قال قتادة ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد إلا وجدت له عليه فضلاً غير أنه كان إذا أشكل عليه شيء إلى ابن المسيب يسأله وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما مات العبادلة عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي فقيه مكة عطاء وفقيه اليمن طاووس وفقيه اليمامة يحي بن أبي كثير وفقيه البصرة الحسن البصري وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي وفقيه الشام مكحول وفقه خراسان عطاء الخراساني إلا بالمدينة فإن الله تعالى حرسها بقرشي فقيه غير مدافع سعيد بن المسيب وهو من فقهاء المدينة جمع بين الحديث والتفسير والفقه والورع والعبادة وعنه قال حججت أربعين حجة وما فاتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة وعطل المسجد النبوي أيام الحرة ولم يبق فيه غيره وكان لا يعرف أوقات الصلاة إلا بهمهمة يسمعها داخل الحجرة المقدسة وخطب ابنته بعض ملوك بني أمية فزوجها فقيراً من الطلبة وسيرها إلى بيته ثم زارها بعد ذلك ووصلها بشيء من عنده وكانت ابنة أبي هريرة تحته وكان جابر بن الأسود على المدينة دعاه إلى بيعة ابن الزبير فأبى فضربه ستين سوطاً وضربه أيضاً هشام بن إسماعيل ستين ستين سوطا وطاف في المدينة في تبان من شعر وذلك انه دعاه إلى البيعة لسليمان والوليد بالعهد فلم يفعل وكان مولده لسنتين مضتا من خلافة عمر ووفاته بالمدينة وولد لسعيد محمد وكان نسابة فنفى قوماً من المخزومين فرفع ذلك إلى الوالي فجلده الحدي وكان لسعيد غيره من الولد وبرد مولاه قال له يا برد إياك أن تكذب على كما يكذب عكرمة على ابن عباس وقال كل حديث حدثكموه برد ليس مع غيره ما تنكرونه فهو كذب وبالجملة فمناقبه وما آثره تفوت الحصر وقد صنف فيها وفيها أيضاً توفى أحد فقهاء المدينة السبعة أبو محمد عروة ابن الزبير بن العوام الأسدي المدني الفقيه الحافظ

(1/103)


جمع العلم والسيادة
104 والعبادة ولد في سنة تسع وعشرين وحفظ عن والده وكان يصوم الدهر ومات صائماً واشتهر أنه قطعت رجله وهو في الصلاة لاكلة وقعت فيها ولم يتحرك حتى لم يشعر الوليد بن عبد الملك بذلك وهو عنده حتى كويت فوجد رائحة الكي قال الزهري رأيته بحراً لا تكدره الدلاء ودخل على عبد الملك بعد قتل أخيه وسأله سيف الزبير فأخرجوا له السيوف فأخذ منها سيفاً مفللا فعرفه وبئره أعذب بئر في المدينة اليوم توفي في قرية له دون الفرع بضم الفاء وتسكين الراء من ناحية الربذة على أربع ليال من المدينة ذات نخل ومياه وهو شقيق عبد الله أمهما أسماء بنت أبي بكر بخلاف مصعب فإن أمه أخرى وكان بعد الملك بن مروان يقول من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير وسبب ذلك أنهم اجتمعوا في المسجد الحرام وتمنوا وكان منية عروة الزهد في الدنيا والفوز بالجنة فلما نال كل امرىء منهم أمنيته كان في ذلك دليل على نيل أمنية عروة وقد نظم بعض الفضلاء فقهاء المدينة السبع فقال ( ألا كل من لا يقتدي بائمة * فقسمته ضيزي عن الحق خارجه ) ( خذهم عبيد الله عروة قاسم * سعيد سليمان أبو بكر خارجة ) وفيها مات أيضاً أحد الفقهاء السبعة أبوب كر بن عبد الرحمن بن الحرث ابن هشام بن المغيرة المخزومي الملقب براهب قريش لعبادته وفضله استصغر يوم الجمل فرد هو وعروة وكان مكفوفاً وأبوه الحرث من الصحابة وهو أخو أبي جهل لأمه وهذه السنة تسمى سنة الفقهاء السبعة لأنهم كانوا بالمدينة فيعصر واحد ينشر عنهم العلم والفتيا وكان في عصرهم جماعة من فقهاء التابعين مثل سالم بن عبد الله بن عمر وغيره فلم يكن لهم مثل مالهم وفيها زين العابدين على بن الحسين الهاشمي وولد سنة ثمان وثلاثين بالكوفة أو سنة سبع سمى زين العابدين لفرط عبادته وكان ورده في

(1/104)


105 اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات وكان يوم استشهد والده مريضاً فلم يتعرضوا له وكان عبد الملك يحترمه ويجله وأمه سلامة وقيل غزالة بنت يزد جرد ملك فارس سميت ثالثة ثلاث من بناته في خلافة عمر أمر بيعهن فأشار علي بتقويمهن ويأخذهن من اختارهن فأخذهن علي فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق فولدت سالماً وزين العابدين والقسم بن محمد فهم بنو خالة وكان أهل المدينة يكرهون السراري ومن بر زين العابدين لأمه أنه كان لا يأكل معها في صحفة ويقول أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينيها إليه ومن وقله أن لله عباداً عبدوه رهبة فتلك عبادة العبيد وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وآخرين عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار وتكلم فيه رجل وافترى عليه فقال له إن كنت كما قلت فأستغفر الله وإن لم أكن كما قلت فالله يغفر لك فقبل رأسه وقال جعلت فداك لست كما قلت فاغفر قال غفر الله لك فقال له الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته وقصته مع هشام والفرزدق إن شاء الله تعالى قال الزهري ما رأيت أحداً أفقه من زين العابدين لكنه قليل الحديث وقال أبو حازم الأعرج ما رأيت هاشمياً أفضل منه وعن سعيد بن المسيب قال ما رأيت أورع منه وقال مالك بلغني أن علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات وكان يسمى زين العابدين لعبادته وفيها وقيل سنة أربع ومائة أبو سلمة بن عبد الرحمن ب عوف الزهري المدني أحد الأئمة الكبار وقال الزهري أربعة وجدتهم بحوراً عروة وابن المسيب وأبو سلمة وعبيد الله

(1/105)


106 وفيها تميم بن طرفة الطائي الكوفي ثقة له عدة أحاديث سنة خمس وتسعين فيها أراح الله العباد والبلاد بموت الحجاج بن يوسف الثقفي الطائفي في ليلة مباركة على الأمة ليلة سبع وعشرين من رمضان وله ثلاث وقي لأربع أو خمس وخمسون سنة أو دونها وكان شجاعاً مقداماً مهيباً متفوهاً فصيحاً سفاكاً ولى الحجاز سنين ثم العراق وخراسان عشرين سنة وأقره الوليد على عمله بعد أبيه وقيل لابن سيرين رأيت حمامة بيضاء حسنة على سرادقات المسجد فجاء صقر فاختطفها فقال ابن سيرين إن صدقت رؤياك تزوج الحجاج ابنة جعفر الطيار فلما تزوجها قيل لابن سيرين من أين أخذت ذلك فقال الحمامة امرأة وبياضها حسنها والسرادقات شرفها فلم أر بالمدينة أنقى حسناً ولا اشرف من ابنة جعفر ولا صقر سلطان غشوم فلم أر أغشم من الحجاج وقال ابن قتيبية في المعار يكنى الحجاج أبا محمد وكان أخفض دقيق الصوت وأول ولاية وليها تبالة فلما رأها احتقرها وانصرف فقيل في المثل أحقر من تبالة على الحجاج وولى شرط أبان بن مروان في بعض ولايات أبان فلما خرج ابن الزبير وقوتل زمانا قال الحجاج لعبد الملك أني رأيت في المنام كأني أسلخ عبد الله بن الزبير فوجهني غليه فوجهه في ألف رجل وأمره أن ينزل الطائف حتى يأتيه أمره ففعل ثم كتب غليه بقتاله وأمده فحاصره حتى قتله ثم أخرجه فصلبه وذلك في سنة ثلاث وسبعون فولاه عبد المك الحجاز ثلاث سنين فكان يصلي بالموسم كل سنة ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فوليها عشرين سنة وأصلحها وذلل أهلها وحدثني أبو اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي عذبة الحضرمي قال قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رابع أربعة من أهل الشام ونحن حجاج فبينا نحن عنده إذ أتاه خبر من العراق بأنهم قد حصبوا أمامهم فخرج إلى الصلاة ثم قال من ههنا من أهل الشام فقمت أنا و أصحابي فقال يا أهل الشام تجهزوا لأهل

(1/106)


107 العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وقرج ثم قال اللهم قد لبسوا على فلبس عليهم الله معجل لهم بالغلام الثقفي الذي يحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم انتهى وأم الحجاج الفارغة بنت همام بن عروة بنم سعود الثقفي ولدت الحجاج مشوهاً لا دبر له فنقب عند جبره وأبى أن يقبل هدي أمه وغيرها فيقال أن الشيطان تصور لهم في صورة الحرث بن كلدة وكان تزوج الفارعة قبل أبي الحجاج وكان حكيم العرب فقال له ما لقوه دم جدي يومين واليوم الثالث العقوه دم تيس أسود ثم دم ثعبان سالخ أيود والوا به وجهه وأخبرهم أنه يقبل الهدي في اليوم الرابع فلذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء ويخبز أنه أكبر لذاته وله مقحمات عظائم وأخبار مهولة وكان معلماً قال ابن قتيبة كان يعلم بالطائف واسمه كليب وأبوه أيضاً يوسف كان معلماً وقال ملك ابن أبي يزيد في الحجاج ( فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده * إذا نحن جاوزنا حفير زياد ) ( فلولا بنو مروان كان ابن يوسف * كما كان عبداً من عبيد أياد ) ( زمان هو العبد المقر بذله * يراوح غلمان القرى ويغادى ) وقال آخر ( أينسى كليب زمان الهزال * وتعليمه سورة الكوثر ) ( رغيف له فلكه ما يرى * وآخر كالقمر الأزهر ) يريد أن خبز المعلمين مختلف ولما حضرته الوفاة قالا للمنجم هل ترى ملكا يموت قال بلى ولست به رأى ملكا يموت يسمى كليباً قال أنا والله كليب كانت أمي سمتنى انتهى وتمثل حينئذ بقول عبيد بن سفيان العكلي ( يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا * أيمانهم انني من ساكني النار ) أحلفون على عمياء ويحهم * ما علمهم بعظيم العفو غفار ) وكان موته بالأكلة في بطنه سوغه الطبيب لحماً في خيط فخرج مملوءاً دوداً

(1/107)


108 وسلط أيضاً عليه بالرد فكان يوقد النار تحته وتأجج حتى تحرق ثيابه وهو لا يحس بها فشكا غلى الحسن البصري فقال ألم أكن نهيتك أن تتعرض للصالحين فلما أخبر الحسن بموته سجد شكراً وقال اللهم كما أمته فأمت سنته وكان قد رأى أن عينيه قلعتا وكان تحته هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة فطلقها ليتناول رؤياه بهما فمات ابنه محمد وجاءه نعي أخيه محمد من اليمن فقال هذا والله تأويل رؤياي محمد ومحمد في يوم واحد أنا الله وأنا إليه راجعون ثم قال من يقول شعراً فيسليني فقال الفرزدق ( أن الرزية لا رزية بعدها * فقدان مثل محمد محمد ) ( ملكان قد خلت المناس منها * أذ الحمام عليهما بالمرصد ) قبل قتل مائة ألف وعشرين ألفاً ووجد فيسجونه بعد موته ثلاثة وثلاثون ألفاً ووجد في سجونه بعد موته ثلاثة وثلاثون ألفاً لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب ويقال إن زياد ابن أبيه أراد يتشبه بعمر في ضبطه وسياسته فتجاوز الحد ولم يصب وأاد الحجاج أن يتشبه بزياد فدمر وأهلك وفي شعبان من السنة المذكورة قتل الحجاج قاتله الله سعيد بن جبير الوالي مولاهم الكوفي المقرئ المفسر الفقيه المحدث أحد الأعلام وله نحو من خمسين سنة أكثر من روايته عن ابن عباس وحدث في حياته بأذنه وكان لا يكتب الفتاوي مع ابن عباس فلما عمي ابن عباس كتب وروى أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت الحرام وكان يؤم الناس في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وأخرى بقراءة غيرهما وهكذا أبدأ وقيل كان أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن جبير وبالحج عطاء وبالحلال والحرام طاووس وبالتفسير مجاهد وأجمعهم لذلك سعيد بن جبير وقتله الحجاج وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه وقال الحسن يوم قتله اللهم أعن على فاسق ثقيف والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لكبهم الله في النار قال أبو اليقظان هو أي سعيد

(1/108)


109 مولى لبني والبة من بني أسد ويكنى أبا عبد الله وكان أسود وكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود ثم كتب لأبي بردة وهو على القضاء وبيت المال وكان سعيد مع عبد الرحمن بن محمد نب الأشعث بن قيس لما خرج على عبد الملك بن مروان فلما قتل عبد الرحمن وانهزم أصحابه من دير الجماجم هرب فلحق بمكة وكان واليها يومئذٍ خالد بن عبيد الله القسري فأخذه وبعث به إلى الحجاج مع إسماعيل ابن أوسط البجلي فقال له الحجاج يا شقي بن كسير أما قدمت الكوفة وليس يؤم بها الأعرابي فجعلتك إماماً فقال بلى قال أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا لا يصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت أبا بردة وكان ابن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك قال بلى قال أما جعلتك من سماري وكلهم رؤوس العرب قال بلى قال أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها قال بلى قال فما أخرجك علي قال بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث فغضب الحجاج ثم قال أما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك في عنقك من قبل والله لأقتلنك وقال أبو بكر الهذلي لما دخل سعيد بن جبير على الحجاج قام بين يديه فقال له أعوذ منك بما استعاذت به مريم بنت عمران حيث قالت أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا فقال له الحجاج ما اسمك قال سعيد بن جبير قال شقي بن كسير قال أمي أعلم باسمي قال شقيت وشقيت أمك قال الغيب يعلمه غيرك قال لأوردنك حياض الموت قال أصابت إذا أمي قال فما تقول في محمد نبي ختم الله تعالى به الرسل وصدق به الوحي وأنقذ به من الهلكة إمام هدى ونبي رحمة قال فما تقول في الخلفاء قال لست عليهم بوكيل إنما استحفظت أمر ديني قال فأيهم أحب إليك قال أحسنهم خلقاً وأرضاهم لخالقه وأشدهم فرقاً قال فما تقول في علي وعثمان أفي الجنة هما أو في النار قال لو دخلتهما فرأيت أهلهما إذاً لأخبرتك فما سؤالك عن أمر غيب عنك قال فما تقول في عبد الملك بن مروان وإن قال

(1/109)


مالك تسألني عن امرئ أنت واحدة من ذنوبه قال
110 فمالك لم تضحك قط قال ل أر ما يضحك كيف يضحك من خلق من تراب وإلى التراب يعود قال فإني أضحك من اللهو قال ليست القلوب سواء قال فهل رأيت من اللهو شيئاً ودعى بالناي والعود فلما نفخ بالناي بكى قال ما يبكيك قال ذكرني يوم ينفخ في الصور فأما هذا العود فمن نبات الأرض وعسى أن يكون قد قطع من غير حقه وأما هذا المغاش والأوتار فإنها سيبعثها الله معك يوم القيامة قال إني قاتلك قال إن الله عز وجل قد وقت لي وقتاً أنا بالغه فإن يكن أجلي قد حضر فهو أمر قد فرغ منه ولا محيص ساعة وإن تكن العافية فالله تعالى أولى بها قال اذهبوا به فاقتلوه قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له استحفظكها يا حجاج حتى ألقاك يوم القيامة فلما تولوا بهليقتلوه ضحك قال له الحجاج ما أضحكك قال عجبت من جرأتك على الله وحلم الله جل وعلا عنك ثم استقبل القبلة فقال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين قال افتلوه عن القبلة قال فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم قال اضربوا به الأرض به قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى قال اضربوا عنقه قال اللهم لا تحل دمي ولا تمهله من بعدي فلما قتله لم يزل دمه يجري حتى علا وفاض حتى دخل تحت سرير الحجاج فلما رأى ذلك هاله وأفزعه فبعث إلى صادوق المتطيب فسأله عن ذلك قال لأنك قتلته ولم يهله ففاض دمه ولم يجمد في جسده ولم يخلق الله عز وجل شيئاً أكثر دماً من الإنسان فلم يزل به ذلك الفزع حتى منع النوم وجعل يقول مالي ولك يا سعيد بن جبير وكان في جملة مرضه كلما نام رآه آخذاً بمجامع ثوبه يقول يا عدو الله فيم قتلتني فيستيقظ مذعوراً ويقول مالي ولابن جبير وقتل ابن جبير وله تسع وأربعون سنة وقبره بواسط يتبرك به وفيها توفي مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري البصري الفقيه العابد المجاب الدعوة روى عن علي وعمار

(1/110)


111 وحميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري سمع من خاله عثمان وهو صغير وكان عالماً فاضلاً مشهوراً والإمام الجليل فقيه العراق بالاتفاق أبو عمران إبراهيم بن يزيد النخعي أخذ عن مسروق والأسود وعلقمة ورأى عائشة وهو صغير والنخع من مذحج وقد عده ابن قتيبة في المعارف من الشيعة وقال عنه وكان مزاجاً قيل له إن سعيد بن جبير يقول كذا قال قل له يسلك وادي الترك وقيل لسعيد إنه يقول كذا قال قل له يقعد في ماء بارد ومات وهو ابن ست وأربعين سنة وقال ابن عون كنت في جنازة إبراهيم فما كان فيها إلا سبعة أنفس وصلى عليه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد وهو ابن خاله انتهى ملخصاً وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري سنة ست وسبعين فيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص كذا ورخه عبد الصمد بن سعيد وقد مر وفيها قلع الله تعالى قرة بن شريك القيسي أمير مصر وكان عسوفاً ظالماً قيل كان إذا انصرف الصناع من بناء جامع مصر دخله فدعا بالخمر والملاهي ويقول لنا الليل ولهم النهار قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الوليد بالشام وقرة بمصر والحجاج بالعراق وعثمان بن حيان بالحجاز امتلأت الأرض والله جوراً وفيها في جمادى الآخرة توفي الخليفة أبو العباس الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة وكان ذميماً سائل الأنف يتبختر في مشية وأدبه ناقص حتى قيل أنه قرأ في الخطبة يا ليتها كانت القاضية بضم تاء ليت ودخل عليه أعرابي فقال من ختنك قال المزين فقال إنما فقال إنما يريد أمير المؤمنين من ختنك قال نعم فلان لكنه كان مع جوه كثير التلاوة للقرآن يختم في ثلاث وفي رمضان سبع عشرة ختمة وطاب حاله في دنياه ورزق سعادة عظيمة مع جانب من الدين فبنى جامع دمشق

(1/111)


112 وافتتح الهند والترك والأندلس وتصدق كثيراً وروى أنه قال لولا ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أحد يفعله وفي أواخرها قتل قتيبة بن مسلم بخراسان وقد وليها عشرين سنة قال خليفة خلع سليمان بن عبد الملك فقتلوه وكان بطلاً شجاعاً هزم الكفار غير مرة وافتتح عدة مدن سنة سبع وتسعين فيها توفي سعيد بن مرجانة صاحب أبي هريرة رضي الله عنه وقاضي المدينة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري أحد الطلحات الموصوفين بالجود روى عن عثمان وغيره وفيها أو في سنة ثمان توفي قس بن أبي حازم الأحمسي البجلي الكوفي وقد جاوز المائة سمع أبا بكر وطائفة من البدريين وكان أحد علماء المدينة بالكوفة وفيها أوفى سنة ست محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي قال البخاري له صحبة وذكره مسلم وغيره في التابعين وله عدة أحاديث قال بعض المحدثين حكمها الإرسال وفيها حج بالناس خليفتهم سليمان بن عبد الملك بن مروان فتوفى معه بوادي القرى أبو عبد الرحمن موسى بن نصير الأعرج الأمير الذي افتتح الأندلس وأكثر المغرب ولم يهزم له جيش قط وكان من رجال العالم حزما ورأيا وهمة ونبلا وشجاعة وإقداما وكان والده نصير على جيوش معاوية وكان الوليد بن عبد الملك أرسل إلى عمه وعامله على مصر عبد الله بن مروان أن أرسل موسى ابن نصير إلى أفريقية ففعل فقدمه معه جماعة من الجند وخرج عليها خارجة من البربر فوجه إليهم ولده عبد الله فسبى منهم مالم يسمع بمثله بلغ الخمس ستين ألف رأس وفي بعضها مائة وستين ألفاً ووقع قحط شديد فخرج بالناس مستسقياً

(1/112)


113 بشروط الاستسقاء وخطب الناس فقال له قائل ألا تدعو لأمير المؤمنين الوليد فقال هذا مقام لا يذكر فيه غير الله فسقوا وانتهت فتوجه إلى السوس الأدنى ونزل بقية البربر بالطاعة وولى عليهم والياً وولى على طنجة وأعمالها مولا طارق ابن زياد البربري ومهد البلاد ولم يبق منازع من البربر ولا من الروم وترك خلقاً كثيراً من العرب يعلمون الناس القرآن وفرائض الإسلام ولما تقررت القواعد كتب إلى طارق بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس فركب البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء وصعد على جبل يعرف اليوم بجبل طارق ورأى النبي الأربعة رضي الله عنهم يبشرونه بالفتح وهم يمشون على الماء وأمره النبي بالوفاء بالعهد والرفق بالمسلمين فجاءه ملك طليطلة في سبعين ألفاً ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع فأمر طارق جيش المسلمين بالثبات والصبر والصدق والعدو أمامهم وكان النصر للمسلمين وافتتحوا إلى ساحل البحر المحيط ولله الحمد سنة ثمان وسبعين فيها غزا المسلمون قسطنطينية وعليهم مسلمة بن عبد الملك وافتتح يزيد بن المهلب بن أبي صفرة جرجان وفيها توفي أبو عمرو الشيباي الكوفي واسمه سعد بن إبليس عن مائة وعشرين سنة وكان يقرئ الناس بمسجد الكوفة وروى عن علي وابن مسعود وفيها أبو هاشم عبد الله بن محمد الحنفية الهاشمي المدني وهو الذي أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وصرف الشيعة إليه ودفع إليه كتباً وأسر إليها أشياء وفيها أو في التي بعدها توفي أبو عبد الرحمن الأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد أدرك عمر وسمع من عائشة

(1/113)


114 وفيها على الصحيح توفي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الضرير أحد الفقهاء السبعة ومؤدب عمر بن عبد العزيز قال ابن الجوزي في كتاب ذم الهوى قدمت امرأة من هذيل المدينة فخطبها الناس وكادت تذهب بعقول أكثرهم لفرط جمالها فقال فيها عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ( أحبك حباً لو علمت ببعضه * لجدت ولم يصعب عليك شديد ) ( أحبك حباً لا يحبك مثله * قريب ولا في العاشقين بعيد ) ( وحبيك يا أمر الصبي مدلهي * شهيدي أبو بكر فذاك شهيد ) ( ويعلم وجدى قاسم بن محمد * وعروة ما ألقى بكم وسعيد ) ( ويعلم ما عندي سليمان علمه * وخارجة يبدي بنا ويعيد ) ( متى تسألى عما أقول فتخبري * فلله عندي طارف وتليد ) فقال سعيد بن المسيب فقد أمنت أن تسألنا ولو سألتنا ما طمعت أن نشهد لك بزور وهؤلاء الذين استشهد بهم وهو معهم فقهاء المدينة السبعة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعروة ابن الزبير وسيعد بن المسيب وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود صاحب الترجمة وفيها كريب مولى ابن عباس وكان كثير العلم كنزاً له كبير السن والقدر قال موسى بن عقبة وضع كريب عندنا عدل بعير من كتب ابن عباس وفيها الفقيه الفاضلة عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية نشأت في حجر عائشة فأكثرت الرواية عنها وهي العدل الضبطة لما يؤخذ عنها سنة تسع وتسعين فيها على خلاف توفى أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي قال ابن قتيبة هو ظالم بن عمرو بن جندل سفيان بن كنانة وأمه من بني عبد الدار بن قصى وكان عاقلاً حازماً بخيلاً وهو أول من وضع العربية وكان شاعراً مجيداً وشهد صفين

(1/114)


115 مع على بن أبي طالب وولى البصرة لابن عباس وفلج بالبصرة ومات بها وقد أسن فولد عطاء وأبا حرب وكن عطاء ويحيى بن يعمر العدواني يعجبا العربية بعد أبى الأسود ولا عقب لعطاء وأما حرب بن أبي الأسود فكان عاقلاُ شاعراً وولاه الحجاج جوخى فلم يزل عليها حتى مات الحجاج وقد روى الحديث عن أبي حرب وهو القائل لولده لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد منكم ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاج لفعل وسمع رجلاً يقول من يعشى الجائع فعشاه ثم ذهب السائل ليخرج فقال هيهات على أن لا تؤذي المسلمين الليلة ووضع رجله في الأدهم انتهى وقال ابن الأهدل هو ظالم بن عمرو الديلي ويقال الدؤلي نسبة إلى الديل من كنانة وفتح بعضهم في النسببة لئلا تتوالى الكسرات كما قالوا في النسببة إلى النمر نمري وهي قاعدة مطوقة وكان من خواص علي وشهد معه صفين وكان من كمل الرجال وهو أول من وضع النحو حكى ولده أبو حرب قال أول ما وضع والدي باب التعجب وقيل له من أين لك النحو قال تلقنت حدوده من على رضي الله عنه انتهى وباع داراً ل ه بالبصرة فقيل له بعت دار ك فقال بل بعت جاري وكان جار سوء ودخل على بعض الولاة وعليه جبة رثة فقال يا أبا الأسود أما تمل هذه الجبة فقال رب مملوك لا يستطاع فراقه فأمر له بمائة ثوب فقال ( كساني ولم أستكسه فحمدته * أخ لك يعطيك الجزيل وناصر 9 ( وإن أحق الناس إن كنت شاطراً * بشكرك من يعطيك والعرض وافر ) ومن شعره أيضاً ( وما طلب المعيشة بالتمنى * ولكن ألق دلوك في الدلاء ) ( تجىء بمثلها طوراً وطوراً * تجىء بحمأة وقليل ماء ) وكان موسراً مبجلاً وعوتب في البخل فقال لو أطعنا الفقراء في مالنا أصبحنا مثلهم وروى أنه عشى سائلاً لحوحاً وقيده فقيل له في ذلك فقال لئلا يؤذي المسلمين الليلة وقيل له عند الموت أبشر بالمغفرة فقال وأين الحياء مما كانت منه

(1/115)


116 المغفرة وتوفي عن خمس وثمانين سنة وفيها توفي محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي المدني الذي عقل مجة مجها رسول الله وجهه من بئر في دارهم وله أربع سنين وفيها توفي عبد الله بن محير بن الجمحي الكي نزيل بيت المقدس وكان عابد الشام في زمانه قال رجاءبن حيوة أن تفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز وإن كنت لأعد بقاءه أماناً لأهل الأرض وفي عاشر صفر مات الخليفة أبو أيوب سليمان بن عبد الملك الأموي وله خمس وأربعون سنة وكانت خلافته أقل من ثلاث سنين وكان فصيخاً فهماً محباً للعدل والغزو ذا همة عالية جهز الجيوش لحصار القسطنطينية وقرب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله وزيره ومشيره وعهد إليه بالخلافة وكان أبيض مليح الوجه يضرب شعره منكبيه وله محاسن قيل له حكيم عندي لك أن تأكل ولا تشبع وتنكح ولا تفتر ويسود شعرك ولا يبيض فقال كلهن يرغب عنهن العاقل فمع الأكل كثرة دخول المراحيض وشم الروائح المنتنة وفي كثرة النكاح الشغل بالنساء وتسويد الشعر تسويد نور الله تعالى وقال في مروج الذهب لما أفضى الأمر إلى سليمان صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال الحمد لله ما شاء صنع وما شاء أعطى وما شاء منع ومن شاء رفع ومنشاء وضع أيها الناس الدنيا دار غرور وباطل وزينة وتقلب بأهلها فتضحك باكيها وتبكي ضاحكها وتخيف آمنها وتؤمن خائفها وتثرى فقيرها وتفقر مثريها عباد الله اتخذوا كتاب الله إماماً وارضوا به حكماً واجعلوه لكم هادياً دليلاً فإنه ناسخ ما قبله ولا ينسخه ما بعده واعلموا عباد الله أنه ينفى عنكم كيد الشيطان ومطامعه كما يجلو ضوء الصبح إذا أسفر إدبار الليل إذا عسعس ثم نزل وأذن للناس عليه وأقر

(1/116)


117 عمال من كان قبله على أعمالهم وأقر خالد بن عبد الله على مكة وكان سليمان صاحب أكل كثير يجوز المقدار كان شعبة في كل يوم من الطعام مائة رطل بالعراق وكان ربما أتاه الطباخون بالسفافيد التي فيها الدجاج المشوية وعليه الجبة الوشى المثقلة لنهمه وحرصه على الطعام يدخل يده في كمه حتى يقبض على الدجاجة وهي حارة فيفصلها وحدث المنقرى عن العتبي عن إسحق بن إبراهيم بن الصباح بن مروان وكان مولى لبني أميه من أرض البلقاء من أعمال دمشق وكان حافظاً لأخبار بني أمية قال لبس سليمان يوماً في جمعة من ولايته لباساً تشهر به وتعطر ودعا بتخت فيه عمائم وبيده رآه فلم يزل يعتم بواحد بعد أخرى حتى رضي منها وإحدى فأرخى من سدولها وأخذ بيده مخصرة وعلا منبره ناظراً في عطفيه وجمع حشمه وخطبته التي أرادها التي يريد يخطب بها الناس فأعجبته نفسه فقال أنا المالك الكريم الحجاب الكريك الوهاب فتمثلت له جارية وكان يتحظاها فقال لها كيف ترين أمير المؤمنين قالت أراه مني النفس وقرة العين لولا ما قال الشاعر قال وما قال قالت قال ( أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للإنسان ) ( ليس أنا يريبنا منك شيء * علم اله غير أنك فإن ) فدمعت عيناه وخرج على الناس باكياً فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بالجارية فقال لها ما دعاك إلى ما قلت لأمير المؤمنين فقالت والله ما رأيت أمير المؤمنين اليوم ولا دخلت عليه فأكبر ذلك ودعا بقيمة جوارية فصدقتها في قولها فراغ ذلك سليمان ولم ينتفع بنفسه ولم يمكث بعد ذلك إلا مدة حتى توفي وكان يقول قد أكلنا الطيب ولبسنا اللين وركبنا الفاره ولم تبق لي لذة إلا صديق أطرح معه فيما يبني وبينه مؤونة التحفظ ووقف سليمان على قبر ولده أيوب وبه كان يكنى فقال اللهم أني أرجوك له وأخافك عليه فحقق رجائي وآمن خوفي وبالجملة فإنه كان من أحسن بني أمية حالا ولو لم يكن له إلا ما عمر في مسجد دمشق وعهده

(1/117)


118 بالخلافة لعمر بن عبد العزيز لفي فرحمة الله تعالى وتجاوز عنه سنة مائة وفيها توفى أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري الدوسي المدني ولد في حياة رسول الله في الدنيا روى أنه ولد عام أحد وأدرك من النبي ثمان سنين وكان عاقلاً حاضر الجواب يفضل علياً وثني على الشيخين ويترحم على عثمان والعجب أن ابن قتيبة عده من غالية الشيعة وممن يؤمن بالرجعة وكان يقول الشعر ومن قوله ( أتدعونني شيخاً وقد عشت حقبة * وهن من الزواج نحوي فوارع ) ( وما شاب رأسى عن سني تتابعت * على ولكن شيبتني الوقائع ) وقوله ( وبقيت سهماً في الكنانة واحداً * سيرمي به أو يكسر السهم كاسره ) وفيها بسر نبي سعيد المدني الزاهد العابد المجاب الدعوة روى عن عثمان وزيد ابن ثابت وله ولاء لني الحضرمي وفيها وقي لقبلها أو بعدها سالم بن أبي الجعد الكوفي من مشاهير المحدثين وخارجة بن زيد ثابت الأنصاري المدني المفتي أحد الفقهاء السبعة تفقه على والده وفيها أبو عثمان الهندي بعد الرحمن بن مل بالبصرة وهو أحد المخضرمين أسلم في عهد النبي وأدى الزكاة إلى عماله ولم يره وحج في الجاهلية وعاش مائة وثلاثين سنة وصحب سلمان اثنتي عشرة سنة

(1/118)


119 وشهر بن حوشب الأشعري الشامي كان كثير الرواية حسن الحديث وقرأ القرآن على ابن عباس وكان عالماً كبيراً وفيها حنش بن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق كان مع على بالكوفة ثم ولى عشور افريقية روى عن جماعة ومسلم بن يسار البصري روى عن أبي عمرو وغيره وكان من عباد البصرة وفقهائها قال ابن عوف كان لا يفضل عليه أحد في زمانه وقال ابن سعد كان ثقة فاضلاً عابداً ورعاً وعيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي أحد أشراف قريش وعقلائها وعلمائها روى عن أبيه وجماعة سنة إحدى ومائة في رجب منها توفي الخليفة العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن العزيز بن مروان الأموي بدير سمعان من أرض المعرة وله أربعون سنة وخلافته سنتين وستة اشهر وأيام كخلافة الصديق وكان ابيض جميلاً نحيف الجسم حسن اللحية بجهته أثر حافر فرس شجه وهو صغير فلذا كان يقال أشج بني أمية يذكر أن في التوراة أشج بني أمية تقتله خشية الله حفظ القرآن في صغره وبعثه أبوه من مصر إلى المدينة فتفقه بها حتى بلغ مرتبة الإجتهاد جده لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب وذلك أن عمر خرج طائفاً ذات ليلة فسمع امرأة تقول لبنية لها اخلطى الماء في اللبن فقالت البنية أما سمعت منادى عمر بالأمس ينهى عنه فقال أن عمر لا يدري عنك فقالت البنية والله ما كنت لا طيعة علانية وأعصيه سراً فأعجب عمر عقلها فزوجها ابنه عاصماً فهي جدة عمر بن عبد العزيز قال السيد الجليل رجاء بن حيوة استشار في سليمان بن عبد الملك فيمن يعهد إليه بالخلافة فأشرت بعمر فقال فكيف ببني عبد الملك فقلت اكتب العهد واختمه وبايع لمن فيه ففعل فلما مات كتمنا موته ثم قلت

(1/119)


120 بايعو لأمير المؤمنين ثانياً على السمع والطاعة لمن في الكتاب ففعلوا فقلت أعظم الله أجركم في أمير المؤمنين ثم أخرجت الكتاب فوجموا ولم يقولوا شيئاً ثم خرجو في جناز ركباناً وخرج عمر يمشي فلما رجعوا أرسل عمر إلى نسائه من أرادت منكن الدنيا فلتلحق بأهلها فإن عمر قد جاءه شغل شاغل فسمعت النوائح في بيته يومئذ وقال أيضاً قومت ثياب عمرو هو يخطب باثني عشر درهما وكانت حلته قبل ذلك بألف درهم لا يرضاها وقال أن لي نفساً ذواقة تواقه كلما ذاقت شيئاً تاقت غلى ما فوقه فلما ذاقت الخلافة ولم يكن شيء في الدنيا فوقها تاقت إلى ما عند الله في الآخرة وذلك لا ينال إلا بترك الدنيا ومن كلامه رضى الله عنه ينبغي في القاضي خمس خصال بما يتعلق به والحلم عند الخصومة والزهد عند الطمع والإحتمال للأئمة والمشاورة لذوي العلم وعاتب مسلمة بن عبد الملك أخته فاطمة زوجة عمر في ترك غسل ثيابه في مرض فقال أنه لا ثوب له غيره وكان مع عدله وفضله حليماً رقيق الطبع ومن ألطف ما حكى عنه ما ذكره في روج الذهب قال كان رجل من المدينة أتى العراق فيطلب جارية وصفت له قارئة قوالة فسال عنها فوجدها ند قاضي البلد فأتاه ثم سأله أن يعرضها عليه فقال يا عبد الله لقد أجدت الشقة فيطلب هذه الجارية فما رغبتك فيها ملا رأى من شدة إعجابه قال أنها تغني فتجيد فقال القاضي ما علمت بهذا فألح عليه في عرضها فعرضها بحضرة ملاها القاضي فقال لها الفتى هات فتغنت ( إلى خالد حتى أنخنا بخالد * فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل ) ففرح القاضي بجاريته وسربها وغشية من الطرب مر عظيم حتى أ قعدها على فخذه وقال هات بأبي أنت وأمي شيئاً فتغنت ( أروح إلى القصاص كل عشية * أرجى ثواب اله فيعدد الخطا ) فزاد الطرب على القاضي ولم يدر ما يصنع فأخذ نعله فعلقهما في أذنه وجثى على ركبتيه وجعل يأخذ بإحدى أذنيه والنعل معلق فيها ويقول اهدوني فإني بدنة

(1/120)


121 فلما أمسكت قال للفتى يا حبيبي انصرف فقد منا فيها راغبين قبل أن نعلم أنها تقول ونحن الآن فيا أرغب فانصرف الفتى وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال قاتله الله لقد استرقه الطرب وأمر بصرفه عن عمله فلما صرف قال نساؤه طوالق لو سمعها عمر لقال اركبوني فأني مطية فبلغ ذلك عمر فأشخصه وأشخص الجارية فلما دخلا على عمر قال له أعد ما قلت قال نعم فأعاده ثم قال للجارية قولي فتغنت ( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر ) ( بلى نحن كما أهلها فأبادنا * صروف والليالي والجدود العواثر ) فما فرغت حتى اضطرب عمر اضطراباً بيناً وأقبل يستعيدها ثلاثاً وقد بلت دموعه لحيته ثم أقبل على القاضي فقال لقد قاربت في يمينك ارجع إلى عملك راشداً انتهى وبالجملة فمناقبه عديدية قد أفردت بالتصنيف ومما رثاه به جرير ( لو كنت أملك والأقدار غالبة * تأتي رواحاً وتبييتاًو تبتكر ) ( رددت عن عمر الخيرات مصرعه * بدير سمعان لكان يغلب القدر ) وفيها أوفى سنة مائة توفى ربعى بن حراش أحد علماء الكوفة وبعادها قيل أنه لم يكذب قط وشهد خطبة عمر بالحديبية وحلف ولا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أم في النار وفيها مقسم مولى ابن بعاس ولم يكن مولاه بل مولى عبد الله بن الحرث ابن نوفل وأضيف إلى ابن عباس لملازمته إياه ومحمد بن مروان بن الحكم الأمير ولد الخليفة مروان وكان بطلاً شجاعاً شديد البأس له عدة مصافات مع الروم وكان متولى الجزيرة وغيرها وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين الحسن بن محمد بن الحنفية الهاشمي العلوي

(1/121)


122 روى أنه صنف كتاباً في الأرجاء ثم ندم عليه وكان من عقلاء قومه وعلمائهم وفيها استعمل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على امرة العرقين وأمره بمحاربة يزيد بن المهلب وكن قد خرج عليهم فحاربه حتى قتل في السنة الآتية قال الذهبي في العبر وممن توفى بعد ا لمئة إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدني له عن أبي هريرة وإبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس الهاشمي المدني له عن أبن عباس وميمونة وعبد الله بن شقيق البصري سمع من عمر والكبار والقطامي الشعر المشهور ومعاذ العدوية الفقيه العبادة بالبصرة وعراك بن ملك المدني ومورق العجلي وبشير بن يسار المدني الفقيه وأبو السوار العدوى البصري صاحب عمران بن حصين الفقيه وأبو السوار العدوي البصري صاحب عمران بن حصين وعبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله وحفصة بنت سيرين الفقيه العابدة وعائشة بنت طلحة التيمية التي أصدقها مصعب بن الزبير مائة ألف دينار وعبد الرحمن بن أبي بكرة أول من ولد بالبصرة ومعبد بن كعب بن مالك وذو الرمة الشعر المشهور انتهى قلت وذو الرمة أحد فحول الشعراء واسمه غيلان وأحد العشاق المشهور ين من العرب وصاحبته مية ابنة مقاتل بن طليب بن قيس بن عاصم المنقري التميمي الذي قال فيه رسول الله حين وفد عليه هذا سيد أهل الوبر وهو أول من وأد البنات غيرة وأنفة وسبب فتنة بها أنه لحظها وهي خارجة من خبائها فخرق ثيابه أو جلوه ثم دنا يستطعم حديثها فقال أني مسافر وقد تخرقت أرادني فاصلحيها لي فقالت والله إني خرقاء والخرقاء التي لا تحسن العمل لكرامتا على

(1/122)


123 أهلها فشبب بالخرقاء أيضاً وهي مية يروى أن ذا الرمة لم ير مية قط إلا في برقع فأحب أن ينظر إلى وجهها فقال ( جزى الله البراقع من ثياب * عن الفتيان شراً ما بقينا ) ( يوارين الملاح فلا نراها * ويخفين القباح فيزدهينا ) فنزعت البرقع عن وجهها فقال ( على وجه مي مسحة من ملاحة * وتحت الثياب العار لو كان بادياً ) فنزعت ثيابها وقامت عريانة فقال ( ألم تر أن الماء يخبث طعمه * وأن كان لون الماء ابيض صافياً ) ( فواضعيه الشعر الذي لج فانقضى * بمي ولم أملك ضلال فؤادياً ) فقالت أتحب أن تذوق طعمه فقال إي والله فقالت تذوق الموت قبل أن تذوقه ومن شعر السائر قوله ( إذا هبت الأرواح من نحو جانب * به أهل مي هاج قلبي هبوبها ) ( هوى تذرف العينان منه إنما * هوى كل نفس أين حل حبيبها ) وكان ذو الرمة يشبب بخرقاء أيضاً ومن قوله فيها ( تمام الحج أن تقف المطايا * على خرقاء واضعة اللثام ) قيل كانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة ولما حضرته الوفاة قال أنا ابن نصف الهرم أنا ابن أربعين سنة أنشد ( يا قابض الروح من نفس إذا أحتضرت * وغافر الذنب زحزني عن النار ) إنما قيل له ذو الرمة بقوله في الوتد أشهث باقي رمة التقليد والرمة بضم الراء الحبل البالي وبكسرها الحبل البالي وممن توفي بعد المائة على ما قاله في العبر أبو الأشعث اصنعاني الشامي وزياد الأعجم الشاعر وسعيد بن أبي هند والد عبد الله وأبو سلام

(1/123)


124 ممطور الحبشي الأسود وأبو بكر بن أبي موسى الأشعري القاضي انتهى سنة اثنتين ومائة كان أمير البصرة يزيد بن المهلب المتقدم آنفاً فلما تولى عمر بن عبد العزيز عزل يزيد بن المهلب وسجنه فلما توفى عمر أخرجه خواصه من السجن فوثب على البصرة وهرب منه عاملها عدى بن أرطأة الفزارى ونصب يزيد رايات سود وتسمى بالقحطاني وقال ادعو إلى سيرة عمر بن الخطاب فوجه إليه يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فحاربه به وقتله في صفر في المعركة وقيل بل حبسه الحجاج وعذبه وهو الذي جزم به الأسنوي في طبقات وكان يزيد بن المهلب كريماً ممدحاً وكان المهالبة ي دولة الأمويين كالبرامكة في دولة العباسيين في الكرم وكان كثير الغزو والفتوح وفيها يزيد بن أبي مسلم الثقفي مولاهم مولى الحجاج وكاتبه وخليقته على العراق بعد موته وأقره الوليد وقال الوليد فيحقه مثلى ومثل الحجاج ويزد كرجان ضاع له درهم فلقى دينارً فضل يزيد لعقله وبلاغته واستحضره سليمان بعد موت الوليد فرآه ذميماً كبير البطن فقال لعن الله من أشركك في أمانته فقال يا أمير المؤمنين رأيتني والأمور مدبرة عنى ولو رأيتني وهي مقبلة إلى لعظمتني فقال قاتله الله ما أسد قوله وأغضب لسانه ثم قال له سليمان أترى صاحبك يعني الحجاج يهوى في النار أم قد استقر في قعرها فقال عن يمين الوليد ويسار عبد الملك فاجعله حيث أحبت وروى يحشر بين أبيك وأخيك فقال سليمان باستكتابه فقال له عمر بن عبد العزيز لا تحي ذكر الحجاج فقال أني كشفت عنه فلم أجد له خيانة في دينار ولا في درهم فقال عمر إبليس لم يخن فيهما وهذا قد أهلك الخلق فتركه سليمان وفيها توفي الضحاك بن مزاحم الهلالي بخراسان وثقة الإمام أحمد وغيره

(1/124)


125 ذكر أنه كان فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبى وكان يركب حماراً ويدور عليهم إذا عيى سنة ثلاث ومائة فيها توفى عطاء بن يسار المدني الفقيه مولى ميمونة مولى المؤمنين ثقة إمام كان يقضى بالمدينة روى عن كبار الصحابة قاله الذهبي وقال ابن قتيبة كان عطاء قاضياً ويرى القدر ويكنى أبا محمد ومات سنة ثلاث ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنة انتهى وفيها الإمام أبو الحجاج مجاهد بن جبر الإمام الحبر المكي عن نيف وثمانين سنة قال خثيف كان أعلمهم بالتفسير وقال مجاهد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة وقال له ابن عمر وددت أن نافعاً يحفظ حفظك وقال سملة بن كهيل ما رأيت أحداً أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلا عطاء وطاووساً ومجاهداً وقال الأعمش كنت إذا رأيت مجاهداً تراه مغموماً فقيل له في ذلك فقال أخذ عبد الله يعنى ابن عباس بيدي ثم قال أخذ رسول الله بيدي وقال لي يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ومات مجاهد بمكة وهو ساجد وفسر ابن فتيبة النيف بثلاث فقال مات وهو ابن ثلاث وثمانين سنة وفيها مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني كان فاضلاً كثر الحديث روى عن على والكبار وفيها موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي بالكوفة روى عن عثمان ووالدة وقال أبو حاتم هو أفضل اخوته بعد محمد وكان يسمى المهدي وفيها مقرىء الكوفة يحيى بن وثاب الكفي مولى لبني كاهل من بني أسد بن خزيمة توفي بالكوفة أخذ عن ابن عباس وطائفة ويزد بن الأصم العامري ابن خالة ابن عباس نزل الرقة وروى عن خالته ميمونة وطائفة

(1/125)


126 سنة أربع و مائة فيها وقعة بهرز أن دون الباب بفرسخين التقى المسلمون وعليهم الجراج الحكمي هم وابن خاقان فهزموهم بعد قتال عظيم وقتل خلق من الكار وفيها توفي خالد بن معدان الكلاعي الحمصي الفقيه العابد قيل كان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة سمعه صفوان يقول لقيت سبعين من الصحابة وقال يحيى بن سعيد ما رأيت ألزم للعلم منه وقال الثوري ما أقدم عليه أحداً وفيها وقيل في المائة عامر بن سعد بن أبي وقاص والزهري أحد الأخوة التسعة كان ثقة كثير الحديث فيها وقيل في سنة سبع أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد البصري الإمام طلب للقضاء فهرب ونزل الشام فنزل بدارياً وكان رأساً في العلم والعمل سمع من سمرة وجماعة ومناظرته مع علماء عصره في القسامة بحضرة عمر بن عبد العزيز مشهورة في الصحيح وفيها وقيل في التي قبلها وقيل في سنة سمت أو سبع توفي أبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري قضى في الكوفة بعد شريح وله مكارم وما آثر مشهورة وولى القضاء في البصرة بعده ابنه بلال وكان ممدحاً وفيه يقول ذو الرمة ( رأيت الناس ينتجعون غيثاً * فقلت لصيدح انتجعى بلالاً ) يعني بصيدح ناقته وأبو موسى وبنوة كلهم ولى القضاء وفيها وقيل قبلها وقيل بعدها توفي فجاءة الإمام الحبر العلامة أبو عمرو عامر ابن شراحيل بن معبد الشعبي وهو من حمير و عدادة في همدان ونسب إلى جبل باليمن نزله حسان بن عمرو الحميري هو وولده ودفن فيه فمن كان منهم بالكوفى قيل لهم شعبيون ومن كان منهم بممصر والمغرب قيل لهم الأشعبون والأشعوب ومن كان منهم بالشام قيل لهم شعبانيون ومن كان منهم باليمن قيل لهم آل

(1/126)


127 ذي شعبين وكان نحيفاً ضئيلاً وقيل له مالنا نراك ضئيلاً قال إني زوحمت في الرحم وكان له ولد وأخ له في بطن واحد وقيل لأبي إسحاق أنت أكبر أم الشعبي فقال هو أكبر مني بسنتين حدثنا الرياشي عن الأصمعي أن أم الشعبي كانت من سبي جلولاء قال وهي قرية من ناحبة قارس وكان مولده لست سنين مضت من خلافة عثمان وكان كاتب عبد الله بن مطيع العدوي وكاتب عبد الله بن يزيد الخطمي عامر بن الزبير على الكوفة وكان مزاحاً حدثني أبو مرزوق عن جابر بن الصلت الطائي عن سعيد بن عثمان قال قال الشعبي لخياط مر به عندنا حب مكسور تخيطه فقال له نعم إن كان عندك خيط من ريح وحدثني بهذا الإسناد أن رجلاً دخل عليه ومعه في البيت امرأة فقال أيكما الشعبي فقال هذه قاله ابن عمر وهو يحدث بالمغازي فقال شهدتها وهو أعلم بها مني وعنه قال بعثني عبد الملك إلى ملك الروم فأقمت عنده أياماً فلما أردت الانصراف قال لي من بيت الملك أنت قلت بل رجل من العرب فدفع إلي رقعة وقال أدها إلى صاحبك فلما قرأها عبد الملك قال لي تدري ما فيها قلت لا قال فإن فيها عجبت من قوم فيهم مثل هذا لأنه لم يرك فقال عبد الملك بل حسدني عليك فأغراني بقتلك فبلغ ذلك ملك الروم فال ما أردت إلا ذاك وقال له أبو بكر الهذلي تحب الشعر فقال إنما يحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثوهم وقال ما أودعت قلبي شيئاً فخانني قط وقال إنما الفقيه من تورع عن محارم الله والعالم من خاف الله تعالى وقال اتقوا القاصر من العلماء والجاهل من المتعبدين وقال أدركت خمسمائة من الصحابة أو أكثر ودخل الشعبي مع زياد على هند بنت النعمان في ديرها فإذا هي وأختها جالستان عليهما ثياب سود قال الشعبي فما أنسى جمالها وقد كان كلمها للمغيرة بن شعبة في الزواج فقالت أردت أن يقال تزوج هند بنت النعمان بن المنذر أن ذلك غير كائن فقال لها زياد حدثيني عن ملككم وما كنتم فيه

(1/127)


128 قالت أجمل أم أفنن قال أجملي قالت أصبحنا وكل من رأيت عبد لنا وأمسينا وعدونا ممن يرحمنا قال المديني ابن عباس في زمانه وسفيان الثوري في زمانه وقال الشعبي ما كابت سوداء في بيضاء إلا حفظتها سنة خمس ومائة فيها التقى في رمضان منها الجراح الحكمي وخاقان ملك الترك ودام الحرب أياماً ثم نصر الله دينه وهزم الترك شر هزيمة وكان المصاف بناحية أرمينية وفيها توفي في شعبان منها الخلبفة يزيد بن عبد الملك بن مروان وجده لأمه يزيد بن معاوية عاش أربعاً وثلاثين سنة وولي أربع سنين وشهراً وكان أبيض جسيماً متلفاً المال أعطى حلاقا حلق له رأسه أربعة آلاف درهم ووقع مثل ذلك ليزيد بن المهلب أو لعله اشتبه على بعض المؤرخين اسمهما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما استخلف قال سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز فأتوه بأربعين شيخاً شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب فأقبل على الظلم واتلاف المال والشرب والانهماك على سماع الغناء والخلوة بالقيان وكان ممن استولى على عقله جارية يقال لها حبابة وكانت تغنيه فلما كثر ذلك منه عزله أخوه مسلمة وقال له إنما مات عمر امس وكان من عدله ما قد علمت فينبغي أن تظهر للناس العدل وترفض هذا اللهو فقد افتدى بأعمالك في سائر أفعالك وسيرتك فارتدع عما كان عليه وأظهر الإقلاع والندم وأقام على ذلك مدة مديدة فغلظ ذلك على حبابة بعثت إلى الأحوص الشاعر ومعبد المغني وقالت انظرا ما أنتما صانعان فقال الأحوص في أبيات له ( ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا * فقد غلب المحزون أن يتجلدا ) ( إذا كنت ممنوعاً عن اللهو والصبا * فكن حجراً آمن يابس الصخر جلمدا )

(1/128)


129 ( فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي * وإن لام فيه ذو الشتان وفندا ) وغناه معبد فأخذته حبابة عنه فلما دخل عليها يزيد قالت يا أمير المؤمنين صوتاً واحداً وافعل ما بدا لك وغنته فلما فرغت منه جعل يردد قولها ( فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي * وإن لام فيه ذو الشنان وفندا ) وعاد بعد ذلك إلى لهوه وقصفه ورفض ما كان عزم عليه وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني ابن سلام قال ذكر يزيد قول الشاعر ( صفحنا عن بني ذهل * وقلنا القوم اخوان ) ( عسى الأيام أن يرجعن * قوماً كالذي كانوا ) ( فلما صرح الشر * فأضحى وهو عريان ) ( مشينا مشية الليث * غدا والليث غضبان ) ( بضرب فيه توهين * وتخضيع واقران ) ( وطعن كفم الزق * وهي والزق ملآن ) ( وفي الشر نجاة حي * ن لا ينجيك إحسان ) وهو شعر قديم يقال أنه للفند الزماني في حرب البسوس فقال لحبابة غنيني به بحياتي فقال يا أمير المؤمنين هذا شعر لا أعرف أحداً يغني به إلا الأحول المكي فقال نعم قد كنت سمعت ابن عائشة يعمل فيه ويترك قالت إنما أخذه عن فلان بن أبي لهب وكان حسن الأداء فوجه يزيد إلى صاحب مكة إذا اتاك كتابي هذا فادفع إلى فلان ابن أبي لهب ألف دينار لنفقة طريقه على ما شاء من دواب البريد ففعل فلما قدم عليه قال غنى بشعر الفند الزماني فغناه فأجادوا أحسن وأطرب فقال أعده فأعاده فأجاد وأطرب يزيد فقال له عمن أخذت هذا الغناء قال أخذته عن أبي وأخذه أبي عن أبيه قال لو لم ترث إلا هذا الصوت لكان أبو لهب رضي الله عنه ورثكم خيراً كثيراً فقال يا أمير المؤمنين إن أبا لهب مات كافرا

(1/129)


130 مؤذياً لرسول الله قد أعلم ما تقول ولكني داخلني عليه رقة إذ كان يجيد الغناء ووصله وكساه ورده إلى بلده مكرماً وبالجملة فأخباره من هذا القبيل كثيرة فلنحبس عنان القلم عن ذلك سامحه الله تعالى وفيها أوفي التي قبلها أو عدها مات عكرمة مولى ابن عباس أحد فقهاء مكة من التابعين الأعلام أصله من البربر وهب لابن عباس فاجتهد في تعليمه ورحل إلى مصر وخراسان واليمن وأصبهان والمغرب وغيرها وكانت الأمراء تكرمه وأذن له مولاه بالفتوى وقيل لسعيد بم جبير هل تلم أحداً أعلم منك فقال عكرمة ولما مات مولاه باعه ابنه علي من خالد بن يزيد بن معاوية باربعة آلاف دينار فقال له عكرمة بعت علم أبيك بأربعة آلاف درهم فاستقال فأقاله ثم أعتقه ثيل مات هو وكثير عزة في يوم واحد وصلى عليهما جميعاً فقيل مات أفقه الناس وأشعر الناس قال ابن قتيبة كان عكرمة يكنى أبا عبد الله وروى جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة موثوق على باب كنيف فقلت أتفعلون هذا بمولاكم فقال إن هذا يكذب على أبي ابن الخلال سمعت يزيد بن هارون يقول قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس فبينما هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء فقال عكرمة اسكتوا فسمع ثم قال قاتله الله لقد أجاد أو قال ما أجود ما غنى فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه وعاد أيوب قال يزيد وقد أحسن أيوب ثم قال ابن قتيبة وكمان عكرمة يرى رأي الخوارج وطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده ومات سنة خمس ومائة وقد بلغ ثمانين سنة انتهى وقال ابن ناصر الدين احتج أحمد ويحي والبخاري والجمهور بما روى وأعرض عنه مالك لمذهبه وما كان يرى قال طاووس لو ترك من حديثه واتقى الله لشدت إليه الرحال انتهى وفيها على الأصح أبو رجاء العطاردي بالبصرة عن مائة وعشرين سنة وكان أسلم في حياة النبي عن عمر وطائفة قال بن قتيبة اسمه عمران بن تميم

(1/130)


131 ويقال عطارد بن برد ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة وهو من ولد عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة تميم ويقال أنه مولى لهم وقال أبو رجاء لما بلغني أن النبي في القتل هربنا فأصبنا شلو أرنب دفيناً فاستثرناه وقعدنا عليه وألقينا فوقه من بقول الأرض فلا أنسى تلك الأكلة حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال حدثنا زين العطاردي قال أتت أبا رجاء لمرأة في جوف الليل فقالت يا أبا رجاء إن لطارق الليل حقان بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا شيئاً من متاعهم فانتقل وأخذ الكتب فأواها وصلى بنا الفجر وهي مسيرة ليلة للإبل انتهى وعده ابن ناصر الدين وغير من المخضرمين وقال عاش مائة وعشرين سنة وفيها الأخوين عبيد الله وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان عبد الله وصى ابيه وروايتهما قليلة والمسيب بن رافع الكوفي سمع البراء وجماعة وسليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي روى عن أبيه قال ابن سعد كان به صمم ووضح كثير وأصابه الفالج قبل موته بسنة قال ابن قتيبة أبان بن عثمان شهد الجمل مع عائشة وكان الثاني من المنهزمين وكانت أمه بنت جنيدب ابن عمرو ابن حممة الدوسي وكانت حمقاء تجعل الخنفساء في فمها وتقول حاجيتك ما في فمي وهي أم عمرو بن عثمان أيضاً وكان أبان أبرص أحول يلقب بقنعة وكانت عنده كلثوم بنت عبد الله بن جعفر عليها بعد الحجاج وعقبة كثير منهم عبد الرحمن بن أبان كان مجتهداً يحمل عنه الحديث انتهى وفيها توفي أبو صخر كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة وإنما صغر لشدة

(1/131)


132 قصره وكان يحمق وهو من غلاة الشيعة الموقنين بالرجعة وكان بمصر وعزة بالمدينة فسافر ليجتمع بها فلقيها في الطريق متوجه إلى مصر وجرى بينهما كلام طويل ثم تمت في سفرها إلى مصر وتأخر كثير بعدها مدة ثم عاد إلى مصر فجاء والناس منصرفون من جنازتها وروى أن عزة دخلت على أم البنين ابنة عبد العزيز أخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الوليد بن عبد الملك فقالت لها رأيت قولاً كثيراً ( قضى كل ذي دين فوفى غريمه * وعزة ممطول معنى غريمها ) ما هذا فقالت وعدته قبلة فتحرجت منها فقالت أم البنين أنجزيها وعلى إثمها فقيل إن أم البنين أعتقت عن ذلك رقاباً ويقال أنه لما سمحت له بالقبلة قبلها في فمها وقذف من فمه إلى فمها بلؤلؤة ثمينة وكان لكثير غلام عطار بالمدينة فباع من عزة نسوة معها نسيئة ثم علم أنها عزة فأبرأها فعلم كثير فأعتقه ووهبه العطر الذي عنده وحكى أن عبد الملك حين أراد الخروج لقتال مصعب بن الزبير عرضت زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فلم يقبل منها فبكت وبكى حشمها فقال عبد الملك قاتل الله كثيراً كأنه رأى موقفنا هذا بقوله ( إذا ما أراد الغزو لم يثن عزمه * حصان عليها نظم در يزينها ) ( نهته فلما لم ير النهي عاقه * بكت فبكى مما شجاها قطينها ) والقطين الخدم وذكر أن كثيراً كان يهوى كل حسن إما لشبهه بعزة أو استقلالاً ولهذا يقال فلان كثيري المحبة أي يحب مل من يعرض له لا يتقيد بمحبوب معين بخلاف العامري ذكر أن عزة تبدلت في غير زيها وتعرضت لكثير فراودها غير عالم بها فقالت اذهب إلى محبوبتك عزة فقال ومن عزة حتى تقاس بك فسفرت عن وجهها وشتمته فأطرق حياء ولمك يذكرها إلى سنة ثم بعد السنة أنشد تائيته الطنانة التي سارت بها الركيان التي مطلعها ( هنيئاً مريئاً غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت )

(1/132)


133 سنة ست وماية فيها استعمل هشام بن عبد الملك على العراق خالد بن عبد الله القسري فدخلها وقبض على واليها عمرو بن هبيرة القزاري فنقب له غلمانه السجن وهرب إلى الشام فاستجار بمسلمة بن عبد الملك ثم مات على القريب وقيها غزا المسلمون فرغانة والتقوا الترك فقتل في الوقعة ابن خاقان وانهزموا ولله الحمد وفيها غزا الجراح الحكمي وأوغل في بلاد الخزر فصالحوه وأعطوه الجزية وحج بالناس خليفتهم هشام وفيها توفي سالم بن عبد الله العدوي المدني الفقيه الزاهد العابد القدوة وكان شديد الأزمة خشن العيش يلبس الصوف ويخدم نفسه وقال ملك لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين منه قال أحمد وإسحاق أصح الأسانيد الزهري عن سالم عن أبيه وقيل ملك عن نافع ابن عمر والشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهي سلسلة الذهب دخل سليمان بن عبد الملك الكعبة فرأى سالماً واقفاً فقال له سلني حوائجك فال لا والله لا سألت في بيت الله غير الله وكان أبوه بقبله ويقول ألا تعجبون من شيخ يقبل شيخاً وقال ( يلومنني في سالم وألومهم * وجلدة بين العين والأنف سالم ) وفيها الإمام طاووس بن كيسان اليماني الجندي الخولاني أحد الأعلام علماً وعملاً أخذ عن عائشة وطائفة قال عمرو بن دينار ما رايت أحدً قط مثل طاووس ولما ولي عمر بن عبد العزيز كتب إليه طاووس إن أردت أن يكون عملك كله خيراً فاستعمل أهل الخير فقال عمر كفى بها موعظة توفي حاجاً بمكة قبل يوم التروية بيوم وصلى عليه هشام بن عبد الملك وأراد الخروج عليه فلم يقدر لكثرة الناس ووضع عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب السرير على كاهله وسقطت قلنسوته ومزق رداؤه من خلفه للزحام قيل أنه ولي صنعاء

(1/133)


134 والجند ووليه بعده ابنه عبد الله قيل سئل طاووس عن مسألة فقال أخاف إن تكلمت وأخاف إن أسكت وأخاف أن آخذ بين الكلام والسكوت وكان أعلم التابعين بالحلال والحرام وفيها أبو مجلز لاحق بن حميد البصري أحد علماء البصرة لحق كبار الصحابة كأبي موسى وابن عباس وكان ينزل خراسان وعقبه بها وكان عمر بن عبد العزيز ليسأله عنها وقال قرة بن خالد كان عاملاً على بيت المال وعلى ضرب السكة قال هشام بن حسان كان قليل الكلام فإذا تكلم كان من الرجال وفيها مات عبد الملك قاضي الكوفي بعد الشعبي رأى علياً وروى عن جابر وعنه قال كنت عند عبد الملك بقصر الكوفة فجيء برأس مصع بن الزبير فارتعت لذلك فقال مالك فقلت أعيذك بالله يا أمير المؤمنين كنت بهذا القصر مع عبيد الله بن زياد فرأيت رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بين يديه ثم رأس عبيد الله بين يدي المختار في هذا المكان ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب في هذا المكان ثم هذا رأس مصعب فأمر عبد الملك بهدم ذلك الطاق سنة سبع وماية فيها عزل هشام الجراح بن عبد الله الحكمي عن أذربيجان وأرمينية وولي أخاه مسلمة فغزا وافتتح في رمضان قيسارية عنوة وفيها توفي سليمان بن يسار أخو عطاء وهم عدة أخوة وكان يكنى أبا أيوب مات عن ثلاث وسبعين سنة وكان أحد فقهاء المدينة السبعة أخذ عن عائشة وطائفة قال الحسن بن محمد بن الحنفية سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب وكان ابن المسيب يقول اذهبوا إليه فإنه أعلم من بقي اليوم

(1/134)


135 وفيها عطاء بن يزيد الليثي يكنى أبا محمد وهو من كنانة أنفسهم وهو صاحب تميم الداري روى عنه الزهري وتوفي وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وفيها وقيل في سنة ثمان أو إحدى أو اثنتين وماية مات أيضاً أحد الفقهاء السبعة القسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني نشأ في حجر عمته عائشة فأكثر عنها قال يحي بن سعيد ما أدركنا أحداً نفضله بالمدينة على القسم بن محمد وعن أبي الزناد قال ما رأيت فقيهاً أعلم منه وقال ابن عيينة كان القسم أفضل أهل زمانه وعن عمر بن عبد العزيز قال لو كان أمر الخلاة إلى لما عدلت عن القسم أي وذلك لان سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بالخلافة وليزيد من بعده وجاءه رجل فقال أنت أعلم أم سالم فقال ذاك مبارك سالم قال ابن إسحاق كره أن يقول هو أعلم فيكذب وأن يقول أنا أعلم فيزكى نفسه سنة ثمان ومائة فيها غزا أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان فالتقاه الغور في جمع عظيم فهزمهم وفيها زحف ابن خاقان إلى أذربيجان وحاصر مدينة موقان ونصب عليها المجانيق فساق إليه المسلمون فهزموه وقتلوا من جيشه خلقاً ولكن استشهد ابن شعبة وجماعة وقيل سنة ست وفيها قيل سنة تسع أبو نضرة العبدي واسمه المنذر بن مالك أحد شيوخ البصرة أدرك علياً وطلحة والكبار وفيها يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري أخو مطرف جليل القدر ثقة

(1/135)


136 مشهور لقي عمران بن حصين وجماعة وعاش نحوا من تسعين سنة وقيل بقي إلى سنة إحدى عشرة وكان موصوفاً بالعلم والصلاح والورع وفيها وقيل في سنة سبع عشرة محمد بن كعب القرظي الكوفي المولد والمنشأ ثم المدني روى عن كبار الصحابة وبعضهم يقول ولد في حياة النبي كبير القدر ثقة موصوفاً بالعلم والصلاح والورع قاله الذهبي سنة تسع ومائة فيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام فافتتح حصن القطاسين وفيها توفي أبو نجيح يسار المكي مولى ثقيف ووالد عبد الله بن أبي نجيح روى عن أبي سعيد وجماعة وقال أحمد بن حنبل كان من خيار عباد الله وأبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي البصري روى عن عبد الله بن عمر وجماعة سنة عشر ومائة فيها افتتح معاوية ولد هشام قلعتين من أرض الروم وفيها كانت وقعة الطين التقى مسلمة وطاغية الخزر بقرب باب الأبواب فاقتتلوا أياماً كثيرة ثم كان النصر ولله الحمد والمنة وذلك في جمادى الآخرة وفيها كانت وقعة بالمغرب أسر فيها بطريق المشركين وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اله التيمي وكان يسمى أسد قريش روى عن عائشة وجماعة وولي خراج الكوفة لابن الزبير والحسن بن أبي حسن البصري أبو سعيد إمام أهل البصرة وخير أهل زمانه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وسمع خطبة عثمان وشهد يوم الدار أبوه مولى زيد ابن ثابت وأمه مولاة أم سلمة وكان ربما أعطته أم سلمة ثديها في صغره تعلله به حتى تجيء أمه فيدر عليه فيروون أن علمه وفصاحته وورعه من بركة ذلك وكان جميلاً فصيحاً قال أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن والحجاج قيل ولا أشعر من رؤبة والعجاج وقال ابن سعد في طبقاته كان جامعاً عالماً رفيعاً

(1/136)


137 فقيهاً حجة مأموناً عابداً ناسكاً كثير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً انتهى ولما ولى ابن هبيرة العراق وخرسان نيابة عن يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن وابن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم إن الخليفة كتب إلى بأمر فأقلده ما تقلد من ذلك الأمر فقال ابن سيرين والشعبي قلاً فيه بعض تقية فقال ما تقول يا حسن قال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيداً في اله فإن الله يمنعك من يزيد ولا يمنعك يزيد من الله ويوشك أن يبعث إليك ملكاً فيزيلك عن سريرك ويخرجك ن سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إل اعملك يا ابن هبيرة إياك أن تعصي الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصراً لدين الله تعالى وعباده ف لا تتركن دين الله وعباده لهذا السلطان فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأضعف جائزة الحسن عليهما فقالا له قشقشنا فقشقش لنا والقشقشة الردىء من العطية وكتب إليه عمر بن عبد العزيز يقول له أني قد ابتليت بهذا الأمر فانظروا إلى أعوناً يعينوني عليه فكتب إليه الحسن أما أبناء الدنيا فلا تريدهم وأما أبناء الآخرة فلا يريدونه فاستعن بالله والسلام وله مع الحجاج وقعات هائلة وأما أبناء الآخرة فلا يريدونه فاستعن بالله والسلام وله مع ا لحجاج وقعات هائلة وسلمه اله من شره وربما حضر مجلسه فلم يقم بل يوسع له ويجلس إلى جنبه ولا يغير كلامه الذي هو فيه وقال أبو بكر الهذلي قال لي السفاح بأي شيء بلغ حسنكم ما بلغ فقلت جمع القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم لم يخرج من سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها وفيما أنزلت ولم يقلب درهماً في تجارة ولا ولى سلطانا ًولا أمر بشيء حتى فعله ولا نهى عن شيء حتى وجعه فقال بهذا بلغ الشيخ ما بلغ وكان جل كلامه حكم ومواعظ بقوى عبارة وفصاحة وقال ابن قتيبة في المعارف وكان الحسن من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث وحدثني عبد الرحمن عن الأصمعي عن أبيه قال ما رأيت أحداً أعرض

(1/137)


زنداً من الحسن كان عرضه شبراً وكان تكلم في شيء من القدر ثم رجع عنه وكان عطاء بن يسار قاضياً ويرى القدر
138 وكأن لسانه سحر وكان يأتي الحسن هو ومعبد الجهني فيسألانه ويقولان يا أبا سعيد إن هؤلاء الملوك يسفكون ماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى فقال كذب أعداء الله فتعلق عليه بمثل هذا وأشباهه وكان شبه برؤبة بن العجاج في فصاحة لهجته وعربيته ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما وكان الحسن كاتب الربيع بن زياد الحارث بخراسان وقيل ليونس بن عبيد أتعرف أحداً يعمل بعمل الحسن فقال والله ما أعرف أحداً يقول بقوله فكيف يعمل بعمله ثم وصفه عنقه وإذ أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له انتهى ملخصاً وقال رجل قبل موته لابن سيرين رأيت طائراً أخذ حصاة من المسجد فقال أن صدقت رؤياك لابن سيرين رأيت طائراً أخذ حصاة من المسجد فقال إن صدقت صلاة العصر في الجامع ولم يكن ذلك منذ قام الإسلام رحمه الله تعالى ورضى عنه وفي شوال يوم الجمعة منها توفي شيخ البصرة إمام المعبرين محمد بن سيرين أبو بكر بعد موت الحسن بمائة يوم قالوا كان سيرين أبو محمد عبداً لأنس ابن مالك فكاتبه على شعرين ألفاً وأدى المكاتبة وكان من سبى بيسان وكان المغيرة افتتحها ويقال من سبى عين التمر وكانت امه صفية مولاة لأبي بكر الصديق طيبها ثلاث من أزواج النبي ودعون لها وحضر ملاكها ثمانية عشر بدرياً فيهم أبى بن كعب يدعو وهم يؤمنون وكان سيرين يكنى أبا عمرة وولد له ثلاث وعشرون ولداً من أمهات أولاد شتى وكان محمد بزازا وحبس بدين عليه وكان أصم وولد له ثلاثون ولداً من امرأة واجدة كان تزوجها عربية ول يبق منهم غير عبد الله بن محمد وولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان قال ذلك أنس بن سيرين قال وولدت أن السنة بقيت من خلافته ومات محمد عن سبع وسبعين سنة

(1/138)


وقضى عنه ابنه عبد الله
139 ثلاثين ألفاً درهم وكان محمد بن سيرين كاتب أنس بن مالك بفارس قال الأصمعي كان الحسن سيداً سمحاً وإذا حدثك الأصم يعني ابن سيرين فاشدد يديك به وقتادة حاطب ليل وكان ابن سيرين إذا دخل منزلاً لم ير أحداً إلا ذكر اسم الله لصلاحه وكان يقول ما أهون الورع فقيل وكيف هو هين فقال إذا رابك شيء فدعه وقال رأيت يوسف النبي على نبينا وعليه الصلاة والسلام في النوم فقلت له على تعبير الرؤيا قال افتح فاك ففتحه فتفل فيه فأصبحت فإذا أنا أعبر الرؤيا قاله ابن قتيبة وكان ابن سيرين غاية في العلم نهاية في العبادة روى عن كثير من الصحابة وروى عنه الجم الغفير من التابعين وأريد على القضاء فهرب إلى الشام ثم أتى المدينة قال ابن عون لم أر مثله وقال هشام بن حسان حدثني أصدق من رأيت من البشر محمد بن سيرين وقال ابن عون لم أر مثل ابن سيرين وله في التعبير عجائب قال له رجل رأيت على ساق رجل شعرا كثيرا فقال بركبه دين ويموت في السجن فقال الرجل أنت هو فاسترجع ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم قضاها عنه ولده أو بعض اخوانه وقوم ماله بستمائة ألف درهم وقالت له امرأة رأيت كان القمر دخل في الثريا فنادى مناد من خلقي قضى على ابن سيرين فاصفر لونه وقام وهو آخذ ببطنه فقالت له عمته مالك قال زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام فدفن في اليوم السابع وقال له رجل رأيت طائراً سمنا ما أعرفه تدلى من السماء فوقع على شجرة وجعل يلتقط الزهر ثم طار فتغير وجه ابن سيرين وقال هذا موت العلماء وفيها توفيت فاطمة بنت الحسين الشهيد رضي الله عنه التي أصدقها الديباج عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ألف ألف درهم وتزوج أختها سكينة مصعب بن الزبير هي وعائشة بنت طلحة

(1/139)


140 وفيها مات مسلم البطين صاحب سعيد بن جبير بالكوفة وسليم بن عامر الكلاعي الحمصي قال الذهبي في العبر وقد أدرك النبي عن أبي الدرداء ونحوه انتهى وفيها عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخو الفقيه عبيد الله إمام زاهد فأنت واعظ كثير العلم لقي ابن عباس والكبار وفيها توفي الشاعر أن المشهوران شاعرا العصر جرير والفرزدق قال ابن خلكان أجمعوا على أنه ليس في شعراء الإسلام مثلهما والأخطل وكان بينهما مهاجاة وتفاخر وفضل جرير بيوته الأربعة الفخر والمدح والهجاء ولتشبيب فالفخر في قومه ( إذا غضبت عليكبنو تميم * حسبت الناس كلهم غضابا ) والمدح قوله ( ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح ) والهجاء قوله ( فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعباً بلغت ولا كلابا ) والتشبيب قوله ( يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله أركانا ) وقال اليافعي وقد رجح كثير من المتأخرين أو أكثرهم ثلاثة متأخرين أبا تمام والبحتري والمتنبي واختلفوا في ترجيح أيهم ورجح الفقيه حسين المؤرخ قول شرف الدين بن خلكان وذلك لأن الأولين سبقوا إلى ابتكار المعاني الجزيلة بالألفاظ البليغة وأحسن حالات المتأخرين أن يفهموا أغراضهم وينسجوا على منوالهم وتبقى له فضيلة السبق ويقال لجرير ابن الخطفاء ولعلها

(1/140)


141 أمه وأما أبوه فعطية وهو تميمي ومن أحسن قوله قصيدته في عبد الملك التي أولها ( أتصحو أم فؤادك غير صاح * عشية هم صحبك بالرواح ) يقال أنه لما أنشد عبد الملك هذا المطلع قال له بل فؤادك يا ابن الفاعلة وعده بعضهم من الورطات في حسن الابتداء ومن القصيدة المذكورة ( سأشكر إن رددت علي ريشي * وأنبت القوادم من جناحي ) ( ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح ) وقال عبد الملك من مدحنا فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت ووهبه مائة ناقة فسأله الرعاء فوهبه ثمانية أعبد ورأى صحاف ذهب بين يديه فقال يا أمير المؤمنين والمحلب وأشار إليها بالقضيب وقال خذها لانفعتك وكان عمر بن عبد العزيز لا يأذن لأحد من الشعراء وغيره ولمامات الفرزدق بكى جرير وقال إني لأعلم أني قليل البقاء بعده ولقد كان نجمنا واحداً وبقي حزيناً وقال اطفأ موت الفرزدق جمرتي وأسال عبرتي وقرب منيتي فعاش بعده أربعين يوماً وقيل ثمانين وقد قارب المائة وأما الفرزدق فهو أبو الأخطل همام بن غالب التميمي المجاشعي من سراة قومه وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس تباري أبوه غالب هو وسحيم بن وثيل الرياحي نحر مائة ناقة ولم يكن عند سحيم هذا القدر فعجز ولما انتهت وانقضت المجاعة وزال الضر قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر لو نحرت مثله أعطيناك مكان كل ناقة ناقتين فنحر ثلثمائة وقال للناس شأنكم وإلا كل فنهى علي كرم الله وجهه عن أكلها فألقيت على كناسة الكوفة وفي ذلك يقول جرير في هجو الفرزدق

(1/141)


142 ( تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بني ضوطر لولا الكي المقنعا ) يقول هلا افتخرتم بالشجاعة وهدم الوليد بن عبد الملك بيعة النصارى فكتب إليه الأخرم ملك الروم أن من قبلك فإن أصابوا فقد أخطأت وإن أصبت فقد اخطأوا فقال له الفرزدق اكتب إليه ( ^ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ) إلى قوله تعالى ( ^ ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً ) واجتمع الحسن البصري والفرزدق في جنازة نوار امرأة الفرزدق فقال له الفرزدق أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد يقولون اجتمع خير الناس وشر الناس فقال الحسن لست بخيرهم ولست بشرهم ولكن ما أعددت لهذا اليوم قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ ستين سنة فقال الحسن نعم والله العدة وعن أبي عمرو بن العلاء قال شهدت الفرزدق وهو يجود بنفسه فما رأيت أحسن ثقة بالله منه وترجى له الزلفى والفائدة وعظيم العائدة بحميته في أهل بيت رسول الله لزين العابدين لما أراد استلام الحجز في زحمة الناس انفرجوا عنه هيبة ومحبة ولم تنفرج لهشام بن عبد الملك فقال شامي من هذا فقال هشام لا أعرفه خاف أن يرغب عنه أهل الشام فقال الفرزدق أنا أعرفه فقال الشامي من هو يا أبا فراس فقال ( هذا سليل حسين وابن فاطمة * بنت الرسول من انجابت به الظلم ) ( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم ) ( إذا رأته قريش قال قائلهم * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ) ( هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم ) ( يسمو إلى ذروة العز التي عجزت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم )

(1/142)


143 ( يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم ) ( بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرينيه شمم ) ( يغضى حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم ) ( يبين نور الضحى من نور غرته * كالشمس ينجاب من إشراقها القتم ) ( مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم ) ( الله شرفه قدراً وعظمه * جرى بذاك له في لوحة القلم ) ( هو ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا ) ( وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم ) ( كلتا يديه غياث عم نفعهما * تستوكفان ولا يعروهما عدم ) ( سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه انان حسن الخلق والشيم ) ( حمال أثقال إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده النعم ) ( لا يخلف الوعد ميمون نقيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم ) ( عم البرية بالإحسان فانقشعت * عنها الغيابة والإملاق والعدم ) ( من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجي ومعتصم ) ( إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل م خير أهل الأرض قيل هم ) ( لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا ) ( هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى والبأس محتدم ) ( لا يقبض العدم ذكر الله ذكرهم * في كل بر ومختوم به الكلم ) ( يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كرام وأيد بالندى هذا ناله الأمم )

(1/143)


144 ( ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم ) فلما سمع هشام ذلك أنف وحبس عطاء الفرزدق أو حبسه هو فأنفذ له زين العابدين اثنى عشر ألف درهم فردها وقال مدحته لله لا للعطاء فقال زين العابدين أنا أهل البيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده فقبلها الفرزدق وهذه القصيدة الموعود بها في ترجمة زين العابدين رضي اله عنه قال ي العبر في حدود عشر ومائة مات محمد بن عطاء العامري المدني أحد الأشراف وكانوا يتحدثون أنه لا يصلح للخلافة لهمته وسؤدده انتهى سنة إحدى عشرة ومائة فيها عزل مسلمة عن أذربيجان وأعيد الجراح الحكمي فافتتح مدينة البيضاء التي للخزر فجمع ابن خاقان جمعاً عظيماً وساق فنازل أردبيل وفيها توفي عطية بن سعد العوفي روى عن أبي هريرة وطائفة ضربه الحجاج أربعمائة سوط على أن يشتم عليا فلم يفعل وهو ضعيف الحديث قاله الذهبي وفيها القسم بن مخيمرة الهمذاني الكوفي نزيل الشام روى عن أبي سعيد وعلقمة وكان عالماً نبيلاً زاهداً رفيعاً سنة اثنتي عشرة ومائة فيها سار مسلمة في شدة البرد والثلج حتى جاوز الباب من بلاد الترك وافتتح المدن وحصوناً وافتتح معاوية بن هشام خرشنة من ناحية ملطية وفيها زحف الجراح الحكمي من بردذعة إلى ابن خاقان وهو محاصر أردبيل فالتقى الجمعان فاشتد وكسر المسلمون وقتل الجراح الحكمي رحمه الله وغلبت

(1/144)


145 الخزر لعنهم الله على أذربيجان وبلغت خيولهم إلى الموصل وكان بأساً شديداً على الإسلام قال الواقدي وكان البلاء عظيماً على المسلمني بمقتل الجراح وبكوا عليه روى أبو مسهر عن رجل أن الجراح قال تركت الذنوب أربعين سنة ثم أدركني الورع وكان من قراء أهل الشام وقال غيره ولي خراج خراسان لعمر ابن عبد العزيز وكان إذا مر بجامع دمشق يميل رأسه عن القناديل لطوله وفيها غزا الأشرس السلمي فرغانة فأحاطت به الترك وفيها أخذت الخزر أردبيل السيف فبعث هشام إلى أذربيجان سعيد بن عمرو الجرشي فالتقى الخزر فهزمهم واستنفذ سبياً كثيراً وغنائم ولطف الله تعالى وفيها أبو المقدام رجاء بن حيوة الكندي الشامي الفيه روى عن معاوية وطبقته وكان شريفاً نبيلاً كامل السؤدد قال مطر الوراق ما رأيت شامياً أفقه منه وقال مكحول هو سيد أهل الشام في افسهم وقال مسلمة الأمير في كندة رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي أن الله لينزل بهم الغيث وينصر بهم الأعداء بلغ يوماً عبد الملك قول من بعض الناس فهم أن يعاقب صاحبه فقالله رجاء يا أمير المؤمنين قد فعل الله بك ما تحب حيث أمكنك منه فاقعل ما يحبه الله من العفو فعفا عنه وأحسن إليه وفيها القسم بن عبد الرحمن الدمشقي الفيه الفاضل أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار وطلحة بن مصرف اليامي الهمداني الكوفي كان يسمى سيد القراء قال أبو معشر ما ترك بعده مثله ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها ذهب ليقرأ على الأعمش رفيقه لينزل رتبته في أعينهم ويأبى الله إلا رفعته سمع عبد الله بن أبي أوفى وصغار الصحابة ومات كهلاً رحمة الله تعالى

(1/145)


146 سنة ثلاث بيروت العربية فيها التقى المسلمون والترك بظاهر سمرقند فاستشهد الأمير الخطير سورة ابن أبجر الدارمي عامل سمرقند وعامة أصحابه ثم التقاهم الجنيد المري فهزمهم وفيها أعيد مسلمة إلى ولاية أذربيجان وأرمينية فالتقى خاقان فاقتتلوا قتالاً عظيماً وتحاجر وإثم التقوا بعدها فانهزم خاقان وفيها غزا المسلمون وهم ثمانية آلاف وعليهم مالك بن شبيب الباهلي فوغل بهم في أرض الروم فحشدوا لهم والتقوا فانكسر المسلمون وقتل أميرهم مالك بن شبيب وقتل معه جماعة كثيرة منهم عبد الوهاب بن بخت مولى بني مروان وكان موصوفاً بالشجاعة والإقدام روى عن ابن عمر وأنس ووثقه أبو زرعة وكان معه في القتلى أبو يحي عبد الله الأنطاكي أحد الشجعان الذين يضرب بهم المثل وله مواقف مشهودة وكان طليعة جيش مسلمة وله أخبار في الجملة لكن كذبوا عليه وحملوه من الخرافات والكذب ما لا يحد ولا يوصف وفيها توفي فقيه الشام أبو عبد الله مكحول مولى بني هذيل أرسل عن طائفة من الصحابة وسمع من واثلة بن الأسقع وأنس وأبي أمامة الباهلي وخلق قال ابن إسحاق سمعته يقول طفت الأرض في طلب العلم وقال أبو حاتم ما أعلم أفقه من مكحول ولم يكن في زمنه أبصر بالفتيا منه ولا يفتي حتى يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويقول هذا رأيي والرأي يخطئ ويصي وقال سعيد بن عبد العزيز أعطوا مكحولاً مرة عشرة آلاف دينار فكان يعطي الرجل خمسين ديناراً وقال الزهري العلماء ثلاثة فذكر منهم مكحولاً وقال ابن قتيبة قال الواقدي هو من كابل مولى لامرأة من هذيل وقال ابن عائشة كان مكحول مولى لامرأة من قيس وكان سندياً لا يفصح قال نوح بن سفيان سأله بعض الأمراء عن القدر فقال أساهرانا وكان يقول بالقدر انتهى كلام ابن قتيبة

(1/146)


147 وقال ابن ناصر الدين في شرح بديعية البيان هو ابن أبي مسلم بن شاذل بن سفد بن شروان الكابلي الهذلي مولاهم الدمشقي أبو عبد الله وقيل كنيته أبو أيوب كان فقيه أهل دمشق وأحد أوعية العلم والآثار روى عن أبي أمامة وواثلة وأنس وخلق من الأخبار وروى تدليسا عن أبي وعبادة بن الصامت وعائشة والكبار وقال سعيد بن عبد العزيز كان مكحول أفقه من الزهري وكان بريئاً من القدر انتهى كلام ابن ناصر الدين وقال الذهبي في المغنى وثقة جماعة وقال ابن سعد ضعفه جماعة انتهى وفيها توفي معاوية بن قرة المزني البصري عن ثمانين سنة وكان يقول لقيت ثلاثين صحابياً ويوسف بن ماهك المكي روى عن عائشة وجماعة وقد لقيه بن جريح وغيره سنة أربع عشرة ومائة فيها عزل مسلمة عن أذربيجان والجزيرة ووليها مروان الحمار فسار مروان حتى جاوز نهر فأغار وقتل وسبي خلقاً من الصقالبة وفي رمضان على الأصح وقيل في سنة خمس عشرة توفي فقيه الحجاز أبو محمد عطاء بن أبي رباح أسلم من مولدي الجند وأمه سوداء تسمى بركة وكان صبياً نشأ بمكة وتعلم الكتاب بها وهو مولى لبني فهر وكان على ما قال ابن قتيبة أسود أفطس أشل أعرج ثم عمى بعد ذلك ومات وله ثمان وثمانون سنة وقال في العبر كان من مولدي الجند أسود مفلفل الشعر سمع عائشة وأبا هريرة وابن عباس قال أبو حنيفة ما رأيت أفضل منه وقال ابن جريج كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة وكان من أحسن الناس صلاة وقال الأوزاعي

(1/147)


148 مات عطاء يوم مات وكان أرضى أهل الأرض عند الناس وقال إسماعيل بن أمية كان عطاء يطيل الصمت فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد وقال غيره كان لا يفتر من الذكر انتهى كلامه في العبر انفرد بالفتوى بمكة هو ومجاهد وكان بنو أمية يصيحون في الموسم لا يفتى أحد غيره وما روى عنه أنه كان يرى إباحة وطء الإماء بإذن أهلهن وكان يبعث بهن إلى أضيافه فقد قال القاضي شرف الدين بن خلكان اعتقادي أن هذا لا يصح عنه فإنه لو رأى الحل فإن الغيرة والمروءة تمنعه عن ذلك قال اليافعي ينبغي أن يحمل بعثهن لسماع القول منهن نحو ما نقل عن بعض المشايخ الصوفية أنه كان يأمر جواريه يسمعن أصحابه وفيه أيضاً ما فيه فإن صح فيحمل على ما إذا لم تحصل فتنة بحضورهن وسماعهن إذا قلنا إن صوت المرأة ليس بعورة والله أعلم وفيها وقيل سنة ثمان أو تسع عشرة توفي أبو محمد علي بن عبد الله بن عباس جد السفاح والمنصور وكان سيداً شريفاً أصغر أولاد أبيه وأجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه وأكثره صلاة ولذلك دعي بالسجاد وكان له خمسمائة أصل زيتون يصلي تحت كل ركعتين فالمجموع ألف ركعة روى أن علياً جاء بن عباس يهنئه به يوم ولد وقال له شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ما سميته قال أو يجوز أن أسميه حتى تسميه ثم حنكه ودعا له وقال خدامك الخلائ والأملاك سميته علياً وكنيته أبا الحسن وقيل أنه ولد يوم قتل علي وهذا يناقض ما تقدم ولما كان زمن معاوية قال ليس لك اسمه وكنيته قد كنيته أبا محمد فجرت عليه وضربه الوليد بن عبد الملك مرتين مرة في تزوجه لمطلقة عبد الملك لبابة بنت عبد الله بن جعفر وسبب طلاق عبد الملك لها أنه عض على تفاحة وكان الخديم رمى بها إليها

(1/148)


149 فاستقذرتها والثانية في وقله أن الأمر سيكون في ولدي فطافوا به على بعير في أسوأ حالب وهو يقول والله ليكونن فيهم ودخل على هشام بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخيفتان السفاح والمنصور فأوسع له على سريره وبره بثلاثين ألف دينار وأوصاه على بابني ابنه حين انفصل وكان إذا قدم مكة اشتغلت به قريش وأهل مكة إجلالا له وكان طوالاً جميلا صقيل كان طوله إلى منكب أبيه عبد الله وعبد الله إلى منكب أبيه العباس والعباس إلى منكب أبيه عبد المطلب ونفاه الوليد إلى الحمية بليدة بالبلقاء فولد له بها نيف وعشرون ولداً ذكراً ولم يزل ولده بها إلى أن زالت دولة بني أمية وتوفي عن ثمانين سنة بأرض البلقاء رحمه الله تعالى وفيها توفي السيد أبو جعفر الباقر بنعلي بن الحسين بنعلي بن أبي طالب ولد سنة ست وخمسين من الهجرة وروى عن أبي سعيد الخدري وجابر وعدة وكان من فقهاء المدينة وقيل له الباقر لأنه بقر العلم أي شقه وعرف أصله وخفيه وتوسع فيه وهو أحد الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية قال عبد الله بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده وله كلام نافع في الحكم والمواعظ منه أهل التقوى أيسر أله الدنيا مؤونة واكثرهم معونة أننسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق الله قوامين بأمر الله ومنه أنزل الدنيا كمنزل نزلته وارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء مات رضي الله عنه عنست وخمسين سنة ودفن بالبقيع مع أبيه وعم أبيه الحسن والعباس رضي الله عنهم وفيها وقيل في سنة سبع عشرة على بن رباح اللخمي المصري وهو في عشر المائة حم لعن عدة من الصحابة وولى غزو افريقية لعبد العزيز بن مروان فكان من علماء زمانه

(1/149)


150 وفيها توفي أبو عبد الله وهب بن منبه الصنعاني من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن قال قرأت من كتب الله اثنين وتسعين كتاباً مات بصنعاء روى عن ابن عباس قيل وأبى هريرة وغيره من الصحابة وولى القضاء لعمر بن عبد العزيز وكان شديد الإعتناء بكتب الأولين وأخبار الأمم وقصصهم بحث كان يشبه بكعب الأحبار في زمانه وله مصنف في ذكر ملوك حمير صغير وله أخوة أجلهم همام روى عن الصحابة وهو أكبر من وهب وهم من أبناء الفرس الذين سيرهم كسرى أنو شروان كما تقدم آنفاً وكان سيرهم مع أبي مرة سيف بن ذي يزن الحميري وكانوا ثمانمائة مقدمهم وهرز غرق منهم في البحر مائتان وسلم ستمائة قاله ابن إسحق وقال ابن قتيبة كانوا سبعة آلاف وخمسمائة ورجحه أبو القسم السهيلي إذ يبعد مقاومة الحبشة لستمائة وفي القصة أن سيفاً والفرس استظهروا على الحبشة فقتلوهم وملكوا سيفاً فأقام أربع سنين وقتله خدمه من الحبشة ولم يملك أهل اليمن بعده ملك غير أن أهل كل ناحية ملكوا رجلاً من حمير حتى جاء الإسلام ويقال أنها بقيت في إيدي الفرس إلى أن بعث النبي وباليمن عاملان منهم أحدهما فيروز الأسود الديلي والآخر زاد ويه فأسلما وهما الذان دخلا على الأسود العنسي مع قيس بن المكسوح لما أدعى الأسود النبوة فقتلوه وأولاد الفرس باليمن يدعون الأبناء منهم طاووس وعمرو بن دينار وغيرهم وورد أن كسرى أبرويز لما مزق كتاب النبي أرسل إلى عامله على صنعاء بإذان وهو الرابع بعد وهرز يأمره أن يسير إلى النبي فكتب إليه النبي يخبره أن الله وعدني أن يقتل كسرى فيوم كذا وكذا فانتظر ذلك فكان كما قال فأسلم بإذان وأهل اليمن هذا وقد قال ا لذهبي في المغنى وهب بن منبه ثقة مشهور قصاص خير ضعفه أبو حفص الفلاس

(1/150)


151 سنة حمس عشرة ومائة فيها وقيل في التي قبلها مات الحكم بن عتية مصغراً أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس والحكم بن عتيبة بن النهاس آخره مهملة العجلي قاضي الكوفة لا أعرف له رواية وهو عصري لذي قبله وإنه هو قال ابن حجر العسقلاني الكوفي مولى كندة الفقيه النبيه لكن قال الذهبي في المغنى هو مجهول وقال في العبر هو أبو محمد أبو محمد أخذ عن أبي جحفية السوائي وغيره وتفقه على إبراهيم النخعي قال المغيرة كان الحكم إذا قدم المدينة اخلوا له سارية النبي إليها وقال الأوزاعي قال لي عبدة بن أبي لبابة هل لقيت الحكم قلت لا قال فالقه فما بين لابتيها افقه منه انتهى والضحاك بن فيروز الديلمي الأنباري صحب ابن الزبير وعمل له بعض اليمن وقاضي مرو أبو سهل عبد الله بن بريدة الأسلمي عن مائة سنة روى عن أبي موسى وعائشة وطائفة وأبو يحي عمر بن سعيد النخعي وقد قارب المائة أو جاوزها وحديثه عن علي في الصحيحين وهو أكبر شيخ لمسعر وفيها توفي الجنيد بن عبد الرحمن المري الدمشقي الأمير ولي خراسان والسند وكان أجود قاله في العبر

(1/151)


152 سنة ست عشرة ومائة فيها توفي عدي بن ثابت الأنصاري قال في المغنى هو كوفى شيعى جلد ثقة مع ذلك وكان قاضي الشيعة وإمام مسجدهم قال المسعودي ما أدركنا أحداً أقول بقول الشيعة نم عدي بن ثابت وقال ابن معين شيعي مفرط وقال الدارقطني رافضي غال انتهى وفيها توفي عمرو بن مرة المرادي الكوفي الضرير سمع ابن أ [ يأو أوفى وجماعة وكان حجة حافظاً قال مسعر ما أدركت أحداً أفضل منه ومحارب بن داثر السدوسي قاضي الكوفى قال الحسن بن زياد اللولوى حدثنا أبو حنيفة قال كنا عند محارب بن دثار فتقدم إليه رجلان فادعى أحدهما على الآخر مالا فجحده المدعي عليه فسأله البينة فجاء رجل فشهد عليه فقال المشهود عليه لا والله الذي لا إله إلا هو ما شهد على بحق وما علمته إلا رجلاً صالحاً غير هذه الزلة فإنه فعل هذا الحقد كان في قلبه على وكان محارب متكئاً فاستوى جالساً ثم قال بإذاً الرجل سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله يقول ليأتيز على الناس يوم تشيب فيه الولدان وتضع الحوامل ما في بطونها وتضرب الطير بأذنابها وتضع ما في بطونها م شدة ذلك اللويم ولا ذنب عليها وإن شاهد الزور لا تقار قدماه على الأرض حتى قذف به في النار فإن كنت شهدت بحق فاتق اللهو أقم على شهادتك وإن شهدت بباطل فاتق الله وغط رأسك واخرج من ذلك الباب فغطى الرجل رأسه وخرج من ذلك الباب وقال في المغنى ثقة ثبت مشهورة وقال ابن سعد لا يحتجون به انتهى سمع ابن عمر وطابراً وطائفة وهو من بني سدوس بن شيبان ويكنى أبا مطرف ولى قضاء الكوفة لخالد بن عبد الله القسري وتوفي في ولاية خالد بالكفوة

(1/152)


153 سنة سبع عشرة ومائة فيها حلت الترك بخراسان وانظم إليهم الحرث بن أبي سريج الخارجي فاقتتلوا وجاوزا نهر جيحون وأغاروا على مرو الروذ فسار إليهم أسد بن عبد الله القسري فالتقوا ونصر الله حزبه وقتلهم المسلمون قتلا ذريعاً وفيها افتتح مروان الحمار ثلاثة حصون وأسر الملك تومان شاه وبعث به إلى هشام فمن عليه وأعاده إلى ملكه وفيها توفي أبو الحباب بن سعيد بن يسار المدني مولى ميمونة روى عن أبي هريرة وجماعة وفيها توفي بالإسكندريه عبد الرحمن بن هرمز الأعرض المدني صاحب أبي هريرة وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي المدني عنسن عالية وقد ولى القضاء لابن الزبير ويكنى أبا بكر وأبا محمد روى عن جده وابن عباس وابن عمر وفي آخرين كان إمام الحرم وشيخه ومؤذنه الأمين وقاضي مكة والطائف زمن ابن الزبير وفيها فقيه دمشق عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي كان عمر بن عبد العزيز يجلسه معه على السرير قال أبو مسهر كان يد أهل المسجد قيل بم سادهم قال بحسن الخلق قال في العبر أرسل عن أبي الدرداء وعبادة وهو ثقة قليل الحديث انتهى وفيها وقيل في سنة ثمان عشرة الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي عالم أهل البصرة روى معمر عنه قال أقمت عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام فقال لي في اليوم الثالث ارتحل يا أعمى عني فقد أنزقتني وقال قتادة ما قلت لمحدث قط أعد على قال ابن ناصر الدين مات بواسط في الطاعون وهو أبو الخطاب الضرير الأكمه مفسر الكناب آية في الحفظ إماماً في النسب رأساً في العربية واللغة وأيام العرب انتهى قال في العبر قال قتادة ما قلت لمحدث قط

(1/153)


154 أعده على وما سمعت شيئاً إلا وعاة قلبي وقال فيه مشيخه ابن سيرين قتادة أحفظ الناس وقال معمر سمعت قتادة يقول ما في القرآن آية وسمع فيها شيئاً انتهى وفيها موسى بن وردان المصري القاضي روى عن أبي هريرة وسعد وطائفة وعاش نيفاً وثمانين سنة قال أبو حاتم ليس به بأس وكان آخر أصحابه ضمام بن إسماعيل وفيها مات قاضي الجزيرة ميمون بن مهران الرقى أبو أيوب الفقيه كان من العلماء العاملين روى عن عائشة وأبي هريرة وطائفة وفيها مات فقيه المدينة أبو عبد الله نافع الديلي مولى عبد الله ابن عمر كان من جلة التابعين بعثه عمر بن عبيد العزيز إلى مصر يعلمهم السنن قال في العبر وقد روى نافع أيضاً عن عائشة وأبي هريرة وسكينة بنت الشهيد الحسين بن علي بالمدينة وأسمها أميمة وقيل أمينة وسكينة لقب وأمها الباب ابنة أمرىء القيس بن عدي تزوجها أي سكينة مصعب ابن الزبير ثم عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ثم زي بن عمر وبن عثمان ابن عفان فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها وجمالها وحسن خلقها مشهور ولها نوادر منها أنها لما سمعت مرثية عروة بن أذينة وكان من أعيان العلماء الصلحاء في أخيه بك وقوله فيها ( على بكر أخي فارقت بكراً * وأي العيش يصلح بعد بكر ) قالت سكينة ومن بكر أو ذاك الأسود الذي كان يمر بنا قيل نعم قالت لقد طاب بعده كل عيش حتى الخبز والزيت توفيت سكينة بالمدينة والعامة تزعم أنها بمكة في طريق العمرة

(1/154)


155 سنة ثماني عشرة ومائة فيها مات عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو إبراهيم روى عن زينب ربيبة النبي فهو تابعي وثقة يحيى ابن معين وابن راهويه وهو حسن الحديث قاله في العبر وقال في المغني هو مختلف فيه وحدثيه حسن وفوق الحسن قال يحيى القطان إذا روى عنه ثقة فهو حجة وقال أحمد ربما احتججنا بحديثه وقال البخاري رأيت أحمد وإسحق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون به فمن الناس بعدهم قتل ومع هذا القول لم يحتج به البخاري في صحيحه وقال أيوب الختياني كنت إذا أتيت عمرو بن شعيب غطيت رأسي حياء من الناس وقال ابن معين ليس بذاك وهو ثقة في نفسه إنما بلى كتاب أبيه عن جده وقال أبو زرعة إنما أنكروا عليه أنه روى صحيفة كانت عنده وقال أحمد ربما وحش القلب منه وله منا كير وثقة أسحق وصالح جزره وقال الأوزاعي ما رأيت قريشاً أكمل منه قال إسحق عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر وقال أحمد أيضاً إنما تليت حديثه ليعتبر اما ليكون حجة فلا وعن أبي داود وقيل له عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة فقال لا ولا نصف حجة وقال ابن المديني عن القطان حديثه واه وقال ابن عدي ثقة في نفسه انتهى ما قاله الذهبي في المغني وقال شمس الدين بن القيم في كتابه أعلام الموقعين وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولا نعرف في أئمة الفتوى غلا من احتاج إليها واحتج بها وإنما طعن فيها من لم يتجمل أباء الفقه والفتوى كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما انتهى ما قاله ابن القيم وفيها عبادة بن نسى الكمدي قاضي طبرية كان شريفاً جليل القدر موصوفاً بالصلاح روى عن شداد بن أوس جماعة

(1/155)


156 وفيها في المحرم قاضي الشام أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي وله سبع وتسعون سنة قرأ القرآن العظيم على الميغرة بن أبي شهاب عن قراءته على عثمان نفسه نصف القرآن وورد أيضاً أنه قرأت على أبي الدرداء وحدث عن فضالة عبيدة والنعمان بن بشير وولى قضاء دمشق رحمه الله تعالى وفيها عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي وهو مكثر عن أبي هو غيره قال في العبر ولا أعلمه روى عن الصحابة وقد رأى جماعة منهم انتهى وعبد الرحمن بن سابط الجمحي المكي الفقيه روى عن عائشة وجماعة وفيها معبد بن خالد الجدلي الكوفي القاص روى عن جابر بن سمرة وجماعة وأبو عشانة المعافري بن يومن بمصر روى عن عقبة بن عامر وجماعة سنة تسع عشرة ومائة فيها غزا مروان غزوة السانحة فدخل من باب اللان فلم يزل يسير حتى طلع من باب الخزر ومر ببلنجر وسمرقند وانتهى إلى مدينة خاقان الترك فانهزم خاقان وفيها توفي إياس نب سلمة بن الأكوع المدني روى عن أبيه وفيها وقيل في سنة اثنتين وعشرين حبيب بن أبي ثابت الكفوي فقيه الكوفة ومفتيها مع حماد بن أبي سليمان وقال في العبر بل هو أجل من حماد وأكبر فإنه روى عن ابن عباس وابن عمر وخلق من التابعين وفيها سليمان بن أبي موسى الأشدق فقيه دمشق ومفتيها مولى بني أبية روى عن أبي أمامة و سملة وطائفة قال سعيد بن عبد العزيز كان أعلم أهل الشام بعد مكحول وقال ابن لهيعة ما لقيت مثله وقيس بن سعد المكي صاحب عطاء وكان مفتي أهل مكة فيوقته وفيها الأمير أبو شاكر معاوية ابن الخليفة هشام بن عبد الملك وكان أنبل أولاد أبيه جواداً ممد حاولي الغزو

(1/156)


157 ( ممرات وهو أحد أمراء الأندلس * وإسماعيل بن حماد بن أبي سلمة ) سنة عشرين وماية فيها وقيل سنة ثمان عشرة توفي أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين وله خمس وثمانون سنة روى عن ابن عباس وجماعة وفيها فقيه الكوفة أبو إسماعيل حماد بن أبي سلميان الأشعري مولاهم صاحب إبراهيم النخعي روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وطائفة وكان جواداً سرياً محتشماً يفطر كل ليلة من رمضان خمس مائة إنسان وقال شعبة كان صدوق السان وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري شيخ محمد بن إسحاق وكان أخبارياً علامة بالمغازي يورى عن جابر وغيره وفيها توفي قاريء مكة أبو معبد عبد الله بن كثير المناني مولاهم الفارسي الأصل الداري العطار قرأ علىعبد الله بن السائب المخزومي وعلى مجاهد وحدث عن ابن الزبير وغيره وفضله وعلمه وشهرته تغني عن الإطناب في أوصافه وفيها توفي سيد أهل الجزيرة عدي بن عدي بن عميرة الكندي الأمير كان فقيهاً ناسكاً كبي ر الشأن ولأبيه صحبة وفيها توفي علقمة بن كرثد الحضرمي الكوفي قال في العبر كان تقياً في الحديث روى عن طارق ابن شهاب ولطارق وصحبة ما وقيس بن مسلم الجلي الكوفي صاحب طارق ويقال إنه ما رفع رأسه إلى السماء منذ زمان تعظيماً لله تعالى ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني الفقيه الثبت روى عن أسامة وأبي سعيد وطائفة وجده من المهاجرين وواصل الأحدب يروي عن أبي وائل وطبقته وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها

(1/157)


158 عن نيف وثماني سنة يقال إنه كان أعلم الله المدينة بالقضاء وله خبرة بالسيرة قاله في العبر سنة إحدى وعشرين ومائة فيها غزا مروان فأتى بيت السرير فقتل وسبى ثم دخل حصن عومشك وفيها سرير ملكهم فهرب الملك ثم إن مروان صالحهم في العام على ألف راس ومائة ألف هدى ثم أنه سار حتى دخل مدينة أزر فصالحوه وصالحه تومان شاه على بلاده ثم سار حتى نازل حمرين وحاصرها شهرين ثم صالحهم وافتتح مسدارة صلحاً وتهيأ لمروان في هذه السنة من الفتوحات أمر عظيم ووقع في قلوب الترك والخزر منه رعب شديد وفيها قتل الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم بالكوفة وكان قد بايعه خلق كثير وحار بمتولى العراق يومئذ لهشام بن عبد الملك يوسف بن عمر الثقفي فقتله يوسف وصلبه ويوسف هذا هو ابن عمر أبوه عم الحجاج بن يوسف ولما خرج زيد يدعو إلى طاعته جاءته طائفة وقالوا تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نبايعك فقال بل أتبرأ ممن تبرأ منهما فقالوا إذا ترفضك فسموا رافضة من يومئذ وسميت شيعته زيديه وكان من أمر زيد رضي الله عنه أن هشاماً لما عرف كماله واستجماعه لخلال الفضل كتب إلى عامله على الكوفة يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي بأمره أن يوجه زيداً إلى الحجاز ففعل فلما بلغ زيد العذيب لحقته الشيعة وأخبروه أن الناس مجمعة عليه ولم يزالوا به حتى رجع فأقام بالكوفة سنة يبايع الناس مختفيا ًوبالبصرة نحو شهر وكان ممن بايعه منصور بن المعتمر ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهلال بن

(1/158)


159 خباب بن الأرت قاضي وابن شبرمة ومسعر بن كدام وغيرهم وأرسل إليه أبو حنيفية بثلاثين درهم وحث الناس على نصره وكان مريضاً وكان قد أخذ عنه مثيراً وحضر معه من أهله محمد بن عبد الله النفس الزكية وعبد الله بن علي بن الحسين وان ظهروه ليلة الأربعاء من دار معاوية ابن إسحق الأنصاري لسبع بقين من المحرم سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائة وقتل يوم الجمعة لثلاثة أيام من ظهوره وهو ابن ثلاث واربعين سنة استخرج بعدد فنه وصلب بالكناسة تربة بالكوفة أربع سنين ونسجت العنكبوت على عورته ثم أنزل وأحرق وذر رماده رضي الله عنه روى عن أبيه وجماعة وروى عنه شعبة ويأتي طرف من خبره في ترجمة هشام قريباً وفيها قتل أحد الشجعان والبطال أبو محمد البطال وله حروب ومواقف ولكن كذبوا عليه فأفرطوا ووضعوا له سيرة كبيرة تقرأ كل وقت يزيد فيها من لا يستحي من الكذب وفيها توفي قاضي دمشق نمير أوس الأشعري أحد شيوخ الأوزاعي وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري المدني وقد لقي ابن عمرو ورافع بن خديج وطائفة وكانت له حلقة لفتوى وفيها أوفى التي بعدها سلمة بن كهيل الكوفي روى عن جندب البجلي وطائفة وكان من أثبات الشيعة ولخائهم حمل عنه شعبة والثوري ومسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي الأميرة ويلقب بالجرادة الصفراء وكان موصوفاً بالشجاعة والإقدام والرأي والدهاء ولى أرمينية وإذربيجان غير مرة وإمرة العراقين وسار في مائة وعشرين ألفاً فغزا القسطنطينية في خلافة سليمان أخيه وروى عن عمر بن عبد العزيز

(1/159)


160 سنة اثنتين وعشرين ومائة فيها كانت بالمغرب حروب مزعجة وملاحم وخرجت طائفة كثيرة وبايعوا عبد الواحد الهواري والتفت عليه أمم من السرير ثم نصر عليهم المسلمون وقتلوا خلقاً كثيراً ويفها توفي قاضي البرة أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة المزني الليثي يضرب بذكائه وفطنته المثل روى عن أنس وجماعة ووثقة ابن معين ولا رواية له في الكتب ا الستة كان صاحب فراسة قال الحريري فذا المعيتي المعية ابن عباس وفراستي فراسة إياس وقال أبو تمام ( أقدام عمرو في شجاعة عنتر * في حلم أحنف في ذكاء إياس ) قيل لأبيه معاوية كيف ابنك لك قال كفاني أمر دنياي وفرغني لآخر وعنه قال رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين معاً فلم أسبقه ولم يسبقني وعاش أبي ستاً وتسعين سنة وها أنا فيها فلما كان آخر لياليه قال الليلة استكملت عمري ونام فأصبح ميتا رحمه الله تعالى وفيها بكير بن عبد الله بن الأشج المدني الفقيه نزيل مصر وأحد شيوخ الليث بن سعد هو من صغر التابعين وزيد بن الحرث اليامي وروى عن إبراهيم النخعي وخلق من كبار التابعين وسيار أبو الحكم صاحب الشعبي وهو واسطي حجة مشهور ويزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي المدني عن سن عالية لقي أبا هريرة وفيها أبو هاشم الرماني الواسطي واسمه يحيى كان يسكن قصر الرمان بواسط روى عن أبي العالية وجماعة

(1/160)


161 سنة ثلاث وعشرين ومائة فيها قتل بالمغرب كلثوم بن عياض القشيري في عدة من أمرائه واستبيح عسكره وتمزقوا هزمهم أبو يوسف الأزدي رأس الصفرية وكان كلثوم قد ولى دمشق لهشام ثم ولاه غزو الخوارج بالمغرب واتبعت الصفرية نم انكسر من المسلمين فثبت لهم بلخ القشيري ابن عمر كلثوم فكان النصر ولله الحمد وقتل في المعركة أبو يوسف الأزدي وفيها حج بالناس يزيد بن الخليفة هشام ومعه الزهري فأخذ عنه إذ ذاك مالك وابن عيينة وأهل الحجاز وفيها توفي ثابت البناني وهو ثابت بن أسلم و بنانة من قريش وهم رهط بن سعد بن لؤي وكانت بنانة أمهم فنسبوا إليها وكان من أنفسهم ويكنى أبا محمد سعد بن لؤي وكانت بناية أمهم فنسبوا إليها وكان من أنفسهم ويكنى أبا محمد وكان م سادة التابعين علماً وفضلاً وعبادة ونبلاً وكان من خواص أنس وروى عن غيره من الصحابة وربيعة بن يزيد الدمشقي القصير شيخ دمشق بعد مكحول استشهد بافريقية وقد لقي جبير بن نفير وطائفة قال نوح بن فضالة كان مفضلاً على مكحول وقال سعيد بن عبد العزيز لم يكن عندنا أحسن سمتاً في العبادة من ومن مكحول وسماك بن حرب الذهلي الكوفي أحد الكبار قال أدركت ثمانين من الصحابة وذهب بصرى فدعوت الله تعالى فرده على قال أحمد العجلي كان عاملاً بالشعر وأيام الناس فصيحاً وفيها أبو يونس مولى أبي هريرة وقد شاخ واسمه سليم بن جبير نزل مصر وأدركه الليث روى عن مولاه عن أبي هريرة ووثقه النسائي وفيها سيد القراء وعالم البصرة وعابدها محمد بن واسع الأزدي أخذ عن أنس ومطرف بن الشخير وطائفة وهو مقل روى خمسة عشر حديثاً ومناقبه مشهورة قال بعضهم كنت إذا وجدت فترة أو قسوة نظرت في وجهه فيذهب

(1/161)


162 ذلك جميعه عني أو قال شهراً وقال له مالك بن دينار وقد نبهه على بعض دقائق الورع ما أحوجني إلى معلم مثلك وفيها قارئ مكة بعد ابن كثير محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ومنهم من يسميه عمر قال في العبر وأظنهما أخوين وله رواية شاذة في كتاب المبهج وغيره وقد روى عن صفية بنت شيبة وغيرها انتهى سنة أربع وعشرين ومائة فيها تمت وقعة كبيرة بالمغرب مع الصفرية ورأسهم ميسرة الحقير وذاق المسلمون منهم مشتاقاً وبلاء شديداً وفيها مات محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري أحد الثقات وقد ولي إمرة المدينة لعمر بن عبد العزيز وأدركه ابن عيينة والقسم بن أبي بزة المكي روى عن أبي الطفيل وجماعة يسيرة وفي رمضان منها توفي الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب سنة سمع من سهل بن سعد وأنس بن مالك وخلق قال ابن المديني له نحو ألفي حديث وقال عمر بن عبد العزيز لم يبق أعلم بسنة ماضية من الزهري وكذا قال مكحول وقال الليث قال ابن شهاب ما استودعت قلبي علماً فنسيته قال الليث فكان يكثر شرب العسل ولا يأكل شيئاً من التفاح الحامض وقال من أحب حفظ الحديث فليأكل الزبيب وقال أيوب ما رأيت أعلم من الزهري قال في العبر قلت وكان معظماً وافر الحرمة عند هشام بن عبد الملك أعطاه مرة سبعة آلاف دينار وقال عمرو بن دينار ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منهما عند الزهري كائنها بمنزلة البعر انتهى ورأى عشرة من الصحابة رضي الله عنهم وكان إذا أقبل على كتبه لم يلتفت إلى شيء فقالت له امرأته والله إن هذه الكتب

(1/162)


163 أشد على ثلاث من ضرائر وقال ابن تيمية حفظ الزهري الإسلام نحوا من سبعين سنة وقال ابن قتيبة وكان أبو جده عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدراً وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله أو ليقتلن دونه وهم عبد الله بن شهاب وأبي بن خلف وابن قميئة وعتيبة بن أبي وقاص وكان يزيد بن عبد الملك استقضى الزهري ولما مات دفن بماله على قارعة الطريق ليمر مار فيدعو له والموضع الذي دفن فيه آخر أعمال الحجاز وأول عمل فلسطين وبه ضيعة وأخو الزهري عبد الله بن مسلم وكان أسن من الزهري ويكنى أبا محمد وقد لقي ابن عمر وروى عنه وعن غيره ومات قبل الزهري انتهى ملخصاً سنة خمس وعشرين ومائة فيها توفي أبو سعيد بن أبي سعيد المقبري المحدث المكثر عن أبي هريرة وروى عن سعد بن أبي وقاص قال ابن سعد ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين قال الذهبي في العبر قلت ما سمع منه ثقة في اختلاطه انتهى وفيها مات في ربيع الآخر الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي وكانت خلافته عشرين سنة وكانت داره عند الخواصين بدمشق فعمل منها السلطان نور الدين مدرسة وكان ذا رأي وحزم وحلم وجمع للمال عاش أربعاً وخمسين سنة وكان أبيض سميناً سديداً حسن الكلام شكس الأخلاق شديد الجمع للمال قليل البذل وكان حازماً متيقظاً لا يغيب عنه شيء من أمر ملكه قال المسعودي كان هشام أحول فظاً غليظاً يجمع الأموال ويعمر الأرض ويستجيد الخيل وأقام الجلبة فاجتمع له فيها من خيلة وخيل غيره أربعة آلاف فرس ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من الخيل واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب

(1/163)


164 ولامتها واصطنع الرجال وقوي الثغور واتخذ القنى والبرك بمكة وغير ذلك من الآبار التي عليها داود بن علي في صدره الدولة العباسية وفي أيامه عمل الحرن فسلك الناس جميعاً في أيامه مذهبه ومنعوا ما في أيديهم فقل الأفضال وانقطع الرفد ولم ير زمان أصعب من زمانه وكان زيد بن علي يدخل على هشام فدخل عليه يوما بالرصافة فلما مثل بين يديه لم ير موضعاً يجلس فيه فجلس حيث انتهى به مجلسه فقال يا أمير المؤمنين ليس أحد يكبر عن تقوى الله فقال له هشام أسكت لا أم لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة فقال يا أمير المؤمنين إن لك جواباً إن أحببت أجبتك به وإن أحببت أمسكت عنك قال لا بل أجب قال إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق صلى الله عليها فلم يمنعه ذلك إلى ابتعثه الله نبياً وجعله للعرب أبا وأخرج من صلبه خير البشر محمداً لي كذا وأنا ابن فاطمة وابن علي وقام وهو يقول ( شرده الخوف وأزرى به * كذاك من يكره حر الجلاد ) ( منخرق الخفين يشكو الوجا * ينكبه أطراف مرو حداد ) ( قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد ) ( إن يحدث الله له دولة * يترك آثار العدا كالرماد ) وعرض هشام يوماً الجند فمر به رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور فقال له هشام ما حملك على أن ترتبط فرساً نفوراً فقال الحمصي لا والرحمن الرحيم يا أمير المؤمنين ما هو بنفور وإنما أبصر حولك فظن أنه عين عرون البيطار فنفر فقال له هشام تنح فعليك وعلى فرسك لعنة الله وكان عرون نصرانيا ببلاد حمص كأنه هشام في حوله وكشفته وبينما هشام ذات يوم جالساً وعنده الأبرش الكلبي إذ طلعت وصيفة لهشام عليها فقال للأبرش مازحها فقال لها الأبرش هبي لي حلتك فقالت

(1/164)


165 لأنت أطمع من أشعب فقال هشام ومن أشعب قال مضحكة بالمدينة وحدثه ببعض أحاديثه فضحك هشام وقال اكتبوا إلى إبراهيم بن هشام وكان عامله على المدينة في حمله إلينا فلما ختم الكتاب أطرق هشام طويلاً ثم قال يا أبرش هشام يكتب إلى بلد رسول الله إليه مضحك لاها الله ثم تمثل ( إذا أنت طاوعت الهوى قادك الهوى * إلى بعض ما فيه عليك مقال ) وأوقف الكتاب ودخل هشام بستاناً وله معه ندماؤه فطافوا به وفيه من كل الثمار فجعلوا يأكلون ويقولون بارك الله لأمير المؤمنين فقال وكيف يبارك لي فيه وأنتم تأكلونه ثم قال ادع قيمة فدعى به فقال له اقلع شجرة واغرس فيه زيتوناً حتى لا يأكل أحد منه شيئاً وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الأمر فقال له يا هشام أتؤمل الخلافة وأنت جبان بخيل قال أي والله العليم الحليم وذكر الهيثم بن عدي والمدايني وغيرهما إن السواس من بني أمية ثلاثة معاوية وعبد الملك وبهشام ختمت أبواب السياسة وحسن السير وإن المنصور كان في أكثر أموره وتدبيره وسياسته متبعاً لهشام في أفعاله لكثرة ما يستحسنه من أخبار هشام وسيره انتهى ملخصاً ومن نوادره ما روى أنه تمادى في الصيد فوقع على غلام فأمر ببعض الأمر فأبى الغلام وأغلظ له في القول وقال له لا قرب الله دارك ولا حيا في قصة طويلة فيها أنه أمر بقتله وقرب له نطع الدم فأنشأ الغلام يقول ( نبئت أن الباز علق مرة * عصفور بر ساقه المقدور ) ( فتكلم العصفور في أظفاره * والباز منهمك عليه يطير ) ( ما في ما يغني لبطنك شبعة * ولئن أكلت فإني لحقير ) ( فتعجب الباز المدل بنفسه * عجباً وأفلت ذلك العصفور ) فضحك هشام وقال يا غلام أحش فاه دراً وجوهراً

(1/165)


166 وفيها توفي أشعث بن أبي الشعث المحاربي الكوفي وآدم بن علي الشيباني الكوفي الذي روى عن ابن عمر وأبو جعفر بن أبي وحشية وإياس صاحب سعيد بن جبير وقد روي عن عباد بن شرحبيل الصحابي وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي والد المنصور والسفاح وله ستون سنة وكان جميلاً وسيماً مهيباً نبيلاً وكان دعاة العباسيين يكاتبونه ويلقبونه بالإمام وسبب الأمر العباسيين أن الشيعة كانت تقصد إمامة محمد بن الحنفية بعد أخيه الحسين ونقلوها بعده إلى ولده أبي هاشم فلما حضرت أبا هاشم الوفاة ولا عقب له أوصى إلى محمد بن علي المذكور ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة إليه ولما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام فلما حبسه مروان بن محمد آخر ملوك الأمويين وعرف أنه مقتول أوصى إلى السفاح وهو أول خلفاء العباسيين وشرح القصة يطول وستورد تمامه في ترجمة السفاح إن شاء الله تعالى وفيها وقيل في سنة أربع زيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي الجافظ أحد علماء الجزيرة وله أربعون سنة روى عن جماعة من التابعين قال الذهبي في المعنى هو ثقة نبيل قال أحمد في حديثه بعض النكرة وفيها أو بعدها زياد بن علاقة الثعلي الكوفي روى عن طائفة وكان معمراً أدرك ابن مسعود وسمع من جرير بن عبد الله وفيها صالح مولى التؤمة المدني وقد هرم وخرف لقي أا هريرة وجماعة

(1/166)


167 فيها ف جمادى الآخرة مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بحصن البخراء بقرب تدمر وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر وكان من أجمل الناس وأقواهم وأجودهم نظماً ولكنه كان فاسقاً متهنتكاً زعم أخوه سليمان أنه راوده عن نفسه فقاموا عليه لذلك مع ابن عمه يزيد بن الوليد الملقب بالناقص لكونه نقص الجند أعطياتهم وبويع يزيد الناقص فمات في العشر من ذي الحجة من السنة عن ست وثلاثين سنة وبويع بعده أخوه إبراهيم بن الوليد فدعا الناس إلى القدر وحملهم عليه وسيأتي الكلام عليه بقية قريباً إن شاء الله تعالى قاله في العبر وقال المسعودي في مروج الذهب ظهر في أيام الوليد بن يزيد يحي بن زيد بن علي بن أبي طالب بالجوزجا من بلاد خراسان منكراً للظلم وما عم الناس من الجور فسير إليه نصر بن سيار سالم بن أحوز المازني فقتل يحي في المعركة بسهم أصابه في صدغه بقرية يقال لها أرعونة ودفن هنالك وقبره مشهور إلى هذه الغاية وليحي وقائع كثيرة ولما قتل ولي أصحابه يومئذٍ واحترزوا رأسه فحمل إلى الوليد وصلب جسده بالجوزجان فلم يزل مصلوباً إلى أن خرج أبو مسلم صاحب الدولة فقتل سالم بن أحوز وأنزل جثة يحي فصلى عليها ودفنت هنالك وأظهر أهل خراسان النياحة علي يحي بن زيد سبعة أيام في سائر عمائرها في حال أمنهم على أنفسهم من سلطان بني أمية ولم يولد في تلك السنة مولود بخراسان إلا وسمي يحي أو زيد لما داخل أهل خراسان من الجزع والحزن عليهم وكان ظهور يحي آخر سنة خمس وعشرين وقيل في سنة ست وعشرين

(1/167)


168 ومائة وكان يحي يوم قتل يكثر من التمثل بقول الخنساء ( نهين النفوس وهون النفس * يوم الكريهة أوفى لها ) وكان الوليد بن يزيد صاحب شراب ولهو وطرب وسماع للغناء وهو أول م حمل المغنين إليه من البلدان وجالس الملهين وأظهر الشرب والملاهي والعزف وفي أيامه كان ابن سريج المغني ومعبد والفريض وابن عائشة وابن محرز وطويس ودحمان المغنين وغلبت شهوة الغناء في أيامه على الخاص والعام واتخذ القيان وكان متهتكاً ماجناً خليعاً وطرب الوليد لليلتين خلتا من ملكه وأرق فأنشأ يقول ( طالت وبت أسقي السلافة * وأتاني نعي من بالرصافة ) ( فأتاني ببردة وقضيب * وأتاني بخاتم للخلافة ) ومن مجونه قولهعند وفاة هشام وقد أتاه البشير بذلك وسلم عليه بالخلافة ( إني سمعت خليلي * نحو الرصافة رنه ) ( أقبلت أسحب ذيلي * أقول ما حالهنه ) ( إذا بنات هشام * يند بن والدهنه ) ( يدعون ويلاً وعولاً * والويل حل بهنه ) ( أنا المخنث حقاً * إن لم انيلنهنه ) ومن مليح قوله في لاشراب ( وصفراء في الكاس كالزعفران * سباها لنا التجر من عسقلان ) ( تريك القذاة وعرض الإناء * ستر لها دون مس البنان ) ( لها حبب كلما صفقت * تراها كلمعة برق يماني ) ومن مجونه أيضاً على شرابه قوله لساقيه ( اسقني يا يزيد بالطر جهاره * قد طربنا وحنت المزمارة ) ( اسقني اسقني فإن ذنوبي * قد أحاطت فما لها كفارة ) والوليد يدعى خليع بني مروان وقرأ ذات يوم ( ^ واستفتحوا وخاب كل جبار

(1/168)


169 عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ) فدعا بالمصحف فنصبه غرضاً وأقبل يرميه وهو يقول ( أتوعد كل جبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد ) ( إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل يا رب خرقني الوليد ) وذكر محمد بن يزيد المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبي ذلك الشعر ( تلعب بالخلافة هاشمي * بلا وحي أتاه ولا كتاب ) ( فقل لله يمنعني طعامي * وقل لله يمنعني شرابي ) فلم يمهل بعد قوله هذا إلا أياماً حتى قتل انتهى ما ذكره في المروج ملخصاً وأم الوليد بنت أخي الحجاج بن يوسف الثقفية ويكنى أبا العباس وقصمه الله وهو ابن سبع وثلاثين سنة وقيل اثنتان وأربعون سنة ودفن بدمشق بين باب الجابية وباب الصغير وفيها توفي جبلة بن سحيم الكوفي روى عن ابن عمر ومعاوية وفي المحرم هلك خالد بن عبد الله القسري الدمشقي الأمير تحت العذاب وله ستون سنة وكان جواداً ممدحاً خطيباً مفوهاً خطب بواسط يوم أضحى وكان ممن حضره الجعد بن درهم فقال خالد في خطبته الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلاً وموسى كليماً فقال الجعد وهو بجانب المنبر لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً ولا موسى كليماً ولكن من ورا ورا فلما أكمل خالد خطبته قال يا أيها الناس ضحوا قبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعدين درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولا موسى كليماًفي كلام طويل ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية والجعد هذا من أول من نفىالصفات وعنه انتشرت مقالة الجهمية إذ ممن حذا حذوة في ذلك الجهم بن صفوان عاملها الله تعالى بعدله قال الذهبي في المغني الجعد بن درهم ضال مضل زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم

(1/169)


170 خليلا تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيراً انتهى وقال فيه أيضاً خالد بن عبد الله القسري عن أبيه عن جده صدوق لكنه ناصبي جلد انتهى وقال ابن معين عن خالد هذا كان رجل سوؤ يقع في علي رضي الله عنه ولي العراق لهشام انتهى وقال ابن الأهدل في تاريخه عن خالد كان أمير العراق لهشام وكان أحد الأجواد كتب إليه هشام بلغني أن رجلاً قال لك إن الله كريم وأنت كريم جواد وانت جواد حتى عد عشر خصال والله لئن لم تخرج من هذا لأستحلن دمك فكتب إليه خالد إنما قال لي إن الله كريم يحب الكريم فأنا أحبك لحب الله إياك ولكن أشد من هذا مقام ابن سعي البجلي بحضرة أمير المؤمنين قائلاً خليفتك أحب إليك أم رسولك فقال بل خليفتي فقال أنت خليفة الله ومحمد رسوله والله لقتل رجل من بجيلة أهون من كفر أمير المؤمنين فكتب هشام إلى عامله على اليمن يوسف ابن عم الحجاج يقول اشفني من ابن النصرانية فسار يوسف من حينه واستعمل ولده الصلت مكانه ووصل العراق في سبعة عشر يوماً فوقع على خالد بالحيرة منزل النعمان بن المنذر على فرسخ من الكوفة فعذبه أشد تعذيب وجعل عليه كل يوم مالاً معلوماً إن لم يؤده ضاعف عذابه ومدحه أبو الشعث العبسي في السجن بقوله ( ألا إن خير الناس حياً وميتاً * أسير ثقيف عندهم في السلاسل ) ( لقد كان نهاضاً لكل ملمة * ويعطى اللهى فضلاً كثير النوافل ) ( وقد كان يقنى المكرمات لقومه * ويعطى العطا في كل حق وباطل ) فأنفذ إليه عطاء ذلك اليوم فاعتذر عن قبولها فأقسم عليه ليأخذنها وكان خالد فيما قيل من ذرية شق الكاهن وشق ابن خالة سطيح وكانا من أعاجيب الزمان كان سطيح جسداً ملقى بلا جوارح ووجهه في صدره ولم يكن له رأس ولا عنق وكان لا يقدر يجلس إلا إذا غضب فإنه ينتفخ فيجلس قيل وكان يطوي مثل الأديم وينقل من مكان إلى مكان وكان شق نصف

(1/170)


171 إنسان له يد ورجل وولداً في يوم واحد وهو اليوم الذي ماتت فيه طريقة الكاهنة الحميرية زوجة عمرو بن مزيقياء بن عامر بن ماء السماء وحين ولدا تفلت في أفواههما وماتت من ساعتها ودفنت بالجحفة انتهى ما أورده ابن الأهدل وفيها توفي دراج بن سمعان أبو السمح المصري القاص مولى عبد الله بن عمرو بن العاص قال السيوطي في حسن المحاضرة يقال اسمه عبد الرحمن ودراج لقب روى عن عبد الله بن الحارث بن جزء وعنه الليثي انتهى وفيها وقيل سنة ثمان سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري وعمرو بن دينار أبو محمد الجمحي مولاهم اليمني الصنعاني الايناوي بمكة عن ثمانين سنة قال عبد الله بن أبي نجيح ما رأيت أحداً قط أفقه منه وقال شعبة ما رأيت في الحديث أثبت منه قال في العبر سمع ابن عباس وجابراً وطائفة انتهى وقال طاووس لابنه إذا قدمت مكة فجالس عمرو بن دينار فإن أذنيه قمع العلم والقمع بكسر القاف وفتح الميم إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل يصب فيه الدهن إلى قارورة أو نحوها وقال ابن قتيبة هو مولى ابن باذان من فرس اليمن انتهى وفيها توفي عبد الرحمن بن القسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني الفقيه كان إماماً ورعاً كثير العلم وفيها على الصحيح سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق روى عن معاوية وجماعة قال أبو داود ولي قضاء دمشق أربعين سنة وعبد الله بن هبيرة السبائي المصري وله ست وثمانون سنة وعبيد الله بن أبي يزيد المكي صاحب ابن عباس ويحي بن جابر الطائي قاضي حمص قال ابن الأهدل وفي ذي الحجة منها مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك وقد بلغ من السن أربعين سنة وولايته خمسة أشهر وله عقب كثير وفي

(1/171)


172 جداته من أمه كسراويتين وفي ذلك يقول مفتخراً ( أنا ابن كسرى وأنا ابن خاقان * وقيصر جدي وجدي مروان ) ومن خطبته يوم قتل الوليد أيها الناس والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء نفسي إني لظلوم لها ولكني خرجت غضباً لله ولدينه لما ظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة الراكب لكل بدعة الكافر بيوم الحساب وأنه لابن عمي في النسب وكفؤي في الحسب فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره وسألته أن لا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك من أجابني حتى أراح الله منه العباد وطهر منه البلاد بحوله وقوته لا بحولي ولا قوتي انتهى سنة سبع وعشرين ومائة لما بلغ مروان بن محمد بن مروان وفاة يزيد الناقص سار من أرمينية في جيوشه يطلب الأمر لنفسه فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشراً ومسرورا في جيش كبير فهزم جيشهما وأسرهما ثم حاربه سليمان بن هشام بن عبد الملك فانهزم أيضاً فخرج إبراهيم للقائه وكان مروان نزل بمرج دمشق وبذل إبراهيم الأموال والخزائن فخذله أصحابه فخلع نفسه وبايع هو والناس مروان وفي هذه الفتنة قتل يوسف بن عمر الثقفي في السجن بدمشق وكان سجنه يزيد بن الوليد مع الحكم وعثمان ابن الوليد بن يزيد اللذين يقال لهما الجملان فلما ولي إبراهيم بن الوليد وغلبه مروان خافت جماعة إبراهيم أن يدخل مروان دمشق فيخرجهما مع يوسف فندبوا لقتلهم يزيد بن خالد بن عبد الله القسري فقتلهم وأدرك الثار بأبيه فجعل في رجلي يوسف حبلا وجرره الولدان في الشوارع ففعل يزيد بن خالد مثل ذلك في الموضع نعوذ بالله من سخطه وقتل أيضاً عبد العزيز ن الحجاج بن عبد الملك

(1/172)


173 وفيها توفي عبد الله بن دينار مولى ابن عمر بالمدينة قال ابن ناصر الدين كان ثبتا ثقة متقناً والسي الكبير الولي الشهير أبو يحي مالك بن دينار البصري الزاهد المشهور كان مولى لبني أسامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك وكان يكتب المصاحف بالأجرة أقام أربعين سنة لا يأكل من ثمار البصرة ولا يأكل إلا من عمل يده ووقع حريق بها فخرج متزراً بباريه وبيده مصحف وقال فاز المخففون وقيل له ألا تستسقي لنا فقال أنتم تنتظرون الغيث وأنا انتظر الحجارة وقال له رجل إن امرأتي حبلى منذ أربع سنين وأصبحت اليوم في كرب عظيم فادع الله لها فقال اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاماً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فجاء الرجل على رقبته غلام وقد استوت أسنانه وما قطع سراره وفيها توفي عمير بن هانئ العنسي بالنون الدراني روى عن معاوية في الصحيحين وعن أبي هريرة في السنن قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أراك لا تفتر عن الذكر فكم تسبح كل يوم قال مائة ألف تسبيحة إلا أن تخطئ الأصابع قلت هذا صريح منه بأنه كان يعد التسبيح بأصابعه ولكن أورد أبو بكر ابن داود في التحفة أن أبا الدرداء كان يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة أيضاً ثم قال ما معناه وهذا دليل أنه كان يستعمل السبحة إذ يبعد ويتعذر أن يضبط مثل هذا العدد بغيرها وجعله من جملة الأدلة على السبحة بعد أن ذكر أيضاً أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة وسلسل إليه حديثاً بالسبحة والله أعلم وفيها قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قال شعبة كان يصوم الدهر ويختم كل يوم وعبد الكريم بن مالك الجزري الحراني الحافظ كهلا قال في المغني ثقة مشهور وتوقف فيها ابن حبان وفيها وهيب بن كيسان المدني المؤدب عن سن عالية

(1/173)


174 وفيها أوفى سنة تسع إسماعيل السدي الكوفي في المفسر المشهور وفيها وقيل سنة ثمان توفي أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي شيخ الكوفة وعللها له نحو المائة رأى علياوغزا الروم زمن معاوية قال في المعارف وهو من بطن من همدان يقال لهم السبيع قال شريك ولد أبوه إسحاق السبيعي في سلطان عثمان لثلاث سنين بقين منه ومات سنة سبع وعشرين ومائة وله خمس وتسعون سنة حدثنا عبد الرحمن عن عمه عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب أبيض الرأس واللحية انتهى وقال عنه ابن ناصر الدين كان أحد أئمة الإسلام والحفاظ المكثرين وروى عن زيد بن أرقم انتهى سنة ثمان وعشرين ومائة فيها ظهر الضحاك بن قيس الخارجي وقتل متولي البصرة والموصل واستولى عليها وكثرت جموحه وأغار على البلاد وخاف مروان فسار إليه بنفسه فالتقى الجيشان بنصيبين وكان أشار على الضحاك أمراؤه أن يتقهقر فقال مالي في دنياكم من حاجة وقد جعلت لله على أن أيت هذا الطاغية أن أحم عليه حتى يحكم الله بيننا وعلى دين سبعة دراهم معنى منها ثلاثة آلاف فأحاطوا بذلك الخارجي فقتلوه في نحو ستة آلاف من الفريقين وقام بأمر الخوارج شيبان فتحيزهم وخندق وخندقوا على أنفسهم وجاء مروان فنازلهم وقاتلهم عشرة أشهر كل يوم يكسرونه وكانت فتنة هائلة تشبه فتنة ابن الأشعث مع الحجاج ثم رحل شيبان نحو شهرزور ثم إلى كرمان ثم كر إلى البحرين فقتل هناك وفيها خروج بسطام بن الليث بأذربيجان ثم قدم نصيبين في نيف وأربعين رجلاً فنهض لحربه عسكر الموصل فبيتهم وأصاب منهم ثم عاث بنصيبين ثم قتل

(1/174)


175 وفيها ولى العراقين يزيد بن عمر بن هبيرة وعزل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وقبض عليه ابن هبيرة نم واسط وبعث به إلى مروان مع ابن له فلم يزالا في حبسه حتى ماتا وفيها توفى بكر بن سوادة الجذامي المصري مفتي مصر وقد روى عن عبد اللهب نعمر وسهل بن سعد وجابر بن يزيد الجعفي من كبار لا محدثين بالكوفة روى عن أبي الطفيل ومجاهد وثقه وكيع وغيره وضعفه آخرون وأبو قبيل المعافري المصري حي بن هاني سمع عقبة وعبيد الله بن عمرو وعاصم بن أبي النجود الكوفي في الأسدي مولاهم أحد القراء السبعة كان حجة في القرآت صدوقاً في الحديث قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وغيره وأبو عمر أن الجوني البصري عبد الملك بن حبيب عن سن عالية سمع جندب بن عبد الله وجماعة وفيها على الأصح أبو حصين الأدجي عثمان بن عاصم سيد بني أسد الكوفة كان ثبتاً خيراً فاضلاً عثمانياً لقي جابر بن سمرة وطائفة وأبو الزبير المكي محمد بن مسلم أحد العقلاء والعلماء لقي عائشة و الكبار قال ابن ناصر الدين نقم عليه التدليس ومع ذلك فهو إمام حافظ واسع العلم رئيس انتهى وأبو جمرة الضبعي البصري نصر بن عمران صاحب ابن بعاس وفيها فقيه مصر وشيخها ومفتيها أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي مولاهم لقي عبد الله بن الحرث بن جزء وطائفة قال الليث هو عالمنا وسيدنا وفيها أبو التياح البصري صاحب أنس واسمه يزيد بن حميد قال أبو إياس ما بالبصرة أحد أحب إلى أن ألقى الله بمثل عمله نم أبى التياح وقال أحمد هو ثبت ثقة وفيها يحيى ين يعمر النحوي البصري لقي ابن عمر وابن عباس وغيرهما وأخذ النحو عن أبي الأسود وكان يفضل أهل البيت من غير تنقص لغيرهم

(1/175)


176 قال له الحجاج تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله لتخرجن من ذلك أو الألفين الأكثر من ك شعراً فقال قال الله تعالى ومن ذريته داود وسليمان الآية و زكريا ويحيى وعيسى الآية وبين عيسى و إبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد فقال له الحجاج خرجت ولقد قرأتها وما علمت بها قط ثم قال له الحجاج أين ولدت قال البصرة قال وأين نشأت قال بخراسان قال فمن أين هذه العربية قال رزق ثم كتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم أن أجعل يحيى بن يعمر على قضائك سنة تسع وعشرين ومائة في رمضان منها كان ظهور أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة بمرو وفيها توفي عالم المغرب وعابدها خالد بن أبي عمران التجيبي التونسي قاضي أفريقيه روى عن عروة وطبقته وسالم المدني أبو النضر وحديثه عن عبد الله بن أبي أوفى أجازه في الصحيحين وفيها وقيل في سنة إحدى وثلاثين على بن زيد بن جدعان القرشي التيمي البصري الضرير كان أحد أوعية العلم قال في العبر كان أحد علماء الشيعة وكان كثير الرواية ليس بالقوي انتهى وفيها على الصحيح يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل وقيل اسم أبيه يسار وقيل نشيط وقيل دينار الطائي مولاهم كان أحد العلماء الأعلام الأثبات قال أيوب السختياني ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير وقال في العبر هو أحد الأعلام في الحديث له حديث في صحيح مسلم عن أبي أمامة وآخر في سنن النسائي عن أنس فيقال لم يلقمها والله أعلم انتهى وفيها قارىء المدينة الزاهد العابد أبو جعفر يزيد بن القعقاع عن بضع وثمانين سنة أخذ عن أبي هريرة وابن عباس وقرأ عليه نافع وإلياس وله ذكر في سنين أبي داود وكان من أفضل أهل زمانه رؤى بعد موته على ظهر الكعبة وهو يخبر أنه من الشهداء الكرام

(1/176)


177 سنة ثلاثين ومائة فيها كانت فتنة الإباضية وهم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض قالوا مخالفونا من أهل القبلة كفار ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان وكفروا علياً و : ثر الصحابة وكان داعيتهم في هذه الفتنة عبد الله بن يحيى الجندي الكندي الحضرمي طالب الحق وكانت لهم وقعة بقديد مع عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقتل عبد العزيز ومن معه من أهل المدينة فكانوا سبعمائة أكثرهم من قريش منهم مخرمة بن سليمان الوالبي روى عن عبد الله بن جعفر وجماعة وبعدها سارت الخوارج إلى وادي القرى وليهم عبد الملك السعدي فقتلهم ولحق رئيسهم إلى مكة فقتله أيضاً ثم سار إلى تبالة وراء مكة بست مراحل فقتل داعيتهم الكندي وفيها توفي بالبصرة شعيب بن الحبحاب صاحب أنس وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية الأنصاري المدني وعبد العزيز بن رفيع المكي ثم الكفوي عن نيف وتسعين سنة روى عن ابن عباس وجماع وشيبة بن نصاح بن سرجس ابن يعقوب مولى أم سلمة ولا يعلم أحدروى عن نصاح إلا ابنه شيبة إمام أهل المدينة في القراءات في دهره قرأ على أبي هريرة وابن عباس وقال قالون كان نافع أكثر اتباعاً لشيبة بن جعفر عبد العزيز بن صهيب البصري الأعمى وكعب بن علقمة التنوخي المصري روى عن أبي تيم الجشاني وطائفة وفيها وقيل سنة إحدى وثلاثين السيد الجليل كبير الذكر محمد بن المنكدر التيمي

(1/177)


178 المدني قال ابن ناصر الدين هو محمد بن عبد الله بن الهدير بن معبد القرشي بن عامر ابن الحارث بن حارثة بن سعد بن تميم بن مرة أبو بعد اله ويقال أبو بكر القرشي التيمي أخو أبي بكر وعمر سمع أبا هريرة وابن عباس وجابراً وأنساً وابن المسيب وعدة أخر وهو من أضراب عطاء بن أبي رباح لكن تأخرت وفاته عن تلك الطبقة انتهى قيل هله أي العمال أفضل قال إدخال السرور على المؤمنين وقيل له أي الدنيا أحب إليك قال الافضال على الإخوان وكان يحج وعليه دين فقيل له أتحج وعليك دين فقال اعرضهم على الله قال مالك كنت إذا وجدت من قلبي قسوة آتى ابن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأبغض نفسي أياما وكان من أزهد الناس وأبعدهم وكان له أخوان فقيهان عابدان أبو بكر ابن المنكدر وعمر بن المنكدر وسمع محمد عائشة وأبا هريرة وكان بيته مأوى الصالحين ومجتمع العابدين وفيها توفي أبو وجزة السعدي المدني بن عبيد الذي روى عن عمير بن أبي سلمة ويزيد الرشك بالبصرة روى عن مطرف ابن الشخير وجماعة وفيها توفي يزيد بن رومان المدني روى عن عروة وجماعة وقيل إنه قرأ على ابن عباس وهو من شيوخ نافع في القراءة

(1/178)


179 وقاضي دمشق يزيد بن عبد الرحمن بن مليك الهمداني الفقيه أخذ عن وائلة بن الأسقع وجماعة سنة إحدى وثلاثين ومائة فيها استولى أبو مسلم صاحب الدعوة على ممالك خراسان وهزم الجيوش وأقبلت سعادة بني العباس وولت الدنيا عن بني أمية وكان ابتداء دعوته بمرو وذلك أن أبا مسلم واسمه عبد الرحمن بن مسلم قام بالدعوة الهاشمية وابتداء أمره أن أباه مسلماً رأى أنه خرج من إحليله نار وارتفعت في السماء ووقعت في ناحية المشرق فقصها على مولاه عيسى بن معقل العجلي فقال له يولد لك غلام يكون له شأن فمات أبوه ووضعته أمه ونشأ عند عيسى بن معقل ثم حبس عيسى وأخوه إدريس جد أبي دلف العجلي الذي يمدح في بقايا عليهم من الخراج فكان أبو مسلم يختلف إليهما فوافق عندهم يوماً جماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يدعون إلى بيعته سرا فمال إليهم أبو مسلم وسار معهم حتى قدموا على الإمام محمد بن علي بمكة فشكر فعلهم وأشار لأبي مسلم وقال له أنت ممن يتحرك في دولتنا ومات الإمام عقب ذلك وقد أوصى إلى ابنه إبراهيم فقدمت الدعاة على إبراهيم ومعهم أبو مسلم وهو غلام حزور فسلموا أبا مسلم إليه فكان يخدمه حضراً وسفراً ثم أرسله إلى خراسان فشهر الدعوة وهو ابن ثماني عشرة سنة وقيل ابن ثلاث وثلاثين سنة وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم غير معين ثم أظهر الدعوة لإبراهيم بن محمد وكان إبراهيم بحران فقبض عليه مروان وجعل رأسه بحراب نورة وشد عليه فمات غما وهرب أخوه عبد الله السفاح فتوارى بالكوفة حتى أتته جيوش أبي مسلم من خراسان بعد وقعاته العظيمة

(1/179)


180 بأمراء الأمويين فبايعوه وسموه المهدي الوارث للإمامة وكان أبو مسلم معظماً يلقاه أبو ليلى القاضي فيقبل فنهى أبو ليلى فقال قبل أبو عبيدة يد عمر فقيل شبهته بعمر قال تشبهوني بأبي عبيدة ومن جوده أنه حج في ركبه فأقسم أن لا يوقد غير ناره وقام بمؤونتهم حتى قدم مكة ووقف بمكة خمسمائة وصيف يسقون الناس في المسعى وآخر أمره أنه لما ولى أبو جعفر المنصور بعد أخيه السفاح صدرت من أبي مسلم قضايا غيرت قلبه عليه من ذلك أنه كتب إليه كتاباً فبدأ بنفسه وخطب إليه عمته آسية وقد كان في ابتداء دولة المنصور قام عليه ابن أخيه ابن السفاح عبد الله فجهز إليه أبو جعفر أبا مسلم فهزمه وقبض خزانته وما معه فكتب إليه أبو جعفر المنصور احتفظ بما في يديك ولا تضيعه فشق ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور ثم إن المنصور استعطفه ومناه وحفظها له وقال لمسلم بن قتيبة الباهلي ما ترى في أبي مسلم فقال لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فقال حسبك لأذن واعية قيل قيل وقد كان قيل لأبي مسلم أو رؤى له في الملاحم أنه يميت دولة ويحي دولة ويقتل بأرض الروم وكان المنصور برومية منزلاً سوى المدائن فنزلها وبنى فيها رومية وقدم أبو مسل من حجة على المنصور جماعة خلف سريره وقال لهم إذا دخل وعاتبته وضربت يداً على يد فأظهروا له واضربوا عنقه ففعلوا وأنشد حين رآه طريحا ( زعمت أن الكيل لا ينقضى * فاستوف بالكيل أبا مجرم ) ( اشرب بكأس كنت تسقى بها * أمر في الحلق من العلقم ) واختلف في نسب أبي مسلم فقيل من العرب وقيل من العجم وقيل من الأكراد وفي = لك يقول أبو دلامة ( أبا مجرم ما غير الله نعمة * على عبده حتى يغيرها العبد )

(1/180)


181 أفي دولة المنصور حاولت غدره * ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد ) ( أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى * عليك بما خوفتني الأسد الورد ) وكان يدعى هو أنه أبا سليط بن علي بن عبد الله بن عباس وقال الكتبي في غرر الخصائص قتل أبو مسلم ستمائة ألف انتهى وكان قتل المنصور له في سنة سبع وثلاثين ومائة وفي سنة إحدى وثلاثين مات الزاهد المشهور فرقد السبخي البصري حدث عن أنس وجماعة وفيه ضعف قال الذهبي في المغني فرقد السبخي أبو يعقوب قال البخاري في حديثه مناكير وقال يحي القطان ما تعجبني الرواية عنه عن سعيد بن جبير وثقة يحي بن معين وقال أحمد ليس بالقوي انتهى ومنصور بن زاذان البصري زاهد البصرة وشيخها روى عن أنس وجماعة وكان يصلي من بكرة إلى العصر ثم يسبح إلى المغرب وفيها قتل أبو مسلم الخراساني إبراهيم ن ميمون الصائغ ظلما روى عن عطاء ونافع وفيها توفي بالبصرة إسحاق بن سويد التميمي روى عن ابن عمر وجماعة وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الدمشقي مؤدب أولاد عبد الملك بن مروان وكان زاهداً عابدا روى عن أنس وطائفة وفيها فقيه أهل البصرة أيوب السختياني أحد الأعلام كان من صغار التابعين قال شعبة كان سيد الفقهاء وقال ابن عيينة لم ألق مثله وقال حماد بن زيد كان أفضل من جالسته وأشده اتباعاً للسنة وقال ابن المديني له نحو ثمانمائة حديث وقال ابن ناصر الدين هو أيوب بن أبي تميمة كيسان أبو بكر السختياني البصري كان سيد العلماء وعلم الحفاظ ثبتاً من الأيقاظ انتهى وفيها الزبير بن عدي قاضي الري يروي عن أنس وجماعة وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث المخزومي المدني لقي كبار التابعين

(1/181)


182 وفيها أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة وكانت رملة تحت عثمان بن عفان وكان أبو الزناد أنه قال أصلنا من همدان وكان عمر بن عبد العزيز ولاه خراج العراق مع عبد الحميد بن زيد بن الخطاب ومات أبو الزناد فجاءة في مغتسله في شهر رمضان وهو ابن ست وستين سنة وكان فقيهاً أحد علماء المدينة لقي عبد الله بن جعفر وأنساً قال الليث رأيت أبا الزناد وخلقه ثلثمائة تابع من طالب علم وفقه وشعر وصنوف ثم لم يلبث أن بقي وحده وأقبلوا على ربيعة قال أبو حنيفة كان أبو الزناد أفقه من ربيعة وفيها عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر صاحب مجاهد كان مولى لبني مخزوم ويكنى أبا يسار وكان يقول بالقدر الذهبي في المغني عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر ثقة قال القطان لم يسمع التفسير كله من مجاهد بل كله عن القس ابن أبي بزة وقد ذكره الجوزجاني فيمن رمى بالقدر وهو وزكريا ن إسحاق وعبد الحميد بن جعر وإبراهيم بن نافع وابن إسحاق وعمر بن أبي زائدة وشبل ابن عباد وابن أبي ذئب وسيف ب سليمان انتهى وفيها محمد بن جحادة الكوفي يروي عن أنس وطائفة توفي في رمضان وهمام بن منبه اليماني صاحب أبي هريرة وكان من أبناء المائة قال أحمد كان يغزو فجالس أبا هريرة وكان يشتري الكتب لأخيه وهب وفيها واصل بن عطاء المعتزلي المتكلم كان ألثغ يبدل الراء غنياً وكان

(1/182)


183 يخلص كلامه بحيث لا تسمع منه الراء حتى يظن خواص جلسائه أنه غير ألثغ حتى يقال إنه دفعت إليه رقعة مضمونها أمر أمير الأمراء الكرام أن يحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منه الصادر والوارد فقرأ على الفور حكم حاكم الحكام الفخام أن ينبش جب على جادة الممشى فيسقى منه الصادي والغادي فغير كل لفظ برديفه وهذا من عجيب الاقتدار وقد أشارت الشعراء إلى عدم تكلمه بالراء من ذلك قول بعضهم ( نعم تجنب لا يوم العطاء كما * تجنب بن عطاء لفظة الراء ) ولما قالت الخوارج بتكفير أهل الكبائر وقالت أهل السنة بفسقهم قال واصل بن عطاء لا مؤمنون ولا كفار فطرده الحسن عن مجلسه وصار له شيعة قال السيد الشريف في التعريفات الواصلية أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء قالوا بنفي القدرة عن الله تعالى وتقدس وبإسناد القدرة إلى العباد انتهى سنة اثنتين وثلاثين ومائة فيها ابتداء دولة العباسيين وبويع أبو العباس السفاح عبد الله بن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس بالكوفة وجهز عمه عبد الله بن علي لمحاربة مروان ابن محمد الجعدي فزحف مروان إليه في مائة ألف إلى أن نزل بالزاب دون الموصل فالتقوا في جمادى الآخرة فانكسر مروان واستولى عبد لله بن علي على الجزيرة وطلب الشام وهرب مروان إلى مصر فاتبعهم أيضاً فأدركهم بفلسطين فأوقع بهم بضعا وثمانين رجلا ثمعبر مروان النيل طالب الحبشة فلحقه صالح بن علي عم الساح فأدركه بقرية م قرى الفيوم من أرض مصر يقال لها بوصير فوافاه صائما ًوقد قدم له الفطور فسمع الصائح فخرج وسيفه مصلت فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجاج بن حكيم ( متقلدين صفائحا هندية * يتركن من ضربوا كأن لم يولد )

(1/183)


184 ( وإذا دعوتهم ليوم كريهة * وافوك بين مكبر وموحد ) فقصدته الخيول من كل جانب وقتلوه وكان أهله وبناته في كنيسة هناك فأقبل خادمه بالسيف مصلتا يريد الدخول عليهم فأخذ وسئل عن مراده فقال أن مروان أمرني إذا تيقنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته فأرادوا قتله فقال أن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله قالوا فدلنا على ذلك أن كنت صادقاً فخرج بهم إلى رمل هناك فكشفوه فإذا فيه القضيب والبرد والقعب والمصحف فأخذوه وكان الذي تولى قتله عامر ابن إسماعيل الخراساني وهو صاحب مقدمة صالح ولما قتله دخل بيته وركب سريره ودعا بعشائه وجعل رأس مروان في حجر ابنته وأقبل يوبخها فقالت له يا عامر إن دهراً أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتى تعشيت عشائه لقد أبلغ في موعظتك وعمل في ايقاظك وتنبيهك أن عقلت وفكرت ث قالت وأبتاه واأمير المؤمنيناه فأخذ عامراً الرعب من كلامها وبلغ ذلك أبا العباس السفاح فكتب إلى عامر يوبخه ويقول أم في أدب الله ما يخرجك عن عشاء مروان والجلوس على مهاده وقتل مروان وله تسع وخمسون سنة وقيل سبع وستون وإمارة خمس سنين وتسعة أشهر وأيام وقتل معه اخ لعمر بن عبد العزيز كان أد الفرسان وكان مروان بطلاً شجاعاً ظالماً أبيض ضخم الهامة ربعة أشهل العين كث الحية أسرع إليه الشيب ذكره المنصور مرة فقال لله دره ما كان أحزمه وأسوسه وأعفه عن الفيء قاله في العب وسار أولاد مروان وشيعتهم على شاطىء النيل إلى أن دخلوا ارض النوبة فأخرجهم ملكها ثم ساروا حتى توسطوا أرض البجة ميممين ناصع من ساحل بحر القلزم ولهم حروب مع من مروا به وهلك عبيد الله بن مروان في غده قتلاً وعطشاً وخرج أخوه عبد الله فيمن بقي غلى ساحل المعدن بناصع وأرض البجة وقطعوا البحر إلى جدة فظفر به

(1/184)


185 وأودع السجن إلى أيام الرشيد وهلك وروى أن عبد الله هذا حدث أب جعفر المنصور بما جرى له مع ملك النوبة وملخص القصة على ما ذكره صاحب العقد الفريد ذكر سليمان بن جعفر قال لكنت واقفاً على رأس المنصور ليلة وعنده جماعة فتذاكروا زوال ملك بني أمية فقال بعضهم يا أمير المؤمنين في حبسك عبد الله بن مروان بن محمد وقد كانت له قصة عجيبة م عملك النوبة فابعث غليه فاسأله عنها فقال المنصور يا مسيب علي به فأخرج وهو مقيد بقيد ثقيل وغل ثقيل فمثل بين يديه وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال له المنصور يا عبد الله أن رد السلام أمن ولم تسمح لك نفسي بذلك بعد ولكن اقعد فجاؤه بوسادة فقعد عليها فقال له بلغني أنه كانت لك قصة عجيبة مع ملك النوبة فما هي قال يا أمير المؤمنين والذي أكرمك بالخلافة ما أقدر على النفس من ثقل الحديد ولقد صدئ قيدي من رشاش البول وأصب عليه الماء في أوقات الصلوات فقال المنصور يا مسيب أطلق عنه حديدة فلما أطلقه قال يا أمير المؤمنين لما قصد عبد الله بن علي عم أمير المؤمنين إلينا كنت أنا المطلوب أكثر من الجماعة كلهم لأني كنت ولي عهد أبي من بعده فدخلت إلى خزانة لنا فاستخرجت منها عشرة آلاف دينار ثم دعوت عشرة من الغلمان وحملت كل واحد على دابة ودفعت إليه ألف دينار وأوقرت خمسة أبغل ما نحتاجه وشددت على وسطي جوهراً له قيمة مع شيء من الذهب وخرجت هارباً إلى بلد النوبة فسرت فيها ثلاثاً فوقعت على مدينة خراب فأمرت الغلمان فكسحوا منها ما كان قذراً ثم فرشوا بعض تلك الفرش ودعوت غلاماً لي كنت أثق به وبعقله فقلت انطلق إلى الملك وأقرئه عني السلام وخذ لي الأمان وابتع لي ميرة قال فمضى وأبطأ عني حتى سؤت ظناً ثم أقبل ومعه رجل آخر فلما دخل قعد بين يدي وقال لي الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك من أنت وما جاء بك إلى بلادي أمحارب لي أم راغب إلى أم مستجير بي فقلت ترد على الملك السلام وتقول له

(1/185)


أما محارب لك
186 فمعاذ الله وأما راغب في دينك فما كنت لأبغي بديني بدلا وأما مستجير بك فلعمري قال فذهب ثم رجع إلي وقال الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك أنا صائر إليك غدا فلا تحدثن في نفسك حدثاً ولا تتخذ شيئاً من ميرة فإنها تأتيك وما تحتاج إليه فأقبلت الميرة فأمرت غلماني يفرشون تلك الفرش وأمت بفرش نصب له ومثله وأقبلت من غدأ رقب مجيئه فبينا أنا كذلك إذ أقبل غلماني وقالوا إن الملك قد أقبل فقمت بين شرفتين من شرف القصر أنظر إليه فإذا رجل قد لبس بردتين اتزر بإحداهما وارتدى بالأخرى حاف راجل وإذا عشرة معهم الحراب ثلاثة يقدمونه وسبعة خلفه قرب من الدار إذا أنا بسواد عظيم فقلت ما هذا قيل الخيل وإذا بها تزيد على عشرة آلاف عنان فكانت موافاة الخيل إلى الدار وقت دخوله فدخل إلي وقال لترجمانه أين الرجل فلما نظر إلي وثبت إليه فأعظم ذلك وأخذ بيدي فقبلها ووضعها على صدره وجعل يدفع البساط برجله فظننت أن ذلك شيئاً يجهلونه أن يطأوا على مثله حتى انتهى الفرش فقلت لترجمانه سبحان الله لم لا يقعد على الموضع الذي وطئ له فقال قل له ني ملك وحق على كل ملك أن يكون متواضعاً لعظمة الله سبحانه إذ رفعه ثم أقبل ينكث بإصبعه في الأرض طويلاً ثم رفع رأسه فقال لي كيف سلبت نعمتكم وزال عنكم هذا الملك وأخذ منكم وأنتم أقرب إلى نبيكم من الناس جميعاً فقلت جاء من هو أقرب قرابة إلى نبينا فسلبنا وطردنا وقاتلنا فخرجت إليك مستجيراً بالله ثم بك قال فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرم عليكم في كتابكم فقلت فعل ذلك عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا في ملكنا بغير رأينا قال فلم كنتم تركبون على دوابكم بمراكب الذهب والفضة والديباج وقد حرم عليكم ذلك قلت عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا مملكتنا ففعلوا قال فلم كنتم أنتم إذا خرجتم إلى صيدكم تقحمتم على القرى وكلفتم أهلها مالاً طاقة لهم به الضرب الموجع

(1/186)


187 ثم لا يقنعكم ذلك حتى تمشوا في زروعهم فتفسدوها فيطلب دراج قيمته نصف درهم أو عصفور قيمته لا شيء والفساد محرم عليكم في دينكم فقلت عبيد وأتباع قال لا ولكنكم استحللتم ما حرم الله وفعلتم ما نهاكم عنه وأحببتم الظلم وكرهتم العدل فسلبكم الله عز وجل العز وألبسكم الذل ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد وإني أتخوف عليكم أن تنزل النقمة بك إذ كنت من الظلمة فتشملني معك فإن النقمة إذا نزلت عمت والبلية إذا حلت شملت فاخرج عني بعد ثلاثة أيام من أرضى فإني إن وجدتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك وقتلت جميع من معك ثم وثب وخرج فأقمت ثلاثاً وحرجت إلى مصر فأخذني وإليك وبعث بي إليك وها أنا الآن بين يديك والموت أحب إلي من الحياة فهم المنصور باطلاقه فقال له إسماعيل بن علي في عنقي بيعة قال فماذا ترى قال يترك في درامن دورنا ونجري عليه ما يليق به ففعل ذلك به انتهى قال ابن الأهدل وهرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك وكثيرون من بنيأمية إلى المغرب واستولى على بلاد الأندلس ومخاليفها وورثها بطنا بعد بطن واستأمن سليمان بن هشام وابناه في نحو ثمانين رجلاً من بني أمية فأمنهم لاسفاح حتى قدم عليه الشديف بن ميمون مولى زين العابدين ( ظهر الحق واستبان مضياً * إذ رأينا الخليفة المهديا ) إلى قوله ( قد أتتك الوفود من عبد شمس * مستكينين قد أجادوا المطيا ) ( فاردد العذر وامض بالسيف حتى * لا تدع فوق ظهرها أمويا ) وأنشده أيضاً ( علام وفيم تترك عبد شمس * لها في كل راعية ثغاء ) ( أمير المؤمنين أبح دماهم * فإن تفعل فعادتك المضاء ) وأنشده أيضاً

(1/187)


188 أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس غلى قوله ( فلهم أظهر المودة منهم * وبهم منكم كحد المواسى ) فلما سمع السفاح ذلك أمر بقتل جميعهم وأجاز الشديف بألف دينار ثم قال المنصور كأني بك يا شديف لأجل عطاياهم نقوم بها أودنا وأقسم بالله لئن فعلت لأقتلنك ففعل الشديف ذلك وانتهى خبره إليه تمكن منه ضربه حتى مات انتهى ما قابله ابن الأهدل وقال في العبر لما استولى عبد الله بن على الجزيرة وطلب الشام فهرب مروان إلى مصر وخذل وانقضت أيامه نزل عبد الله على دمشق فحاصرها وبها ابن عم مروان الوليد بن معاوية بن مروان فأخذت بالسيف وقتل بها من الأمويين عدة آلاف منهم أميرها الوليد وسليمان بن هشام ابن عبد الملك وسليمان بن يزيد بن عبد الملك وزرعة بن إبراهيم قال في المغني زرعة ابن إبراهيم عن عطاء قال أبو حاتم الرازي ليس بالقوى انتهى وفيها أب في سنة اثنتين وثلاثين ومائة توفي عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني النحوي روى عن أبيه وغيره قال معمر كان من أعلم النسا بالعربية وأحسنهم خلقاً وما رأيت ابن فقيه مثله ودخل مع مالك على المنصور فقال حدثني عن أبيك قال حدثني أبي أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه فأمسك المنصور قال مالك فضممت ثيابي خوفاً أن يصيبني دمه ثم قال له ناولني الدواة فلم يفعل فقال لم لا تناولني فقال أخاف أن تكتب بها معصية قال قوماً عني قال قوماً عني قال ذلك ما كنا نبغي قال مالك فمازلت أعرف فضله

(1/188)


189 وفيها ساحق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري الفقيه كان مالك لا يقدم عليه أحداُ لنبله عنده وإبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس قال عليه أحداً لنبله عنده وإبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس قال ابن عيينة أخبرنا إبراهيم بن ميسرة من لم تر عيناك والله مثله وفيها قتل خالد بن سملة بن العاص المخزومي الكوفي وكان قد هرب إلى واسط مع يزيد بن عمر بن هبيرة فقتله بنو العباس وفيها توفي سالم الأفطس الحراني الفقيه مولى بني أمية روى عن سعيد بن جبير وجماعة قتله عبد الله بن علي قال في المغني سالم الأفطس هو ابن عجلان تابعي مشهور وثقة بعضهم وخرج له البخاري قال الفسوى مرجىء معاند وقال ابن حبان يتفرد بالمعضلات انتهى وممن قتل في هذه السنة عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وفيها توفي أبو عبد الله صفوان بن سليم المدني الفقيه القدوة روى عن أبن عمر وجابر وعدة قال أحمد بن حنبل ثقة من خيار عباد الله يستزل بذكره القطر وفيها عبد الله بن عثمان بن خيثم المكي روى عن أبي الطفيل وعدة قال في المغني وثقة ابن معين مرة ومرة قال لا أعرفه انتهى وفيها أبو عتاب منصور بن المعتمر السلمي الكوفي الحافظ أحد الأعلام أخذ عن أبي وائل وكبار التابعين وقال ما كتبت حديثاً قط وكان أحفظ أهل الكوفة صام أربعين سنة وقامها وعمى من البكاء وأكره على القضاء أي قضاء الكوفة وقضى شهرين وتوفي بالمدينة قال في المعبر يقال فيه يسير تشيع انتهى وفيها قتل بجامع دمشق في أخذها يوسف بن ميسرة بن حابس المقرىء العمى وله مائة وعشرون سنة روى عن معاوية والكبار وكان موصوفاً بالفضل والزهد كبير القدر وقتل بنهر أبي قطرس من الأردن الأمير

(1/189)


190 محمد بن عبد الملك بن مروان الأموي وله رواية عن أبيه وفي ذي القعدة قتل الأمير أبو بخالد يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين لمروان وله خمس وأربعون سنة وهو آخر من جمع له العراقان وكان شهما ًطويلاً شجاعاً خطيباً مفوهاً جواجاً مفرط الكل ولما تواقع هو وبنو العباس هرب إلى واسط فحاصروه به وثبت معه معن بنزائدة الشيباني وكان وكان أبو جعفر المنصور أخو السفاح يعيره فيقول ابن هبيرة يخندق على نفسه كالنساء فأرسل إليه أبو هبيرة إن ابرز إلي فقال المنصور خنزير قال لأسد ابرز إلي فقال الأسد ما أنت بكفؤ لي قال الخنزير لأعرفن السباع إنك جبنت فال الأسد احتمال ذلك أيسر من تلطخ براثني بدمك ثم أمنه المنصور وغدر به وقال لا يعز ملك وأنت فيه وكان رزق ابن هبيرة في كل سنة ستمائة ألف وكان يأكل في يومه خمس أكلات عظام وقتل وهو ساجد وفيها كانت وقعة المسناة فقتل الأمير قحطبة بن شبيب الطائي المروزي أحد دعاة بني العباس وتأمر على الجيش في الحال ولده وفيها قتل سليمان أحد دعاة بني العباس وتأمر على الجيش في الحال ولده وفيها قتل سليمان بن كثير الخزاعي المروزي الأمير أحد نقباء بني العباس قتله أبو مسلم الخراساني وفي ذي الحجة قتل بمصر عبيد الله بن أبي جعفر الليثي مولاهم المصري الفقيه أحد العلماء والزهاد ولد سنة ستين قال محمد بن سعد كان ثقة يقية في زمانه قال ابن ناصر الدين من حكم كلامه إذا حدث المرء فأعجبه الحديث فليمسك وإن كان ساكناً فأعجبه السكوت فليتحدث انتهى سنة ثلاث وثلاثين ومائة فيها نازل طاغية الروم اليون بن قسطنطين ملطية وأخ عليهم بالقتال حتى سلموها بالأمان فهدم المدينة والجامع ووجه مع المسلمين عسكراً حتى يبلغوهم مأمنهم

(1/190)


191 وفيها بعث أبو مسلم الخراساني مراراً الضبي فقتل الوزير أبا مسلمة الخلال حفص بن سليمان السبيعي مولاهم الكوفي وزير آل محمد وفيه قيل هذا البيت ( إن الوزير وزير آل محمد * أودى فمن سناك كان وزيرا ) وفيها توفي أيوب بن موسى بن الأشدق عمر بن سعيد الأموي المكي الفقيه روى عن عطاء ومكحول قال في المغني عن بعض التابعين مجهول انتهى وقد خرج له أبو داود ومات بمكة الأمير داود بن علي بن عبد الله بن عباس وكان فصيحاً مفوها ولي إمرة المدينة وروى جماعة أحاديث قاله في العبر وفيها وقيل في سنة سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم المصري كهلا يروي عن التابعين وعمار الدهني دهن بن معاوية من بجيلة أو معاوية الكوفي روي عن أبي الطفيل وعدة وعياش بن عباس القتباني المصري روى عن التابعين ومغيرة بن مقسم الضبي مولاهم الكوفي الفقيه الأعمى أحد الأئمة روى عن أبي وائل وطبقته قال شعبة كان أحفظ من حماد بن أبي سلمة وقال مغيرة ما وقع في مسامعي شيء فنسيته وقال أحمد بن حنبل كان ذكياً حافظاً صاحب سنة وفيها أوفى التي قبلها توفي سيد أهل دمشق يحي بن يحي بن قيس الغساني ولى قضاء الموصل لعمر بن عبد العزيز وأخذ عن أبي إدريس الخولاني وغيره وكا ثقة إماماً ولا راوية في الكتب الستة سنة أربع وثلاثين ومائة فيها تحول الخليفة السفاح عن الكوفة ونزل الأنبار وفيها توفي بالبصرة أو هارون العبدي صاحب أبي سعيد الخدري أحد الضعفاء قال حماد بن زيد هو كذاب

(1/191)


192 والفقيه يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي روى عن مكحول وطائفة قال أبو داود أجازه الوليد بن يزيد مرة بخمسين ألف دينار وذكر للقضاء فإذا هو أكبر من القضاء قاله في العبر وعن ابن عيينة قال لا أعلم مكحولاً خلف بالشام مثل يزيد بن يزيد الإمام وقال في المغني يزيد بن يزيد بن جابر صدوق مشهور لينه ابن قانع انتهى وفيها توجه من العراق موسى بن كعب إلى حرب منصور بن جمهور الكلبي الدمشقي حتى أتى السند فالتقى في اثني عشر ألفاًفهزم منصور ومات في البرية عطشاً وكان قدرياً سنة خمس وثلاثي ومائة فيها توفي أبو العلاء برد بن سنان الدمشقي نزل البصرة روى عن واثلة فمن بعده قال في المغني هو شامي لا يعرف انتهى وداود بن الحصين المدني مولى بني أمية روى عن عكرمة وجماعة قال في المغني داود بن الحصين أبو سليمان المدني عن عكرمة صدوق يغرب ووثقه غير واحد كابن معين وقال ابن المديني ما روى عن عكرمة فمنكر وقال أبو حاتم الرازي لولا أن مالكاً روى عنه لنزل حديثه وقال سفين بن عيينة كنا نتقي حديثه وقال أبو زرعة لئن قلت رمى بالقدر انتهى وفيها على الأصح أبو عقيل زهرة بن معبد التيمي بالإسكندرية عن سن عالية قال الدارمي زعموا أنه كان من الأبدال روى عن ابن عمرو وابن الزبير وفيها على الأصح عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني شيخ مالك والسفيانين روى عن أنس وجماعة وكان كثير العلم وفيها عطاء الخراساني نزيل بيت المقدس وهو كثير الإرسال عن الصحابة

(1/192)


193 وإنما سمع عن أبي بريدة والتابعين وولد سنة خمسين وكان يقول أوثق علمي في نفسي نشر العلم وقال ابن جابر كنا نغزو معه فكان يحي الليل صلاة الأنومة السحر وكان يعظنا ويحثنا على التجهد وفيها رابعة بنت إسماعيل المصرية العدوية شهيرة الفضل وقيل توفيت سنة خمس وثمانين ومائة ولا يصح اجتماع السري بها فإنه عاش حتى نيف على الخمسين ومائتين وروى أن سفيان الثوري قال بحضرتها واحزناه قالت لا تكذب وقل واقلة حزناه وسمعته يقول اللهم إني أسألك رضاك فقالت تسأل رضا من لست عنه براض ورآها بعض إخوانها في المنام فقالت هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل من نور وقبرها على رأس جبل يسمى الطور وبظاهر بيت المقدس وقيل ذلك قبر رابعة أخرى غير العدوية وقيل لها في منام ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب قالت سبقتا إلى الدرجات العلا قيل ولم ذلك قالت لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا وأمست سنة ست وثلاثين ومائة فيها توفي أشعث بن سوار الكندي الأفرق النجار بالكوفة لقى الشعبي وغيره قال في المغنى أشعث بن سوار الكوفي الأفرق التوايتي النجار مولى ثقيف روى عن الشعبي وغيره وهو من الضعفاء الذين روى لهم مسلم متابعة ضعه أحمد وابن معين والدارقطني وقد وثقه بعضهم وقال الثوري هو أثبت من مجالد انتهى وجعفر بن ربيعة المصري له عن أبي سلمة والأعرج وطائفة وحصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي الحافظ عن ثلاث وتسعين سنة

(1/193)


194 لقي جابر بن سمرة والكبار قال في المغني حصين بن عبد الرحمن الحارثي الكوفي مقل ما علمت أن أحدا وهاه انتهى وربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ الفقيه أبو عثمان المدني عام المدينة ويقال له ربيعة الرأي قيل له ذلك لأنه كا يتقوى بالرأي سمع أنساً وابن المسيب وكانت له حلقة للفتوى وأخذ عنه مالك وغيره وأدرك جماعة من الصحابة مات بالهاشمية مدينة بناها السفاح بالأنبار ويوم مات قال مالك ذهبت حلاوة الفقه وكان أقدمه السفاح للقضاء السفاح للقضاء وكان يكثر الكلام ويقول الساكت بين النائم والأخرس وتكلم يوما وعنده أعرابي فقال ما العي فقال الذي أنت فيه منذ اليوم وهو من الثقات كما قال ابن ناصر الدين وفيها زيد بن أسلم العدوي مولاهم الفقيه العابد لقى ابن عمر وجماعة وكانت له حلقة للفتوى والعلم بالمدينة قال أبو حازم الأعرج لقد رأيتنا في حلقة زيد ابن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا ونقل البخاري أن زين العابدين بن علي بن الحسين كان يجلس إلى زيد بن أسلم وقال ابن ناصر الدين زيد بن أسلم القرشي العدوي العمري مولاهم المدني أوب عبد الله وقيل أبو أسامة الإمام الفقيه العلامة روى عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع وأنس وأضرابهم وله تفسير القرآن يرويه عنه ابنه عبد الرحمن انتهى وفيها العلاء بن الحرث الحضرمي الفقيه الشامي صاحب مكحول روى عن عبد الله بن بسر وطائفة وكان مفتيا جليلا قاله في العبر وقال في المغني العلاء بن الحرث الدمشقي الفقيه صاحب مكحول قال أبو داود ثقة تغير عقله وقال البخاري منكر الحديث وقيل كان يرى القدر انتهى وفيها عطاء بن السائب بن مالك الثقفي الكوفي الصالح روى عن عبد الله ابن أبي أوفى وطائفه قال أحمد بن حنبل هو ثقة رجل صالح كان يختم كل ليلة من سمع منه قديما كان صحيحاً قاله في العبر وقال في المغني عطاء

(1/194)


195 ابن السائب تابعي مشهور حسن الحديث ساء حفظه بآخره قال أبو حاتم سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير وقال رجل صالح وقال أيضاً من سمع منه قديما فهو صحيح وقال غيره ليس بالقوي وقال ابن معين لا يحتج بحديثه انتهى وفيها يحي بن إسحاق الحضرمي سمع أنساً وجماعة قال ابن سعد له أحاديث وكان صاحب قرآن وعربية انتهى وفي ذي الحجة مات السفاح أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس الهاشمي بالأنبار عن اثنتين وثلاثين سنة وهو أول خلفاء بني العباس وكان طويلاً أسن جميلاً حسن اللحية مات بالجدري وكانت دولته دون الخمس سنين وفي أيامه تفرقت الكلمة وخرج عن طاعته الناحية الغربية إلى بلاد السودان وإقليم الندل وتغلب على هذه الممالك خوارج وأمه ريطة من بني الحرث بن كعب بن كهلان وكان بنو أمية قد منعوهم من زواج الحارثيات لأنهم قيل لهم يزول ملكهم على يدا بن الحرثية فلما كان زمن عمر بن عبد العزيز واستأذنه والد السفاح فقال له تزوج من شئت وبويع له وهو ابن أربع وعشرين أو ثمان وعشرين وكان بينه وبين أبيه في اسن أربع عشرة سنة وسمى السفاح لأنه سفح دماء بني أمية وكان يجتمل من عبد الله بن الحسين المثنى مواجهته له بما يكره ويعطيه العطاء الجزيل وقال له أخوه المنصور يوماً في عبد الله بن الحسين وابنه محمد إن هؤلاء شنؤنا فآنسهم بإحسان فإن استوحشوا فالشر يصالح ما عجز عن ا لخير ولا تدع محمداً يمرح في أعنة العقوق فقال له لا سفاح من شدد نفر ومن لان تألف والتغال من سجايا الكرام ودخل على السفاح أبو بحيلة فسلم عليه وانتسب له وقال عبدك يا أمير المؤمنين وشاعرك أفتأذن لي في انشادك فقال له ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بن مروان ( أمسلم إني يا ابن كل خليفة * ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض ) ( شكرتك إن الشكر خبل من التقى * وما كل من أوليته نعمة يقضى )

(1/195)


196 وأحييت لي ذكرى وما كان خاملاً * ولكن بعض الذكر أنيه من بعض قال فأنا يا أمير المؤمنين الذي أقول ( لما رأينا استمسكت يداكا * كنا أناساً نرهب الملاكا ) ( ونركب الأعجاز والأوراكا * من كل شيء ماخلا إلاشر كا ) ( فك لما قد قلت في سواكا * زور وقد كفر هذا ذاكا ) ( أنا انتظرنا قبلها أباكا * ثم أنتظرنا بعدها لقاكا ) ( ثم أنتظرناك لها إياكا * فكنت أنت للرجاء ذا كا ) فرضى عنه ووصله وأجاءه وكان أبو العباس إذا حضر طعامه ابسط الناس وجها فكان إبراهيم بن مخزمة الكندي إذا أراد أن يسأله حاجة أخرها إلى أن بحوائجك قال يدعوني إلى ذلك التماس النجح لمن أسال له فقال له أبو العباس أنك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة وكان إذا تعادى رجلان من أصحاب السفاح وبطانته لم يسمع من أحدهما في الآخر شيئاً ولم يقبله وإن كان القائل عنده عدلاً في شهادة وإذا اصطلح الرجلان لم يقبل شهادة واحد منهما لصاحبه ولا عليه ويقول أن الضغينة القديمة تولد العداوة المحصنة وتحمل على إظهار المسالمة وتحتها الأفعى التي إذا استمسكت لم تبق وكان في أول أيامه يظهر لندمائه ثم احتجب عنهم وذلك لسنة خلت من سكة وكان قعوده من وراء الستارة وإذا غناه أحد صوتا ًيطرب من وراء الستارة ويصيح بالمطرب له من المغنين أحسنت والله وأعد هذا الصوت وكان لا ينصرف عنه أحد من ندمائه ولا مطربيه إلا بصلة من مال أو كسوة يقول لا يكون سرورنا معجلاً ومكافأة من سرنا وأطربنا مؤجلاً وقد سبقه إلى هذا الفعل بهرام جور من ملوك الفرس وقد حضر أبو بكر الهذلي ذات يوم والسفاح مقبل عليه يحدثه بحديث لأنوشروان في بعض حروبه بالمشرق مع بعض الملوك فعصفت ريح شديدة فأذرت تراباً

(1/196)


197 وقطعا من الآجر من أعلى السطح إلى المجلس فجزع من حضر المجلس لوقعها وارتاع لها والهذلي شاخص نحو أبي العباس لم يتغير كما تغير غيره فقال له السفاح لله أنت يا أبا بكر لم أر كاليوم أما راعك ما راعنا ولا أحسنت بما ورد علينا فقال يا أمير المؤمنين ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وإنما للمرء قلب واحد فلما غمر بالسرور لفائدة أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال وإن الله عز وجل إذا انفرد بكرامة أحد وأحب أن يفضي له ذكرها جعل تلك الكرامة على لسان نبيه أو خليفته وهذهكرامة خصصت بها فمال إليها ذهني وشغل بها قلبي فلو انقلبت الخضراء على الغبراء ما أحسنت بها ولا جمعت لها إلا بما يلزمني في نفسي لأمير المؤمنين أعزه الله فقال السفاح لئن بقيت لك لأرفعن منك ضبعاً لا تطيف به السباع ولا تنحط عليه العقبان ومما ذكر من أخباره واستفاض من آثاره ما ذكره البهلول بن العباس عن الهيثم بن عدي الطهماني عن يزيد الرقاشي قال كان السفاح تعجبه مسامرة الرجال وإني سمرت عنده ذات ليلة فقال يا يزيد أخبرني بأظرف حديث سمعته قلتيا أمير المؤمنين وإن كان في بني هاشم قال ذلك أعجب إلي قلت يا أمير المؤمنين نزل رجل من تنوخ بحي من بني عامر بن صعصعة فجعل لا يحط شيئاً من متاعه ألا تمثل بهذا البيت ( لعمرك ما تبلى سرابيل عامر * من اللؤم ما دامت عليها جلودها ) فخرجت إليه جارية فحادثته وآنسته وساءلته حتى أنس بها ثم قالت ممن أنت متعت بك فقال رجل من تميم قالت أتعرف الذي يقول ( تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا * ولو سلكت سبل المكارم ضلت ) ( أرى الليل بجلوة النهار ولا أرى * عظام المخازي عن تميم تجلت ) ( ولو أن برغوثا على ظهر قملة * يكر علىصفي تميم لولت ) فقال لا والله ما أنا من تميم قلت فممن أنت قال رجل من عجل قالت

(1/197)


198 أتعرف الذي يقول ( أرى الناس يعطون الجزيل وإنما * عطاء بني عجل ثلاث وأربع ) ( إذا مات عجلي بأرض فإنما * يشق له منها ذراع وأصبع ) فقال لا والله ما أنا عجل قالت فمن أنت قال رجل من بني يشكر قالت أتعرف الذي يقول ( إذا يشكري من ثوبك ثوبة * فلا تذكرون الله حتى تطهرا ) قال لا والله ما أنا من يشكر قال فمن أنت قال رجل من عبد القيس قالت اتعرف الذي يقول ( رأيت عبد القيس لاقت ذلا * إذا أصابوا بصلا وخلا ) ( وما لحا معتقاً قد صلا * باتوا يسلون الفساء سلا ) ( سل النبيط القصب المبتلا ) قال لا والله ما أنا من عبد القيس قالتفمن أنت قال رجل من باهلة قالت أتعرف الذي يقول ( إذا ازدحم الكرام على المعالي * تنحى الباهلي عن الزحام ) ( ولو كان الخليفة باهلياً * لقصر عن مناوأة الكرام ) ( وعرض الباهلي ولو توقى * عليه مثل منديل الطعام ) قال لا والله ما أنا من باهلة فمن أنت قال رجل من بني فرازة قال رجل من بني فزارة قالت أتعرف الذي يقول ( لا تأمنن فزاريا خلوت به * على قلوصك واكتبها بأسيار ) ( لا تأمنن فزاريا على حمر * بعد الذي ابتل ابر العير في النار ) قال لا والله ما أنا من فزارة قالت فمن أنت قال رجل من ثقيف قالت أتعرف الذي يقول ( أضل الناسبون أبا ثقيف * فما لهم أب إلا الضلال )

(1/198)


199 ( فإن نسبت أو انتسبت ثقيف * إلى أحد فذاك هو المحال ) ( خنازير الحشوش فقتلوها * فإن دماءها لكم حلال ) قال لا والله ما أنا من ثقيف قالت فمن أنت قال رجل من بني عبس قالت أتعرف الذي يقول ( إذا عبسية ولدت غلاما * فبشرها بلؤم مستفاد ) قال لا والله ما أنا من عبس قالت فمن أنتقال رجل من ثعلبة قالت أتعرف الذي يقول ( فثعلبة بن قيس شر قوم * وألامهم وأغدرهم بجار ) قال لا والله أنا من بني ثعلبة قالت فمن أنت قال رجل من غنى قالت أتعرف الذي الذي يقول ( إذا غنوية ولدت غلاما * * فبشرها بحباط محيد ) قال لا والله ما أنا من غنى قالت فمن أنت قال رجل من بني مرة قالت أتعرف الذي يقول ( إذا مرية خضبت يداها * فزوجها ولا تأمن زناها ) قال لا والله ما أنا من بني مرة قالت فمن أنت قال رجل من بني ضبة قالت أتعرف الذي يقول ( لقد زرقت عيناك يا ابن معكبر * كما كل ضبي من اللؤم أزرق ) قال لا والله ما أنا من بني ضبة قالت فمن أنت قال رجل من بجيلة قالت أتعرف الذي يقول ( سألنا عن بجيلة أين حلت * لتخبر أين قر بها القرار ) ( قما تدري بجيلة حين تدعي * أقحطان أبوها أم نزار ) ( فقد وقعت بجيلة بين بين * وقد خلعت كما خلع العذار ) قال لا والله ما أنا من بجيلة قالت فمن أنت ويحك قال أنا رجل من الأزد قالت أتعرف الذي يقول

(1/199)


200 ( إذا أزدية ولدت غلاما * فبشرها بملاح مجيد ) قال لا والله ما أنا من الأزد فممن أنت ويلك أنا تستحي قال الحق قال رجل من خزاعة قالت أتعرف الذي يقول ( إذا افتخرت خزاعة في قديم * وجدنا فخرها شرب الخمور ) ( وباعت كعبة الرحمن جهرا * بزق بئس مفتخر الفجور ) قال لا والله ما أنا من خزاعة قالت فمن أنت قال رجل من سليم قالت أتعرف الذي يقول ( فما لسليم شتت الله أمرها * تنيل بايديها وتعي ايورها ) قال لا والله ما أنا من سليم قالت فمن أنت قال رجل من لقيط قالت أتعرف الذي يقول ( لعمرك ما البحار ولا الفيافي * بأوسع من فقاح بني لقيط ) ( لقيط شر منركب المطايا * وأنذل من يدب على البسيط ) ( ألا لعن الإله بني لقيط * بقايا سبية من قوم لوط ) قال لا والله ما أنا من لقيط فممن أنت قال رجل من كندة قالت فتعرف الذي يقول ( إذا ما افتخر الكندي * ذو البهجة والطرة ) ( فبالنسج وبالخف * وبالتيرك والحفرة ) ( فدع كندة للنسج * فاعلي فخرها عره ) قال لا والله ما أنا من كندة قالت فممن أنت قال رجل من خثعم قالت فتعرف الذي يقول ( وخثعم لو صفرت لها صفيرا * لطارت في البلاد مع الجراد ) قال لا والله ما أنا من خثعم فممن أنت قال رجل من طيء قالت

(1/200)


201 فتعرف الذي يقول ( وما طيء إلا نبيط تجمعت * فقالت طيايا كلمة فاستمرت ) ( ولو أن حرقوصاً يمد جناحه * على جبلي طي إذاً لا ستظلت ) قال لا والله ما أنا من طيىء قالت فممن أنت قال رجل من مزينة قالت اتعرف الذي يقول وهل مزينة إلا من قبيلة * لا يرتجى كرم منها ولادين ) قال لا والله ما أنا من مزينة قالت فممن أنت قال رجل من النخع قالت أعترف الذي يقول ( إذا النخع للئام عدواً جمعاً * تأذى الناس من ذفر اللئام ) ( وما يسموا إلى مجد كريم * وما هم في الصميم من الكرام ) قال لا والله ما أنا من النخع قالت فممن أنت قال رجل من لخم قالت اتعرف الذي يقول ( إذا ما انتمى قوم بفخر قديمهم * تباعد فجر الجود عن لخم جمعا ) قال لا والله ما أنا من لخم قالت فممن أنت قال رجل من جذام قالت اتعرف الذي يقول ( إذا كاس المداد أدير يوماً * لمكرمة تنحى عن جذام ) قال لا والله ما أنا من جذام قالت فممن أنت ويلك اما تستحي من كثرة الكذب قال أنا رجل من تنوخ وهو الحق قالت اتعرف الذي يقول

(1/201)


202 ( إذا تنوخ قطعت منهلاً * في طلب الغارات والثار ) ( أتت بخزي من آله السما * وشهرة في الأهل والخبار ) قال لا والله ما أنا من تنوخ قالت فممن أنت ثكلتك أمك قال أنا رجل من حمير قالت اتعرف الذي يقول ( ثبئت حمير تهجوني فقلت لهم * ما كنت احسبهم كانوا ولا خلقوا ) ( لأن جمير قوم لا نصاب لهم * كالعود بالقاع لا ماء ولا ورق ) ( لا يكثرون وإن طالت حياتهم * ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا ) قال لا والله ما أنا من حمير قالت فممن أنت قال رجل من بحائر قالت اتعرف الذي يقول ( ولو صر صرارباً بأرض بحير * لماتوا واضحوا في التراب رميما ) قال لا واله ما أنا من بحاير قالت فممن أنت قال رجل من قشبرة قالت اتعرف الذي يقول ( بني قشير قتلت سيدكم فاليوم لا فدية ولا قود ) قال لا والله ما أنا من قشير قالت فممن أنت قال رجل من بين أمية قالت أفتعرف الذي يقول ( وهي بأمية بينانها * وهان على الله فقدانها ) ( وكان أمية فيما مضى * جرىء على الله سلطانها ) ( فلا آل حرب أطاعوا الرسو * ل ولم يتق الله مروانها ) ) قال لا والله ما أنا من بني أمية قالت فممن أنت قال رجل من بين هاشم قالت أفتعرف الذي يقول ( بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم * فقد صار هذا التمر صاعاً بدرهم ) ( فإن قلتم رهط النبي محمد * فإن النصارى رهط عيى بن مريم ) ( قالت لا والله ما أنا من بني هاشم قالت فممن أنت قال رجل من همدان قالت أتعرف الذي يقول

(1/202)


203 ( إذا همدن دارت يوم حرب * رحاها فوق هامات الرجال ) ( رأيتهم يحثون المطايا * سراعاً هار بين من القتال ) قال لا والله ما أنا من همدان قالت فممن أنت قال رجل من قضاعة قالت أتعرف الذي يقول ( لا يفخرن قضاعي بأسرته * فليس يمن محض ولا مضر ) ( مذبذبين فلا قحطان والدهم * ولا نزار فخلوهم إلى سقلا ) قال لا والله ما أنا قضاعياً قالت فممن أنت قال رجل من شبان قالت أتعرف الذي يقول ( شيبان قوم لهم عديد * وكلهم مقرف لئيم ) قال لا والله ما أنا من شيبان قالت فممن أنت قال رجل من بني نمير قالت أتعرف الذي يقول ( فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعباً بلغت ولا كلابا ) ( ولو وضعت فقاح بني نمير * على خبث الحديد إذاً لذاباً ) قال لا والله ما أنا من نمير قالت فممن أنت قال أنا رجل من تغلب قالت أتعرف الذي يقول ( ولا تطلبن خؤولة في تغلب * فالزنج أكرم منهم أخوالاً ) ( والتغلبي إذا تنحنح للقرى * حط استه وتمثل المثالا ) قال لا والله ما أنا من تغلب قالت فممن أن قال رجل من مجاشع قالت أتعرف الذي يقول ( تبكى المعنة من بنات مجاشع * ولهما إذا سمعت نهيق حمار ) ( قال لا والله ما أنا من مجاشع قالت فممن أنت قال أنا رجل من كلب

(1/203)


204 قالت أتعرف الذي يقول ( فلا تقربن كلباً ولا باب دارها * فما يطمع السارى يرى ضوء نارها ) قال لا و الله ما أنا من كلب قالت فممن أنت قال رجل من تميم قالت أتعرف الذي يقول ( تيمية مثل أنف الفيل عنبلها * تهدى الردى ببنان غير محذوم ) قال لا والله ما أنا من تميم قالت فممن أنت قال رجل من مجرم قالت أتعرف الذي يقول ( تمنيني سويق الكرم جرم * وما جرم وما ذاك السويق ) ( فما شربوه ملا كان حلاً * ولا غالي بها إذا قام سوق ) ( فلما أنزل التحريم فيها * إذا الجرمى منها لا يفيق ) قال لا والله ما أنا من جرم قالت فممن أنت قال رجل من سليم قالت أتعرف الذي يقول 3 ( إذا ما سليم جئتها لغذائها * رجعت كما قد جئت غرئان جائعاً ) قال لا واله ما أنا من سلم قالت فممن أنت قال رجل نم الموالي قالت أتعرف الذي يقول ( ألا من أراد اللؤم والفحش والخنا * فعند الموالى الجيد والطرفان ) قال أخطأت نسبي ورب الكعبة أنا رجل من الخوز قالت أتعرف الذي يقول ( لا بارك الله ربي فيكم أبداً * يا معشر الخوز إن الخوز في النار ) قال لا والله ما أنا من الخوز قالت ممن أنت قال من الأولاد حام قالت أتعرف الذي يقول ( ولا تنكحن أولاد حام فإنهم * مشاويه خلق الله حاشاً ابن أكوع ) قال لا والله ما أنا من ولد حام ولكني من ولد الشيطان الرجيم

(1/204)


205 قالت فلعنك ولعن أباك معك أتعرف الذي يقول ( ألا يا عباد الله هذا عدوكم * عدو نبي الله إبليس ينهق ) فقال لها هذا مقام العائذ بك قالت قم فأرخل خاسئاً مذموماً وإذا نزلت بقوم فلا تنشد فيهم شعراً حتى تعرف من هم لا تتعرض للمباحثة عن مساوىء الناس فلكل قوم إساءة وإحسان إلا رسل رب العالمين ومن اختاره الله من عباده وعصمه من عدوه وأنت كما قال جرير للفرزدق ( وكنت إذا حلت بدار قوم * رحلت بخزية وتركت عاراً ) فقال لها والله لا أنشدت بيت شعر أبداً فقال السفاح ائن كنت عملت هذا الخبر ونظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار فلقد أحسنت وأنت سيد الكذابين وأن كان الخبر صدقاً وكنت فيما ذكرت محقاُ فإن هذه الجارية لمن أحضر الناس جواباً وأبصرهم بمثالب الناس قال المسعودي وللسفاح أخبار غير هذه وأسمار حسان أتينا على مبسوطها في كتابينا أخبار الزمان والأوسط انتهى سنة سبع وثلاثين ومائة في أولها بلغ عبد الله بن على موت ابن أخيه السفاح فدعا بالشام إلى نفسه وعسكر بدابق وزعم أن السفاح جعله ولى عهده من بعده وأقام شهوداً بذلك فجهز المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني فالتقى الجمعان في نصيبين في جمادى الآخرة فاشتد القتال ثم انهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه وحاز فاشتد القتال ثم أنهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه وحاز أبو مسلم خزانته وكانت شيئاً عظيماً لأنه استولى على جميع نعمة بني أمية فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يده فصعب ذلك على أبي مسلم وأزمع على خلع المنصور ثم سار نحو خراسان فأرسل إليه المنصور يستعطفه ويمنيه وما زال به حتى وقع في براثنه فأقدم على قتله فقتله في

(1/205)


206 شعبان كما تقدم وفيها وقيل في غيرها توفي خصيف بن عبد الرحمن الجزرى الحراني روى عن مجاهد وسعيد بن جبير قال في المغني بن عبد الرحمن الجزري يكثر عن التابعين ضعفه احمد ويغره انتهى وفيها أوفي التي تليها توفي منصور بن عبد الرحمن العبدري الحجبي المكي ولد صفية بنت شيبة قال ابن عيينة كان يبكي عند كل صلاة فكانوا يرون أنه يذكر الموت ويزيد بن أبي زياد الكوفي عن نحو تسعين سنة روى عن مولاه عبد الله ابن الحرث بن نوفل الهاشمي وطائفة هو حسن الحديث روى له مسلم مقروناً بآخر قاله في العبر وقال في المغني يزيد بني أبي زياد الكوفي مشهور سيء الحفظ قال ابن حبان صدوق إلا أنه كبر وساء حفظه فكان يتلقن وقال يحيى ليس بالقوي وقال أيضاً لا يحتج بحديثه وقال ابن المبارك ارم به انتهى وفيها قتل أحد الأشراف بدمشق وجو عثمان بن سراقة الأزدي وكان قد توثب عند موت السفاح وسب بني العباس على منبر دمشق وبايع لهشام بن يزيد بن خالد بن معاوي الأموي فبغته مجيء صالح عما لسفاح فلم يقووا لحربه واختفى هشام وضرب عنق ابن سراقة سنة ثمان وثلاثين ومائة وفيها جاء طاغية الروم قسطنطين بن البون في مائة ألف ونزل بدابق بكسر الباء وهو المذكور في صحيح مسلم فلقيه صالح بن علي عم المنصور والسفاح

(1/206)


207 فهزمهم ولله الحمد وفيها توفي زيد بن واقد الدمشقي روى عن جبير بن نفير وكثير بن مرة وخلق قال في المغنى زيد بن واقد عن حميد وثقة أبو حاتم وسمع منه بالري وقال أبو زرعة ليس بشيء انتهى وفيها أبو شبل العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني مولى الحرقة روى عن أبيه وأنس وطائفة قال أبو حاتم ما انكر من حديثه شيئاً وسليمان بن فيروز أبو اسحق الشيباني مولاهم الكوفي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الثقات والأئمة الإثبات انتهى وليث بن أبي سليم الكوفي قال في المغني قال أحمد مضطرب الحديث ولكن حدث عنه الناس وقال ابن معين ضعيف وقال ابن حبان اختلط في آخر عمره وقال أيضاً لا بأس به انتهى سنة تسع وثلاثين ومائة فيها نزل عسكر المسلمين فنزلوا ملطية وهي خراب فزرعوا أرضها وطبخوا كلسا لبنائها ورجعوا فبعث طاغية الروم من حرق الزرع وفيها توفي خالد بن يزيد المصري الفقيه كهلاً يروى عن عطاء والزهري وطبقتهما وعنه الليثي ويكنى أبا عبد الرحيم وفيها يزيد بن عبد الله بن أسامة ابن الهاد الليثي المدني الفقيه يروى عن شرحبيل بن سعد وطبقته من التابعين ويونس بن عبيد شيخ البصرة رأى أنساً وأخذ عن الحسن وطبقته قال سعيد بن عامر الضبعي ما رأيت رجلاً قط افضل منه وأله البصرة على ذاك وقال أبو حاتم هو أكبر من سليمان التيمي ولا يلغ سليمان منزلته وقال يونس ماك كتبت شيئاً قط يعني لذكائه وحفظه وقال ابن ناصر الدين رأى أنسا وسمع الحسن بن سيرين وغيرهما وكان إماماً علماً وحافظاً مقدماً ومتقناً محرراً انتهى

(1/207)


208 وصالح بن كيسان المؤدب ذكره ابن ناصر الدين في بديعة البيان فقال ( ثم أبو حازم المديني * صلاح المؤدب الأمين ) وقال في شحها هو صالح بن كيسان لمدني العالم مؤدب بني عمر بن عبد العزيز جاوز المائة سنة انتهى وقد رأيت كيف وصفه بالأمين وكفى بها منقبة سنة أربعين ومائة فيها نزل جبريل بن يحيى الأمير من جهة صالح بن علي مرابطاً بالمصيصة فأقام بها سنة حتى بناها وحصنها وفيها توفي فقيه واسط أبو العلاء أيوب بن أبي مسكين القصاب كهلاً أخذ عن قتادة وجماعة خرج له أبو داود والترمذي والنسائي قال في المغني أيوب بن مسكين أبو العلاء الواسطي القصاب قال أبو حاتم لا يحتج به انتهى وداود بن أبي هند البصري الفقيه وكان حافظً مبيناً نبيلاً روى عن سعيد ابن المسيب وأبي العالية واسم أبيه أبي هند دينار بن عذافر وقيل طهمان القشيري مولاهم قال ابن ناصر الدين كان داود مفتي أهل البصرة وأحد القانتين رأساً في العمل والعلم قدوة في الدين انتهى وفيها أبو حازم سلمة بن دينار المدني العرض عالم المدينة وزاهداها وواعظها سمع سهل بن سعد وطائفة وكان أشقر فارسياً وأمه رومية وولاؤه لبنى مخزوم قال ابن خزيمة ثقة لم يكن في زمانه مثله له حكم ومواعظ وأبو يزيد سهيل بن أبي صالح السمان المدني روى عن أبيه وطبقته وكان كثير الحديث ثقة مشهوراً أخذ عنه مالك والكبار وعمارة بن غزية المازني المدني يروى عن الشعبي وطبقته قال ابن سعد ثقة كثير الحديث

(1/208)


209 وعمرو بن قيس السكوني الكندي الحمصي وله مائة سنة تامة روى عن بعد الله بن عمر والكبار وذكر إسماعيل بن عياش أنه ادرك سبعين صحابياً وقال غيره كان عمرو بن قيس أميراً من دولة عبد الملك بن مروان وكان سيد أهل حمص وشريفهم ولى غزو الروم لعمر بن عبد العزيز سنة إحدى وأربعين ومائة قال المدائني فيها ظهرت الريوندية وهم قوم خراسانيون على رأى أبي مسلم صاحب الدعوة يقولون بتناسخ الأرواح وإن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم المنصور وأن الهيثم بن معاوية جبريل فأتوا قصر المنصور وطافوا فيه فقبض على مائتين من كبارهم فغضب الباقون وحفوا بنعش وحملوا هيئة جنازة ثم مروا بالسجن فشدوا على الناس وفتحوا السجن وأخرجوا اصحابهم وقصدوا المنصور في ستمائة مقاتل فأغلق البلد وحربهم العسكر مع معن بن زائدة ثم وضعوا فيهم السيف وأصيب يومئذ الأمير عثمان بن نهيك فاستعمل المنصور مكانه على الحرس أخاه عيسى وكان ذلك بالهاشمية حدث أبو بكر الهذلي قال اطلع المنصور فقال رجل إلى جانبي هذا رب العزة الذي يطعمنا ويرزقنا وفيها افتتح المسلمون طبرستان بعد حروب طويلة وأقام الحج صالح بن علي أمير الشام وفيها توفي موسى بن عقبة المدني صاحب المغازي روى عن أم خالد بنت خلد المخزومية ولها صحبة وعن عروة وطبقته قال الواقدي كان موسى فقيها يفتي قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( موسى فتى عقبة الأديب * اسناده محرر قريب ) أي إلى النبي بمعنى علاي السند وقال في شرحها موسى

(1/209)


210 ابن عقبة بن ربيعة بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني أبو بمحمد مولى آل الزبير ابن العوام روى عن صاحبية وعدة من التابعين وكان متقنافقيها حافظاً نبيهاً صنف المغازي فأجاد ووصلت لغينا ولله الحمد بالإسناد انتهى وفيها موسى بن كعب التيمي المروزي أحد النقباء الإثني عشر نقباء بني العباس ولي أمرة مصر سبعة أشهر ومات وإبان بن تغلب قال في العبر الكوفي القارىء المشهور وكان من ثقات الشيعة يروى عن الحكم وطائفة انتهى وقال في المغني أبان بن تغلب ثقة معروف قال ابن عدي وغيره غال في التشيع وقال الجوزجاني زائغ مذموم المذهب ووثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم انتهى وقد خرج له مسلم والأربعة سنة اثنتين وأربعين ومائة فيها عزل عن مصر محمد بن الأشعث ووليها حميد بن قحطبة وولى الجزيرة والثغور عباس أوالمنثور وفيها توفي خالد الحذاء بن مهران البصري الحافظ يروى عن كبار التابعين وقد رأى أنسا وكان يجلس في الحذائين فنسب لغيهم ولقب الحذاء لجلوسه بينهم قال في المغني هو ثقة جبل والعجب من أبي حاتم يقول لا يحتج به انتهى وقال ابن ناصر الدين كان أحد الثقات الإثبات والأمير سليمان ابن عمر المنصور وكان جواداً ممدحاً وبلغت عطاياه في الموسم خمسة آلاف ألف درهم وولى إمرة البصرة وعاش ستين سنة وفيها عاصم بن سلمان الأخوال أحد حفاظ البصرة روى عن عبد الله بن سرجس وأنس وطائفة قال في الغني تابعي ثقة قال القطان ليس بالحافظ وقال الحاكم ليس بالحافظ عندهم انتهى وفيها أو في التي بعدها عمرو بن عبيد البصري العابد الزاهد المعتزلي القدرى صاحب الحسن ثم خالفه واعتزل حلقته فلذا قيل المعتزلة

(1/210)


211 قال في العبر قال الحسن رأيته في النوم يسجد للشمس وقال ابن الأهدل لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن وطرده تحول إليه عمرو فسموا معزلة توفي بمران بتشديد الراء على طريق مكة وهو راجع منها ورثاه الخليفة المنصور ومدحه أيضاً في حياته والناس مختلفون فيه انتهى وقال في المغنى عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة سمع الحسن كذبه أبو أيوب يونس وتركه ابن أبي شيبة انتهى وكانت له جرأة فأنه قال ابن عمر هو حشوى فانظر هذه الجرأة والإفتراء عامله الله بعدله وفيها محمد بن أبي إسماعيل الكوفي روى عن أنس وجماعة وقال شريك رأيت أولاد أبي إسماعيل أربعة ولدواء في بطن واحد وعاشوا وأبو هانىء حميد بن هانىء الخولاني المصري روى عن علي بن رباح وأدركه ابن وهب قاله في العبر سنة ثلاث وأربعين ومائة فيها ثارت الديلم وقتلوا خلائق من المسلمين فانتدب الناس لغزوهم وفيها سار الأمير محمد بن الأشعث إلى المغرب فالتقى الأباضية وقتل زعيمهم أبو الخطاب في المصاف وفيها توفي حجاج بن أبي عثمان الصواف أحد حفاظ البصرة روى عن الحسن وغيره وحميد الطويل واسم أبي حميد تيروية أحد الثقات التابعين البصريين كان قائماً يصلى فسقط ميتاً سمع أنسا وطائفة وكنيته أبو عبيدة ومات وله سبع وتسعون سنة ومكث أربعين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً ويصلى الفجر بوضوء

(1/211)


212 العشاء قاله ابن الأهدل قال ابن ناصر الدين هو حميد بن أبي حميد الطويل البصري أبو عبيد ة واسم أبيه تيرويه على الأشهر وهو خال حماد بن سلمة كان أماما حافظاً متقنا عمدة وكان من ثقات الرواة ولم يدع لثابت البناني علماً إلا حفظه منه ووعاه انتهى وفي ذي القعدة سليمان بن طرخان التيمي القيسي مولاهم أبو المعتمر الحافظ الإمام أحد مشايخ الإسلام روى عن أنس والحسن وغيرهما وكان عابداً صواماً قانتاً لله قواماً قال في العبر قال شعبة كان إذا حدث عن رسول الله تغير لونه وما رأيت أحذق منه وقال معتمر مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ًويفطر يوماً ويصلى الفجر بوضوء العشاء وعاش سبعاً وتسعين سنة انتهى لفظ العبر وفيها على الأصح ليث بن أبي سليم يروى عن مجاهد وطبقته وكان أحد الفقهاء قال الفضيل بن عياض كان أعلم أهل زمانه بالمناسك وقال الدارقطني كان صاحب سنة إنما أنكروا عليه جمعه بني عطاء وطاووس ومجاهد قد تقدم ذكره في سنة ثمان وثلاثين وفيها مطرف بن طريف الكوفي الزاهد روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة وفيها يحيى بن سعيد الأنصاري المدني الفقيه أبو سعيد أحد الأعلام ولى قضاء المنصور ومات بالهاشمية قبل أن تبني بغداد روى عن أنس وخلق قال أيوب السختياني ما تركت بالمدينة افقه منه وكان يحيى القطان يفضله ويقدمه على الزهري وقال الثوري كان من الحافظ وقال ابن المديني له نحو ثلاثمائة حديث

(1/212)


213 سنة أربع وأربعين ومائة وفيها سار جيش العراق والجزيرة لغزو الديلم وعلى الناس محمد بن السفاح وحج بالناس المنصور وأهمه شأن محمد بن بعد الله بن حسن وأخيه إبراهيم لتخلفهما عن الحضور عنده فوضع عليهما العيون وبذل الأموال وبالغ في تطلبهما لأنه عزف مرامهما وقبض على أبيهما فسجنه في بضعة عشر من أهل البيت وماتوا فيسجنه قيل طرحهم في بيت وطين عليهم حتى ماتوا ولما بلغ محمداً وفاة أبيه ثار بالمدينة وسجن متوليها وتتبع أصحابه وخطب الناس وبايعوه طوعاً وكرها واستعمل على مكة واليمن والشام عمالاً لم يتمكنوا وأحبه الناس حباً عظيماً وكان فيه من الكمال وخصال الفضل ويشبه النبي في الخلق والخلق واسمه واسم أبيه حتى قيل أن خاتمه بين كتفيه وكان أهل المدينة يعدون فيه من الكمال مالو جاز أن يبعث اله نبياً بعد محمد لكان هو وتكاتب هو المنثور مكاتبات عظيمة ولكليهما قول فصل جزل والحق والتحقيق في جانب محمد وقد كان المنصور والسفاح في خلافة الأمويين من الدعاة إلى محمد بن عبد الله هذا ولما أعيا المنصور والسفاح في خلافة الأمويين من الدعاة إلى محمد بن عبد الله هذا ولما أعيا المنصور أمره جهز إليه ابن عمه عيسى ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وقال لا أبالي أيهما قتل صاحبه لأن عيسى ولى العهد بعد المنصور على ما رتبه لهم السفاح فسار عيسى في أربعة آلاف وكتب إلى الإشراف يستميلهم فمال كثير منهم وتحصن محمد بالمدينة وأعمق خنادقها وزحف عليه عيسى وناداه بالأمان وناشده الله ومحمد لا يرعوى لذلك ولما ظهر له وتخاذل أصحابه اغتسل وتحنط وقاتلهم بنفسه قتالا شديداً ومعه ثمانون رجلاً وقتل بيده اثني عشر رجلاً ثم قتل واستشهد لثنتي عشرة ليلة من رمضان سنة خمس وأربعين وله اثنتان وخمسون سنة وقبره بالبقيع مشهور مزور وبعث برأسه إلى المنصور وكانت مدة قيامه

(1/213)


214 شهرين واثني عشر يوماً وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة في هذه السنة أيضاً وقد كان سار إليها من الحجاز فدخلها سراً في عشرة أنفس فدعا غلى نفسه سراً وجرت له أمور وتهاون متولى البصرة في أمر إبراهيم حتى اتسع الخرق وخرج أول ليلة من رمضان تنزل إليه متولي الكوفة بالأمان ووجد إبراهيم في بيت المال ستمائة ألف ففرقها في أصحابه ولما بلغ المنصور خروجه تحول إلى الكفوى ليأمن غائله أهلها وألزم الناس لبس السواد وجعل يقتل ويجبس من اتهمه وبعث إبراهيم عاملاً إلى الأهواز وآخر إلى فارس وسائر البلدان فأتاه مقتل أبيه بالمدينة قبل عيد الفطر بثلاث فعيد من كسار وجهز المنصور لحربه خمسة آلاف فكان بينهما وقعات قتل فيها خلق عظيم ولم يبرح المنصور حتى قدم عيسى من المدينة فوجهه إلى إبراهيم وجعل المنصور لا يقلا له قرارا ولا يأوى إلى فراش خمسين ليلة كل ليلة يأتيه فتق من ناحية وعنده مائة ألف بالكوفة ولو هجم عليه إبراهيم بالكوفة ولا وقع به ولكنه قال أخاف أن يستباح الصغير والكبير فقيل له إذا كان هذا فلم خرجت عليه فالتقى الجمعان على يمين من الكوفة فظهر جيش إبراهيم وتهيأ له الفتح لولا حملة من عيسى بن موسى وظاهرة ابنا سليمان بن على فكسروا جيش إبراهيم وجاءه سهم فوقع فيحلقه فأنزلوه وهو يقول وكان أمر الله قدراً مقدوراً وبعثوا برأسه إلى المنصور وقتل وسنة ثمان وأربعون وهرب أهل البصرة بحراً وبراً وكان خرج مع إبراهيم كثير من القراء والعلماء منهم هشيم وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس وعبادبن العوام ويزيد بن هارون وأبو حنيفة وكان يجاهر في أمره ويحث الناس على الخروج معه كما كان مالك يحث الناس على الخروج مع أخيه محمد وقال أبو اسحق الفزاري لأبي حنيفة ما اتقيت الله حيث حثثت أخي على الخروج مع إبراهيم فقتل فقال أنه كما لو قتل يوم بدر وقال شعبة والله لهي عندي بدر الصغرى

(1/214)


215 وقال ابن قتيبة في المعارف فأما الحسن بن الحسين بن على فولد عبد الله والحسن وإبراهيم وجعفراً وداود ومحمداً وكان عبد الله بن حسن بن حسن يكنى أبا محمد وان خيراً فاضلا ورؤى يوماً يمسح على خفيه فقيل له تمسح فقال نعم قد مسح عمر بن الخطاب ومن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق وكان مع أبي العباس أي السفاح وكان له مكرماً وبه أنساً واخرج يوماً سفطاً فيه جوهر فقاسمه غياه وأراه بناء قد بناه وقال له كيف ترى هذا فقال متمثلاً ( ألم ترى حوشباً أمسى يبنى * قصوراً نفعها لبني يقبله ) ( يؤمل أن يعمر عمر نوح * وأمر الله يحدث كل ليلة ) فقال له أتتمثل بهذا وقد رأيت صنيعي بك فقال والله ما أردت بها سوءاً ولكنها أبيات حضرت فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان مني فقال قد فعلت ثمرده إلى المدينة فلما ولي أبو جعفر ألح في طلب ابنيه محمد وإبراهيم ابني عبد الله وتغيباً بالبادية فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبوهما عبد الله وإخوته حسن وداود وإبراهيم وأن يشدوا وثاقا ويبعث بهم إليه فوافوه في طريق مكة بالربذة مكتفين فسأله عبد الله أن يأذن له عليه فأبى أبو جعفر فلم يروه حتى فارق الدنيا ومات في الحبس وماتوا وخرج ابناه محمد وإبراهيم على أبي جعفر وغلبا على المدينة ومكة والبصرة فبعث إليهما موسى بن عيسى فقتل محمدا بالمدينة وقتل إبراهيم بباخمرا على ستة عشر فرسخا من الكوفة وإدريس بن عبد الله ابن حسن أخوهما هو الذي سار إلى الأندلس والبربر وغلب عليهما انتهى وفيها أي في سنة أربع وأربعين توفي أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري البصري محدث البصرة روى عن أبي الطفيل وعدة وكان إماماً حافظا ثبتا إلا أنه ساء حفظه وتغير قبل موته وفقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضبي القاضي روى عن أنس

(1/215)


216 والتابعين قال أحمد العجلي كان عفيفاً صارماً عاقلاً يشبه النساك شاعرا جوادا وعقيل بن خلد الإيلي مولى بني أمية وصاحب الزهري لقي عكرمة وطائفة وكان حافظاً ثبتاً حجة وفي ذي الحجة مجالد بن سعيد الهمذاني الكوفي صاحب الشعبي لينوا حديثه وقد خرج له مسلم مقروناً بآخر سنة خمس وأربعين ومائة فيها خرجت الترك والخز بباب الأبواب وقتلوا واستباحوا بعض أرمينية وفيها أمر المنصور فأسست بغداد وابتدئ بإنشائها ورسم هيئتها وكيفيتها أولا بالمراد وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي وتحول غليها المنصور سنة ست وأربعين قبل تمامها وبغداد الآن أكثرها من الجانب الشرقي وفيها توفي الأجلح الكندي من مشاهير محدثي الكوفة روى عن الشعبي وطبقته قال في المغني أجلح بن عبد الله أبو جحيفة الكندي عن الشعبي شيعى لا بأس بحديثه ولينة بعضهم قال ابن أبي شيبة ضعيف انتهى وفيها وقيل في سنة سن إسماعيل بن أبي خالد البجلي مولاهم الوفي الحافظ أحد الأعلام سمع أبا جحيفة وابن أبي أوفى وخلقا وكان صالحاً ثبتا حجة وعمرو بن ميمون بن مهران الجزري الفقيه أخذ عن أبيه و مكحول وان يقول لو علمت أنه بقي على حرف من السنة باليمن لأتيتها وحبيب بن الشهيد البصري روى عن الحسن وأقرانه وأرسل عن أنس وجماعة وكان ثبتا كثير الحديث وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الكوفي الحافظ أحد المحدثين الكبار

(1/216)


217 وكان شعبة مع جلالته يتعجب من حفظ عبد الملك روى عن أنس فمن بعده وكان يقال له منزان الكوفة كما ذكره ابن القيم وهو ثقة ثبت وعمرو بن عبد الله مولى غفرة عن سن عالية روى عن أنس والكبار قال أحمد أكثر أحاديثه مراسيل وليس به بأس وقال ابن معين ضعيف ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني روى عن أبي سلمة وطائفة وكان حسن الحديث كثير العلم مشهوراً أخرج له البخاري مقروناً بآخر ويحيى بن الحرث الذكارى مقرىء دمشق وإمام جامعها قرأ على ابن عامر وروى عن واثلة بن الأقع وخلق وورد أنه قرأ القرآن على واثلة بن الأسقع وعليه دارت قراءة الشاميين ويحيى بن سيعد التيمي تيم الرباب الكوفي وكان ثقة إماماً صاحب سنة روى عن الشعبي ونحوه سنة ست وأربعين ومائة في صفر تحول المنثور فنزل بغداد قبل استتمام بنائها وكان لا يلها أحد أبداً راكباً حتى أنعمه عيسى بن على شكا إليه المشي فلم يأذن له وفيها توفي أشعث بن عبد الملك الحمراني مولى حمران مولى عثمان روى عن ابن سيرين ويغره وكان ثبتاً ثقة حافظاً أما أشعث بن سوار فكوفي فيه ضعف وكذا أشعث الحداني الراوي عن أنس ليس بالقوى وفيها عوف الأعرابي البصري وكان صدوقاً شيعياً كثير الحديث روى عن أبي العالية وطائفة قال في المغنى ثقة مشهور قال بندار قدري رافضي يعني يتشيع انتهى وفيها محمد بن السائب أبو النصر الكلبي الوفي صاحب التفسير والأخبار

(1/217)


218 والأنساب اجمعوا على تركه وقد اتهم بالكذب والرفض وقال ابن عدي ليس لأحد أطول من تفسيره عنه قال سميت العرب شعوباً لأنهم تفرقوا من ولد إسماعيل عليه السلام ونم ولد قحطان تشعبوا والرعب كلهم بنوا إسماعيل إلا أربع قبائل السلف والأوزاع وحضرموت وثقيف وأول من تكلم بالعربية يعرب بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل وكل نبي ذكر في القرآن فهو من ولد إبراهيم غير إدريس ونوح ولوط وهود وصالح وكأنه لم يستثن آدم لأنه أبو الكل قال ولم يكن في العرب نبي الأهود وصالح وإسماعيل ومحمد وروى ابن عباس ان أصحاب سفينة نوح كانوا ثمانين رجلاً فلما كثروا ملكهم نمرودبن كنعان بن حام بن نوح فلما كفروا بلبل ا له ألسنتهم وتفرقوا اثنين وسبعين لساناً وفهم الله العربية عمليق وأميم وطسم ابني لوذ بن سام وعاداً وعبيلاً بني عوص بن سام بن نوح انتهى كلام ابن الكبي وانظر ما في كلامه فإنه ذكر أول نم تكلم بالعربية يعرب من ذرية إسماعيل ثم ذكر أن الله فهمها عمليقاً ومن ذكر بعده من ذرية نوح وكلاهما مخالف لما جاء أن إسماعيل تعلم العربية من جرهم لما نشأ بينهم حتى قيل أن إبراهيم لما كان بني البيت يقول لإسماعيل هات هيك والهيك بالسريانية الحجر فيقول له إسماعيل خذ الحجر فهذا يتكلم بالسريانية وهذا بالعربية وقيل لما نزل أصحاب نوح من السفينة خلق الله في قلوبهم لغات مختلفة فتكلم كل مهم بلغة وفيها توفي هشام بن عروة بن الزبير الفقيه أحد حفاظ الحديث قال مسح ابن عمر برأسي ودعالي وقال وهيب قدم علينا هشام بن عروة فكان مثل الحسن وابن سيرين وحدث عن أبيه وعمه وكان ثبتا متقنا توفي ببغداد وصلى عليه

(1/218)


219 المنصور ودفن بمقبرة الخيز وأن قيل أنه ولد هو وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة والأعمش ليلي قتل الحسين بنعلي في المحرم سنة إحدى وستين وفيها أوفى التي تليها يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع ومولاه بالمدينة سنة سبع وأربعين ومائة فيها بدعت الكفرة الترك بناحية ارمينية وقتلوا أمما ودخلوا تفليس فالتقاهم المسمون فلم ينصروا وهزم أميرهم جبريل بن يحيى وقتل مقدمهم الآخر حرب الريوندي الذي تنسب إليه الحربية ببغداد وفيها ألح المنصور وتحيل بكل ممكن على ابن عمه ولى العهد عيسى بن موسى بالرغبة والرهبة حتى خلع نفسه كرها وقيل بل عوضه عشرة آلاف ألف درهم وعلى أن يكون أيضاً ولى عهده بعد المهدي بن المنصور وفيها توفي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي حدث عن مجاهد وجماعة وكان عالماً فقيهاً نبيلاً قال في المغني وثقة جمعة وضعفه أبو مسهر انتهى وخرج له ابن عدي وفيها انهدم الحبس على الأمير عبد الله بن علي الذي هزم مروان وافتتح دمشق وكان من رجال الدهر حزماور أياودهاء وشجاعة وهو عم المنصور سجنه المنصور سراً وقيل أنه قتله سرا ًوهدم الحبس قصداً وفيها الإمام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوى العمري المدني وكان أوثق اخواته وأفضلهم وأكثرهم علماً وصلاحاً وبعادة روى عن القسم وسالم ونافع وفيها هشام بن حسان الأزدي القردوسي الحافظ محدث البصرة وصحب الحسن وأبن سيرين قال ابن عينية كان أعلم الناس بحديث الحسن

(1/219)


220 وقيل كان عنده ألف حديث وقال في المغني هشام بن حسان ثقة مشهور روى شعيب بن حرب عن شعبة قال كان خشبياً ولم يكن يحفظ قلت وذكره العقيلي في كتابه فروى بإسناده عن ابن المديني قال كان أصحابنا يثبتون هشام ابن حسان وكان يحيى يضعف حديثه وكان الناس يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب وقال عرعرة بن البرند ذكر لجرير بن حازم هشام بن حسان فقال ما رأيته عند الحسن قط قلت وأنكر عليه حديثه عن محمد بن عبيدة بنقض الوضوء أذى المسلم انتهى سنة ثمان وأربعين ومائة فيها توجه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر أرمينية وفيها توفي الإمام سلالة النبوة أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي وأمه فروة بنت القسم بن محمد ابن أبي بكر فهو علوي الأب بكري ألم روى عن أبيه وجده القسم وطبقتهما وكان سيج بني هاشم في زمنه عاش ثمانيا وستين سنة وأشهراً وولد سنة ثمانين بالمدينة ودفن بالبقيع ي قبة أبي ه وجده وعم جده الحسن وقد ألف تلميذه جابر بن حباب الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمن رسائله وهي خمسمائة وهو عند الأمامية من الأثني عشر بزعمهم قيل إنه سأل أبا حنيفة عن محرم كسر رباعية ظبى فقال لا أعرف جوابها فقال أما تعلم إن الظبي لا يكون له رباعية وقال في المغني جعفر بن محمد بن علي ثقة لم يخرج له البخاري وقدو وثقة ابن معين وابن عدي وأما القطان فقال مجالد أحب غلى منه انتهى وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الأعمش روى عن ابن أبي أوفى أبي وائل والكبار وكان محدث

(1/220)


221 الكوفة وعالمها قال ابن المديني للأعمش نحو ألف وثلثمائة حديث وقال ابن الكوفة وعالمها ابن المديني للأعمش نحو ألف وثلثمائة حديث وقال ابن عيينة كان أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالفرائض وأحفظهم للحديث وقال يحي القطان هو علامة الإسلام قال وكيع بقي الأعمش قريباً من سبعين سنة ولم تفته التكبيرة الأولى وقال الخريبي ما خلف أعبد منه وما يرويه عنه مالك فهو إرسال لأنه لم يسمع منه وكان فيه مزاح خرج إلى الطلبة يوماً وقال لولا إن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت وطلبه رجل ليلح بينه وبين زوجته فقال الرجل لزوجته لا تنظري إلى عموشة عينيه وخموشة ساقيه فإنه إمام فقالت ما لديوان الرسائل أريده فقال ما أردت إلا أن تعرفها عيوبي وقال له حائك ما تقول في شهادة الحائك فقال تقبل مع عدلين وذكر عنده حديث من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه فقال ما عمشت عيني إلا من بول الشيطان وكتب إليه هشام بن عبد الملك أن أكتب لي فضائل عثمان ومساوئ علي فأخذ كتابه ولقمه شاة عنده وقال لرسوله هذا جوابك فألح عليه الرسول في جواب وتحمل عليهبإخوانه وقال إن لم آت بالجواب قتلني فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض فعليك بخويصة نفسك والسلام وقال فيالمغني الأعمش ثقة جبل ولكنه يدلس قال وهب بن زمعة سمعت ابن المبارك يقول إنما أفسد حديث ولكنه يدلس قال وهب بن زمعة سمعت ابن المبارك يقول إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق انتهى قلت والتدليس ليس كله قادحا ولنذكر تعريفه وما يقدح منه وما لا يقدح لأن ذك لا يخلو عن فائدة فأقول التدليس له معنيان لغوي واصطلاحي فاللغوي كتمان العيب في مبيع أو غيره ويقال دالسه خادعه كأنه من الدلس وهو الظلمة لأنه إذا غطى عليه الأمر أظلمه عليه وأما في الاصطلاح أي اصطلاح المحدثين والأصوليين فهو قسمان قسم من مضر يمنع

(1/221)


222 القبول وهو تدليس المتن وهو محرم وفاعله مجوح ويسمى المدرج أيضاً مثاله أن يدخل الراوي للحديث شيئاً من كلامه فيه أولاً أو آخر أو وسطاً على وجه يوهم أنه من جملة الحديث الذي رواه ويسمى تدليس المتون وفاعله عمداً مرتكب محرما مجروح عند العلماء لما فيه من الغش أما لو اتفق ذلك من غير قصد من صحابي أو غيه فلا يكون ذلك محرماً ومن ذلك كثير أفرده الخطيب البغدادي بالتصنيف ومن أمثلته حديث ابن مسعود في التشهد قال في آخره وإذا قلت هذا فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد وهو من كلامه لا من الحديث المرفوع لما قاله البيهقي ولخطيب والنووي وغيرهم والقسم الثاني غير مضر لكنه مكروه مطلقا عن الحنابلة وله صور إحداها أن يسمى شيخه في روايته باسم له غير مشهور من كنية أو لقب أو اسم أو نحوه كقول أبي بكر بن مجاهد المقرئ الإمام حدثنا عبد الله بن أبي أوفى يريد به عبد الله بن أبي داود السجستاني وهو كثير جداً ويسمى هذا تدليس الشيوخ وأما تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه قائلاً قال فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه ويسقط غيره ومثله بعضهم بما في الترمذي عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ثم قال هذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة ثم ذكر أن بينهما سليمان بن أرقم عن يحي بن أبي كثير وإن هذا وجه الحديث قال ابن الصلاح هذا القسم مكروه جداً ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذماً له وقال مرة التدليس أخو الكذب ومرة لأن أزني أحب إلي من أدلس وهذا إفراط منه محمول على المبالغة في الزجر عنه الصورة الثانية أن يسمى شيخه باسم شيخ آخر لا يمكن أن يكون رواه عنه كما يقول تلامذة الحافظ أبي عبد اله الذهبي حدثنا أبو عبد الله الحافظ

(1/222)


223 تشبيها بقول البيهقي فيما يرويه عن شيخه أبى عبد الله الحاكم حدثنا أبو عبد الله الحافظ وهذا لا يقدح لظهور المقصود والصورة الثالثة أن يأتي في التحديث بلفظ يوهم أمراً لا قدح في إيهامه ذلك كقوله حدثنا وراء النهر موهما نهر جيحون وهو نهر عيسى ببغداد والحيرة ونحوها كمصر فلا حرج في ذلك قاله الآمدي لأن ذلك من باب الأغراب وأن كان فيه أيهام الرحلة إلا أنه صدق في نفسه ومن فعله بصورة الثلاثة متأولا قبل عند أمد وأصحابه والأكثر من الفقهاء والمحدثين ولم يفسق لأنه صدر من الأعيان المقتدي بهم حتى قيل لم يسلم منه إلا شعبة والقطان ولكن من عرف به عن الضعفاء لم تقبل روايته حتى يبين سماعه عند المحدثين وغيرهم والإسناد المعن عن بلا تدليس بأي لفظ كان متصل عند أحمد والأكثر من المحدثين وغيرهم عملاً بالظاهر والأصل عدم التدليس حكاه ابن عبد البر في التمهيد اجماعاً واله سبحانه وتعالى اعلم وفيها أو في التي قبلها وهو الصحيح رؤبة بن العجاج المصري التيمي السعدي كان هو وأخوه من المدونين في الرجز ليس فيه شعر من أن الرجز شعر على الصحيح وكان عارفاً باللغة وحشيها وغريبها والروبة جريرة اللبن وهي أيضاً قطعة من الليل والحاجة والرؤبة بالهمز القطعة من الخشب يشعب بها الإناء والجميع بضم الراء وسكون الواو الإ أسم هذا الرجل والقطعة من الخشب فإنهما بالهمز وفيها شبل بن عباد قارىء أهل مكة وتلميذ ابن كثير حدث عن أبي الطفيل وطائفة وعمرو بن الحرث المصري الفقيه حدث عن ابن أبي مليكة وطبقته قال أبو حاتم الرازي كان احفظ الناس في زمانه وقال ابن وهب ما رأيت أحفظ منه ولم يكن له نظير في الحفظ

(1/223)


224 ومحمد بن الوليد الزبيدي الحمصي القاضي عالم أهل حمص أخذ عن مكحول وعمرو بن شعيب وخلق وقال أقمت مع الزهري عشر سنين بالرصافة وقال الزهري عنه قد احتوى هذا على ما بين جنبي من العلم وقال محمد بن سعد كان أعلم الشاميين بالفتوى والحديث والعوام بن حوشب شيخ واسط روى عن إبراهيم النخعي وجماعة قال يزيد بن هارون كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وفي رمضان قاضي الكوفة ومفتيها أبوب عد الرحمن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى الأنصاري الفقيه لم يدرك أباه وسمع الشعبي وطبقته قال أحمد ابن يونس كان أفقه أهل الدنيا وكان صاحب قرآن وسنة قرأ عليه حمزة الزيات وكان صدوقاً جائز الحديث قاله في العبر ومات وهو على القضاء وفيها محمد بن عجلان المدني روى عن أبيه وأنس وطائفة وكان عابداً ناسكاً صادقاً له حلقة بمسجد النبي للفتوى روى له مسلم مقروناً بآخر وكان مولى لقريش سنة تسع وأربعين ومائة وفيها غزا الناس بلاد الروم وعليهم العباس بن محمد فمات في الغزاة أكثر امرأته وفيها توفي بالكوفة زكيا ينب أبي زائدة الهمذاني القاضي والد يحيى روى عن الشعبي وغيره قال في المغنى صدوق مشهور قال أبو زرعة صويلح وقال أبو حاتم لين الحديث يدلس وثقة أبو داود وقال يدلس انتهى وفيها عيسى بن عمر النحوي قال ابن قتيبة كان صاحب تقعير في كلامه واستعمال للغريب فيه وفي قراءته وضربه بوسف بن عمر بن هبيرة في سبب وهو يقول والله إن كانت إلا أثياباً في أسفاط قبضها عاشروك انتهى

(1/224)


225 وقال ابن الأهدل عيسى بن عمر النحوي الثقفي البصري مولى خالد ابن الوليد نزل في ثقيف فنسب إليهم وكان صاحب غريب في لفظه ونحوه وحكى أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه الناس فقال مالك تكأ كأتم على كتكأ كئكم على ذي جنة افترقوا عني معناه مالكم تجمعتم على كتجمعكم على مجنون افترقوا عني فقالوا أن شيطانه هندي وهو شيخ سيبويه وله كتاب الجامع في النحو وهو المنسوب إلى سيبويه وله أيضاً الإكمال وصنف نيفاً وسبعين كتابا صفيا لنحو ولم يبق منها سوى الجامع والكمال لأنها كانت احترقت إلا هذين وكن سيبويه رحل إليه وعاد ومعه الجامع فسأله الخليل عن عيسى فأخبره بأخبار وأراه الجامع فقال الخيل ( ذهب النحو جميعاً كله * غير ما أحدث عيسى بن عمر ) ( ذاك إكمال وهذا جامع * وهما للناس شمس وقمر ) وهو شيخ سيبويه والخليل وأيى عمرو بن العلاء وعيسى هذا هو الذي هذب النحو ورتبه انتهى ملخصاً مزيداً فيه وفيها توفي كهمس بن الحسن البصري روى عن أبي الطفيل وجماعة والمثنى بن الصباح اليماني بمكة روى عن مجاهد وعمرو بن شعيب وجماعة وكان من أعبد الناس وفي حديثه ضعف سنة خمسين ومائة فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير استأذنيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاثمائة ألف مقاتل ما بين فارس وراجل سائرهم من أهل هراة وسجستان واستولى على أكثر خراسان وعظم الخطب فنهض لحربه الأخثم المرو وذي فقتل الأخثم واستبيح عسكره فسار حازم بن خزيمة فيجيش عظيم بالمرة فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق حتى قيل إنه قتل في هذه

(1/225)


226 الوقعة سبعون ألفاً وانهزم أستاذ سيس في طائفة إلى جبل وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية سقناها استطراداً ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم وكانوا أربعة عشر ألفاً ثم حاصر أسنادسيس مدة ثم نزل على حكمهم فقيد هو وأولاده وأطلق أصحابه وكانوا ثلاثين ألفاً وفيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي ثم المكي مولى بني أمية عن أكثر من سبعين سنة أخذ عن عطاء وطبقته وهو أول من صنف الكتب بالحجاز كما أن سعيد ب أبي عروبة أول من صنف بالعراق قال أحمد كان من أوعية العلم قال ي العبر ولم يطلب العلم إلا في الكهولة ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة فإنه قال كنت أتتبع الأشعار العربية والأنساب حتى قيل لي لو لزمت عطاء فلزمته ثمانية عشر عاما قال ابن المديني لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج وقال عبد الرزاق ما رأيت أحداً أحسن صلاة من ابن جريج وقال خالد بن نزار الايلي رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه فوحجدته قد مات رحمه الله تعالى انتهى كلامه في العبر وقال ابن الأهدل هو أول من صنف المتب في الإسلام كان باليمن مع معن بن زائدة قال فحضر وقت الحج وخطر بباله فول عمر بن أبي ربيعة ( بالله قولي له من غير معتبة * ماذا أردت بطول المكث في اليمن ) ( إن كنت حاولت دينا أو نعمت بها * فما أجدت لترك الحج من ثمن ) قال فدخلت على معن فأخبرته إني عزمت على الحج قال م تذكره من قبل فأخبرته بما بعثني فجهزني وانطلقت انتهى وقال في المعارف ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وجريج كان عبداً لأم حبيب بنت جبير وكانت تحت عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسد فنسب إلى ولائه وولد سنة اثنين عام الجحاف والجحاف سيل كان بمكة حدثني أبو حاتم

(1/226)


227 عن الأصمعي عن أبي هلال قال كان ابن جريج احمر الخضاب روى الواقدي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي زياد قال شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة فقال يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها إلى فلان هي حديثك قال نعم قال الواقدي فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول حدثنا هشام بن عروة ما لا أحصى قال وسألته عن قراءة الحديث عن المحدث قال ومثلك يسأل عن هذا إنما اختلف الناس في الصحيفة يأخذها ويقول أحدث بما فيها ولم يقرأها وأما إذا قرأها فهو والسماع سواء انتهى كلام المعارف قلت وهذا مذهب مالك وجماعة وأما عند الحنابلة فالسماع أعلى رتبة ويشهد لمذهبهم العقل والذوق والله أعلم وفيها مات أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي مولاهم الخراساني المفسر وقال في المغني مقاتل بن سليمان البلخي هالك كذبة وكيع النسائي انتهى وقال ابن الأهدل كان نبيلا واتهم في الرواية قال مرة سلوني عمادون العرش فقيل له من حلق رأس آدم لما حج وقال له آخر الذرة أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها فلم يدرك ما يقول وقال ليس هذا من علمكم لكن بليت به لعجبي بنفسي وسأله المنصور لما خلق الله الذباب فقال ليذل به الجبابرة وقال الشافعي الناس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير وعلى زهير بن أبي سلمة في الشعر وعلى أبي حنيفة في الفقه وعلى الكسائي في النحو وعلى ابن إسحاق في المغازي وفيها توفي الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة ومولده سنة ثمانين رأى أنساً وغيره نظم بعضهم من لقي من الصحابة فقال ( لقي الإمام أبو حنيفة ستة * من صحب طه المصطفى المختار ) ( أنساً وعبد الله نجل أنيسهم * وسيه ابن الحارث الكرار ) ( وزاد ابن أوفى وابن واثلة الرضى * واضمم إليهم معقل بن يسار ) ولكن لم تثبت له رواية عن أحد منهم وإنما روي عن عطاء بن أبي رباح

(1/227)


228 وطبقته وتقفه على حماد بن سليمان وكان من أذكياء بني آدم الفقه والعبادة والورع والسخاء وكان لا يقبل جوائز الدولة بل ينفق ويؤثر من كسبه له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صناع وأجراء رحمه الله تعالى قال الشافعي الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة وقال يزيد بن هارون ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال بينهما أنا أمشي مع أبي حنيفة أذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال والله لا يتحدث عن بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة وجعاء وتضرعاً وقد روى أن المنصور وسقاه السم فمات شهيداً رحمه الله سمه لقيامه مع أبراهيم قاله في العبر وذكر الحافظ العامري في تأليفه الرياض المستطابة وكذلك ملخصه صالح ابن صلاح العلائي ومن خطه نقلت أن الإمام أبا حنيفة رأى عبد الله بن الحرث ان جزء الصحابي وسمع منه قوله من تفقه في دين الله كفاه الله همة ورزقه من حيث لا يحتسب انتهى وقال ابن الأهدل نقله المنصور عن الكوفة إلى بغداد ليوليه القضاء فأبى فخلف عليه ليفعلن فخلف أن لا يفعل وقال أمير المؤمنين أقدر منى على الكفارة فأمر به إلى الحبس وقيل أنه ضربه وقيل سقاه سما لقيامه مع إبراهيم الشبه بن عبد الله بن حسن فمات شهيداً وقيل أنه أقام في القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء في الكوفة أيام مروان الجعدي فأبى وضربه مائة سوط وعشرة أسواط كل يوم عشرة وأصر على الإمتناع فخلى سبيله وكان الإمام أمد إذا ذكر ذلك ترحم عليه انتهى وقد قال في الإشباه والنظائر لم اجلس أبو يوسف رحمه الله للتدريس من غير اعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلاً فسأله عن خمس مسائل الأولى قصار جحد الثوب وجاءه به مقصوراً أهل يستحق الإجرام لا فأجاب أبو يوسف يستحق الأجر فقال له الرجل أخطأت فقال لا يستحق فقال أخطأت ثم
قال له الرجل أن كانت القصارة قبل الجحود استحق وإلا فلام الثانية هل الدخول في الصلاة بالفرض أم بالسنة فقال

(1/228)


229 بالفرض فقال أخطأت فقال بالسنة فقال أخطأت فتحير أبو يوسف فقال الرجل بهما الأن التكبير فرض ورفع اليدين سنة الثالثة طير سقط في قدر على النار فيه لحم ومرق هل يؤكلان أم لا فقال أبو يوسف يؤكلان فخطأه فقال لا يؤكلان فخطأه ثم قال إن كان اللحم مطبوخاً قبل سقوط الطير يغسل ثلاثاً ويؤكل وترمي المرقة وإلايرمي الكل الرابعة مسلم له زوجة ذمية ماتت وهي حامل منه تدفن في أي المقابر فقال في مقابر اليهود يا لأنهم يوجهون قبورهم إلى القبلة ولكن يحول وجهها عن القبلة حتى يكون وجه الولد إلى القبلة لأن الولد في البطن نكون وجهه إلى ظهر أمه الخامسة أم ولد لرجل تزوجت بغير اذن مولاها هل تجب العدة من المولى فقال تجب فخطأه ثم قال الرجل ان كان الزوج دخل بها لا تجب وإلا وجبت فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال تزبيت قبل أن تحصرم كذا في إجارات الفيض انتهى كلام الأشباه والله أعلم وبه التوفيق وفيها أوفى التي قبلها وهو الصحيح الحجاج بن ارطأه قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( ثم أبو ارطأة الحجاج * مدلس قد طمس الحجاج ) أي العظم المستدير حول العين ويقال ويقال بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب قال في المغني حجاج بن أرطأة النخعي الكوفي من كبار الفقهاء تركه ابن مهدي والقطان وقال أحمد لا يحتج به وقال ابن عدي ربما أخطأ ولم يتعمد وقد وثق وقال ابن معين أيضا صدوق يدلس خرج له مسلم مقروناً بغيره انتهى وقد خرج له الأربعة وابن حبان وفيها عمر بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمري بعسقلان روى عن سالم بن عبد الله وظائفة ولم يعقب وكان من السادة العبادة قال الثوري لم يكن في آل عمر أفضل منه وقال أبو عاصم النبيل كان من أفضل أهل زمانه

(1/229)


230 وعثمان بن الأسود المكي روى عن سيعد بن جبير ومجاهد وطاووس سنة إحدى وخمسين ومائة وفيها قدم المهدي من الري إلى بغداد ليراها فأمر أبوه ببناء الرصافة للمهدي في الجانب الشرقي مقابلة وجعل له حاشية وحشمة والده في زي الخلافة وجدد البيعة بالخلافة للمهدي من بعده من بعد المهدي لعلي بن موسى وفي رجب توفي الإمام عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم روى عن أبي وائل والكبار قال هشام بن حسان لمتر عيناي مثل ابن عون وقال قرة كنا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساه ابن عون قوال عبد الرحمن بن مهدي ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون وقال أبو إسحاق هو ثقة فيكل شيء وفيها محمد بن أسحق بن يسار المطلبي مولاهم المدني صاحب السيرة رأى أنسا وسمع الكثير من ا لمقبري والأعرج وهذه الطبقة وكان بحراً من بحور العلم ذكياً حافظاً طلابه للعلم أخارياً نسابة علامة قال شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث قال ابن معين هو ثقة وليس بحجة وقال أحمد بن حنبل هو حسن الحديث قاله في العبر وقال ابن الهدل لا تجهل أمانته ووثقه الأكثرون في الحديث ولم يخرج له البخاري شيئاً وخرج له مسلم حديثاً واحداً من أجل طعن مالك فيه وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه أنه قال هاتوا حديث مالك فأنا طبيب بعلله ونم كتب ابن إسحاق أخذ عبد الملك بن هشام وكل من تكلم في السير فعليه اعتماده توفي ببغداد ودفن في مقبرة الخيزران أم الرشيد نسبت المقبرة غليها لأنها أقدم من دفن فيها وهي بالجانب الشرقي انتهى وقال بعض المحدثين ابن إسحق ثقة مالم يعنعن فيخشى منه التدليس انتهى وقال ابن ناصر الدين كان بحراً من بحور العلم صدوقاً مختلفاً فيه جرحاً وتوثيقاً انتهى وفيها حنظلة بن أبي سفيان بن عبيد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحى المكي

(1/230)


231 روى عن مجاهد وطبقته والوليد بن كثير المدني بالكوفة روى عن بشير بن يسار وطائفة وكان عارفاً بالمغازي والسير ولكنه أباضى قاله في العبر والإباضة هم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض قالوا مخالفونا من أهل القبلة كفار ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان وكفروا عليا واكثر الصحابة قال الذهبي في المغني الوليد بن كثير المخزومي ثقة حديثه في الكتب الستة سمع سعيد بن أبي هند والكبار قال أبو داود ثقة إلا أنه أباضى وقال ابن سعد ليس بذاك انتهى وفيها سيف بن سليمان لمكي روى من جاهد وغيره قال في المغني ثقة إلا أنه رمى بالقدر انتهى وفيها أو في التي تليها صالح بن علي الأمير عم المنصور وأمير الشام وهو الذي أمر ببناء أذنه التي في يد صاحب سيس وقد هزم الروم يوم دابق وكانوا مائة ألف وفيها قتلت الخوارج غبيلة معن بن زائدة الشيباني الأمير بسجستان وكان قد وليها عام أول وكان أحد الأبطال والأجواد وكان مع بني أمية متنقلاً في ولاياتهم مواليا لابن هبيرة وقاتل معه المنصور فلما قتل ابن هبيرة وخاف معن فاختفى فلما كان يوم الهاشمية وهو يوم مشهود ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور وكانت وقعتهم بالهاشمية التي بناها السفاح بقرب الكوفة وكان معن متوارياً بالقرب منهم فخرج متنكراً وقاتل قتالاً شديداً أبا فيه عن نجدته وفرقهم فلما أفرج عن المنصور قال له من أنت فكشف اللثام وقال أنا طليبك يا أمير المؤمنين فأمنه وأكرمه وصار من خواصه وقاله أنت الذي أعطيت مروان بن أبي حفص مائة ألف درهم على قوله ( معن بن زائدة الذي زيدت به * شرفاً على شرف بنو شيبان ) فقال إنما أعطيته على قوله

(1/231)


232 ( مازالت يوم الهاشمية معلما * بالسيف دون خليفة الرحمن ) ( فمنعت حوزته وكنت وقاية * من وقع كل مهند وسنان ) فقال أحسنت ودخل عليه أعرابي وهو جالس على سريره فأنشده ( تذكر إذ قميصك جلد كبش * وإذ نعلاك نم جلد البعير ) ( وفي يمناك عكاز طويل * تهش به الكلاب عن الهرير ) قال نعم أعرف ذلك ولا أنساه فقال ( فسبحان الذي أعطاك ملكاً * وعلمك الجلوس على السرير ) قال بحمد الله لا بحمدك قال ( فأقسم لا أحييك ابن معن * مدى عمري بتسليم الأمير ) ( قال إذاً والله لا أبالي فقال ( فمر لي يا ابن زائدة بمال * فأبى قد عزمت على المسير ) قال لغلامه أعطه ألف ألف درهم فقال ( قليل ما أمرت به وأني * لأطمع منك بالشيء الكثير ) قال يا غلام زده ألف درهم فقال ( ملكت الجود والأنصاف جمعاً * فبذل يديك كالبحر الغزير ) فقال يا غلام ضاعف له الحساب فاضعف له ورأى راكباً محثا ناقته فقال لحاجبه لا تحجب هذا فلما مثل بين يديه أنشد ( أصلحك الله قل ما بيدي * فما أطيق العيال إذ كثروا ) ( ألحم دهر على كلكله * فأرسلوني إليك وانتظروا ) فأخذته اريحية وقال والله لأعجلن أوبتك إليهم فأعطاه مائة ناقة والف دينار وهو لا يعرفه ولما طلب المنصور سفيان الثوري فر سفيان إلى اليمن فكان يقرأ على الناس أحاديث الضيافة ليضيف وهو يكتفي عن سؤالهم فاتهم بسرقة ورفع إلى معن بن زائدة فتعرفه حتى عرفه فقال اذهب حيث شئت فلو كنت تحت

(1/232)


233 قدمى ما أخرجتك ولما عظم صيته له جماعة من الخوارج في ضيعة له بسجستان فقتلوه وهو يحتجم فتبعهم ابن أخيه فقتلهم جميعهم ورثاه الشعراء ومن أحسن ذلك قول مروان بن أبي حفصة في قصيدته التي أولها ( مضى لسبيله معن وأبقى * مكارم لن تبيد ولن تنالا ) واستنشده إياها جعفر البرمكي فأنشده فبكى وأجازه بستمائة دينار وروى أنه دخل على المهدي بن المنصور فمدحه فقال له ألست القائل ( وقلنا لا ترحل بعد معن * فقد ذهب النوال ولا نوالاً ) وأمر بإخراجه ثم وفد عليه في العام المقبل وكانت الشعراء أنما تدخل الخلفاء فيكل عام مرة ثم مدحه بقصيدته التي يقول فيها طرقتك زائرة فأعجب بها وهيمائة بيت أعطاه مائة ألف درهم وهي أول إجازة بمائة ألف أعطيها شاعرا في خلافة العباسيين سنة اثنتين وخمسين ومائة فيها توفي إبراهيم بن أبي عبلة أحد الأشراف والعلماء بدمشق عن سن عالية روى عن أبي أمامة وواثلة بن الأسقع وخلق كثير وفيها عباد بن منصور والناجي روى عن كعكرمة وجماعة وولى قضاء البصرة نلك الأيام لإبراهيم بن عبد الله بن حسن الحسني وليس بالقوى في الحديث وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري روى عن الحسن وطبقته قال شعبة هو اصدق الناس وقال أبو داود الطيالسي كان يختم كل ليلتين وفيها وقيل بعدها يونس بن يزيد الأبلي صاحب الزهري وأوثق أصحابه وقد روى عن القسم وسالم وجماعة وتوفي بالصعيد قال ابن ناصر الدين ( بعدهما فتى يزيد يونس * ذاك الإمام المكثر المدرس ) وقال في شرحها يونس بن يزيد بن أبي النجاد حجة ثقة انتهى ملخصاً

(1/233)


234 سنة ثلاث وخمسين ومائة فيها غلبت الخوارج الأباضية على أفريقية وهزموا عسكرها وقتلوا متوليها عمر بن حفص الأزدي وكان رأسهم ثلاثة أبو حاتم الأباضي وأبو عاد وأبو قرة الصفرى وكان أبو قرة في أربعين ألفاً فارس وأمم لا يحصون من الرجالة وفيها الزم المنصور الناس بلبس القلانس المفرطة الطول وتسمى بالدنية لشبهها بالدن وكانت تعمل من كاغد ونحوه على قصب ويعمل عليها السواد شبه الشربوش وفيها توفي أبو زيد أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني روى عن سعيد المسيب فمن بعده وخرج له مسلم والأربعة وابن حبان قال في المغني صدوق اختلف قول يحيى لاقطان فيه وقال أحمد ليس بشيء وقال ابن أبي شيبة ليس بالفوى وقال ابن عدي ليس به بأس انتهى وأبو خالد ثور بن يزيد الكلاعي الحافظ محدث حمص روى عن خالد ابن معدان وطبقته قال يحيى القطان ما رأيت شاباً أوثق من وكفى به الشهادة وقال أحمد كان يرى القدر ولذلك نفاه أهل حمص وخرج له البخاري والأربعة قال في المغني ثقة مشاهير القدرية انتهى والفقيه أبو محمدا لحسن بن عمارة الكوفي قاضي بغداد روى عن ابن أبي مليكة والحكم وطبقتهما وهو اه باتفاقهم والضحاك بن عثمان الحزامي المدني عن نافع وجماعة و خرج له مسلم والأربعة قال في المغني قال يعقوب بن شبية صدوق في حديثه ضعف لينه القطان انتهى وعبد الحميد بن جعفر اللأنصاري المدين عن المقري وجماعة وخرج

(1/234)


235 له مسلم والأربعة قال في المغني صدوق ضعفه القطان وفيه قدرية انتهى وفيها فطر بن خليفة أبو بكر الكوفي الخياط روى عن أبي الطفيل وأبي وائل وخلق وهو مكثر حسن الحديث روى البخاري له مقروناً ومحل بن محرز الضبي الكوفي قال في المغني عن أبي وائل صدوق لم يخرجوا له في الكتب الستة شيئاً قال يحيى القطان وسط لم يكن بذاك ووثقه غير واحد وقال أبوحاتم لا يحج به وممن وثقه أحمد وله في الأدب للبخاري انتهى وفي رمضان معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري الحافظ أبو عروة صاحب الزهري كهلاً رأى جنازة الحسن وأقدم شيوخه موتا قتادة قال أحمد ليس نضم معمراً إلى أحد الأ وجدته فوقه وقال غيره كان معمر خيراً وهو أول من ارتحل في طلب الحديث إلى اليمن فلقى بها همام بن منبه صاحب أبي هريرة وله الجامع المشهور في السير أقدم من الموطأ وقال في المغني ثقة أمام له أوهام احتملت له قال أبو حاتم صالح الحديث وما حدث به بالبصرة ففيه أغاليط وقد قال أحمد بن حنبل ليس نظم معمارً إلى أحد إلا وجدته فوقه انتهى وقال ابن ناصر الدين معمر بن راشد بن أبو راشد أبي عمرة والأزدي مولاهم البصري عالم اليمن ثقة حجة ورع انتهى وفيها موسى بن عبيدة الربذي بالمدينة روى عن نافع وطبقته وكان صالحاً ضعيفاً باتفاق قاله في العبر وفيها على الأصح وقيل في التي بعدها هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصري الدستوائي لأنه كان يتجر في الثياب المجلوبة من دستوى وهي من الأهواز سماه أبو داود أمير ا لمؤمنين وقال شعبة ما من الناس أحد يقول إنه طلب الحديث لله إلا هشام الدستوائي وهو أعلم بتحديث قتادة منى وقال شاذ بن فياض بكى هشام حتى فسدت عينه قاله في العبر وقال ابن قتيببة هو هشام بن أبي عبد الله سنبر مولى لبني سدوس يرمي بالقدر انتهى

(1/235)


236 وهشام بن الغاز الجرشي الدمشقي متولي بين المال للمنصور روى عن مكحول وطبقته وكان من ثقات الشاميين وعلمائهم وفيها وهيب بن الورد الولي الشهير صاحب المواعظ والحائق روى عن حميد بن قيس الأعرج وجماعة كان لا يأكل ما في الحجاز تورعاً عما اصطفاه الولاة لأنفسهم ومواشيهم سنة أربع وخمسين ومائة فيها أهم المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب فسار إلى الشم وزار بيت المقدس وجهز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس وعقد له على المغرب فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف الف فافتتح يزيد إفريقية وهزم الخوارج وقتل كبارهم واستعمل المنصور على قضاء دمشق يحيى ابن حمزة فبقى قاضياً ثلاثين سنة وفيها توفي فقيه الجزيرة وعالمها جعفر بن برقان الجزري صاحب ميمون ابن مهران روى له البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة قال في المغني جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال أحمد يخطىء في حديث الزهري وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقد و ثقة أحمد في رواية وبان معين والفسوى وابن سعد انتهى وفيها وزير المنصور وأبو أيوب سليمان بن مخلد وقيل ابن داود المورياني نسبة إلى موريان من قرى الأهواز هم المنصور ايوقع به لتهم الحقته وكان كلما دخل هم بذلك ثم يترك أذا رآه فقيل كان معه دهن فيه سحر فشاع في العامة دهن أبي أيوب ثم أوقع به بعد وعذبه حتى مات وفيها توفي أشعب الطامع ويعرف بابن أم حميد روى عن عكرمة وسالم وله نوادر وملح في الكمع والتطفيل أشهر من أنت تذكر وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي محدث محدث دمشق روى عن أبي الأشعث

(1/236)


237 الصنعاني قال في الغني من ثقات الدماشقة أثنى عليه جماعة والعجب من البخاري كيف أورده الضعفاء وما ذكر ما يدل على لينه بل قال قال الوليد كان عنده كتاب سمعه وكتاب لم يسمعه انتهى وقد روى عن خلق من التابعين وفيها قرة بن خالد السدوسي البصري صاحب الحسن وابن سيرين قال يحيى القطان وكان من أثبت شيوخنا والحكم بن أبان العدني روى عن طاووس وجماعة وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد يعقوب قال أحمد العجلي وعلامهم بعد يعقوب قال أحمد العجلي ثقة صاحب سنة كان إذا هدأت العيون وقف في البحر غلى ركبتيه يذكر الله حتى يصبح وفيها مقرىء البصرة الإمام أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري أحد السبعة وله أربع وثمانون سنة قرأ على أبي العالية الرياحي وجماعة وروى عن أنس وإياس قال أبو عمر وكنت رأساً والحسن حي ونظرت في العلم قبل أن أتين وقال أبو عبيدة كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر وأيام العرب قال وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأخرقها قاله في العبر وقال ابن الأهدل فاحترقت كتبه فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه وهو في النحو في الطبقة الرابعة من على قال الأصمعي سألته عن ألف مسألة فأجابني فيها بألف حجة وفيه يقول الفرزدق مفتخراً ( مازلت أفتح أبواباً وأغلقها * حتى أتيت أبا عمرو بن عمار ) وكنيته اسمه على الصحيح وكان إذا دخل رمضان لم ينشد بيتاً حى ينقضى ودخل يوماً على سليمان بن علي عم السفاح فسأله عن شيء فصدقه فلم يعجبه فخرج أبو عمرو وهو يقول ( أنفت من الذل عند المل * ك وأن أكرموني وأن قربوا )

(1/237)


238 يسمى المصحف من اتقانه ويدعى الميزان لنقده وتحرير لسانه قاله ابن ناصر الدين وقال في العبر أخذ عن الحكم وقتادة وخلق وكان عنده نحو ألف حديث قال يحيى القطان ما رأيت أثبت منه وقال شعبة كنا نسمى مسعراً المصحف وقال أبو نعيم مسعر أثبت من سفيان وشعبة انتهى وفيها عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي القاص روى عن عمير بن هانىء العنسي وجماعة وفيها وقال ناصر الدين سنة أربع جعفر بن برقان الرقى أبو عبد الله الكلابي مولاهم ذكر النسائي وغيره أنه ليس به بأس وهو معدود في حفاظ الرجال وكان أمياً لا يدري الكتابة فيما يقال انتهى وقد تقدم الكلام عليه قريباً في سنة أربع وفيها حماد الرواية بن أبي ليلى الديلمي الكوفي مولى لابن زيد الخيل الطائي الصحابي كان حماد من أعلم الناس بآثر العرب وأشعارها وهو الذي جمع السبع الطوال قال له الوليد بن يزيد الأموي لم سميت الراوية قال لأني أروى لكل شاعر سمعت به أو لم أسمع وأمين بين قديمها وحديثها قال له كم تحفظ من الشعر قال كثير لكني أنشد على كل حرف مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون الإسلام فامتحنه في ذلك فوجده كما قال فأمر له بمائة ألف و وهبه هشام مائة ألف درهم سنة ست وخمسين ومائة فيها توفي سعيد أي عروبة الإمام أبو النضر العدوى شيخ البصرة وعلامها وأول من دون العم بها وكان قد تغير حفظه قبل موته بعشر سنين روى عن أبي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار وخرج له ابن عدي قال في المغني وثقة ابن معين وأحمد وهو ثقة أمام تغير حفظه قال أبو حاتم هو قبل أن يختلط

(1/238)


240 ثقة انتهى وقال ابن ناصر الدين قيل أنه كان يقول بالقدر سراً انتهى وعده ابن قتيبة في القدرية وعبد اله بن شوذب البلخي ثم البصري نزيل بيت المقدس روى عن الحسن وطبقته وكان كثير العلم جليل القدر قال كثير بن الوليد كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة وعاش سبعين سنة وفيها شيخ افريقية وقاضيها وأول من ولد بها من المسلمين عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الشعباني الإفريقي الزاهد الواعظ روى عن أبي عبد الرحمن الحبلي وطبقته وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام حسن وليس بقوى في الحديث وعمر بن ذر الهمذاني الكوفي الواعظ البليغ روى عن أبيه ثقة لكنه رأس في الأرجاء انتهى وفيها على بن أبي حملة الدمشقي المعمر أدرك معاوية وروى عن أبي إدريس الخولاني والكبار وقد وثقه أحمد غيره وفيها وقيل سنة ثمان قارىء الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيت التيمي مولى تيم الله بن ربيعة الكوفي الزيات الزاهد أحد السبعة قرأ على التابعين وتصدر للأقراء فقرأ عليه جل أهل الكوفة وحدث عن الحكم بن عيينة وطبقته وكان رأساً في القرآن والفرائض قدوة في الورع قال حمزة القرآن ثلثمائة ألف حرف وثلاثة وسبعون ألف حرف ومائتان وخمسون ورأى الحق سبحانه في المنام وضمخه بالغالية وسمع منه وهو منام مشهرو سنة سبع وخمسين ومائة فيها على ما في الشذور بني المنصور قصره الذي على شاطىء دجلة ويدعى الخلد وحول الأسواق من المدينة إلى باب الكرخ وباب الشعير والمحول

(1/240)


241 ووسع طرق المدينة وأرباضها وعقد الجسر بباب الشعير انتهى وفيها توفي الحسين بن وأقد المروزي قاضي مرو روى عن عبد الله بن بريدة وطبقته وروى له العقيلي وابن حبان قال الذهبي في المغني واقد المروزي عن ابن بريدة صدوق استنكر أحمد بعض حديثه انتهى وفي صفر إمام الشاميين أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الفقيه روى عن القسم بن مخيمرة وعطاء وخلق كثير من التابعين وكان رأساً في العلم والعمل جم المناقب ومع علمه كان بارعاً في الكتابة والترسل قال الهقل بن زياد أجاب الأوزاعي عن سبعين ألف مسألة وقال إسماعيل بن عباس سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون الأوزاعي اليوم علام الأمة وقال عبد الله الخريبي كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه وقال الوليد بن مسلم ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعي وقال أبو مسهر كان الأوزاعي يحيى الليل صلاة وقرآنا وبكاء ومات في الحمام اغلقت عليه زوجته باب الحمام ونسيته فمات و رثاه بعضهم فقال ( جاد الحيا بالشام كل عشية * قبرا تضمن لحده الأوزاعي ) ( قبرا تضمن طود كل شيعة * سقيا له من عالم نفاع ) ( عرضت له الدنيا فاقلع معرضا * عنها بزهد أيما اقلاع ) وجاء رجل إلى بعض المعبر فقال رأيت البارحة كان ريحانة رفعت إلى السماء من ناحية المغرب حتى توارت في السماء فقال إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي فوجدوه قد مات تلك الليلة وما حج لقيه سفيان الثوري بذي طوى فأخذ بحطام بعيره ومشى وهو يقول طرقوا للشيخ قال ابن ناصر الدين الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الدمشقي الثقة المأمون ولد ببعلبك سنة ثمان وثمانين وكان عالم الأمة منفرداً بالسيادة مع اجتهاد في أحياء الليل أجاب في سبعين ألف مسئلة للقصاد دخل حماما في بيته نهاراً وأدخلت معه زوجته

(1/241)


242 في كانون فحما ونارا ثم أغلقت عليه غير متعمدة فهاج الفحم بالنار فمات من ذلك والأوزاع قرية بدمشق اتصل اتصل بها العمران وهي المحلة التي تسمى الآن بالعقيبة انتهى وقال في المعارف حدثنا البجلي أن اسمه عبد الرحمن بن عمرو من الأوزاع وهم بطن من همدان وقال الواقدي كان يسكن ببيروت ومكتبه باليمامة فلذلك سمع من يحي بن أبي كثير ومات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة انتهى كلام العبر وقال النووي في شرح المهذب في باب الحيض وأما الأوزاعي فهو أبو عمرو بن عمرو من كبار تابعي التابعين وأئمتهم البارعين كان إمام أهل الشام في زمنه أفتي في سبعين ألف مسألة وقيل ثمانين ألفا توفي في خلوة في حمام ببيروت مستقبل القبلة متوسدا يمينه سنة سبع وخمسين ومائة قيل هو منسوب إلى الأوزاع قرية كانت خارج باب الفراديس من دمشق وقيل قبيلة من اليمن وقيل غير ذلك انتهى وفي تهذيب النووي عن عبد الرحمن ابن مهدي قال الأئمة في الحديث أربعة الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري وحماد بن زيد انتهى وقال أبو حاتم الأوزاعي إمام متبع لما سمع وذكر أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات أن الأوزاعي سئل عن الفقه يعني استفتى وله ثلاث عشرة سنة انتهى وفيها محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري المدني عن عمه وأبيه وفيها مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بالمدينة روى عن أبيه وطائفة وضعفه ابن معين وفيها يوسف ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي روى عن جده وعن الشعبي قال ابن عيينة لم يكن في ولد إسحاق أحفظ منه

(1/242)


243 سنة ثمان وخمسين ومائة فيها صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف درهم ثم رضي عنه وأمره على الموصل وفيها توفي أفلح بن حميد الأنصاري المدني روى عن القسم وأبي بكر بن حزم وفيها حيوة بن شريح أبو زرعة قال السيوطي في حسن المحاضرة حياة بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري الفقيه الزاهد العابد أحد العباد والعلماء السادة عن يزيد بن أبي حبيب وعنه الليث سئل عنه أبو حاتم فقال هو أحب إلي من الليث بن سعد ومن الفضل بن فضالة وقال ابن المبارك ما وصف لي أحد ورأيته إلا كانت رؤيته دون صفته إلا حياة بن شريح فإن رؤيته كان أكبر من صفته عرض عليه قضاء مصر فأبى انتهى وقال ابن ناصر الدين الإمام القدوة كان كبير الشأن مجاب الدعوة انتهى وقال في العبر صحب يزيد بن أبي حبيب وروى عن يونس مولى أبي هريرة وطبقته وكان مجاب الدعوة انتهى وفيها زفر قال في العبر زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر ويكنى أبا الهذيل وكان قد سمع الحديث وغلب عليه الرأي ومات بالبصرة وكان أبوه الهذيل على أصبهان انتهى وقال في العبر زفر بن الهذيل العنبري الفقيه صاحب أبي حنيفة وله ثمان وأربعون سنة وكان ثقة في الحديث موصوفا بالعبادة نزل البصرة وتفقهوا عليه وفيها عبيد الله بن أبي زياد الرصافي الشامي صاحب الزهري وثقة الدارقطني لصحة كتابه وما روى عنه إلا حفيده حجاج بن أبي منيع وفيها عبد الله بن عياش الهمذاني الكوفي صاحب الشعبي ويعرف بالمنتوف وعوانه بن الحكم البصري الإخباري

(1/243)


244 وفيها كما قال ابن الجوزي في الشذور نزل المنصور قصره المسمى بالخلد على دجلة ثم حج وتوفي ببئر ميمون وكانت مدة خلافته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما وهو محرم وأخذت البيعة لمهدي انتهى قال في العبر توجه المنصور للحج فأدركه أجله يوم سادس ذي الحجة عند بر ميمون بظاهر مكة محرماً فأقام الموسم الأمير إبراهيم بن يحيى بن محمد صبى أمرد وهو ابن أخي المنصور واستخلف خفيف اللحية رحب الجبهة كأن عينيه لسانان ناطقان تقبله النفوس وكان يخالطه أبهة الملك بزي أولى النسك ذا حزم وعزم ودهاء ورأى وشجاعة وعقل وفيه جبروت وظلم انتهى وقال ابن الأهدل كان لا يبالي أن يحرس ملكه بهلاك من كان وكان قد روى العم وعرف الحلال والحرام وساس هو وبنوه ملكهم سياسة الملوك وولى بعده المهدي وكان المنصور استأذن أخاه السفاح في الحج فجاءه نعي السفاح في بعض الطريق فسار مسرعاً حتى دخل دار الخلافة وظفر بالأموال وتقررت قواعده ولما أراد إنشاء مدينة السلام بعد أن مكث سنة يتردد فقال له راهب كان هناك ما تريد قال أريد أن أبني ههنا مدينة قال الراهب أن صاحبها يقال له مقلاً فقال المنصور أنا والله كنت أدعي بذلك في الكتاب ثم قال له منجمه احكم الآن بالبناء فإنه يتم بناؤها ولا يكون لها في الدنيا نظير قال ثم ماذا قال ثم تخرب بعد موتك خراباً ليس بالصحراء ولكن دون العمران فوضع المنصور أول لبنة بيده وقال ( ^ بسم الله الرحمن الرحيم إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ) ولما تم بناؤها وانتقل غلى قصره وقف يتأمل باب القصر فإذا عليه مكتوب ( ادخل القصر لا تخاف زوالا * بعدستين من سنيك ترحل ) فوقف مليا وتغرغرت عيناه ثم قال لعبة لغافل وفسحة لجاهل وكان وقوفه

(1/244)


245 أنه حسب ما بقي من عمره من المولد إلى تمام ستين انتهى قال المدائني خرجت مع المنصور في حجته التي مات فيها فسألني عن سني فقلت ثلاث وستون فقال وأنا فيها وهي دقاقة الأعناق فنزلنا منزلاً فوجد مكتوباً على الحائط ( أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت * سنوك وأمر الله لاشك نازل ) ( أبا جعفر هل كاهن أو منجم * يرد قضاء الله أم أنت جاهل ) فجعل يراه وينظر إليه ولا نرى نحن شيئاً وذكر النووي في تهذيبه واقعة جرت له مع سفيان الثوري وذلك أنه أرسل لقتل سفيان قبل دخوله مكة فجاء سفيان إلى الفضيل وسفيان بن عيينة فضرع لهما وجلس بينهما فقالا اتق الله ولا تشمت بنا الأعبد فقام سفيان إلى البيت وأخذ برتاجه وقال برئت منها ندخلها أبو جعفر فلم يدخلها إلا ميتاً انتهى وفيها أيضاً مات طاغية الروم قسطنطين بن اليون إلى اللعنة سنة تسع وخمسين ومائة فيها ألح المهدي على ولي العهد عيسى بن موسى بكل ممكن وبالرغبة والرهبة في خلع نفسه ليولي العهد لولده موسى الهادي فأجاب خوفا فأعطاه المهدي عشرة آلاف درهم وإقطاعات وفيها بنى المهدي مسجد الرصافة وأعتق الخيزران وتزوجها وفيها توفي الإمام أبو الحرث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي العامري المدني الفقيه ومولده سنة ثمان روى عن عكرمة ونافع وخلق قال أحمد بن حنبل كان يشبه بسعيد بن المسيب وما خلف مثله كان أفضل من مالك إلا أن مالكاً أشد تنقية للرجال وقال الواقدي كان ابن أبي ذئب يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة فلو قيل له إن القيامة تقوم غدا

(1/245)


246 ما كان فيه مزيد من الاجتهاد وقال أخوه أنه كان يصوم يوما ويفطر يوماً ثم سرده وكان شديد الحال يتعشى بالخبز والزيت وكان من رجال العالم صرامة وقولا بالحق وكان يحفظ حديثه لم يكن له كتاب وقال أحمد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر يعني المنصور فلم يهله أن قال له الظلم ببابك فاش وأبو جعفر أبو جعفر حياه أبو المنصور فلم يقم له قيل له لا تقوم لأمير المؤمنين فقال إنما يقوم الناس لرب العالمين وفيها عبد العزيز بن أبي رواد بمكة روى عن عكرمة وسالم وطائفة وخرج له الأربعة قال في المغني عبد العزيز بن أبي رواد صالح الحديث ضعفه ابن الجنيد وقال ابن حبان روى عن نافع عن ابن عمر نسخة موضوعة انتهى وقال في العبر توفي بمكة روى عن عكرمة وسالم وطائفة قال ابن المبارك كان من أعبد الناس وقال غيره كان مرجئاً انتهى فقالت ما هذا فقيل زواج عبد العزيز فانتبهت فإذا هو مات وفيها عكرمة بن عمار اليمامي روى عن طاووس وجماعة وخرج ه الأربعة ومسلم قال عاصم بن علي كان مستجاب الدعوة وآخر من روى عنه يزيد بن عبد الله اليمامي شيخ ابن ماجه قال في المغني صدوق مشهور قال القطان أحاديثه عن محي بن أبي كثير ضعيفه وقال أحمد ضعيف الحديث ووثقه ابن معين وغيره قال الحاكم أكثر مسلم الاستشهاد به وقال البخاري لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه انتهى كلام المغني وعمار بن رزيق الضبي الكوفي روى عن منصور والأعمش وكان كبير القدر عالما خيرا قال أبو أحمد الزيتوني لبعضهم لو كنت اختلفت إلى عمار لكفاك أهل الدنيا وفيها عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني ولقبه رباح

(1/246)


247 روى عن أبيه وعن سعيد بن المسيب وهو أكبر شيخ للقعنبي وفي أولها مالك بن مغول البجلي الكوفي روى عن الشعبي وطبقته وكان كثير الحديث ثقة حجة قال ابن عيينة قال له رجل اتق الله فوضع خده بالأرض وفيها يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن سن عالية روى عن أنس وكبار التابعين وكان صدوقا كثير الحديث قالعبد الرحمن بن مهدي وغيره لم يكن به بأس وفيها أمير خراسان حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي وقد ولي أيضا الجزيرة ومصر سنة ستين ومائة حج المهدي بالناس ونزع كسوة الكعبة كلها حتى جردها ثم طلا البيت بالخلوف وقسم في سفره ثلاثينألف درهم وحملت معه ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار ومن اليمن مائة ألف فقسم ذلك كله وفرق من الثياب مائة ثوب وخمسين ألف ثوب وسع في مسجد رسول الله ابن الجوزي في شذو العقود وفيها افتتح المسلمون وعليهم عبد الملك المسمعي مدينة كبيرة بالهند وحمل محمد بن سليمان الأمير الثلج حتى وافى به مكة للمهدي وهذا شيء لم يتهيأ لأحد وتوفي في غزوة الهند في الرجعة بالبحر الربيع بن صبيح البصري صاحب الحسن وقد قال فيه شعبة هو عندي من سادات المسلمين وقال أحمد لا بأس به وفيها لثلاث بقين من جمادى الآخرة توفي أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم الواسطي شيخ البصرة وأمير المؤمنين في الحديث روى عن معاوية بن قرة وعمرو بن مرة وخلق من التابعين قال الشافعي لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق وقال أبو زيد الهروي رأيت شعبة يصلي حتى ترم قدماه وكان موصوفا بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير وكان رأسا في العربية والشعر وسلم ثلاثة شعبة بن الحجاج ويحي بن سعيد القطان ومالك بن أنس

(1/247)


248 وفيها توفي المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي روى عن الحكم بن عتبة وعمرو بن مرة وخلق وخرج له الأربعة قال أبو حاتم كان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود وتغير قبل موته بسنة أو سنتين وقال ابن حبان كان صدوقا إلا أنه اختلط في آخر عمره وقال آخر كان حسن الحديث سنة إحدى وستين ومائة فيها أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة واتخاذ المصانع وتجديد الأميال وحفر الركايا وزاد في جامع البصرة وأمر بنزع المقاصير وتقصير المنابر وتصييرها إلى المقدار الذي عليه منبر رسول الله ففعل ذلك قاله في الشذور وفيها كان ظهور عطاء المقنع الساحر الملعون الذي ادعى الربوبية بناحية مرو واستغوى خلائق لا يحصون قال ابن خلكان في تاريخه عطاء المقنع الخراساني لا أعرف اسم أبيه وكان مبدأ أمره قصارا من أهل مرو وكان يعرف شيئاً من السحر والنيرجات فادعى الربوبية من طريق المناسخة وقال لأشياعه والذين اتبعوه إن الله تعالى تحول إلى صورة آدم عليه السلام فلذلك قال للملائكة اسجدوا فسجدوا له إلا إبليس فاستحق بذلك السخط ثم تحول من صورة آدم إلى صورة نوح ثم إلى صورة واحد فواحد من الأنبياء عليهم السلام والحكماء حتى حصل في صورة أبي مسلم الخراساني ثم زعم أنه انتقل منه إليه فقبل قوم دعواه وعبدوه وقاتلوا دونه مع ما عاينوا من عظيم ادعائه وقبح صورته لأنه كان مشوه الخلق أعور وإنما غلب على عقولهم بالتمويهات التي أظهرها لهم بالسحر والنيرجات وكان في جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع

(1/248)


249 فيراه الناس من مسيرة شهرين من موضعه ثم يغيب فعظم اعتقادهم فيه وقد ذكر أبو العلاء المعري هذا القمر في قوله ( أفق إنما البدر المقنع رأسه * ضلال وغى مثل بدر المقنع ) وإليه أشار ابن سناء الملك بقوله ( إليك طائعاً فلا بدر المقنع طالعاً * بأسحر من ألحاظ بدري المعمم ) ولما اشتهر أمر ابن المقنع وانتشر ذكره ثار عليه الناس وقصدوه في قلعته التي كان قد اعتصم بها وحصروه فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهن سماً فمتن ثم تناول شربة من ذلك السم فمات ودخل المسلمون قلعته فقتلوا من فيها من شياعه وأتباعه وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة لعنه الله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان انتهى ملخصا وقال ابن الأهدل بعد كلام طويل كان لا يسفر عن وجهه لقبح صورته ولذلك قيل له المقنع ثم اتخذ وجهاً من ذهب فتقنع به وعبده خلق كثير وقاتلوا دونه وانتدب لحربه سعيد الجرشي ولما أحسن بالغلبة استعمل سماً وسقى نساءه ثم شربه فماتوا كلهم انتهى ملخصاً أيضاً وفيها توفي أبو دلامة زند بالنون بن الجون صاحب النوادر أنشد المهدي لما ورد عليه ببغداد ( إني حلفت لئن رأيتك سالماً * بقرى العراق وأنت ذوافر ) ( لتصلين على النبي محمد * ولتملأن دراهماً حجري ) فقال المهدي أما الأولى فنعم فقال جعلت فداك لا تفرق بينهما فملأ له حجره دراهم واستدعى طبيباً لعلاج وجع فداواه على شيء معلوم فلما برأ قال لهأبو دلامة والله ما عندنا شيء ولكن ادع المقدار على يهودي وأشهد لك أنا وولدي فمضى الطبيب إلى القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقيل عبد الله ابن شبرمة فادعى الطبيب وأنكر اليهودي فجاء بأبي دلامة وابنه وخاف أبو دلامة أن يطالبه القاضي بالتزكية فأنشد في الدهليز بحيث يسمعه القاضي

(1/249)


250 ( إن الناس غطوني تغطيت عنهم * وإن بحثوا عني ففيهم مباحث ) ( وإن نبشوا ابئري نبشت بئارهم * ليعلم قوم كيف تلك البثابث ) فقال له القاضي كلامك مسموع وشهادتك مقبولة ثم غرم القاضي المبلغ من عنده ونوادره كثيرة جدا وهو مطعون فيه وليست له رواية وفي شعبان منها توفي الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الفقيه سيد أهل زمانه علماً وعملاً وله ست وستون سنة روى عن عمرو بن مرة وسماك ابن حرب وخلق كثير قال ابن المبارك كتبت عن ألف شيخ ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان وقال شعبة ويحي بن معين وغيرهما سفيان أمير المؤمنين في الحديث وقال أحمد بن حنبل لا يتقدم على سفيان في قلبي أحد وقال يحي بن قطان ما رأيت أحفظ من الثوري وهو فوق مالك في كل شيء وقال سفيان ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني وقال ورقاء لم ير الثوري مثل نفسه وكان سفيان كثير الحط على المنصور لظلمه فهم به وأراد قتله فما أمهله الله وأثنى عليه أئمة عصره بما يطول ذكره وكان أقسم برب البيت أن المنصور لا يدخلها أي الكعبة وفي رواية قال برئت منها يعني الكعبة إن دخلها منصور ودخل على المهدي فسلم عليه تسليم العامة فأقبل عليه المهدي بوجه طلق وقال نفر ههنا أتظن أن لو أردناك بسوء لم نقدر عليك فما عسى أن نحكم الآن فيك فقال سفيان إن تحكم الآن في يحكم فيك ملك قادر عادل يفرق بين الحق والباطل فقال له الربيع مولاه ألهذا الجاهل أن يستقبلك بهذا ائذن لي في ضرب عنقه فقال المهدي ويلك اسكت وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فتشقى بسعادتهم اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه فيها حكم فخرج فرمى بالكتاب في دجلة وهرب فطلب فلم يقدر عليه وتولى قضاءها عنه شريك بن عبد الله النخعي فقال فيه الشاعر ( يحرز سفيان ففر بدينه * وأمسى شريك مرصداً للدراهم )

(1/250)


251 ومات سفيان بالبصرة متواريا وكان صاحب مذهب قال ابن رجب وجد في آخر القرن الرابع سفيانيون ومناقبه تحتمل مجلدات ورآه بعضهم بعد موته فسأله عن حاله فقال ( نظرت إلى ربي عياناً فقال لي * هنيئاً رضائي عنك يا ابن سعيد ) ( لقد كنت قواماً إذا ظلم الدجى * بعبرة مشتاق وقلب عميد ) ( فدونك فاختر أي قصد أردته * وزرني فأنى منك غير بعيد ) وفيها في أولها توفي أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ روى عن زياد بن علاقة وطبقته وقال أبو حاتم ثقة صاحب سنة وقال الطيالسي كان لا يحضر صاحب بدعة ومن حرب بن شداد اليشكري البصري روى عن شهر بن حوشب والحسن ويحيى بن أبي كثير قال في المغني حرب بن شداد عن أبن أبي كثير ثقة كان يحيى القطان يحدث عن وقال يحيى بن معين صالح انتهى وقد خرج له الشيخان وأبو داود والترمذي وغيرهم وفيها سعيد بن أبي أيوب المصري وقد نيف على الستين روى عن زهرة ابن معبد وجماعة وفيها ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي بالمدائن روى عن عبيد الله بن أبي يزيد ومنصور وطبقتهما قال في المغني ثقة ثبت قال القطان لا يساوي شيئاً انتهى قال أبو داود الطيالسي قال لي شعبة عليك بورقاء فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع وقال أحمد كان ثقة صاحب سنة وفيها هشام بن سعد قال في المغني هشام بن سعد مولى بني مخزوم صدوق مشهور ضعفه النسائي وغيره وكان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال أحمد ليس هو محكم للحديث وقال ابن عدي مع ضعفه النسائي وغيره وكان يحيى بن القطان لا يحدث عنه وقال أحمد ليس هو محكم للحديث وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه وقال ابن معين ليس بذاك القوى قال الحاكم روى له مسلم في الشواهد انتهى وفيها داود بن قيس المدني الفراء الدباغ روى عن المقبري وطبقته

(1/251)


252 وأبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان روى عن عطاء بن أبي رباح والربيع ابن أنس الخراساني وكان زميل المهدي إلى مكة وفيها قال ابن الأهدل أو في سنة أربع وتسعين إمام النحو عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه الحارثي مولاهم أخذ النحو عن عيسى بن عمر واللغة عن أبي الخطاب الأخفش الأكبر وغيره قيل ولم يقرأ عليه كتابه قط وإنما قرىء بعد موته على الأخفش قال بأن سلام سألت سيبويه عن قوله تعالى ( ^ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الأقوم يونس ) بأي شيء نصب قوم قال إذا كانت إلا بمعنى لكن نصب قيل وكان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو ولم يصنف فيه مثل كتابه وكان الخليل إذا جاءه سيبويه يقول مرحباً بزائر لا يمل وتناظر هو الكسائي في مجلس الأمين فظهر سيبويه بالصواب وظهر الكسائي بتركي بالحجة والتعصب انتهى كلام ابن الأهدل وقال الشمني في حاشيته على المغني أما سيبويه فعمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر طلب الآثار والفقه ثم صحب الخليل وبرع في النحو وهو مولى لبنى الحارث بن كعب ويكنى أيضاً أبا الحسن وتفسير سيبويه فعمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر طلب الآثار والفقيه ثم صحب الخليل وبرع في النحو وهو مولى لنى الحارث بن كعب ويكنى أيضاً أبا الحسن وتفسير سيبويه بالفارسية رائحة التفاح قال إبراهيم الحربي سمى بذلك لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان قال المبرد كان سيبويه وحماد بن سلمة أعلم بالنحو من النضر بن شميل والأخفش وقال ابن عائشة كنا مجلس مع سيبويه في المسجد وكان شاباً جميلاً نظيفاً قد تعلق من كل علم بسبب مع حداثة سنه وقال أبو بكر العبدي النحوي لما ناظر سيبويه الكسائي ولم يظهر سأل من يرغب من الملوك في النحو فقيل له طلحة بن طاهر فشخص إليه إلى خراسان فمات في الطريق ذكر بعضهم أنه مات سنة ثمانين ومائة وهو الصحيح كذا قال الذهبي ويقال سنة أربع وتسعين ومائة انتهى كلام الشمني وما قاله هو الصواب وانظر تناقض ابن الأهدل كيف ذكر موته

(1/252)


سنة إحدى وستين وذكر أن ما جريته مع الكسائي في مجلس الأمين وما أبعد هذا
253 التناقض فلعله لم يتأمل وأما صاحب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب فقد ذكر ذلك وذكر أن المناظر كانت عند يحى بن خالد البرمكي فلنورد عبارته بحروفها وأن كان فيها طول لما فيها من الفوائد فنقول قال ابن هشام في المغنى مسئلة قالت العرب قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي وقالوا أيضاً فإذا هو إياها وهذا هو الوجه الذي أنكره سيبويه لما سأله الكسائي وكان من خبرهما أن سيبويه قدم على البرامكة فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما فجعل لذلك يوماً فلما حضر سيبويه تقدم إليها الفراء وخلف فسأله خلف عن مسئلة فأجاب فيها فقال له أخطأت ثم سأله ثانية وثالثة وهو بجيبه ويقول له أخطات فقال هذا سوء أدب فأقبل عليه الفراء فقال أن في هذا الرجل حدة وعجلة ولكن ما تقول فيمن قال هؤلاء أبون ومررت بأبين كيف تقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت فأجابه فقال أعد النظر فقال لست أكلمكما حتى بحضر صاحبكما فحضر الكسائي فقال سيبويه فإذا هو هي ولا يجوز النصب وسأله عن أمثال ذلك نحو خرجت فإذا عبد الله القائم أو القائم فقال كل ذلك بالرفع فقال له الكسائي العرب ترفع كل ذلك وتنصبه فقال يحيى قد اختلفتما وأنتما رئيساً بلديكما فمن يحكم بينكما فقال له الكسائي هذه العرب ببابك قد سمع منهم أهل البلدين فيحضرون ويألون فقال جعفر ويحيى انصفت فحضروا فوافقوا الكسائي فاستكان سيبويه فأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم فخرج إلى فارس فأقام بها حتى مات ولم يعد إلى البصرة فيقال أن العرب أرشو على ذلك أو أنهم علموا منزلة الكسائي ولم ينطقوا بالنصب وأن سيبويه قال ليحيى مرهم أن ينطقوا بذلك فإن ألسنتهم لا تطوع به ولقد أحسن الإمام الأديب

(1/253)


254 أبو الحسن بن محمد الأنصاري إذ قال في منظومته في النحو حاكيا هذه الواقعة والمسألة ( والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا * إذا عنت فجأة الأمر الذي دهما ) ( وربما نصبوا بالحال بعد إذا * وبعد ما رفعوا من بعدها ربما ) ( فإن توالى ضميران اكتسى بهما * وجه الحقيقة من إشكاله غمما ) ( لذاك أعيت على الإفهام مسئلة * اهددت إلى سيبويه الحتف والغمما ) ( قد كانت العقرب العوجاء أحسبها * قدما أشد من الزنبور وقع حمى ) ( وفي الجواب عليها هل إذا هو هي * أو هل إياها قد اختصما ) ( وخطأ ابن زياد وابن حمزة في * ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما ) ( وغاظ عمراً علي في حكومته * يا ليته لم يكن في أمرها حكما ) ( كغيظ عمرو علياً في حكومته * يا ليته لم يكن في أمره حكما ) ( وفجع ابن زياد كل منتحب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما ) ( كفجعة ابن زياد كل منتحب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما ) ( فظل بالكر مكظوما وقد كربت * بالكرب أنفاسه أن يبلغ الكظما ) ( قضت عليه بغير الحق طائفة * حتى قضى هدرا ما بينهم هدما ) ( من كل جور حكما من سدوم قضى * عمرو بن عثمان مما قضى سدما ) ( حساده في الورى عمت فكلهم * تلفيه منتقدا للقول منتقما ) ( فما النهى ذمما فيهم معارفها * ولا المعارف في أهل النهى ذمما ) ( فأصبحت بعده الأنفاس كامنة * في كل صدر كأن قد كظ أو كظما ) ( وأصبحت بعده باكية * في كل طرس كدمع سح وانسجما )

(1/254)


355 ( وليس يخلو امرؤ من حاسد إضم * لولا التنافس في الدنيا لما اضما ) ( والغبن في العلم أشجى محنة علمت * وأبرح الناس شجواً عالم هضما ) انتهى كلام ابن هشام وقال شارحه الشمني ويقال إن هذه الواقعة كانت سبب علة سيبويه التي مات بها انتهى حتى أن الناس لا تعرف غيره وربما تشير إليه أبيات حازم المتقدمة والله أعلم سنة اثنتين وستين ومائة فيها أمر المهدي أن يجري على المجذمين وأهل السجون في سائر الآفاق وفيها احتفل لغزو الروم وسار لحربهم الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفا سوى المطوعة فأغار وحرق وسبى ولم يلق بأسا وفيها ظهرت المحمرة ورأسهم عبد القهار واستولوا على جرجان وقتلوا خلائق فقصده عمر بن العلاء من طبرستان فقتل عبد القهار وخلق من أصحابه وفيها توفي السيد الجليل والزاهد النبيل أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم البلخي الزاهد بالشام روى تعن منصور ومالك بن دينار وطائفة قال في العبر وثقه النسائي وغيره وكان أحد السادات انتهى قلت في كلام العبر ما يشعر بأن هناك من لم يوثقه ولهذا تعجب اليافعي من نقل الذهبي لتوثيقه عن واحد وغيره مع ظهور فضله وكراماته واجتهاده عند الخاص والعام حتى يقال إنه بلغ رتبة الاجتهاد فقيل له لم لم تتكلم في العلوم وتنفع الناس فقال كلما هممت بشيء من ذلك يمنعني أمور منها إذا قال الله تعالى يوم القيامة ( ^ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) مع من أكون في كلام يطول وكان أول انقطاعه إلى الله تعالى بعد أن كان أحد الملوك أنه سمع هاتفاً من قربوس سرجه وروى أنه قعد تحت رمانة وسعه ومحمد بن المبارك الصوري فصلياً تحتها فخاطبته الرمانة بأن يأكل منها شيئا فأخذ رمانتين فأكل واحدة وناول صاحبه الأخرى وكانت قصيرة حامضة

(1/255)


256 فعادت حلوة عالية تثمر فيكل عام مرتين وسميت رمانة العابدين ومناقبه وكراماته لا تحصى ونشعره رحمه الله تعالى ( تركت الخلق طرافي رض كما * ويتمت العيال لكي أراكا ) ( فلون قطعتني في الحب اربا * لما حن الفؤاد إلى سواكا ) والله أعلم وفيها وقيل سنة ستين داود نصير الطائي الكوفي الزاهد وكان أحد من يرع في الفقه ثم اعتزل روى عن عبد الملك بن عمير وجماعة كان عديم النظير زهداً وصلاحاً قاله في العبر ومن كلامه رحمه الله تعالى صم عن الدنيا واجعل فطرك الموت وفر من الناس فراراك من الأسد وفيها قاضي العراق أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أ بي سبرة القرشي العامري المدني أخذ عن زيد بن أسلم وجماعة وهو متروك الحديث ولي القضاء بعده القاضي أبو يوسف وفيها أبو المنذر زهير بن محمد التيمي المروزي الخارساني نزل الشام ثم الحجاز وحدث عن عمرو بن شعيب وطائفة وخرج له العقيلي قال في المغني زهير ابن محمد التيمي المروزي عن ابن النكدر ثقة له غرائب ضعفه ابن معين وقال البخاري روى أهل الشام عنه منا كير انتهى وفيها أو قبلها يزيد بن إبراهيم التستري ثم البصري روى عن الحسن وعطاء والكبار وكان عفان يثني عليه ويرفع أمره قال في المغني يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سير بن ثقة قال ابن معين في قتادة ليس بذاك انتهى وفيها شبيب بن شيبة المنقري البصري كان فصيحاً بليغاً اخبارياً روى عن الحسن وابن سيرين وخرج له الترمذي قال في المغني ضعفوه في الحديث انتهى وأبو سفيان حرب بن سريج المنقري البصري البزار روى عن ابن مليكة وجماعة قال ابن عدي أجرو أنه لا بأس به

(1/256)


257 وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني القاص عن سن عالية رأى ابا سعيد الخردي وروى عن السائب بن يزيد وجماعة قال ابن سعد كان من أهل الفضل والنسك يعظ ويذكر قال في العبر وآخر من روى عنه كامل ابن طلحة وفيها حريز بن عثمان بن جبر بن أسعد الرحبي المشرق الحمصي قال ابن ناصر الدين هو أحد الحفاظ المشهورين وهو معدود في صفار التابعين وهو من الإثبات لكنه لسبيل النصب سالك وذكر أبو اليمان أنه كان ينال من رجل ثم ترك ذلك انتهى وقال الذهبي في المغني هو تابعي صغير ثبت لكنه ناصبي انتهى سنة ثلاث وستين ومائة وفيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة وصرف همته إلى تتبعهم وأتي بكتب من كتبهم فقطعت بحضرته بحلب وفيها توفي إبراهيم بن طهمان الارساني بنيسابور روى عن عمرو بن دينار وطبقته قال اسحق بن راهويه كان صحيح الحديث ما كان بخراسان أكثر حديثاً منه قال في المغني ثقة مشهور ضعفه محمد بن عبد الله بن عمار قال أحمد كان مرحباً انتهى وأرطأة بن المنذر الألهاني الحمصي سمع سعيد بن المسيب والكبار وكان ثقة حافظاً زاهداً معمراً قال أبو اليمان كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطأة بن المنذر وبكير بن معروف الدامغاني المفسر قاضي نيسابور بدمشق روى عن أبي الزبير المكي وجماعة قال النسائي ليس به بأس وفيها عيسى بن علي عم المنصور روى عن أبيه وقال ابن معين ليس به بأس وشعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصي مولى بني أمية وصاحب الزهري

(1/257)


258 قال أحمد بن حنبل رأيت كتبه وقد ضبطها وقيدها قال وهو عندنا فوق يونس وعقيل وقال على بن عياش كان عندنا من كبار الناس وكان من صنف آخر في العباد وفيها موسى بنعلي بن رباح اللخمي المصري عن أبيه وطائفة وولي إمرة ديار مصر للمنصور ست أعوام وهمام بن يحيى العوذي مولاهم البصري روى عن الحسن وعطاء وطائفة وكان أحد أركان الحديث ببلدة قال أحمد هو ثبت في كل مشايخه وفيها يحيى بن أيوب الغافقي المصري روى عن بكير بن الأشج وجماعة وكان لا يحتج به وقال النسائي ليس بالقوى وقال الدارقطني في بعض حديثه اظطراب وقد ذكر ه ابنعدي في كامله وقال هو عندي صدوق ومن غرائبه حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتجبروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار وهو معروف بيحيى بن أيوب انتهى كلام المغني وفيها أو في حدردوها أبو غسان محمد بن مطرف المدني روى عن محمد ابن المنكدر وطبقته سنة أربع وستين ومائة وفيها أقبل ميخائيل البطريق وطاراد الأرمني لعنهما الله في تسعين ألفا ففشل عبد الكريم ومنع المسلمين من الملتقي وردفهم المهدي بضرب عنقه وسجنه قاله في العبر وفيها توفي أبو إسحق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني شيخ آل طلحة عن سن عالية روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعن عميه موسى

(1/258)


259 وعيسى وآخر من روى عنه بشر بن الوليد الكندي وهو متروك الحديث قاله في العبر وأبو معاوية شيبان النحوي نزل بغداد وروى عن الحسن وطائفة بعده وكان كثير الحديث عارفاً بالنحو صاحب حروف وقراءات ثقة حجة قاله في العبر وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه روى عن الزهري وطبقته وكان إماماً مفتياً صاحب حلفه قال ابن ناصر الدين كان من العلماء الربانين والفقهاء المنصفين انتهى فال ابن خلكان قال ابن الماجشون عرج بروح أبي فوضعناه على سريره للغسل فدخل غاسل يغسله فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه فأقبل إلينا وقال أرى عرقاً يتحرك ولا أرى أن أعجل على فما غسلناه واعتللنا على الناس بالأمر الذي رأيناه وفي الغد جاءنا الناس وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله فاعتذرنا إلى الناس فمكث ثلاثاً على حاله ثم أنه استوى جالساً فقال ائتوني بسويق فأتى به فشربه فقلنا خبرنا بما رأيت قال عرج بروحي فصعد بني الملك حتى أتى السماء السابعة فقيل له من معك قال الماجشون فقيل له لم يأذن له بعد بقي من عمره كذا وكذا سنة وكذا وكذا شهراً وكذا وكذا يوماً وكذا وكذا ساعة ثم هبط فرأيت النبي وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعمر بن عبد العزيز بين يديه فقلت للملك من هذا فقال عمر بن بن عبد العزيز قلت أنه قريب المقعد من رسول الله قال أنه عمل بالحق في زمن الجور وأنهما أي أبا كبر وعمر عملا بالحق في زمن الحق انتهى وعد الذهبي في كتابه العلو الماجشون عبد العزيز هذا ممن قال بالجهة وأقام الدليل والتعليل على ذلك فراجعه وفيها مبارك بن فضلة البصرى مولى قريش قال بأن ناصر الدين المبارك ابن فضالة بن أبي أمية كان كثير التلديس فتكلم فيه وذكر أبو زرعة وغيره

(1/259)


260 أن المبارك إذا قال حدثنا فهو ثقة مقبول انتهى وقال في العبر روى عن الحسن وبكر المزني وطائفة وكان من كبار المحدثين والنساك وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه وقال أبو داود مدلس فإذا قال حدثنا فهو ثبت وقال مبارك جالست الحسن ثلاث عشرة سنة وقال أحمد ما رواه عن الحسن يحتج به انتهى وخرج له الترمذي وأبو داود والعقيلي وفيها أو في التي تليها عبد الله بن العلاء بن زيد الربيعي الدمشقي يروي عن القسم و مكحول وكان من أشراف البلد عمر تسعين سنة سنة خمس وستين ومائة وفيها غزا المسلمون غزوة مشهورة وعليهم هارون الرشيد وهو صبي أمرد وفي خدمته الربيع الحاجب فافتتحوا ماجدة من الروم والتقوا الروم وهزموهم ثم ساروا حتى وصلوا خليج قسطنطينة وقتلوا وسبوا وصالحتم ملكة الروم على مال جليل فقيل إنه قتل من الروم ف هذه الغزوة المبارك ة خمسون ألفاً وغنم المسلمون مالاً يحصى حتى بيع الفرس بدرهم والبغل الجيد بعشرة دراهم وفيها توفي سليمان بن المغيرة البصري عالم أهل البصرة في وقته روى عن ابن سيرين وثابت قال شعبة هو سيد أهل البصرة في وقته روى عن ابن سيرين وثابت قال شعبة هو سيد أهل البصرة قال الخريبيي ما رأيت بصرياً افضل من هو قال أحمد ثبت ثبت وعبد الرحمن بن ثوبان الدمشقي الزاهد عن تسعين سنة روى عن خالد ابن معدان وطبقته قال أحمد بن حنبل كان عباد أهل الشام وذكر من فضله وقال أبو داود كان مجاب الدعوة وكانت فيه سلامة وما به بأس وقال أبو حاتم ثقة ومعروف بن مشكان قارىء أهل مكة واحد أصحاب ابن كثير وقد سمع من عطاء وغيره

(1/260)


261 وفيها وهيب بن خالد أبو بكر البصري الحافظ روى عن منصور وطائفة كثيرة قال عبد الرحمن بن مهدي كان من أبصر أصحابه بالحديث والرجال وقال أبو حاتم يقال لم يكن بعد شيبة أعلم بالرجال منه وفيها خالد بن برمك وزير السفاح وجد جعفر البرمكي عن خمس وسبعين سنة وكان يتهم بالمجوسية قاله في العبر وفي آخر يوم منها أبو الأشهب العطاردي جعفر بن حيان بالبصرة روى عن أبي رجب العطاردي والكبار وعاش خمساً وتسعين سنة سنة ست وستين ومائة وفيها قبض المهدي على وزيره يعقوب بن داود لكونه اعطاه هاشمياً من ولد فاطمة ليقتله فاصطنعه وهربه فظفر به الأعوان وكان يعقوب شيعيا يميل إلى الزيدية ويقربهم وفيها استقضى المهدي أبا يوسف وأخذ البيعة لهارون بعد موسى وسماه الرشيد قاله ابن الجوزي في الشذور وفيها توفي أبو معاوية صدقة بن عبد الله السمين من كبار محدثي دمشق روى عن القسم أبي عبد الرحمن وطائفة وخرج له الترمذي والنسائي والعقيلي قال في المغني ضعفه أحمد والبخاري وغيرهما انتهى وفيها معقل بن عبيد الله الجزري من كبار علماء الجزيرة روى عن عطاء ابن أبي رباح وميمون بن مهران والكبار قال في المغني صدوق مشهور ضعفه ابن معين وحدث انتهى وفيها أبو بكر النهشلي الكفوي وفي اسمه أقوال قال في المغني أبو بكر النهشلي الكوفي صدوق تكلم فيه ابن حبان اميه عبد الله على الصحيح وقد وثقه أحمد وابن معين والعجلي انتهى قال في العبر روى عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري وجماعة وآخر أصحابه موتاً جبارة بن المغلس انتهى

(1/261)


262 سنة سبع وستين ومائة وفيها جد ا لمهدي فيطلب الزنادق في الأفاق وأكثر الفحص عنهم وقتل طائفة وفيها أمر بالزيادة في المسجد الحرام وغرم عليه أملاً عظيمة وأدخلت فيه دور كثيرة وفيها كان الوباء العظيم بالعراق وفيها توفي حماد بن سملة بن دينار البصر ي الحافظ في آخر السنة سمع قتادة وأبا جمرة الضبعي وطبقتهما كان سيد أهل وقته قال وهيب بن خالد حماد ابن سلمة سيدنا وأعلمنا وقال ابن المديني كان عند يحيى بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث وقال عبد الرحمن بن مهدي لو قيل لحماد بن سملة أنك تموت غدا ما قدر أن يزيد ف يالعمل شيئاً وقال شهاب البخلي كان حماد بن مسلمة يعد من الأبدال وقال غيره كان فصيحاً مفوهاً إماماً في العربية صاحب سنة له تصانيف في الحديث وكان بطاينيا فروى سوار بن عبد الله عن أبيه قال كنت آتي حماد بن سملة في سوقة فإذا ربح في وثب حبة أو حبتين شد جبوبه وقام وقال موسى بن إسماعيل لو قلت أني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحاً لصدقت كان يحدث أو يسبح أو يقرأ أو يصلي قد قسم النهار على ذلك وقلت وهو أحد الحمادين وأجلهما صاحبي المذهبين أحدهما هذا والثاني حماد ابن زيد بن درهم وتأخر موته عن هذا وسنتكلم عليه أن شكاء الله تعالى قال صاحب الجواهر المضية في طقات الحنيفة في آخرها فائدة الحمادان حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار ولقد ألطف عبد الله بمعاوية حيث قال حدثنا حماد ابن سلمة بن دينار وحماد بن زيد بن درهم وفضل ابن سملة على ابن زيد كفضل الدينار على الدهرم انتهى والله أعلم وفيها الحسن بن صالح بن حي الهمداني فقيه الكوفة وعابدها روى عن

(1/262)


263 سماك بن حرب وطبقته وقال أبو نعيم ما رأيت أفضل منه وقال أبو حاتم ثقة حافظ متقن وقال ابن معين يكتب رأى الحسن بن صالح يكتب رأى الأوزاعي هؤلاء ثقات وقال وكيع الحسن بن صالح يشبه بسعيد بن جبير كان هو وأخوه على وأمهما قد جزؤا الليل ثلاثة أجزاء فماتت فسما الليل سهمين فمات على فقام الحسن الليل كله قال في العبر قلت مات على سنة أربع وخمسين وهما توأم اخرج لهما مسلم انتهى وقال في المعارف يكنى الحسن أبا عبد الله وكان يتشبع وزوج عيسى بن زيد بن علي ابنته واستخفى معه في مكان واحد حتى مات عيسى بن زيد وكان طلبهما المهدي فلم يقدر عليهما ومات الحسن بعد عيسى بستة أشهر انتهى وفيها الربيع بن مسلم الجمحي مولاهم البصري وكان من بقايا أصحاب الحسن ومفضل بن مهلهل السعدي الكوفي صاحب منصور قال أحمد العجلي كان ثقة صاحب سنة وفضل وفقه لما مات الثوري جاء أصحابه إلى المفضل فقالوا تجلس لنا مكانه قال ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه وفيها فقيه الشام بعد الأوزاعي أبو محمد سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن نحو ثماني سنة أحذ عن مكحول و ربيعة القصير ونافع مولى ابن عمر وخلق وكان صالحاً قانتاً خاشعاً قال ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم وقال الحاكم هو لأهل الشام كما لك لأهل المدينة وفيها أبو روح سلام بن مسكين البصري روى عن الحسن والكبار وقال أبو سملة التبوذ كي كان من أبعد أهل زمانه وأبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري بالأسكندرية روى عن أبي قبيل وطبقته وكان ذا عبادة وفضل وجلالة قال السيوطي في حسن المحاضرة ذكره ابن حبان في الثقات انتهى

(1/263)


264 وأبو عقيل يحيى بن المتوكل المدني ببغداد روى عن بهية وابن المنكدر وليس بالقوى عندهم قاله في العبر وعبد العزيز بن مسلم بالبصرة روى عن مطر الوارق وطائفة وكان عابداً قدوة روى عنه يحيى السليحيني وقال كن من الإبدال والقسم بن الفضل الحداني بالبصرة روى عن ابن سيرين والكبار وكان كثير الحديث قال ابن مهدي هو من مشايخنا الثقات وقد خرج له مسلم والأربعة قال في المغني القسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة وغيره صدوق وثقة ابن معين وأورده العقيلي في الضعفاء فما تكلم فيه بما يضعفه قط انتهى وأبو هلال محمد بن سليم الراسي بالبصرة روى عن الحسن والكبار وثقة أبو داود هلال محمد بن سليم الراسي بالبصرة روى عن الحسن والكبار وثقة أبو داود وغيره وهو حسن الحديث قاله في العبر ومحمد بن طلحة بن مصرف اليامي الكوفي في أحد المكثرين الثقات يروي عن أبي هو طبقته وفيها أبو حمزة محمد بن ميمون المروزي السكري ارتحل وأخذ عن زياد بن علاقة ونحوه وكان شيخ بلده في الحديث والفضل والعبادة قال ابن ناصر الدين هو شيخ خراسان كان ثقة ثبتا كريما يقري الضيف ويبالغ في إكرامه ولقب بالسكري لحلاوة كلامه انتهى وفيها أبو بكر الهذلي البصري الإخباري أحد الضعفاء واسمه سلمى روى عن الشعبي ومعاذة العدوية والقدماء وفيها قتل في الزندقة بشار بن برد البصري الأعمى شاعر العصر قال ابن الأهدل بشار بن برد العقيلي مولاهم الشارع المشهور كان أكمه جاحظ العينين فصيحاً مفوها وكان يمدح المهدي فرمى عنده بالزندقة فضربه حتى مات وقد نيف على السبعني قيل كان يفضل النار على الطين ويصوب رأى إبليس في امتناعه من السجود لآدم وينسب إليه هذا البيت

(1/264)


265 ( الأرض مظلمة والنار مشرقة * والنار معبودة مذ كانت النار ) قيل فتشت كتبه فلم يوجد فيها شيء مما رمى به وقيل أن هجا صالح بن داود أخا يعقوب الوزير فقال ( هم حملوا فوق المنابر صالحاً * أخاك فصمت من أخيك المنابر ) فقال يعقوب للمهدي أن بشاراً هجاك بقوله ( خليفة يزني بعماته * يلعب بالدف وبالصولجان ) ( أبدلنا الله به غيره * ودس موسى في حر الخيزاران ) والخيزارن امرأة المهدي واليها تنسب دار الخيزارن بمكة فقتله المهدي انتهى وقال ابن قاضي شهبة زنادقة الدنيا أربع بشار بن برد وابن الرواندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء المعري انتهى سنة ثمان وستين ومائة وفيها غزا المسلون الروم لنقضهم الهدنة وفيها سار سعيد الجرشي في سبعين ألفاً إلى طبرستان وفيها مات السيد الأمير أبو محمد الحسن بن زيد بن السيد الحسن بن علي ابن أبي طالب شيخ بني هاشم في زمانه وأمير المدينة للمنصور ووالد السيدة نفسية وخافه المنصور فحبسه ثم أخرجه المهدي وقربه ولم يزل معه حتى مات معه بطريق مكة عن خمس وثمنين سنة روى عن أبيه وخرج له النسائي قال في المغني ضعفه ابن معين وقواه يغره انتهى وفيها أبو الحجاج خارجة بن مصعب السرخسي من كبار المحدثين بخراسان رحل وأخذ عن زيد بن أسلم وطبقته وهو صدوق كثير الغلط لا يحتج به قاله في العبر وسيعد بن بشير البصري ثم الدمشقي المحدث المشهور أكثر عن قتادة

(1/265)


266 وطبقته قال أبو مسهر لم يكن في بلدنا أحفظ منه وقال أبو حاتم محله الصدق وضعفه غيره قال البخاري يتكلمون في حفظه وقيس بن الربيع أو محمد الأسدي الكوفي أحد علماء الحديث مع ضعفه على أن ابن عدي قال فيه عامة رواياته مستقيمة والقول فيه مال شعبة وأنه لا بأس به وقال عفان ثقة وقال أبو الوليد حضر شريك القاضي جنازة قيس ابن الربيع فقال ما ترك بعده مثله روى عن محارب بن زياد وطبقته وفيها الأمير عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي ولي عهد السفاح بعد أخيه المنصور وقد ذكرنا أن المهدي خلعه وقد توفي أبوه شاباً سنة ثمان ومائة وفليح بن سليمان المدني مولى الخطاب روى عن نافع وطبقته واحتج به الشيخان وكان ثقة مشهورا كثير العلم لينه ابن معين وفيها مندل علي العنزي الكوفي روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته وكان صدوقا مكثرا في حديثه لين ونافع بن يزيد المصري عن جعفر بن ربيعة وطبقته وكان أحد الثقات سنة تسع وستين ومائة فيها عزم المهدي على أن يقدم هارون في العهد ويؤخر موسى الهادي فطلبه وهو بجرجان ففهما ولم يقدم فهم بالمسير إلى جرجان لذلك وفيها لثمان بقين من المحرم ساق المهدي واسمه محمد بن عبد الله بن أبي جعفر عبد الله ابن محمد بن علي بن عباس العباسي خلف صيد فدخل الوحش خربة فدخل الكلاب خلفه وتبعهم المهدي فدق ظهره في باب الخرب لشدة سوقه فتلف لساعته وقيب بل أمل طعاما سمته جاري لضرتها فلما وضع يده فيه جسرت أن تقول هياته لضرتي فيقال كان إنجاصا فأكل واحدة وصاح من جوفه ومات من الغد عن

(1/266)


267 ثلاث وأربعين سنة وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وكان جوادا ممدحا محبباً إلى الناس وصولاً لأقاربه حسن الأخلاق حليما قضاباً للزنادقة وكان طويلاً أبيض مليحاً يقال إن المنصور خلف في الخزائن مائة ألف ألف وستين ألف ألف درهم ففرقها المهدي ولم يل الخلافة أحداً أكرم منه ولا أبخل من أبيع ويقال أنه أعطى شاعرا مرة خمسين ألف دينار ويقال أنه استضاف أعرابيا وقد انفرد عن جيشه في طلب صيد حتى جهد وعطش فسقاه لبناً مشوبا فكتب له بخمسمائة ألف فأيسر ذلك الأعرابي وكثرت موشيه وبقي مرصدا للحاج وسمي مضيف أمير المؤمنين وقال في مروج الذهب حدث الفضل بن الربيع قال خرج المهدي يوما متنزها ومعه عمرو بن ربيع مولاه وكان شاعراً فانقطع عن المعسكر والناس في الصيد وأصاب المهدي جوع شديد فقال لعمرو ويحك ارتد إنسانا نجد عنده ما نأكل قال فما زال عمرو يطوف إلى أن وجد صاحب مبقلة وإلى جانبها كوخ له فصعد إليه فقال له عمرو أما عندك شيء يؤكل قال نعم رقاق من شعير ورثيث وهذا البقل والكراث فقال له المهدي إن كان عندك زيت فقد أكملت قال نعم عندي فضلة منه فقدم إليهما ذلك فأكلا أكلا كثيرا وجعل المهدي يستطيب أكله ويمعن فيه حتى لم يكن فيه فضل فقال لعمرو قل شيئا تصف فيه ما نحن فيه فقال عمرو ( إن من يطعم الرثيثاء بالزي * ت وخبز الشعير بالكراث ) ( لحقيق بصفعة أو بثينتي * ن لسوء الصنيع أو بثلاث ) فقال له المهدي بئس والله ما قلت ولكن أحسن من ذلك أن تقول ( لحقيق ببدرة أو بثنتي * ن لحسن الصنيع أو بثلاث ) ووافى المعسكر ولحقته الخزائن والخدم والمواكب فأمر لصاحب المبقلة بثلاث بدر دراهم وغار فرس المهدي مرة أخرى وقد خرج للصيد فوقع إلى خباء أعرابي وهو جائع فقال يا أعرابي هل عندك من قرى فإني ضيفك وأنا جائع فقال أراك طرير آسمينا

(1/267)


268 جسيما عميما فإن احتملت الموجود قربنا لك ما يحضر قال هات ما عندك فأخرج له خبز ملة فأكلها وقال طيبة هات ما عندك فأخرج له لبنا فسقاه فقال طيب هات ما عندك فأخرج له فضلة نبيذ في زكرة فشرب الأعرابي وسقاه فلما شرب قال له المهدي تدري من أنا قال لا والله قال أنا من خدم الخاصة قال قد بارك الله لك في موضعك وحياك من كنت ثم شرب الأعرابي قدحا وسقاه فلما شرب قال يا أعرابي أتدري من أنا قال نعم ذكرت لي أنك من خدم الخاصة قال لست كذلك فمن أنت قال أنا أحد قواد المهدي قال رحبت دارك وطاب مزارك ثم شرب الأعرابي قدحا وسقاه فلما شرب الثالث قال يا أعرابي أتدري من أنا قال نعم زعمت أنك أحد قواد المهدي قال فلست كذلك أنا أمير المؤمنين بنفسه فأخذ الأعرابي زكرته فوكاها فقال له المهدي اسقنا قال لا والله لا شربت منها جرعة فما فوقها قال ولم قال سقيتك واحداً فزعمت أنك من خدم الخاصة فاحتملنالها لك ثم سقيناك أخرى فزعمت أنك من قواد المهدي فاحتملناها لك ثم سقيناك أخرى فزعمت أنك أمير المؤمنين ولا والله ما آمن أن أسقيك الرابعة فتقول أنا رسول الله فضحك المهدي وأحاطت به الخيل ونزل به أبناء الملوك والأشراف فطار قلب الأعرابي ولم يكن همه إلا النجاة فجعل يشتد في عدوه فرد إليه فقال لا بأس عليك وأمر له بصلة جزيلة من مال وكوة فقال أشهد أنك الآن صادق ولو ادعيت الرابعة والخامسة وضمه في خواصه وأجرى له رزقا انتهى كلام المسعودي وأول من هنأه وعزاه وأجازه أبو دلامة حيث يقول ( عيناي واحدة ترى مسرورة * بأمانها جذلاً وأخرى تذرف ) ( تبكي وتضحك تارة ويسوءها * ما أنكرت ويسرها ما تعرف ) ( فيسوءها موت الخليفة محرما * ويسرها إن قام هذا إلا رأف ) ( هلك الخليفة يا أمة أحمد * وأتاكم من بعده من يخلف )

(1/268)


269 وقال علي بن يقطين كنا مع المهدي بما سبذان فقال لي يوما أصبحت جائعا فأتني بأرغفة ولحم بارد ففعلت ثم دخل البهو فنام ثم نمنا نحن في الرواق فانتبهنا لبكائه فبادرنا إليه مسرعين فقال ما رأيتم ما رأيت قلنا ما رأينا شيئاً قال وقف على رجل لو أنه في ألف رجل ما خفي على صوته ولا صورته فقال ( كأني بهذا القصر قد باد أهله * وأوحش منه ربعه ومنازله ) ( وصار عميد القوم من بعد بهجة * وملك إلى قبر عليه جنادل ) ( فلم يبق إلا ذكره وحديثه * تنادى عليه معولات حلائله ) قال علي فما أتت على المهدي بعد رؤياه هذه إلا إلا عشرة أيام حتى توفي رحمه الله وفيها لما مات المهدي أرسلوا بالخاتم والقضيب إلى الهادئ فأسرع إلى البريد ودخل بغداد وبالغ في طلب الزنادقة وقتل منهم عدة وفيها خرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الخسني بالمدينة وبايعه عدد كثير وحارب العسكر الذي بالمدينة وقتل مقدمتهم خالد البربذي ثم تأهب وخرج في جمع إلى مكة فالتف عليه خلق كثير فأقبل ركب العراق معهم جماعة من أمراء العباس في عدة وخيل فالتقوا بفخ فقتل الحسين في مائة من أصحابه وقتل الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن الذي خرج أبوه زمان المنصور وهرب إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب فقام معه أهل طنجة وهو جد الشرفاء الإدريسيين ثم تحيل الرشيد وبعث من سم إدريس فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس وتملك مدة وفيها توفي أبو السليل عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي وله عن أبيه

(1/269)


370 نسخو وكان عريف قومه بني سدوس قال في المغني عبيد الله بن إياد بن لقيط ثقة قيل إن بعض روايته صحيحة قاله ابن قانع وفيها كما قال ابن ناصر الدين نافع بن عمر الجمحي القرشي المكي كان محدث مكة حافظا ثبتا قال عبد الرحمن بن مهدي كان من أثبت الناس قالفي المغني نافع ابن عمر الجمحي حجة قال أحمد ثقة ثبت وقال ابن سعد ثقة فيه شيء انتهى ومحمد بن مطرف المدني ثقة عمدة ومعاوية بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الشامي الدمشقي كان ثقة متقناً وجرير بن حازم الأزدي البصري أحد فصحاء البصرة ومحدثيها عمر دهرا واختلط بآخره فحجبه ابنه وهب فلم يرو شيئاً في اختلاطه روى عن الحسن والكبار وحضر جنازة أبي االطفيل بمكة وقيل توفي جرير هذا سنة سبعين جزم به في العبر وفيها أبو سعيد المؤدب ببغداد واسمه محمد وهو جزري روى عن عبد الكريم الجزري وحماد بن أبي سليمان وهو مؤدب موسى الهادي وفيها نافع بن أبي نعيم أبو عبد الرحمن وقيل أبو رويم الليثي مولاهم قارئ أهل المدينة وأحد السبعة قال موسى بن طارق سمعته يقول قرأت على سبعين من التابعين وقال الليث حججت سنة ثلاث عشرة ومائة وأمام الناس في القراءة نافع بنأبي نعيم وقال مالك نافع أمام الناس في القراءة قال في المغني وثقة ابن معين وقال أحمد كان تؤخذ عنه القراءة وليس بشيء في الحديث انتهى وكا إذا قرأ يشم من فيه ريح المسك ولذا قال في الشاطبية ( فأما الكريم السر في الطيب نافع * ) وفيها ثابت بن يزيد الأحول البصري له عن هلال بن خباب وجماعة وكان من ثقات الشيوخ

(1/270)


271 سنة سبعين ومائة في أحد ربيعها توفي الخليفة أبو محمد موسى الهادي بن المهدي وكان طويلاً ابيض جسيما مات من قرحة أصابته وقيل قتلته أمه لاخيزران لما هم بقتل أخيه الرشيد فعمدت لما وعك إلى أن غمته وعاش بضعاً وعشرين سنة فالله يسامحه فلقد كان جباراً ظالم النفس قال في العبر وقال في مروج الذهب كان موسى قاسي القلب شرس الأخلاق صعب المرام كثير الأدب محبا له وكان شديداً شجاعا بطلا جوادا سمحا حدث يوسف بن إبراهيم الكاتب صاحب إبراهيم بن المهدي عن إبراهيم أنه كان واقفاً بين يديه وهو على حمار له ببستانه المعروفة ببغداد إذ قيل له قد ظفر برجل من الخوارج فأمر بإدخاله إليه فلما قرب الخارجي إليه أخذ الخارجي السيف من بعض الحرس وأقبل يريد موسى فتنحيت وكل من كان معي وأنه لواقف على حماره ما يتحلحل فلما أن قرب منه صاح موسى اضربا عنقه وليس وراءه أحد منا فأوهمه فالتفت الخارجي وجمع موسى نفسه ثم طفر عليه فصرعه وأخذ السيف من يده فضرب به عنقه قال فكان خوفنا منه أكثر من الخارجي فوالله ما أنكر علينا تنحينا ولا عذلنا ولم يركب حمارا بعد ذلك اليوم ولا فارقه سيف انتهى وحدث عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي قال وهب المهدي لموسى الهادي سيف عمرو ابن معدي كرب الصمصامة فدعا به موسى بعد ما ولى الخلافة فوضعه بين يديه ودعا بمكتل دنانير وقال لحاجبه ائذن للشعراء فلما دخلوا أمرهم أن يقولوا في السيف فبدأهم ابن يامين البصري فقال ( حاز صمصامة الزبيدي عمرو * من جميع الأنام موسى الأمين ) ( سيف عمرو وكان فيما سمعنا * خير ما أغمدت عليه الجفون ) ( أوقدت فوقه الصواعق نارا * ثم شابت به الذعاف المنون )

(1/271)


272 ( وإذا ما شهرته بهر الشم * س ضياء فلم تكد تستبين ) ( وكأن الفرند والجوهر الجا * ري في صفيحتيه ماء معين ) ( وما يبالي إذا الضريبة حانت * أشمال سطت به أم يمين ) فقال الهادي لك السيف والمكتل فخذهما ففرق المكتل على الشعراء وقال دخلتم معي وحرمتم من أجلي وفي السيف عوض ثم بعث إليه الهادي فاشترى منه السيف بخمسين ألفا ًانتهى وكان عيسى ب دأب من أهل الحجاز وكان أكثر أهل عصره أدبا وعلما ومعرفة بأخبار الاس وأيامهم وكان الهادي كلفا به يقول له يا عيسى ما استطلعت بك يوما ولا ليلة ولا غبت عني إلا ظننت أني لا أرى غيري فذكر عيسى هذا أنه رفع إلى الهادي أن رجلا من أرض المنصورة من بلاد السند من أشرافهم وأهل الرياسة منهم من آل المهلب بن أبي صفرة ربى غلاما سند ياً أو هنديا وأن الغلام وخصاه ثم عالجه إلى أن برأ فأقام مدة وكان لمولاه ابنان أحدهما طفل والآخر يافع فاب الرجل عن منزله وعاود وقد أخذ السندي الصبيين وصعد بهما إلى أعالي سور الدار إذ دخل مولاه فرفع رأسه فإذا هو بابنيه مع الغلام على السور فقال يا فلان عرضت ابني للهلاك فقال دع ذا عنك والله إن لم تجب نفسك بحضرتي لأرمين بهما فقال له الله الله في وفي ابني قال دع ذا عنك فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء وأهوى ليرمي بهما فأسرع مولاه فأخذ مدية وجب نفسه فلما رأى الغلام أنه قد فعل رمى بهما بالصبيين فتقطعا وقال ذلك الذي فعلت فعلت بفعلك بي وقتلى هذين زيادة فأمر الهادي بالكتاب إلى صاحب السند بقتل الغلام وتعذيبه بأفظع ما يكون من العذاب وأمر بإخراج كل سندي في مملكته فرخص السندي في أيامه حتى كانوا يتداولون بالثمن اليسير وقال ابن داب قال لي الهادي هلم بنا إلى ذكر فضائل البصرة والكوفة

(1/272)


273 وما زادت به كل واحدة منهما على الأخرى قال قلت ذكر عن عبد الملك ابن عمير أنه قال قدم علينا الأحنف بن قيس الكوفة مع مصعب بن الزبير فما رأيت شيخا قبيحا إلا وقد رأيت في وجه الأحنف منه شيئاً كان صعل الرأس أغضفا لأذن باخق العين ناتئ الوجه مائل الشدق مترا كب الأسنان ولكنه كان إذا تكلم جلي عن نفسه فجعل يفاخرنا ذات يوم بالبصرة ونفاخره بالكوفة فقلنا الكوفة أغذى وأمرأ وأفسح وأطيب فقال له رجل والله ما أشبه الكوفة إلا بإنسانه قبيحة الوجه كريمة الحسب لا مال لها فإذا ذكرت حاجتها كف الناس عنها وما أشبه البصرة إلا بعجوز ذات عوارض موسرة فإذا ذكرت ذكر يسارها وذكرت عوارضها فكف عنها طالبها فقال الأحنف أنا البصرة فإن أسفلها قصب وأوسطها خشب وأعلاها رطب نحن أكثر ساجا وعاجا وديباجا ونحن أكثر قيدا ونقدا والله ما آتي البصرة إلا طائعاً ولا أخرج منها إلا كارها قال فقام إليه شاب من بكر بن وائل فال يا أبا بحر ما بلغت في الناس ما بلغت فوالله ما أنت بأجملهم ولا بأشرفهم ولا بأشجعهم قال ابن أخي بخلاف ما أنت فيه قال وما ذاك قال بتركي ما لا يعنيني كما عناك من امرئ ما لا يعنيك انتهى وحدث عدة من ذوي المعرفة بأخبار الدولة أن موسى قال لهارون أخيه كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا وتؤمل ما أنت منه بعيد ومن دونه خرط القتاد فقال هارون يا أمير المؤمنين من تكبر وضع ومن تواضع رفع ومن ظلم خذل وإن وصل الأمر إلي وصلت من قطعت وبررت من حرمت وصيرت أولادك أعلى من أولادي وزوجتهم بناتي وقضيت بذلك حق الإمام المهدي فانجلى عن موسى الغضب وبان لاسرور في وجهه وقال ذلك الظن بك يا أبا جعفر أدن مني فقام هارون فقبل يده ثم ذهب ليعود إلى مجلسه فقال له موسى والشيخ الجليل والملك النبيل لا جلست إلا معي في صدر المجلس ثم قال يا خزائني احممل إليه الساعة ألف ألف دينار فإذا فتح الخراج فاحمل إليه

(1/273)


274 نصفها فلما أراد هارون الرشيد الانصراف قدمت دابته إلى البساط قال عمرو الرومي فسألت الرشيد عن الرؤيا فقال قال المهدي رأيت في منامي كأني دفعت إلى موسى قضيبا فأما قضيب موسى فأروق أعلاه قليلا وأما قضيب هارون فأروق من أوله إلا آخره فقص الرؤيا على الحكم بن إسحاق الصيمري فكان يعبرها فقال له يملكان جميعا فأما موسى فتقل أيامه وأما هارون فيبلغ آخر ما عاش وتكون أيامه أحسن الأيام ودهره أحسن الدهور قال عمرو الرومي فلما أفضت الخلافة إلى هارون زوج ابنته حمدونة من جعفر بن موسى وفاطمة من إسماعيل بن موسى ووفى له بكل ما وعده وفيها بويع الرشيد ومن الاتفاق العجيب أن الرشيد سلم عليه بالخلافة عمه سليمان بن المنصور وعم أبيه المهدي وهو العباس بن محمد وعم جده المنصور وهو عبد الصمد بن علي ذكره ابن الجوزي في الشذور وفيها توفي الربيع بن يونس أبو الفضل حاجب المنصور والمهدي وله مع لمنصور أمور منها أن المنصور قال له يوما سلني حاجتك قال أن تحب ابني قال إن المحبة تقع بأسباب قال قد أمكنك الله من أنواع سببها قال كيف قال تفضل عليه فيحبك قال لا والله قد أحببته قبل إيقاع السبب كذنوب الصبيان وشفاعته كفاعة العريان وأشار إلى قول الورد ( ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا * مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا ) وقال له يوما يا ربيع ما أطيب الحياة لولا الموت فقال ما طيبها إلا الموت يعني الموت بموت من قبلك إليك الخلافة وفيها يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي وكان أرسله

(1/274)


275 المنصور لحرب الخوارج واستمر واليا على إفريقية خمس عشرة سنة وكان من الممدحين الأجواد وكذلك أخوه روح بن حاتم وكان روح متوليا على السند وتولى لخمسة من الخلفاء السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد ولم يتفق مثل هذا إلا لأبي موسى الأشعري عمل للنبي الأربعة بعده وكان يتعجب الناس من بعد ما بين ابني حاتم يزيد وروح فاتفق أن الرشيد عزل روحا عن السند فلحق بإفريقية فدفنا في قبر واحد بإفريقية وفي يزيد بن حاتم يقول الشاعر ( وإذا تباع كريمة أو تشتري * فسواك بائعها وأنت المشتري ) ( وإذا تخيل من سحابك لامع * صدقت مخيلته لدى المستمطر ) ( وإذا الفوارس عددت أبطالها * عدوك في أبطالهم بالخنصر ) ووفد عليه أشعب صاحب النوادر في الطمع فمدحه ببيتين فأجزل عطيته وفيها مات إمام اللغة والعروض والنحو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي وقيل سنة خمس وسبعين ومائة وهو الذي استنبط علم العروض وحصر أقسامه في خمس دوائر واستخرج منها خمسة بحراً وزاد فيها الأخفش بحرا سماه الخبب قبل الخليلدعا بمكة أن يرزقه الله علماً لم يسبق إليه وهو في اختراعه بديهة كاختراع أرسطاطاليس علم المنطق ومن تأسيس بناء كتاب العين الذي يحصر لغة أمة من الأمم وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد فقال صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغت * يحظى الضجيع بها نجلاء معطار ) وقال تلميذه النضر بن شميل جاءه رجل من أصحاب يونس يسأله عن مسألة فأطرق الخليل يفكر وأطال حتى انصرف الرجل فعاتبناه فقال ما كنتم قائلين

(1/275)


276 فيها قلنا كذا وكذا قال فإن قال كذا وكذا قلنا نقول كذا وكذا فلم يزل يغوص حتى انقطعنا وجلسنا تفكر فقال ابن المجيب يفكر قبل لجواب وقبيح أن يفكر بعده وقال وقال ما أجيب بجواب حتى أعرف ما على فيه من الإعتراضات والمؤاخذات وكان مع ذلك صالحاً قانعاً قال النضر أقام في خص بالبصرة لا يقدر على فلس وعلماء قد انتشر وكسب به أصحابه الأموال قال وسمعته يقول إني لأغلق على بابي يجاوزه همي وقيل للخيل وقد اجتمع مع ابن المقفع كيف رأيته فقال عليمه أكثر من عقله وقيل لابن المقفع كيف رأيت الخليل قال عقله أكثر من علمه وقرأ عليه رجل في العروض فلم يفهم فقال له الخليل قطع هذا البيت ( إذا لم تسطع شيئاً فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع ) قال الخليل فشرع الرجل في تقطيعه على مبلغ علمه ثم قام فلم يرجع إلى فعجبت من فطنته لما قصدته في البيت مع بعد فهمه ويقال أن أباه أول من سمى أحمد بعد النبي وكان شاعراً مفلقاً مطبوعاً ومن شعره ( وما هي إلا ليلة ثم يومها * وحول إلى حول وشهر إلى شهر ) ( مطايا يقربن الجديد إلى البلى لغيره * ويدنين ما يحوى الشحيح من الوفر ) وكان من الزهد في طبقة لا تدرك حتى قيل أن بعض الملوك طلبه ليؤدب له أولاده فأتاه الرسول وبين يديه كسر يابسة يأكلها فقال له قل لمرسلك مادام يلقى مثل هذه لا حاجة به إليك ولم يأت الملك وسأله الأخفش لم سميت بحر الطويل طويلا قال لأنه تمت أجزاؤه والبسيط لأنه انبسط على حد الطويل والمديد لتمدد سباعية حول خماسيه والكامل لكمال أجزائه السباعيه ليس فيه غيرها والوافر لوفور أجزائه لأن فيه ثلاثين حركة لا تجتمع في غيره والرجز لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء

(1/276)


277 والرمل لأنه يشبه رمل الحصير يضم بعضه إلى بعض والهزج لأنه يتصرف شبه هزج الصوت والسريع لسرعته على اللسان والمنسرح لان سراحه وسهولته والخفيف لأنه أخف السباعيات والمقتضب لأنه اقتضب من الشعر لقلته والمضارع لأنه ضارع المقتضب والمجتث لأنه اجتث أي قطع من طول دائرته والمتقارب لتقارب أجزائه وأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا انتهى قيل لما دخل الخليل البصرة لمناظرة أبي عمرو بن العلاء جلس إليه ولمتكلم بشيء فسئل عن ذلك فقال هو رئيس منذ خمسين سنة فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد وقال الواجي في تفسيره الإجماع منعقد على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل قاله ابن الأهدل وقال في العبر الخليل بن أحمد الأزدي البصري أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض روى عن أيوب السختياني وظائفة وكان أماماً كبير القدر خيراً متواضعاً فيه زهد وتعطف صنف كتاب العين في اللغة انتهى وفيها مجنون ليلى قيس بن الملوح بن المزاحم اشتهر بعشق ليلى في الدنيا وهو أحد بني كعب بن عامر بن صعصعة وقد أنكر قوم وجوده قائلين هو كالعنقاء وهذا غلط فإن اشتهار عشقه لليلى أشهر من أن يخفي وأثبته علماء السير وأما ليلى فإنها بنت مهدي وقيل بنت ورود من بني ربيعة كانت من أجمل النساء شكلاً وأدباً وابتداء أمرهما أنهما كانا صغيرين يرعيان أغناماً لقومهما فعلق كل منهما بصاحبه ولم يزالا على ذلك حتى كبرا واشتهر أمرهما فحجبت ليلى عنه فزال عقله وقال 30 تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة * ولم يبد للاتراب من ثديها حجم ) ثم كان يأتي الحي على غفلة من أهله فلما كثر ذلك خرج أبو ليلى ومعه نفر من قومه إلى مروان بن الحكم فشكوا إليه ما أصابهم من قبيس ابن الملوح وسألوه الكتاب إلى عامله يمنعه من كلام ليلى وأن وجده أهل ليلى عندها يكون دمه هدرا فملا بلغ قيساً ذلك قال

(1/277)


278 ( ألا حجبت ليلى أميرها * على يمينا جاهدا لا أزورها ) ( وواعدني فيها رجل أبوهم * أبي وأبوهم حشيت لي صدورها ) ( على غير شيء غير أنى أحبها * وإن فؤادي عند ليلى أسيرها ) فلما يئس منها ذهب عقله بالكلية ولعب بالتراب والحصى وضنيت ليلى أيضاً من فراقه ثم تزوجت ليلى فصار المجنون يدور في الفلوات عريانا ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ثم وجد بعد حين ملقى بين الأحجار ميتاً فاحتملوه إلى الحي وغسلوه ودفنوه وبكوا عليه وكان أبو ليلى أشد القوم جزعا وبكاء وقال ما علمت أن الأمر يبلغ إلى هذا ولكني كنت أمر عربيا أخاف العار ولو علمت أن الأمر يفضي إلى هذا ما أخرجتها عن يده ويقال أنها أيضاً ضنيت عليه وماتت أسفا ودفنت قريبا منه وأمرهما أشهر من أن يذكر والله أعلم وفيها توفي عبد الله بن جعفر المخرمي روى عن عمة أبيه أم بكر بنت المسور بن مخرمة وجماعة من التابعين وخرج له مسلم والأربعة وكان قصيرا ذميما قال الواقدي كان عالما بالمغازي والفتوى وقال الذهبي في المغني عبد الله بن جعفر المخرمي المدني ثقة وهاه ابن حبان فقط انتهى وفيها محمد بن مهاجر الحمصي روى عن نافع وطبقته وآخر من حدث أبو ثوبة الحلبي وأبو معشر السندي واسمه نجيح بن عبد الرحمن المدني صاحب المغازي والأخبار مشهور عن أصحاب أبي هريرة ليس بالعمدة قال ابن معين كان أميا يتقى من حديثه المسند وقال صاحب العبر روى عن محمد بن كعب القرظي والكبار واستصحبه المهدي معه لما حج إلى بغداد وقال يكون بحضرتنا ويفقه من حولنا بألف دينار وكان أبيض أزرق سمينا وقيل له السندي من قبيل اللقب بالضد انتهى

(1/278)


279 وفيها الوزير أبو عبد الله معاوية بن يسار مولاهم كاتب المهدي ووزيره وكان من خيار الوزراء صاحب علم وفضل ورواية وعبادة وصدقات روى عن منصور بن المعتمر وفيها أو في حدودها محمد بن جعفر بن أبي كثير المدني مولى الأنصاري أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته وكان ثقة كثير العلم وأسباط بن نصر الهمذاني الكوفي المفسر صاحب إسماعيل السدي والله أعلم قال في المغني وثقه ابن معين وضعفه أبو نعيم قال النسائي ليس بالقوي توقف فيه أحمد اتهى وقد خرج له البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة سنة إحدى وسبعين ومائة فيها أمر الرشيد بإخراج الطالبين إلى مدينة الرسول وخرجت الخيزران إلى مكة في رمضان فأقامت بها إلى وقت الحج وحجت قاله ابن الجوزي في الشذور وفيها على الأصح توفي حبان بن علي العنزي أخو مندل وكان من فقهاء الكوفة وهو ضعيف روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته وأبو المنذر سلام بن سليم المزني البصري ثم الكوفي النحوي لمقرئ أخذ عن عاصم بن أبي النجود وأبي عمرو وحدث عن ثابت البناتي وغيره وهو شيخ يعقوب الحضرمي وفيها أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني أخو عبيد الله بن عمر روى عن نافع وجماعة وكان محدثا صالحا قال أحمد لا بأس به قال ابن الأهدل كان آية في العلم غاية في العبادة واجه الرشيد بالإنكار والموعظة الغليظة في المسعى فقال يا هارون قال لبيك يا عم قال انظر هل تحصيهم يعني الحجيج قال ومن يحصيهم قال أعلم أن كلا منهم يسأل عن نفسه وأنت تسأل

(1/279)


280 عن كلهم ثم قال والله إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر فكيف من يسرف في أموال المسلمين انتهى وفيها أبو الشهاب الحناط عبد ربه بن نافع الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته وتوفي كهلا وقيل توفي في التي بعدها قال ف المغني صدوق وليس بذاك الحافظ انتهى وخرج له الشيخان وفيها أو نحوها مات الأمير يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري أحد الشجعان المذكورين ولي أمرة الغرب مدة طويلة وولى إمرة مصر قبل ذلك سبع سنين وعبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل المدني رأى سهل ابن مسعود وروى عن عكرمة والكبار وكان كثير الحديث ثقة جليلاً سنة اثنتين وسبعين ومائة فيها توفيت الخيزران زوجة المهدي وأم الهادي والرشيد ولم تلد امرأة خليفتين غير ثلاثة ولادة بنت العباس العبسية تزوجها عبد الملك بن مروان فولدت له الوليد وسليمان فوليا الخلافة والثالثة الخيزران اشتراها المهدي ثم أعتقها فولدت له الهادي والرشيد ووليا الخلافة ويلحق بهؤلاء خاتون جارية ملكشاه فإنها ولدت محمدا وسنجرا وكلاهما ولي السلكنة وكان كبير القدر قاله في الشذور ولما ماتت الخيرزان خرج خلف جنازتها ولدها الرشيد وعليه جبة وطيلسان أزرق قد شدبه وسطه وهو آخذ بقائمة السرير حافيا في الطين حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلى عليها ونزل قبرها وفيها توفي الإمام أبو محمد سليمان بن بلال المدني مولى أبي بكر الصديق

(1/280)


281 روى عن عبد الله بن دينار وطبقته قال ابن سعد كان بربرياً جميلاً حسن الهيئة عاقلاً كان يفتي بالمدينة وولى خراج المدينة وكان من الثقات الأثبات وفيها أمير دمشق الفضل بن صالح بن على العباس ابن عم المنصور وهو الذي أنشأ القبة الغريبة التي بجامع دمشق وتعرف بقبة المال وفي جمادى الأولى مات صاحب الأندلس الأمير أبو المطرف عبد الرحمن ابن معاوية بن الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي الدمشقي المعروف بالداخل فر إلى المغرب عند زوال دولتهم فقامت معه اليمانية وحارب يوسف الفهري متولي الأندلس وهزمه وملك قرطبة في يوم الأضحى سنة ثمان وثلاثين ومائة وامتدت أيامه وكان عالماً حسن السيرة عاش اثنتين وستين وولى بعده ابنه هشام وبقيت الأندلس لعقبه إلى حدود الأربعمائة وفيها أوفى في سنة ست وسبعين صالح المري الزاهد وأعظ البصرة روى عن الحسن وجماعة وحديثه ضعيف قال عفان كان شديد الخوف من الله إذا قص كأنه ثكلى وخرج له الترمذي قال في المغني صالح بن بشر المري الزاهد عن الحسن تركه أبو داود والنسائي وضعفه غيرهما انتهى ومهدي بن ميمون المعولى مولاهم البري الناقد الثقة روى عنبي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار والوليد أبي ثور هو ابن عبد الله الهمداني الكوفي عن زياد بن علاقة وجماعة وهو ضعيف وفي حدودها معاوية بن سلام بن الأسود بن سلام ممطور الحبشي ثم الشامي روى عن أبيه والزهري وجماعة قال يحيى بن معين أعده محدث أهل الشام والله أعلم

(1/281)


282 سنة ثلاث وسبعين ومائة فيها وقيل سنة أربع توفي إسماعيل بن زكريا الخلفاني الكوفي ببغداد روى عن العلاء بن عبد الرحمن وطبقته وعاش خمساً وستين سنة قال في المغني صدوق شيعي قال الميموني قلت لأحمد بن حنبل كيف هو قال أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث ولكنه ليس ينشرح الصدر له قال الميموني وسمعت ابن معين يضعفه وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه حديثه مقارب وعن ابن معين أيضاً هو ثقة قال العقيلي حدثنا إبراهيم ابن الجنيد حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان حدثني جدي حسين بن حسن حدثني خالي إبراهيم سمعت إسماعيل الخالفاني يقول الذي نادى من جانب الطور عنده على بن أبي طالب قال وسمعته يقول هو الأول والآخر على ابن أبي طالب قلت هذا لم يثبت عن الخلفاني وأن صح عنه فهو زنديق عدو الله انتهى ما قاله الذهبي في المغني وفيها أمير البصرة وفارس محمد بن سليمان بن علي ابن عم المنصور وله إحدى وخمسون سنة وكان الرشيد يبالغ في تعظيمه وإكرامه ولما مات احتوى الرشيد على خزائنه وكانت خمسين ألف ألف درهم وفي رجب الإمام الكبير أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة ومحدثها وحافظها روى عن سماك بن حرب وقال كان احفظ من عشين شعبة وفيها أبو سيعد سلام بن أبي مطيع البصري روى عن أبي عمر أن الجوني وطائفة قال أحمد بن حنبل ثقة صاحب سنة وقال ابن حبان لا يجوز أن يتحتج بما انفرد به وقال ابن عدي لا بأس به وليس بمستقيم الحديث في قتادة خاصة وله غرائب

(1/282)


283 ويعد من خطباء أهل البصرة وقال الحاكم منسوب إلى الغفلة وإلى سوء الحفظ انتهى وقد خرج له الشيخان وغيرهما وفيها نوح الجامع وهو أبو عصمة نوح بن أبي مريم الفقيه قاضي مرو ولقب بالجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى والحديث عن حجاج بن أرطأة والمغزي عن ابن إسحق والتفسير عن مقاتل وهو متروك الحديث قاله في العبر وعبد الرحمن بن أبي الموالي المدني مولى آل علي رضي الله عنه روى عن أبي جعفر الباقر وطائفة وضربه المنصور أربعمائة سوط على أن يدله على محمد بن عبد الله بن حسن فلم يدله وكان من شيعته قاله في العبر قال في المغني عبد الرحمن ابن أبي الموالي مشهور ثقة خرج مع ابن حسن قال أمد حديثه في الإستخارة منكر قلت خرجه البخاري وقد قال ابن عدي رواه غير واد كما رواه ابن أبي الموالي انتهى وجويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري روى عن نافع والزهري وكن ثقة كثير الحديث سنة أربع وسبعين ومائة وفيها حج الرشيد فبدأ بالمدينة فقسم فيا مالا عظيماً ووقع الوباء بمكة فأبطأ في دخولها ثم دخلها فقضى طوافه وسيعه ولم ينزل مكة قاله في الشذور وفيها توفي في جمادى الآخرة الإمام أبو عبد الرحمن بع الله بن لهيعة الحضرمي قاضي مصر الحافظ روى عن الأعرج وعطاء بن رباح وخلق كثير قال أحمد بن صالح المصري كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابة للعلم وقال زيد بن الحباب سمعت سفيان الثوري يقول عند ابن لهيعة الأصول

(1/283)


284 وعندنا الفروع وقال أحمد بن حنبل من كان بصر مثل ابن لهيعة و في كثرة حديثه وضبطه واتقانه وقال ابن معين ليس بذاك القوى انتهى وخرج له الترمذبي وأبو داود وغي هما قال في المغني قال بعض الناس ما روى عنه مثل ابن وهب وابن المبارك فهو أجود وأقوى انتهى وقال السويطي في حسن المحاضرة ابن لهيعة عبد الله ابن عقبة بن لهعة الحضرمي المصري أبو عبد الرحمن الفقيه قاضي مصر ومسندها عن عطاء وعمرو بن دينار والعرض وخلق وعنه الثوري والأوزاعي وشعبة وماتوا قبله وابن المبارك وخلق وثقة أحمد وغيره وضعفه يحيى القطان وغيره انتهى وفيها بكر بن مضر المصري عن نيف وسبعين سنة قال ابن ناصر الدين كان إماماً حجة من افاضل أهل زمانه طويل الحزن وخازناً لسانه انتهى روى عن أبي قبيل المعافري وطائفة وأكثر عنه قتيبة وكنيته أبو عبد الملك وفيها عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني ببغداد وكان فقيها مفتياً قال ابن معين واثبت الناس في هشام بن عروة قال في العبر قلت وروى الكثير عن أبيه وطبقته وفيه ضعف يسير انتهى وفيها يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي رحل وحمل عن زيد بن أسلم وأكثر عن جعفر بن أبي المغيرة القمى قال في المغني صالح الحديث محدث أهل قم يروى عن جعفر بن أبي المغيرة وليث قال النسائي ليس به بأس وقال الدارقطني ليس بالقوى انتهتى وفيها الأمير روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب أخو يزيد أحد القواد الكبار ولى إمرة الكوفة وغيرها

(1/284)


285 سنة خمس وسبعين ومائة وفيها عقد الرشيد للأمين وهو ابن خمس سنين وفيها هاجت العصية بين القيسية واليمينة بالشام ورأس القيسية أبو الهيذام المري وقتل بينهما بشر كثير واتصلت فتنتهما إلى زمننا هذا وفيها توفي شيخ الديار المصرية وعالمها أبو الحرث الليث بن سعد الفهمي مولاهم الفقيه وأصله فارسي أصبهاني قال في حسن المحاضرة الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الفهمي أبو الحرث المصري أحد العلام ولد بقرقشندة سنة أربع وستين وروى عن الزهري وعطاء ونافع وخلق وعنه ابن شعيب وابن المبارك وآخرون قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث صحيحه وكان قد اشتغل بالفتوى في زمانه بمصر وكان سرياً من الرجال نبيلاً سخياً له ضيافة وقال يحيى بن بكير ما رأيت أحداً أكمل من الليث كان فقيه النفس عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة وقال الشافعي كان الليث أفقه من مالك إ لا أنه ضيعه أصحابه قال ابن كثير وقد حكى بعضهم أنه ولى القضاء بمصر وهو غريب وقال الذهبي في العبر كان نائب مصر وقاضيها من تحت أوامر الليث وإذا رابه من أحد شيء كاتب فيه بعزل وقد اراد المنصور أن يلي إمرة مصر فامتنع مات يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة خمس وسبعين ومائة انتهى ما قاله السيوطي في حسن المحاضرة وقال ابن الهدل أراده المنصور لولاية مصر فأبي وتولى قضاءها وروى أن الإمام مالكا اهدى له صينية رطباً فأعادها مملوءة ذهباً وكان يتخذ لأصحابه الفالوذج وكان يدخله في سنته ثمانون ألف دينار وما وجبت عليه زكاة وكان لا تغذى كل يوم حتى يطعم ثلاثمائة وستين مسكيناً انتهى ولعله أراد يصبح على كل سلامي من أحكم

(1/285)


286 صدقة الحديث وقال في العبر كان اتبع للأثر من مالك وقال يحيى بن بكير الليث أفقه من مالك لكن الخطوة لمالك انتهى وفيها أبو عبد الله حزم بن أبي حزم القطعي أخو سهيل روى عن الحسن وجماعة قال أبو حاتم هو من ثقات من تبقى من أصحاب الحسن وفيها داود بن عبد الرحمن العطار المكي روى عن عمرو بن دينار وجماعة قال الشافعي ما رأيت أورع منه وفيها قاضي الكوفة أبو عبد الله القسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي روى عن عبد الملك بن عميرو طبقته قال حمد كان ثقة صاحب نحو وشعر وقال أبو حاتم كان أروى الناس للحديث والشعر وأعلمهم بالعربية والفقه وقال ابن ناصر الدين في شرحه لبديعة البيان له كان إماماً علامة ثقة قاضي الكوفة لم يأخذ على القضاء رزقاً مدة ولايته وكان من أروى الناس للآثار وأعلمهم بالفقه والعربية والأشعار انتهى سنة ست وسبعين ومائة وفيها افتتح المسلمون مدينة دبسة من أرض الروم بعد حرب طويل وفيها اشتد البلاء والقتل بين القيسية واليمنية بالشام واستمرت بينهم أحن وأحقاد ودماء يهيجون لأجلها في كل وقت وإلى اليوم وفيها توفي قاضي بغداد للرشيد أبو عبد لله سعيد بن عبد الرحمن الجمحي المدني روى عن عبد الرحمن بن القسم وطبقته وكان من أولى العلم والصلاح وخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم قال في المغني ثقة لينة الفسوى انتهى وفيها وقيل في التي تليها عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري روى عن كليب بن وائل وطائفة كثيرة قال في المغني عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وغيره صدوق يغرب قال ابن معين ليس بشيء وقال أبو داود الطيالسي

(1/286)


287 عمد إلى أحاديث كن يرسلها العمش فوصلها كلها ولينة القطان انتهى وفيها أبو عوانة الوضاح مولى يزيد بن عطاء اليشكري البزاز الحافظ أحد الأعلام قال ابن ناصر الدين أبو عوانة الواسطي البزاز كان أحد الحفاظ الثقات الإعيان قال يحيى القطان أبو عوانة من كتابه أحب إلى من شعبة من حفظه انتهى رأى الحسن وروى عن قتادة وخلق وقال يحيى القطان ما أشبه حديثه بحديث سفيان وشعبة وقال عفان هو عندنا أصح حديثاً من شعبة وقال غيره هو من سبى جرجان قاله في العبر وفيها حماد بن أبي حنيفة الإمام وكان من أهل الخير والصلاح والفقه مذهب أبيه قال في المغني عن أبيه ضعفه ابن عدي انتهى وكان ابنه إسماعيل بن حماد قاضي البصرة فعزل يحيى بن أكثم ولما خرج منها إسماعيل مسافراً شيعه يحيى قال إسماعيل كان لنا جار طحان رافضى له بغلان فسمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر فرمحه أحدهما فقتله فقال جدى أبو حنيفة انظروا الذي رمحه فلا تجدونه إلى الذي سماه عمر فوجدوه كذل سنة سبع وسبعين ومائة فيها توفي عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد الذي قيل أنه صلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة ومن مواعظه قوله إلا تستحيون من طوله ملا تستحيون روى عن الحسن وجماعة وهو متروك الحديث قاله في العبر وفيها شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله أحد الأعلام عن نيف وثمانين سنة روى عن سملة بن كهيل والكبار سمع منه إسحق الأزرق تسعة آلاف حديث قال ابن المبارك هو أعلم بحديث بلده من سفيان الثوري وقال النسائي ليس به باس وقال غيره فقيه إمام لكنه يغلط قال ابن ناصر الدين استشهد له البخاري ووثقه ابن معين واخرج له مسلم متابعة انتهى

(1/287)


288 ووفيها محمد بن مسلم الطائفي المكي روى عن عمرو بن دينار وجماعة قال ابن مهدي كتبه صحاح وموسى بن أعين الحراني رحل إلى العراق وأخذ عن عبد الله بن محمد بن عقيل وطبقته فأكثر وأبو خلد يزيد بن عطاء اليشكري الواسطي روى عن علقمه بن مرثد وطبقته وليس بالقوى قاله في العبر وقد مر مولاه أبو عوانة وفيها أوفى حدودها عبد العزيز بن المختار البصري الدباغ حدث عن ثابت البناني وجماعة سنة ثمان وسبعين ومائة فيها فوض الرشيد أموره كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك قاله في الشذور وفيها فوض توفي جعفر بن سليمان الضبعي بالبصرة روى عن أبي عمران الجوني وطائفة وكان أد علماء البصرة وفيه تشيع أخذ ذلك عنه عبد الرازق باليمن قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين هو أبو سليمان كان من ثقات الشيعة والزهاد ولم يكن قوياً ومع كثرة علومه قيل كان أمياً انتهى وفيها عبثر بن القسم أبو زيد الوفي روى عن حصين بن عبد الرحمن وجماعة ذكره أبو داود فقال ثقة ثقة وعبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم ا لمديني نزيل البصرة ووالد على بن المديني روى عن عبد الله بن دينار وطبقته وهو ضعيف الحديث سنة تسع وسبعين ومائة وفيها كانت فتنة الوليد بن طريف الشارى الخارجي وأحد الشراة وهم الخوارج سموا بذل لقولهم شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة حين

(1/288)


289 فارقتنا الأئمة الجبابرة وكان الوليد أحد الشجعان وندب الرشيد لحربه يزيد بن زائدة ابن أخي معن بن زائدة الشيباني ومكث يزيد مدة يما كره ويخادعه وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فقالوا للرشيد إنه مداهن فأسل غليه يتوعده فناجزه يزيد فظفر به وكان الوليد ينشد في المصاف ( أن الوليد بن طريف الشارى * فسورة لا يصطلي بنار ) ولما انهزم تبعه يزيد بنفسه حتى أدركه على مسافة بعيدة فقتله واحتز رأسه ولما قتل لبست أخته الفارعة عدة حربها وحملت فضرب يزيد بلممرح قرينها وقال اغربي غرب الله عنك فقد فضحت العشيرة فانصرفت ولها في أخيها مراث كثيرة شهيرة وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج ثم حج بالناس فمشى من مكة إلى مني ثم إلى عرفات وشهد المشاهد والمشاعر ماشياً وفيها توفي إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس الحميري الأصبحي شهير الفضل كان طوالاً جسمياً عظيماً الهامة أبيض الرأس واللحية أشقر أزرق العين يلبس الثياب العربية البيض وإذا اعتم جعلها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه روى أنه قال ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك وقل رجل كنت أعلم منه ومات حتى يستفتيني قال اليافعي أخبر بنعمة الله وكان مالك عظيم لمحبة لرسول الله مبالغاً في تعظيم حديثه حتى كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه ويقول لا أركب في بدل فيها جسد رسول الله مدفون قال الشافعي قال لي محمد بن الحسن أي أعلم صاحبنا أو صاحبكم يعني أبا حنيفة ومالكاً رحمهما الله تعالى قلت على الإنصاف قال نعم قلت أنشدك الله من أعلم بالقرآن قال صاحبكم قلت فمن أعلم بالسنة قال صاحبكم قلت فمن أعلم بأقاويل الصحابة قال صاحبكم قلت فما بقي إلا القياس وهو لا يكون إلى على هذه الياء وكان مالك يشهد الصلوات

(1/289)


290 الخمس والجمعة ويصلى على الجنائز ويعود المرضى ويقضى الحقوق وأكثر جلوسه في المسجد ثم ترك ذلك فكان يصلي وينصرف وترك حضور الجنائز ثم ترك الكل وسعى به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وقيل له أنه لا يرى خلافتكم فضربه به سبعين سوطاً ومدت يده حتى انخلعت فلم يزل بعد ذلك في رفعة كأنما كان السياط حلياً حلى به ولما ورد المنصور المدينة أراد أن يقيده منه فقال والله ما ارتفع سوط منها عن بدني إلا وقد وجعلته فيحل لقرابته من رسول الله وقيل ضرب لفتوى لمتوافق أغراضهم وقيل أنه حمل إلى بغداد وقال له واليها ما تقول في نكاح المتعة فقال هو حرام فقيل له ما تقولن في قول عبد الله بن عباس فيها فقال كلام غيره فيها أوفق لكتاب الله تعالى وأصر على القول بتحريمها فطيف به على ثور مشوهاً فكان يرفع القذر عن وجهه ويقول يأهل بغداد من لم يعرفني فليعرفني أنا مالك بن أنس فعل بي ماترون لأقول بجواز ازنكاح المتعة ولا أقول به ثم بعد ذلك لم يزيده الله تعالى الأرفعة وكان ذلك كالتميمة له فجزأه الله تعالى عن نفسه والأمة خيراً وحدث عتيق بن يعقوب الزبيدي قال قدم هرون الرشيد المدينة وكان قد بلغه أبن مالك بن أنس عنده الموطأ يقرؤه على الناس فوجه إليه البرمكي فقال اقرئه السلام وقل يحمل إلى كالكتاب ويقرؤه على فأتاه البرمكي فقال اقرئه السلام وقل له أن العلم يؤتي ولا يأتي فأتاه البرمكي فأخبره وكان عنده أبو يوسف القاضي فقال يا أمير المؤمنين يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك في أمر مخالفك إعزم عليه فبينما هو كذلك إذ دخل مالك فسلم وجلس فقال له الرشيد يا ابن أبي عامر ابعث إليك تخالفني فقال يا أمير المؤمنين اخبرني الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه قال كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله لا يستوي القاعدون من المؤمنين وابن أم مكتوم عند النبي فقال يا رسول الله

(1/290)


291 إني رجل ضرير وقد أنزل الله عليك في فضل الجهاد ما قد علمت فقال النبي فخدي ثم أغمي على النبي جلس النبي يا زيد اكتب غير أولي الضرر ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل والملائكة عليهم السلام من مسيرة خمسين ألف عام ألا ينبغي لي أن أعزه وأجله وأن الله تعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعملك فلا تكن أنت أول من يضيع عز العلم فيضيع الله عزك فقام الرشيد يمشي مع ملك إلى منزله ليسمع منه الموطأ فأجلسه معه على المنصة فلما أراد أن يقرأه على مالك قال لي تقرؤه على ما قرأته على أحد منذ زمان قال فيخرج الناس عني حتى أقرأه أنا عليك فقال إن العلم إذا منع من العامة لأجل الخاصة لم ينفع الله تعالى به الخاصة فأمر معن بن عيسى القزاز ليقرأه عليه فلما بدأ ليقرأه قال مالك لهارون يا أمير المؤمنين أدركت أهل العلم ببلدنا وأنهم ليحبون التواضع للعلم فنزل هارون عن المنصة وجلس بين يديه وسمعه رحمهما الله تعالى وقال أبو عبد الله الحميدي الأندلسي أنشدني والدي أبو طاهر إبراهيم ( إذا قيل من نجم الحديث وأهله * أشار أولو الألباب يعنون مالكا ) ( إليه تناهى علم دين محمد * فوطأ فيه للرواة المسالكا ) ( ونظم بالتصنيف أشتات نشره * وأوضح ما قد لولاه حالكا ) ( وأحيا دروس العلم شرقا ومغربا * تقدم في تلك المسالك سالك ) ( وقد جاء فيالآثار من ذاك شاهد * على أنه في العلم حص بذالكا ) ( فمن كان ذا طعن على علم مالك * ولم يقتبس من نوره كان هالكا ) يشير بقوله وقد جاء في الآثار إلخ إلى حديث تضرب الإبل أكبادها إلى عالم المدينة لا ترى أعلم منه وقال الشافعي رضي الله عنه إذا ذكر العلماء فمالك

(1/291)


392 النجم وقال معن الفزاز وجماعة حملت بمالك أمه ثلاث سنين وقيل أنه بكى في مرضه موته وقال والله لوددت إني ضربت في كل مسئلة أفتيت بها وليتني لم أفت بالرأي وتوفي بالمدينة ودفن بالبقيع عن أربع وثنانين سنة وقيل تسعين ولما مات قال ابن عيينة ما ترك على وجه الأرض مثله وفيها توفي خالد بن عبد الله الواسطي الطحان الحافظ وله سبعون سنة روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته قال إسحاق الأزرق ما أدركت أفضل منه وقال أحمد كان ثقة صالحا بلغني أنه اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث مرات وأبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي روى عن زياد بن علاقة وطبقته وكان أحد الحفاظ الأثبات قال أحمد العجلي ثقة صاح سنة واتباع وآخر من روى عنه هناد وفي رمضان إمام أهل البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري الضرير أبو إسماعيل كان من أهل الورع والدين قال ابن مهدي ل أرقط أعلم بالسنة منه وهو أحد الحمادين صاحبي المذهبين المشهورين وقال عبد الرحمن بن مهدي أئمة الناس أربعة الثوري بالكوفة ومالك بالحجاز وخماد بن زيد بالبصرة والأوزاعي بالشام وقال يحي التميمي ما رأيت شيخا أفضل من حماد بن زيد وقال أحمد العجلي حماد بن زيد قفة كان حديثه أربعة حديث يحفظها ولم يكن له كتاب وقال ابن معين ليس أحد أثبت من حماد بن زيد وفيها الهقل بن زياد الدمشقي كاتب الأوزاعي قال ابن معين ما كان بالشام أوثق منه وقال مروان الطاطري كان أعلم الناس بالأوزاعي وبمجلسه وفتياه وقال ابن ناصر الدين هو الهقل بن زياد بن عبيد السكسي مولاهم الدمشقي اسمه محمد فلقب بهقل إماماً مفتيا من الثقات انتهى

(1/292)


293 سنة ثمانين ومائة فيها هاج الهوى والعصبية بالشام بين اليمانية والنزارية وتفاقم الأمر واشتد الخطب وفيها كانت الزلزلة العظمى بمصر التي سقط منها رأس منارة الإسكندرية وفيها نزل الرشيد الرقة واتخذها وطنا وفيها توفي إسماعيل بن جعفر مولاهم المدني قارئ المدينة بعد نافع ومحدثها بعد مالك روى عن عبد الله بن دينار والعلاء بن عبد الرحمن وطائفة قال ابن ناصر الدين كان إماماً مقرئاً أميناً عالما ثقة مأمونا انتهى وفيها عبد الوارث بن سعيد أبو عبدة العنبري مولاهم التنوري البصري كان على بدعة فيه أجمع علىلاحتجاج به الشيخان وباقي أئمة الأثر قاله ابن ناصر الدين وفيها بشر بن منصور السليمي الأزدي البصري الزاهد روى عن أيوب وطبقته قال ابن المديني ما رأيت أحدا أخوف لله منه وكان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة وقال عبد الرحمن بن مهدي ما رأيت أحداً أقدمه عليه في الورع والرقة وفيها حفص بن سليمان الغاضري الكوفي قاضي الكوفة وتلميذ عاصم وقد حدث عن علقمة بن مرثد وجماعة وعاش تسعين سنة وهو متروك الحديث حجة في القراءة قاله في العبر وفيها صدقة بن خالد الدمشقي قرأ على يحي الدماري وروى عن التابعين وكان من ثقات الشاميين وفيها أبو وهب عبيد الله بن عمر الرقي الفقيه محدث الجزيرة ومفتيها روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته قال محمد بن سعد كان ثقة لم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره وفضيل بن سليمان النميري بالبصرة روى عن أبي حازم الأعرج وصغار

(1/293)


294 التابعين قال في المغني عن منصور بن صفية فيه لين قال أبو حاتم وغيره ليس بالقوي وقال أبو زرعة لين وقال عياش عن ابن معين ليس بثقة انتهى وفيها مبارك بن سعيد أخو سفيان الثوري أبو عبد الرحمن الكوفي الضرير ببغداد روى عن عاصم بن أبي النجود وطائفة وهو ثقة وفيها فقيه مكة أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي وله ثمانون سنة روى عن ابن أبي مليكة والزهري وطائفة وقال أحمد بن محمد الأزرق كان فقيها عابداً يصوم الدهر وضعفه أبو داود وغيره ولقب بالزنجي في صغره وكان أشقر وعليه تفقه الشافعي وفيها أبو المحياة يحي بن يعلى التيمي الثقة الكوفي روى عن سلمة بن كهيل وطائفة وعمر واسن وفيها أمير الأندلس أبو الوليد هشام بن الداخل عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني وله سبع وثلاثون سنة وولي الأمر ثمانية أعوام وكان متواضعا كثير الصدقات وقام بعده ابنه الحكم سنة إحدى وثمانين ومائة فيها أحدث الرشيد في صدور كتبه لاصلاة على النبي وفيها غزا الرشيد وافتتح حصن الصفصاف من أرض الروم بالسيف وسار عبد الملك بن صالح بن علي العباسي حتى بلغ أنقرة وافتتح حصنا وفيها توفي الإمام محدث الشام ومفتي أهل حمص أبو عتبة إسماعيل بن عياش العنسي عن بضع وسبعين سنة روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد الألهاني وخلق من التابعين بالشام والحرمين قال ابن معين هو ثقة في الشاميين وقال يزيد بن هارون ما لقيت شاميا ولا عراقيا أحفظ منه وما أدري ما الثوري وقال ابن عدي يحتج به في حديث الشاميين خاصة وقال أبو اليمان

(1/294)


295 كان إسماعيل جارنا فكان يحيى الليل وقال داود بن عمرو ما حدثنا إسماعيل إلا من حفظه كان يحفظ نحوا من عشرين الف حديث وقيل توفي سنة اثنتين وثمانين ومناقبه كثيرة وفيها أبو المليح الرقي عن نيف وتسعين سنة وأسمه الحسن بن عمر روى عن ميمون بن مهران والزهري والكبار ووثقه أحمد غيره وفيها حفص بن ميسرة الصناعني بعسقلان روى عن زيد بن أسلم وطبقته وكان ثقة صاحب حديث والمعمر أبو أحمد خلف بن خليفة الكوفي ببغداد وقد جاوز المئة بعام رأى عمر بن حريث الصحابي وروى عن محارب بن دثار وجماعة قال أبو حاتم صدوق قلت هو أقدم شيخ للحسن بن عرفة قاله في العبر وفيها وقيل سنة ثمانين أبو معاوية عباد بن عباد بن المهلب البصري أحد المحدثين والأشراف روى عن أبي جمرة الضبعي صاحب ابن عياش وغيره قال في المغني عباد بن عباد المهلبي ثقة مشهور وقد قال أبو حاتم لا يحتج به وذكره ابن سعد في الطبقات فقال لم يكن بالقوى انتهى وفي رمضان توفي الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب وله ثلاث وستون سنة سمع هشام بن عروة وحميد الطويل وهذه الطبقة وصنف التصانيف الكثيرة وحديث نحو من عشرين ألف حديث قال أحمد بن حنبل لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعمل منه وقال شعبة ما قدم علينا مثله وقال أبو إسحاق الفزاري ابن المبارك أمام المسلمين وعن شعيب بن حرب قال ما لقي ابن المبارك مثل نفسه وكانت له تجارة واسعة كان ينفق على الفقراء في السنة مائة ألف درهم قال ابن ناصر

(1/295)


296 الدين الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام وأحد أئمة الأنام ذو التصانيف النافعة والرحلة الواسعة حدث عنه ابن معين وابن منيع وأحمد بن حنبل وغيرهم جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر وفصاحة العرب مع قيام الليل والعبادة قال الفضيل بن عياض ورب هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك انتهى وقال ابن الأهدل تفقه بسفيان الثوري ومالك بن أنس وروى عنه الموطأ وكان كثير الانقطاع في الخلوات شديد الورع وكذلك أبوه مبارك روى أنه نظر بستانا لمولاه فطلب منه رمانة حامضة فجاءه برمانة حلوة فقال له أنت ما تعرف الحلو من الحامض قال لا قال ولم قال لأنك لم تأذن لي فيه فوجده كذلك وعظم قدره عند مولاه حتى كان له بنت خطبت كثيرا فقال له يا مبارك من ترى نزوج هذه البنت فقال الجاهلية كانوا يزوجون للحسب واليهود للمال والنصارى للجمال وهذه الأمة للدين فأعجبه عقله وقال لأمها مالها زوج غيره فتزوجها فجاءت بعبد الله وكان واحد وقته وفيه يقول القائل ( إذا سار عبد الله من مرو ليلة * فقد سار منها نورها وجمالها ) ( إذا ذكر الأحبار في كل بلدة * فهم أنجم فيها وأنت هلالها ) وقد صنف في مناقبه وعد بعضهم ما جمع من خصال الخير فوجدها خمسا وعشرين فضيلة وكان يحج عاما ويغزو عاما فإذا حج قبض نفقة إخوانه وكتب على كل نفقة اسم صاحبها وينفق عليهم ذهابا وإيابا من أنفس النفقة ويشتري لهم الهداية من مكة والمدينة فإذا رجعوا اتخذ سماطا عليه من جفان الفالوذج نحو خمس وعشرين فضلا عن غيره فيطعم إخوانه ومن شاء الله ثم يكسوهم جديداً ويرد إلى كل منهم نفقته وذلك أنه كانت له تجارة واسعة قال سفيان الثوري وددت عمري كله بثلاثة أيام من أيام ابن المبارك قيل مات بهيت بالكسر بلد بالعراق منصرفا من غزوة وقيل مات في برية سائحا مختار للعزلة وكان كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين

(1/296)


297 ( وإذا صاحبت فاصحب صاحباً * ذا حياء وعفاف وكرم ) ( قائلاً للشيء لا إن قلت لا * وإذا قلت نعم قال نعم ) انتهى وقال في العبر كان أستاذه تاجراً فتعلم منه وكان أبوه تركيا وأمه خوارزمية وقال عبد الرحمن بن مهدي كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري قلت كان رأساً في العلم رأسا في الذكاء رأسا في الشجاعة والجهاد رأسا في الكرم وقبره بهيت ظاهر يزار رحمه الله تعالى انتهى وفيها أبو الحسن علي بن هاشم بن البريد الكوفي الخزاري يروي عن الأعمش وأقرانه وخرج له مسلم والأربعة وكان شيعيا جلدا قاله في المغني قال ابن حبان روى المناكير عن المشاهير انتهى وفيها قاضي مصر أبو معاوية المفضل بن فضالة القتباني الفقيه روى عن يزيد بن أبي حبيب وطائفة من كثيرة وكان زاهدا ورعا قانتاً مجاب الدعوة عاش أربعا وسبعين سنة قال في المغني ثقة حجة قال ابن سعد منكر الحديث انهى وفيها بالإسكندرية يعقوب بن عبد الرحمن القارئ المدني روى عن يزيد ابن أسلم وطبقته فأكثر سنة اثنتين وثمانين ومائة فيها سملت الروم عيني طاغيتهم قسطنطين وملكوا عليهم أمه وفيها توفي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم المدني روى عن أبيه وجماعة وهو ضعيف كثير الحديث وفيها عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي الحافظ سمع من هشام بن عروة وجماعة وقال سمعت من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث وقال ابن معين ما بالكوفة أعلم بالثوري من عبيد الله الأشجعي وفيها عمار بن محمد الثوري الكوفي ابن أخت سفيان الثوري روى عن منصور

(1/297)


298 والأعمش وعدة قال ابن عرفة كان لا يضحك وكنا لا نشك أنه من الأبدال انتهى وخرج له مسلم والنسائي وغيرهما قال في المغني ابن حبان استحق الترك انتهى وفيها أبو سفيان المعمري محمد بن حميد البصري نزيل بغداد وكان محدثا مشهورا رحل إلى معمر فلقب بالمعمري وفيها الوليد بن الموقري البلقاوي والموقر حصن بالبلقاء وهو من ضعفاء أصحاب الزهري وفيها على الأصح عالم أهل الكوفة يحي بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي الحافظ روى عن أبيه عاصم الأحول وطبقتهما وعاش ثلاثا وستين سنة قال ابن المديني انتهى العلم في زمانه إليه وكان من أصحاب أبي حنيفة وكان ثبتاً متقنا وفيها الحافظ الثبت المتقن أبو معوية يزيد بن زريع العيشي وقيل التيمي البصري محدث أهل البصرة ثقة ماهر روى عن أيوب السختياني وطبقته وقال أحمد بن حنبل كان ريحانة البصرة ما أتقنه وما أحفظه وقال يحي بن لاقطا ما كان هنا أحد أثبت منه وال نصر بن علي الجهضمي رأيت يزيد بن زريع في النوم فقلت له ما فعل بك قال دخلت الجنة قلت بماذا قال بكثرة الصلاة وفي شهر ربيع الآخر القاضي أبو يوسف واسمه يعقوب بن إبراهيم الكوفي قاضي القضاة وهو أول من دعى بذلك تفقه على الإمام أبي حنيفة وسمع من عطاء بن السائب وطبقته قال يحي بن معين كان القاضي أبو يوسف يحب أصحاب الحديث ويميل إليهم وقال محمد بن سماعة كان أبو يوسف يصلي بعدما ولي القضاء كل يوم مائتي ركعة وقال يحي بن يحي النيسابوري سمعت أبا يوسف يقول عند وفاته مل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق السنة وكان مع سعة علمه أحد الأجواد الأسخياء قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أحمد بن حنبل صدوق قال جميع ذلك في العبر

(1/298)


299 وقال ابن الأهدل تفقه عل أبي حنيفة وخالفه في مواضع وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل ويحي بن معين وأكثر العلماء على تفضيله وتعظيمه ولي القضاء للمهدي وابنيه وذكر المؤرخون أن له استحسانات يخالف فيها وروى أنه قال عند وفاته كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة وقال اللهم إنك تعلم أني لم أجر في حكم حكمت فيه بين اثنين من عبادك متعمدا ولقد اجتهدت في الحكم فيما يوافق سنة نبيك يعرف أمرك ولا يخرج عن الحق وهو يعلمنه وروى أن زبيدة ابنة جعفر امرأة الرشيد أرسلت إليه بمال وعند جلساؤه فقال بعضهم قال رسول الله أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه فيها فقال أبو يوسف يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب وكان أقل علومه الفقه ولم يكن أبو حنيفة مثله وهو أول من نشر علم أبي حنيفة وسأله الأعمش عن مسئلة فأجابه فقال من أين قال من حديثك الذي حدثتنيه أنت فقال يا يعقوب إني لأعرف الحديث قبل أن يجتمع أبواك وما عرفت تأويله إلا الآن وتناظر هو وزفر بن الهذيل عند أبي حنيفة فأطالا فقال أبو حنيفة لزفر لا تطمع في رياسة بلد فيها مثل هذا وكان يقول العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وعاش قريبا من سبعين سنة انتهى ما قاله ابن الأهدل وقال ابن ناصر الدين أحمد بن حنبل أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف القاضي فكتبت عنه وكان أبو يوسف أميل إلينا من أبي حنيفة ومحمد وقال الفلاس أبو يوسف صدوق كثير الغلط انتهى وقال ابن قتيبة في المعارف هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن حبتة من بجيلة وكان سعد بن ختبة استصغر يوم أحد ونزل الكوفة ومات بها وصلى عليه زيد بن أرقم وكبر عليه خمسا وكان

(1/299)


300 أبو يوسف يروي عن الأعمش وهشام بن عروة وغيرهما وكان صاحب حديث حافظ ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي وولي قضاء بغداد فلم يزل بها إلى أن مات وابنه يوسف ولي القضاء أيضاً بالجانب الغربي في حياة أبيه وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومائة انتهى كلام ابن قتيبة وقال ابن خلكان هو أول من غير لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمان وكان ملبوس الناس قبل ذلك شيئاً واحد لا يتميز أحد عن أحد بلباسه انتهى وقال غير واحد كان يحفظ في المجلس الواحد والخمسين حديثا بأسانيدهما قال ابن الفرات في تاريخه روى على ابن حرملة عن أبي يوسف رحمه الله قال كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقل رث المنزل فجاء أبي يوما وأنا عند أبي حنيفة فانصرفت معه فقال يا بني أنت محتاج إلى المعاش وأبو حنيفة وسأل عني فلما أتيته بعد تأخيري عنه قال ما خلفك قلت الشغل بالمعاش وطاعة والدي فلما أردت الانصراف أومأ إلي فجلست فلما قام الناس دفع إلي صرة وقال استعن بهذه والزم الحلقة وإذا فقدت هذه فاعلمني فإذا فيها مائة درهم فلزمت مجلسه حتى بلغت حاجتي وفتح الله لي ببركته وحسن نيته فانتج من العلم المال فأحسن الله مكافأته وغفر له وقال ابن عبد البر كان أبو يوسف القاضي فقيها عالماً حافظاً ذكر أنه كان يعرف بالحديث وأنه كان يحضر التحديث فيحفظ خمسين حديثا وستين حديثا ثم يقوم فيمليها على الناس وكان كثير الحديث وكان جالس محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلة ثم جالس أبا حنيفة رضي اله عنهما وكان الغالب عليه مذهبه وربما كان يخالفه أحياناً في المسئلة وكان يقول في دبر كل صلاة اللهم اغفر لي ولأبي حنيفة ثم قال ابن عبد البر ولا أعلم قاضيا كان إليه تولية القضاء في الآفاق من المشرق إلى المغرب إلا أبا يوسف في زمانه وهو أول من لقب بقاضي القضاة وقال محمد بن جعفر أبو يوسف مشهور الأمر ظاهر الفضل

(1/300)


301 وهو أفقه أهل عصره ولم يتقدم عليه أحد في زمانه وكان بالنهاية في العلم والحلم والرياسة والقدر والجلالة وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة وأملي المسائل ونشرها وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض وقال الصيمري بلغني أن الرشيد رحمه الله مشى في جنازة أبي يوسف رحمه الله تعالى وصلى عليه بنفسه ودفنه في مقبرة أهله في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب أم جعفر زبيدة وقال الرشيد حين دفن أبو يوسف ينبغي لأهل الإسلام إن يعزي بعضهم بعضاً بأبي يوسف قيل رأى معروف الكرخي ليلة وفاة أبي يوسف كأنه دخل الجنة فرأى قصرا قد فرشت مجالسه وأرخيت ستوره وقام ولدانه قال معروف فقلت لمن هذا القصر فقيل لأبي يوسف القاضي فقلت سبحان اله وبم استحق هذا من الله تعالى فقالوا بتعليمه الناس العلم وصبره على أذاهم قيل مرض أبو يوسف رحمه الله في حياة أبي حنيفة رضي الله عنه مرضا شديداً فقيل له توفي فقال لا فقيل من أين علمت هذا قال لأنه خدم العلم ولم يجن ثمرته لا يموت حتى يجنى ثمرته فاجتبى ثمرته بأن ولي القضاء وتوفي وله سبعمائة ركاب وكان ذهب فصدق أبو حنيفة رضي الله عنه في الفراسة انتهى ما ذكره ابن الفرات وفيها وقيل قبلها أو بعدها توفي يونس بن حبيب النحوي أحد الموالي المنجبين أخذ الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وغيره وهو في الطبقة الخامسة من الأدب بعد علي كرم الله وجهه اختلف إليه أبو عبيد أربعين سنة وأبو زيد عشر سنين وخلف الأحمر عشرين سنة وله عدة تصانيف وكان يقول فرقة الأحباب سقم الألباب وينشد ( شيئان لو بكت الدماء عليهما * عيناي حتى يؤذنا بذهاب ) ( لم يبلغا المعشار من حقيهما * شرخ الشباب وفرقة الأحباب ) ومات يونس وله مائة سنة وسنتان وفيها وقيل في التي قبلها مروان بن أبي حفصة الشاعر اليمامي روي أنه مدح الرشيد بقصيدته السبعين التي يقول فيها

(1/301)


302 ( إليك قصرنا النصف من صلواتنا * مسيرة شهر بعد شهر نواصله ) ( ولا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا * لديك ولكن أهنأ البر عاجله ) أعطاه سبعين ألف جرهم قبل أن يتمها ومن أجود شعره قوله فيمعن بن زائدة قصيدته اللامية وفضل بها على شعراء أرضه وأعطاه ثلاثمائة ألف درهم ومدح ولده مروان شراحيل بن معن بقوله ( يا أكرم الناس من عجم ومن عرب * و ياذوي الفضل والإحسان والحسب ) ( اعطى أبوك أبي مالا فعاش به * فاعطني مصل مما أعطى أبوك أبي ) ( ما حل أرضا أبي ثاوأبوك بها * إلا وأعطاه قنطاراً من الذهب ) فأعطاه قنطاراً والقنطار ألف أوقية ومائتنا أو قية وقيل غير ذلك ومثل هذه الحكاية ما روى أنه لما حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحطيئة في هجوه للناس كتب إليه ( ماذا تقول لا فراخ بذي مرح * حمر الحواصل لا ماء ولا شجر ) ( القيت كا سبهم في قعر مظلمة * فارحم عليك سلاما لله يا عمر ) ( أنت الذي قام فيهم بعد صاحبه * القت إليك مقاليد النهى البشر ) ( ما آثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم قد كانت الأثر ) فأطلقه وشرط عليه أن يكف لسانه فقال له إذ منعتني التكسب بلساني فأكتب لي إلى علقمة بن وقاص بن علاقة العامري فامتنع عمر فقيل له يا أمير المؤمنين ما عليك في ذلك فاكتب له فإنه ليس من عمالك وقد تشفع بك إليه فكتب ورحل إليه فصادف الناس منصرفين من جنازته وولده واقف على قبره فأنشد الحطيئة ( لعمري لنعم المرء من آل جعفر * بحوران أمسى علقته الحبائل ) ( فإن تحي لا أملك حياتي وأن تمت * فما في حياتي بعد موتك طائل ) ( وما كان بين يلو لقيتك سالماً * وبين الغنى إلا ليال قلائل )

(1/302)


303 فقال له ابنه كم ظننت أنه كان يعطيك فقال ناقة يتبعها مائة فأعطاه إياها سنة ثلاث وثمانين ومائة فيها كان خروج الخزر لعنهم الله ومن قصصهم ان ستيت ابنة مالك الترك خاقان خطبها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي وحملت إليه في عام أول فماتت في الطريق ببرذعة فرد من كن معها في خدمتها من العساكر واخبروا خاقان أنها قتلت غيلة فاشتد غضبه وتجهز للشر وخرج بجيوشه من الباب الحديد وأوقع بأهل الإسلام وبالذمة وقتل وسبى وبدع وبلغ السبى مائة ألف وعظمت المصيبة على المسلمين فأنا لله وإنا إليه راجعون فانزعج هرون الرشيد واهتز لذلك وجهز البعوث فاجتمع المسلمون وطردوا العدو عن ارمينية ثم سدوا الباب الذي خرجوا منه قال في العبر وفيها توفي الإمام أبو معاوية هشيم بن بشير السلمي الواسطي محمد بغداد روى عن الزهري وطبقته قال يعقوب الدورقي كان عند هشيم عشرون ألف حديث وقال عبد الرحمن بن مهدي هو احفظ للحديث من الثوري وقال يحيى القطان هو احفظ منم رأيت بعد سفيان وشعبة وقال ابن الدنيا حدثني من سمع عمرو بن عون يقول مكث هشيم يصلى الفجر بوضوء العشاء عشر سنين قبل موته وقال أحمد كان كثير التسبيح وقلا ابن ناصر الدين في شرح بديعة البيان له هشيم بن بشير بن أبي خازم قاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطى نزيل بغداد كان من الحفاظ الثقات التقنين لكنه معدود في المدلسين ومع ذلك فقد اجمعوا على صدقه وأمانته وثقته وعدالته وأمانته قال وهب بن جرير قلنا لشعبة نكتب عن هشيم قال نعم ولو حدثكم عن ابن عمر فصدقوه انتهى وفيها الواعظ ابن السماك أبو العباس محمد بن صبيح الكوفي الزاهد مولى بني عجل روى عن الأعمش وجماعة وكان كبير القدر دخل على الرشيد فوعظه وخوفه ومن كلامه من جرعته الدنيا حلاوتها لميله إليها جرعته الآخرة

(1/303)


304 مرارتها لتجافيه عنها روى أن الرشيد استفتاه في يمين حلفها أنه من أهل الجنة فقال له هل قدرت على معصية فتركتها من مخافة الله عز وجل قال نعم قال قال الله عز وجل ( ^ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) فيمينك بارة قال اليافعي وإنما المراد بالآية استمرار الخوف إلى الموت وقال الفقيه حسين استدلال ابن السماك صحيح لأن الظاهر أن كل مسلم يدخلها وإنما الأشكال لو قال يدخلها دون مجازاة وغاية ما فيه الشك والحنث لا يقع به والله أعلم انتهى قلت وما قاله الفقيه حسين جار على القواعد الفقهية لعدم تحقيق أنه من غير أهلها والله أعلم وقال في المغني محمد بن صبيح بن السماك الواعظ سمع الأعمش قال ابن نمير صدوق ليس حديثه بشىء وفيها السيد الجليل أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ووالد على ابن موسى الرضى ولد سنة ثمان وعشرين ومائة روى عن أبيه قال أبو حاتم ثقة إمام من أئمة المسلمين وقال غيره كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر بلغه عن رجل الأذى له فبعث بألف دينار وهو أحد الأئمة الإثني عشر المعصومين على اعتقاد الأمامية سكن المدينة فأقدمه المهدى بغداد وحبسه فرأى المهدي في نومه علياً كرم الله وجهه وهو يقول له يا محمد فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم فاطلقه على أن لا يخرج عليه ولا على أحد بنيه واعطاه ثلاثة آلاف وردوه إلى المدينة ثم حبسه هارون الرشيد في دولته ومات في حبسه وقيل أن هارون قال رأيت حسينا في النوم قد أتى بالحربة وقال إن خليت عن موسى هذه الليلة وإلا نحرتك بها فخلاه وأعطاه ثلاثين ألف درهم وقال موسى رأيت النبي وقال لي يا موسى حبيت ظلماً فقل هذه الكلمات لا تبيت هذه الليلة في الحبس يا سامع كل صوت يا سائق الفوت يا كاسى العظام لحما ومنشرها بعد الموت أسألك باسمائك لحسنى وباسمك الأعظم الكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه

(1/304)


305 احد من المخلوقين يا حليما ذا أناة المعروف الذي لا ينقطع ابداً فرج عني وأخباره كثيرة شهيرة رضي الله عنه وفيها شيخ أصبهان وعالمها أبو المنذر النعمان بن عبد السلام التيمي تيم الله ابن ثعلبة وكان فقيهاً إماماً زاهدا عابداً صاحب تصانيف أخذ عن الثوري وأبي حنيفة وطائفة وفيها الفقيه أبو عبد الرحمن يحيى بن حمزة الحضرمي الببتلهى قاضي دمشق ومحدثنا وله ثمانون سنة قال دحيم هو ثقة عالم روى عن عروة بن رويم وأقرانه من التابعين وولى القضاء نحو ثلاثين سنة قال في المغني يحيى بن حمزة قاضي دمشق صدوق وقال عباس عن ابن معين كان يرمي بالقدر وقال ابن معين صدقة أحب غلى منه وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن سعد صالح الحديث انتهى سنة أربع وثمانين ومائة وفيها توفي الفقيه أبو إسحق إبراهيم بن سعد الزهري العوفى المدني قاضي المدينة ومحدثها وله خمس وسبعون سنة وقيل توفي في العام الماضي سمع أباه والزهري وجماعة قال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال في المساء الرجال روى عنه شعبة وابن مهدي وأبو داود الطيالسي وأحمد بن حنبل وغيرهم قال أحمد ويحيى وأبو حاتم ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل قال كان وكيع كف عن حديث إبراهيم بن سعد ثم حدث عنه بعد قلت لم قال لا أدري إبراهيم ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وربما اخطأ في الحديث وقدم بغداد فنزلها هو وعياله وولده ولى بها بيت المال لهارون وقال ابن عدي هو من ثقات المسلمين حدث عن حماد من الأئمة ولم يتخلف أحد من الكبار عنه بالكوفة والبصرة وبغداد وقال أبو بكر الخطيب

(1/305)


306 حدث عنه يزيد بن عبد الله بن الهادي والحسين بن سيار الحراني وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة روى له الجماعة انتهى كلام الكمال ملخصاً وفيها الفقي إبراهيم بن يحيى الأسلمي مولاهم المدني روى عن الزهري وابن المنكدر وطبقتهما يروى الشافعي فيقول اخبرني من لا اتهم وقل كان قدرياً وقال أحمد بن حنبل كان معزليا قدرياً جهمياً كل بلاء فيه لا يكتب حديثه وقال البخاري جهمي تركه الناس وقال ابن عدي لم أر له حديثاً منكراً إلا عن شيوخ يحتملون وله كتاب الموطأ أضعاف موطأ مالك قاله في العبر فيها الزاهد العمري بالمدينة واسمه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر الخطاب روى عن أبيه وكان إماماً فاضلاً رأساً في الزهد والورع ووثقه النسائي وفيها فقيه أهل المدينة أبو تمام عبد العزيز أبي حازم سلمة بن دينار أخذ عن أبيه وزيد بن أسلم وطائفة قال أحمد بن حنبل لم يكن بالمدينة بعد مالك افقه منه وقال ابن سعد ولد سبع وماية ومات ساجداً رحمه اله انتهى وقد احتج به أصحاب الصحاح وفيها على بن غراب الكوفي القاضي روى عن هشام بن عروة وطبقته وخرج له العقيلي والنسائي قال في المغني وثقه الدارقطني وقبله ابن معين وقال أبو داو دتركوا حديثه وقال السعدي ساقط وقال ابن حبان حدث بالموضوعات وكان غالياً في التشيع انتهى وفيها مروان بن شجاع الجزري ببغداد روى عن خصيف وعبد الكريم ابن مالك قال في المغني وثق وقال أحمد لا بأس به وقال ابن حبان يروى المقلوبات عن الثقات انتهى

(1/306)


307 وفيها أوفى التي مضت نوح بن قيس الحداني الطاحي البصري روى عن محمد بن واسع وطبقته سنة خمس وثمانين ومائة وفيها وقيل في التي تليها توفي الإمام الغازي القدوة أبو إسحق الفزاري إبراهيم ابن إبراهيم ابن محمد بن الحرث الكوفي نزيل ثغر المصيصة روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته ومن جلالته روى عنه الأوزاعي حديثاً فقيل من حدثك بهذا قال حدثني الصادق المصدوق أبو أسحق الفزراي وقال الفضيل بن عياض ربما أشتقت إلى المصيصة ما بي فضل الرباط بلا لارى ابا إسحق الفزاري وقال غيره كان إماماً قانتاً مجاهداً مرابطاً آخر بالمعروف إذا رأى بالثغر مبتدعاً أخرجه قال ابن ناصر الدين إبراهيم بن محمد بن الحرث بن أسماء الكوفي الفزاري أبو إسحق الحجة الأمام شيخ الإسلام ثقة متقن وقال أبو داود الطيالسي ما أبو إسحق الفزاري وما على وجه الأرض أفضل منه انتهى وفيها الأمير عبد الصمد شيخ آل عباس وبقية عمومة المنصور روى عن أبيه عن جده ابن عباس ولى أمرة البصرة ودمشق وكان فيه عجائب منها أنه ولد سنة أربع وماية وولد أخوه محمد أبو السفاح المنصور سنة ستين وماية فبينهما ست وخمسون سنة ومنها أن يزيد حج بالناس سنة خمس ومائة وحج عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة وهما في النسب إلى بعد مناف سواء ومنها أنه أدرك السفاح والمنصور وخما ابن أخيه ثم أدرك الرشيد ومات في أيامه وقال يوماً للرشيد هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعمه وعم عمه وعم عم عمه وذلك أن سليمان بن جعفر عم الرشيد والعباس عم سليمان وعبد الصمد عم العباس ومنها أنه ولد وقد نبتت أسنانه ومات بها ولم تتغير وكانت أسنانه قطعة واحدة من

(1/307)


308 اسفل ومنها أنه طارت ريشتان فلصقت بعينيه فذهب بصره وفيها يزيد بن مرثد الغنوي ابن أخي معن بن زائدة وإلى أرمينية واذربيجان وأحد الفتيان الشجعان وقد سبق أن الرشيد لما أهمه شأن الوليد بن طريف الشيباني الخارجي جهزه فتله وروى أنه سلحه يومئذ سيف النبي الفقار وقال خذه فإنك ستنصر به وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاري ( اذكرت سيف رسول الله سنته * وسيف أول من صلى ومن صاما ) يعني علياً رضي الله عنه إذا كان هو الضراب به وكان سبب وصول ذي الفقار يعني علياً رضي الله عنه إذ كان هو الضراب به وكان سبب وصول ذي الفقار إلى العباسيين أن محمد بن عبد الله النفس الزكية دفعة إلى تاجر كان له عليه أربع مائة دينار واشتراه من جعفر بن سليمان قال الأصمعي رأيته وفيه مصان عشرة فقارة وهي الثقوب والدحل انتهى وقد قيل أنه كان ينفرق أحياناً مع على رضي الله عنه حتى يقال أن قتل به عمرا وحييا في ضربه ويشير إلى ذلك قول شرف الدين عمر بن الفارض رحمه الله تعالى ( ذو الفقار اللحظ منها ابداً * والحشا مني عمرو وحيي ) وفيها ضمام بن إسماعيل المصري بالأسكندرية روى عن أبي قتبيل المعافري قال أبو حاتم كان صدوقاً متعبداً ولم يخرجوا له شياَ في الكتب الستة وهو من مشاهير المحدثين وقال في المغني لينه بعض الحفاظ انتهى وفيها عمر بن عبيد الطنافسي الكوفي روى عن زياد بن علاقة والكبار ووثقه أحمد وابن معين وفيها على الأصح المعافي بن عمران أبو مسعود الأزدي علام أهل الوصل وزاهدهم رحل وطاف وسمع من ابن جريج وطبقته ذكره سفيان الثوري فقال هو ياقوتة العلماء وقال محمد بن عبد الله بن عمار الحافظ لم ألق أفضل منه وقال ابن سعد كان ثقة فاضلا صاحب سنة وكان ابن المبارك وهو أسن

(1/308)


309 منه يقول حدثني ذلك الرجل الصالح وفيها يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المزني ابن عم عبد العزيز ابن الماجشون روى عن الزهري وابن ا لمنكدر وكان كثير العلم وفيها أمير بدمشق للرشيد محمد بن إبراهيم الإمام بن علي بن علي بن عباس العباسي سنة ست وثمانين ومائة فيها حج الرشيد ومعه ابناه فأعطى أهل مكة والمدينة ما مبلغه ألف ألف دينار وخمسون ألف دينار وكتب لوليده واشهد عليهما بما فيه من وفاء كل واحد منهما لصاحبه قاله في الشذور وفيها سار على بن عيسى بن ماهان في الجيوش من مرو فالتقى هو وأبو الخصيب بنسا فظفر بأبي الخصيب واستقامت خراسان لرشيد وفيها توفي حاتم بن إسماعيل المدني روى عن هشام بن عروة وطبقته وكان ثقة كثر الحديث وقيل مات في التي تليها وحسان بن إبراهيم الكرماني قاضي كرمان روى عن عاصم الأحول وجماعة قال في المغني حسان بن إبرهيم الكرماني ثقة قال النسائي ليس بالقوى وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى وقد خرج له الشيخان وأبو داود وفيها خالد بن الحرث أبو عثمان البصري الحافظ روى عن أيوب وخلق قال الإمام أحمد إليه المنتهى في الثبت بالبصرة قال ابن ناصر الدين خالد بن بني العنبر من تميم كان من الحفاظ الثقات المأمونين انتهى وفيها سفيان بن حبيب البصري البزاز روى عن عاصم الأحوال وطائفة قال أبو حاتم ثقة أعلم الناس بحديث سعيد بن أبي عروبة

(1/309)


310 وفيها أوفى التي تليها عباد بن العوام الواسط ببغداد روى عن أبي مالك الأشجعي وطبقته وكان صاحب حديث واتقان وعيسى غنجار أبو أحمد البخاري محدث ما وراء النهر رحل وحمل عن سفيان الثوري وطبقته قال الحاكم هو إمام عصره طلب العلم على كبر السن وطوف يروى عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين وحديثه عن الثقات مستقيم وفيها فقيه المدينة أبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي وله اثنتان وستون سنة روى عن هشام بن عروة وطبقته قال الزبير بن كبار عرض عليه الرشيد قضاء المدينة فامتنع فاعفاه وصله بألفي دينار وكان فقيه المدينة بعد مالك قال في المغني وثقه غير واحد وضعفه أبو داود انتهى وفيها عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري أبو بشر ويقال أبو عبيدة وثقة أحمد وغيره واحتج به الشيخان في الصحيح لكنها لم يخرجا عنه شيئاً ما أنكر عليه الأحاديث إلي وصلها عن الأعمش وكانت مرسلة ليده وبشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي مولاهم البصري أبو إسماعيل حدث عنه اسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل وابن المدني واشباههم إليه المنتهى في التثبيت في البصرة كان ثقة مشهورا ًوكان يصلى كل يوم أربعمائة ركعة ويصوم يوماً ويفطر يوماً سنة سبع وثمانين ومائة فيها على ما قاله في العبر خلعت الروم من المالك الست ريتي وهلكت بعد أشهر وأقاموا عليهم نقفور والروم تزعم أن نقفور من ولد حفنة الغساني الذي تنصر وكان نقفور قبل الملك يلي الديوان فكتب نقفور هذا الكتاب

(1/310)


311 من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة كانت قبل إقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيذق فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق جلساؤه خوفا من بادرة تقع منه ثم كتب بيده على ظهر الكتاب من هارون أمير المؤمنين إلى نفقور كلب الروم قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون أن تسمعه ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل مدينة هرقلة وأوطأ الروم ذلا وبلاء فقتل وسبى وذل تفقور وطلب الموادعة على خراج يحمله فأجابه فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نفقور وطلب الموادعة على خراج يحمله فأجابه فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نفقور فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد حتى عملت الشعراء أبياتاً يلوحون بذلك فقال أوقد فعلها راجعا في مشقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال مراده وفي ذلك يقول أبو العتاهية ( ألا نادت هرقلة بالحراب * من الملك الموفق للصواب ) ( غدا هارون يرعد بالمنايا * ويبرق بالمذكرة الصعاب ) ( ورايات يحل النصر فيها * تمر كأنها قطع السحاب ) وفيها غضب الرشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحي البرمكي الوزير أحد الأجواد الفصحاء البلغاء وكان قد تفقه على القاضي أبي يوسف فلأجل ذلك كانت توقيعاته على منهج الفقه وكتب إلى بعض العمال أما بعد فقد كثر شاكوك وقل شاكروك فأما اعتدلت وأما اعتزلت وقال يهودي للرشيد إنك تموت هذه السنة فاغتم وشكا إلى جعفر فقال جعفر لليهودي كم عمرك أنت قال كذا وكذا مدة طويلة فقال للرشيد اقتله حتى تعلم أنه كذب فقتله وذهب ما عنده وكان جعفر يتحكم في مملكة الرشيد بما أراد من غير مشاورة فينفذها الرشيد وأول من ولى الوزارة منهم خالد بن برمك للسفاح وسبب قتله أمور انضم بعضها إلى بعض منها أنه زوج الرشيد جعفراً العباسة لغرض اجتماع والمحرمية

(1/311)


312 وشرط عليه ألا يجتمع بها فقدر الاجتماع لحصول رغبة من العباسة حكى الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة في ديوان الصبابة أن العباسة كتبت إلى جعفر قبل مواقعته إياها ( عزمت على قلبي بأن يكتم الهوى * فصاح ونادى إنني غير فاعل ) ( فإن لم تصلني بحت بالسر عنوة * وإن عنفتني في هواك عواذلي ) ( وإن كان موت لا أموت بغصتي * وأقررت قبل الموت إنك قاتلي ) فواقعها وحملت منه وولدت سرا فأرسلت الولد إلى مكة ثم اتصل خبره بالرشيد ومنها أن الرشيد سلم لجعفر يحي بن عبد الله بن الحسن المثنى وكان قد خرج عليه وأمره بحبسه عنده فرق له جعفر لقرابته من رسول الله به فأطلقه فلم بلغ الرشيد اطلاقه أضمرها له وقال قتلني الله على البدعة إن لم أقتله ومنها أنه رفعت إليه رقعة لم يعرف صاحبها مكتوب فيها ( قل لأمين الله في أرضه * ومن إليه الحل والعقد ) ( هذا ابن يحي قد غدا مالكاً * مثلك ما بينكما حد ) ( أمرك مردود إلى أمره * وأمره ليس له رد ) ( ونحن نخشى أنه وارث * ملكك أن غيبك اللحد ) ( ولن يباهي العبد أربابه * إلا إذا ما بطر العبد ) ومع ذلك فقد كان الرشيد رأى لإقبال الناس على البرامكة وكثرة اتباعهم وأشاعهم مع الادلال العظيم منهم ومع الإغراء من أعدائهم كالفضل بن الربيع وغيره ومع ذلك فكان الرشيد إذا ذكرت مساوئهم عنده يقول ( ألوا ملاماً لا أبا لأبيكم * عن القوم أوسدوا المكان الذي سدوا ) ولما أذن الله سبحانه ببلائهم ظهرت منامات وعلامات ولغيرهم وإشارات تطول منها أن يحي بن خالد حج فتعلق يأستار الكعبة وقال اللهم إن كان رضاك في أن تسلبني نعمتك فاسلبني وإن كان رضاك في أن تسلبني

(1/312)


313 أهلي وولدي فاسلبني إلا الفضل ثم رجع وقال اللهم إنه قبيح بمثلي أن يستثني عليك اللهم والفضل ومنها ما حكى سهل بن هارون قال كنت أكتب بين يدي يحي بن خالد البرمكي فأخذته سنة فقال طرقني النوم فقلت ضيف كريم إن قربته روحك وإن منعته عذبك قال فنام فوافق ناقة وانتبه مذعورا فقال ذهب والله ملكنا رأيت منشدا أنشدني ( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر ) فأجبته ( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر ) فقال جعفر بن يحي بن خالد بعد أيام ومنها أن جعفر وقف على كنيسة بالحيرة فيها حجر مكتوب لا تفهم كتابته فقال هاتوا من يترجمه وقد جعلت ما فيه فألا لما أخافه من الرشيد فإذا فيه ( إن من بني المنذر عام انقضوا * بحيث شاد البيعة الراهب ) ( أضحوا ولا يرجوهم راغب * يوما ولا يرهبهم راهب ) ( تنفح بالمسك ذفاريهم * والعنبر الورد له قاطب ) ( فأصبحوا أكلا لدود الثرى * وانقطع المطلوب والطالب ) فحزن جعفر ومنها أن الرشيد لما نزل بالأنبار وفي صحبته جعفر وكانت ليلة السبت لانسلاخ المحرم وقيل أول ليلة من صفر من هذه السنة مضى جعفر إلى منزله فأتاه أبو ركاب الأعمى الطنبوري فاستحضروه فاستحضره وجواريه خلف الستارة يضربن وأبو ركاب يغنيه ( فلا تبعد فكل فتى سيأتي * عليه الموت يطرق أو يغادي ) ( وكل ذخيرة لا بد يوما * وإن بقيت تصير إلى نفاد ) ( ولو فوديت من حدث الليالي * فديتك بالطريف وبالتلاد ) فتطير جعفر ودخل عليه الرسول يريد قتله في تلك الحال وعلى تلك

(1/313)


314 الهيئة وذكر الطبري في تاريخه الكبير في حوادث سنة سبع وثمانين وماية أن الرشيد دعى ياسر غلامه وقال امض فأتني برأس جعفر فأتى ياسر منزل جعفر ودخل عليه هجما بلا إذن وأبو ركاب يغنيه فقال له جعفر يا ياسر سررتني بإقبالك وسؤتني بدخولك بلا إذن فقال ياسر الأمر أكبر من ذلك أمير المؤمنين أمرني بكذا فقال دعني لأدخل فأوصي قال لا سبيل إلى ذلك قال فأسير معك لمنزل أمير المؤمنين بحيث يسمع كلامي قال لك ذلك ومضينا إلى منزل أمير المؤمنين بحيث يسمع كلامي قال لك ذلك ومضيا إلى منزل أمير المؤمنين ودخل ياسر عليه غرفته فأخذ رأس جعفر ودخل به إلى الرشيد فوضعه بين يديه فنظر إليه وبكى ثم قال يا ياسر جئني بفلان وفلان فلما أتاه بهما قال لهما اضربا عنق ياسر فإني لا أقدر أن أرى قاتل جعفر ففعلا انتهى وقيل غير ذلك في كيفية قتله ثم أمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط يحي بن خالد وولده الفضل وبقية أولاده ومن كان منه بسبيل فحبسوا واستمر يحي والفضل في لاسجن إلى أن ماتا ولهما قصائد طنانة تستعطف الرشيد عليهم لم ينتج منها شيء ثم فرق الرشيد الكتب من ليلته في جميع البلدان والأعمال في قبض أموالهم وأخذ وكلائهم ولما أصبح بعث بحثه جعفر بن يحي مع جماعة منهم مسرور الخادم وأمرهم بقطعها وصلبها فقطعت قطعتين فصلت قطعة على الجسر الأعلى وقطعة على الجسر الأسفل ونصب رأس جعفر على الجسر الأوسط وأمر الرشيد بالنداء في جميع البرامكة أن لا أمان لمن آوى أحدا منهم ومنع الناس من التقرب إلى جعفر فرأى أبا قابوس الرقاشي قائما تحت جذعه يزمزم بشعر يرثيه فقال له ما كنت قائلا تحت جذعه يزمزم بشعر يرثيه فقال له ما كنت قائلا تحت جذع جعفر قال أو ينجيني منك الصديق قال نعم قال ترحمت عليه وقلت ( أمين الله وهب فضل بن يحي * لنفسك أيها الملك الهمام ) ( وما طلبي إليك العفو عنه * وقد قعد الوشاة به وقاموا )

(1/314)


315 ( أرى سبب الرضا فيه قويا * على الله الزيادة والتمام ) ( نذرت على فيه صيام عام * فإن وجب الرضا وجب الصيام ) ( وهذا جعفر بالجسر تمحو * محاسن وجهه ريح قتام ) ( أقول له وقمت لديه نصباً * إلى أن كاد يفضحني القيام ) ( أما والله لولا قول واش * وعين للخليفة لا تنام ) ( لطفنا حول جذعك واستلما * كما للناس بالركن استلام ) ( فما أبصرت مثلك يا ابن يحي * حسام فله السيف الحسام ) ( على اللذات في الدنيا جميعا * لدولة آل برمك السلام ) فلما سمع هارون الرشيد ذلك اطرق مليا واستعبر ثم قال رجل أولى جميلا فقال جميلا يا غلام ناد بأمان أبي قاموس ولا يعارض ولا يحجب عنا بعد في مهم من مهماته ثم استصفى الرشيد أموال البرامكة وأخذ ضياعهم وأموالهم ومتاعبهم فوجد لهم مما حباهم به اثني عشر ألف ألف ووجد من سائر أموالهم ثلاثين ألف ألف وستمائة ألف وستة وسبعين ألفا وأما غير الأموال من الضياع والغلات والأواني فشيء لا يصف أله ولا يعرف أيسره فضلا عن جميعه إلا من أحصى الأعمال وعرف منتهى الآجال وما ذكرنا قطرة من بحر من أخبارهم والله أعلم أنه كان قد كفاني مؤونة الدنيا فاكفه مؤونة الآخرة وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن الطفاوي من شيوخ أحمد وثقوه وقال أبو زرعة منكر الحديث انتهى ورباح بن زيد الصنعاني صاحب معمر قال أحمد كان خياراً ما أرى في زمانه كان خيراً منه انقطع في بيته وعبد الرحيم بن سليمان الرازي نزيل الكوفة كان ثقة صاحب حديث له

(1/315)


316 تصانيف روى عن عاصم الأحوال وخلق وعبد السلام بن حرب الملائي الكوفي الحافظ وله ست وتسعون سنة روى عن أيوب الختياني وطبقته قال في المغني صدوق قال ابن سعد فيه ضعف انتهى وخرج له العقيلي وقال ابن ناصر الدين عبد السلام بن حرب البصري ثم الكوفي أبو بكر الملائي كان مسنداً ثقة معمراً في حديثه لين انتهى وعبد العزيز بن عبد الصمد البصري الحافظ روى عن أبي عمران الجوني والكبار وكان يكنى أبا عبد الصمد قال ابن ناصر الدين كان حافظاً من الثقات والمشايخ الإثبات انتهى وفيها أبو محمد عبد العزيز بن محمد الدراوردي المدني روى عن صفوان ابن سليم وخلق وكان فقيهاً صاحب حديث قال يحيى بن معين هو اثبت من فليح وفيها على بن نصر بن علي الجهضمي والد نصر بن علي روى عن هشام الدستوائي وأقرانه وأبو الخطاب محمد بن سواء السدوسي البصري لمكفوف الحافظ سمع من حسين المعلم وأكثر عن أبي عروبة وفيها الإمام أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي الحافظ أحد شيوخ البصرة وله إحدى وثمانون سنة روى عن أبيه ومنصور وخلق لا يحصون قال قرة بن خالد معتمر عندنا بدون أبيه وقال غيره كان عابداً صالحاً حجة ثقة وفيها معاذ بن مسلم الكوفي النحوي شيخ الكسائي عن هو مائة سنة وهو الذي سارت فيه هذه الكلمة ( إن معاذ بن مسلم رجل * ليس لميقات علمه أمد ) الأبيات قال في المغني معاذ بن مسلم عن شرحبيل بن السمط مجهول انتهى وفي محرم هذه السنة توفي شيخ الحجاز الإمام أبو على الفضيل بن عياض

(1/316)


317 التيمي المروزي الزاهد المشهور أحد العلماء الأعلام قال فيه ابن المبارك ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض وكان قدم الكوفة شاباً فحمل عن منصور وطبقته قال شريك القاضي فضيل حجة لأهل زمانه وقال ابن ناصر الدين الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر أبو علي التيمي اليربوعي المروزي إمام الحرم شيخ الإسلام قدوة الأعلام حدث عنه الشافعي ويحيى القطان وغيرهما وكان إماماً ربانياً كبير الشأن ثقة نبيلاً عابداً زاهداً جليلاً انتهى قال الذهبي في القسطاس في الذنب عن الثقات فضيل بن عياض ثقة بلا نزاع سيد قال أحمد بن أبي خيثمة سمعت قطبة بن العلاء يقول تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث ازرى على عثمان بن عفان رضى الله عنه وحدثنا عبد الصمد بن زيد الصانع قال ذكر عند الفضيل وأنا أسمع أصحاب رسول الله فقال اتبعوا فقد كفيتم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم قلت لا يقبل قول قطبة ومن هو قطبة حتى يسمع قوله واجتهاده فالفضيل روى ما سمع ولم يقصد غضا ولا أزراء على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فعل ما يسوغ أفبمثل هذا يقول تركت حديثه فهو كما قيل رمتني بدائها وانسلت وقطبة فقد قال البخاري فيه نظر وضعفه النسائي وغيره وأما فضيل فاتقانه وثقته لا حاجة بنا لذكر أقوال من اثنى عليه فأنه راس في العلم والعمل رحمه الله تعالى انتهى كلام القسطاس وقال ابن الأهدل أبو عليى الفضيل بن عياض قال ابن المبارك ما على ظهر الأرض أفضل منه وقال شريك هو حجة لأهل زمانه وقال له الرشيد ما أزهدك قال أنت أزهد مني لأني زهدت في الدنيا الفانية وأنت زهدت في الآخرة الباقية وقال له يا حسن الوجه أنت الذي أمر هذه الأمة والعباد بيدك وفي عنقك لقد تقلدت أمراً عظيماً فبكى الرشيد وأعطى كل واحد من الحاضرين نم العلماء والبعاد بدرة وهي عشرة آلاف درهم فك لقبلها إلا الفضيل فقال له سفيان

(1/317)


318 أين عيينة أخطأت إلا صرفتها في أبواب البر فقال يا أبا محمد أنت فقي البلد وتغلط هذا الغلط لو طابت لأولئك طابت لى وقال إذا أحب الله عبد أكثر غمه وإذا أبغض وسع عليه دنياه وقال لو عرضت على الدنيا بحذافيرها لا أحاسب عليها لكنت أتقذرها كالجيفة وقال لو كانت لي دعوة مستجابة لما أجعلها إلا للإمام لأنه إذا صلح أمن العباد والبلاد وكان ولده منابر الصالحين ولد الفضيل رضي الله عن بسمرقند وقدم الكوفة شاباً وسمع نم منصور وطبقته ثم جاور بمكة إلى أن مت وقبره بالأبطح مشهور مزور انتهى كلام ابن الأهدل وفيها على ما قاله ابن الأهدل ايضاً توفي يعقوب بن داود السلمي كان كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن المثنى لما خرج على المنصور وكان عنده صنوف من العلم فظفر به المنصور فحبسه في المطبق وأطلقه المهدي وكان من خواصه إلى أن ظهر له منه تعلق ببعض العلويين فرده إلى المطبق وبقى فيه إلى جانب من دولة الرشيد فرأى قائلاً يقول ( حنا على يوسف رب فأخرجه * كم قعر دب وبيت حوله غمم ) قال فمكثت بعده حولاً آخر ثم رأيت قائلاً يقول ( عسى فرج يأتي به الله أنه * له كل يوم في خليقته أمر ) قال فمكثت بعده حولاً آخر ثم رأيت قائلاً يقول ( عسى الهم الذي أمسيت فيه * يكون وراء فرج قريب ) ( فيأمن خائف ويفك عان * ويأتي أهله النائي الغريب ) فأخرجت صبيحة ذلك اليوم فلما رأيت الضوء ذهب بصرى فجيء بي إلى الرشيد فأحسن إلى ورد على مالى ثم أن الرشيد خيره بين المقام عنده وبين الذهاب فاختار الذهاب إلى مكة فجاوربها حتى مات رحمه الله تعالى وفيها إبراهيم بن ماهان الموصلى التيمي مولاهم المعروف بالنديم صاحب

(1/318)


319 الغناء ومخترع الإلحان فيه وأول خليفة سمعه المهدي حكى أن الرشيد هوى جارية فغاضبته مرة وأنف منها فهجرها فقال في ذلك العباس بن الأحنف بسؤال جعفر البرمكي ( راجع أحبتك الذين هجرتهم * إن المتيم قلما يتجنب ) ( إن التجنب إن تطاول منكما * دب السلو له فعز المطلب ) وأمر جعفر إبراهيم الموصلي أن يغني الرشيد ففعل فبادر وترضاها فسالت الجارية عن السبب فأخبرت فحملت لكم منهما مالا جزيلاً وكانت وفاة إبراهيم بالقالولنج وله مصنفات كثيرة في الفقه وغريب الحديث والنوادر والشعر وغير ذلك والله تعالى أعلم سنة ثمان وثمانين ومائة فيها غزا المسلمون الروم وعليهم إبراهيم بن جبريل من درب الصفاف والتقوا فجرح الملك نقفور ثلاث جراحات وانهزم وقتل من جيشه أربعون الفاً وأخذ منهم أربعة آلاف دابة وحج الرشيد بالناس في هذه السنة وفيها عرس المأمون بام عيسى بنت عمه موسى الهادي وفيها توفي محدث الري الحافظ أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضبي وله ثمان وسبعون سنة روى عن منصور وطبقته من الكوفيين ورحل إليه الناس لثقته وسعة علمه ورشدين بن سعد المهري محدث مصر لكنه ضعيف وفيه دين صلاح روى عن زياد بن فائد وحميد بن هاني وخلق كثير قال السيوطي في حسن المحاضرة هو أبو الحجاج المصري من عقيل ويونس بن يزيد وعنه قتيبة وأبو كريب وهاه ابن معين وغيره وقال ابن كان رجلاً صالحاً لا يشك

(1/319)


320 في صلاحه وفضله فادر كته فغلة الصالحين فخلط في الحديث انتهى وعبدة بن سليمان الكلابي الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته قال أحمد ثقة وزيادة مع صلاح وشدة فقر وكنيته أبو محمد وفيها وقيل سنة تسعين عتاب بشر الحراني صاحب خصيف وكان صاحب حديث قال في المغني عتاب بن بشير الجزري عن خصيف قال بعضهم أحاديثه عن خصيف منكرة وقال ابن معين ثقة انتهى وقد خرج له البخاري وأبو داود و النسائي وفيها عقبة بن خالد السكوني روى عن هشام بن عروة وطبقته وفيها او سنة تسعين محمد بن زيد الواسطي روى عن إسماعيل ابن خالد وجماعة وعمر بن أيوب المصولي المحدث الزاهد رحل وسمع من جعفر بن برقان قال ابن معين ثقة مأمون وقال ابن عمار مارأيته يذكر الدنيا وفيها مقرىء الكوفة سليم عيسى الحنفي مولاهم صاحب حمزة تصدر لإقراء الناس مدة وعليه دارت قراءة حمزة وروى عن الثوري قال العقيلي مجهول وفيها على الصحيح الإمام أبو عمرو عيسى بن ويونس بن أبي اسحق السبيعي رأى جده وسمع الإمام أبو عمرو عيسى بن أبي إسحق السبيعي رأى جده وسمع من أسماعيل بن أبي خلد وخلق من طبقته ورورى عنه من الكبار حماد بن سلمة وهو أكبر منه ذكر لابن المديني فقال بخ بخ ثقة مأمون وقال أحمد بن داود الحداني سمعت عيسى بن يونس يقول لم يكن في أسناني ابصر بالنحو مني فدخلتني منه نخوة فتركته وقال أحمد بن حنبل الذي كنا نخبر أن عيسى كان يغزو سنة ويحج سنة فقدم بغاد في شيء من أمر الحصون فأمر له بمال فلم يقبل وفيها يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الكوفي روى عن العلاء بن المسيب

(1/320)


321 وجماعة وكان من عباد المحدثين قال أحمد العجلي قالوا له دواء عينيك ترك البكاء قال جبرهما إذا سنة تسع وثمانين ومائة فيها الفداء الذي لم يسمع بمثله حتى لم يبق بأيدي الروم مسلم الإودي به وفيها توهم الرشيد في علي بن عيسى بن ماهان أمير خراسان الخروج فسار حتى نزل بالري فبادر إليه على بأموال وجواهر وتحف تتجاوز الوصف فأعجب الرشيد ورجه على عمله وفيها توفي في صحبة الرشيد شيخ القراءات والنحو الإمام أبو الحسن علي بن جمزة الأسدي الكوفي الكسائي أحد السبعة قرأ على حمزة وأدب الرشيد وولده الأمين وهو من تلامذة الخليل قال الشافعي من أراد أن يتبحر في النحو فهو من عيال الكسائي وعنه قال من تبحر في النحو اهتدى إلى جميع العلوم وقال لا أسأل عن مسئلة في الفقه إلا أجبت عنها من قواعد النحو فقال له محمد بن الحسن ما تقول فيمن سها في سجود السهو يسجد قال لا لأن المصغر لا يغر وله مع اليزيزدي وسيبويه مناظرات كثيرة توفي بالري صحبة هارون وفي ذلك اليوم مات محمد بن الحسن الحنفي فقال الرشيد دفنت العربية والفق باري اليوم ومع تبحر الكسائي في النحو والعربية لم يكن له معرفة بالشعر وقيل له الكسائي لأنه احرم في كساء وقيل لأنه جاء غلى حمزة ضائفاً بكساء فقال حمزة من يقرأ فقيل صاحب الكساء فبقى عليه اللقب وأما محمد بن الحسن المذكور فكان فصيحاً بليغاً قال الشافعي لو قلت أن القرآن نزل بلغة محمد بن الحسن لفصاحت لقلت وصنف الجامع الكبير والجامع الصغير وكان منشؤه بالكوفة وتفقه بأبي حنيفة ثم بأبي يوسف قال الشافعي ما رأيت سميناً ذكياً إلا محمد بن الحسن قال في العبر قاضي القضاة

(1/321)


322 وفقيه العصر أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني مولاهم الكفوي المنشأ ولد بواسط وعاش سبعاً وخمسين سنة وسمع أبا حنيفة ومالك بن مغول وطائفة وكان من أذكياء العالم قال أبو عبيد ما رأيت أعلم بكتاب الله منه وقال الشافعي لو أشاء أن أو قل نزل القرآن بلغه محمد بن الحسن لقلت لفصاحته وقد حملت عنه وقربختي وقال محمد خلف أبي ثلاثين ألف درهم فانفقت نصفها على النحو والشعر وانفقت الباقي على الفقه قال الخطيب وولى القضاء بعد محمد ابن الحسن علي بن حرملة التيمي صاحب أبي حنيفة انتهى كلام العبر وقال ابن الفرات محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الإمام الرباني صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه أصله مشقي من أهل قرية حرستا قدم أبوه والعراق فولد محمد برأسك سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقيل سنة إحدى وقيل سنة خمس وثلاثين ونشأ بالكوفة وطلب الحديث وسمع سماعاً كثراً وجالس أب حنيفة وسمع منه ونظر في الرأى وغلب لعيه وعرف به وكان من أجمل الناس وأحسنهم قال أبو حنيفة لوالده حين حمله إليه احلق شعر ولدك وألبسه الخلقان من الثياب لا يفتن به من رآه قال محمد فخلق ولدي شعري وألبسني الخلقان فزدت عند الخلق جمالاً وقال الشفعي رحمه الله أول ما رأيت محمدا صوقد اجتمع الناس عليه فنظرت إليه فكان من أحسن الناس وجهاً ثم نظرت إلى جنبيه فكأنه عاج ثم نظرت إلى لباسه فكان من أحسن الناس لباساً ثم سألته عن مسئلة فيه الخلاف فقوى مذهبه ومر فيها كالسهم وكان الشافعي رضي الله عنه يثني على محمد بن الحسن ويفضله وقد توتر عنه بألفاظ مختلفة قال ما رأيت أحداً سئل عن مسالة فيها نظر إلا رأيت الكراهية فيوجهه إلا محمد بن الحسن وقال ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن ولا افصح منه وقال ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام والعلل والناسخ والمنسوخ من محمد بن الحسن وقال لو أنصف

(1/322)


323 الناس لعلموا أنهم لم يروا مثل محمد بن الحسن ما جالست فيها قط أفقه ولا أفتق لسانه بالفقه منه أنه كان يحسن من الفقه وأسبابه أشياء تعجز عنها الأكابر وقيل للشافعي قد رأيت مالكاً و سمعت منه ورافقت محمد بن الحسن فأيهما كان أفقه فقال محمد بن الحسن أفقه نفساً من وقال أبو بعيد قدمت على محمد ابن الحسن فرأيت الشافعي عنده فسأله عن شيء فأجابه فاستحسن الجواب فكتبه فرآه محمد فوهب له دراهم وقال له الزم إن كنت تشتهي العلم فسمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول لقد كتبت عن محمد وقر بعير ذكر لأنه يحمل الكثير ولولاه ما أنفتق لي من العلم ما انفتق وكان محمد قاضياً للرشيد بالرقة وكان كثير البر بالإمام الشفعي رضي الله عنه في قضاء ديونه والإنفاق عيه من ماله وإعارة ا لكتب حتى يقال انه دفع لح حمل بعير كتباً وقد ذكر بعض الشفعية أن محمد بن الحسن وشيء بالإمام الشفعي رضي الله عنه إلى الخليفة بأنه يدعى أنه يصلح للخلافة وكذا أبو يوسف رحمهما الله وهذا بهتان وافتراء عليهما والعجب منهم كيف نسبوا هذا غليهما مع علمهم بأن هذا لا يليق بالعلماء ولا يقبله عقل عاقل انتهى ما ذكره ابن الفرات ملخصاً قلت ويصدق مقال ابن الفرات ما ذكره حافظ المغرب الثقة الحجة الثبت إن عبد البر المالكي في ترجمة الشافعي رضي الله عنه قال حمل الشافعي من الحجاز مع قوم من العلوية تسعة وهو العاشر إلى بغداد وكان الرشيد بالرقة فحملوا من بغداد إلى الرقة وأدخلوا عليه ومعه قاضيه محمد بن الحسن لشيباني وكان صديقاً للشافعي وأحد الذين جالسوه في العلم وأخذوا عنه فلما بلغه أن الشفعي في القوم الذين اخذوا من قريش واتهموا بالطعن على هارون الرشيد اغتم فضربت أعناقهم إلى أن بقي حدث علوي من أهل ا لمدينة قال الشفعي وأنا فقال للعلوي أنت الخارج علينا والزاعم أني لا أصلح للخلافة فقال أعوذ بالله أن أدعي ذلك وأقوله فأمر بضرب عنقه فقال له العلوي أن كان لابد من قتلى

(1/323)


فانظرني إلى أن
324 أكتب إلى أمي عجوز لم تعلم خبري فأمر بقتله فقتل ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه فقال لي مثل ما قال لفتى يا أمير المؤمنين ليت بطالبي ولا علوي وإنما ادخلت في القوم بغياً وغنما أنا رجل من بني عبد المطلب ابن عبد مناف بن قصي ولى مع ذلك حظ من العلم والفقه والقاضي يعرف ذلك أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن يزيد بن هاشم ابن عبد المطلب بن عبد مناف فقال لي أنت محمد بن إدريس فقلت نعم يا أمير المؤمنين فقال لي ما ذكرك لي محمد بن الحسن ثم عطف على محمد بن الحسن فقال يا محمد ما يقول هذا هو كما يقوله قال بلى وله محل من العلم كبير وليس الذي رفع عنه من شأنه قال فخذه إليك حتى أنظر في أمره فأخذني محمد رحمه الله وكان سبب خلاصي لما أراد الله عز وجل منه هذا لفظ ابن عبد البر بعينه فيجب على كل شافعي إلى يوم القيامة أن يعرف هذا محمد بن الحسن ويدعو له بالمغفرة وقال إن خلكان قال الربيع بن سليمان كتب الشافعي رحمه الله إلى محمد بن الحسن رحمه الله وقد طلب منه كتباله ليستنسخها فأخرت عنه ( قل لمن لم ترعينا * من رآه مثله ) ( ومن كأن من رآ * ه قد رأى من قبله ) ( العلم ينهى أهله * أن يمنعوه أهله ) ( لعله يبذله * لأهله لعله ) ويسمى محمد ابن أبي حنيفة وهو ابن خالة الفراء صاحب النحو واللغة انتهى ملخصاً وفيها توفي أبو محمد عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي البصري القرشي أحد علماء الحديث سمع من حميد الطويل وطبقته قال ابن ناصر الدين صدوق من الإثبات لكنه رمى بالقدر وتكلم فيه بندار ولينه ابن سعد فيا لطبقات انتهى وقال في المغني صدوق قال ابن سعد لم يكن با القوى قلت ورمى بالقدر انتهى

(1/324)


325 وفيها أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان الكوفي أحد الكبار عن أبي مالك الأشجعي وخلق من طبقته قال ابن ناصر الدين هو سليمان بن حيان أبو خالد الأزدي الجعفري الكوفي قال ابن معين وابن عدي عنه صدوق ليس بحجة ووثقه غيرهما انتهى وفيها قاضي الموصل علي بن مسهز أبو الحسن الكوفي الفقيه روى عن أبي مالك الأشجعي وأقرانه قال أحمد هو أثبت من أبي معاوية في الحديث وقال أحمد العجلي ثقة جامع للفقه والحديث وحكام بن سلم الرازي يروي عن حميد الطويل وطبقته وفيها وقيل قبلها بعام يحي بن اليمان العجلي الكوفي في الحافظ روى عن هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد وطائفة ذكره أبو بكر بن عياش فقال ذاك راهب وعن وكيع قال ما كان أحد من أصحابنا احفظ منه كان يحفظ في المجلس وخمسمائة حديث ثم نسى وقال ابن المديني صدوق تغير من الفالج وقال ابن ناصر الدين يحي بن اليمان العجلي الكوفي أبو زكريا قرأ القرآن على حمزة الزيات وحدث عن جماعة كان صدوقا من حفاظ هذا الشأن فلج فتغير حفظه فغلط فيما يرويه ومن ثم تكلم من تكلم فيه انتهى وفيها أوفى حدودها محمد بن مروان السدي الصغير الكوفي المفسر صاحب الكلبي وهو متروك الحديث سنة تسعين ومائة فيها استعد الرشيد وأمعن في بلاد الروم فدخلها في مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا سوى المجاهدين تطوعا وبث جيوشه في نواحيها وفتح هرقلة ولما افتتحها خربها وسبى أهلها وكان مقامه عليها شهرا وسارت فرقة فافتتحت حصن الصقالبة وفرقة افتتحت حصن الصفصاف وملقونية وركب حميد بن معيوف في البحر فغزا قبرص وسبى

(1/325)


326 وأحرق وبلغ السبي من قبرس ستة عشر ألفا وكان فيه أسقف قبرس فنودي عليه فبلغ ألفي دينار وبعث نقفور الجزية عن رأسه وامرأته وخواصه فكان ذلك خمسين ألف دينار وبعث إلى الرشيد يخضع له ويلتمس منه أن لا يخرب حصونا سماها فاشترط عليه الرشيد ألا يعمر هرقلة وأن يحمل في العام ثلثمائة ألف دينار وكتب إليه نقفور أما بعد فلي إليك حاجة أن تهب لي لابني جارية من سبي هرقلة كن خطبتها له فاستعفى بها فأحضر الرشيد الجارية فزينت وأرسل معها سرادقا وتحفا فأعطى نقفور الرسول خمسين ألفا وثلمائة ثوب وبراذين ذكره في العبر وفيها كما قال ابن الجوزي في الشذور أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون وكان مجوسيا وفيها توفي الفقيه أسد بن عمرو البجلي الكوفي صاحب أبي حنيفة وقاضي بغداد قال في المغني أسد بن عمرو أبو المنذر عن ربيعة الرأي لينه البخاري وقال يحي كذوب وقال أحمد صدوق وقال ابن عدي لم أر له شيئا منكرا انتهى وفيها قارئ مكة في زمنه إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزومي مولاهم المعروف بالقسط وله تسعون سنة وهو آخر أصحاب ابن كثير وفاة قرأ عليه الشافعي جماعة وفيها أبو عبيدة الحداد البصري نزيل بغداد واسمه عبد الواحد بن واصل روى عن عوف الأعرابي وعدة وكان حافظا متقنا وعبيدة بن حميد الكوفي الحذاء الحافظ وله بضع وثمانون سنة روى عن الأسود بن قيس ومنصور والكبار وكان صاحب قرآن وحديث ونحو أدب الأمين بعد الكسائي وكان من الأثبات وعمر بن علي المقدمي أبو جعفر البصري وكان حافظا مدلسا كان يقول حدثنا أو يقول سمعت ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة وينوي القطع قال

(1/326)


327 ابن ناصر الدين عمر بن علي بن عطاء المقدمي لكنه شديد التدليس انتهى وفيها عطاء بن مسلم الخفاف كوفي صاحب حديث ليس بالقوي نزل حلب وروى عن محمد بن سوقة وطبقته وفيها حميد بن عبد الرحمن الرواسي الكوفي روى عن الأعمش وطبقته قال أبو بكر بن أبي شيبة قل من رأيت مثله قال في المغني عن الضحاك لا يعرف انتهى وفيها يحي بن خالد بن برمك البرمكي توفي في سجن الرشيد وله سبعون سنة قال ابن الأهدل وبرمك من مجوس بلخ ولا يعلم إسلامه وكان خالد قد ولى وزارة السفاح قال المسعودي ولم يبلغه أحد من بنيه لا يحي في شرفه وبعد همته ولا موسى في شجاعته ونجدته وكان المهدي قد جعل الرشيد في حجر يحي فعلمه الأدب وكان يدعوه أبا فلما ولى دفع إليه خاتمه وقلده أمره وفي ذلك يقول الموصلي ( ألم تر أن أشمس كانت سقيمة * فلما ولي هارون أشرق نورها ) ( أمين أمين الله هارون ذو الندى * فهارون واليها وهذا وزيرها ) ومن كلام يحي ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الهدية والكتاب والرسول وكان يقول لبنيه اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون وفي بنيه يقول الشاعر ( أولاد يحي أربع * كأربع الطبائع ) ( فهم إذا اختبرتهم * طبائع الصنائع ) وفيه يقول العتابي ( سألت الندى والجود حران أنتما * فقالا كلانا عبد يحي بن خالد ) ( فقلت شراء ذلك الملك قال لا * ولكن إرثا والدا بعد والد ) وكان يقول إذا أقبلت فانفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت فانفق فإنها لا تبقى

(1/327)


328 وقال يدل على حلم الرجل سوء أدب غلمانه وحكى أنه كتب أبياتا قبل موته يخاطب الرشيد ( سينقطع التلذذ عن أناس * أداموه وتنقطع الهموم ) ( ستعلم في الحساب إذا التقينا * غدا عنه الإله من الظلوم ) ( ألا يا بائعاً دينا بدنيا * غرورا لا يدوم لها نعيما ) ( تخل من الذنوب فأنت منها * على أن لست ذا سقم سقيم ) ( تنام ولم تنم عنك المنايا * تنبه للمنية يا تؤوم ) ( تروم الخلد في دار التفاني * وكم قد رام قبلك ما تروم ) ( إلى ديان يوم الدين نمضي * وعند الله تجتمع الخصوم ) ولم يزل يحي بن خالد وابنه الفضل في الرافقة وهي الرقة القديمة المجاورة للرقة الجديدة وهي البلد المشهورة الآن على شاطئ الفرات ويقال لهما الرقتان تغليبا كالعمرين في حبس الرشيد إلى أن مات يحي في الثالث من المحرم سنة تسعين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه ابنه الفضل بن يحي ودفن في شاطئ الفرات في ربض هرثمة ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه وقد تقدم الخصم والمدعي عليه في الأثر والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة ولما قرأ الرشيد الرقعة بكى يومه كله واستمر أياما يتبين الأسى في وجهه ونام يحي فمات المأمون يقول لم يكن ليحي بن خالد ولولده أحد في الكفاية والبلاغة والجود والشجاعة انتهى سنة إحدى وتسعين ومائة فيها أمر الرشيد بتغيير هيئة أهل الذمة وفيها توفي سلمة بن الأبرش قاضي الري وأروى المغازي عن ابن إسحاق وهو مختلف في الاحتجاج به ولكنه في

(1/328)


329 ابن إسحاق ثقة وفيها الإمام أبو عبد الله عبد الرحمن ب القاسم العتقي مولاهم المصري الفقيه صاحب مالك وله ستون سنة وقد أنفق أموالا كثيرة في طلب العلم ولزم مالكا مدة وسأله عن دقائق الفقه قال السيوطي في حسن المحاضرة عبد الرحمن بن القاسم ابن خالد العتقي المصري أبو عبد الله الفقيه راوية المسائل عن مالك روى عن ابن عيينة وغيره وعنه أصبغ وسحنون وآخرون قال ابن حبان كان حبرا فاضلا فقه على مذهب مالك وفرع على أصوله ولد سنة ثمان وعشرين ومائة ومات في صفر سنة إحدى وتسعين ومائة وكان زاهدا صبورا مجانبا للسلطان انتهى وفيها الفضل بن موسى السناني شيخ مرو ومحدثها وسينان من قرى مرو ارتحل وكتب الكثير وحدث عن هشام بن عروة وطبقته قال ابو نعيم الكوفي هو أثبت من ابن المبارك وقال وكيع أ ' رفه ثقة صاحب سنة وقال ابن ناصر الدين كان ثقة متقنا من كبار أهل مرو صاحب سنة وفيها محمد بنسلمة الحراني الفقيه محدث حران ومفتيها روى عن هشامابن حسان وطبقته قال ابن سعد كان ثقة فاضلاً له رواية وفتوى ومجالد بن الحسن الأزدي المهلبي البصري نزيل المصيصة وهيبت وقال أبو عبيد كان من خير من رأيت ومعمر بن سليمان الرقي روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته وكان من أجلاء المحدثين ذكره الإمام أحمد فذكر من فضله وهيبته وقال أبو عبيد كان من خير من رأيت سنة اثنيتن وتسعين ومائة فيها أول ظهور الخرامية بأروا بجبال أذربيجان فغزاهم حازم بن خزيمة أو عبد الله بن مالك فسبى ذراريهم وبيعوا ببغداد

(1/329)


330 وفيها هدم حائط جامع المنصور وأعيد بناؤه وزيد في توسعته وفيها توفي الإمام الكبير أبو محمد عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي الحافظ العابد روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته وقد روى عن مالك مع قدمه وجلاله قال أحمد بن حنبل كان عبد الله بن إدريس نسيج وحده وقال ابن عرفة ما رأيت بالكوفة أفضل منه وقال أبو حاتم هو إمام من أئمة المسلمين حجة وقال غيره لم يكن بالكوفة أعبد لله منه عاش اثنتين وسبعين سنة وقال ابن ناصر الدين نسيج وحده علما وعملا وعبادة وورعا وكان إذا لحن أحد في كلامه لم يحدثه انتهى وفيها علي بن ظبيان العبسي الكوفي القاضي أبو الحسن ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد ثم ولي قضاء القضاة وروى عن أبي حنيفة وإسماعيل بن أبي خالد وكان محمود الأحكام دينا متواضعا ضعيف الحديث وفيها الفضل بن يحي بن خالد البرمكي أخو جعفر البرمكي مات في السجن وقد ولي أعمالاً جليلة وكان أندى كفاً من جعفر مع كبر وتيه له أخبار في لاسخاء المفرط حتى أنه وصل مرة بعض أشراف العرب بخمسين ألف دينار قاله في العبر وقال ابن الأهدل قال مرة يزيد الدمشقي ولد للفضل ولد فقام الشعراء يوم سابعة يهنئونه فنثر عليهم الدنانير مطيبة بالمسك وأخذوا وأخذت معهم ولما خرجوا وخرجت استدعاني فقال أحب أن تسمعني في المولود شيئاً فاستعفيته فقال لا بد ولو بيتا واحدا فقلت ( ونفرح بالمولود من آل برمك * لبذل الندى والجود والمجد والفضل ) ( ونعرف فيه اليمن عند ولاده * ولا سيما إن كان من ولد الفضل ) فأمر لي بعشرة آلاف درهم فلما نكبوا اتصل بي الولد في أسوأ حال فقلت له كل ما ترى من المال من أجلك فخذه فلا وارث لي وأنا أعيش في فضلك حتى أموت فبكى وأبى فعزمت عليه في البعض فأبى وكان آخر عهدي

(1/330)


331 به وكان الفضل كثير البر بأبيه حتى في السجن وكان في السجن ينشد قول أبي العتاهية ( إلى الله فيما نالنا نرفع الشكوى * ففي يده كشف المضرة والبلوى ) ( خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها * فلسنا من الأموات فيها ولا الأحبا ) ( إذا جاءنا السجان يوما لحاجةٍ * عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا ) ولما بلغ الرشيد خبر موته قال أمري قريب من أمره فكان كذلك انتهى ما قاله ابن الأهدل وقال ابن خلكان كان الفضل بن يحي بن خالد بن برمك البرمكي من أكثرهم كرما مع كرم البرامكة وسبعة جودهم وكان أكرم من أخيه جعفر وكان جعفر أبلغ في الرسائل والكتابة منه وكان هارون الرشيد قد ولاه الوزارة قبل جعفر وأراد أن ينقلها إلى جعفر فقال لأبيهما يحي يا أبت وكان يدعوه يا أبت إني أريد أن أجعل الخاتم الذي لأخي الفضل لجعفر وكان يدعو الفضل يا أخي فإنهما متقاربان في المولد وكانت أم الفضل قد أرضعت الرشيد واسمها زبيدة من مولدات الدينة والخيزران أم الرشيد أرضعت الفضل فكانا أخوين من الرضاع وفي ذلك قال مروان بن أبي حفصة يمدح الفضل ( كفى لك فضلا أن أفضل حرة * غذتك بثدي والخليفة واحد ) ( لقد زنت يحي في امشاهد كلها * كما زان يحي خالداً في المشاهد ) وقال الرشيد ليحي قد احتشمت من الكتاب إليه في ذلك فاكفنيه فكتب والده إليه قد أمر أمير المؤمنين بتحويل الخاتم من يمينك إلى شمالك فكتب إليه الفضل قد سمعت ما قاله أمير المؤمنين في أخي وأطعت ما انتقلت عني نعمة صارت إليه ولا غربت عني رتبة طلعت عليه فقال جعفر لله أخي ما أنفس نفسه وأبين دلائل الفضل عليه وأقوى منة العقل فيه وأوسع في البلاغة ذرعه وكان الرشيد قد جعل محمداً في حجر الفضل بن يحي والمأمون في حجر جعفر فاختص كل واحد منهما بمن في حجره ثم إن الرشيد قلد الفضل عمل

(1/331)


332 خراسان فتوجه إليها وأقام بها مدة فوصل كتاب صاحب البريد بخراسان إلى الرشيد ويحي جالس بين يديه ومضمون الكتاب أن الفضل بن يحي متشاغل بالصيد وإدمان اللذات عن النظر في أمر الرعية فلما قرأ الرشيد رمى به إلى يحي وقال يا أبت اقرأ هذا الكتاب واكتب إليه بما يردعه عن هذه فكتب يحي على ظهر كتاب صاحب البريد حفظك اله يا بني وامتع بك قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمر الرعية ما أنكره فعاود ما هو أزين بك فإنه من عاد إلى ما يزينه وترك ما يشينه لم يعرفه أهل بلده إلا به والسلام وكتب في أسفله هذه الأبيات ( انصب نهارا في طلاب العلى * واصبر على فقد لقاء الحبيب ) ( حتى إذا الليل أتى مقبلا * واستترت فيه عيون الرقيب ) ( فكابد الليل بما تشتهي * فإنما الليل نهار الأريب ) ( كم من فتى تحسبه ناسكا * يستقبل الليل نهار الأريب ) ( غطى عليه الليل أستاره * فبات في لهو وعيش خصيب ) ( ولذة الأحمق مكشوفة * يسعى بها كل عدو رقيب ) والرشيد ينظر إلى ما يكتب فلما فرغ قال قد أبلغت يا أبت ولما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق في المسجد إلى أن انصرف من عمله ومن مناقبه أنه لما ولى خراسان دخل إلى بلخ وهي وطنهم وبها النوبهار وهو بيت النار التي كانت المجوس تعبدها وكان جدهم برمك خادم ذلك البيت فأراد الفضل هدم ذلك البيت فلم يقدر لإحكام بنائه فهدم منه ناحية وبنى فيها مسجدا انتهى ملخصا وفيها مفتي الأندلس وخطيب قرطبة صعصعة بن سلام الدمشق أخذ عن الأوزاعي ومالك والكبار وأخذ عنه عبد الملك ب حبيب وجماعة

(1/332)


333 سنة ثلاث وتسعين ومائة فيها سار الرشيد إلى خراسان ليمهد قواعدها وكان قد بعث في العام الماضي هرثمة بن أعين فقبض له على الأمير علي بن عيسى بن ماهان بحيلة وخديعة واستصفى أمواله وخزائنه فبعث بها فوافت الرشيد وهو بجرجان على ألف وخمسمائة حمل ثم سار إلى طوس في صفر وهو عليل وكان رافع بن الليث قد استولى عل ما وراء النهر وعصى فالتقى جيشه وعليهم أخوه هم وهرثمة فهزمهم وقتل أخو رافع وملك هرثمة بخارا وفي ذي القعدة توفي الإمام العلم بشر بن علية الأسدي مولاهم البصري وايم أبيه إبراهيم بن مقسم وعلية أمه سمع أيوب وطبقته قال يزيد بن هارون دخبت البصرة وما بها أحد يفضل الحديث على ابن علية وقال أحمد إليه المنهى في التثبت بالبصرة وقال ابن معين كان ثقة ورعا تقيا وقال شعب ابن علية سيد المحدثين وقال ابن ناصر الدين كان ثبتا متقنا لم يحفظ عنه خطأ فيما يرويه وشهرته بأمه علية دون أبيه انتهى وبعده بأيام توفي محمد بن جعفر غندر الحافظ أبو عبد الله البصري صاحب شعبة عشرين سنة قال ابن معين كان من أصح الناس كتابا وقال غيره مكث غندر خمسين سنة يصوم يوما ويفطر يوما وقال ابن ناصر الدين روى عنه أحمد وابن المديني وغيرهما كان أصح الناس كتابا في زمانه وكان فيه بعض تغفل مع اتقانه انتهى وفيها مجالد بن يزيد الحراني محدث رحال عن يحي بن سعيد الأنصاري وطبقته وفيهافي ذي الحجة أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاري الكوفي

(1/333)


334 الحافظ نزيل دمشق وابن عم أبي إسحاق روى عن حميد الطويل وطبقته قال أحمد ثبت حافظ وقال ابن المديني ثقة فيما روى عن المعروفين وقال ابن ناصر الدين كان ثقة حجة لكنه يكتب عمن دب ودرج فينظر في شيوخه وفيها الإمام أبو بكر بن عياش الأسدي مولاهم بن عياش الأسدي مولاهم الكوفي في الحناط شيخ الكوفة في القراءة وله بضع وتسعون سنة كان أجل أصحاب عاصم قطع الأقراء قبل موته بتسع عشرة سنة وقال ابن المبارك ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر ابن عياش وقال غيره كان لا يفتر من التلاوة قرأ اثنتي عشرة ألف ختمة وقيل أربعين ألف ختمة وفيها العباس بن الأحنف أحد الشعراء المجيدين ولا سيما في الغزل ومن شعره ( إذا هي لم تأتيك إلا بشافع * فلا خير في ود يطكون بشافع ) ( فأقسم ما تركي عتابك عن قلى * ولكن لعلمي أنه غير نافع ) ( وإني وإن لم ألزم الصبر طائعا * فلا بد منه مكرها غير طائع ) وفي ثلاث جمادى الآخرة توفي هارون الرشيد أبو جعفر بن المهدي محمد ابن المنصور بن عبد الله العباسي بطويس روى عن أبيه عن وجده ومبارك بن فضالة وحج مرات في خلافته وغزا عدة غزوات حتى قيل فيه ( فمن يطلب لقاءك أو يرده * فبالحرمين أو أقصى الثغور ) وكان شهما شجاعا حازما جوادا ممدحا فيه دين وسنة مع انهماكه على اللذات والقيان وكان أبيض طويلا سمينا مليحا وقد وخطه الشيب وورد أنه مان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق كل يوم من بيت ماله بألف درهم وكان يخضع للكبار ويتأدب معهم وعظه الفضيل وابن السماك وغيرهما وله مشاركة في الفقه والعلم والأدب قاله في العبر وقال ابن الفرات كان الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين ويكثر من

(1/334)


335 بحاضرة العلماء والصالحين قال علي بن المديني سمعت أبا معاوية الضرير يقول أكلت مع الرشيد طعاماً يوماً من الأيام فصب على يدي رجل لا أعرفه فقال هارون يا أبا معاوية تدري من يصب على يديك قلت لا قال أنا قلت أنت أمير المؤمنين قال نعم إجلالا للعلم ودخل عليه منصور بن عمار فأدناه وقربه فقال له منصور لتواضعك في شرفك أحب إلينا من شرفك فقال له يا أبا السر ي عظني وأوجز فقال من عف في جماله وواسى من ماله وعدل في سلطانه كتبه الله من الأبرار في الدين قال علي بن صالح كان مع الرشيد بان أبي مريم المدني وكان مضاحكاً محداثاً فكها وكان الرشيد لا يصبر عن محادثته وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز ولطائف المجان فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلاً في قصره وخلطه ببطانته وغلمانه فجاءت ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر فكشف اللحاف عن ظهره ثم قال له كيف أصبحت فقال يا هذا ما أصبحت بعد مر إلى عملك قال ويلك قم إلى الصلاة فقال هذا وقت صلاة أبي الجارود وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي فمضى وتركه نائماً وقام الرشيد إلى الصلاة وأخذ يقرأ في صلاة الصبح ( ^ ومالي لا أعبد الذي فطرني ) وأرتج عليه فقال له ابن أبي مريم لا أدري والله لم لا تعبده فما تمالك الرشيد أن ضحك في صلاته ثم التفت إليه كالمغضب وقال يا هذا ما صنعت قطعت على الصلاة قال و الله ما فعلت إنما سمعت منك كلاماً غمني حين سمعته فضحك الرشيد وقال إياك والقرآن والدين ولك ما شئت بعدهما وكان للرشيد فطنة وذكاء قال الأصمعي تأخرت عن الرشيد ثم جئته فقال كيف كنت يا أصمعي قلت بت والله بليلة النابغة فقال أنا والله وهو ( فبت كأني ساورتني ضئيلة * من الرقش في أنيابها السم ناقع ) فعجبت من ذكائه وفطنته لما قصدته ودخل الأصمعي على الرشيد ومعه بنية له فقال له الرشيد قبلها فسكت الأصمعي فقال قبل ويلك فقال الأصمعي

(1/335)


336 في نفسه أن فعلت قتلني ثم قام فوضع كمه على رأسها ثم قبل فقال والله لو أخطأت هذا لضربت عنقك وكان الرشيد رحمه الله يحب الحديث وأهله وسمع الحديث من مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد الزهري وأكثر حديثه عن آبائه وروى عنه القاضي أبو يوسف والإمام الشافعي رضي الله عنهما ذكر ذلك ابن الجوزي ومما رواه الرشيد عن النبي عقوا أولادكم فإنها نجاة لهم منكل آفة وكان كثير البكاء من خشية الله تعالى سريع الدمعة عند الذكر محباً للمواعظ قال يحى بن أيوب العابد سمعت منصور بن عمار يقول ما رأيت اغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة فضيل بن عياض وأبى عبد الرحمن الزاهد وهارون الرشيد ودخل الإمام الشافعي رضي الله عنه على الرشيد فقال له عظني فقال على شرط رفع الحشمة وترك الهيبة وقبول النصيحة قال نعم قال أعلم أن من أطال عنان الأمل في الغرة طوى عنان الحذر في المهلة ومن لم يعول على طريق النجاة خسر يوم القيامة إذا امتدت يد الندامة فبكى هارون ووصله بمال جزيل ودخل ابن السماك على الرشيد فاستسقى الرشيد ماء فقال له ابن السماك بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها قال بملكي قال لو منعت خروجها بكم كنت تشتريه قال بملكي فقال أن ملكاً قيمته شر به ماء لجدير أن لا ينافس فيه وكان للرشيد شعر حسن منه ( ملك الثلاث الغانيات عناني * وحللن من قلبي بكل مكان ) ( مالي تطاوعني البرية كلها * وأطيعهن وهن فيعصياني ) 0 ما ذاك إلا أن سلطان الهوى * وبه قوين أعز من سلطاني ) وكان نقش خاتم الرشيد العظمة والقدرة لله انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصاً وقال ابن قتيبة في المعارف وأفضت الخلافة إلى هارون الرشيد سنة سعين ومائة وبويع له في اليوم الذي توفي فيه موسى ببغداد وولد له ابنه عبد الله المأمون ليلة أفضت الخلافة إليه في صبيحتها وأمه الخيزران

(1/336)


337 وكانت تنزل الخلد ببغداد في الجانب الغربي كان يحيى بن خالد وزيره وابناه الفضل وجعفر ينزلون في رجبة الخلد ثم ابتني جعفر قصره الدور ولم ينزله حتى قتل وحج هارون بالناس ست حجج آخرها سنة ست وثمانين ومائة وحج معه في هذه السنة ابناه ووليا عهده محمد الأمين وبعد الله المأمون وكتب لك واحد منهما على صاحبه كتاباً وعلقه في الكعبة فلما انصرف نزل الأنبار ثم حج بالناس سنة ثمان وثمانين وقتل جعفر بن يحيى بالعمر موضع بقرب الأنبار سنة تسع وثمانين ومائة آخر يوم من المحرم وبعث بجثته إلى بغداد ولم يزل يحيى ابن خالد وابنه الفضل محبوسين حتى ماتا بالرقة وخرج الوليد بن طريف الشاري في خلافته وخزم غير مرة عسكره فوجه إليه يزيد بن مزيد فظفر به فقتله وخرج بعده حراشة الشارى أيضاً وقتل هارون أنس بن أبي شيخ وهو ابن أبي اخلد الحذاء الحدث وكان أنس صديقاً الجعفر بن يحى وصلبه بالرقة وكان يرمي بالزندقة وكذلك البرامكة يرمون بالزندقة غلا من عصم اله منهم ولذلك قال الأصمعي فيهم ( إذا ذكر الشرك في مجلس * اثارت قلوب بني برمك ) ( وإن تليت عندهم آية * اتواباً بالأحاديث عن مردك ) وغزا هارون سنة تسعين ومائة الروم فافتتح هرقلة وظفر ببنت بطريقها فاستخلصها لنفسه فلما انصرف ظهر رافع بن ليث بن نصر بن سيار بطخارستان مباينا لعلي بن عيسى فوجه إليه هرثمة لمحاربته وأشخاص على بن عيسى إليه فلما قدم عليه أمر بحبسه واستصفى أمواله وأموال ولده وتوجه هارون سنة اثنتين وتسعين ومائة ومعه المأمون نحو خراسان حتى قدم طوس فمرض بها ومات وقبره هناك وكانت وفاته ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة وقد بلغ من السن سبعاً وأربعين سنة وكانت ولايته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشري يوماً ومن ولد هارون محمد أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر

(1/337)


338 والمأمون واسمه عبد الله وأمه تسمى مراجل والمؤتمن واسمه القاسم وصالح وأبو عيسى وأبو إسحاق المعتصم وحمدونة وغيرهم انتهى ما قاله ابن قتيبة وقال ابن الأهدل وفي إمرة الرشيد وأخيه الهادي ثم قام يحي بن عبد الله بن الحسن المثنى وبث دعاته في الأرض وبايعه كثيرون من أهل الحرمين واليمن ومصر والعراقين وبايعه من العلماء محمد بن إدريس الشافعي وعبد ربه بن علقمة وسليمان بن جرير وبشر بن المعتمر والحن بن صالح وغيرهم وكان هذا في زمن الهادي فلما فتش عنه الرشيد وأخذ عليه بالرصد والطلب وأمعن في ذلك فلحق يحي بخاقان ملك الترك وأقام عنده سنتين وستة أشهر والكتب ترد عليه من هارون وعماله يسألونه تسليم يحي فأبى وقال لا أرى في ديني الغدر وهو رجل من ولد نبيكم شيخ عالم وقيل أنه أسلم على يديه سرا ثم رحل يحي من عنده إلى طبرستان ثم إلى الديلم فانفذ هارون في طلبه الفضل بن يحي البرمكي في ثمانين ألف رجل وكاتبه ملك الديلم من الري وبذلوا له من الأموال حتى انخدع ولما فهم يحي فشله قبل أمان الرشيد بالإيمان المغلظة وكتب له بذلك نسختين نسخة عنده ونسخة عند يحي البرمكي فلما قدم عليه أظهر بره وكرامته وأعطاه مالا جزيلا ثم خرج إلى المدينة بإذنه وقيل بإذن الفضل دونه وفرق المال بالمدينة على قرابته وقضى دين الحسين بن علي وحج ولم يزل آمنا حتى وشى به عبد الله بن مصعب الزبيري فقال يحي إن هذا قد كان بايع أخي محمدا ومدحه بقوله ( قوموا بأمركم ننهض بنصرتنا * إن الخلافة فيكم يا بني الحسن ) واليوم يكذب علي ويسعى بي إليك فصدقه هارون وعذره ومات ابن مصعب في اليوم الثالث قيل وسبب نقض أمان يحي أنه قال له الرشيد في مناظرات عددها ويحي في كلها يقيم له الحجة على نفسه اتقاء لشره حتى قال له من أقرب إلى رسول الله منا فاستعفاه فلم يعفه وكرر ذلك

(1/338)


339 مرارا فلم يعفه فقال له يحي بعد لجاج عظيم لو بعث رسول الله له أن يتزوج فيكم فقال الرشيد نعم قال فنحن له أن يتزوج فينا قال لا قال فهذه حسب فأنف الرشيد وغضب وطلب الفقهاء فاستفتاهم في نقض أمان يحي فأحجم بعضهم وتكلم بعضهم بوجب العلم أنه لا سبيل إلى نقضه وقال بعضهم هذا رجل شق عصا المسلمين وسفك الدماء لا أمان له فأمر الرشيد بحبسه وضيق عليه حتى مات محبوسا وقيل أنه شد إلى جدار وسمر على يديه ورجليه وسد عليه المنافذ حتى مات وقيل أنه وقع في رقعة ودفعها إلى يحي بن خالد وخرج عليه بوقوفه بين يدي الله إلا كتمها إلى موت ثم يدفعها إلى هارون فدفعها بعد موته إلى هارون فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم يا هارون المستعدى عليه قد تقدم والخصم بالأثر والقاضي لا يحتاج إلى بيته وأما إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى فإنه لما انفلت من وقعة فخ لحق بالمغرب ومعه ابن أخيه محمد بن سليمان الذي قتل بفخ فتمكن بها ودعى ونشر دعوته وأجابوه واستعمل ابن أخيه على أدنى المغرب من تاهرت إلى فاس وبقى بها وولده يتوارثونها وانتشر ملكهم واستقر ويقال إن إدريس بن إدريس فقام بالأمر إحدى وعشرين سنة وأوصى إلى ابنه إدريس المثلث وكان أحد العلماء قال صاحب كتاب روضة الأخبار وهم على ذلك إلى هذه الغاية يتوارثون المغرب والبربر ويقال إن عبد المؤمن القائم اليوم بأرض المغرب ينسب إلى بني الحسن بن علي ظهر على الأندلس سنة أربعين وخمسمائة وفيه يقول الشاعر من قصيدة طويلة ( ما هز عطفيه بين البيض والأسل * مثل الخليفة عبد القائم بن علي ) وقدج ملكوا المغرب كلهم والأندلس إلى يومنا هذا وهي سنة سبع وعشرين وستمائة انتهى ما قاله ابن الأهدل وفيها وقيل بعدها فقيه الأندلس زياد بن عبد الرحمن اللخمي شبطون صاحب مالك وعليه تفقه يحي بن يحي قبل أن يرحل إلى مالك وكان زياد ناسكا ورعا أريد على

(1/339)


340 القضاء فهرب وفيها قتل نقفور ملك الروم في حرب برجان وكانت مملكته تسعة أعوام وملك بعده ابنه شهرين وهلك زوج أخته ميخائيل بن جرجس لعنهم الله تعالى سنة أربع وتسعين ومائة فيها وثبت الروم على ملكهم ميخائيل فهرب وترهب وقام بعده ليون القائد وفيها مبدأ الفتنة بن الأمين والمأمون وكان الرشيد أبوهما قد عهد بالعهد للأمين ثم بعده المأمون وكان المأمون على إمرة خراسان فشرع الأمين في العمل على خلع أخيه ليقدم ولده ابن خمس سنين وأخذ ببذل الأموال لقواد ليقوموا معه في ذلك ونصحه أولو الرأي فلم يرعو حتى آل الأمر إلى أن قتل وفي آخرها توفي الإمام أبو عمر حفص بن غياث بن طلق النخعي قاضي الكوفة وقاضي بغداد روى عن الأعمش وط بقته وعاش خمسا وسبعين سنة قال يحي القطان حفص أوثق أصحاب الأعمش وقال سجادة كان يقال ختم القضاء بحفص ابن غياث وقال ابن معين جميع ما حدث به حفص بالكوفة وبغداد فمن حفظه وقال حفص والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة وقال ابن ناصر الدين كان حفص ثقة متقنا تكلم في بعض حفظه وفيها سويد بن عبد العزيز الدمشقي قاضي بعلبك قرأ القرآن على يحي الذماري روى عن أبي الزبير المكي وعاش بعضا وثمانين سنة وعفوه وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي محدث البصرة روى عن أيوب السختياني ومالك بن دينار ومالك بن دينار وطبقتهما وقال الفلاس كانت غلته في السنة أربعين ألفا ينفقها كلها على أصحاب الحديث وقال أبو إسحاق النظام المتكلم وذكر

(1/340)


341 عبد الوهاب هو والله أحلى من أمن بعد خوف وبره بعد سقم وخصب بعد جدب وغنى بعد فقر ومن طاعة المحبوب وفرج المكروب وقال ابن ناصر الدين هو ثبت متقن ومحمد بن حرب بن عدي الخولاني الأبرش الحمصي قالضي دمشق روى عن الزبيدي فأكثر وعن محمد بن زياد الألهاني وكان حافظا مكثرا ويحي بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ ولقبه جمل روى عن الأعمش وخلق وحمل المغازي عن ابن إسحاق واعتنى بها وزاد فيها أشياء وقال ابن ناصر الدين يحي بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن الأحيحة أبو أيوب القرشي الأموي الكوفي كان ثبتا حافظا نبيلا كان يلقب جملا عنده عن الأعمش غرائب ووهم من جعله أحد الاخوة عمر الأشدق وعبد الله وعنبسة إنما ذلك أخو أبان جد يحي المذكور وكان من التابعين انتهى وفيها استشهد في غزوة أبو علي شقيق البلخي الزاهد شيخ خراسان سافر مرة في صحبته ثلثمائة مريد وهو شيخ حاتم الأصم وفيها سالم بن سالم البلخي الزاهد روى عن ابن جريج وجماعة وكان صواما قواما عجبا في الأمر بالمعروف وقال أبو مقاتل السمرقندي سالم في زماننا كعمر بن الخطاب في زمانه قال في العبر قلت هو وشقيق ضعيفان في الحديث انتهى وفيها عمر بن هارون البلخي روى عن جعفر الصادق وطبقته وكان كثير الحديث بصيرا بالقراءات تركوه في العبر

(1/341)


342 سنة خمس وتسعين ومائة لما تيقن المأمون أن الأمين خلعه تسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك وجهز الأمين علي بن عيسى بن ماهان في جيش عظيم أنفق عليهم أموالا لا تحصى وأخذ علي معه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه فبلغ إلى الري وأقبل طاهر بن الحسين الخزاعي في نحو أربعة لاف فأشرف على جيش ابن ماهان وهم يلبسون السلاح وقد امتلأت الصحراء بهم بياضا وصفرة في العدد المذهبة فقال طاهر هذا ما لا قبل لنا به ولكن اجعلوها خارجية واقصدوا القلب ثم قبل ذلك ذكروا ابن ماهان الأيمان التي في عنقه للمأمون فلم يلتفت وبرز فارس من جند ابن ماهان فحمل عليه طاهر بن الحسين فقتله وشد داود سياه على علي بن عيسى بن ماهان فطعنه وصرعه وهو لا يعرفه ثم ذبحه بالسيف فانهزم جيشه فحمل رأسه على رمح واعتق طاهر مماليكه شكرا لله وشرع أمر الأمين في سفال وملكه في زوال قيل أنه لما بلغ قتل ابن ماهان وهزيمة جيشه كان يتصيد سمكا فقال لليزيدي ويلك دعني كوثر قد صاد سمكتين وأناما صدت شيئا بعد وندم في الباطن على خلع أخيه وطمع فيه أمراؤه ولقد فرق عليهم أموالا لا تحصى حتى فرغ الخزائن وما نفعوه وجهز جيشا فالتقاهم طاهر أيضا بهمذان فقتل في لامصاف خلق كثير من الفريقين وانتصر طاهر بعد وقعتين أو ثلاث وقتتل مقدم جيش الأمين عبد الرحمن الأساوي أحد الفرسن المذكورين بعد أن قتل جماعة وزحف طاهر حتى نزل بحلوان وفيها ظهر بدمشق أبو العميطر السفياني فبايعوه بالخلافة واسمه علي بن عبد الله بن خالد الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فطرد عاملها الأمير سليمان بن المنصور فسير إليه الأمين عسكرا لحربه فنزلوا الرقة ولم يقدموا عليه قاله في العبر

(1/342)


343 وفيها توفي إسحاق بن يوسف الأزرق محدث واسط روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا عابدا يقال أنه بقي عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء قال ابن ناصر الدين إسحاق بن يوسف بن مرداس القرشي الواسطي أبو محمد حدث عنه خلق منهم وابن معين كان من الحفاظ النقاد والصلحاء العباد انتهى وفيها بشر بن السري البصري الأفوه نزيل مكة كان فصيحا بالمواعظ مفوها ذا صلاح وقال أحمد كان متقنا للحديث عجبا روى عن مسعر والثوري وطبقتهما قال في المغني بشر بن لاسري أبو عمرو والأفوه وثقة ابن معين وغيره وأما الحميدي أبو بكر فقال كان جهميا لا يحل أن يكتب عنه وقال ابن عدي يقع في حديثه منكر وهو في نفسه لا بأس به قلت رجع عن التجهم انتهى وفيها أبو معاوية الضرير محمد بن معاوية الكوفي الحافظ ولد سنة ثلاث عشرة ومائة ولزم الأعمش عشر سنين قال أبو نعيم سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية أما أنت قد ربطت رأس كيسك وكان شعبة إذا توقف في حديث الأعمش راجع أبا معاوية وسأله عنه وقال ابن ناصر الدين أبو معاوية محمد ابن خازم الضرير التيمي السعدي كان حافظا ثبتا محدث الكوفة وكان من الثقات وربما دلس وكان يرى الأرجاء فيقال إن وكيعا لم يحضر جنازته لذلك انتهى وفيها عبد الرحمن بن محمد المحاربي الحافظ روى عن عبد الملك بن عمير وخلق قال وكيع ما كان أحفظه للطوال توفي بالكوفة وفيها أوفى التي مضت عثام بن علي الكوفي روى عن عروة بن

(1/343)


344 هشام والأعمش وفيها أو في الماضية محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي الحافظ روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته قال في المغني ثقة مشهور لكنه شيعي قال ابن سعد بعضهم لا يحتج به انتهى وفيها محدث الشام أبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقي وله ثلاث وسبعون سنة توفي بذي المروة راجعا من الحج في المحرم روى عن يحي الذماري ويزيد ابن أبي مريم وخلائق وصنف التصانيف قال ابن جوصاء لم نزل نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد صلح أن يلي القضاء وهي سبعون كتابا وقال أبو مسهر كان مدلسا ربما دلس عن الكذابين وقال ابن ناصر الدين الوليد ابن مسلم الدمشقي أبو العباس الأموي مولاهم كان إماماً حافظا عالم الدمشقيين لكنه فيما ذكره أبو مسهر وغيره كان مدلسا وربما دلس عن الكذابين وهو واسع العلم صدوق من الإثبات انتهى وفيها يحي بن سليم الطائفي الحذ = اء بمكة وكان ثقة صاحب حديث روى عن عبد الله بن عثمان بن خيثم وطبقته قال الخليل في الإرشاد أخطأ يحي في أحاديث ثم ذكر حديث ابن عمران أن النبي من مر بحائط فليأكل منه ولا يتخذ خبنه قال الخليل لم يسنده عن النبي عن بن عمر عن عمر وقال في المغي يحي بن سليم الطائفي مشهور وثقة ابن معين وقال النسائي ليس بالقوي وقال أحمد رأيته يخلط في الأحاديث فتركته انتهى وقال ابن ناصر الدين روى عنه الشافعي وكان بعده من الأبدال وفي بعض أحاديثه مقال انتهى

(1/344)


345 سنة ست وتسعين ومائة فيها توثب الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان ببغداد فخلع الأمين في رجب وحبسه ودعا إلى بيعة المأمون فلم يلبث الجند عليه فقتلوه وأخرجوا الأمين وجرت أمور طويلة وفتنة كبيرة وفيها توفي قاضي البصرة أبو المثنى معاذ العنبري في ربيع الآخر روى عن حميد الطويل وطبقته وكان أحد الحفاظ قال يحي القطان ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ وقال أحمد كان ثبتا وما رأيت أعقل منه وفيها قاضي شيراز ومحدثها سعد بن الصلت الكوفي روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا قال سفيان ما فعل سعد بن الصلت قالوا ولي القضاء قال ذره وقع في الحش قال في العبر قلت آخر من روى عنه سبطه إسحاق بن إبراهيم شادان انتهى وفيها أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي الأديب شاعر العراق قال ابن عيينة هو أشعر الناس وقال الجاحظ ما رأيت أعلم منه قال ابن الأهدل كان أبوه من جند مروان الصغير الأموي فتزوج امرأة بالأهواز فولدت أبا نواس فلما ترعرع أصحبته أبا أسامة الشاعر فنشأ على يديه وقدم به بغداد فبرع في الشعر وعداده في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وقد اعتنى بشعره جماعة فجمعوه ولهذا يوجد ديوانه مختلفا وكان المأمون يقول لو وصفت الدنيا نفسها ما بلغت قول أبي نواس ( ألا كل حي هالك وابن هالك * وذو نسب في الهالكين عريق )

(1/345)


346 ( إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق ) وكفى بأبي نواس لذؤابتين كانتا على عاتقه تنوسان وأثنى عليه ابن عيينة وعلماء عصره بالفصاحة والبلاغة وقال أبو حاتم لو كتبت بيته هذين بالذهب لما كثر وهما ( ولو أني استزدتك فوق مابي * من البلوى لأعوزك المزيد ) ( ولو عرضت على الموتى حياتي * يعيش مثل عيسى لم يريدوا ) وله نوادر حسان رائقة واقترح عليه الرشيد مرات أن ينظم له على قضايا خفية يعرفها في داره ونسائه فيأتي على البديهة بما لو حضرها وعاينها لم يزد على ذلك انتهى كلام ابن الأهدل ومن لطيف شعره قوله بديها وهو من ألطف بديهة وأبدعها ( ودار ندامى عطلوها وأدلجوا * بها أثر منهم جديد ودارس ) ( مساحب من جر الزقاق على الثرى * وأضغاث ريحان جنى ويابس ) ( ولم أدر منهم غير من شهدت به * بشرقي ساباط الديار البسابس ) ( حبست بها صحبي فجددت عهدهم * وإني على أمثال تلك لحابس ) ( أقمنا بها يوما ويوما وثالثا * ويوما له يوم الترحل خامس ) ( تدار علينا الراح في عسجدية * حبتها بأنواع التصاوير فارس ) ( قرارتها كسرى وفي جباتها * مهى تدريها بالقسى الفوارس ) ( وللماء ما ذرت عليه جيوبها * وللراح ما دارت عليه القلانس ) وقد اختلف في معنى قوله أقمنا بها يوما ويوما إلخفقال ابن هشام ثمانية أيام وقال الدماميني في شرح المغني سبعة لأن يوم الترحل ليس من أيام الإقامة فليتأمل وقال ابن الفرات أبو نواس الحسن بن هانئ البصري مولى الحكم بن سعد العشيرة سمى سعد العشير لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده مائة رجل وتوفي وعمره اثنتان وخمسون سنة والحسن أحد المطبوعين وكان كثير المجون قيل عاتب أبو العتاهية الحسن على

(1/346)


247 مجونه فقال الحسن ( والنفس لا تقلع عن غيها * ما لم يكن منها لها زاجر ) فقال أبو العتاهية وددت أن هذا البيت بشعري كله ورأى رجل الحسن في النوم فقال ما فعل الله بك وقال رحمني بأبيات قلتها وهي ( يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم ) ( إن كان لا يرجوك إلا محسن * فبمن يلوذ ويستجير المجرم ) ( أدعوك رب كما أمرت تضرعا * ولئن رددت يدي فمن ذا يرحم ) ( ما لي إليك وسيلة إلا الرجا * وجميل ظني ثم أني مسلم ) انتهى وقال الحصري في كتابه قطب السرور قال ابن نوبخت توفي أبو نواس في منزلي فسمعته يوم مات يترنم بشيء فسألته فأنشدني ( باح لساني بمضمر السر * وذاك أني أقول بالدهر ) ( وليس بعد الممات منقلب * وإنما الموت بيضة المر ) والتفت إلى من حوله فقال لا تشربوا الخمر صرفا فإني شربتها صرفا فأحرقت كبدي ثم طفى انتهى فإنا لله وإنا إليه راجعون سنة سبع وتسعين ومائة فيها حوصر الأمين ببغداد وأحاط به أمراء المأمون وهم طاهر بن لاحسين وهرثمة بن أعين وزهير بن المسيب في جيوشهم وقاتلت مع الأمين الرعية وقاموا معه قياما لا مزيد ودام الحصار سنة واشتد البلاء وعظم الخطب وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن وهب الفهري مولاهم المقري أحد الأعلام في شعبان ومولده سنة خمس وعشرين ومائة بعام أو بعامين وروى عن ابن جريج وعمرو

(1/347)


248 ابن الحرث وخلق وتفقه بمالك والليث قال أبو سعيد بن يونس جمع ابن وهب بين الفقه والرواية والعبادة لوه تصانيف كثيرة وقال أحمد بن صالح المصري حدث ابن وهب بمائة ألف حديث ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه وقال ابن خداش قرئ على ابن وهب كتابه في أهوال القيامة فخر مغشيا عليه فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام وقال يونس بن عبد الأعلى كان أرادوه على القضاء فتغيب قاله في العبر وقال ابن الأهدل صحب مالكا عشرين سنة وصنف الموطأ الكبير والصغير وحدث بمائة ألف حديث وكان مالك يكتب إليه في المسائل ولم يكن يفعل هذا لغيره وقال ابن وهب عالم وابن القاسم فقيه وكتب إليه الخليفة في قضاء مصر فاختبأ ولزم بيته فاطلع عليه بعضهم يوما فقال له يا أبن وهب ألا تخرج فتقضي بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله فقال أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين وقرئ عليه كتاب الأهوال منجامعه فغشي عليه فحمل إلى داره فمات لحينه رحمه الله تعالى انتهى وفيها محدث الشام الإمام أبو محمد بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي الحافظ ومولده سنة عشر ومائة روى عن محمد بن زياد الألهاني وبحير بن سعد والكبر وأخذ عمن دب ودرج وتفقه بالأوزاعي وكان مشهورا بالتدليس كالوليد بن مسلم وقال ابن معين إذا روى عن ثقة فهو حجة وقال بقية قال لي شعبة إني لأسمع منك الحديث لو لم أسمعها لطرت قاله في لاعبر وقال ابن

(1/348)


349 ناصر الدين بقية بن الوليد بن صايد الحميري الكلاعي الحمصي أبو محمد محدث الشام كان إماما مكثرا ويدلس عن المتروكين لك إذا قال حدثنا أو أخبرنا فهو مقبول انتهى وفيها شعي ب حرب المدائني الزاهد أحد علماء الحديث روى عن مالك ابن مغول وطبقته قال الطيب بن إسماعيل دخلنا عليه وقد بنى له كوخا وعنده خبز يابس يأكله وهو جلد وعظم قال أحمد بن حنبل حمل على نفسه في الورع وفيها شيخ الأقراء بالديار المصرية أبو سعيد عثمان بن سعيد القيرواني ثم المصري ورش صاحب نافع وله سبع وثمانون سنة قال السيوطي في حسن المحاضرة ورش وهو عثمان بن سعيد أبو سعيد المصري وقيل أبو عمرو وقيل أبو لاقسم أصله قبطي مولى آل الزبير بن العوام ولد سنة عشر ومائة وأخذ القراءة عن نافع وهو الذي لقبه بورش لشدة بياضه وقيل لقبه بالورشان ثم خفف انتهت إليه رياسة الأقراء بالديار المصرية في زمانه وكان ماهرا في العربية انتهى وفيها محمد بن فليح بن سليمان المدني روى عن هشام بن عروة وطبقته قال ي المغني ثقة قال أبو حاتم ليس بذاك القوي انتهى وفيها قاضي صنعاء وعالمها هشام بن يوسف الصنعاني أخذ عن معمر وابن جريج وجماعة قال ابن معين هو أثبت من عبد الرزاق في ابن جريج وقال ابن ناصر الدين كان ثقة برز وفاق على أقرانه وفيها الإمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجراح الرواسي في المحرم راجعا من الحج يفيد وله سبع وستون سنة روى عن الأعمش وأقرانه قال ابن معين كان معين في زمانه كالأوزاعي في زمانه وقال أحمد م رأيت أوعى للعلم

(1/349)


350 ولا أحفظ من وكيع وقال القعنبي كنا عند حماد بن زيد فخرج وكيع فقالوا هذا راوية سفيان قال إن شئتم أرجح من سفيان وقال يحي بن أكثم صحبت وكيعا فكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة وقال أحمد ما رأت عيني مثل وكيع قط وقال ابن معين ما رأيت أحفظ من وكيع كان يحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة قال وكان يحي القطان يفتي بقوله أبضا وقال ابن ناصر الدين وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس الرواسي الكوفي أبو سفيان محدث العراق ثقة متقن ورع قال أحمد بن حنب ما رأيت رجلا قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأموات مع خشوع وورع انتهى سنة ثمان وتسعين ومائة في المحرم ظفر طاهر بن الحسن بعد أمور يطول شرحها بالأمين فقتله ونصب رأسه على رمح وكان مليحا أبيض جميل الوجه طويل القامة عاش سبعا وعشرين سنة واستخلف ثلاث سنين وأياما وخلع في رجب سنة ست وتسعين وحارب سنة ونصفا وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور وكان مبذرا للأموال قليل الرأي كثير اللعب لا يصلح للخلافة سامحه الله ورحمه قاله في العبر وكتبت زبيدة إلى المأمون تحرضه على قتل طاهر بن الحسين قاتل ابنها الأمين فلم يلتفت إليها فكتبت إليه ثانية بقول أبي العتاهية ( ألا أن ريب الدهر يدني ويبعد * ويؤنس بالآلاف طورا ويفقد ) ( أصابت لريب الدهر مني يدي يدي * فسلمت للأقدار والله أحمد ) ( فقلت لريب الدهر إن ذهبت يد * فقد بقيت والحمد لله لي يد ) ( إذا بقى المأمون لي فالرشيد لي * ولي جعفر لم يفقدا ومحمد ) تعني بجعفر أباها وبمحمد ابنها الأمين وقال ابن قتيبة في المعارف بويع محمد الأمين

(1/350)


351 ابن هارون بطوس وولي أمر البيعة صالح بن هارون وقدم عليه به جاء رجاء الخادم للنصف من جمادى الآخرة فحطب الناس وبويع ببغداد واخرج من الحبس من كان أبوه حبسه فاخرج عبد الملك بن صالح والحسن بن علي بن عاصم وسالم أبن سالم والهيثم بن عدي ومات إسماعيل بن علية وكان على مظالم محمد في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة فولى مظالمه محمد نب عبد الله الأنصاري نم ولد أنس بن مالك والقضاء ببغداد وبعث إلى وكيع بن الجراح فأقدمه بغداد على أن يسند إليه أموراً من أموره فأبى وكيع أن يدخل في شيء وتوجه وكيع إلى مكة فمات في طريق مكة واتخذ الفضل بن الربيع وزيراً وجعل إسماعيل بن صبيح كاتبه وجعل العباس بن الفضل بن الربيع حاجبه فأغرى الفضل بينه وبين المأمون فنصب محمد ابنه موسى بن محمد لولاية العهد بعده وأخذ البيعة له ولقبه الناطق بالحق سنة أربع وتسعين ومائة وجعله في حجر على بن عيسى وأمر علياً بالتوجه إلى خرسان لحرب المأمون سنة خمس وتسعين ومائة فوجه المأمون هرثمة من مرو وعلى مقدمة طهر بن الحسين فالتقى على بن عيسى وطهر بالري فاقتتلوا فقتل على بن عيسى وجماعة من ولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة وظفر طاهر بجميع ما كان معه من الأموال والعدة والكراع فوجه محمد بن عبد الرحمن بن جبلة الأنباري فالتقى هو وطاهر بهمذان فقتله طاهر ودخل همذان واجتمع طاهر وهرثمة فأخذ طاهر على الأهواز وأخذ هرثمة على الجادة طريق حلوان ووجه الفضل ابن سهل زهير بن المسيب على طريق كرمان فأخذ كرمان ثم دخل البصرة ولما أتى طاهر الأهواز وجد عليها والياً من المهالبة لمحمد فقتله واستولى على الأهواز ثم سار إلى واسط وسار هرثمة إلى حلوان ووثب الحسين بن علي بن عيسى ببغداد في جماعة فدخل على محمد وهو في الخلد فأخذه وحبسه في برج من أبراج مدينة أبي جعفر فتوقضت عساكر محمد من جميع الوجوه وتغيب الفضل بن الربيع

(1/351)


352 يومئذ فلم ير له أثر حتى دخل المأمون بغداد ووده الحسين بن علي إلى هرثمة وطاهر يحثمها على بغداد ووثب أسد الحربي وجماعة فاستخرجوا محمداً وولده واعتذروا إليه وأخذوا الحسين بن علي فأتوه به فعفا عنه بعد أن اعترف ذنبه وتاب منه أو أقرانه مخدوع مغرور فأطلقه فلما خرج من عنده وعبر الجسر نادى ياما مأمون يا منصور وتوجه نحو هرثمة وتوجهو في طلبه فأدركوه بقرب نهر وين فقتلوه وأتوا محمداً برأسه وصار هرثمة إلى نهروين ونزل طاهر باب الأنبار وصار زهير بن المسيب بكلو اذي ولم يزالوا في محاربة وكان طاهر كاتب القاسم بن هارون المؤتمن وكان نازلاً في قصر جعفر بن يحيى بالدور وسأله أن يخرج ففعل وسلم إليه القصر ولم يزل الأمر على محمد مختلاً حتى لجأ إلى مدينة أبي جعفر وبعث إلى هرثمة أني أخرج إليك الليلة فلما خرج محمد صار في أيدي أصحاب طاهر فأتوا به طاهراً فقتله من ليلته فلما أصبح نصب رأسه على الباب الحديد ثم أنزل وبعث به إلى خرسان مع أبن عمه محمد بن الحسن ابن مصعب ودفنت جثته في بستان مؤنسة انتهى ما قاله ابن قتيبة وقال ابن الفرات ما ملخصه لما صار محمد الأمين بمدينة أبي جعفر علم قواده أنه ليس معهم عدة الحصار فأتوه وقالوا لا بقاء لنا وقد بقي من خيار خيلك سبعة آلاف فرس فاختر لها سبعة آلاف رجل تخرج إلىالجزيرة فتفرض الفروض فعزم على ذلك فبلغ الخبر طاهر فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر ومحمد بن عيسى والسدي بن شاهك لئن لم تردون عن هذا الرأي لا قتنصن ضياعكم ولا سبعين في هلا ككم فدخلوا إلى محمد وقالوا أن خرجت أخذوك أسراً وتقربوا بك فرجع إلى قبول الأمان والخروج إلى هرثمة فقالوا له الخروج إلى طاهر خير فقال أنا اكره ذلك لأني رأيت في المنام كأني على حائط رقيق وطاهر يحفره حتى هدمه وهرثمة مولانا وبمنزلة الوالد أثق به قال إبراهيم بن المهدي بعث إلى محمد الأمين ليلة وقد خرج إلى قصر لينفرج مما كان فيه وشرب وسقاني ودعا

(1/352)


353 جارية اسمها ضعف لتغنيه فتطيرا إبراهيم من اسمها فغنته كليب لعمري كان أكثر ناصراً * وأيسر ذنباً منك ضرج بالدم ) فتطير محمد وقال غنى هذا فغنت ( ما زال يعدو وعليهم ريب دهرهم * حتى تفانوا وريب الدهر عداء ) فغضب وقال غنى غير هذا فغنت وما ورب السكون والحركات * الأبيات فقال قومي لا بارك الله ) عليك فقامت وعثرت بقدح من بلور كان يسميه رباح فكسرته فقال إبراهيم أما ترى ما كان ما أظن أمري إلا قد اقترب قال بل أعز ملكك وكبت عدوك فسمعا صارخاً من جدلة يقول قضى الأمر الذي فيه تستفتيان فقال يا إبراهيم أما تسمع فقال ما أسمع شيئاً وقد كان سمعه فقتل بعد ليلتين ومنح طاهر محمداً الأمين ومن معه الماء والدقيق فهم محمد بالخروج إلى هرثمة فلما بلغ طاهر اشتد عليه وقال أنا فعلت ما فعلت به ويكون الفتح لهرثمة فرضى بذلك فلما علم الهرش الخبر تقرب إلى طاهر وقال مكر بك وقال أن الخاتم والبرد والقضيب يحمل مع محمد الأمين إلى هرثمة فاغتاظ وكمن حول القصر الرجال فلما خرج محمد وصار في الحراقة مع هرثمة خرج طاهر وأصحابه فرموها بالحجارة وغرقوها فسبح الأمين وخرج إلى بستان موسى وإخراج رجل من الملاحين هرثمة وكان به نقرس فلما خرج محمد الأمين أخذه إبراهيم بن جعفر البلخي ومحمد بن حميد وهو ابن أخي شكلة أم إبراهيم بن المهدي والقىء عليه إزاراً من أزر الجند وحمل إلى دار إبراهيم بن جعفر بباب الكوفة وكان أحمد بن سلام صاحب المظالم ممن غرق مع هرثمة فأخذ فكان مع محمد الأمين في دار إبراهيم بن جعفر فقال له الأمين ادن منى وضمني إليك فأنى أجد وحشة شديدة ففعل وكان على كتفيه خرقة فنزع أمد ثوبه وقال ألبسه فقال دعني فهذا لي من الله خير كثير في هذا الموضع ثم دخل عليه حميرويه غلام قريش مولى طاهر في جماعة فأخذ

(1/353)


354 محمد وسادة وضربه بها وأخذ السيف من يده فصاح بأصحابه فقتلوه ونصب طاهر رأسه ثم بعث رأسه المأمون والرداء والقضيب قال الموصلي كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون عن لسان طاهر بقتل محمد الأمين أما بعد فإن المخلوع قسيم أمير المؤمنين في النسب واللخمة قد فرق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصم الدين وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين قال الله عز وجل في ابن نوح على نبينا وعليه السلام أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح ولا طاعة لأحد في معصية الله ولا قطيعة إذا كانت في جنب الله ثم انشد طاهر بعد قتل الأمين ( ملكت الناس قسراً واقتداراً * وقتلت الجبابرة الكابرا ) ( ووجهت الخلافة نحو مرو * إلى المأمون تبتدر ابتدارا ) ( وسوف أدين قيس الشام ضربا * يطير من رؤسهم الشرارا ) قيل أتى محمد الأمين بأسد فاطلقه فقصد محمد فاستتر منه بمرفقة ثم يده فضربه في أصل أذنه فخر الأسد ميتا وزالت كل قصبة في يده من موضعها وكان الأمين رحمه الله سبطا انزع صغير العينين جميلا طويلا بعيد ما بين المنكبين ويكنى أبا موسى وقيل أبا عبد الله انتهى وفيها توفي في أول رجب شيخ الحجاز وأحد الأعلام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي والزهري والكبار قال الشافعي لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز وقال ابن وهب لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير من ابن عيينة وقال أحمد العجلي كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث لم يكن له كتب وقال بهز ابن أسد ما رأيت وقال ابن ناصر الدين هو الإمام العلم محدث الحرم روى عنه الأعمش وابن جريج وشعبة وهم من شيوخه والشافعي وابن المبارك وأحمد وخلق قال أحمد ما رأيت أعلم بالسنن منه وحج سفيان

(1/354)


355 سبعين حجة وقال الشافعي ما رأيت أحدا فيه من الفتيا ما فيه ولا أكف عن الفتيا منه وفي جمادى الآخرة أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي البصري اللؤلؤي الحافظ أحد أركان الحديث بالعراق وله ثلاث وستون سنة وروى عن هشام الدستوائي وخلق وأول طلبه سنة نيف وخمسين ومائة فكتب عن صغار التابعين أيمن بن نابل وغيره وقال أحمد بن حنبل هو أفقه من يحي القطان واثبت من وكيع وقال ابن المديني كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر مثله أعلم منه قلت وكان أيضا أسا في العبادة رحمه الله تعالى قاله في العبر وهو أحد الموالي إلى المنجمين من البصريين وقال ابن ناصر الدين عبد الرحمن بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم وقيل العنبري البصري اللؤلؤي أبو سعيد الحافظ المشهور والإمام المنشور كان فقيها مفتيا عظيم لاشأن وهو فيما ذكره أحمد أفقه من يحي بن القطان وأثبت من وكيع في الأبواب انتهى وفيها الأمام أبو يحي معن بن عيسى المدني القزاز صاحب مالك روى عن موسى بن علي بن رباح وطائفة وكان ثبتا ثقة حجة صاحب حديث قال أبو حاتم هو أثبت أصحاب مالك وأوثقهم وفي صفر الإمام أبو سعيد يحي بن سعيد القطان البصري الحافظ أحد الأعلام وله ثمان وسبعون سنة روى عن عطاء بن السائب وحميد وخلق قال أحمد بن حنبل ما رأيت بعيني مثله وقال ابن معين قال لي عبد الرحمن بن مهدي لا ترى بعينيك مثل يحي القطان عشرين سنة فما أظن أنه عصى الله قط وقال ابن معين أقام يحي القطان عشرين سنة يختم كلليلة ولم يفته الزوال ف يالمسجد أربعين سنة وقال ابن ناصر الدين يحي بن سعيد بن فروخ التيمي مولاهم البصري أبو سعيد القطان الأحول سيد الحفاظ في زمانه والمتنهي إليه في هذا الشأن بين أقرانه انتهى وفيها أبو عبد الرحمن مسكين بن بكير الحراني روى عن جعفر بن برقان

(1/355)


356 وطبقته وكان مكثرا ثقة وفيها انتدب محمد بن صالح بن بهيش الكلابي أمير عرب الشام لحرب السيناني ولمن قام معه من الأموية وأخذ منهم دمشق وهرب أبو العميطر السفياني في إزار إلى المزة وجرت بين أهل المزة وداريا وبين ابن بهيش حروب ظهر فيها عليهم فاستولى على دمشق وأقام الدعوة للمأمون قاله في العبر سنة تسع وتسعين ومائة فيها قتنة ابن طباطبا العدوى وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ظهر بالكوفة وقام بأمره أبو السري الشي بن منصور الشيباني وشرع الناس إلى ابن طباطبا وغلب على الكوفة وكثر جيشه فسار لحربه زهير بن المسيب في عشرة آلاف فالتقوا فهزم زهير واستبيح عسكره وذلك في سلخ جمادى الآخرة فلما كان من الغد اصبح ابن طباطبا ميتاً فقيل أن أبا السريا سمه لكونه لم ينصفه في الغنيمة وأقام بعده في الحال محمد بن محمد بن يزيد على الحسنى شاب أمرد ثم جهز الحسن ابن سهل جيشاً عليهم عبدوس المروذي فالتقوا فقتل عبدوس وأسر عمه وقتل خلق من جيشه وقوى العلوين ثم استولى أبو السريا على واسط فسار لحربه هرثمة بن أعين فالتقوا فقتل خلق من أصحاب السرايا وتقهقر إلى الكوفة ثم التقوا ثانيا وعظمت الفتنة وفيها توفي إسحق بن سليمان الرازي الكوفي الأصل روى عن ابن أبي ذئب وطبقته وكان عباد خاشعاً يقال أنه من الإبدال وحفص بن عبد الرحمن البلخي ثم النيسابوري أبو عمر قاضي نيسابور روى عن عاصم الأحول وأبي حنيفة وطائفة وكان ابن المبارك يزوره ويقول هذا اجتمع فيه الفقه والوقار والورع وقال في المغني صدوق قال أبو حاتم مضطرب الحديث انتهى

(1/356)


357 وفيها أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي الفقيه صاحب أبي حنيفة وصاحب كتاب الفقه الكبر وله أربع وثمانون سنة ولي قضاء بلخ وحدث عن ابن عروف وجماعة قال أبو داود كان جهمياً تركوا حديثه وبلغنا أن أبا مطيع كان من كبار الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر وفيها شعيب بن الليث بن سعد المصري الفقيه وفيها عبد الله بن نمير الخراقي أبو هشام الكوفي أحد أصحاب الحديث المشهورين روى عن هشام بن عروة وطبقته وعاش بضعاً وثمانين سنة وثقه ابن معين وغيره والخارفي نسبة إلى خارف بطن من خمدان نزلوا الكوفة وعمرو بن محمد النقري الكوفي والعنقر هو المرز نجوش روى عن ابن جريج وطبقته وكان صاحب حديث ومحمد نب شعيب بن شابور الدمشقي بيروت روى عن عروة بن رويم وطبقته وكان من علماء المحدثين وعقلائهم المشهورين وفيها يونس بن بكير أبو بكر الشباني الكوفي الحافظ صاحب المغازي روى عن العمش وخلق قال ابن معين صدوق وقال ابن ناصر الدين كان صدوقاً شيعياً من مورطي الأعيان وقال ابن معين ثقة إلا أنه مرجىء يتبع الشيطان ولينة يغر واحد وروى له مسلم متابعة والبخاري في الشواهد انتهى وقال في المغني صدوق مشهور شيعي روى له مسلم أحاديث في الشواهد لا الأصول قال ابن زرعة أما في الحديث فلا أعلمه مما ينكر عليه وقال أبو داود ليس بحجة عندي سمع هو والبكائي من ابن أسحق بالري وقال النسائي ليس بالقوى انتهى وفيها وقيل في التي تليها سيار بن حاتم العنزي البصري صاحب القصص والرقائق ورواية جعفر بن سلميان الضبعي وقد خرج له الترمذي والنسائي ويغرهما ووثقه ابن حبان قال في المغني صالح الحديث فيه خفة ولم يضعف انتهى

(1/357)


358 سنة مائتين فيها أحصى ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى قاله ابن الجوزي في الشذور وفي أولها هرب أبو السرايا والعلويون من الكوفة إلى القادسية وضعف سلطانهم فدخل هرثمة الكوفة وأمن أهلها ثم ظفر أصحاب المأمون بأبي السرايا ومحمد بن محمد العلوي فأمر الحسن بن سهل بقتل أبي السرايا وبعث بمحمد إلى المأمون وخرج بالبصرة بالحجاز آخرون فلم تقم لهم قائمة بعد فتن وحروب وفيها طلب المأمون هرثمة بن أعين فشتمه وضربه وحبسه وكان الفضل ابن سهل الوزير يبغضه فقتله في الحبس سرا وفيها قتلت الروم عظيمهم اليون وكانت أيامه سبع سنين ونصف وأعادوا الملك إلى ميخائيل الذي ترهب وفيها توفي أسباط بن محمد الكوفي وكان ثقة صاحب حديث روى عن الأعمش وطبقته قال في المغني أسباط بن محمد القرشي ثقة ومشهور قال ابن سعد ثقة فيه بعض الضعف انتهى وفيها أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني وله ست وتسعون سنة روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته وكان مكثر أصدوقا وقال ابن ناصر الدين أنس بن عياض الليثي المدني أبو حمزة محدث المدينة كان من الثقات المتقنين انتهى وسلم بن قتيبة بالبصرة روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته وأصله خراساني وفيها عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني البصري روى عن ثور بن يزيد وابن عون وفيها عمر بن عبد الواحد السلمي الدمشقي ولد سنة ثمان عشرة ثمان عشرة ومائة وقرأ القراءات على يحي الذماري وحدث عن جماعة وكان من الثقات الشاميين وفيها قتادة بن الفضل الرهاوي رحل وسمع من الأعمش وعدة

(1/358)


359 وفيها أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلمي مولاهم المدني الحافظ روى عن سلمة بن وردان وكان كثير الحديث قال في المغني محمد ابن إسماعيل بن أبي فديك ثقة مشهور قال ابن سعد وحده ليس بحجة انتهى وفيها أبو عبد الله أمية بن خالد أخو هدبة روى عن شعبة والثوري وفيها صفوان بن عيسى القسام بالبصرة يروي عن يزيد بن عبيد وطبقته وفيها محمد بن الحسن الأسدي الكوفي بن الثل روى عن فطر بن خليفة وطبقته قال في المغني محمد بن الحسن الأسدي عن الأعمش وعنه داود بن عمر وقال ابن معين ليس بشيء انتهى وفي صفر محمد بن حمير السليحي محدث حمص روى عن محمد بن زياد الألهاني وطائفة وثقة ابن معين ودحيم وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال يعقوب الفسوي ليس بالقوي وقال الدارقطني خرجه بعض شيوخنا ولا بأس به وفيها أبو إسماعيل مبشر بن إسماعيل الحلبي روى عن جعفر بن برقان وطبقته وكان صاحب حديث وإتقان قال في المغني مبشر بن إسماعيل الحارثي ثقة مشهور تكلم فيه بلا حجة انتهى ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي روى عن أبيه وابن عون وطائفة وكان صاحب حديث له أوهام يسيرة قال في المغني معاذ بن هشام الدستوائي صدوق وقال ابن معين صدوق ليس بحجة وقال ابن عدي أرجو أنه صدوق وقال غيره له غرائب وافرادات انتهى وفيها المغيرة بن سلمة المخزومي بالبصرة قال ابن المديني ما رأيت قرشيا أفضل منه ولا أشد تواضعا أخبرني بعض جيرانه أنه كان يصلي طول الليل وروى عن القسم بن الفضل الحداني وطبقته

(1/359)


360 وفيها القاضي أبو البختري وهب القرشي المدني ببغداد وكان جوادا محتشما حتى قيل أنه كان إذا بلغ ظهر عليه السرور بحيث أنه يظن أنه هو المبذول له روى عن هشام بن عمرو وطائفة واتهم بالكذب قال ابن قتيبة أبو البختري هو وهب بن وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي قدم بغداد فولاه هارون القضاء بعسكر المهدي ثم عزله فولاه مدينة الرسول بكار ابن عبد الله وجعل إليه حربها مع القضاء ثم عزل فقدم بغداد فتوفى بها سنة مائتين وكان ضعيفا في الحديث انتهى وقال في المغني كذبه أحمد وغيره انتهى وهو الذي وضع حديث المسابقة بذي الجناح وفيها القدوة الزاهد معروف الكرخي أبو محفوظ صاحب الأحول والكرامات كان من موالي علي بن موسى الرضى كان أبواه نصرانيين فاسلماه إلى مؤدبهم فقال له إن الله ثالث فقال بل هو الله أحد فضربه فهرب وأسلم على يد علي بن موسى الرضي ورجع إلى أبويه فأسلما واشتهرت بركاته وإجابة دعوته وأهل بغداد يستسقون بقبره ويسمونه ترياقا مجربا قال مرة لتلميذه السري السقطي إذا كانت له إذا كانت لك إلى الله حاجة فاقسم عليه بي وكان من المحدثين ومن كلامه علامة مقت الله للعبد أن يراه مشتغلا بما لا يعنيه من أمر نفسه وقال طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل حمق

(1/360)


*1*ج 2
@2 سنة إحدى ومائتين فيها عمد المأمون إلى علي بن موسى العلوي فعهد إليه بالخلافة ولقبه بالرضي وأمر الدولة بترك السواد ولبس الخضرة وأرسل إلى العراق بهذا فعظم هذا على بني العباس الذين ببغداد ثم خرجوا عليه وأقاموا منصور بن المهدي ولقبوه بالمرتضى فضعف عن الأمر وقال إنما أنا خليفة المأمون فتركوه وعدلوا إلى أخيه إبراهيم بن المهدي الأسود فبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمبارك وخلعوا المأمون وجرت بالعراق حروب شديدة وأمور عجيبة وفيها أول ظهور بابك الخرمي الكافر فعاث وأفسد وكان يقول بتناسخ الأرواح وفيها توفي أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي الحافظ مولى بني هاشم وله إحدى وثمانون سنة روى عن الأعمش والكبار قال أحمد ما أثبته لا يكاد يخطئ وقال ابن ناصر الدين ثقة كيس وفيها حماد بن مسعدة بالبصرة روى عن هشام بن عروة وعدة وكان ثقة صاحب حديث وفيها جرير بن عمارة بن أبي حفصة البصري روى عن قرة بن خالد وشعبة وفيها سعد بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي قاضي واسط سمع أباه وابن أبي ذئب وفيها علي بن عاصم أبو الحسن الواسطي محدث واسط وله بضع وتسعون سنة روى عن حصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب والكبار وكان يحضر مجلسه ثلاثون ألفا وقال وكيع أدركت الناس والحلقة لعلي بن عاصم بواسط وضعفه غير واحد لسوء حفظه وكان إماماً ورعا صالحا جليل القدر وفيها قتل المسيب بن زهير أكبر قواد المأمون وضعفه أمر الحسن بن سهل بالعراق وهزم جيشه مرات ثم ترجح أمره وحاصل القصة أن أهل بغداد أصابهم بلاء عظيم في هذه السنوات حتى كادت تتداعى بالخراب وجلا خلق من أهلها عنها للنهب والسبي والغلاء وخراب الدور قال ابن الأهدل ولما عجز بنو العباس

(2/2)


3 وتكرر عفو المأمون عنهم وجهوا إليه زينب بنت سليمان بن على عمة جده المنصور فقالت يا أمير المؤمنين إنك على بر أهلك العلويين والأمر فينا أقدر منك على برهم والأمر فيهم فلا تطعمن أحداً فينا فقال يا عمة والله ما كلمني أحد في هذا المعنى بأوقع من كلامك هذا ولا يكون إلا ما تحبون ولبس السواد وترك الخضرة أهله وكان ميل المأمون للعلويين اصطناعا ومكافأة لفعل علي كرم الله وجهه ولما ولي الإمامة لبني هاشم خصوصا بني العباس وفيها توفي يحي بن عيسى العسلي الكوفي الفاخوري بالرملة روى عن الأعمش وجماعة وهو حسن الحديث سنة اثنتين ومائتين فيها خلع أهل بغداد المأمون لكونه أخرج الخلافة من بني العباس وبايعوا إبراهيم بن المهدي وتزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل وزوج ابنته أم حبيب علي بن موسى الرضي وزوج ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى قاله ابن الجوزي في الشذور وفيها على الصحيح توفي حمزة بن ربيعة في رمضان بفلسطين روى عن الأوزاعي وطبقته وكان من العلماء المكثرين قال ابن ناصر الدين حمزة بن ربيعة الدمشقي القرني مولاهم كان ثقة مأمونا اه وفيها أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس المدني أخو إسماعيل روى عن أبي ذئب وسليمان بن بلال وطائفة قال في المغني ثقة أخطأ الأزدي حيث قال كان يضع الحديث اه وقد خرج له الشيخان وفيها أبو يحي عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي روى عن الأعمش وجماعة قال أبو داود وكان داعية إلى الإرجاء وقال النسائي ليس بالقوي وفيها أبو حفص عمر بن شبيب المسلي الكوفي روى عن عبد الملك بن عمير

(2/3)


4 والكبار قال النسائي ليس بالقوي وقال أبو زرعة واهي الحديث وضعفه الدارقطني وفيها يحي بن المبارك اليزيدي المقرئ النحوي اللغوي صاحب التصانيف الأدبية وتلميذ أبي عمرو بن العلاء وله أربع وسبعون سنة وهو بصري نزل بغداد قال ابن الأهدل عرف اليزيدي لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي وتأدب بنيه أخذ عن الخليل وغيره وله كتاب النوادر في اللغة وغيره ولما قدم مكة أقبل على العبادة وحدث بها عن أبي عمرو ن العلاء وروى عنه ابنه محمد وأبو عمرو والدوري وأبو شعيب السوسي وغيرهم وخالف أبو عمرو في حروف يسية وكان يجلس هو والكسائي في مجلس واحد ويقرئان الناس وتنازعا مرة في مجلس المأمون قبل أن يلي الخلافة في بيت شعر فظهر اليزيدي وضرب بقلنسوته الأرض وقال أنا أبو محمد فقال المأمون والله لخطأ الكسائي مع حسن أدبه أحسن من صوابك مع سوء أدبك فقال إن حلاوة الظفر أذهبت عني حسن التحفيظ وكان الكسائي يؤدب الأمين ويأخذ عليه حرف حمزة وهو يؤدب المأمون ويأخذ عليه حرف أبي عمرو اه وفيها الفضل بن سهل ذو الرياستين وزير المأمون فقتله بعض أعدائه في حمام بسرحس فانزعج المأمون وتأسف عليه وقتل به جماعة وكان من مسلمة المجوس وقال ابن الأهدل الفضل بن سهل وزير المأمون السرخسي وكان محتدا في علم النجوم كثير الإصابة فيه من ذلك أن المأمون لما أرسل طاهرا لحرب الأمين وكان طاهر ذا يمينين أخبره أنه يظفر بالأمين ويلقب بذي اليمينين وكان كذلك واختار لطاهر وقتا عقد له فيه اللواء وقال عقدته لم خمسا وستين لا يحل فكان كذلك ووجد في تركته أخبار عن نفسه أنه يعيش ثماني وأربعين سنة ثم يقتل بين الماء والنار فعاش هذه المدة ثم دس عليه خال المأمون غالب فدخل عليه الحمام

(2/4)


5 بسرخس ومعه جماعة فقتلوه في السنة المذكورة وقيل في التي تليها وله ثمان وأربعون سنة وأشهر وقد مدحه الشعراء فأكثروا من ذلك قول سالم بن الوليد الأنصاري من قصيدة له ( أقمت خلافة وأزلت أخرى * جليل ما أقمت ما أزلتا ) اه فيها استوثقت الممالك للمأمون وقدم بغداد في رمضان من خراسان واتخذها سكنا وفيها في الحجة حدث بخراسان زلازل أقامت سبعين يوما وهلك بها خلق كثير وبلاد كثيرة وفيها غلبت السوداء على عقل الحسن بن سهل حتى شد في الحديد وفيها توفي أزهر بن سعد السمان أبو بكر البصري روى عن سليمان التيمي وطبقته وعاش أربعا وتسعين سنة قال ابن ناصر الدين كان ثقة من فضلاء الأئمة وعلماء الأمة وقال ابن الأهدل كان يصحب لمنصور قبل خلافته فجاء يسلم عليه بالخلافة ويهنئه فحجبه فترصد يوم جلوسه العام فقال ما جاء بك قال جئت مهنئا للأمير فأعطاه ألفا وقال لا تعد فقد قضيت التهنئة فجاءه من قابل فسأله فقال سمعت بمرضك فجئت عائدا فأمر له بألف وقال قولوا له لا تعد فقد قضيت وظيفة العيادة وأنا قليل المرض ثم جاء من قابل فسأله سمعت منك دعاءاً فأردت أتحفظه فقال إنه غير مستجاب لأني دعوت به أن لا تعود فعدت اه وفي ذي القعدة الإمام حسين بن علي الجعفي مولاهم الكوفي المقرىء الحافظ روى عن الأعمش وجماعة قال أحمد بن حنبل ما رأيت أفضل منه ومن سعي ابن عامر الضبعي وقال يحيى بن يحيى النيسابوري أن بقي أحد من الأبدال فحسين الجعفي وكان مع تقدمه في العلم رأساً في الزهد والعبادة وقال ابن ناصر الدين هو ثقة وكمان يقال له راهب الكوفة

(2/5)


6 وفيها الحسين بن الوليد النيسابوري رحل وأخذ عن مالك بن مغول وطبقته وقرأ القرآن على الكسائي وكان كثير الغزو والجهاد والكرم وفيها خزيمة بن خازم الخراساني الأمير أحد القواد الكبار العباسية وداود بن يحي بن يمان العجلي ثقة وزيد بن الخباب أبو الحسين الكوفي سمع مالك بن مغول وخلقا كثيرا وكان حافظا صاحبي حديث واسع الرحلة صابرا على الفقر والفاقة وفيها عثمان بن عبد الرحمن الحراني الطرائفي وكان يتبع طرائف الحديث فقيل له الطرائقي روى عن هشام بن حسان وطبقته وهو صدوق وعلي بن موسى الرضي الإمام أبو الحسن الحسيني بطوس وله خمسون سنة وله مشهد كبير بطوس يزار روى عن أبيه موسى الكاظم عن جده جعفر سنة وله مشهد كبير بطوس يزار روى عن أبيه موسى الكاظم عن جده جعفر ابن محمد الصادق وهو أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية ولد بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين وماية ومات بطوس وصلى عليه المأمون ودفنه بجنب أبيه الرشيد وكان موته بالحمى وقيل بالسم وكان المأمون أرسله إلى أخيه زيد بن موسى وقد قام بالبصرة ليرده عن ذلك فقال على زيد ما تريد بهذا فعلت بالمسلمين الأذى وتزعم أنك من ولد فاطمة والله لأشد الناس عليك رسول الله زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله يعطي به ولما بلغ كلامه المأمون وبكى وقال في المغني علي بن موسى بن جعفر الرضي عن آبائه قال ابن طاهر يأتي عن آبائه بعجائب قلت الشأن في صحة الإسناد إليه فإنه كذب عليه وعلى جده اه وفيها أبو داود الحفري عمر بن سعد بالكوفة روى عن مالك بن مغول ومسعر وكان من عباد المحدثين قال أبو حمدون المقرئ لما دفناه تركنا بابه مفتوحا ما خلف شيئا وقال ابن المديني ما رأيت بالكوفة أعبد منه وقال وكيع إن كان يدفع بأحد في زماننا فيأتي داود الحفري

(2/6)


7 وفيها عمر بن عبد الله بن روين السامي النيسابوري رحله وسمع محمد بن اسحق وطبقته قال سهل بن عمار لم يكن بخراسان أنبل منه وفيها أبو حفص عمر بن يونس اليمامي روى عن عكرمة بن عمار وجماعة وكان ثقة مكثراً وفيها محمد بن بكر البرساني بالبصرة روى عن ابن جريج وكان أحد الثقات الأدباء الظرفاء ومحمد بن بشر العبدي الكوفي الحافظ روى عن العمش وطبقته قال أبو داود هو احفظ من كان بالكوفة في وقته وقال ابن ناصر الدين محمد بن بشر العبدي الكوفي أبو عبد الله ثقة أحفظ من كان بالكوفة اه ومحمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري الأسدي مولاهم الكوفي روى عن يونس ابن إسحق وطبقته وقال أبو حاتم كان ثقة حافظاً عابداً مجتهداً له أوهام وأبو جعفر محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين الحسيني المدني الملقب بالديباج روى عن أبيه وكان قد خرج بمكة سنة مائتين ثم عجز وخلع نفسه وأرسل إلى المأمون فمات بجرجان ونزل المأمون في لحده وكان عاقلاً شجاعاً يصوم يوماً ويفطر يوماً يقال أنه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم فمات فجاءة وفيها مصعب بن المقدام الكوفي روى عن ابن جريج وجماعة وفيها النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازني مازن بن مالك بن عمرو ابن تيم بن مرأ بو الحسن البصري نزيل مرووعالمها كان أماماً حافظاً جليل الشأن وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع رأساً وجميع بلاد خراسان روى عن حميد وهشام بن عروة والكبار وكان رأساً في الحديث رأساً في ا للغة والنحو ثقة صاحب سنة قال ابن الأهدل ضاقت معيشته بالبصرة فرحل إلى خرسان فشيعه من البصرة نحو من ثلثمائة عالم فقال لهم لو وجدت كل يوم كليجة باقلاء مافارقتكم فيهم فيه من تكفل له بذلك وأقام

(2/7)


8 بمرو واجتمع له هناك مال سمع النضر من هشام بن عروة وغيره من أئمة التابعين وسمع عليه ابن معين وابن المدني وغيرهم وروى المأمون يوماً عن هشيم بسنده المتصل إلى رسول الله إذا تزوج المرأة لدينها وجمالها فيها سداد من عوز بفتح السين فرده النضر وقال هو بكسر السين فقال له المأمون تلحنني فأقصر فقال إنما لحن هشيم وكان لحانة لأن السداد بالفتح القصد في الدنيا والسبيل وبالكسر البلغة وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد يعني بكسر السين ومنه قول العرجي ( أضاعوني وأى فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغر ) فأمر له بجائزة جزيلة والعرجي المذكور منسوب إلى العرج منزلة بين مكة والمدينة شاعر مشهور أموي حبسه محمد بن هشام المخزومي أمير مكة وخال عبد الملك لما شبب بأمه فأقام في الحبس سبع سنين ومات فيه عن ثمانين سنة وبعد البيت المذكور ( وصبر عند معترك المنايا * وقد شرعت أسنتها بنحري ) وفيها الوليد بن القسم الهمذاني الكوفي روى عن الأعمش وطبقته وكان ثقة وفيها الوليد مزيد العذري البيروتي صاحب الأوزاعي وفيها الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي المقرىء الحافظ الفقيه أخذ القراءة عن أبي بكر بن عياش وسمع من يونس بن أبي أسحق ونصر بن خليفة وهذه الطبقة وصنف التصانيف قال أبو أسامة كان بعد الثوري في زمانه يحيى ابن آدم وقال أبو داود يحيى بن آدم واحد الناس وذكره ابن المديني فقال رحمه الكوفي الأحوال أبو زكريا روى عنه أحمد واسحق وغيرهما وكان إماماً علامة من المصنفين حافظاً ثقة فقيهاً من المتقنين اه

(2/8)


9 سنة أربع ومائتين فيها أعاد المأمون لبس السواد وفيها في سلخ رجب توفي فقيه العصر والإمام الكبير والجليل الخطير أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي بمصر وله أربع وخمسون سنة أخذ عن مالك ومسلم بن خالد الزنجي وطبقتهما وكان مولده بغزة ونقل إلى مكة وله سنتان قال المزني ما رأيت أحسن وجهاً من الشافعي إذا قبض على لحيته لا تفضل عن قبضته وقال الزعفراني كان خفيف العارضين يخضب بالحناء وكان حاذقاً بالرمى يصيب تسعة من العشرة وقال الشافعي استعلمت اللبان سنة الحفظ فأعقبني صب الدم سنة قال يونس بن عبد الأعلى لو جمعت أمة لوسعهم وقال اسحق بن راهويه لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال تعالى حتى رأيت رجلاً لم تر عيناك مثله قال الشافعي سميت ببغداد ناصر الحديث وقال أبو داود ما أعلم للشافعي حديثاً خطأ وقال الشافعي ما شيء أبغض إلى من الكلام وأهله قاله في العبر وقال السيوطي في حسن المحاضرة الإمام الشافعي أبو عبد الله محمد ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف جد رسول الله والسايب جده صحابي أسلم يوم بدر وكذا ابنه شافع لقي النبي وهو مترعرع ولد الشافعي سنة خمسين وماية بغزة أو بعسقلان أو اليمن أو مني أقوال ونشأ بمكة وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين والموطأ وهو إبن عشر وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة وأذن له في الإفتاء وعمره خمس عشرة سنة وأخذوا عنه وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم ثم عاد إلى مكة ثم خرج إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها شهراً ثم خرج إلى مصر وصنف به كتبه الجديدة

(2/9)


10 كالأئم وال مالي الكبرى والإملاء الصغير ومختصر البويطي ومختصر المزني ومختصر الربيع والرسالة والسنن قال ابن زولاق صنف الشافعي نحواً من مائتي جزء ولم يزل بها ناشراً للعلم ملازماً للإشتغال إلى أن أصابته ضربة شديدة فمرض بسببها أياماً ثم مات يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين قال ابن عبد الحكم لما حملت أم الشافعي به رأبت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شظية فتأوله أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفق في سائر البلدان وقال الإمام أحمد أن الله تعالى يقيض للناس في كل راس مائة سنة من يعلمهم السنن وينفى عن رسول الله الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي وقال ابن الربيع كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة وكان يحيى الليل إلى أن مات وقال أبو ثور كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن ويجمع مقبول الأخبار فيه وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب الرسالة قال الأسنوي الشافعي أول من صنف في أصول الفقه باجماع وأول من قرر ناسخ الحديث من منسوخه وأول من صنف في أبواب كثيرة من الفقه معروفة اه كلام السيوطي وكان يقول ودت أن لو أخذ عني هذا العلم من غير أن ينسب إلى منه شيء وقال ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الله الحق على يديه وكان يقول لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله أنت أعلم بالحديث مني فإذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شامياً كان أو كوفياً أو بصرياً وكان رضي الله عنه مع جلالة قدره شاعراً مفلقاً مطبوعاً فمن شعره الرائق الفائق قوله ( وما هي إلا جيفة مستحيلة * عليها كلاب همهن اجتذابها ) ( فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها * وأن تجتذبها نازعتك كلابها )

(2/10)


11 ( ماحك جلدك مثل ظفرك * فتول أنت جميع أمرك ) ( وإذا بليت بحاجة * فاقصد لمعرف بقدرك ) وقوله معارضاً لابن الأزرق وهو الغاية في المناة ( إن الذي رزق اليسار ولم ينل * أجراً ولا حمداً لغير موفق ) ( فإذا سمعت بأن مجدوداُ حوى * عوداً فأتمر في يديه فصدق ) ( وإذا سمعت بأن مجذوذاً أتى * ماءاً لير به فغاض فحقق ) ( لو أن بالحيل الغنى لوجدتني * بنجوم ارجاء السماء تعلقي ) ( لكن من رزق الحجا حرم الغنى * ضدان مفترقان أي تفرق ) 0 وأحق خلق الله بالهم امرؤ * ذو همة يبلى برزق ضيق ) ( وما الدليل على القضاء وكونه * بؤس اللبيب وطيب عيش الحمق ) وله ( من نال متى أو علقت بذمته * أبرأته لله شاكر منته ) ( أأرى معوق مؤمن يوم الجزا * أو أن أسوء محمداً في امته ) وقال ( إذا المرء أفشى لصديقه * ودل عليه غيره فهو أحمق ) ( إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه * فصدر الذي أودعته السر أضيق )
0 ومما ينسب إليه ( على ثياب لو تباع جميعها * بفلس لكان الفلس منهن أكثرا ) ( وفيهن نفس لو تقاس بمثلها * نفوس الورى كانت أعزو أكبرا ) وفيها قاضي ديار مصر اسحق بن الفرات أبو نعيم التجيبي صاحب مالك قال الشافعي ما رأيت بمصر أعلم باختلاف الناس من اسحق بن الفرات رحمه الله وقد روى اسحق رحمه الله أيضاً عن حميد بن هاني والليث بن سعد وغيرهما

(2/11)


12 وفي ثامن عشر شعبان أشهب بن عبد العزيز أبو عمرو والعامري صاحب مالك وله أربع وستون سنة وكان ذا مال وحشمة وجلالة قال الشافعي ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه وكان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت أشيب يدعوه على الشافعي بالموت فبلغ ذلك الشافعي فقال ( تمنى رجال أن أموت وأن أمت * فتلك طريق لست فيها بأ وحد ) ( فقهل للذي يبغي خلاف الذي مضى * تزود لأخرى مثلها فكأن قد ) ومكث أشهب بعد الشافعي شهراً قال ابن عبد الحكم وكان قد اشترى من تركة الشافعي عبداً فاشتريت ذلك العبد من تركه الشافعي عبداً فاشتريت ذلك العبد من تركه أشهب وفيها أبو على الحسن بن زياد اللؤلؤى الكوفي قاضي الكوفة وصاحب أبي حنيفة وكان يقول كتبت عن ابن جريج اثني عشر اأف حديث قال في العبر ولم يخرجوا له في الكتب الستة لضعفه وكان أساً في الفقه اه وفيها الإمام أبو داود الطيالسي واسمه سليمان بن داود البصري الحافظ صاحب المسند كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث قال الفلاس ما رأيت احفظ منه وقال عبد الرحمن بن مهدي هو أصدق الناس قال في العبر قلت كتب عن ألف شيخ منهم أبوعون وطبقته اه وقال ابن ناصر الدين الحافظ الكبير من الحفاظ على حفظه قال عمر بن شيبة كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث اه وقيل أنه أكل حب البلادر لأجل الحفظ والفهم فأحدث له جزاماً وبرصا وفيها شجاع بن الوليد الكفوي أبو بدر قال ابن ناصر الدين كان ثقة ورعا عابداً متقنا اه وقال في العبر كان من صلحاء المحدثين وعلمائهم روى عن الأعمش والكبار قال سفيان الثوري ليس بالكفوة أبعد من شجاع بن الوليد اه وفيها أبو بكر الحنفي عبدا لكبير بن عبد المجيد أخو أبي على الحنفي بصرى مشهور صاحب حديث روى عن خيثم بن غزال وجماعة

(2/12)


13 وفيها أبو نصر عبد الوهاب بن عطاء الخفاف بصري صاحب حديث واتقان سمع من حميد وخالد الحذاء وطائفة قال ابن ناصر الدين عبد الوهاب بن عطاء العجلي الخفاف أبو نصر أحد علماء البصرة والحفاظ الهرة جاء توثيقه عن الدارقطني وابن معين وتكلم فيه البخاري وغيره بأنه ليس بالقوى فقيه لين اه وفيها هشام بن محمد بن السائب الكلبي الأخباري النسابة صاحب كتاب الجمهرة في النسب ومصنفاته تزيد على مائة وخمسين تصنيفاً فيال التاريخ والأخبار وكان حافظاً علامة إلا أنه متروك الحديث فيه رفض روى عن أبيه وعن مجالدين سعيد ويغرهما قاله في العبر سنة خمس ومائتين فيها توفي اسحق بن منصور السكوني الكوفي روى عن إسرائيل وطبقته وفيها أبو عبد الله بسر بن بكر الدمشقي ثم التنيسي محدث تنيس حدث عن الأوزاعي وجماعة زفي جمادى الأولى أبو محمد روح بن عبادة القيسي البصري الحافظ روى عن ابن عون وابن جريج وصنف في السنن والتفسير وغير ذلك وعمر دهراُ قال ابن ناصر الدين روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري أبو محمد ثقة مكثر مفسر انتهى وفيها الزاهد القدوة أبو سليمان الدارني العنسي أحد الإبدال كان عديم النظير زهداً وصلاحاً وله كلام رفيع في التصوف والمواعظ من كلامه من أحسن في نهاره كوفيء في ليلة ومن أحسن في ليله كوفيء في نهاره ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه والله أكرم من أن يعذب قلباً ترك شهوة له وأفضل الأعمال خلاف هوى النفس وله كرامات و خوارق ونسبته إلى داريا قربة بغوطة دمشق أو داران قيل وهذا الصحيح والعنسى نسبة إلى عنس بن مالك رجل من مذحج

(2/13)


14 وفيها أوفى التي قبلها وبه جزم ابن ناصر الدين أبو عامر العقدي عبد الملك ابن عمرو والبصري أحد الثقات المكثرين روى عن هشام الدستوائي قال ابن ناصر الدين كن أماماُ أميناً ثقة مأموناً وفيها محمد بن عبيد الطنافسي الحدب الكوفي الحافظ سمع هشام بن عروة والكبار قال ابن سعد كان ثقة صاحب سنة وقال ابن ناصر الدين هو وأخواه يعلى وعمر من الموثقين اه وفيها قارىء أهل البصرة يعقوب بن أسحق الحضرمي مولاهم المقرىء النحوي أحد العلام قرأ على أبي المنذر سلام الطويل وسمع من شعبة وأقرانه تصدر للأقراء والتحديث وحمل عنه خلق كثير وله في القراءة رواية مشهورة ثامنة على قراءة السبعة رواها عنه روح بن عبد المؤمن وغيره واقتدى به البصريون وأكثرهم على مذهبه بعد أبى عمرو بن العلاء وقد حافظ البغوي في تفسيره على رواية قراءته وقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع وذكر سندهما إلى رسول الله قال أبو حاتم السستاني كان يعقوب الحضرمي أعلم من أدركنا في الحروف والإختلاف في القرآن العظيم وتعليله ومذاهبه ومذاهب النحو بين فيه وكتابه الجامع جمع فيه بين عامة الإختلاف ووجوه الفراءات ونسب كل حرف إلى منن قرأ به سنة ست ومائتين وفيها استعمل المأمون على بغداد اسحق بن إبراهيم الخزاعي فوليها مدة وهو الذي كن يمتحن الناس بخلق القرآن في أيام ا لمأمون والمعتصم والواثق وفيها كان المد الذي غرق منه السواد ذهبت الغلات وفيها نكث بابك الخرمي عيسى بن محمد بن أبي خالد وفيها استعمل المأمون على تجارته نصر بن شيث وولاه الديار المصرية

(2/14)


15 وفيها في رجب توفي أبو حذيفة اسحق بن بشر البخاري وصاحب المبتدأ روى عن إسماعيل بن أبي خالد وابن جريح والكبار فأكثر وأغرب وأتى بالطامات فتركوه وفيها في ربيع الأول حجاج بن محمد المصيصي العور صحب ابن جريج وأحد الحفاظ الثقات المتقنين المكثرين الشابطين قال أحمد ما كان أصح حديثه وأضبطه وأشد تعاهده للحروف وشبابة بن سوار المدايني الحافظ روى عن ابن أبي ذئب وطبقته وكان ثقة مرجئاً وفي رمضان عبد الله بن نافع المدني الصائغ الفقيه صاحب مالك روى عن زيد بن أسلم وطائفة قال أحمد بن صالح كان أعلم الناس برأى مالك وحديثه وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث بل كان صاحب رأى مالك ومفتي المدينة وخرج له مسلم والأربعة قال في المغني عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك وثق وقال البخاري في حفظه شيء قال أحمد بن حنبل لم يكن بذاك في الحديث اه وفيها محاضر بن المورع الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته وهو صدوق وقد خرج له مسلم وأبو داود والنسائي قال في المغني عن الأعمش وغيره قال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال أحمد كان مغفلاً جداً لم يكن من أصحاب الحديث أه وفيها قطرب النحوي صاحب سيبويه وهو الذي سماه قطراً لأنه كان يبكر في المجيء إليه فقال ما أنت إلا قطرب ليل وهي دويبة لا تزال تدب ولا تهتدي فغلب عليه وكنية قطرب أبو على واسمه محمد بن المستنير البصري اللغوي كان من أئمة عصره صنف معاني القرآن وكتاب الإشتقاق وكتاب القوافي وكتاب النوادر وكتاب الأزمنة وكتاب الأصول وكتاب الصفات وكتاب

(2/15)


16 العلل في النحو وكتاب الأضداد وكتاب خلق الإنسان وكتاب خلق الفرس وكتاب غريب الحديث وكتاب الهمز وكتاب فعل وأفعل وكتاب الرد على الملحدين في متشابه القرآن وغير ذلك وهو أول نم وضع المثلث في اللغة وتبعه البطليوسي والخطيب وكان يعلم أولاد أبي دلف العجلي وفيها مؤمل بن إسماعيل في رمضان بمكة وكان من ثقات البصر روى عن شعبة والثوري وفيها أبو العباس وهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري المحافظ أكثر عن أبيه وابن عون وعدة وفيها الإمام الزياتي يزيد بن هارون أبو خالد الواسطي الحافظ روى عن عاصم الأحول والكبار قال علي بن المديني مارأيت رجلاً قط احفظ من يزيد ابن هارون يقول احفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر وقال يحيى بن يحييى التميمي هو احفظ من وكيع وقال أحمد بن سنان القطان كان هو وهشيم معروفان بطول صلاة الليل والنهار وقال يحيى بن أب يطالب سمعت من يزيد ببغداد وكان يقال أن في مجلسه سبعين ألفاً وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً إماماُ ثقة مأموناً مناقبه جمة خطيرة قال شعيب سمعت يزيد يقول احفظ أٍربعة وعشرين ألف حديث ولا فخر واحفظ للشاميين عشرين ألفاً لا أسأل عنها اه سنة سبع ومائتين فيها توفي طاهر بن الحسين فجاءة على فراشه وحم ليلة وكان تلك الأيام قد قطع دعوة المأمون وعزم على الخروج عليه فأتى الخبر إلى المأمون بأنه خلعه فما أمسي حتى جاءه الخبر بموته وقام بعده ابنه طلحة فأقره المأمون على خراسان فوليها سبع سنن وبعده ولى أخوه عبد الله قال ابن الأهدل طاهر بن الحسين الخزاعي وقيل مولاهم الملقب ذا اليمينين كان جواداُ شجاعاً ممدحاً وهو الذي قتل

(2/16)


17 الأمين وكان المأمون قد أخدمه غلاماه رباه وأمره أن رأى منه ما يريبه سمه فلما تمكن طاهر من خراسان قطع خطبة المأمون أي وخطب لنفسه فأصبح يوم السبت ميتا واستخلف المأمون ولده طلحة بن طاهر وقيل جعله نائبا لأخيه عبد الله بن طاهر وسيأتي ذكر ولده عبد الله سنة ثلاثين وولد ولده سنة ثلثمائة أه وفيها أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو حريث المخزومي العمري الكوفي عن نيف وتسعين سنة سمع من الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد والكبار قال أبو حاتم صدوق وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التميمي التنوري أبو سهل روى عن أبيه هشام الدستوائي وشعبة وكان ثقة صاحب حديث قال ابن ناصر الدين كان محدث البصرة وأحد الثقات اه وفيها عمر بن حبيب العدوي البصري في أول السنة روى عن حميد الطويل ويونس بن عبيد وجماعة وولي قضاء الشرقية للمأمون قال ابن عدي هو مع ضعفه حسن الحديث وقال في المغني عمر بن حبيب العدوي القاضي عن هشام بن عروة كذبه ابن معين وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه اه وفيها قراد أبو نوح بن غزوان عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي توفي ببغداد وحدث عن عوف وشعبة وطائفة قال أحمد بن حنبل كان عاقلا من الرجال وقال ابن المديني ثقة وقال ابن معين ليس به بأس وكثير بن هشام الكلابي الرقي رواية جعفر بن برقان توفي ببغداد في شعبان وفيها محمد بن عبد الله بن كنانة الأسدي النحوي الأخباري الكوفي سمع هشام بن عروة والأعمش ومات في شوال على الصحيح قال في المغني محمد بن كنانة الأسدي عن الأعمش وثقه ابن معين وغيره وقال أبو حاتم لا يحتج به أه =

ج2. : شذرات الذهب - ابن العماد
موافق للمطبوع

18 والواقدي قاضي بغداد أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني العلامة أحد أوعية العلم روى عن ثور بن يزيد وابن جريج وطبقتهما وكان يقول حفظي أكثر من كتبي وقد تحول مرة فكانت كتبه مائة وعشرين حملا ضعفه الجماعة كلهم قال ابن ناصر الدين أجمع الأئمة على ترك حديثه حاشا ابن ماجه لكنه لم يجسر أن يسميه حين أخرج حديثه في اللباس يوم الجمعة وحسبك ضعفا بمن لا يجسر أن يسميه ابن ماجه اه وقال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي صاحب التصانيف مجمع على تركه وقال ابن عدي يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه وقال النسائي كان يضع الحديث وقال ابن ماجه حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا شيخ ثنا عبد الحميد بن صفوان فذكر حديثا في لباس الجمعة وحسبك بمن لا يجسر ابن ماجه أن يسميه اه قلت وقد كذبه أحمد والله أعلم وقال ابن أبي الأهدل الإمام الواقدي أبو عبد الله محمد بن واقد وعشرين حملا وضعفه أهل الحديث ووثقوا كاتبه محمد بن سعد من تصانيفه كتاب الردة ذكر فيه المرتدين وما جرى بسببهم وكان المأمون يكرمه ويراعيه روى عنه قال كان لي صديقان أحدهما هاشمي وكنا كنفس واحدة فشكوت إليه عسرة فوجه إلي كيسا مختوما فيه ألف درهم فما استقر في يدي حتى جاءني كتاب صديقي الآخر يشكو مثل ذلك فوجهته إليه كما هو وخرجت إلى المسجد فبت في حياء من زوجتي ثم إن صديقي الهاشمي شكا إلى صديقي الآخر فأخرجه إليه بحالةه فجاءني به حين عرفه وقال اصدقني كيف خرج منك فعرفته الحكاية فتواجهنا وتواسيناه بيننا وعزلنا للمرأة مائة درهم ونمى الخبر إلى المأمون فوجه إلى كل منا ألف دينار وللمرأة ألفا وقد ذكر هذه الحكاية الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد أه كلام ابن الأهدل وفيها بشر بن عمر الزهراني كان ثقة متقنا ذا علم وحديث وكنيته أبو محمد وفيها أبو كامل مظفر بن مدرك الخراساني ثم البغدادي كان ثقة مأمونا أخذ

(2/18)


19 أحمد بن حنبل ويحي بن معين وآخرين وفيها أبو نضر هاشم بن القاسم الخراساني قيصر نزل بغداد وكان حافظا قوالا بالحق سمع شعبة وابن أبي ذئب وطبققتهما ووثقه جماعة قال ابن ناصر الدين هو ثقة ماجد شيخ لأحمد بن حنبل اه وفيها الهيثم بن عدي أبو عبد الرحمن الطائي الكوفي الأخباري المؤرخ روى عن مجالد وابن إسحاق وجماعة وهو متروك الحديث وقال أبو داود السجستاني كذاب وفيها الفراء يحي بن زياد الكوفي النحوي نزل بغداد وحدث في مصنفاته عن قيس بن الربيع وأبي الأحوص وهو أجل أصحاب الكسائي كان رأسا في النحو واللغة قال ابن الأهدل في تاريخه الإمام البارع يحي بن زياد الفرائ كوفي أجل أصحاب الكسائي هو والأحمر قيل لولاه لما كانت عربيه لأنه هذبها وضبطها وقال ثمامة بن أشرس المعتزلي ذاكرت الفراء فوجدته في النحو نسيج وحده وفي اللغة بحرا وفي الفقه عارفا باختلاف القوم وفي الطب خبيرا وبأيام العرب وأشعارها حاذقا ولحن يوما بحضرة الرشيد فرد عليه فقال يا أمير المؤمنين إن طباع الأعراب والحضر اللحن فإذا تحفظت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطبع لحنت صنف الفراء للمأمون كتاب الحدود في النحو وكتاب المعاني واجتمع لإملائه خلق كثير منهم ثمانون قاضيا وعمل كتابا على جميع القرآن في نحو ألف ورقة لم يعمل مثله وكل تصنيفه حفظا لم يأخذه بيده نسخة إلا كتاب على جميع القرآن في نحو ألف ورقة لم يعمل مثله وكل تصنيفه حفظا لم يأخذ بيده نسخة إلا كتاب ملازم وكتاب نافع وعجب له تعظيم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه قال الفراء أموت وفي نفسي من حتى شيء لأنها تجلب الحركات الثلاثة ولم يعمل الفراء ولا باعها وإنما كان يفري الكلام وقطعت يد والده في مقتلة الحسين بن علي رضي الله عنه وكان يؤدب ابني المأمون فطلب نعليه يوما فابتدر إليهما يسبق إلى تقديمهما له فقال له المأمون ما أعز من يتبادر إلى تقديم نعليه وليا عهد المسلمين فقال ما كنت أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها

(2/19)


وشريفة حرصا عليها وقد أمسك ابن عباس بركابي الحسن والحسين وقد خرجا من عنده قال المأمون لو منعتهما لأوجعتك
20 لوما فلا يحسن ترفع الرجل عن ثلاثة والده وسلطانه ومعلمه وأعطاهما عشرين ألف دينار وأعطاه عشرة آلاف وروى أن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة سأل الفقراء وهو ابن خالته عمن سها في سجود السهو فقال لا شيء عليه لأن المصغر لا يصغر وروى عن الكسائي انتهى كلام ابن الأهدل سنة ثمان ومائتين فيها جاء سيل بمكة حتى بلغ الماء الحجر والباب وهدم أكثر من ألف دار ومات نحو من ألف إنسان وفيها سار الحسن بن الحسين بن مصعب الخزاعي إلى كرمان فخرج بها فسار لحربه أحمد بن أبي خالد فظفر به وأتى به المأمون فعفا عنه وفيها توفي الأسود بن عامر نب شاذان أبو عبد الرحمن ببغداد روى عن هشام ابن حسان وشعبة وجماعة قال ابن ناصر الدين كان ثقة حافظا وسعيد بن عامر الضبعي أبو محمد البصري أحد الأعلام في العلم والعمل روى عن يونس بن عبيد وسعيد بن أبي عروبة وطائفة قال أحمد بن حنبل ما رأيت أفضل منه وقال ابن ناصر الدين وأخذ عنه أحمد وغيره وقال يحي القطان هو شيخ المصر منذ أربعين سنة اه وتوفي في شوال وعبد الله بن السهمي الباهلي أبو وهب البصري روى عن حميد الطويل وبهز بن حكيم وطائفة وكان ثقة مشهورا توفي في المحرم ببغداد والفضل بن الربيع بن يونس الأمير حاجب الرشيد وابن حاجب المنصور وهو الذي قام بأعباء خلافة الأمين ثم اختفى مدة بعد قتل الأمين توفي في ذي القعدة قال ابن الأهدل هو وزير الرشيد بدلا عن البرامكة وقد كان بينه وبينهم أحن وشحناء دخل يوما على يحي بن خالد وابنه جعفر يوقع بين يديه فعرض عليه الفضل عشر رقاع للناس فلم يوقع له في واحدة منهن فجمع رقاعه وقال ارجعن خائبات وخرج وهو يقول

(2/20)


21 ( عسى وعسى يثني الزمان عنانه * بتصريف حال والزمان عثور ) ( فتقضي لبانات وتشفي حسايف * ويحدث من بعد الأمور أمور ) والحسائف الضغائن فقال له يحي عزمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت فرجع فوقع له فيها كلها ولم يمتد أمرهم بعدها وكانت نكبتهم على يده اه وفيها توفيت السيدة نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد الحسن بن علي بن أبي طالب الحسنية صاحبة المشهد بمصر ولي أبوها إمرة الدينة للمنصور ثم حبسه دهرا ودخلت هي مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق وتوفيت في شهر رمضان وقال ابن الأهدل وقيل قدمت مصر مع ابنها وكانت من الصالحات سمع عليها لاشافعي وحملت جنازته يوم مات فصلت علي ولما ماتت هم زوجها إسحاق بحملها إلى المدينة فأبى أل مصر فدفنت بين القاهرة ومصر يقال أن الدعاء يستجاب عند قبرها قال الذهبي ولم يبلغنا شيء من مناقبها وللجهال فيها اعتقاد لا يجوز وقد يبلغ بهم إلى الشرك بالله فإنهم يسجدون للقبر ويطلبون منه المغفرة وكان أخوها القاسم بن حسن زاهدا عابدا قلت وسلسلتها في النسب وسماع الشافعي منها وعليها وحمله ميتا إلى بيتها أعظم منقبة فلم يكن ذلك إلا عن قبول وإقبال ويت وإجلال نفع الله بها ومبلغها انتهى ما قاله ابن الأهدل وفيها القاسم بن الحكم العرني الكوفي قاضي همدذان روى عن زكريا بن يحي ابن أبي زائدة وأبي حنيفة وجماعة وقد كان أراد الإمام أحمد أن يرحل إليه وخرج له الترمذي وقال في المغني وثقه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به اه وقريش بن أنس البصري روى عن حميد وابن عون وجماعة قال النسائي ثقة إلا أنه تغير ومات في رمضان ومحمد بن مصعب القرقساني روى عن الأوزاعي وإسرائي وضعفه النسائي وغيره وهارونن بن بن علي المنجم الفاضل البغدادي صنق تاريخ المولدين جمع مائة وإحدى وستين شاعرا افتتحه بذكر بشار بن برد وختمه بمحمد بن عبد الملك

(2/21)


22 ابن صالح واختار من شعرهم الزبد دون الزبد وصنف غير ذلك ويحي بن حسان التنيسي أبو زكريا روى عن معاوية بن سلام وحماد بن سلمة وطائفة وكان إمام حجة من جلة المصريين توفي في رجب ويحي بن بكير العبدي قاضي كرمان حدث عن شعبة وأبي جعفر الرازي والكبار وثقه ابن معين وغيره قال ابن ناصر الدين واسم أبيه قيس بن أبي أسيد بالتصغير وكان ثقة أخطأ في إسناد واحد مع كثرة حفظه اه ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني نزيل بغداد سمع أباه وعاصم بن محمد العمري والليث بن سعد وكان إماما ثقة ورعا كبير القدر ويونس بن محمد البغدادي المؤدب الحافظ روى عن سفيان وفليح بن سليمان وطائفة وتوفي في صفر قال ابن ناصر الدين يونس بن محمد بن مسلم المكتب كان ثقة اه سنة تسع ومائتين فيها طال القتل بين عبد الله بن طاهر ونصر بن شبيب العقيلي إلى أن حضره في قلعة ونال منه فطلب نصر الأمان فكتب له المأمون أمانا وبعثه إليه فنزل وهدم الحصن وفيها توفي الحسن بن الأشيب أبو علي البغدادي قالضي طبرستان بعد قضاء الموصل روى عن شعبة وحريز بن عثمان وطائفة وكان ثقة مشهورا وحفص بن عبد الله السلمي أبو عمرو النيسابوري قاضي نيسابور سمع مسعرا ويونس بن أبي إسحاق وأكثر عن إبراهيم بن طهمان ومكث عشرين سنة يقضي بالآثار وكان صدوقا وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد الحميد البصري روى عن قرة ن خالد ومالك ابن مغول وطائفة وعثمان بن عمر ن فارس العبدي البصري الرجل الصالح روى عن ابن عون وهشام بن حسان ويونس بن يزيد وطائفة توفي في ربيع الأول بالبصرة

(2/22)


23 ويعلى بن عبيد الطنافسي أبو يوسف الكوفي روى عن الأعمش ويحي بن سعيد الأنصاري والكبار فعن أحمد بن يونس قال ما رأيت أفضل منه سنة عشر ومائتين فيها على ما قاله ابن الجوزي في الشذور عرس المأمون على بوران ففرش له يوم البناء حصير من ذهب ونثر عليه ألف حبة من الجوهر وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة رطل ونثر على القواد رقاع بأسماء صياع فمن وقعت بيده رقعة أشهد له الحسن بالضيعة وكان الحسن بن سهل يجري في مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين ألف ملاح فلما أراد المأمون الأصعاد أمر له بألف ألف دينار وأقطعه مدينة الصلح وقال ابن الأهدل وفي سنة عشر ومائتين تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل بواسط وكان عرسا لم يسمع بمثله في الدنيا نثر فيه على الهاشميين والقواد الوجوه بنادق مسك فيها رقاع متضمنة لضياع وجوار ودواب ومن وقع في حجره بندقة ملك ما فيها رقاع متضمنة لضياع وجوار ودواب ومن وقع في حجره بندقة ملك فيها وأقام أبوها الجيش كله بضعة عشر يوما فكتب له المأمون بخراج فارس والأهواز سنة ودخل عليها في الليل الثالثة من وصوله فلما قعد عندها نثرت جدتها ألف درة فقال لها سلي حوائجك فقالت الرضى عن إبراهيم ابن المهدي ففعل ولما أصبح جلس للناس فقال له أحمد بن يوسف الكاتب باليمن والبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة فقال يعرض بحيضها ( فارس ماض بحربته * صادقا بالطعن في الظلم ) ( رام أن يدمي فريسته * فاتقته من دم بدم ) انتهى ما قاله ابن الأهدل وفيها توفي أبو عمرو الشيباني إسحاق بن مرار الكوفي اللغوي صاحب التصانيف

(2/23)


24 وله تسعون سنة وكان ثقة علامة خيرا فاضلا والحسن بن محمد بن أعين الحراني أبو علي مولى بني أمية روى عن فليح بن سليمان وزهير بن معاوية وطائفة وفيها علي بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسن العلوي الحسيني روى عن أبيه وأخيه موسى وسفيان الثوري وكان من جلة السادة الأشراف ومحمد بن صالح بن بهيس الكلابي أمير عرب الشام وسيد قيس وفارسها وشاعرها والمقاوم لأبي العميطر السفياني والمحارب له حتى شتت جموعه فولاه المأمون دمشق وكانت له آثار حسنة وفيها مروان بن محمد الطاطري أبو بكر الدمشقي صاحب سعيد بن عبد العزيز كان إماما ثقة متقنا صالحا خاشعا منجلة الشاميين قال الطبراني كل من يبيع ثياب الكرابيس بدمشق يسمى الطاطري اه وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن الجوزي وابن ناصر الدين أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي العلامة الأخباري احب التصانيف روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء وكان أحد أوعية العلم قا ابن ناصر الدين حكى عنه البخاري في تفسير القرآن لبعض لغاته وكان حافظا لعلوم إماما في مصنفاته قال الدارقطني لا بأس به إلا أنه يتهم بشيء من رأي الخوارج أه وقال ابن الأهدل وفي سنة تسع ومائتين توفي معمر بن المثنى التيمي تيم قريش مولاهم كان مع استجماعه لعلوم جمة مقدوحا فيه بأنه يرى رأي الخوارج ويدخله في نسبه وغير ذلك وكانت تصانيفه نحو مائتي مصنف قرأ عليه الرشيد شيئا منها قل أبو نواس الأصمعي بلبل في قفص وأبو عبيدة أديم طوي على علم وخلف الأحمر جمع علوم الناس وفهمها وإنما قال ذلك لأن الأصمعي كان حسن العبارة وكان معمر سيء العبارة وحضر أبو عبيدة ضيافة لموسى بن عبد الرحمن الهلالي فوقع على ثوبه المرق فأقبل موسى يعتذر إليه فقال لا عليك فإن مرقكم لا يؤذي أي ما فيه دسم وله كتاب المجاز وسبب تصنيفه أنه سئل عن قوله تعالى ( ^ طلعها كأنه

(2/24)


25 رؤوس الشياطين ) قيل له أن الوعد والإيعاد لا يكون إلا بما عرف وهذا لم يعرفه فقال خوطب العرب بقدر كلامهم كقول امرئ القيس ( أتقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال ) والغول لم يروها قط ولكنها مما يهولهم وله مع الأصمعي مناظرات وممن أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام اهكلام بن الأهدل والله أعلم سنة إحدى عشرة ومائتين وفيها أمر المأمون فنودي برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير وأن أفضل الخلق بعد النبي رضي الله عنه وفيها توفي أبو الجواب أحوص بن جواب الكوفي روى عن يونس بن أبي إسحاق وسفيان الثوري وجماعة وخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم قال في المغني أحوص بن جواب صدوق قال ابن معين ليس بذاك الوي قال أبو حاتم صدوق اه وأبو العتاهية إسماعيل بن القاسم العنزي الكوفي الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة وأكثر الناس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة وكان يقول بالوعيد وتحريم المكاسب ويتشيع على مذهب الزيدية وكان محيرا وهو من مقدمي المولدين ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس أعطاه المهدي مة سبعين ألفا وخلع عليه ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي حبس ليدل عليه فأبى فضربت عنقه وقيل لأبي العتاهية إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله فقاله فاطلقوه ويقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال عذب الماء فطابا ثم قال أجيزوا فترددوا ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته وقرب مأخذه حى طلع أبو العتاهية فقالوا هذا قال وفيم أنتم قالوا قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه قال وما الذي قال قالوا عذب الماء فطابا فقال أبو العتاهية

(2/25)


26 حبذا الماء شرابا ومن رائق شعره قوله في عتبة جارية الخيزران وكان يهواها ويشبب بها وهو ( بالله يا حلوة العينين زوريني * قبل الممات وإلا فاستزيريني ) هذان أمران فاختاري أحبهما * إليك أولا فداعي الموت يدعوني ) ( إن شئت مت فأنت الدهر مالكة * روحي إن شئت أن أحيا فتحميني ) ( يا عتب ما أنت إلا بدعة خلقت * من غير طين وخلق الناس من طين ) ( إني لأعجب من حب يقربني * ممن يباعدني منه ويعصيني ) ( أما الكثير فلا أرجوه منك ولو * أطعمتني في قليل كان يكفيني ) وقوله في تشبيه البنفسج ( ولازوردية تزهو بزرقتها * بين الرياض على حمر اليواقيت ) ( كأنها ورقاق القضب بتحملها * أوائل النار في أطراف كبريت ) قال الشريف العباسي في شرح الشواهد كان أبو العتاهية في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين ثم كان يبيع الفخار ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم ويقال أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية وحدث خليل بن أسد الفرشجاني قال أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال زعم الناس أني زنديق والله ما ديني إلا التوحيد فقلنا فقل شيئا نتحدث به عنك فقال ( ألا إننا كلنا بائد * وأي بني آدم خالد ) ( وبدؤهم كان من ربهم * ولك إلى ربهم عائد ) ( فيا عجبا كيف يعصي الإله * أم كيف يجحده الجاحد ) ( وفي كل شيء له شاهد * يدل على أنه واحد ) وكان من أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمع من الأموال وأبو العتاهية لقب غلب عليه لأنه كان يحب الشهوة والمجون فكنى بذلك لعتوه انتهى ملخصا وفيها أبو زيد الهروي سعيد بن الربيع البصري وكان يبيع الثياب الهروية روى عن قرة بن خالد وطائفة

(2/26)


27 وفيها أو في سنة عشر وه الصحيح يحي السيلحيني بن إسحاق والسيلحين موضع بالحيرة كان ثقة صدوقا وطلق بن غنام النخعي الكوفي كاتب حكم شريك القاضي روى عن مالك ابن مغول وطبقته وهو وأبو زيد الهروي أقدم من مات من شيوخ البخاري وفيها عبد الله بن صالح العجلي الكوفي المقرئ المحدث والد الحافظ أحمد ان عبد الله العجلي نزيل المغرب قرأ القرآن على حمزة وسمع من إسرائيل وطبقته وأقرأ وحدث ببغداد وفيها عبد الرزاق بن همام العلامة الحافظ أبو بكر الصنعاني صاحب المصنفات روى عن معمر وابن جريج وطبقتهما ورحل الأئمة إليه إلى اليمن وله أوهام مغمورة في سعة علمه عاش بضعا وثمانين سنة وتوفي في شوال قال ابن ناصر الدين وثقه غير واحد لكن نقموا عليه التشيع اه وعلي بن الحسين بن واقد محدث مرو وابن محدثها روى عن أبيه وأبي حمزة السكري وخرج له الأربعة قال في المغني علي بن الحسين بن واقد المروزي صدوق وثق وقا أبو حاتم ضعيف اه ومعلى بن منصور الرازي الفقيه نزيل ببغداد روى عن الليث ب سعد وغيره روى أنه كان يصلي فوقع عليه كور الزنانير فأتم صلاته فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من الانتفاخ وهو من الثقات سنة اثنتي عشرة ومائتين فيها جهز المأمون جيشا عليهم محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك الخرمي وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن مع ما أظهر في العام الماضي من التشيع فاشمأزت منه القلوب وقدم دمشق فصام بها رمضان ثم حج بالناس وفيها توفي الحافظ أسد بن موسى الأموي نزيل مصر ويقال أسد السنة روى عن شعبة وطبقته ورحل في الحديث وصنف التصانيف وهو أحد الثقات الأكياس

(2/27)


28 والفقيه أبو حيان إسماعيل بن حماد بن حنيفة الإمام روى عن مالك بن مغول وجماعة وولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد ث ولي قضاء البصرة وكان موصوفا بالزهد والعبادة والعدل في الأحكام والحسين بن حفص الهمداني الكوفي قاضي أصبهان وفتيها أكثر عن سفيان الثوري وغيره وكان دخله في العام ألف درهم وما وجبت عليه زكاة وفيها المحدث خلاد بن يحي الكوفي بمكة روى عن عيسى بن طهمان وطبقته وهو من كبار شيوخ البخاري وزكريا بن عدي الكوفي روى عن جعفر بن سليمان وطائفة قال ابن عوف البزوزي ما كتبت عن أحد أفضل منه وحديثه في الصحيحين وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني محدث البصرة توفي في ذي الحجة وقد نيف على التسعين سمع من يزيد بن أبي عبيد وجماعة من التابعين وكان واسع العلم ولم ير في يده كتاب قط قال عمر بن شيبة ما رأيت مثله وقال البخاري سمعت أبا عاصم يقول ما اغتبت أحدا قط منذ عقلت أن الغيبة حرام ووى عنه أحمد والبخاري وغيرهما وهو ثقة متقن وفيها أبو المغيرة عبد القدوس بن حجاج الخولاني الحمصي الحافظ محدث حمص سمع الأوزاعي وطبقته وأدركه البخاري وهو ثقة وفيها الفقيه أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون صاحب مالك كان فصيحا مفوها وعليه دارت الفتيا في زمانه بالمدينة وفيها مفتي الأندلس عيسى بن دينار الغافقي صاحب ابن القاسم وكان صالحا ورعا مجاب الدعوة مقدما في الفقه على يحي بن يحي وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف الفرياني الحافظ في أول السنة بقيسارية أكثر عن الأوزاعي والثوري أدركه البخاري ورحل إليه الإمام أحمد فلم يدركه بل بلغه موته بحمص فتأسف عليه وهو ثقة ثبت سنة ثلاث عشرة ومائتين فيها توفي أسد بن الفرات الفقيه أبو عبد الله المغربي صاحب مالك وصاحب

(2/28)


29 المسائل الأسدية التي كتبها عن ابن القاسم وخالد بن مخلد القطواني أحد الحفاظ بالكوفة رحل وأخذ عن مالك وطبقته وقال أبو داود صدوق شيعي وعبد الله بن داود الخربي الحافظ الزاهد سمع من الأعمش والكبار وكان من أعبد أهل زمانه توفي بالكوفة في شوال وقد نيف على التسعين وهو ثقة وأبو عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد شيخ مكة وقارئها ومحدثها روى عن ابن عون والكبار ومات في عشر المائة وقرأ القرآن سبعين سنة وعمرو بن عاصم الكلابي الثقة البصري روى عن طبقة شعبة قال في المغني صدوق مشهور قال بندار لولا شيء لتركته اه وفيها عبيد الله بن موسى البسي الكوفي الحافظ روى عن هشام بن عروة والكبار وقرأ القرآن على حمزة وكان إماما في الفقه والحديث والقرآن موصوفا بالعبادة والصلاح لكنه من رؤس الشيعة وعمرو بن أبي سلمة التنيسي الفقيه وأصله دمشقي روى عن الأوزاعي وطبقته قال في المغني ثقة وقال أبو حاتم لا يحتج بهاه وحمد بن سابق البغدادي روى عن مالك بن مغول وجماعة وقيل توفي في لسنة الآتية ومحمد بن عرعرة بن البرند الشامي البصري روى عن شعبة وطائفة توفي في شوال وفيها الهيثم بن جميل البغدادي الحافظ نزيل أنطاكية روى عن جرير بن حازم وطبقته وكان من ثقات المحدثين وصلحاتهم وإثباتهم ويعقوب بن محمد الزهري المدني الفقيه الحافظ روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته وهو ضعييف يكتب حديثه

(2/29)


30 وفيها قتل المأمون على جبلة الشاعر العكوك أحد المبرزين من الموالي في الشعر وكان ولد أعمى وقيل عمي صغيرا من الجدري حكى المبرد قال أخبرني على ابن القاسم قال قال لي علي بن جبلة زرت أبا دلف العجلي فكنت لا أدخل إليه إلا تلقاني بشره ولا أخرج عنه إلا تلفاني ببره فلما أكثر ذلك هجرته أياما حياء منه فبعث إلي أخاه معقلا فقال يقول لك الأمير هجرتنا وقعدت عنا فإن كنت رأت تقصيير فما مضى فاعذر فإننا نتلافاه في المستقبل ونريد فيما يجب من برك فكتبت إليه بهذه الأبيات ( هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة * وهل يرتجى نيل الزيارة بالكفر ) ولكنني لما أتيتك زائرا * فافرطت في بري عجزت عن الشكر ) ( فم الآن لا آتيك إلا مسلما * أزورك في الشهرين يوما أو الشهر ) ( فإن زدتني برا تزايدت جفوة * فلا نلتقي طول الحياة إلى الحشر ) فلما نظر فيها معقل استحسنها وكان أديبا شاعرا أشعر من أخيه أبي دلف فقال جودت والله وأحسنت أما إن الأمير سيعجب بهذه الأبيات والمعاني فلما أوصلها إلى أبي دلف استحسنها وكتب إلي بهذه الأبيات ( ألا رب طيف طارق بسطته * وآنسته قبل الضيافة بالبشر ) ( أتاني يرجيني فما حال دونه * ودون القرى مني ومن نائلي شري ) ( رأيت له فضلا علي بقصده * إلي وبرا لا يعادله شكري ) ( فلم أعد أن أدنيته وإبتدأته * ببشر وإكرام وبر على بر ) ( وزودته مالاً سريعاً نفاده * وزودني مدحاً يقيم على الدهر ) ووجه الأبيات مع ووصيف وألف دينار فلذلك قلت فيه قصيدتي الغراء التي سارت واشتهرت في العجم والعرب ( إنما الدنيا أبو دلق * بين باديه و محتضره ) ( فإذا ولى أبو دلف * ولت الدنيا على أثره ) حدث الزعفراني قال لما بلغ المأمون قول على بن جبلة في أبى دلف

(2/30)


31 ( كل من في الأرض من عرب * بين بادية حضره ) ( مستعير منك مكرمة * يكسيها يوم مفتخره ) استشاط غضبا وقال ويل لابن الزانية يزعم أنا لا نعرف مكرمة إلا وهي استشاط غضباً وقال ويل وطلبه فهرب فكتب في طلبه وأخذه فحمل إليه فلما مثل بين يديه قال يا ابن اللخناء أنت القائل كيت وقرأ والبيتين اجعلتنا نستعير المكارم منه فقال غثيت أشكال بأى دلف وأما أنتم فقد أبانكم الله بالفضل عن سائر عباده لما اختصكم به من النبوة والكتاب والحكمة والملك ومازال يستعطفه حتى عفا عنه وقال بعض الرواة قتله وقال أما أني لا استحل دمك بهذا القول ولكني استحله بكفرك وجرأتك على الله سبحانه وإذ تقول فيعبد ضعيف مهين تسوى بينك وبين رب العزة ( أنت الذي تنزل الأيام منزلها * وتنقل الدهر من حال إلى حال ) ( وما مددت مدى طرف إلى أحد * ألا قضيت بأرزاق وآجال ) حتف أنفه وممدح العكوك لحميد بن عبد العزيزي الطوسي إنما الدنيا حميد * وأياديه الجسام ) فإذ ولى حميد فعلى الدنيا السلام ) وفيه توفي اسحق بن مرار النحوي الغوي أحد الأئمة العلام أخذ عنه أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام ويعقوب بن السكيت وقال فيحقه عاش مائة وعشرين سنة وكان يكتب بيده إلى أن مات رحمه الله تعالى سنة أربع عشرة ومائتين فيها التقى محمد بن حميد الطوسي وبابك الخرمي فهزمهم بابك وقتل الطوسي وفيها توجه عبد الله بن طاهر بن الحسين على إمرة خراسان وأعطاه المأمون

(2/31)


32 خمسمائة ألف دينار وكان عبد الله من آداب الناس وأعلمهم بأيام الرب وسيأتي ذكره في سنة ثمان وعشرين ومائتين عند ذكر وفاته وكان من أخصائه وأخصاء والده عوف بن محلم الشاعر اختصه بمنادمعته طاهر بن الحسين فلما مات طاهر اعتقد عوف أنه يخلص من قيد الملازمة فلوى عبد الله بن طاهر هذا يده عليه وتمسك به واجتهد عوف التخلص منه فلم يقدر حتى خرج عبد الله من العراق يريد خراسان وعوف عديله يسامره ويحادثه فلما شارفوا الرى سحرة وقد أدلجوا فإذا بقمرى يغرد علىسروة بأشجى صوت وأرق نغمة فالتفت عبد الله إلى عوف فقال ألا تسمع هذا الصوت ما أرقه وأشجاه قاتل الله أبا كثير الهذلي حيث يقول ( ألا ياحمام ألا يك فرخك حاضر * وغصنك مياد ففيم تنوح ) فقال عوف أيها الأمير أحسن واله أبو كثير وأجاد أنه كان في هذيل أربعون شاعراً من المحسنين دون المتوسطين وكان أبو كثير من أشعرهم وأشهرهم وأذكرهم وأقدرهم قال عبد الله أقسمنت عليك ألا أجزت هذا البيت فقال أصلح الله الأمير شيخ مسن وأمل على البديهة وعلى معارضة مثل أبي كثير وهو من قد علمت فقال سألتك بحق طاهر ألا أجزته فقال ( أفى كل عام غربة ونزوح * أما للنوى من ونية فيريح ) ( لقد طلح البين المشتر كائبي * فهل أرين البين وهوطليح ) ( وأرقني بالري شجو حمامة * فنحت وذو الشوق المشت ينوح ) ( على أنها ناحت ولم تذر عبرة * وتحت وأسراب الدموع سفوح ) ( وناحت وفرخاها بحيث تراهما * ومن دون أفراخي مهامه فيح ) ( ألا يا حمام الأيك فرخك حاضر * وغصنك مياد ففيم تنوح ) ( أفق لا تنح من غير شيء فأنني * بكيت زماناً والفؤاد صحيح ) ( ولوعاوشطت غربة دار زينب * فها أنا أبكى والفؤاد قريح ) عسى جود عبد الله أن يعكس النوى * فتضحي عصا التطواف وهي طليح )

(2/32)


33 ( فأن الغني يدنى الفتى من صديقه * وعدم الفتى بالمقترين طروح ) فاستعبر عبد الله ورق له لما سمع من تشوقه إلى أولاده وقال يا أبا محمل ما أحسن هذا حتى نرجع إلى أهلك وأمر له بثلاثين ألف درهم تققة ورحله ورده من موضعه فأدركته المنية قبل وصوله إلى أهله ولما رده عبد الله قال عوف ( يا ابن بدلتني بالنشاط وبلغتها * قد أحوجت سمعى إلى ترجمان ) وعوضتني من زماع الفتى * وهمه هم الهجين الهدان ) وهمت بالأوطان وجداُ بها * وبالغواني أين مني الغوان ) ( فقرباني بأبي أنتما * من وطني قبل إصفرار البنان ) ( وقبل منعاي إلى نسوة * أوطانها حوران والرقتان ) ( حبا قصور الشادباخ الحيا * من بعد عهدي وقصور المبان ) وهذه القصور التي ذكرها كلها بمرو ونيسابور وهي مساكن آل طاهر وكان عوف يألفها لكثرة غشيانه إياها ومقامه معهم فيها فلذلك دعا لها ومن شعر عوف ( وكنت إذا صحبت رجال قوم * صحبتهم وشيمتي الوفاء ) فأحسن حين يحسن محسونهم * وأجتنب الإساءة أساءوا ) ( وأبصر ما يريبهم بعين * عليها من عيونهم غطاه ) وكان عوف من بلغاء الشعراء وفصائحهم واختصت به بنو طاهر ولزمهم لمزيد ميلهم إليه وكثرة منحهم له كأبي الطيب مع بني حمدان غير أن عوفاً لم يلحقه طمع أبي الطيب الذي فارق له بني حمدان وفيها توفي أحمد بن خالد الذهبي الحمصي راوي المغازي عن ابن اسحق وكان مكثراً حسن الحديث

(2/33)


34 وأبو أحمد حسين بن محمد المؤدب ببغداد ونسبته بفتح الميم وضم الراء مع سكون الواو ويليها ذال مكسورة معجمة بعدها ياء النسبة نسبة إلى مرو الروذ من أشهر مدن خراسان وكان من ح حفاظ الحديث التقات روى عن ابن أبي ذئب وشبيان وأحمد بن حنبل وروى عنه أحمد أيضاً وغيره وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الحكم أبو محمد المصري وله ستون سنة وكان من جلة أصحاب مالك أفضت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب وسمع الموطأ على مالك يقال أنه دفع للشافعي عند قدومه ألف دينار وأخذ له من تاجر الفا ومن رجلين آخرين ألفا وله مصنفات في الفقه وهو مدفون إلى جانب الشافعي ووفيها معاوية بن عمرو الأزدي أبو عمرو البغدادي الحافظ المجاهد روى عن زائدة وطبقته وأدركه البحاري وكان بطلاً شجاعاُ معروفاُ بالإقدام كثير الرباط سنة خمس عشرة ومائتين فيها دخل المأمون من درب المصيصة إلى الروم وافتتح حصن قرة عنوة وتسلم ثلاثة حصون بالإمان ثم قدم دمشق وفيها توفي الحافظ اسحق بن عيسى بن الطباع البغدادي نزيل أدنه سمع الحمادين وطائفة وفيها مفتي أهل بلخ أبو سعيد خلف بن أيوب العامري صاحب أبي يوسف سمع من عوف الأعرابي وجماعة من الكبار وكان زاهداً قدوة روى عنه يحيى ابن معين والكبار وفيها العلامة أبو زيد الأنصار ي سعيد بن أوس البصري اللغوي وله ثلاث وتسعون سنة روى عن سلمان التيمي وحميد الطويل والكبار و وصنف التصانيف وكان صدوقاً صالحاً وغلبت عليها النوادر كالأصمعي مع أن الأصمعي كان يقبل رأسه ويقول أنت سيدنا منذ خمسين سنة وكان سفيان الثوري يقول الأصمعي حفظ الناس وأبو عبيدة أجمعهم وأبو ريد أوثقهم وكان النضر بن شميل وأبو

(2/34)


35 زيد اليزيدي في معاملة واحدة وصنف أبو زيد في اللغة نحو عشرين مصنفا وضجر شعبة يوما من إملاء الحديث فرأى أبا زيد في أخريات الحلقة فقال ( استعجمت دار مي ما تكلمنا * والدار لو كلمتنا ذات أخبار ) ألا تعال يا أبا زيد فجاءة فتحادثا وتناشدا الأشعار فقال له بعض الحاضرين يا أبا بسطام تقطع إليك ظهور الإبل فتدعنا وتقبل على الأشعار فقلل أنا أعلم بالأصلح لي أنا والله الذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذلك كأنه يروح قلبه عند السآمة ومثل هذا ما روى أن ابن عباس كان يقول لأصحابه أحمضوا وكما قال أبو الدرداء إني لأجم نفسي بشيء من الباطل لأستعين به على الحق وفيها محمد بن عبد الله الأنصاري بن المثنى أبو عبد الله قاضي البصرة وعالمها ومسندها سمع سليمان التيمي وحميد والكبار وعاش سبعا وتسعين سنة وهو من كبار شيوخ البخاري وهو ثقة مشهور وفيها محمد بن المبارك الصوري أبو عبد الله الحافظ صاحب سعيد بن عبد العزيز قال يحي بن معين كان شيخ بعد أبي مسهر وقال أبو داود هذا رجل الشام بعد أبي مسهر وهو شيخ الإسلام ومن كلامه السديد المتين كذب من ادعى محبة الله ويده في قصاع المترفين وفيها السكن مكي بن إبراهيم البلخي الحافظ روى عن هشام بن حسان والكبار وهو آخر من روى من الثقات عن يزيد بن أبي عبيد عاش نيفا وتسعين سنة وفيها أبو عامر قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي العابد الثقة أحد الحفاظ روى عن قطر بن خليفة وطبقته وأكثر عن الثوري وهو أحد شيوخ الإمام أحمد قال إسحاق بن سيار ما رأيت شيخاً أحفظ منه وقال آخر كان يقال راهب الكوفة وكان هناد بن السرى إذا ذكره دمعت عيناه وقل الرجل الصالح وفيها محدث مرو على بن الحسين بن شقيق روى عن أبي حمزة السكرى وطائفة وعنه البخاري وغيره وكان محدث مرو وكان حافظاً كثير العلم كثير الكتب كتبت الكثير حتى كتب التوراة والإنجيل وجادل اليهود والنصارى ويجيى بن حماد البصرى الحافظ ختن أبي عوانة سمع شعبة

(2/35)


وطبقته
36 وفيها الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة إمام العربية المجاشعي البصري كان يقول ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه في العروض بحرا على الخليل وكان أجلع وهو الذي لا تنضم شفتاه على أسنانه والخفش صغر العينين مع سوء بصرهما ومصنفاته بضعة عشر مصنفا وأما الأخفش الأكبر فهو عبد الحميد أخذ عنه أبو عبيدة وسيبويه وهو مجهول الوفاة وأما الأخفش الصغير فهو علي بن سليمان البغدادي النحوي قاله ابن الأهدل وفيها كما قاله ناصر الدين بدل بن محبر اليربوعي ثقة حدث عنه البخاري وغيره سنة ست عشرة ومائتين فيها غزا المأمون فدخل الروم وأقام بها ثلاثة أشهر وافتتح أخوه عدة حصون وأغار جيشه فغنموا وسبوا ثم رجع إلى دمشق ودخل الديار المصرية وفيها توفي أبو حبيب بن حبان بن هلال البصري الحافظ الثقة روى عن شعبة وطبقته قال الإمام أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة توفي في رمضان وكان قد امتنع من التحديث قبل موته بأعوام وفيها أبو العلاء الحسن بن سوار البغوي نزيل بغداد روى عن عكرمة ابن عمار وأقرانه وكان ثقة صاحب حديث وعبد الله بن نافع الأسدي الزبيري المدني الفقيه روى عن مالك وجماعة ووصفه الزبير بن بكار بالفقه والعبادة والصوم وخرج له مسلم والأربعة قال في المغني عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك وثق وقال البخاري في حفظه شيء وقال أحمد بن حنبل لم يكن بذاك في الحديث انتهى وعبد الصمد بن النعمان البزاز ببغداد روى عن عيسى بن طهمان وطبقته وكان أحد الثقات ولم تقع له رواية في الكتب الستة وفيها العلامة أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي البصري الأصمعي اللغوي

(2/36)


37 الأخباري سمع ابن عون والكبار وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء وكانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته وعاش ثمانيا وثمانين سنة وله عدة مصنفات قاله في العبر وقال ابن الأهدل تصانيفه تزيد على ثلاثين روى عنه أنه قال احفظ أربعة عشر ألف أرجوزة منها المائة والمئتان وكان الشافعي يقول ما عبر أحد بأحسن من عبارة الأصمعي وعنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن ثمانية آلاف مسئلة وما مات حتى أخذ عني مالا يعرفه فيقبله مني ويعتقده وعنه قال كنت بالبادية طوافا واكتب ما سمعت فقال لي أعرابي أنت كالحفظة تكتب لفظ اللفظة فكتبته أيضا وعنه قال رأيت شيخا بالبادية قد سقط حاجباه وله مائة وعشرون سنة وفيه بقية فسألته فقال تركت الحسد فبقي الجسد وأنشد ( ألا أيها الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل ) ) أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تنجو نحوهم بدليل ) ونوادره تحتمل مجلدات وإعطاء الرشيد والمأمون له واسع ولما صنف كتابا في الخيل مجلدا واحداً وصنف أبو عبيدة في ذلك خمسين مجلدا امتحنهما الرشيد فقرب لهما فرسا فلم يعرف أبو عبيدة أعيان الأعضاء وأما الأصمعي فجعل يسمى كل عضو ويضع يده عليه وينشد ما قالت العرب فيه فقال له الرشيد خذه قال فكنت إذا أردت أن أغضب أبا عبيدة ركبته إليه ( ورثني أبو العالية السامي الأصمعي فقال ( لادر در بنات الأرض إذا فجعت * بالأصمعي لقد أبقت لنا أسفا ) ( عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى * في الناس منه ولا من علمه خلقا ) ومن مسنده عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال إياكم ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وبإسناده عن علي كرم الله وجهه إنه قال هذا المال لا يصلحه إلا ثلاث أخذه من حله ووضعه في حقه ومنعه من السرف وبإسناده قال قال النبي أنعم الله عليه فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن حزبه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله وقد

(2/37)


38 أو رده الحافظ ابن حجر في أسماء الرجال وقال فيه صدوق سني وجعله في الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين كالشافعي ويزيد بن هارون وعبد الرزاق وغيرهم انتهى وفيها قاضي دمشق محمد بن بكار بن بلال العاملي أخذ عن سعيد بن عبد العزيز وطبقته وكان من العلماء الثقات ومحمد بن سعيد بن سابق محدث قزوين روى عن أبي جعفر الرازي وطبقته وهود بن خليفة الثقفي البكرواي البصري الأصم وله إحدى وتسعون سنة روى عن يونس بن عبيد وسليمان التيمي والكبار قال الإمام أحمد ما كان أضبطه عن عوف الأعرابي وقال ابن معين ضعيف وأبو يوسف محمد بن كثير الصنعاني ثم المصيصي روى عن الأوزاعي ومعمر وكان محدثا حسن الحديث سنة سبع عشرة ومائتين في وسطها دخل المأمون بلاد الروم فنازللولوة مائة يوم ولم يظفر بها فنزل على حصارها عجيفا فخدعه أهلها وأسروه ثم أطلقوه بعد جمعة ثم أقبل عظيم الروم توفيل فأحاط بالمسلمين فجهز المأمون نجدة وغضب وهم بغزو قسطنطينية ثم فتر لشدة الشتاء وفيها كان الحريق العظيم بالبصرة حتى أتى على أكثرها فيما قيل وفيها وقيل في التي مضت توفي الحجاج بن منهال البصري أبو محمد الأنماطي السمسار كان سمسارا بأنماط وكان يأخذ من ك دينار حبة إذا باع بالسمسرة حدث عنه البخاري وغيره وسمع شعبة وطائفة وكان ثقة صاحب سنة وفيها شريح بن النعمان البغدادي الجوهري الحافظ يوم الأضحى روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة مبرزا وفيها موسى بن داود الضبي أبو عبيد الله الكوفي الحافظ سمع شعبة وخلقا كان مصنفا مكثرا مأمونا وقال ابن عمار كان ثقة زاهدا صاحب حديث وولى قضاء طرسوس حتى مات

(2/38)


39 وهشام بن إسماعيل الدمشقي العطار أبو عبد الملك الخزاعي القدوة روى عن إسماعيل بن عياش وكان ثقة سنة ثماني عشرة ومائتين فيها احتفل المأمون لبناء مدينة طوانة من أرض الروم وحشد لها الصناع من البلاد وأمر ببنائها ميلا في ميل وولي ولده العباس أمر ببنائها وفيها امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن وكتب فيذلك إلى نائبه على بغداد وبالغ في ذلك وقام في هذه البدعة قيام متعبد بها فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه وتوقفت طائفة ثم أجابوا وناظروا فلم يلتفت إلى قولهم وعظمت المصيبة بذلك وتهدد على ذلك بالقتل ولم يصف من علماء العراق إلا أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فقيدا وأرسلا إلى المأمون وهو بطرسوس فلما بلغا الرقة جاءهم الفرج بموت المأمون قال ابن الأهدل ومرض محمد بن نوح ومات بالطريق وهو الذي كان يشد أزر أحمد ويشجعه ولما مات المأمون عهد إلى أخيه المعتصم فامتحن الإمام أيضا وضرب بين يديه بالسياط حتى غشى ثم أطلقه وندم على ضربه ولحق من تولى ضربه عقوبات ظاهرة وكان المأمون يكنى بأبي العباس ويسمى بعبد الله وكان أبيض ربعة حسن الوجه أعين أديبا شجاعا له همة عالية في الجهاد ومشاركته في علوم كثيرة وكان في اعتقاده معتزليا شيعيا استقل بالخلافة عشرين سنة ومات وله ثمانون وأربعون سنة انتهى كلام ابن الأهدل وقال ابن الفرات روى يحي بن حماد الموكبي عن أبيه قال وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف به امرأة من الجمال والكمال فبعث في شرائها فأتى بها في وقت خروجه إلى بلاد الروم فلما هم يلبس درعه خطرت بباله فأمر بإخراجها فأخرجت إليه فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به فقالت ما هذا قال أريد الخروج إلى بلاد الروم فقالت يا سيدي قتلتني والله وتحدرت دموعها وأنشأت ( سأدعو دعوة المضطر ربا * يثيب على الدعاء ويستجيب ) ( لعل الله يكفيك حزنا * ويجمعنا كما تهوى القلوب ) فضمها المأمون إلى صدره وأنشد ( فيا حسنها إذ يغتسل الدمع كحلها * وإذ هي

(2/39)


تذري دمعها بالأنامل )
40 ( صبيحة قالت في الوداع قتلتني * وقتلني بما قالت بتلك المحافل ) ثم قال للخادم احتفظ بها وأصح لها ما تحتاج إليه من المقاصير والجواري إلى وقت رجوعي فلولا ما قال الأخطل ( قوم إذا حاربوا شددوا مآزرهم * دون النساء ولو باتت بأطهار ) لأقمت قال فلما دخلت الجارية إلى منزلها وخرج المأمون اعتلت علة شديدة وورد نعي المأمون الله تعالى فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وقالت وهي تجود بنفسها ( إن الزمان سقانا من مرارته * بعد الحلاوة كاسات فأروانا ) ( أبدى لنا تارة منه فاضحكنا * ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا ) ثم شهقت شهقة واحدة فماتت اه وحكي أن المأمون أتى بجارية فائقة الجمال بارعة الكمال وكان في رجلها عرج فلما نظر إليها المأمون أعجبه جمالها وساءه عرجها فقال للنخاس خذ بيد جاريتك فلولا عرجها لاشتريتها فقالت يا أمير المؤمنين إني وقت حاجتك إلى تكون رجلي بحيث لا تراها فأعجبه جوابها وأمر بشرائها وأن يعطي مولاها ما احتكم وحظيت عنده وكان له حليم شديد كان يقول والله إني لأخشى أن لا أثاب على الحلم والعفو لما رأى فيهما من اللذة ولو علم الناس ذلك لتقربوا إلي بالجناية وكان حسن المحاضرة لطيف المسامرة فمن ذلك ما ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني قال لما تواتر النقل عند المأمون عن يحي بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي الأسدي المروزي القاضي بأنه يلوط أراد امتحانه استدعاه وأوصى مملوكا له بأن يقف عندهما وحده وإذا خرج المأمون يقف المملوك عند يحي و ينصرف وكان المملوك في غاية الحسن فلما اجتمعا في المجلس وتحادثا ساعة قام المأمون كأنه يقضي حاجة فوقف وتجسس المأمون عليهما وكان أمره أن يعبث بيحي فلما عبث به المملوك سمعه المأمون وهو يقول لولا أنتم لكنا مؤمنين فدخل المأمون وهو ينشد ( وكنا نرجي أن نرى العدل ظاهرا * فأعقبنا بعد الرجاء قنوط )

(2/40)


41 ( متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها * وقاضي قضاة المسلمين يلوط ) وهذان البيتان لأبي حكيمة راشد بن إسحاق الكاتب وله فيه مقاطيع كثيرة انتهى كلام صاحب الأغاني وروى الحافظ أبو بكر أحمد صاحب تاريخ بغداد في تاريخه أن المأمون قال ليحي بن أكثم من الذي يقول ( قاض يرى الحد في الزناء ولا * يرى على من يلوط من باس ) قال أما تعرف يا أمير المؤمنين من قاله قال لا قال يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم الذي يقول ( لا أحسب الجور ينقضى وعلى ال * أمة وال من آل عباس ) قال فأفحم المأمون خجلا وقال ينبغي أن ينفي أحمد بن أبي نعيم إلى السند وهذا البيتان من أبيات أولها ( انطقني الدهر بعد إخراس * لنائبات أطلن وسواسي ) ( يا بؤس للدهر لا يزال كما * رفع ناسا يحطمن ناس ) ( لا أفلحت أمة وحق لها * بطول نكس وطول إعكاس ) ترضى بيحي يكون سائسها * وليس يحي لها بسواس ) قاض يرى الحد في الزناء ولا * يرى على من يلوط من باس ) ( يحكم للمرد العزيز على * مثل جرير ومثل عباس ) ( فالحمد لله كيف قد ذهب ال * عدل وقل الوفاء في الناس ) ( أميرنا يرتشي وحاكمنا * يلوط والرأس شر ما راس ) ( لو صلح الدين واستقام لقد * قام على الناس كل مقياس ) ( لا أحسب الدهر ينقضي وعلى ال * أمة وال من آل عباس ) انتهى وحكى أبو الفرج معافا بن زكريا النهرواني في كتاب الجليس والأنيس عن محمد السعدي قال وجه إلى القاضي يحي بن أكثم قاضي المأمون رحمهما الله فصرت إليه فإذا عن يمينه قمطرة مجلدة فجلست فقال افتح هذه القمطرة ففتحها فإذا بشيء قد خرج منها رأسه رأس إنسان وهو من أسفله إلى سرته زاغ في

(2/41)


42 صدره سلعتان فكبرت وهللت وفزعت ويحي يضحك فقال بلسان فصيح زلق ( أنا الزاغ أبو عجوه * أنا ابن الليث واللبوة ) ( أحب الراح والريحا * ن والنشوة والقهوة ) ( فلا غدري بدا يخشى * ولا يحذر لي سطوة ) ( ولي أشياء تستظرف * يوم العرس والدعوة ) ( فمنها سلعة في الظه * ر لا تسترها الفروه ) ( وأما السلعة الأخرى * فلو كان لها عروه ) ( لما شكت جميع النا * س فيها أنها ركوة ) ثم قال يا كهل أنشدني شعرا غزلا فقال يحي قد أنشدك فأنشده فأنشدته ( أغرك أن أذنبت ثم تتابعت * ذنوب فلم أهجرك ثم ذنوب ) ( وأكثرت حتى قلت ليس بصارمي * وقد يصرم الإنسان وهو حبيب ) فصاح زاغ زاغ ثم طار وسقط في القمطر فقلت ليحي أعز الله القاضي وعاشق أيضا فقلت أيها القاضي ما هذا قال هو ما ترى وجه به صاحب اليمن إلى أمير المؤمنين وما رآه بعد وكتب كتابا لم أفضضه وأظنه ذكر فيه شأنه وحاله انتهى وقال ابن خلكان رحمه الله رأيت في بعض الكتب أن المأمون رحمه الله كان يقول لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي نواس ) ( ألا كل حي هالك وابن هالك * وذو نسب في الهالكين عريق ) ( إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق ) انتهى وقال المأمون الإخوان ثلاث طبقات طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه أبدا وهم إخوان الصفاء وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات وهم الفقهاء وإخوان كالداء لا يحاج إليهم أبدا وهم المنافقون وكان سبب وفاة المأمون رحمه الله تعالى أنه جلس على شاطئ نهر السدون ودلى رجليه في مائه فأعجبه برد مائه وصفاؤه فقال لو أكلنا رطبا وشربنا من هذا الماء البارد لكان حسنا فلم يخرج الكلام من فيه إلا ومواقع حوافر خيل البريد أقبلت من ازاد وعليها حقائب

(2/42)


43 الرطب فحمد الله تعالى على ذلك وأكل منه فحم وتحركت عليه مادة في حلقه فبطت قبل بلوغها غايتها فكانت سبب وفاته كتب وصية هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه ولا مدبر غيره وأنه خالق وما سواه مخلوق وأن محمدا عبده ورسوله وأن الموت حق والبعث والحساب حق والجنة والنار حق وأن محمداً عن ربه شرائع دينه وأدى النصيحة إلى أمته حتى توفاه الله إليه فصل الله عليه أفضل صلاة صلاها على أحد من ملائكته المقربين وأنبيائه والمرسلين وإني مقر بذنبي أخاف وأرجو إلا أني إذا ذكرت عفو الله رجوت فإذا أنا مت فوجهوني وغمضوني وأسبغوا وضوئي وأجيدوا كفني وليصل علي أقربكم مني نسبا وأكبركم سنا وليكبر خمسا ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة وضعوني في لحدي وسدوا علي باللبن ثم احثوا التراب علي وخلوني وعملي فكلكم لا يغني عني شيئا ولا يدفع عني مكروها ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم وأمسكوا عن ذكر شر إن عرفتم ثم قال يا ليت عبد الله لم يكن شيئا باليته لم يخلق ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم يا أبا إسحاق ادن مني واتعظ بما ترى وخذ بسيرة أخيك واعمل في الخلافة إذا طوقكها الله عمل المريد لله الخائف من عقابه ولا تغتر بالله وامهاله فكأن قد نزل بك الموت ولا تغفل عن أمر الرعية فإنما الملك يقوم بهم ولا يتبين لك أمر فيه صلاح المسلمين إلا وقدمه على غيره وإن خالف هواك وخذ من قويهم لضعيفهم واتق الله في أمرك كله والسلام ثم قال هؤلاء بنو عمك لا تغفل عن صلاتهم فلنها واجبة عليك ثم تلا ( ^ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وكانت وفاته يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين ونقله ابنه العباس إلى طرطوس فدفنه بها ووكل بقبره مائة من الجرس وأجرى على كل رجل منهم تسعين درهما في كل شهر وكان له عدة أولاد لم يشتهر

(2/43)


منهم
44 سوى العباس وعلي فأما العباس فكان مغرما بشراء الضياع والعقار وكان المعتصم مغري بجمع المال واقتناء الغلمان والعدة والرجال قاله ابن الفرات وفي هذه السنة عهد المأمون بالخلافة إلى أخيه المعتصم فأمر بهدم طوانة وبنقل ما فيها وبصرف أهلها إلى بلادهم وفيها دخل خلق من أهل بلاد همذان في دين الخرمية المجوس الباطنية وعسكروا فندب المعتصم لم أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فالتقاهم في ذي الحجة بأرض همدان فكسرهم وقتل منهم ستين ألفا وانهزم من بقي إلى ناحية الروم وفيها توفي بمصر إسحاق بن بكر بن مضر الفقيه وكان يجلس في حلقه الليث فيفي ويحدث قال في العبر لا أعلمه يروي عن غير أبيه وفيها بشر المريسي الفقيه المتكلم وكان داعية للقول بخلق القرآن هلك في آخر السنة ولم يشيعه أحد من العلماء وحكم بكفره طائفة من الأئمة روى عن حماد بن سلمة وعاش نيفا وسبعين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان مرجئا داعية الأرجاء وإليه تنسب طائفة المريسية المرجئة كان أبوه يهوديا صباغا في الكوفة وكان يناظر الشافعي وهو لا يعرف النحو فيلحن لحنا فاحشا انتهى وفيها عبد الله بن يوسف التنيسي الحافظ أحد الأثبات أصله دمشقي وسمع من سعيد بن عبد العزيز ومالك والليث وفيها عالم أهل الشام أبو مسهر الغساني عبد الأعلى بن مسهر في حبس المأمون ببغداد في رجب لمحنة القرآن سمع سعيد بن عبد العزيز وتفقه عليه وولد سنة أربعين ومئة وكان علامة بالمغازي والأثر كثير العلم رفيع الذكر قال يحي ابن معين منذ خرجت من باب الأنبار إلى أن رجعت لم أر مثل أبي مسهر وقال أبو حاتم ما رأيت أفصح منه وما رأيت أحدا في كورة من الكور أعظم قدرا ولا أجل عند أهلها من أبي مسهر بدمشق إذا خرج اصطف الناس يقبلون يده وقال ابن ناصر الدين هو ثقة

(2/44)


45 وفيها عبد الملك بن هشام البصري النحوي صاحب المغازي هذب السيرة ونقلها عن البكائي صاحب ابن إسحاق وكان أديبا إخباريا نسابة سكن مصر وبها توفي ومحمد بن نوح العجلي ناصر السنة حمل مقيداً مع الإمام أحمد بن حنبل متزاملين فمرض ومات بغابة في الطريق يثبت أحمد ويشجعه قال أحمد ما رأيت أقوم بأمر الله منه روى عن إسحاق الأزرق ومات شابا رحمه الله قاله في العبر ومعلى بن أسد البصري أخو بهز بن أسد روى عن وهيب بن أسد وطبقته وكان ثقة مؤدبا ويحي البابلتي الحراني روى عن الأوزاعي وابن أبي ذئب وطائفة وليس بالقوي في الحديث سنة تسع عشرة ومائتين فيها وقيل في التي بعدها امتحن المعتصم الإمام أحمد بن حنبل وضرب بين يديه بالسياط حتى غشي عليه فلما صمم ولم يجب أطلقه وندم على ضربه قاله في العبر وفيها توفي على بن عياش الألهاني الحمصي الحافظ محدث حمص وعابدها سمع من جرير بن عثمان وطبقته وذكر فيمن يصلح لقضاء حمص وفيها أبو أيوب سليمان بن داود بن علي الهاشمي العباسي سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته وكان إماما حجة فاضلا شريفا روى أن أحمد بن حنبل أثنى عليه وقال يصلح للخلافة وعالم أهل مكة الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الحميدي روى عن فضيل بن عياض وطبقته وكان إماما حجة قال أحمد بن حنبل الحميدي والشافعي وابن راهويه كل كان إماما أو كلاما هذا معناه وصحب الحميدي

(2/45)


46 الشافعي ووالاه بعد أن كان نافرا عنه وصحبه في رحلته إلى مصر قال ابن ناصر الدين حدث عنه البخاري وغيره من كبار الأئمة وفيها أبو نعيم الفضل بن دكين الملائي الحافظ محدث الكوفة روى عن الأعمش وزكريا ابن أبي زائدة والكبار قال ابن معين ما رأيت أثبت من أبي نعيم وعفان وقال أحمد كان يقظان في الحديث عارفا وقام في أمر الامتحان بما لم يقم غيره لما امتحنوه قال والله عنقي أهون من زري هذا ثم قطع زره ورماه وقال ابن ناصر الدين الفضل بن دكين هو عمرو بن حماد التيمي مولاهم الكوفي الملائي التاجر حدث عنه أحمد وإسحاق والبخاري وغيرهم وكان حافظا ثبتا فقيها واسع المجال شارك الثوري في أكثر من مائة من الرواة وكان غاية في إتقان ما حفظه ووعاه انتهى وفيها أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي الحافظ روى عن إسرائيل وطبقته قال ابن معين ليس بالكوفة أتقن منه وقال ابن ناصر الدين مالك بن إسماعيل النهدي مولاهم الكوفي ثقة متقن ذو فضل وأمانة وعبادة واستقامة على تشييع فيه كما كان أبو داود يحكيه انتهى وقال أبو حاتم الرازي كان ذا فضل وصلاح وعبادة كنت إذا نظرت إليه كأنه خرج من قبر ولم أر بالكوفة أتقن منه لا أبو نعيم ولا غيره وقال أبو داود كان شديد التشييع وفيها أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي المصري الزاهد روى عن الليث وطبقته قال أبو حاتم صدوق عابد شبهته بالقعنبي رحمهما الله سنة عشرين ومائتين وفيها اتخذ المعتصم سر من رأى مسكنا وفيها عقد للأقمشين على

(2/46)


47 حرب بابك الخرمي الذي هزم الجيوش وخرب البلاد منذ عشرين سنة ثم جهز محمد بن يوسف الأمين ليبنى الحصون التي خربها بابك فالتقى الأقمشين ببابك فهزمه وقتل من الخرمية نحو ألف وهرب بابك إلى موقان ثم جرت لهما أمور يطول شرحها وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه عشرة آلاف ألف دينار ثم نفاه واستوزر محمد بن عبد الملك بن الزيات وفيها تولى آدم بن أبي أياس الخراساني ثم البغدادي نزيل عسقلان روى عن ابن أبي ذئب وشعبة وكان صالحا ثقة قانتا لله لما احتضر قرأ الختمة ثم قال لا إله إلا الله ثم فارق قال أبو حاتم ثقة مأمون متعبد وخلاد بن خالد الصيرفي الكوفي قارئ الكوفة وتلميذ سليم تصدر للإقراء وحمل عنه طائفة وحدث عن الحسن بن صالح بن حي وجماعة قال أبو حاتم صدوق وعاصم بن يوسف اليربوعي الكوفي الخياط روى عن إسرائيل وجماعة وروى البخاري عن أصحابه وعبد الله بن جعفر الرقي الحافظ روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي وطبقته وقد تغير حفظه قبل موته بسنتين وفيها أبو عمرو عبد الله بن رجا الغداني بالبصرة يوم آخر السنة وكان ثقة حجة روى عن عكرمة بن حماد وطبقته وعثمان بن الهيثم مؤذن جامع البصرة في رجب عن هشام بن حسان وابن جريج والكبار قال أبو حاتم كان باخرة يلقن وعفان بن مسلم الأنصاري مولاهم البصري الصفار أبو عثمان أحد أركان الحديث نزل بغداد ونشر بها علمه وحدث عن شعبة وأقرانه قال يحي بن معين أصحاب الحديث خمسة ابن جريج ومالك والثوري وشعبة وعفان وقال حنبل كتب المأمون إلى متولي بغداد يمتحن الناس فامتحن عفان وكتب المأمون فإن لم يجب عفان فاقطع رزقه وكان له في الشهر خمسمائة درهم فلم يجبهم وقال ( ^ وفي السماء رزقكم وما توعدون ) وقال ابن ناصر الدين جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف

(2/47)


48 عن تعديل رجل وعن جرحه فأبى وقال لا أبطل حقا من الحقوق وفيها أبو عمر حفص بن عمر الضرير البصري صدوق وقالون القارئ قارئ أهل المدينة صاحب نافع وهو أبو موسى عيسى بن ميناء الزهري مولاهم المدني قال الذهبي في المغني حجة في القراءة لا في الحديث سئل عنه أحمد بن صالح فضحك وقال يكتبون عن كل أحد انتهى وفيها الشريف أبو جعفر محمد الجواد بن علي بن موسى الرضي الحسيني أحد الاثني عشر إماماً الذي تدعي فيهم الرافضة العصمة وله خمس وعشرون سنة وكان المأمون قد نوه بذكره وزوجه بابنته وسكن بها المدينة فكان المأمون ينفذ إليه في السنة ألف ألف درهم وأكثر ثم وفد على المعتصم فأكرم مورده وتوفي ببغداد آخر السنة ودفن عند جده موسى ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة وفيها أبو حذيفة النهدي موسى بن مسعود البصري المؤدب في جمادى الآخرة سمع أيمن بن بابك وطبقته قال أبو حاتم روى عن سفيان الثوري بضعة عشر ألف حديث وكان يصحف قال في لامغني موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي صدوق مشهور من مشيخة البخاري تكلم فيه أحمد ولينه وقال ابن خزيمة لا أحدث عنه وقال أبو حفص الفلاس لا يروي عنه من ينصف الحديث انتهى سنة إحدى وعشرين ومائتين فيها كانت وقعة عظمى فكسر بابك الخرمي بغا الكبير ثم تقوى بغا وقصد بابك فالتقوا فانهزم بابك وفيها توفي أبو علي الحسن بن الربيع البجلي البوراني القصبي الكوفي روى عن قيس بن الربيع وطبقته وهو من شيوخ البخاري وكان ثقة ثبتا عابدا وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي الحافظ أبو الحسن في رجب سمع ابن أبي ذئب وشعبة وخلقا وقدم بغداد فازدحموا عليه من كل مكان حتى حزر مجلسه بمائة ألف وكان ثقة حجة

(2/48)


49 وفيها محدث مرو وشيخها عبد الله بن عثمان عبدان المروزي سمع شعبة وأبا حمزة السكري والكبار وعاش ستا وسبعين سنة وكان ثقة جليل القدر معظما تصدق في حياته بألف ألف درهم وروى عنه البخاري وغيره وفيها ألإمام الرباني أبو عبد الرحمن عبد الله بن سلمة بن قعنب الحارثي المدني القعنبي الزاهد سكن البصرة ثم مكة وتوفي بها في المحرم روى عن سلمة بن وردان وأفلح بن حميد والكبار وهو أوثق من روى الموطأ وخرج له أصحاب الكتب الستة قال أبو زرعة ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي وقال أبو حاتم ثقة حجة لم أر أخشع منه وقال الخريبي حدثني القعنبي عن مالك وهو والله عندي خير من مالك وقال الفلاس كان القعنبي مجاب الدعوة وقال محمد بن عبد الوهاب الفرا سمعتهم بالبصرة يقولون القعنبي من الأبدال وفيها محمد بن بكير الحضرمي البغدادي حدث بأصبهان عن شريك وطبقته وقال أبو حاتم صدوق يغلظ أحيانا وفيها أبو همام الدلال محمد بن مجيب بصري مشهور روى عن الثوري وطبقته وفيها الفقيه هشام بن عبد الله الرازي الحنفي روى عن أبي ذئب ومالك وطبقتهما وكان كثير العلم واسع الرواية وفيه ضعف وقد جاء عنه أنه قال أنفقت في طلب العلم سبعمائة ألف درهم سنة اثنتين وعشرين ومائتين يها التقى الأقمشين والخرمية لعنهم الله وهزمهم ونجا بابك فلم يزل الأقمشين تحيل عليه حتى أسره وقد عاث هذا الملعون وأفسد البلاد والعباد وامتدت أيامه نيفا وعشرين سنة وأراد أن يقيم ملة المجوس بطبرستان واستولى على أذربيجان وغيرها وفي أيامه ظهر الماربان القائم بملة المجوس بطبرستان وقد بعث المعتصم في أول السنة خزائن أموال إلى الأقمشين ليتقوى بها وكانت ثلاثين ألف

(2/49)


50 ألف درهم وافتتحت مدينة بابك في رمضان بعد حصار شديد فاختفى بابك في غيضة في الحصن وأسر جميع خواصه وأولاده وبعث إليهم المعتصم الأمان فخرقه وسبه وكان قوي النفس شديد البطش صعب المراس فطلع من تلك الغيضة يعرفها في الجبل وانقلب ووصل إلى جبال أرمينية فنزل على البطريق سهل فأغلق عليه وبعث يعرف الأقمشين فجاء الأقشينية فتسلموه وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف درهم ومن جاء برأسه ألف ألف درهم وكان دخوله بغداد يوما مشهودا وفيها توفي أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي الحافظ روى عن جرير ابن عبد الحميد وطبقته وكان ثقة حجة كثير الحديث ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة ومات في ذي الحجة وقد سئل أبو اليمان مرة عن حديث لشعيب بن أبي حمزة فقال ليس مناولة المناولة لم أخرجها إلى أحد وعمر بن حفص بن غياث الكوفي روى عن أبيه وطقته ومات كهلا في ربيع الأول وكان ثقة متقنا عالما وفيها أبو عمرو ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي مولاههم البصي القصاب الحافظ محدث البصرة سمع من ابن عون حديثا واحدا ومن قرة بن خالد ولم يرحل لكن سمع من ثمانمائة شيخ بالبصرة وكان ثقة حجة أضر بآخره وكان يقول ما أتيت حراما ولا حلالاً قط أي لم يفعل إلا فرضا أو سنة توفي في صفر وفيها فقيه حمص ومحدثها يحي بن صالح الوحاظي ولد سنة سبع وثلاثين ومائة وسمع من سعيد بن عبد العزيز وفليح بن سليمان وطبقتهما وعين لقضاء حمص قال العقبلي هو حمصي جهمي وقال الجوزاني كان مرجئا خبيثا ووثقه غيره

(2/50)


51 سنة ثلاث وعشرين ومائتين فيها أتى المعتصم ببابك الخرمي قال ابن الجوزي في الشذور أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا على بن المحسن عن أبيه أن أخا بابك الخرمي قال له لما دخل على المعتصم بابابك أنك قد عملت ما لم يعمل أحد فاصبر الآن صبراُ لم يصبره أحد فقال له سترى صبري فأمر المعتصم بقطع أيدهما بحضرته فبدأ ببابك فقطعت يمينه فأخذ الدم فمسح به وبجهه وقال لئلا يرى في وجهي صفرة فيظن أني جزعت من الموت ثم قطعت أربعته وضربت عنقه وقذف في النار وفعل ذلك بأخيه فما فيهما من صاح وخرج المعتصم إلى عموريه فقتل ثلاثين ألفاً وسبى مثلها وطرح فيها النار وجاء ببابها إلى العراق فهو الذي يسمى باب العامة انتهى وتوج المعتصم ألاقشين ووصله بعشرين ألف ألف درهم نصفها له ونصفها لعسكره وفيها التقى المسلمون وعليهم الأقشين وطاغية الروم فاقتتلوا أياماً وكثرت القتلى ثم انهزم الملاعين وكان طاغيتهم في هذا الوقت توفيل بن ميخائيل بن جرجس لعنهم الله نزل على ريطرة في مائة ألف أياماً وافتتحها بالسيف ثم أغار على ملطية ثم أذله الله بهذه الكسرة وفيها توفي خالد بن خداش الهلبي البصرى المحدث في جمادى الآخرة روى عن مالك وطبقته وخرج له البخاري في التاريخ ومسلم والنسائي قال أبو حاتم وغيره صدوق وقال ابن المديني ضعيف وفيها أبو الفضل صدقة بن الفضل المروزي عالم أهل مرو ومحدثهم رحل وكتب عن ابن عين وطبقته وأقدم شيخ له أبو حمزة السكري قال بعضهم كان ببلده كأحمد بن حنبل ببغداد وفيها عبد الله بن صالح أبو صالح الجهني المصري الحافظ كاتب الليث بن سعد توفي في يوم عاشوراء وله ست وثمانون سنة حدث عن معاوية بن صالح وعبد العزيز الماجشون وخلق قال ابن معين أقل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على الليث فأجازها له وقال ابن ناصر الدين روى عنه البخاري في الصحيح وله مناكير

(2/51)


52 وقال الفضل الشعراني ما رأيت عبد الله بن صالح ألا يحدث أو يسبح وضعفه آخرون كما قال في العبر وفيها أبو بكر بن أبي الأسود واسمه عبد الله بن محمد بن حميد قاضي همذان سمع مالكا وأبا عوانة وكان حافظاً متقناً وفيها أبو بكر بن أبي الأسود واسمه عبد الله بن محمد بن حميد قاضي همذان سمع مالكاً وأبا عوانة وكان حافظاً متقناً وأبو عثمان عمرو بن عون الواسطي سمع الحمادين وظائفة قال أبو حاتم ثقة حجة وكان يحيى بن معين يطنب في الثناء عليه وقال ابن ناصر الدين هو ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي حدث عنه البخاري وغيره وكان ثبتاً متقناً أنتهى وفيها محمد بن سنان العوفي أبو بكر البصري أحد الأثبات روى عن جرير ابن حازم وطبقته وفيها أبو عبد الله محمد بن كثير العبدي البصري المحدث روى عن حماد بن سلمة وطبقته قال ابن معين كيس صادق كثير الحديث وفيها معاذ بن أسد بالبصرة وهو مر وزي روى عن ابن المبارك وكان كاتبه وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي البصري الحافظ أحد أركان الحديث سمع من شعبة حديثاً وأحداً وأكثر عن حماد بن سلمة وطبقنه قال عباس الدوري كتبت عنه خمسة وثلاثين ألف حديث قال ابن ناصر الدين ثقة والحسن البوراني على ما ذكره ابن ناصر الدين وقال هو ثقة وشيخ للبخاري سنة أربع وعشرين ومائتين وفيها زلزلت مدينة فمات منها أكثر من خمسة عشر ألفاً قاله في الشذور وفيها ظهر مازيار بطبرستان وخلع المعتصم فسار لحربه عبد الله بن طاهر وظلم مزيار وعسف وصادر وخرب أسوار آمل والري وجرجان وجرت له حروب وفصول ثم اختلف عليه جنده إلى أن قتل في السنة الآتية

(2/52)


53 وفيها توفي الأمير إبراهيم بن المهدي بن محمد بن منصور العباسي الأسود ولذلك ولضخامته يقال له التنين ويقال له ابن شكلة وهي أمه وكان أديبا فصيحا شاعرا محسنا رأسا في معرفة الغناء وأنواعه ولي إمرة دمشق لأخيه الرشيد وبويع بالخلافة ببغداد ولقب المبارك عندما جعل المأمون ولي عهده علي بن موسى الرضي فحاربه الحسن بن سهل فانكسر ثم حاربه حميد الطوسي فانكسر جيش إبراهيم وانهزم فاختفى وذلك لأنه استشار خاصته في أمره فكل أشار بقتله قائلا من ذاق حلاوة الخلافة لا تصح منه توبة إلا يحي بن أكثم فإنه أجاب بما معناه لقد سمعنا بمن جنى كجنايته كثيرا وإنه إذا قدر عليه قتل ولم نسمع أنه إذا قدر عليه عفى عنه فاجعل عفوك عنه خيرا ومكرمة تذكر إلى آخر الدهر فقبل رأي يحي وأطلقه مكرما وفيها إبراهيم بن أبي سويد البصري الزارع أحد أصحاب الحديث روى عن حماد بن سلمة وأقرانه قال أبو حاتم ثقة رضي وأيوب بن سليمان بن بلال له نسخة صحيحة يرويها عن عبد الحميد بن أبي أويس عن أبيه عن سليمان بن بلال ما عنده سواها وفيها أبو العباس حياة بن شريح الحضرمي الحمصي الحافظ سمع إسماعيل ابن عياش وطائفة وربيع بن يحي الأشناني البصري روى عن مالك بن مغول والكبار وكان ثقة صاحب حديث وبكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السيريني روى عن ابن عون والكبار وفيه ضعف يسير وقال في المغني عن ابن عون قال أبو زرعة ذاهب الحديث انتهى وفيها سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمد بن سالم الجمحي مولاهم المصري

(2/53)


54 الثقة أحد أركان الحديث وله ثمانون سنة روى عن يحي بن أيوب وأبي غسان محمد بن مطرف وطبقتهما من المصريين والحجازيين وفيها قاضي مكة أبو أيوب سليمان بن حرب الأزدي الواشحي البصري الحافظ في ريع الآخر وهو في عشر التسعين سمع شعبة وطبقته قال أبو داود سمعته يقع في معاوية وكان بشر الحافي يهجره لذلك وكان لا يدلس ويتكلم في الرجال وقرأ الفقه وقد ظهر من حديثه نحو عشرة آلاف حديث وما رأيت في يده كتابا قط وحضرت مجلسه المأمون من وراء ستر وقال ابن ناصر الدين هو ثقة ثبت وفيها أبو معمر المقعد وهو عبد الله بن عمرو المنقري مولاهم البصري الحافظ صاحب عبد الوارث قال ابن معين ثقة ثبت وقال ابن ناصر الدين كنيته أبو عمر حدث عن البخاري وغيره وهو ثقة وفيها عمرو بن مرزوق الباهلي مولاهم البصري الحافظ روى عن مالك بن مغول وطبقته قال محمد بن عيسى بن السكن ابن معين عنه فقال ثقة مأمون صاحب غزو وحمده وفيها أبو الحسن علي بن محمد المدائني البصري الأخباري صاحب التصانيف والمغازي والأنساب وله ثلاث وتسعون سنة سمع ابن ذئب وطبقته وكان يسرد الصوم ووثقه ابن معين وغيره وفيها العلامة العلم أبو عبيد القسم بن سلام البغدادي صاحب التصانيف سمع شريكا وابن المبارك وطبقتهما وقال ابن إسحاق بن راهويه الحق يجب لله أبو عبيد أفقه مني واعلم وقال أحمد أبو عبيد أستاذ وقال ابن ناصر الدين هو ثقة إمام فقيه مجتهد أحد الأعلام وكان إماما في القراءات حافظا للحديث وعلله الدقيقات عارفا بالفقه والتعريفات رأسا في اللغة ذا مصنفات انتهى وقال ابن الأهدل قيل أنه أول من صنف غريب الحديث وصنف نيفا وعشرين كتابا وعنه قال مكثت في الغريب

(2/54)


55 أربعين سنة ووقف عليه عبد الله بن طاهر فاستحسنه وقال أن عقلا دعا صاحبه لمثل هذا حقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش وأجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم ولي القضاء بمدينة طرسوس ثماني عشرة سنة وكان يقسم الليل أثلاثا صلاة ونوما وتصنيفا وكان أحمر الرأس واللحية يخضب بالحناء وكان مهيبا توفي بمكة بعد أن حج وعزم على الانصراف إلى العراق مع الناس قال فرأيت النبي الدخول عليه فمنعت فقيل لي لا تدخل عليه ولا تسلم وأنت خارج إلى العراق فقلت لا أخرج إذا فأخذوا عهدي على ذلك وخلوا بيني وبينه فسلمت عليه وصافحني فأقام بمكة حتى مات وعنه قال كنت مستلقا بالمسجد الحرام فجاءتني عائشة المكية وكانت من العارفات فقالت يا أبا عبيد لا تجالسه إلا بأدب ووإلا محاك من ديوان العلماء والصالحين وقال هلال نب العلاء الرقي من الله سبحانه على هذه الأمة بأربعة في زمانهم الشافعي ولولاه ما تفقه الناس في حديث رسول الله ولولاه ابتدع الناس ويحي بنت معين نفى الكذب عن رسول الله عبيد فسر غريب الحديث ولولاه اقتحم الناس الخطأ وكان أبو عبيد موصوفا بالدين وحسن المذهب والسيرة الجميلة والفضل البارع وأثنى عليه علماء وقته بما يطول ذكره انتهى وكان أبوه عبدا روما لرجل من أهل هراة وفيها أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي الكفرسوسي سمع سعيد بن عبد العزيز وطبقته قال أبو حاتم ما رأيت أفصح منه ومن أبي مسهر وقال ابن ناصر الدين هو ثقة وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى الطباع الحافظ نزيل الثغر بأدنة سمع مالكا وطبقته قال أب حاتم ما رأيت أحفظ للأبواب منه وقال أبو داود كان يتفقه ويحفظ نحوا من أربعين ألف حديث وفيها أبو النعمان محمد بن الفضل ويعرف بعارم السدوسي البصري الحافظ أحدأركان الحديث روى عن الحمادين وطبقتهما ولكنه اختلط بآخره وكان

(2/55)


56 سليمان بن حرب يقدمه على نفسه وكان حافظا ثبتا قد اختلط بآخره وزال عقله فيما يذكر ولم يظهر له بعد اختلاطه فيما قاله الدارقطني شيء منكر قال ابن ناصر الدين ويها على ما ذكره ابن ناصر الدين يزيد بن عبد ربه الزبيدي الجرجسي الثبت سنة خمس وعشرين ومائتين فيها على ما قاله في لاشذور كانت رجفة بالأهواز عظيمة تصدعت منها الجبال وهرب أهل البلد إلى البر وإلى السفن وسقطت فيها دور كثيرة وسقط نصف الجامع ومكثت ستة عشر يوما وفيها توفي احترقت الكرخ فأسرعت النار في الأسواق فوهب المعتصم للتجار وأصحاب العقار خمسة آلاف درهم وفيها توفي الفقيه أصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصري الثقة مفتي أهل مصر ووراق ابن وهب أخذ عن ابن وهب وابن القاسم وتصدر للأشغال والحديث قال ابن معين كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك يعرفها مسئلة مسئلة متى قالها مالك ومن خالفه فيها وقال أبو حاتم هو أجل أصحاب ابن وهب وقال بعضهم ما أخرجت مصر مثل أصبغ وقد كان ذكر لقضاء مصر وله مصنفات حسان وفيها حفص بن عمر أبو عمر الحوضي الحافظ بالبصرة روى عن هشام الدستوائي والكبار قال أحمد بن حنبل ثقة ثبت لا يوجد عليه حرف واحد وقال ابن ناصر الدين هو ثقة وفيهاسعدويه الواسطي سعيد بن سليمان الحافظ ببغداد روى عن حماد ابن سلمة وطبقته قال أبو حاتم ثقة مأمون لعله أوثق من عفان وقال صالح جزرة سمعت سعدويه يقول حججت ستين حجة وقال ابن ناصر الدين هو سعيد بن سليمان الضبي البزار رمى بالتصحيف وقال أبو حاتم ثقة انتهى وفيها أبو عبيدة شاذ بن فياض اليشكري البصري واسمه هلال روى عن هشام

(2/56)


57 الدستوائي والكبار فأكثر وفيها أبو عمر الجرمي النحوي صالح بنإسحاق وكان دينا ورعا نبيلا رأسا في اللغة والنحو نال بالأدب دنيا عريضة وقال ابن الأهدل كان دينا ورعا حسن العقيدة صنف في النحو وناظر الفراء وحدث عنه المبرد وله كتاب في لاسير عجيب وكتاب غريب سيبويه والعروض وجرم المنسوب إليها في العرب كثيرة منهم جرم بن علقمة بن أنمار ومنهم جرم بن ريان انتهى وفيها فروة بن أبي المغزاء الكوفي المحدث روى عن شريك وطبقته وفيها الأمير أبو دلف قاسم بن عيسى العجلي صاحب الكرخ أحد الأبطال المذكورين الممدوحين والأجواد المشهورين والشعراء المجيدين وقد ولى إمرة دمشق للمعتصم يحكى عنه أنه قال يوما من لم يكن مغالبا في التشييع فهو ولد زنا فقال له ولده يا أبت لست على مذهبك فقال له أبوه لما وطئت أمك وعلقت بك ما كنت بعد استبريتها فهذا من ذاك وقال ابن الأهدل مدحه أبو تمام وغيره وله صنعة في الغناء وصنف كتاب البزاة والصيد والسلاح ومناسبة الملوك وغير ذلك كان لكثرة عطائه قد ركبته الديون فلما رآه ابنه دلف جالسا عريانا على أسوأ حال وأنشده أبياتا منها ( ولو كنا إذا متنا تركنا * لكان الموت راحة كل حي ) ( ولكنا إذا متنا بعثنا * ونسأل بعده عن كل شيء ) زكان أبوه قد شرع في عمران مدينة الكرخ ثم أتمها هو وكان بها أولاده وعشيرته انتهى وفيها محمد بن سلام البيكندي الخافظ رحل وسمع من مالك وخلق كثير وكان يحفظ خمسة آلاف حديث وقال أنفقت في طلب العلم أربعين ألفا وفي نشره مثلها وقال ابن ناصر الدين به تخرج البخاري انتهى

(2/57)


58 سنة ست وعشرين ومائتين فيها كما قال في الشذور مطر أهل تيماء مطرا وبردا كالبيض فقتل ثلثمائة وسبعين إنسانا وهدم دورا وسمع في ذلك صوت يقول ارحم عبادك اعف عن عبادك ونظر إلى أثر قدم طولها ذراع بلا أصابع وعرضها شبران من الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست فاتبعوا الصوت فجعلوا يسمعون صوتا ولا يرون شخصا وفيها غضب المعتصم على الاقشين وسجنه وضيق عليه ومنع من الطعام حتى مات أو خنق ثم صلب إلى جانب بابك وأتى بأصنام من داره أنهم بعبادتها فأحرقت وكان أقلف متهما في دينه وأيضا خافه المعتصم وكان من أولاد ملوك الأكاسرة واسمه حيدر بن كاوس وكان بطلا شجاعا مطاعا ليس في الأمراء أكبر منه وأيضا ظفر المعتصم بمازيار الذي فعل الأفاعيل بطبرستان وصلبه إلى جنب بابك والاقشين وفيها توفي أحمد بن عمرو النيسابوري سمع مسلم بن خالد الزنجي وطبقته ولزم محمد بن نصر المروزي فأككثر عنه قال الحاكم كان إمام عصره في العلم والحديث والزهد ثقة وإسحاق بن محمد الفروي المدني الفقيه روى عن مالك وطبقته وإسماعيل بن أبي أويس الحافظ أبو عبد الله الأصبحي المدني سمع من خاله مالكوطبقته وفيه ضعف لم يؤخره عن الاحتجاج به عند صاحبي الصحيحين وقال ابن ناصر الدين أثنى عليه أحمد والبخاري وتكلم فيه النسائي وغيره انتهى وفيها سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري الحافظ العلامة قاضي الديار المصرية شاعراً كثير الاطلاع قليل المثل صحيح النقل ثقة روى عنه البخاري وغيره وفيها محدث الموصل غسان بن الربيع الأزدي روى عن عبد الرحمن بن ثابت

(2/58)


59 ابن ثوبان وطبقته وكان ورعاً كبير القدر ليس بحجة وصدقة بن الفضل المروزي أبو الفضل البحر في العلوم روى عنه البخاري وغيره وكان شيخ مرو على الإطلاق قاله ابن ناصر الدين وحسين بن داود المصيصي المحتسب أبو على الحافظ لقبه سنيد وبه اشتهر أحد أوعية العم والأثر تكلم فيه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان والخطيب البغدادي قاله ابن ناصر الدين ومحمد بن مقاتل المروزي شيخ البخاري بمكة روى عن ابن المبارك وطبقته وفيها شيخ خراسان الإمام يحيى بن يحيى بن بكر التميمي النيسابوري في صفر في نيسابور قال ابن راهويه ما رأيت مثل حيى بن يحيى ولا أحسبه رأى مثل نفسه ومات وهو إمام لأهل الدنيا سنة سبع وعشرين ومائتين فيها قدم على إمرة دمشق أو المغيث الرافعي فخرجت عليهم قيس لكونه صلب منهم خمسة عشر رجلاً وأخذوا خيل الدولة من المرج فوجه أبو المغيث إليهم جيشاً فهزموه ثم استفحل شرهم وعظم جمعهم وزحفوا على دمشق وحاصروها فجاء رجاء الحصارى الأمير في جيش من العراق ونزل بدير مران والقيسية بالمرج فوجه إليهم يناشدهم الطاعة فأبوا إلا أن يعزل أبو المغيث فأنذرهم القتال يوم الإثنين ثم كبسهم يوم الحد بكفر بطنا وكان جمهور القيسية بدومة فوضع السيف في كفر بطنا وسقبا وجسرين حتى قتل ألفاً وخمسمائة وقتلوا الصبيان ووقع النهب قاله في العبر وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله اليربوعي الكوفي الحافظ سمع الثوري وطبقته وعاش أربعاً و تسعين سنة قال أحمد بن حنبل لرجل سأله عمن اكتب قال أخرج إلى أحمد بن يونس اليربوعي فأنه شيخ الإسلام انتهى وهو من الثقات الإثبات وإبراهيم بن بشار الرمادي الزاهد صاحب سفيان بن عيينة قال ابن عدي

(2/59)


60 سألت محمد بن أحمد الزريقي عنه فقال كان والله ازهد أهل زمانه وقال ابن حبان كان متقناً ضابطاً وأبو النضر اسحق بن إبراهيم الدمشقي الفراديس من أعيان الشيوخ بدمشق روى عن سعيد بن عبد العزيز وجماعة قال في المغني إسحق إبراهيم بن النضر الفرادنيسي مشهور ثقة قال ابن عدي له أحاديث غير محفوظة انتهى وإسماعيل بن عمرو البجلي محدث أصبهان وهو كوفي روى عن مسعر وطبقته وثقة ابن حبان وغيره وضعفه الدار قني وهو مكثر عالى الإسناد وفيها الباني القدوة أبو نصر بشر بن الحرث المروزي الزاهد المعروف ببشر الحافي سمع من حماد بنزيد وإبراهيم بن سعد وطبقتهما وعني بالعمل ثم أقبل على شأنه ودفن كتبه حدث بشيء يسير وكان في الفقه على مذهب الثوري وقد صنف العلماء مناقب بشر وكراماته رحمه الله عاش خمساً وسبعين سنة وتوفي ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر وقال السخاوي في طبقات الأولياء قال ابن حبان في الثقات أخباره وشمائله في التقشف وخفى الورع أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها وكان وثوري المذهب في الفقه والورع جميعاً وقال الخطيب هو ابن عم على بن خشرم كان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد وتفرد بوفور العقل وأنواع الفضل وحسن الطريقة وعزوف النفس وإسقاط التكلف والفضول وكان كثر الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يطرها ودفن كتبه لأجل ذلك وقال ابن الجوزي هو مروزي الأصل من قرية على ستة أميال من مرو ويقال لها ما ترسام ولم يملك بشر ببغداد ملكاً قط وكان لا يأكل من غلة بغداد ورعاً لأنها من أرض السواد التي لم تقسم وكان في حدائته يطلب لا علم ويمشي فيطلبه حافياً حتى اشتهر بهذا الإسم قال مسعر من طلب الحديث فليتقشف وليمش حافياً وصح عن رسول الله أنه قال من أغبرت قدماه في سبييل الله حرمهما الله على النار فرأى بشر أن طالب

(2/60)


61 العلم يمشي في سبيل فأحب تعميم قدميه بالغبار ولم يتزوج بشر قط ولم يعرف النساء قيل له لما لا تتزوج قال لو أظلني زمان عمر وأعطاني كنت أتزوج وقيل له لو تزوجت تم نسكك قال أخاف أن تقوم بحقي ولا أقوم بحقها قال تعالى ( ^ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) وكان يعمل المغازل ويعيش منها حتى مات وكان لا يقبل من أحد شيئا عطية أو هدية سوى رجل من أصحابه ربما قبل منه وقال لو علمت أن أحدا يعطي لله لأخذت منه ولكن يعطي بالليل ويتحدث بالنهار وقال لابن أخته عمر يا بني اعمل فإن أثره في الكفين أحسن من أثر السجدة بين العيني وقال ليس شيء من أعمال البر أحب إلي من السخاء ولا أبغض إلي من الضيق وسوء الخلق وسئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال استغفر الله لا يحل لي أن أتكلم في الورع وأنا آكل من غلة بغداد لو كان بشر صلح أن يجيبك عنه فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد يصلح أن يتكلم في الورع وقال بشر إذا قل عمل العبد ابتلى بالهم وقال ما من أحد خالط لحمه ودمه ومشاشة حب النبيفيرى النار وقال كانوا لا يأكلون تلذذا ولا يلبسون تنعما وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين فمن زعم أن الأمر غير هذا فهو مفتون ونظر إلى الفاكهة فقال ترك هذه عبادة ثم التفت إلى سجن باب الشام فقال ما هذا قالوا سجن فقال هذه الشهوات ادخلت هؤلاء هذا المدخل وقال الفكرة في أمر الآخرة تقطع حب الدنيا وتذهب شهواتها وقال من طلب الدنيا فليتها للذل قال جميع ذلك ابن الجوزي في مناقبه وأسند الخطيب عنه أنه قال لو لم يكن في لاقنعة شيء من التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزئ ثم أنشد ( أفادتني القناعة أي عز * ولا عز أعز من القناعة ) ( فخدمنها لنفسك رأس مال * وصير بعدها التقوى بضاعة ) ( تحز حالين تغني عن بخيل * وتحظى في الجنان بصبر ساعة ) وأسند الخطيب عن أحمد بن مسكين قال خرجت في طلب بشر من باب

(2/61)


62 حرب فإذا به جالس وحده فأقبلت نحوه فلما رآني مقبلاً خط بيده على الجدار وولى فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده ( الحمد لله لا شريك له * في صحبه دائماً وفي غله ) فاعتزل الناس يا أخي ولا * تركن إلى من تخاف من دنسه ) قال عبد الله بن الإمام أحمد مات بشر قبل المعتصم بستة أيام وأسند عن أبي حسان الزيادي قال مات بشر سنة سبع وعشرين ومائتين عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول وقد بلغ من السن خمساً وسبعين سنة وحشد الناس لجنازته وكان أبو نصر التمار وعلي بن المديني يصيحان في الجنة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وأخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يحصل في القبر إلا في الليل وكان نهاراً صائفاً وقال عمر ابن اخته كنت أسمع الجن تنوح على خالي في البيت الذي كان فيه غير مرة وعن القاسم بن منبه قال رأيت بشراً في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وقال يا بشر قد غفرت لك ولكل من تبع جنازتك قال فقلت يا رب ولكل من أحبني قال ولك من أحبك إلى يوم القيامة انتهى ما أورده الخطيب مختصراً و فهيا أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني الحافظ صاحب السنن روى عن فليح بن سليمان وشريك وطبقتهما وجاور بمكة وبها مات في رمضان وقد روى البخاري عن رجل عنه وكان من الثقات المشهورين وسهل بن بكار البصري روى عن شعبة وجماعة وفيها محمد بن الصباح البغدادي البزاز المزني مولاهم الدولابي أبو جعفر روى عن شريك وطبقته وله سنن صغيرة وهو ثقة روى عنه أحمد والشيخان وغيرهم وفيها أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري الحافظ

(2/62)


63 أحد أركان الحديث في صفر وله أربع وتسعون سنة سمع عاصم بن محمد العمري وهشام الدستوائي والكبار قال أحمد بن سنان كان أمير المحدثين وقال أبو زرعة كان إماما في زمانه جليلا عند الناس وقال أبو حاتم إمام فقيه عاقل ثقة حافظ ما رأيت في يده كتابا قط ابن وارة ما أراني أدركت مثله وفيها يحي بن بشير الحريري الكوفي سمع بدمشق من معاوية بن سلام وجماعة وعمر دهرا وهو مجهول وفي ربيع الأول الخليفة المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي العباسي وله سبع وأربعون سنة وعهد إليه بالخلافة المأمون وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعا مشرق اللون قويا إلى الغاية شجاعا شهما مهيبا وكان كثير اللهو مسرفا على نفسه وهو الذي افتتح عمورية من أرض الروم وكان يقال له المثمن لأنه ولد سنة ثمانين ومائة في ثامن شهر فيها وهو شعبان وتوفي أيضا في ثامن عشر من رمضان وهو ثامن الخلفاء من بني العباس وفتح ثمان فتوح عمورية ومدينة بابك ومدينة البط وقلعة الأحراف و مصر وأذربيجان وأرمينية وديار ربيعة ووقف في خدمة ثمانية ملوك الاقشين ومازيار وبابك وباطس ملك عمورية وعجيف ملك اشيا حيج وصول صاحب أسبيجاب وهاشم ناحور ملك طخارستان وكناسة ملك لاسند فقتل هؤلاء سوى صول وهاشم واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام وخلف ثمانية بنين وثماني بنات وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ومن الدراهم ثمانية عشر ألف ألف درهم ومن الخيل ثمانين ألف فرس ومن الجمال والبغال مثل ذلك ومن المماليك ثمانية آلاف وثمانية آلاف جارية وبنى ثمانية قصور وكان له أنفس سبعية إذا غضب لم يبال من قتل ولا ما فعل وقام بعده ابنه الواثق قال جميع ذلك في العبر ومن عجيب ما اتفق له أنه كان قاعدا في مجلس أنسه والكاس في يده فبلغه أن امرأة شريفة في الأسر عند علج من علوج الروم في عمورية وأنه لطمها على وجهها يوما فصاحب وامعتصماه فقال لها العلج ما يجيء إليك إلا على أبلق فختم

(2/63)


64 المعتصم الكأس وناوله وقال والله ما شربته بعد فك الشريفة من الأسر وقتل العلج ثم نادى في العساكر المحمدية بالرحيل إلى غزو عمورية وأمر العسكر أن لا يخرج أحد منهم إلا على أبلق فخرجوا معه فس سيعين ألف أبلق فلما فتح الله تعالى عليه بفتح عمورية دخلها وهو يقول لبيك لبيك وطلب العلج صاحب الأسيرة الشريفة وضرب عنقه وفك قيود الشريفة وقال للساقي ائتني بكأسي المختوم ففك ختمه وشربه وقال الآن طاب شرب الشارب سامحه الله تعالى وجزاه خيراً سنة ثمان وعشرين ومائتين وفيها غلا السعر بطريق مكة فبيعت راوية المساء بأربعين درهما وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت عدة من الحجاج وفيها توفي داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل الضبي البغدادي سمع نافع بن عمر الجمحي وطائفة وكان صدوقاً صاحب حديث قال ابن ناصر الدين كنيته أبو سليمان حدث عنه أحمد ومسلم وغيرهما وان ثقة مبرزاً على أصحابه وكان أحمد بن حنبل أراد أن يركب داود يأخذ له بركابه انتهى وفيها حماد بن مالك الأشجعي الخراساني شيخ معمر مقبول الرواية روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي وفيها أبو نصر التمار عبد الملك بن عبد العزيز الزاهد ببغداد في أول العام روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة ثبتا عالما عابدا قانتا ورعا يعد من الأبدال وعبيد الله بن محمد العيشي البصري الأخباري أحد الفصحاء الأجواد روى عن حماد بن سلمة قال يعقوب بن شيبة أنفق ابن عائشة على إخوانه أربعمائة ألف دينار في الله وعن إبراهيم الحربي قال ما رأيت مثل ابن عائشة وقال ابن حراش صدوق وقال ابن الأهدل أمه عائشة بنت طلحة ومن كلامه جزعك في مصيبة

(2/64)


65 صديقك أحسن من صبرك وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك ووقف على قبر ابن له مات فقال ( إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكى * أجاب البكى طوعا ولم يجب الصبر ) ( فإن ينقطع منك الرجاء فإنه * سيبقى عليك الحزن ما بقى الدهر ) وعنه قال ما أعرف كلمة بعد كلام الله ورسوله أخصر لفظا ولا أكمل وضعا ولا أعم نفعا من قول علي كرم الله وجهه قيمة كل امرئ ما يحسن ومن قوله أول لافراعنة سنان بن علوان بنعبيد بن عوج بن عمليق وهو صاحب القضية مع سارة وإبراهيم وأخدمها هاجر والثاني صاحب يوسف ريان بن الوليد وهو خيرهم يرجع نسبة إلى عمرو بن عمليق يقال أنه أسلم على يد يوسف والثالث فرعون موسى الوليد بن مصعب بن معاوية وهو أخبثهم يرجع إلى عمرو بن عمليق أيضا والرابع نوفل الذي قتله بخت نصر حين غزا مصر والخامس كان طوله ألفي ذراع وكان قصيراه جسر نيل مصر انتهى ما قاله ابن الأهدل وفيها علي بن عثام بن علي العامري الكوفي نزيل نيسابور سمع مالكا وطبقته وكان حافظا زاهدا فقيها أديبا كبير القدر توفي مرابطا بطرسوس روى مسلم في صحيحه عن رجل عنه وفيها أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي ببغداد وله جزء مشهور من أعلى المرويات روى فيه عن الليث بن سعد وجناعة قال الخطيب صدوق وخرج له الترمذي وقال في المغني العلاء الباهلي الرقي قال البخاري وغيره منكر الحديث فأما العلاء بن هلال البصري فما فيه تجريح انتهى وفيها محمد بن الصلت أبو يعلى الثوري ثم البصري الحافظ سمع الدراوردي وطبقته قال أبو حاتم كان يملي علينا التفسير من حفظه وفيها العتبي الأخباري وه أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي

(2/65)


66 أحد الفصحاء الأدباء من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب وكان من أعيان الشعراء بالبصرة سمع أباه وسمع أيضا من سفيان بن عيينة عدة أحاديث والأخبار أغلب عليه قاله في العبر وقال ابن الأهدل روى عنه أبو الفضل الرقاشي وله عدة تصانيف ومن قوله ( رأين الغواني الشيب لاح بعارضي * فأعرضن عني بالخدود النواضر ) ( وكن متى أبصرنني أو سمعنني * سعين يرفعن اللنوا بالمحاجر ) ( فإن عطفت عني أعنة أعين * نظرن بأحداق المها والجآذر ) ( فإني من قوم كرام ثناؤهم * لأقدامهم صيغت رؤوس المنابر ) ( خلائف في الإسلام في الشرك قادة * بهم وإليهم فخر كل مفاخر ) وله وقد مات ولد له ( أضحت بخدي للدموع رسوم * أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم ) ( والصبر يحمد في المواطن كلها * ألا عليك فإنه مذموم ) انتهى وفيها مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل ابن سرندل بن عرندل بن ماسك بن المستورد الأسدي بالسكون ويقال بالتحريك كان يحي بن معين إذا ذكر نسب مسدد قال هذه رقية عقرب قال ابن الأهدل في شرحه للبخاري نسب مسدد قال هذه رقية عقرب قال ابن الأهدل في شرحه للبخاري نسب مسدد إذا أضيف إليه بسم الله الرحمن الرحيم كانت رقية من العقرب والخمسة الأول بصيغة المفعول والثلاثة الأخيرة أعجمية وكان مسدد أحد الحفاظ الثقات وهو ممن نفرد به البخاري دون مسلم انتهى وقال في العبر مسدد بن مسرهد الحافظ أبو الحسن البصري سمع جويرية بن أسماء وأبا عوانة وخلقا وله مسند في مجلد سمعت بعضه انتهى وفيها نعيم بن حماد أبو عبد الله الفارض الأعور منهم من وثقه والأكثر منهم ضعفه قال في المغني نعيم بن حماد أحد الأئمة وثقه أحمد بن حنبل وغيره وابن معين في رواية وقال في رواية أخرى يشبه له فيروى مالا أصل له وقال

(2/66)


67 النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني كثير الوهم وقال أبو حاتم محله الصدق وقال العباس بن مصعب وضع كتيبا في الرد على أبي حنيفة قال الأزدي كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب وكان من أعلم الناس بالفرائض انتهى ملخصا وفيها نعيم بن الهيضم الهروي ببغداد روى عن أبي عوانة وجماعة وهو من ثقات شيوخ البغوي وفيها أبو زكريا يحي بن عبد الحميد الحماني الكوفي الحافظ أحد أركان الحديث قال ابن معين ما كان بالكوفة من يحفظ معه سمع قيس بن الربيع وطبقته وهو ضعيف لكن وثقه ابن معين سنة تسع وعشرين ومائتين فيها توفي الإمام أبو محمد خلف بن هشام البزاز شيخ القراء والمحدثين ببغداد سمع من مالك بن أنس وطبقته وله اختيار خالف فيه حمزة في أماكن وكان عابدا صالحا كثير العلم صاحب سنة رحمه اله تعالى وعبد الله بن محمد الحافظ أبو جعفر الجعفي البخاري المسندي لقب بذلك لأنه كان يتبع المسند ويتطلبه رحل وكتب الكثير عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان ثبتا روى عنه البخاري وغيره وفيها نعيم بن حماد الخزاعي الفرضي المروزي الحافظ أحد علماء الأثر سمع أبا حمزة السكري وهشيما وطبقتهما وصنف التصانيف ولع غلطات ومناكير مغمورة في كثرة ما روى وامتحن بخلق القرآن فلم يجب وقيد ومات في الحبس رحمه الله تعالى قاله في العبر وفيها يزيد بن صالح الفراء أبو خالد النيسابوري العبد الصالح روى عن إبراهيم بن طهمان وقيس بن الربيع وطائفة وكان ورعا قانتا مجتهدا في العبادة قال في المغني يزيد بن صالح اليشكري النيسابوري الفراء مجهول قلت بل مشهور صدوق انتهى

(2/67)


68 سنة ثلاثين ومائتين فيها توفي إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني الحافظ روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته ولم يلق مالكاً وفيها سيعد بن محمد الجرمي الكوفي روى عن شريك وحاتم بن إسماعيل وطائفة وكان صاحب حديث خرج له الشيخان وأبو داود وغيرهم قال في المغني سعيد بن محمد الجرمي عن حاتم بن إسماعيل وطائفة وكان صاحب حديث خرج له الشيخان وأبو داود وغيرهم قال في المغني سعيد بن محمد الجرمي عن حاتم بن إسماعيل ثقة إلا أنه شيعي ووثقه أبو جاود وخلق انتهى وفيها أمير المشرق أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي وله ثمان وأربعون سنة وكان شجاعاً مهيباً عاقلاً جواد كريماً يقال أنه وقع مرة على قصص بصلات بلغت أربعة آلاف ألف جرهم وقد خلف من الدراهم خاصة أربعين ألف درهم وقد تاب قبل موته وكسر آلات اللهو واستفك أسرى بألفي ألف درهم وتصدق بأموال كثيرة وفيه يقول أبو تمام وقد قصده من العراق من قصيدته المشهورة ( أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الجود ) وفي سفرة أبي تمام هذه ألف كتاب الحماسة فأنه حكم عليه البرد هناك ووقع على خزانة كتب فاختار منها الحماسة وفيها على بن الجعد أبو الحسن الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري الحفاظ محدث بغداد في رجب وله ست وتسعون سنة روى عن شعبة وابن أبي ذئب والكبار فأكثر وكان يحدث من حفظه قال البغوي أخبرت أنه مكث ستسن من الإسناد خر عنه البخاري وغيره وكان ثقة عجباً في حفظه لم يرو عنه مسلم لبدعة وتجهم كان فيه انتهى وفيها على بن محمد بن اسحق أبو الحسن الطنافسي الكوفي الحافظ محدث

(2/68)


69 قزوين وأبو قاضيها الحسين سمع سفيان بن عيينة وطبقته فأكثر وثقة أبو حاتم وقال هو أحب غلي من ابن شيبة في الفضل والصلاح وعون بن سلام الكوفي وله تسعون سنة سمع أبا بكر النهشلي وزهير بن معاوية قال في المغني صدوق وقد لين وفيها محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري الحافظ المجاهد روى عن معتمر ابن سليمان وطبقته وفيها الإمام الحبر أبو عبد الله محمد بن سعد الحافظ كاتب الواقدي وصاحب الطبقات والتاريخ ببغداد في جمادى الآخرة وله اثنتان وستون سنة روى عن سفيان بن عيينة وهشيم وخلق كثير قال أبو حاتم صدوق قال ابن الأهدل قيل أنه مكث ستين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً وفيها أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي البصري المحدث روى عن معتمر بن سلميان وطبقته وفي حدود الثلاثين إبراهيم بن موسى الرازي الفراء الحافظ أبو أسحق أحد أركان العلم رحل وسمع أبا الأحوص وخالد بن عبد الله الواسطي وطبقتهما قال أبو زرعة الحافظ كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصح حديثاً سنة إحدى وثلاثين ومائتين وفيها ورد كتاب الواثق على أمير البصرة يأمره بامتحان الأمة والمؤذنين بخلق القرآن وكان قد تبع أباه في امتحان الناس وفيها قتل أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد كان من أولاد المراء فنشأ في علم وصلاح وكتب عن مالك وجماعة وحمل عن هشيم مصنفاته وما كان يحث ويزري على نفسه قتله الواثق بيده لامتناعه من القول بخلق القرآن ولكونه أغلظ للواثق في الخطاب وقال له يا صبي وكان رأساً في الأمر بالمعروف والنهى

(2/69)


70 عن المنكر فقام معه خلق من المطوعة واستفحل أمرهم فخافت الدولة من فتق يتم بذلك قال ابن الأهدل روى أنه صلب فاسود وجهه فتغيرت قلوب الناس ثم ابيض سريعاً فرؤى في النوم فقال لما صلبت رأيت رسول الله فأعرض عني بوجهه فاسود وجهي غضباً مسألته عن سبب أعراضه فقال حياء منك إذ قتلك واحد من أهل بيتي فابيض وجهي انتهى وفيها إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشامي البصري أبو اسحق الحافظ ببغداد في رمضان سمع جعفر بن سليمان الضبعي وعبد الوهاب الثقفي وطائفة قال عثمان ابن خرزاذ ما رأيت أحفظ من أربعة فذكر منهم إبراهيم هذا وفيها أمية بن بسطام أبو بكر العيشي البصري أحد الإثبات روى عن ابن عمه يزيد بن زريع وطبقته وفيها عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي البصري أحد الأئمة روى عن عمه جويرية بن أسماء وجماعة قال أحمد الدرقي لم أر بالبصرة أحفظ منه وذكر لعلى ابن المديني فعظمه وقال ابن ناصر الدين كنيته أبو عبد الرحمن وهو حجة ثقة وفيها كامل بن طلحة وله ست وثمانون سنة روى عن مبارك بن فضالة وجماعة قال أبو حاتم لا بأس به وقال في المغني قال أبو داود رميت بكتبه وقال أحمد ما أعلم أحداً يدفعه بحجة وقال ابن معين ليس بشيء وقال أبو حاتم وغيره لا بأس به وقال الدارقطني ثقة انتهى وفيها ابن الأعرابي صاحب اللغة وهو أبو عبد الله محمد بن زياد توفي بسامرا وله ثمانون سنة وكان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب قال ابن الأهدل هو مولى بني العباس أخذ عنه أبي معاوية الضرير والكسائي وأخذ عنه الحربي وثعلب وابن السكيت واستدرك على من قبله وله بضعة عشر مصنفاً منها كتاب النوادر

(2/70)


71 وكتاب الخيل وكتاب تفسير الأمثال وكتاب معاني الشعر وكان يحضر مجلسه مائة مستفيد انتهى وفيها محمد بن سلام الجمحي البصري الأخباري الحافظ أبو عبد الله روى عن حماد بن سلمة وجماعة وصنف كتبا منها الشعراء وكان صدوقا وفيها أبو جعفر محمد بن المنهال البصري الضرير الحافظ روى عن أبي عوانة ويزيد بن زريع وجماعة وكان أبو يعلى الموصلي يفخم أمره ويقول كان أحفظ من بالبصرة وأثبتهم في وقته وهو من الثقات قال في العبر قلت ومات قبله ييسير أو بعده محمد بن المنهال العطار أخو حجاج بن منهال روى عن يزيد بن زريع وجماعة وكان صدوقا روى عن أبي يعلى الموصلي انتهى وفيها منجاب بن الحارث الكوفي روى عن شريك وأقرانه وفيها أبو علي هارون بن معرف الضرير ببغداد روى عن عبد العزيز الداوردي وطبقته وكان من حفاظ الوقت صاحب سنة وفيها الحافظ أبو زكريا يحي بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري في صفر سمع مالكا والليث وخلقا كثيرا وصنف التصانيف وسمع الموطأ من مالك سبع عشرة مرة قال ابن ناصر الدين هو صاحب مالك والليث ثقة وإن كان أبو حاتم والنسائي تكلما فقد احتج البخاري ومسلم في صحيحهما بما يرويه انتهى وفيها العلامة أبو يعقوب يوسف بن يحي البويطي الفقيه صاحب الشافعي ببغداد في السجن والقيد ممتحنا وكان عابدا مجتهدا دائم الذكر كبير القدر قال الشافعي ليس في أصحابي أعلم من البويطي وقال أحمد العجلي ثقة صاحب سنة وسمع أيضا من ابن وهب وقال الأسنوي في طبقاته كان ابن أبي الليث الحنفي يحشده فسعى به إلى الواثق بالله أيام المحنة بالقول بخلق القرآن فأمر بحمله إلى بغداد مع جماعة من العلماء فحمل إليها على بغل مغلولا مقيدا مسلسلا في

(2/71)


72 أربعين رطلا من حديد وأريد منه القول بذلك فامتنع فحس ببغداد على تلك الحالة إلى أن مات يوم الجمعة قبل الصلاة وكان في كل جمعة يغسل ثيابه ويتنظف ويغتسل ويتطيب ثم يمشي إذا سمع النداء إلى باب السجن فيقول له السجان ارجع رحمك الله فيقول البويطي اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني انتهى ملخصا وفيها أبو تمام حبيب بن أوس الحوراني مقدم شعراء العصر توفي في آخر السنة كهلا سئل الشريف الرضي عن أبي تمام والبحتري والمتنبي فقال أما أبو تمام فخطيب منبر وأما البحتري فواصف جؤذر وأما المتنبي فقائد عسكر وقال أبو الفتح بن الأثير في كتاب المثل السائر يصف الثلاثة وهؤلاء الثلاثة هم لات الشعر وعزاه ومناته الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين وفصاحة القدماء وجمعت بين الأمثال السائرة وكلمة الحكماء أما أبو تمام فرب معان وصيقل ألباب وأذهان وقد شهد له بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر فهو غير مدافع عن مقام الأغراب الذي يبرز فيه على الأضراب ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير ولم أقل ما أقول فيه إلا عن تنقيب وتنقير فمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنة الكلام وكان قوله في البلاغة ما قالت حزام فخذ مني في ذلك قول حكيم وتعلم ففوق كل ذي علم عليم وأما البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى وأراد أن يشعر فغنى ولقد حا طرفي الرقة والجزالة على الاطلاق فبينا يكون في شظف نجد حتى يتشبب بريف العراق وسئل أبو الطيب عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري قال ولعمري لقد أنصف في حكمه وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء فأدرك بعد المرام مع قربه من الإفهام وما أقول إلا أنه في معانيه بأخلاط الغالية ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية وأما أبو الطيب المتنبي فأراد

(2/72)


أن يسلك مسلك أبي تمام
73 فقصرت عنه خطاه ولم يعطه الشعر ما أعطاه لكنه حظى في شعره بالحكم والمثال واختص بالإبداع في وصف مواقف القتال قال وأنا أقول قولا لست فيه متأثما ولا منه متلثماً و ذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها وأشجع من أبطالها وقامت أقواله لسامع مقام أفعالها حتى تظن الفريقين فيه تقابلاً والسلاحين فيه تواصلاً وطريقه في ذلك يضل بسالكه ويقوم بعذر تاركه ولا شك أنه كان شهد الحروب معسيف لادولة بن حمدان فيصف لسانه ومأداه إليه عيانه ومع هذا فأني رأيت الناس عادلين فيه عن سنن التوسط فأما مفرط فيه وأما مفرط وهو وأن انفرد في طريق وصار أبا عذره فأن سعادة الرجل كانت أكبر من شعره وعلى الحقيقة و فأنه كان خاتم الشعراء ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفرق الإطراء ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح به السيف الدولة ( لا تطلبن كريماً بعد رؤيته * أن الكرام بأسخاهم يداً ختموا ) ( ولا تبال بعشر بعد شاعره * قد أفسد القول حتى أحمد الصمم ) انتهى ما قاله ابن الأثير وقال ابن الأهدل ألف أبو تمام كتاب الحماسة وكتاب فحول الشعراء جمع فيه بين الجاهلين والمخضرمين والإسلاميين وكتاب الإختايارات وجاب البلاد ومدح الخلفاء وغيرهم وكان قصد البصرة في جماعة من اتباعه وبه شاعرها عبد الصمد بن المعدل فخاف عبد الصمد أن يميل الناس إليه فكتب غليه قبل قدومه ( أنت بين اثنتين تبرز للنا * س وكلتاهما بوجه مذال ) ( أي ماء يبقى بوجهك هذا * بين ذل الهوى وذل السؤال ) فلما وقف عليه رجع وكتب على ظهر ورقته ( أفى تنظم قول الزور والفند * وأنت أنقص من لاشيء في العدد )

(2/73)


74 ( أسرجت قلبك من غيظ علىحنق * كأنها حركات الروح في الجسد ) ( أقدمت ويحك من هجوي على خطر * كالعير يقدم من خوف على الأسد ) قيل أن العير إذا شم رائحة الأسد وثب عليه فزعا ومدح أبو تمام الخليفة بحضرة أبي يوسف الفيلسوف الكندي فقال ( إقدام عمر في سماحة حاتم * في حلم أحنف في ذكاء إياس ) فقال له الفيلسوف أتشبه الخليفة بأجلاف العرب فقال نور الله سبحانه شبه بمصباح في مشكاة للتقريب فقال للخليفة أعطه ما سأل فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما لأنه قد ظهر في عينيه الدم من شدة الفكر وقيل قال إنه يموت قريبا أو شابا فقيل له وكيف ذلك فقال رأيت فيه من الذكاء والفطنة ما علمت أن النفس الروحانية تأكل جسمه كما يأل السيف المهند غمده فقال له الخليفة ما تشتهي قال الموصل فأعطاه إياها فمات سريعا وقد نيف على الثلاثين وبنى عليه أبو نهشل بن حميد قبة ورثاه جماعة منهم أبو نهشل بن حميد الذي ولاه الموصل فقال ( فجع القريض بخاتم الشعراء * وغدير روضتها حبيب الطائي ) ( ماتا معا فتجاورا في حفرة * وكذاك كانا قبل في الأحياء ) ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم فقال ( نبأ أتى من أعظم الأنباء * لما ألم مقلقل الأحشاء ) ( قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم * ناشدتكم لا تجعلوه الطائي ) انتهى ما قاله ابن الأهدل قلت ومن شعر أبي تمام هذه الأبيات الثلاثة وتطلب المناسبة بينهما وهي ( لولا العيون وتفاح النهود إذا * ما كان يحسد أعمى من له بصر ) ( قالوا أتبكي على رسم فقلت لهم * من فاته العين يذكي شوقه الأثر ) ( إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا )

(2/74)


75 سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ) فيها توفي الحكم بن موسى أبو صالح القنطري البغدادي الحافظ أحد العباد في شوال سمع إسماعيل بن عياش وطبقته وفيها عبد الله بن عون الخزاز الزاهد أبو محمد البغدادي المحدث وكان يقال أنه من الأبدال وروى عن مالك وطبقته توفي في رمضان قال السخاوي في طبقاته عبد الله الخزاز من كبار مشايخ الري ومن كبار فتيانهم قال عبد الله بن عبد الوهاب كان عبد الله الخزاز إذا دخل مكة يقول المجاورون طلعت شمس الحرم وقال الجنيد لا يأتينا م هذه الناحية مثل عبد الله الخزاز وقال يوسف بن لاحسين لم أر مثل عبد الله الخزاز ولا أرى عبد الله مثل نفسه انتهى وفيها عمرو بن محمد الناقد الحافظ أبو عثمان البغدادي نزيل الرقة وفقيها ومحدثها سمع هشيما وطبقته توفي في ذي الحجة ببغداد وفيها ابو يحي هارون بن عبد الله الزهري العوفي المكي المالكي الإمام القاضي نزيل بغداد تفقه بأصحاب مالك قال أبو إسحاق الشيرازي هو أعلم من صنف الكتب في مختلف قول مالك وقال الخطيب أنه سمع من مالك وأنه ولي قضاء العسكر ثم قضاء مصر وفيها يوسف بن عدي الكوفي نزيل مصر أخو زكريا بن عدي حدث عن مالك وشريك وكان محدثا تاجرا وفي ذي الحجة توفي الواثق بالله أبو جعفر وقيل أبو القاسم هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد بن المهدي العباسي عن بضع وثلاثين سنة وكانت أيامه خمس سنين وأشهرا ولي بعهد من أبيه وكان أديبا شاعرا أبيض تعلوه صفرة حسن اللحية في عينيه نكتة دخل في القول بخلق القرآن وامتحن الناس وقوي عزمه ابن أبي داود القاضي ولما احتضر ألصق خده بالأرض وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه واستخلف بعده أخوه المتوكل فأظهر السنة ورفع المحنة

(2/75)


76 وأمر بنشر أحاديث الرؤية الصفات قاله في العبر قال ابن الجوزي في الشذور وسلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم أولاد خليفة المنتصر ابنه ومحمد بن الواثق وأحمد بن المعتصم وموسى بن المأمون وعبد الله بن الأمين وأبو أحمد بن الرشيد والعباس بن الهادي ومنصور بن المهدي وكانت عدة كل نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل أربعة آلاف فراش انتهى قال ابن الفرات كان الواثق مشغوفاً بحب الجواري واتخاذ السراري والتمتع بالنكحة روى أنه كان يحب جارية حملت إليه من مصر هدية فغضبت يوماً من شىء جرى بينه وبينها فجلست مع صاحبات لها فقالت لهن لقد هجرته منذ أمس وهو يروم أن أكلمه فلم أفعل فخرج من مرقده على غفلة فسمع هذا القول منها فأنشأ يقول ( ياذا الذي بعذابي ظل مفتخراً * هل أنت ألا مليك جار إذ قدرا ) لولا الهوى لتجارينا على قدر * وان أفق منه يوماً ما فسوف ترى ) فاصطلحا ولحنته وجعلت تغنيه به بقية يومه ذلك وقيل كان مع جارية فظنها نامت فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها فقامت مغضبة فبعث إلى الخليع نامت فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها فقامت مغضبة فبعث إلى الخليع البصري وأبره بقصته فقال ( غضبت إذ زرت أخرى خلسة * فلها العتبي لدينا والرضا ) ( يافدتك النفس كانت هفوة * فاغفريها واصفحى عما مضى ) ( واتركى العذل على من قاله * وانسبي جورى إلى حكم القضا ) ( فلقد نبهتني من رقدتي * وعلى قلبي كيزان الفضا ) فاصطلحا وأجازه وكان الواثق شديد الإعتزال وقام في أيام المحنة بخلق القرآن القيام الكلى وشدد على الناس في ذلك وكان شبب موته أن طبيه ميخائيل عبر عليه ذات يوم فقال له يا ميخائيل ابغ لي دواء للباه فقال يا أمير المؤمنين خف الله في نفسك النكاح يهد البدن فقال لا بد من ذلك فقال إذا كان ولا بد فعليك بلحم لا سبع اغله بالخل سبع غليات وخذ منه ثلاثة دراهم على الشراب وإياك أن

(2/76)


77 تكثر منه تقع في الإستقساء ففعل الواثق ذلك وأخذ منه فأكثر لمحبته في الجماع فاستسقى بطنه فأجمع الأطباء أن لا دواء له إلا أن يسجر له تنور بحطب الزيتون وإذا ملىء جمراً نحى ما في جوفه وألقى فيه على ظهره ويجعل تحته وفوقه الأشياء الرطبة ويودع فيه ثلاث ساعات وإذا طلب ماء لم يسق فأن سقى كان تلفه فيه فأمر الواثق فصنع به كذلك وأخرج من التنور وهو في رأي العين أنه أحترق فلما أصاب جسمه روح الهواء اشتد عليه فجعل يخور كما يخور الثور ويصيح وردوني إلى التنور فاجتمعت جواريه ووزيره محمد بن الزيات فردوه إلى التنور فلما ردوه غليه سكن صياحه وأخرج ميتاً وقد عدت ميتته هذه من فضائل الإمام أحمد بن حنبل رشي الله عنه فأن المعتصم لم امتحنه للمقالة بخلق القرآن كان الواثق يقول له لم لا تقول بمقالة أمير المؤمنين قال لأنها باطلة قال لئن كان ما تقوله أنت حقاً أحرقني الله بالنار فما مات حتى رحق بالنار انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصاً سنة ثلاث وثلاثين ومائتين فيها كما قاله ابن الجوزي في الشذور رجفت دمشق رجفة شديدة من ارتفاع الضحى أي إلى ثلاث ساعات كما قاله في العبر فانتقضت منها البيوت زالت الحجارة العظيمة وسقطت عدة طاقات من الأسواق على من فيها فقتلت خلقاً كثيراً وسقط بعض شرفات الجامع وانقطع ربع منارته وانكفأت قرية من عمل الغوطة على أهلها فلم ينج منهم إلا رجل واحد واشتدت الزلازل على أنطاكية والموصل ووقع أكثر من ألفي دار على أهلها فقتلهم ومات من أهلها عشرون ألفاً وفقد من بستان أكثر من مائتي نخلة من أصولها فلم يبق لها أثر انتهى وفيها توفي إبراهيم بن الحجاج الشامي المحدث بالبصرة روى عن الحمادين وجماعة وخرج له النسائي وفيها حبان بن موسى المروزي سمع أبا حمزة السكري وأكثر عن ابن المبارك

(2/77)


78 وكان ثقة مشهوراً وسليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل أبو أيوب التميمي الشامي الحافظ محدث دمشق في صفر وله ثمانون سنة سمع إسماعيل بن عياش ويحيى بن حمزة وطبقتهما وعني بهذا الشأن وكتب عمن دب ودرج وسهل بن عثمان العسكري الحافظ أحد الأئمة توفي فيها أوفى حدودها روى عن شريك وطبقته وفيها القاضي أبو عبد الله محمد بن سماعة الفقيه ببغداد وقد جاوز المائة وتفقه على أبي يوسف ومحمد وروى عن الليث بن سعد وله مصنفات واختيارات في المذهب وكان ورده في اليوم والليلة مائتي ركعة وفيها الحافظ أبو عبد الله محمد بن عائذ الدمشقي الكاتب صاحب المغازي والفتوح وغير ذلك من المصنفات المفيدة روى عن إسماعيل بن عياش والوليد ابن مسلم وخلق وكان ناظر خراجا لغوطة وفيها الوزير أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن الزيات وزر للمعتصم والواثق والمتوكل ثم قبض عليه المتوكل وعذبه وسجنه حتى هلك كان أديباً بليغاً وشاعراً محسناً كامل الأدوات جهمياً قال ابن الهدل كان أول أمره كاتباً فلتفق أن المعتصم سأل وزيره أحمد بن عمار البصري عن الكلأ ما هو فقال لا أدري فقال لمعتصم خليفة أمي ووزير عامي انظروا من بالباب من الكتاب فوجدوا ابن الزيات فسأله عن الكلاء فقال العشب على الإطلاق فأن كان رطباً فهو الخلى وأن كان يابساً فهو الحشيش وشرع في تقسيم النبات فاستوزره وارتفع شأنه وظلم واتخذ تنوراً من حديد يحبس فيه المصادرين فإذا سئل الحرمة الرحمة جور في الطبيعة فأمسكه المتوكل في خلافته وأدخله التنور وقيده بخمسة عرش رطلاً من حديث فافتقده بعد حين فوجه ميتاً فيه وله ديوان شر رائق انتهى ملخصاً وقال ابن الفرات قال صالح بن سليمان العبدي كان ابن الزيات يتعشق جارية فبيعت من رجل

(2/78)


79 من أهل خراسان وأخرجها قال فذهل عقل محمد بن الزيات حتى خشى عليه ثم نشأ يقول ( يا طول ساعات ليل العاشق الدنف * وطول رعيته لنلجم في السدف ) ( ماذا توارى ثيابي من أخي حرق * كأنما الجسم منه دقة الألف ) ( ما قال يا أسفي يعقوب من كمد * إلا لطول الذي لاقى من الأسف ) ( من سره أن يرى ميت الهوى دنفاً * فليستدل على الزيات وليقف ) وفيها يحيى بن أيوب المقابري أبو زكريا البغدادي العباد أحد أئمة الحديث والسنة روى عن إسماعيل بن جعفر وطبقته توفي في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة وفيها الإمام أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي الحافظ أحد الأعلام وحجة الإسلام في ذي القعدة بمدينة النبي متوجها إلى الحج وغسل على الأعواد التي غسل عليها النبي وعاش خمساً وسبعين سنة سمع هشيماً ويحيى بن أبي زائدة وخلائق وحدث عنه الإمام أحمد والشيخان وجاء عنه أنه قال كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث يعني لمكرر وقال أحمد بن حنبل كل حديث لا يعرفه يحيى ابن معين فليس حديث وقال ابن المدني انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين قال في العبر حديثه في الكتب الستة وقال ابن الأهدل كان بينه وبينه احمد مودة واشتراك في طلب الحديث ورجاله وقيل لما خرج من المدينة إلى مكة سمع هاتفاً في النوم يقول يا أبي زكريا أترغب عن جواري فرجع وأقام بالمدينة ثلاثاً ومات رحمه الله وكان ينشد ( المسال يذهب حله وحرامه * طوعاً وتبقى فيغد آثامه ) ( ليس التقى بمتق لا لهه * حتى يطيب شرابه وطعامه ) ( ويطيب ما تحوى وتكسب كفه * ويكون فيحسن الحديث كلامه ) ( نطق النبي لنا به عن ربه * فعلى النبي صلاته وسلامه )

(2/79)


80 سنة أربع وثلاثين ومائتين قلا في الشذور هبت ريح شديدة لم يعهد مثلها فاتصلت نيفاً وخمسين يوماً وشملت بغداد والبصرة والكوفة وواسط وعبدان والأهواز ثم إلى همذان فأحرقت الزرع ثم ذهبت إلى الموصل فمنعت الناس من الإنتشار وعطلت الأسواق وزلزلت هراة حتى سقطت الدور انتهى وفيها توفي أحمد بن حرب النيسابوري الزاهد الذي قال فيه يحيى بن حيى أن لم يكن من الأبدال فلا أدري من هم رحل وسمع من ابن عيينة وجماعة وكان صاحب غزو وجهاد ومواعظ ومصنفات في العلم وخرج له النسائي قال في المغني عن ابن عيينة له مناكير قال أبو حاتم وكان صدوقاً انتهى وفيها الأمير ايتاخ التركي مقدم الجيوش وكبير الدولة خافه المتوكل وعمل عليه بكل حيلة حتى قبض له نائبه على بغداد اسحق بن إبراهيم وأميت عطشاً وأخذ له المتوكل من الذهب ألف ألف دينار وفيها الإمام أبو خيثمة زهير بن حرب الشيباني الحافظ ببغداد في شعبان وله أربع وسبعون سنة رحل وكتب الكثير عن هشيم وطبقته وصنف وهو والد صاحب التاريخ أحمد بن أبي خيثمة قال ابن ناصر الدين زهير بن حرب بن شداد الحرثي مولاهم النسائي أبو حيثمة ثقة انتهى وفيها أبو أيوب سليمان بن داود الشاذ كوني البصري الحافظ الذي قال فيه صالح بن محمد ما رأيت أحفظ منه سمع حماد بن زيد وطبقته وكان آية فيك ثرة الحديث وحفظه ينظر بعلى بن المديني ولكنه متروك الحديث قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين سلميان بن داود الشاذ كوني النقري أبو أيوب كان من كبار الحفاظ لكنه أتهم بالكذب وقال البخاري فيه نظر وقال ابن عدي سألت عبدان عنه فقال معاذ الله أن يتهم إنما كان قد ذهبت كتبه وكان يحدث حفظاً انتهى وفيها أبو جعفر النفيلي الحافظ أحد العلام عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل

(2/80)


81 الحراني في ربيع الآخر عن سن عالية روى عن زهير بن معاوية والكبار قال أبو داود لم أر أحفظ منه قال وكان الشاذ كوني لا يقر لأحد بالحفظ إلا للنفيلي وقال أبو حاتم ثقة مأمون وقال محمد بن عبد الله بن نمير كان النفيلي رابع أربعة وكيع وابن المهدي وأبو نعيم وهو وفيها أبو الحسن بن بحر بن بري القطان البغدادي الحافظ بناحية الأهواز كتب الكثير عن عبد العزيز الداوردي وطبقته وقال ابن ناصر الدين هو على ابن بحر بن بري الفارسي البغدادي روى عنه أحمد وغيره ووثق انتهى وفيها علي بن المديني وهو الإمام أحد الأعلام أبو الحسن علي بن عبد الله ابن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري الحافظ صاحب التصانيف سمع من حماد بن زيد وعبد الوارث وطبقتهما قال البخاري ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند ابن المديني وقال أبو داود ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد ابن حنبل وقال عبد الرحمن بن مهدي علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله بحديث سفيان بن عيينة توفي في ذي القعدة وله ثلاث وسبعون سنة وفيها محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ أبو عبد الرحمن الهمذاني الكوفي أحد الأئمة في شعبان سمع أباه وسفيان بن عيينة وخلقا قال أبو إسماعيل الترمذي كان أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبد الله بن نمير تعظيما عجيبا وقال علي بن الحسين ابن الجنيد الحافظ ما رأيت بالكوفة مثله قد جمع العلم والسنة والزهد وكان فقيرا يلبس في الشتاء لبادةوقال ابن صالح المصري ما رأيت بالعراق مثله ومثل أحمد ابن حنبل جامعينلم أر مثلهما في لاعراق وفيها محمد بن بكير بن علي بن عطاء بن مقدم بن عطاء بن مقدم مولى ثقيف الحافظ أبو عبد الله المقدمي البصري توفي في أول السنة روى عن حماد بن زيد وطبقته وفيها المعافي بن سليمان الرسعني محدث رأس العين روى عن فليح بن سليمان

(2/81)


82 وزهير بن معاوية وكان صدوقا وفيها شيخ الأندلس يحي بن يحي بن كثير الفقيه أبو محمد الليثي مولاهم الأندلسي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة روى الموطأ عن مالك سوى فوت من الاعتكاف وانتهت وانتهت إليه رياسة الفتوى رياسة الفتوى ببلده وخرج له عدة أصحاب وبه انتشر مذهب مالك بناحيته وكان إماما كثير العلم كبير القدر وافر الحرمة كامل العقل خير النفس كثير العبادة والفضل كان يوما عند مالك فقدم فيل وخرج الناس ينظرون إليه ولم يخرج فقال له مالك لم لا تخرج تنظره فإنه ليس ببلدك فيل فقال إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم هديك وعلمك فقال له هل أنت عاقل الأندلس رحمه الله تعالى سنة خمس وثلاثين ومائتين فيها كما قاله في الشذور أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس الطيالس العسلية والزنانير وترك ركوب السروج ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين ولا يعلمهم مسلم وفي ذي الحجة تغير ماء دجلة إلى الصفرة فبقي ثلاثة أيام ففزع الناس لذلك ثم صار في لون الورد انتهى وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم الموصلي النديم أبو محمد كان رأسا في صناعة الطرب والموسيقا أديبا عالما أخباريا شاعرا محسنا كثير لافضائل سمع من مالك وهشيم وجماعة وعاش خمسا وثمانين سنة وكان نافق السوق عند الخلفاء إلى الغاية يعد من الأجواد وثقه إبراهيم الحربي قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان المأمون يقول لولا ما سبق لإسحاق من الشهرة بالغناء لوليته القضاء فإنه أولى وأعف وأصدق وأكثر دينا وأمانة من هؤلاء القضاة لكن طعن فيه الخطابي كما نقله النواوي عنه وقال إنه معروف بالسخف والخلاعة وأنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمعن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزود من إثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث وزعم أنهم يروون مالا يدرون انتهى وقال ابن الفرات كان إسحاق

(2/82)


83 رحمه الله من العلماء باللغة والفقه والكلام والأشعار وأخبار الشعراء وأيام الناس وكان كثير الكتب حتى قال ثعلب رأيت لإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب كلها سماعه وما رايت اللغة في منزل أحد أكثر منها في منزل إسحاق ثم منزل ابن الأعرابي وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يروي عنه ابنه حماد وقد روى عنه أيضا الزبير بن بكار ومصعب بن عبيد الزبيري وأبو العيناء وميمون ابن هارون وغيرهم وقال أبو عون بن محمد الكلبي حدثنا محمد بن عطية العطوي الشاعر أنه كان عند يحي بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه فرآني إسحاق بن إبراهيم فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس واحتج وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر فأقبل على يحي وقال أعز الله القاضي أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن قال لا وكان إسحاق قد عمي قبل وفاه بسنتين حدث أبو عبد الله النديم قال لقيت إسحاق بن إبراهيم الموصلي بعد ما كف بصره فسألني عن أخبار الناس والسلطان فأخبرته ومن أخباره ما روى عنه أنه قال أخبرني رجل من بني تميم أنه خرج في طلب ناقة له قال فوردت على ماء من مياه طي فإذا خبا آن أحدهما قريب من الآخر وإذا في أحد الخباءين شاب كأنه الشن البالي فدنوت منه فرأيت من حاله ما رثيت له فسألته عن خبره فأعلمني أنه عاشق لابنة عم له وقد كان يأتيها فيتحدث مها وقد منع من لقياها فنحل لذلك جسمه وطال همه وأنشأ يقول ( ألا ما للحليلة لا تعود * أبخل بالحليلة أم صدود ) ( مرضت فعادني أهلي جميعا * فمالك لم أر فيمن يعود ) ( وما استبطأت غيرك فاعلميه * وحولي من بني عمي عديد ) ( فلو كنت السقيمة جئت أسعى * إليك ولم ينهنهني الوعيد ) قال فسمعت كلامه الذي عناها به فخرجت من ذلك الخباء كالبدر ليلة تمه وهي تقول

(2/83)


84 ( وعاق لأن أزورك ياخليلي * معاشر كلهم واش حسود ) ( اشاعوا ما علمت من الدواهي * وعابونا وما فيهم رشيد ) ( فلا يا حب ما طابت حياتي * وأنت تمرض فرد وحيد ) فتبادر النساء إليها وتعلقن بها وأحسن بها فوثب إلها فتبادر الرجال تحوه فتحلقوا به فجعلت تجذب نفسها والشاب يجذب نفسه حتى تخلصا فالتقيا واعتنقا ثم شهقا شهقة واحدة وخرا من قامتيهما متعانقين ميتين فخرج شيخ من تلك الأخبية فوقف عليهما وقال رحمكما الله أما والله لئن لم أجمع بينكما في حياتكما لأجمعن بينكما بعد وفاتكما ثم أمر بهما فغسلا وكفنا في كفن واحد وحفر لهما قبرا واحدا ودفنهما فيه فسألته عنهما فقال ابنتي وابن أخي بلغ بهما الحب إلى ما رأيت ففارقته وانصرفت ومن شعر إسحاق النديم رحمه الله ما كتبه إلى هارون الرشيد رحمه الله من أبيات ( أرى الناس خلان الجواد ولا أرى * بخيلا له في العالمين خليل ) ( وإني رأيت الخل يزري بأهله * فأكرمت نفسي أن يقال بخيل ) ( ومن خير حالات الفتى لو علمته * إذا نال شيئا أن يكون ينيل ) ( عطائي عطاء المكثرين تكرما * ومالي كما قد تعلمين قليل ) ( وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى * ورأي أمير المؤمنين جميلا ) وفيها الأمير إسحاق بن إبراهم بن مصعب الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين ولي بغداد أكثر من عشرين سنة وكان يسمى صاحب الجسر وكان صارما سايسا حازما وهو الذ يطلب العلماء ويمتحنهم بأمر المأمون مات في آخر السنة وفيها سريج بن يونس البغدادي أبو الحرث الجمال العابد أحد أئمة أصحاب

(2/84)


85 الحديث سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته وهو الذي رأى رب العزة في المنام وهو جد أبي العباس بن سريج وفيها شيبان بن فروخ الأيلي وهو من كبار الشيوخ وثقلتهم روى عن جرير ابن حازم وطبقته قال عبدان كان عنده خمسون ألف حديث وفيها أبو بكر بن أبي شيبة وهو الإمام أحد الأعلام عبد الله بن محمد بن أبي شبية إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي صاحب التصانيف الكبار توفي في المحرم وله بضع وسبعون سنة سمع من شريك فمن بعده قال أبو زرعة ما رأيت أحفظ منه وقال أبو عبيد انتهى علم الحديث إلى أربعة أبي بكر بن أبي شيبة وهو أسردهم له وابن معين وهو أجمعهم له وابن المديني وهو أعلمهم به وأحمد بن حنبل وهو أفهم فيه وقال صالح جزرة أحفظ من رأيت عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة وقال نفطويه لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل حزروا مجلسه بثلاثين ألفاً قال ابن ناصر الدين كان ثقة عديم النظير وهرج له الشيخان وفيها عبد الله بن عمر القواريري البصري الحافظ أبو سعيد ببغداد في ذي الحجة و روى عن حماد بن زيد وطبقته فأكثر وقال صالح جزرة هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة وقال ابن ناصر الدين هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة وفيها وقيل سنة ست وعشرين أبو الهذيل العلاف محمد بن هذيل بن عبيد الله البصري شيخ المعتزلة ورأس البدعة وله نحو من مائة سنة قاله في العبر وكان يقول بفناء أهل النار سنة ست وثلاثين ومائتين قال في الشذور فيها حجت سجاع أم المتوكل فشيعها المتوكل إلى النجف فلما صارت إلى الكوفة أمرت لكل رجل من الطالبيين والعباسيين بألف درهم ولابناء المهاجرين بخمسائة درهم وأمرت لكل امرأة من الهاشميات بخسمائة درهم

(2/85)


86 وفيها أمر التوكل بهدم قبر الحسين بن علي وكن كثير البعض في على بن أبي طالب رضي الله عنه ولكنه منع من القول بخلق القرآن انتهى وفيها توفي إبراهيم بن المنذر الحزامي المدني الحافظ أبو إسحق محدث المدينة روى عن ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما فأكثر وفيها أوفى التي قبلها وجزم به ابن ناصر الدين السمين محمد بن حاتم بن ميمون المروزي ثم البغدادي القطيعي أبو عبد الله وله كتاب تفسير القرآن وكان إماماً حافظاً من الموقين وثقة ابن عدي والدارقطني ولينه يحيى بن معين وخرج له مسلم وأبو داود وفيها أبو معمر القطيعي إسماعيل بن إبراهيم ببغداد روى عن شريك وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وسنة وفيها وزير المأمون وحموه أبو محمد الحسن بن سهل وله سبعون سنة وكان سمحاً إلى الغاية جواداً ممدحاً يقال أنه أنفق على عرس بنته بوران على المأمون أربعة آلاف ألف دينار قال ابن الأهدل الحسن بن سهل السرخسي وسرخس مدينة من خراسان وكان موته لغلبه المرة السوداء لشدة حزنه على أخيه الفضل حين قتل معافصة في الحمام وكان عالي الهمة ممدحاً ودام في الوزارة كأخيه مدة طويلة وفيهما قال الشعر ( تقول حليلتي لما رأتني * أشد مطيتي من بعد حل ) ( أبعد الفضل ترتحل المطايا * فقلت نعم غلى الحسن بن سهل ) النتهى وفيها مصعب بن عبد الله بن مصعب الحافظ أبو عبد الله الأسدي الزبيري المدني النسابة الإخباري سمع مالكاً وطائفة قال الزبير كان عمى مصعب وجه قريش مروءة علماً وشرفاً وبياناً وقدراً وجاهاً وكان نسابة قريش عاش ثمانين سنة وكان ثقة وفيها هدبة بن خالد القيسي البصري أبو خالد سمع حماد بن سلمة ومبارك

(2/86)


87 ابن فضالة والكبار فأكثر قال عبدان الأهوازي كما لا نصلى خلف هدبة مما يطول كان يبح في الركوع والسجود نيفاً وثلاثين تسبيحة وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه وكل شيء منه حتى صلاته سنة سبع وثلاثين ومائتين وفيها على ما قاله في الشذور تم جامع سر من رأى فبلغت النفقة عليه ثملثمائة ألف وثمانية آلاف ومائتين واثني عشر دينار انتهى وفيها وثبت بطارقة أرمينية على متوليها يوسف بن محمد فقتلوه فجهز المتوكل لحربهم بغا الكبير فالتقوا عند دييل فكسرهم بغاو قتل منهم زهاء ثلاثين ألفاً وسبى وغنم ونزل بناحية تفليس وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي جاود القاضي وآله وصادرهم وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم وفيها توفي حاتم الأصم أبو بعد الرحمن الزاهد صاحب المواعظ والحكم بخراسان وكان يقال له لقمان هذه الأمة قال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته حاتم الأصم البلخي وهو حاتم بن عنوان ويقال حاتم بن يوسف كنيته أبو عبد الرحمن وهو من قدماء مشيخ خراسان ومن أهل بلخ صحب شقيق بن إبراهيم وكان استاذ أحمد بن حضرويه وهو مولى للمثنى بن يحيى البخاري ابن يقال له خشنام بن حاتم مات عند رباط يقال له راس سرود على جبل فوق واشجرد قال حاتم من دخل في مذهبنا هذا فليجعل على نفسه أٍبع خصال من الموت موت ابيض وموت اسود وموت أحمر وموت أخضر فالموت الأبيض الأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض وقال أصب وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله أولها الثقة بالله ثم التوكل ثم الإخلاص ثم المعرفة والأشياء كلها تتم بالمعرفة وقال الوثق برزقة هو أن لا يفرح بالغنى ولا يغتم بالفقر ولا يبالي أصبح

(2/87)


88 في عسر أو يسر وقال يعرف الإخلاص بالاستقامة والاستقامة بالرجاء والرجاء بالإرادة والإرادة بالمعرفة وقال أصل الطاعة ثلاثة أشياء الخوف والرجا والحب وأصل المعصية ثلاثة أشياء الكبر والحسد والحرص وقال إذا أمرت الناس بالخير فكن أنت أولى به وأحق واعمل فيما تأمر وكذا فيما تنهى وأسند في الحلية قال مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال يا حاتم تحسن تصلي قال نعم قال كيف تصلي قال حاتم أقوم بالأمر وامشي بالخشية وادخل بالنية وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل والتفكر وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع وأجلس للتشهد بالتمام وأسلم السبل والسنة وأسلمها بالإخلاص لله عز وجل وأرجع على نفسي بالحق وأخاف أن لا تقبل مني وأحفظه عني إلى الموت قال تكلم فأنت تحسن تصلي انتهى ما ذكره السلمي ملخصا قال ابن الجوزي ولم يكن أصم وإنما كانت امرأة تسأله فخرج منها صوت فخجلت فقال ارفعي صوتك حتى أسمع فزال خجلها وغلب عليه هذا الاسم وفيها عبد الأعلى بن حماد الحافظ في جمادى الآخرة روى عن حماد بن سلمة ومالك وخلق وكان ممن قدم على المتوكل فوصله بمال وعبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري البصري سمع أباه ومعمر بن سليمان قال أبو داود كان فصيحا يحفظ نحو أربعة آلاف حديث والفضيل بن الحسين الجحدري ابن أخي كامل بن طلحة سمع حماد بن يلمة والكبار وكان له حفظ ومعرفة وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان المطلبي ابن عم الشافعي سمع الفضيل بن عياض وطائفة وكان كثير الحديث ثقة

(2/88)


89 وفيها وثيمة بن موسى الوشاء سمى به لبيعة الوشي وهو نوع من ثياب الابرسيم وكان وثيمة أحد الحفاظ صنف كتاب أخبار الردة أجاد فيه وأوسع قال في المغني قال ابن حاتم يحدث عن سلمة بن الفضل بأحاديث موضوعة انتهى سنة ثمان وثلاثين ومائتين فيها جاءت الروم في ثلثمائة مركب وأحرقوا كثير من ديار المسلمين ومسجد الجامع بدمياط وسبوا نساء مسلمات عدتهن ستمائة كما قاله في العبر قال ابن حبيب وفي صفر وجه عبد الله بن طاهر إلى المتوكل حجرا سقط بناحية طبرستان وزنه ثمانمائة وأربعون درهما ابيض فيه صدع وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها وأنه ساخ في الأرض خمسة أذرع ذكره في الشذور وفيها توفي إسحاق بن راهوية وهو الإمام عالم المشرق أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي ثم النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف سمع الداوردي وبقية وطبقتهما وعاش سبعا وسبعين سنة وقد سمع من ابن المبارك وهو صغير فترك الرواية عنه لصغره قال أحمد بن حنبل لا أعلم بالعراق له نظيرا وما عبر الجسر مثل إسحاق وقال محمد بن أسلم ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق ولو كان سفيان حيا لاحتاج إلى إسحاق وقال أحمد بن سلمة أملى على إسحاق التفسير على ظهر قلبه وجاء من غير وجه أن إسحاق كان يحفظ سبعين ألف حديث قال أبو زرعة ما رؤى أحفظ من إسحاق توفي إسحاق ليلة نصف شعبان بنيسابور قاله في العبر وناظر الشافعي في بيع دور مكة فلما عرف فضله صحبه وصار من أصحاب الشافعي رضي الله عنه قاله ابن الأهدل وفيها بشر بن الحكم العبدي النيسابوري الفقيه والد عبد الرحمن توفي قبل إسحاق بشهر قال أبو زرعة ما رؤى أحد منه وقد رحل قبله ولقى مالكا والكبار وعني بالأثر وفيها بشر بن الوليد الكندي القاضي العلامة أبو الوليد ببغداد في ذي القعدة

(2/89)


90 وله سبع وتسعون سنة تفقه على أبي يوسف وسم من مالك وطبقته وولي قضاء مدينة المنصور وكان محمود الأحكام كثير العبادة والنوافل وفيها الحسين بن منصور أبو علي السلمي النيسابوري الحافظ رحل وأكثر عن ابن عياش وابن عيينة وطبقتهما وعرض عليه قضاء نيسابور فاختفى ودعا الله فمات في اليوم الثالث وفيها طالوت بن عباد أبو عثمان الصيرفي البصري له نسخة مشهورة عالية روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة لم يخرجوا له شيئا وعمرو بن زرارة الكلابي النيسابوري وله ثمان وسبعون سنة روى عن هشيم وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وعبد الملك بن حبيب مفتي الأندلس ومصنف الواضحة وغير ذلك في رابع رمضان وله أربع وستون تفقه بالأندلس على أصحاب مالك زياد ابن عبد الرحمن شبطون وغيره وحج سنة ثمان ومكائتين فحمل عن عبد الملك ابن الماجشون وطائفة وهو في الحديث ليس بحجة قال في المغني عبد الملك ابن حبيب القرطبي الفقيه كثير الوهم صحفي وقد اتهم انتهى وفيها عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل الأموي صاحب الأندلس وقد نيف على الستين وكانت أيامه اثنتين وثلاثين سنة وكان محمود بن السيرة عادلا جوادا مفضلا له نظر في العقليات ويقيم للناس الصلوات ويهتم بالجهاد وفيها محمد بن بكار بن الريان ببغداد في ربيع الآخر سمع فليح بن سليمان وقيس بن الربيع والكبار وفيها أبو جعفر محمد بن الحسين البرجلاني مصنف الزهديات وشيخ ابن أبي الدنيا

(2/90)


91 وفيها محمد بن عبيد بن حساب الغبرى بالبصرة روى عن حماد بن زيد طبقته وكان ثقة حجة ومحمد بن أبي السرى العسقلاني في شعبان سمع الفضيل بن عياض وطبقته وفيها أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي المقرىء الحافظ نزيل مصر وقيل في السنة التي قبلها سمع عبد العزيز الدراوردي وطبقته سنة تسع وثلاثين ومائتين وفيها على ما قاله في الشذور أخذ المتوكل أهل الذمة بلبس رقعتين عسيليتين على الأقبية والداريع وأن يصبغ النساء مقانعهن عسليات وأن يقتصروا على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين وغزا بلاد الروم على بن يحيى الأرميني فقتل عشرة آلاف علج وسبى عشرة آلاف فارس ومن الدواب سبعة آلاف دابة وأحرق أكثر من ألف قرية ورجفت طبرية في الليل حتى مادت الأرض واصطكت الجبال ثم انقطع من الجبل المطل عليها قطعة ثمانين ذراعاً طولاً في خمسين ذراعاً فمات منها خلق كثير انتهى وفيها على ما قاله في العبر غزا المسلمون وعليهم على الأرمني حتى شارفوا القسطنطينية فأغاروا وأحرقوا ألف قرية وقتلوا وسبوا وفيها عزل يحيى بن أكثم من القضاء وصودر وأخذ منه مائة ألف درهم الفقيه في جمادى الأولى وأخذ عن أبي يوسف وسمع تمن مالك وجماعة وكان رئيساً مطاعاً فأخرج قتيبة من بلخ لعداوة بينهما وخرج له النسائي وهو شيخه قال في المغني ثقة فقيه فقيه قال أبو حاتم لا يشتغل به انتهى وفيها داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي ببغداد في شعبان سمع إسماعيل ابن جعفر وطبقته وكان ثقة واسع الرواية وفيها صفوان بن صالح أبو عبد الملك مؤذن جامع دمشق روى عن الوليد

(2/91)


92 ابن مسلم وطبقته وكان حنفي المذهب والصلت بن مسعود الجحدري قاضي سامراً في صفر روى عن حماد ابن زيد وطبقته وفيها عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي مشكل روى عن أبي الأحوص وجماعة كثيرة وفيها عثمان بن محمد بن أبي العبسي الكوفي الحافظ وكان أكبر من أخيه أبي بكر رحل وطوف وصنف التفسير والمسند وحضر مجلسه ثلاثون ألفاً روى عن شريك وأبي الأحوص وخاق وروى عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة وفيها محمد بن يحيى بن مهران أبو جعفر الرازي الجمال الحفاظ رحل وطوف وروى عن فضيل بن عياض وخلق كثير وحدث عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة وفيها محمد بن أبي سمينة أبو جعفر البغدادي التمار الحافظ في ربيع الأول سمع المعافى بن عمران وطائفة وفيها محمود بن غيلان أبو أحمد المروزي الحافظ محمد مرو حج وحدث ببغداد عن الفضل بن موسى وابن عيينة وطائفة قال أحمد بن حنبل اعرفه بالحديث صاحب سنة حبس بسبب القرآن وقال ابن ناصر الدين حدث عنه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم وكان حافظاً ثقة انتهى وفيها وهب بن بقية الواسطي ويقال له وهبان روى عن هشيم وأقرانه سنة أربعين ومائتين فيها كما قاله في الشذور أخذ أهل الذمة بتعليم أولادهم العبرانية والسريانية ومنعوا من العربية ونادى المنادي بذلك فأسلم منهم خلق كثير وفيها خرجت ريح من بلاد الترك فمرت بمرو فقتلت خلقاً كثيراً بالزكام ثم صارت إلى نيسابور وإلى همذان وحلوان ثم إلى العراق وأصاب

(2/92)


93 أهل بغداد وسر من رأى حمى وسعال وزكام وقال محمد بن حكيم جاءت الكتب من المغرب أن ثلاثة عشر قرية من القير وإن خسف بها فلم ينج من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه فأتوا القيروان فأخرجهم أهلها فقالوا أنتم مسخوط عليكم فبنى لهم العامل حظيرة خارج المدينة فنزلوها انتهى ما ذكره في الشذور وفيها توفي أحمد بن أبي داؤد على وزن فؤاد قاضي القضاة أبو عبد الله الأيادي وله ثمانون سنة وكان فصيحا مفوها شاعرا جوادا ممدحا رأسا في التجهم وهو لذي شغب على الإمام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان عالما جوادا ممدحا معتزليا وكان له القبول عند المأمون والمعتصم وهو أول من بدأ الخلفاء بالكلام وكانوا لا يكلمون حتى يتكلموا وبسببه وفتياه امتحن الإمام أحمد وأهل السنة بالضرب والهوان على القول بخلق القرآن وابتلى ابن أبي دؤاد بعد ذلك بالفالج نحو أربع سنين ثم غضب عليه المتوكل فصادره هو وأهله وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم وأخذ من والده مائة ألف وعشرين ألف دينار وجوهرا بأربعين ألف دينار وقيل أنه صالحه على ضياعه وضياع أبيه بألف ألف دينار ولأحمد بن داؤد عطايا جزيلة وشفاعة إلى الخلفاء مقبولة وفيه يقول الشاعر ( لقد أنست مساوي كل دهر * محاسن أحمد بن أبي دؤاد ) ( وما سافرت في الأقطار إلا * ومن جدواك راحلتي وزادي ) وكان بينه وبين ابن الزيات شحناء ومهاجاة عظيمة انتهى ما قاله ابن الأهدل وفيها أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام تفقه وسمع من ابن عيينة وغيره وبرع في العلم ولم يقلد أحدا قال أحمد بن حنبل أ ' رفه بالسنة منذ خمسين سنة وهو عندي سفيان الثوري انتهى قال ابن

(2/93)


94 الأهدل صنف فجمع في تصنيفه بين الحديث والفقه واستعمل أولا مذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي العراق وصحبه فاتبعه وهو غير مقلد لأحد وقال به محمد بن الحسن غلبنا عليك هذا الحجازي يعني الشافعي فقال أجد الحق معه انتهى وقال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون مجتهد انتهى والحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري توفي في أول السنة بطريق مكة وكان ورعا دينا ثقة أسلم على يد ابن المبارك وسمع الكثير منه ومن أبي الأخوص وطائفة ولما مر بغداد حدث بها وعدوا في مجلسه اثني عشر ألف محبرة وفيها أبو عمرو وخليفة بن خياط العصفري البصري الحافظ شباب صاحب التاريخ والطبقات وغير ذلك سمع من يزيد بن ربيع وطبقته وحدث عنه البخاري وغيره وكان ثبتا يقظا وسويد بن سعيد أبو محمد الهروي ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة التي تحت عانة سمع مالكا وشريكا وطبقتهما وكان مكثرا حسن الحديث بلغ مائة سنة قال أبو حاتم صدوق كثير التدليس قال في المغني سويد بن سعيد الحدثاني شيخ مسلم محدث نبيل له مناكير قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد متروك وقال النسائي ليس بثقة وقال البخاري عمي وكان يقبل التلقين انتهى وسويد بن نصر المروزي رحل وكتب عن ابن المبارك وابن عيينة وعمر تسعين سنة وسحنون مفتي القيروان وقاضيه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الحمصي الأصل ثم المغربي المالكي صاحب المدونة أخذ عن أبي القاسم وابن وهب وأشهب وله عدة أصحاب وعاش ثمانين سنة وعبد الواحد بن غياث المرثدي البصري سمع حماد بن سلمة وطبقته وفيها محدث خراسان أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي مولاهم البلخي ثم البغلاني الحافظ واسمه وقيل علي ولقبه قتيبة سمع مالكا والليث والكبار

(2/94)


95 ورحل العلماء إليه من الأقطار وكان من الأغنياء قال ابن ناصر الدين حدث عنه أصحاب الكتب إلا أن ابن ماجه وروى عنه أحمد وابن معين إليه المنتهى في الثقة انتهى وأبو بكر الاعين محمد بن أبي غياث الحسن بن طريف البغدادي الحافظ في جمادي الأولى سمع زيد بن الحباب وطبقته ورحل إلى الشام ومصر وجمع وصنف والليث بن خالد أبو الحرث المقرئ الكبير صاحب الكسائي وكان من أعيان أهل الأداء ببغداد وتوفي قبل الأربعين ومائتين تقريبا وسليمان بن أحمد الدمشقي ثم الواسطي لحافظ روى عن الوليد بن مسلم وجماعة وهو مضعف قال البخاري فيه نظر وفيها عبد العزيز بن يحي الكتاني المكي سمع من سفيان بن عيينة وناظر بشر المريسي في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة فانقطع بشر وظهر عبد العزيز ومناظرتهما مشهورة مسطورة وعبد العزيز هو صاحب كتاب الحيدة وهو معدود في أصحاب الشافعي وفيها نصير بن يوسف الرازي النحوي المقري تلميذ الكسائي وعمر نبن زرارة الحدثي ثقة له نسخة مشهورة روى عن شريك وجماعة وفيها أبو يعقوب الأزرق صاحب ورش وكان مقرئديار مصر في زمانه واسمه يوسف بن عمرو بن يسار قال في حسن المحاضرة أبو يعقوب الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصري لزم ورشا مدة طويلة وأتقن عنه الأداء وخلفه في الإقراء بالديار المصرية وانفرد عنه بتغليظ اللامات وترقيق الراءات قال أب الفضل الخزاعي أدركت أهل مصر والمغرب على أبي يعقوب عن ورش لا يعرفون غيرها انتهى وفيها أحمد بن المعدل بن غيلان العبدي البصري الفقيه المالكي المتكلم صاحب

(2/95)


96 عبد الملك الماجشون كان فصيحا مفوها له عدة تفقه إسماعيلالقاضي والبصريون سنة إحدى وأربعين ومائتين فيها على ما قاله في لاشذور ماجت النجوم في لاسماء وجعلت تطاير شرقا وغربا كالجراد من قبل غروب الشفق إلى قريب من الفجر ولم يكن مثل هذا إلا عند ظهر رسول الله وفيها توفي في ثاني عشر ربيع الأول بكرة الجمعة شيخ الأمة وعالم أهل العصر أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي أحد الأعلام ببغداد وقد تجاوز سبعا وسبعين سنة بأيام وكان أبوه جنديا فمات شابا أول طلب أحمد للعلم في سنة تسع وسبعين ومائة فسمع أحمد من هشيم وإبراهيم ابن سعد وطبقتهما وكان شيخا أسمر مديد القامة مخضوبا عليه سكينة ووقار وقد جمع ابن الجوزي أخباره في مجلد وذلك البيهقي وشيخ الإسلام الهروي وكان إماما في الحديث وضروبه إماما في الفقه ودقائقه إماما في السنة ودقائقها إماما في الورع وغوامضه إماما في الزهد وحقائقه قاله في العبر وقال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال في أسماء الرجال أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ابن أسد إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط ابن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعببن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفضى بن دعمي بن جذيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن معد ابن عدنان الشيباني أبو عبد الله خرج من مرو حملا وولد ببغداد ونشأ بها ومات بها ورحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة وسمع من سفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعد ويحي بن سعيد القطان وهشيم بن بشير ومعتمر بن سليمان وإسماعيل بن علية ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وخلق وروى عنه عبد الرزاق بن همام ويحي بن آدم وأبو الوليد هشام

(2/96)


97 ابن عبد الملك الطيالسي وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي والأسود بن عامر شاذان والبخاري ومسلم وأبو داود وأكثر عنه في كتاب السنن وروى الترمذي عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه وروى النسائي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عنه وعن محمد بن عبد الله عنه ووى ابن ماجه عن محمد بن يحي الذهلي عنه وإبراهيم الحربي والأثرم وأبو بكر أحمد المروزي وعمر بن سعيد الدارمي ومحمد بن يحي الذهلي النيسابوري وخلق لا يحصون قال إبراهيم الحربي أدركت ثلاثة لن ير مثلهم أبدا يعجز النساء أن يلدن مثلهم رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام ما أمثله إلا بجبل نفخ فيه روح ورأيت بشر بن الحرث ما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا ورأيت أحمد كأن الله عز وجل له علم الأولين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء وعن الحسن بن العباس قال قلت لأبي مسهر هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا أعلم إلا شابا بالمشرق يعني أحمد بن حنبل وقال قتيبة بن سعيد لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري والأوزاعي ومالك والليث بن سعد لكان هو المقدم وقيل لقتيبة يضم أحمد بن حنبل إلى التابعين قال إلى كبار التابعين وقال يحي بن معين دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقلت له أوصني فقال لا تحدث المسند إلا من كتاب وقال علي بن المديني قال لي سيدي أحمد بن حنبل لا تحدث إلا من كتاب وقال يوسف بن مسلم قال حدث الهيثم بن جميل بحديث عن جميل بحديث عن هشيم فوهم فيه فقيل له خالفوك في هذا فقال من خالفني قالوا أحمد بن حنبل قال وددت أنه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد بن حنبل وقيل لأبي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ قال أحمد بن حنبل حزر كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغ اثني عشر حملا وعدلا ما على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حدثنا فلان وكل ذلك كان يحفظه من ظهر قلبه وروى عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل إمام الحفاظ أنه قال إذا جاء الحديث في فضائل الأعمال وثوابها

(2/97)


98 وترغيبها تساهلنا في إسناده وإذا جاء الحديث في الحدود والكفارات والفرائض تشددنا فيه وقال إبراهيم بن شماس خاض الناس فقالوا إن وقع في أمة محمد الحجة على وجه الأرض فاتفقوا كلهم على أن أحمد بن حنبل حجته انتهى ما قاله في الكمال ملخصا وقال ابن الأهدل كان أحمد من خواص أصحاب الشافعي وكان الشافعي يأتيه إلى منزله فعوتب في ذلك فأنشد ( قالوا يزورك أحمد وتزوره * قلت الفضائل لا تفارق منزله ) ( إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له ) رضي الله عنهما وكان أحمد يحفظ ألف ألف حديث قال الربيع كتب إليه الشافعي من مصر فلما قرأ الكتاب بكى فسألته عن ذلك فقال إنه يذكر أنه رأى الشافعي من مصر فلما قرأ الكتاب بكى فسألته عن ذلك فقال إنه يذكر أنه رأى النبي اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل له إنك ستمتحن على القول بخلق القرآن ف تجبهم نرفع لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت له البشارة فخلع على قميصه وأخذت جوابه فلما قدمت على الشافعي وأخبرته بالقميص قال لا نفجعك به ولكن بله وادفع إلى ماءه حتى أكون شريكا لك فيه وكان يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني وحزر من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف ومن النساء ستين ألفا وأسلم يوم موته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس وحكى عن إبراهيم الحربي قال رأيت بشر لاحافي في لانوم كأنه خارج من مسجد الرصافة وفي كمه شيء يتحرك فقلت ما هذا في كمك فقال نثر علينا لقدوم روح أحمد لدر والياقوت فهذا ما التقطته انتهى ما ذكره ابن الأهدل ملخصا وفيها توفي جبارة بن المغلس الحماني الكوفي عن سن عالية روى عن شبيب ابن أبي شيبة النهشلي قال في لامغني جبارة ابن المغلس شيخ ابن ماجه واه قال ابن نمير صدوق كان يوضع له الحديث يعني فلا يدري وقال البخاري مضطرب الحديث قال أبو حاتم وقال ابن معين كذاب انتهى

(2/98)


99 وفيها الحسن بن حماد أبو علي الحضرمي البغدادي سجادة روى عن أبي بكر بن عياش وكان ثقة صاحب سنة وله حلقة وأصحاب وفيها أبو ثوبة الحلبي واسمه الربيع بن نافع الحافظ سمع معاوية بن سلام وشريكا والكبار وروى أحد الثقات ونزل طرسوس فكان شيخها وعالمها وعبد الله بن منير بن عبد الرحمن المروزي الزاهد القانت الذي قال البخاري لم أر مثله روى عن يزيد بن هارون وطبقته وكان ثقة ويعقوب بن حميد بن كاسب المحدث مدني مشهور نزل مكة وروى عن إبراهيم بن سعد وطبقته وكان يكنى أبا يوسف قواه البخاري ووثقه ابن معين وضعفه جماعة وفيها عبيد الله بن سعيد السرخسي أبو قدامة اليشكري المولى الرضي العلامة الثقة روى عن الشيخان والنسائي وابن خزيمة أظهر لاسنة بسرخس ودعا إليها وحده وفيها الحسن بن إسحاق بن زياد حسنونة أحد الثقات روى عنه البخاري والنسائي وغيرهما سنة اثنتين وأربعين ومائتين فيها على ما قاله في لاشذور رجمت قرية يقال لها لاسويداء بناحية مصر بخمسة أحجار فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاخترقت وزن منها حجر فكان عشرة أرطال فحمل أربعة إلى الفسطاط وواحد إلى تنيس وزلزلت الري وجرجان وطبرستان ونيسابور وأصبهان وقم وقاشان كلها في وقت واحد وتقطعت جبال ودنا بعضها من بعض وسمع للسماء والأرض أصوات عالية وزلزلت الدامغان فسقط نصفها على أهلها فهلك بذلك خمسة وعشرون ألفا وسقطت بلدان كثيرة على

(2/99)


100 أهلها ووقع طائر أبيض دون الرخمة وفوق الرخمة على دلبة بحلب لسبع مضين من رمضان فصاح يا معشر الناس اتقوا الله الله الله حتى صاح أربعين صوتا ثم طار وجاء من الغد فصاح أربعين صوتا وكتب صاحب البريد بذلك وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه ومات رجل في بعض كور الأهواز فسقط طائر أبيض فصاح بالفارسية وبالجورية في الشذور وفيها توفي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري الفقيه قاضي المدينة ومفتيه في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة تفقه على مالك وسمع منه الموطأ ولزمه مدة وسمع من جماعة وكان ثقة قال الزبير بن بكار مات وهو فقيه المدينة غير مدافع وفيها القاضي أبو حسان الزيادي وهو الحسن بن عثمان في رجب ببغداد وكان إماما ثقة أخباريا مصنفا كثير الاطلاع سمع بن زيد وطبقته قيل أن الشافعي نزل عليه ببغداد وفيها الحافظ أبو محمد الحسن بن علي الحلواني الخلال سمع حسين بن علي الجعفي وطبقته كان محدث مكة ثقة مكثرا قال إبراهيم بقي اليوم في الدنيا ثلاثة محمد بن يحي الذهلي بخراسان وأحمد بن الفرات بأصبهان والحسن بن علي الحلواني بمكة وفيها الإمام أبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرئ إمام جامع دمشق قرأ على أيوب بن تميم وسمع من الوليد بن مسلم وطائفة قال أبو زرعة الدمشقي ما في الوقت اقرأ من ابن ذكوان وقال أبو حاتم صدوق قال في العبر قلت عاش سبعين سنة انتهى وفيها الإمام الرباني محمد بن أسلم الطوسي الزاهد صاحب المسند والأربعين وكان يشبه في وقته بابن المبارك رحل وسمع الحديث من يزيد بن هارون جعفر بن عون وطبقتهما وروى عنه إمام الأئمة ابن جزيمة وقال لم تر عيناي

(2/100)


101 مثله وقال غيره وكان يعد من الأبدال وكان يقال له رباني هذه الأمة قال ابن ناصر الدين قيل أنه عليه لما مات ألف ألف إنسان وفيها أبو عبد الله محمد بن رمح التجيبي مولاهم المصري الحافظ في شوال سمع الليث وابن لهيعة قال النسائي ما أخطأ حديث واحد وقال ابن يونس ثقة ثبت كان أعلم الناس بأخبار بلدنا وفيها محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ أبو جعفر صاحب التاريخ وعلل الحديث سمع المعافي بن عمران وابن عيينة وطبقتهما وكان عبيد العجلي يعظم أمره ويرفع قدره وقال النسائي ثقة صاحب حديث قال في المغني ثقة أساء أبو يعلى القول فيه انتهى وفيها نوح بن أبي حبيب القومسي الحافظ في رجب روى عن عبد الله بن إدريس ويحي القطان وطبقتهما وكان ثقة صاحب سنة وفيها يحي بن أكثم القاضي أبو محمد المروزي ثم البغدادي أحد الأعلام في آخر السنة بالربذة منصرفا من الحج وله بضع سبعون سنة سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته وكان فقيها مجتهدا مصنفا قال طلحة الشاهد يحي بن أكثم أحد أعلام الدنيا قائم بكل معضلة غلب على المأمون حتى أخذ بمجامع قلبه وقلده القضاء وتدبير مملكته وكانت الوزراء لا تعمل الشيء إلا بعد مطالعته قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان يني العقيدة غلب على المأمون حتى أخذ بمجامع قلبه وقلده القضاء وتدبير مملكته وكانت الوزراء لا تعمل الشيء إلا بعد مطالعته قاله في العبر وقال ابن الأهدل وكان سني العقيدة غلب على المأمون فقلده القضاء وتدبير مملكته ثم عزله المعتصم بابن أبي دؤاد ثم رده المتوكل وعزل ابن أبي دؤاد حتى طابت عقائد أهل السنة وكان يحي كثير المزاح واختلف المحدثون في توثيقه ولي قضاء البصرة وهو ابن ثماني عشرة سنة وقال له المأمون كم سنك فقال كعتاب بن أسيد حين أمره النبي مكة وسئل أحمد عما يذكر عنه من الهنات فأنكره إنكارا شديدا وله الأثر المحمود والمقام التام يوم نادى المأمون بتحليل المتعة فرده بصريح النقل حتى رجع

(2/101)


واستغفر ولما استدعاه المأمون للقضاء نظر
102 إليه وكان ذميم الخلق فعلم أنه استحقره فقال يا أمير المؤمنين سلني إن كان القصد على لا خلقي فسأله عن المسألة المعروفة بالمأمونية وهي أبوان وابنتان ولم تقسم ولم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين عمن في المسألة فقال الميت الأول رجل أو امرأة فقال له إذا سألت عن الميت الأول فقد عرفتها انتهى ما قاله ابن الأهدل ملخصا قلت لأن الميت الأول فقد عرفتها انتهى ما قاله ابن الأهدل ملخصا قلت لأن الميت الأول كان رجلا فالأب وارث في المسألة الثانية لأنه أبو أب وإلا فلا لأنه أبو أم وروى أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في الرسالة قال حكى أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعيد قال كان القاضي يحي بن أكثم صديقا لي وكان يودني وأورده فمات فكنت أشتهي أن أراه في المنام فأقول له ما فعل الله بك فرأيته ليلة في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال غفر لي إلا أنه وبخني ثم قال لي يا يحي خلطت على نفسك في دار الدنيا فقلت يا رب اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله قلت إني لأستحي أن أعذب شيبة بالنار فقال قد عفوت عنك يا يحي وصدق نبي إلا أنك خلطت على نفسك في دار الدنيا انتهى كلامه وأكتم بالمثناة والمثلثة العظيم لابطن سنة ثلاث وأربعين ومائتين فيها توفي أبو عبد الله أحمد بن سعيد الرباطي الأشقر الحافظ بنيسابور وقيل في سنة خمس أو ست وأربعين سمع وكيعا ورحل إلى عبد الرزاق وحدث عنه الأئمة سوى ابن ماجه وكان علامة مفيدا متقنا وفيها أبو عبد الله أحمد بن عيسى المصري المعروف بابن التستري سمع ضمام ابن إسماعيل وابن وهب ونزل بغداد وحدث عنه لاشيخان والنسائي وغيرهم قال في المغني عن ابن وهب ثقة كذبه ابن معين وقال النسائي لا بأس به انتهى وفيها إبراهيم بن العباس الصولي البغدادي أحد الشعراء المجيدين والكتاب المنشئين كان

(2/102)


موصوفا بالبلاغة والبراعة وله ديوان مشهور فيه أشياء بديعة
103 قال دعبل لو تكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا في غير شيء وقال ابن خلكان وله ديوان شعر كله نخب وهو صغير ومن رقيق شعره ( دنت بالناس عمن تناء زيارة * وشطت بليلى عن دنو مزارها ) ( وإن مقيمات بمنعرج اللوى * لأقرب من ليلى وهاتيك دارها ) وله نثر بديع فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين إلى بعض البغاة الخارجين يتهددهم ويتوعدهم وهو أما بعد فإن لأمير المؤمنين أناة فإن لم تغن عقب بعدها وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه والسلام وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع فإنه ينشأ منه بيت شعر وهو ( أناة فإن لم تغن عقب بعدها * وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه ) وكان يقول ما اتكلت في مكاتبتي إلا على ما يجلبه خاطري ويجيش به صدري انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصا وفيها الزاهد الناطق بالحكمة الحرث بن أسد المحاسبي صاحب المصنفات في التصوف والأحوال روى عن يزيد بن هارون وغيره قال ابن الأهدل كان أحد الخمسة الجامعين بين العلمين في واحد هو والجنيد وأبو محمد وأبو العباس بن عطاء وعمرو بن عثمان المكي وله مصنفات نفيسة في السلوك والأصول ولم يأخذ من ميراث أبيه شيئا لأن أباه كان قدريا ومن قوله فقدنا ثلاثة أشياء حسن الوجه مع الصيانة وحسن القول مع الأمانة وحسن الإخاء مع الوفاء وهو أحد شيوخ الجنيد انتهى وفيها الفقيه أبو حفص حرملة بن يحي التجيبي المصري الحافظ مصنف المختصر والمبسوط وغيرهما روى عن ابن وهب مائة ألف حديث وتفقه بالشافعي وخرج له مسلم والنسائي قال في المغني هو شيخ مسلم صدوق يغرب قال أبو حاتم لا يحتج به وقال عبد الله بن محمد الفرهياني ضعيف وقال ابن عدي قد تبحرت في حديثه وقتشته الكثير فلم أجد له ما يضعف من أجله انتهى وقال الاسنوي

(2/103)


104 حرملة بن يحي بن عبد الله المصري التجيبي نسبة إلى تجيب بتاء مثناة من فوق مضمونة وقيل مفتوحة ثم جيم بعدها ياء بنقطتين من تحت ثم موحدة وهي قبيلة نزلت بمصر وأصلها اسم امرأة وكان حرملة إماما حافظا للحديث والفقه صنف المبسوط والمختصر المعروف به سنة ست وستين ومائة وتوفي في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين انتهى ملخصا وفيها عبد الله بن معاوية الجمحي البصري وقد نيف على المائة روى عن القاسم بن الفضيل الحداني والحمادين وكان ثقة صاحب حديث وفيها عقبة بن مكرم أبو عبد الملك العمي البصري الحافظ روى عن غندر وطبقته وكان ثبتا حجة ومات قبله بأعوام عقبة بن مكرم الضبي الكوفي روى عن ابن عيينة ويونس بن بكير ولم تقع له رواية في شيء من الكتب الستة وفيها محمد بن يحي بن أبي عمر أبو عبد الله العدني الحافظ صاحب المسند بمكة في آخر السنة روى عن الفضيل بن عياض والدراوردي وخلق وكان عبدا صالحا خيرا وقال مسلم وغيره هو حجة صدوق وفيها هارون بن عبد الله الحافظ أبو موسى البغدادي البزاز المعروف بالجمال رحل وسمع عبد الله بن نمير وابن أبي فديك وطبقتهما قيل إنه تزهد وصار يحمل بأجرة يتقوت بها وفيها هناد بن السري الحافظ الزاهد القدوة أبو السري الدارمي الكوفي صاحب كتاب الزهد روى عن شريك وإسماعيل بن عياش وطبقتهما فأكثر وجمع وصنف وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري وفيها أبو همام الوليد بن شجاع السكوني الحافظ الكوفي سمع شريكا وابن بكار وابن جعفر وطبقتهما قال في المغني ثقة مشهور قال أبو حاتم لا يحتج به انتهى سنة أربع وأربعين ومائتين فيها على ما قاله في الشذور اتفق عيد الأضحى وعيد الفطر لليهود وشعانين النصارى

(2/104)


105 وفيها توفي أحمد بن منيع الحافظ الكبير أبو جعفر البغوي الأصم صاحب المسند ببغداد في شوال سمع هشيما وطبقته وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه وقد خرج له الجماعة لكن البخاري بواسطة واحد وكان أحد الثقات المشهورين وإبراهيم بن عبد الله الهروي الحافظ ببغداد في رمضان روى عن إسماعيل بن جعفر وكان من أعلم الناس بحديث هشيم وكان صواما عابدا تقيا في المغني إبراهيم ابن عبد الله الهروي شيخ الترمذي قال النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود ضعيف وقد وثق انتهى وفيها إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي المدني ثم الكوفي أبو موسى قاضي نيسابور روى عن أبن عيينة وطبقته أطنب أبو حاتم الرازي في الثناء عليه وكان كثير الأسفار فتوفي بجوسية من أعمال حمص والحسن بن شجاع أبو علي البلخي الحافظ أحد أركان الحديث في شوال كهلا ولم ينشر حديثه سمع عبيد الله بن موسى وطبقته روى الترمذي عن رجل عنه قال ابن ناصر الدين الحسن بن شجاع بن رجاء البلخي أبو علي روى عنه البخاري وغيره وكان من نظراء أبي زرعة لكن لم يشتهر لموته كهلا قبل أوان السماع انتهى وفيها أبو عمار الحسين بن حريث المروزي الحافظ سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته ولم يرحل وحمدوية وهو حميد بن مسعدة بن المبارك السامي البصري الثقة وأقرأ وسمع وحدث روى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري وفيها عبد الحميد بن بيان الواسطي روى عن خالد الطحان وهشيم فأكثر وفيها علي بن حجر الحافظ الإمام أبو الحسن السعدي المروزي نزيل نيسابور في جمادى الأولى وله نحو من تسعين سنة روى عن إسماعيل بن جعفر وشريك وخلق وكان من الثقات الأخيار ومحمد بن أبان أبو بكر المستلمي وكيع لقى ابن عيينة وابن وهب والكبار وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري

(2/105)


106 في جمادى الآخرة سمع أبا عوانة وطبقته وكان صاحب حديث ولي القضاء جماعة من أولاده وزفيها يعقوب بن السكيت النحوي أبو يوسف البغدادي صاحب كتاب إصلاح المنطق وتفسير دواوين الشعراء وغير ذلك سبق أقرانه في الأدب مع حظ وافر في السنن والدين وكان قد ألزمه المتوكل تأديب ابنه المعتز فلما جلس عنده قال له يا بني بأي شيء يحب الأمير أن يبتدئ من العلوم قال بالانصراف قال ابن السكيت فأقوم قال المعتز أنا أخف نهوضا منك فقام المعتز مسرعا فعثر بسراويله فسقط فالتفت خجلا فقال ابن لاسكيت ( يصاب الفتى من عثرة بلسانه * وليس يصاب المرء من عثرة الرجل ) ( فعثرته بالقول تذهب رأسه * وعثرته بالرجل تبري على مهل ) فلما كان من الغد دخل على المتوكل فقال له قد بلغني البيتان وأمر له بخمسين ألف درهم وقال أحمد بن محمد بن شداد شكوت إلى ابن لاسكيت ضائقة فقال هل قلت شيئا قلت لا قال فأقول أنا ثم أنشد ( نفسي تروم أمورا لست أدركها * ما دمت أحذر ما يأتي به القدر ) ( ليس ارتحالك في كسب الغنى سفرا * لكن مقامك ف ضر هو السفر ) وقال ابن السكيت كتب رجل إلى صديق له قد عرضت لي قبلك حاجة فإن نجحت فالفاني منها حظي والباقي حظك وإن تعذرت فالخير مظنون بك والعذر مقدم لك والسلام وكان ابن السكيت يوما عند المتوكل فدخل عليه ابناه المعتز والمؤيد فقال له يا يعقوب أيما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فغض من ابنيه وذكر محاسن الحسن والحسين فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه وحمل إلى داره فمات من الغد وروى أنه قال له والله إن قنبرا خادم علي خير منك ومن ابنيك فأمر بسل لسانه من قفاه رحمه الله ورضي عنه ويقال أنه حمل ديته إلى أولاده

(2/106)


107 سنة خمس وأربعين ومائتين فيها كما قاله في الشذور زلزلت بلاد المغرب حتى تهدمت الحصون والمنازل وكانت بانطاكية زلزلة ورجفة قتلت خلقاً كثيراً وسقط منها ألف وخمسمائة دار ووقع من سورها نيف وتسعون برجاً وسمع أهلها أصواتاً هائلة لا يحسنون وصفها فتركوا المنازل وهرب الناس إلى الصحراء وسمع أهل تنيس صحية عالية دامت فمات منها خلق كثير وذهبت حباً بأهلها انتهى وفيها توفي أحمد بن عبدة بالبصرة سمع حمادين زيدو الكبار وورى الكثير واسحق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجر المروزي الحافظ في شوال ببغداد وله خمس وتسعون سنة سمع حماد بن زيد وطبقته وكان من كبار المحدثين قال ابن ناصر الدين هو ثقة لكن تكلم فيه انتهى وفيها إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي الشيعي المحدث ابن بنت السدى روى عن مالك وطبقته وروى عن عمر بن شاكر عن أنس بن مالك وخرج له أبو داود والترمذي وغيرهما قال في المغني إسماعيل بن موسى الفزاري السدى يترفض وقال أبو داود يتشيع انتهى وفيها ذو النون المصري أبو الفيض ثوبان ويقال الفيض بن إبراهيم أحد رجال الطريقة وواحد وقته كان أبوه نوبياً سعى به إلى المتوكل في سجنه وأهدى له طعام في السجن فكرهه لكون السجان حمله بيد هو لما أطاق اجتمع عليه الصوفية ببغداد في الجامع واستأذنوه في السماع وحضر حضرته القوال فأنشد ( صغير هواك عذبني * فكيف به إذا احتنكا ) ( وأنت جمعت من قلبي * هوى قد كان مشتركا ) فتواجد ذو النون وسقط فانشج رأسه وقطر منه دم ولم يقع على الأرض فقام شاب يتواجد فقال له ذو النون الذي يراك حين تقوم فقعد الشاب قال بعضهم

(2/107)


108 كان ذو النون صاحب أشراف والشاب صاحب أنصاف ومن كلامه علامة محب الله متابعة الرسول في كل أمر به قال السيوطي في كتاب حسن المحاضرة ذو النون المصري ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض أحد مشايخ الطريق المذكورين في رسالة القشيري وهو أول من عبر عن علوم المنازلات وأنكر عليه أهل مصر وقالوا حدثت علما لم تتكلم فيه الصحابة وسعوا به إلى الخليفة المتوكل ورموه عنده بالزندقة وأحضروه من مصر على البريد فلما دخل سر من رأى وعظه فبكى المتوكل ورده مكرما وكان مولده باخميم حدث عن مالك والليث وابن لهيعة وروى عنه الجنيد وآخرون وكان أوحد وقته علما وورعا وحالا وأدبا مات في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين وقد قارب التسعين قال السلمي كان أل مصر يسمونه بالزنديق فلما مات أظلت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه أن وصل إلى قبره انتهى ما ذكره السيوطي وفيها سوار بن عبد الله بن سوار التميمي العنبيري البصري أبو عبد الله قاضي الرصافة ببغداد روى عن يزيد بن زريع وطبقته قال في المغني سوار بن عبد الله ابن قدامة العنبري ليس بشيء انتهى وكان من الشعراء لامجيدين ودحيم الحافظ الحجة أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قاضي فلسطين والأردن وله خمس وسبعون سنة سمع ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما وروى عنه البخاري وغيره قال أبو داود لم يكن في زمانه مثله وفيها أبو تراب النخشي العارف واسمه عسكر بن الحصين من كبار مشايخ القوم صحب حاتم الأصم وغيره قل السخاوي في طبقاته عسكر بن حصين أبو تراب النخشي ويقال عسكر بن محمد بن حصين أحد فتيان خراسان والمذكورين بالأحوال السنية الرفيعة وأحد علماء هذه الطائفة صحب حاتم الأصم حتى مات ثم خرج إلى لاشام وكتب الحديث الكثير ونظر في كتب الشافعي ثم نزل مكة ثم كان يخرج إلى عبادان والثغر ويرجع إلى مكة ومات بين المسجدين ودخل

(2/108)


109 البصرة وتزوج بها وصحب شقيفا البلخي قال أبو تراب من كان غناه بماله لم يزل فقيرا ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنيا من كان غناه بربه فقد قطع عنه اسم الفقر والغنى لأنه دخل في حيز ما لا وصف له وقال ابن الجلاء قال أبو تراب إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله صحبتها الوقيعة في الأولياء وقال أشرف القلوب قلب حي بنور الفهم عن الله عز وجل وقال ليس في العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلوب وقال إن الله ينطق العلماء في كل زمان بما يشاء كل أعمال ذلك الزمان وقال من أشغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت من ساعته دخل بغداد مرات واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل فجعل الإمام أحمد يقول فلان ضعيف فلان ثقة فقال له أبو تراب لا تغتب العلماء فالتفت إليه الإمام أحمد وقال له ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا وفيها محمد بن رافع أبو عبد الله القشيري مولاهم النيسابوري الحافظ سمع ابن عيينة ووكيعا وخلائق وروى عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة زاهدا صالحا قد أرسل إليه ابن طاهر نوبة خمسة آلاف درهم فردها ولم يكن لأهله يومئذٍ خبر وفيها محمد بن هشام التميمي السعدي قال ابن الأهدل كان ممدوحا بالحفظ وحسن الروية قال مؤرخ أخذ مني كتاب فحبسه ليلة ثم جاء به وقد حفظه وقال له سفيان ابن عيينة لا أراك تخطئ شيئا مما تسمع ثم قال له حدثني الزهري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء قال وضرب بيده على جنبي وقال أراك منهم انتهى وفيها هشام بن عمار الإمام أبو الوليد السلمي خطيب دمشق وقارئها وفقيهها ومحدثها في سلخ المحرم عن سنتين وتسعين سنة روى عن مالك وطبقته وقرأ على عراك وأيوب بن تميم عن قراءتهما على يحي الذماري صاحب ابن عامر قال في المغني هشام بن عمار خطيب دمشق ومقرئها ثقة مكثر له ما ينكر قال أبو حاتم

(2/109)


110 صدوق وقد تغير فكان كلما لقنه تلقن وقال أبو داود حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها وقال ابن معين ثقة وقال مرة كيس كيس وقال النسائي لا بأس به وقال الدارقطني صدوق كبير المحل وقال صالح جزرة كان يأخذ على الروية انتهى كلام المغني سنة ست وأربعين ومائتين فيها كما قاله في الشذور مطرت سكة يبلخ دما عبيطا وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن كثير أبو عبد الله العبدي البغدادي الدورقي الحافظ الثقة سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته وصنف التصانيف الحسنة المقيدة وفيها أحمدبن أبي الحواري الزاهد الكبير أبو الحسن الدمشقي سمع أبا معاوية وطبقته وكان من كبار المحدثين والصوفية وأجل أصحاب أبي سليمان الداراني وله كلام في الحقائق منه ما ابتلى الله عبدا بشيء أشد من القسوة والغفلة وقالت له زوجته رابعة الشامية أحبك حب الإخوان لا حب الأزواج وكانت زوجته أيضا من كبار الصالحات الذاكرات وكانت تطعمه الطيب وتطيبه وتقول اذهب بنشاطك إلى أهلك وتقول عند تقريبها الطعام إليه كل فما نضج إلى بالتسبيح وتقول إذا قامت من الليل ( قام المحب إلى المؤمل قومه * كاد الفؤاد من السرور يطير ) وقال السخاوي في طبقات الأولياء في طبقات الأولياء أحمد بن أبي الحواري كنيته أبو الحسن وأبو الحواري اسمه ميمون من أهل دمشق صحب أبا سليمان الداراني وسفيان بن عيينة وأبا عبد الله النياحي وغيرهم وله أخ يقال له محمد يجري مجراه في الزهد والورع وابنه عبد الله ب أحمد بن أبي الحواري من الزهاد وأبوه أيضا كانمن العارفين والورعين فبيتهم بينت الورع والزهد ومن كلامه من عمل بلا اتباع سنة فعمله باطل وقال إني لا أقرأ القرآن فانظر في آية آية فيحار عقلي وأعجب

(2/110)


111 من حفاظ القرآن كيف ينهيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بتدبير الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا ووفقوا وقال الحافظ الذهبي في التذهيب قال محمد بن عوف الحمصي رأيت أحمد بن أبي الحواري صلى العتمة ثم قام يصلي فاستفتح بالحمد إلى (إياك نعبد وإياك نستعين ) فطفت الحائط كله ثم رجعت فإذا هو لا يجاوز إياك نعبد وإياك نستعين ثم نمت ومررت به سحرا وهو يقول إياك نعبد وإياك نستعين فلم يزل يرددها إلى الصبح انتهى ملخصا وفيها أبو عبد الله الحسين المروزي الحافظ صاحب ابن المبارك بمكة وقد سمع من هشيم والكبار وفيها أبو عمر الدوري شيخ المقرئين فيعصره وله ست وتسعون سنة وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان المقرئ قرأ على الكسائي وإسماعيل بن جعفر ويحي اليزيدي وحدث عن طائفة وصنف في القراءات وكان صدوقا قرأ عليه خلق كثير قال أدركت حياة نافع ولو كان عندي شيء لرحلت إليه وفيها دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور الرافضي مدح الخلفاء والملوك وكان يحب الهجاء وقد أجازه عبد الله بن طاهر على أبيات ستين ألف درهم قال ابن خلكان قيل أن دعبلا لقب واسمه الحسن وقيل عبد الرحمن وقيل محمد وكنيته أبو جعفر وقيل أنه كان أطروشا وفي قفاه سامة كان شاعرا مجيدا إلا أنه بذيء اللسان مولعا بالهجاء والحط من أقدار الناس وهجاء الخلفاء ومن تدونهم وطال عمره فكان يقول لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك وكان بين دعبل ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير وعليه تخرج دعبل في الشعر فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان وهي جرجان فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما فلم يلتفت مسلم إليه ففارقه وقال

(2/111)


112 ( غششت الهوى حتى تداعت أصوله * بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا ) ( وأنزلت من بين الجوانح والحشا * ذخيرة ود طال ما قد تمتعا ) ( فلا تعذلني ليس فيك مطمع * تخرقت حتى لم أجد لك مرقعا ) ( وهبك يميني استأكلت فقطعتها * وصبرت قلبي بعدها فتشجعا ) ومن شعره في الغزل ( لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى ) ( يا ليت شعري كيف نومكم * يا صاحبي إذا دمي سفكا ) ( لا تأخذا بظلامتي أحدا * قلبي وطرفي في دمي اشتركا ) ولما مات دعبل وكان صديقا للبحتري وكان أبو تمام قد مات قبله رثاهما البحتري فقل ( قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي * مثوى حبيب يوم مات ودعبل ) في أبيات انتهى ملخصا وفيها العباس بن عبد العظيم أبو الفضل العنبري البصري الحافظ أحد علماء السنة سمع يحي القطان وطبقته وتوفي في رمضان وكان من الثقات الأخيار ولوين اسمه محمد بن سليمان بن جعفر الأسدي البغدادي ثم المصيصي سمع مالكا وحماد بن زيد والكبار وعمر دهرا طويلا وجاوز المائة وكان كثير الحديث ثقة قاله في العبر وفيها محمد بن يحي بن فياض الزماني البصري روى عن عبد الوهاب الثقفي وطبقته فأكثر وحدث في آخر عمره بدمشق وبأصبهان والمسيب بن واضح الحمصي روى عن إسماعيل بن عياش والكبار وتوفي في آخر السنة قال أبو حاتم صدوق ويخطئ وفيها الفضل بن غسان الغلابي ببغداد روى عن عبد الرحمن بن مهدي وطبقته وله تاريخ مفيد

(2/112)


113 سنة سبع وأربعين ومائتين فيها توفي إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق البغدادي الحافظ مصنف المسند روى عن هشيم وخلق كثير مات مرابطا بعين زربة وكان من أركان الحديث خرج مسند أبي بكر الصديق في نيف وعشرين جزا وفيها أبو عثمان المازني النحوي صاحب التصانيف واسمه بكر بن محمد قال تلميذه المبرد لم يكن بعد سيبويه أعلم من أبي عثمان المازني بالنحو قال ابن خلكان كان في غاية الورع ومما رواه المبرد أن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ أن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار في تدريسه إياه فامتنع أبو عثمان من ذلك قال فقلت له جعلت فداك أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضافتك فقال إن هذا الكتاب يشتمل على ثلثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله عز وجل ولست أرى أن أمكن منها ذميا غيره على كتاب الله عز وجل وخشية له قال فاتفق إن غنت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي ( أظلوم إن مصابكم رجلا * أهدي السلام تحية ظلم ) فاختلف من بالحضرة في أعراب رجلا فمنهم من نصبه وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب فأمر الواثق بإشخاصه قال أبو عثمان فلما مثلت بين يديه قال ممن الرجل قلت من بني مازن قال أي الموازن أمازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة فقلت من مازن ربيعة فكلمني بكلام قومي وقال بااسبك لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لما قصدته وأعجب به ثم قال ما تقول في قول الشاعر أظلوم إن مصابكم رجلا * البيت أترفع رجلا أن تنصبه فقلت لب الوجه النصب يا أمير المؤمنين فقال ولما ذاك فقلت هو بمنزلة قولك إن ضربك زيدا ظلم فالرجل مفعول مصابكم وهو منصوب به والدليل عليه أن

(2/113)


114 الكلام معلق إلى أن يقول ظلم فاستحسنه الواثق وقال هل لك من ولد قلت نعم يا أمير المؤمنين بنية قال ما قالت لك عند مسيرك قلت أنشدت قول الأعشى ( أيا أبتا لا ترم عندنا * فأنا بخير إذا لم ترم ) ( أرانا إذا أضمرتك البلا * د نجفي وتقطع منا الرحم ) قال فما قلت لها قال قلت قول جرير ( ثقي بالله ليس له شريك * ومن عند الخليفة بالنجاح ) قال علي النجاح إن شاء الله تعالى ثم أمر لي بألف دينار وردني مكرما قال المبرد فلما عاد إلى البصرة قال لي كيف رأيت يا أبا العباس رددنا لله مائة فعوضنا ألفا انتهى ما ذكره ابن خلكان ملخصا وفيها في شوال قتل المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي فتكوا به في مجلس لهوه بأمر ابنه المنتصر وعاش أربعين سنة وهو الذي أحيا السنة وأمات التجهم ولكنه كان فيه نصب ظاهر وانهماك على اللذات والمكاره وفيه كرم وتبذير وكان قد عزم على ابنه المنتصر وتقدم إليه بتقديم المعتز عليه لفرط محبته لأمه وبقي يؤذيه ويتهدده إن لم ينزل عن العهد واتفق مصادرة المتوكل لوصيف فتعاملوا عليه ودخل عليه خمسة في جوف الليل فنزلوا عليه بالسيوف فقتلوه وقتلوا وزيره الفتح بن خاقان معه ولما قتلا أصبح الناس يقولون قتل المتوكل والفتح بن خاقان دبر عليهما المنتصر ولد المتوكل وكان الناس على لسان واحد يقولون والله لا عاش المنتصر إلا ستة أشهر كما عاش شيرويه بن كسرى حيث قتل أباه فكان الأمر كذلك وكان قتله ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال وكان للمتوكل خمسمائة وصيفة للفراش ولم يكن فيهن أحظى من صبيحة أم ولده المعتز

(2/114)


115 وبسبب ميله إليها أراد أن يقدم ولدها بالعهد وكان اصغر من المنتصر وكان تقدم منه العهد للمنتصر ثم لأخويه من بعده وفي ذلك يقول السلمي ( لقد شد ركن الدين بالبيعة الرضا * وسار بسعد جعفر بن محمد ) ( لمنتصر بالله أثبت عهده * وأكد بالمعتز ثم المؤيد ) ورزق المتوكل من الحظ من العامة لتركه الهزل واللهو إلا أنه كان يتشبه في الغضب بخلق الجبابرة وبلغ المتوكل أن صالح بن أحمد بن حنبل رأى ف ينومه قائلا يقول ( ملك يقاد إلى مليك عادل * متفضل بالعفو ليس بجائر ) فصدقه ذلك وروى علي بن الجهم قال لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلثمائة جارية من أصناف الجواري وكان فيهن جارية يقال لها محبوبة وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعا عظيما وحلت من نفسه محلا جسيما وكانت تسامره ولا تفارقه فغاضبها يوما وأمرها بلزوم مقصورتها وأمر أن لا يدخل الجواري عليها قال علي بن الجهم فبينا أنا عنده جالس يوما إذ قال لي يا علي رأيت البارحة كأنني صالحت محبوبة فقلت أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة وأنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناء فقال لي يا علي قم بنا الساعة فأنا سنرد على بوادر ظريفة فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويدا لئلا يسمع حسنا فوقف على باب المقصورة وإذا بها تضرب بالعود وتغني ( أدور في القصر لا أرى أحدا * أشكو إليه ولا يكلمني ) ( حتى كأني جنيت معصية * ليست لها توبة تخلصني ) ( فهل شفيع لنا إلى ملك * قد زارني في الكرى وصالحني ) ( حتى إذا ما الصباح لاح لنا * عاد إلى هجره فصار مني )

(2/115)


116 فنفر المتوكل طربا ونفرت معه لنفيره فخرجت حافية ثم أكبت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه ثم قالت يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك قال لها وأنا والله رأيت مثل ذلك قالت فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال فقال ادخل فأنا سنرد على ما نحب قال فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة ووصلني بعد ذلك ببدرة فأخذتها وانصرفت قيل قرئ على المتوكل كتاب فيه ملاحم فمر القارئ فيه على موضع فيه إن الإمام العاشر من بني العباس يقتل في مجلسه على فراشه فقال ليت شعري من الشقي الذي يقتله ثم وجم فقيل له أنت الحادي عشر وعدوا إبراهيم بن المهدي من جملة الخلفاء فسرى عنه وقيل رأى المتوكل في منامه كأن دابة تكلمه فقال للبعض جلسائه ما تفسره ففسره له بشيء آخر ثم قال لبعض من حضر سرا حان رحيله لقوله تعالى ( ^ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ) وقيل رأى المتوكل في منامه رؤيا فقصها على الفتح بن خاقان وزيره فقال يا أمير المؤمنين أضغاث أحلام ولو تشاغلت بالشرب والغناء لسري عنك هذا فقطع عامة نهاره بالتشاغل فلما جاءه الليل أمر بإحضار الندماء والمغنين وجلس يقصره المعروف بالجعفري وعنده الفتح فقال للمغنين غنوا فغنوا ثم قام ولده محمد المنتصر ومعه الحاجب يشيعه فخلا الموضع فدخل عليه خمسة من الأتراك فقتلوه وقتلوا الفتح أيضا وفيها توفي سلمة بن شبيب أبو عبد الرحمن النيسابوري الحافظ الموثق في رمضان بمكة روى عن يزيد بن هارون وطبقته وقد روي عنه من الكبار أحمد ابن حنبل وأصحاب الكتب الستة إلا البخاري وفيها أو بعدها محمد بن مسعود الحافظ بن العجمي سمع عيسى بن يونس ويحي ابن سعيد القطان وطبقتهما ورابط بطرسوس قال محمد بن وضاح القرطبي هو رفيع الشأن فاضل ليس بدون أحمد بن حنبل يعني في العمل لا في العلم والله

(2/116)


117 أعلم قاله في العبر سنة ثمان وأربعين ومائتين فيها بل في التي قبلها كما جزم به في الشذور توفيت شاع أم المتوكل وكانت خيرة كثيرة الرغبة في الخير وخلفت من العين خمسة ألاف الف دينار وخمسين الف دينار ومن الجوهر قيمته الف الف دينار ولا يعرف أمراة رأت ابنها وهو جد وثلاثة أولاد ولاة عهود إلا هي قاله في الشذور وقيها توفي الإمام العلم أبو جعفر أحمد بن صالح الطبري ثم المصري الحافظ سمع ابن عيينة وابن وهب وخلقاً وكان ثقة قال محمد بن عبد الله بن نمير إذا جاوزت الفرات فليس أحد مثل أحمد بن صالح وقال ابن وارة الحافظ أحمد بن حنبل ببغداد وأحمد بن صالح بمصر وابن نمير بالكفوى و النفيلي بحران هؤلاء أركان الدين وقال يعقوب الفسوى كتبت عن الف شيخ حجتي فيما بينين وبين الله رجلان أحمد بن صالح وأحمد بن حنبل وفيها الحسين بن علي الكرابيسي الفقيه المتكلم أبو علي ببغداد وقيل مات في سنة خمس وأربعين تفقه على الشافعي وسمع من اسحق الأزرق وجماعة وصنف التصانيف وكان متضلعاً من الفقه والحديث والأصول ومعرفة الرجال والكراييس الثياب الغلاظ وفيها بغا الكبير أبو موسى التركي مقدم قواد المتوكل عنسن عالية وكان بطلاً شجاعاً مقداماً له عدى فتوح ووقائع بأشر الكثير مالحروب فما جرح قط وخلف أمولاً عظيمة وفيها أمير خراسان وبان أميرها طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي في رجب ولى امرة خراسان بعد أبيه ثمان عشرة سنة ووليها بعده ولده

(2/117)


118 محمد بن طاهر عشرين سنة وقد حدث طاهر عن سليمان بن حرب وفيها عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار أبو بكر البصري ثم المكي ثم العطار روى عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري سمع أباه وابن وهب وكان أحد الفقهاء وعيسى بن حماد زبة التجبي مولاهم المصري راوية الليث بن سعد والقسم بن عثمان الدمشقي الزاهد المعروف بالجوعي من كبار الصوفية والعارفين صحب أبا سليمان الداراني وروى عن سفيان بن عيينة وجماعة قال أبو حاتم صدوق وفيها محمد بن حميد الرازي أبو عبد الله الحافظ روى عن جرير بن عبد الحميد ويعقوب القمي وخلق وكان من أوعية العلم لكن لا يحتج به وله ترجمة طويلة أثنى عليه أحمد بن حنبل وقال ابن خزيمة لو عرفه أحمد لما أثنى عليه وقد خرج له أبو داود والترمذي وغيرهما قال الذهبي في المغني محمد بم حميد الرازي الحافظ عن يعقوب القمي وجرير وابن المبارك ضعف لا من قبل الحفظ قال يعقوب بن شيبة كثير المناكير وقال البخاري فيه نظر وقال أبو زرعة يكذب وقال النسائي ليس بثقة وقال صالح جزرة ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذ كوني انتهى ما قاله في المغني وفي ربيع الآخر المنتصر بالله أبو جعفر محمد بن المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد بالخوانيق وكانت خلافته سبعة أشهر وعاش ستا وعشرين سنة وأمه رومية تسمى حبشة وكان ربعة جسيما أعين أقنى بطينا مليح الصورة مهيبا وكان كامل العقل محبا للخير محسنا إلى ال على بارا بهم وقيل إن أمراء الترك خافوه فلما حم دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار ففصده بريشة مسمومة وقيل سم في كمثرى قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل إن أمه جاءته عائدة فبكى وقال يا أماه عاجلت أبي فعوجلت ثم أنشأ يقول

(2/118)


119 ( فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها * ولكن إلى الملك القدير أصبر ) ( ومالي شيء غير أني مسلم * بتوحيد ربي مؤمن وخبير ) وبايع الترك بعده لأحمد بن محمد المعتصم خوفا منهم أن يبايعوه لأحد من أولاد المتوكل فيقتلهم بأبيه وسموه المستعين انتهى ما ذكره ابن الأهدل وقال ابن الفرات قيل رأى المنتصر بالله ابه المتوكل على الله في منامه فقال له ويحك يا محمد ظللتني وقتلتني والله لامتعت بالدنيا بعدي وقد أجمعوا على أن المنتصر بالله مات مسموما وكان سبب ذلك أنه رأى باغر التركي في حفدته الأتراك فقال قتلني الله إن لم أقتلكم جميعا فبلغهم الخبر فسموه في ريشه الفاصد ومات وله من العمر خمس وعشرون سنة وفيها محمد بن زنبور أبو صالح المكي روى عن حماد بن زيد وإسماعيل بن جعفر وكان صدوقا وفيها محدث الكوفة أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الحافظ في جمادى الآخرة سمع ابن المبارك وعبد الله بن إدريس وخلائق وكان ثقة مكثرا وفيها أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد الكوفي القاضي أحد أعلام القرآن قرأ على سليم بن وسمع من أبي خالد الأحمر وابن فضيل وطبقتهما وكان إماما مصنفا في القراءات ولي القضاء ببغداد قال في المغني محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي قال أحمد العجلي لا بأس به وقال غيره صدوق وأما البخاري فقال رأيتهم مجمعين على ضعفه وروى ابن عقدة عن مطين عن ابن نمير كان يسرق الحديث انتهى سنة تسع وأربعين ومائين فيها توفي الحسن بن الصباح الإمام أبو علي البزار سمع سفيان بن عيينة وأبا معاوية وطبقتهما وكان أحمد بن حنبل يرفع قدره وبجله ويحترمه وروى عنه البخاري وقال البخاري وقال أبو حاتم صدوق كانت له جلالة عجيبة ببغداد رحمه الله تعالى

(2/119)


120 والبزار بالراء آخره لعله منسوب إلى بيع البزر وكذلك محمد بن السكن البزار وبشر بن ثابت البزار وخلف بن هشام البزار المقرى وكل من في البخاري ومسلم سوى هؤلاء الأربعة فهو البزاز بزايين وفيها رجاء بن مرجاء أبو محمد السمرقندي الحافظ ببغداد روى عن النضر ابن شميل فمن بعده قال الخطيب كان ثقة ثبتاً إماماً في الحفظ والمعرفة وعبد بن حميد الحافظ أبو محمد الكشي صاحب المسند والتفسير واسمه عبد الحميد فخفف سمع يزيد بن هارون وابن أبي فديك وطبقتهما وكان ثقة ثبتاً وفيها أبو حفص عمرو بن علي الباهلي البصرى الصيرفي الفلاس الحافظ أحمد الأعلام سمع معتمر بن سليمان وطبقته وصنف وعنى بهذا الشأن قلا النسائي ثقة حاف وقال أبو زرعة ذاك من فرسان الحديث وقال أبو حاتم كان أوثق من على بن المديني وفيها محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية بن أبي زرعة الزهري مولاهم المصري أبو عبيد الله بن البرقي حدث عنه أبو داود والنسائي وغيرهما وهو صاحب كتاب الضعفاء قاله ابن ناصر الدين سنة خمسين ومائتين وفيها توفي العلامة أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري الفقيه مولى بني أمية روى عن ابن عيينة وابن وهب وشرح الموطأ وروى عنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد البزي المقرىء مؤذن المسجد الحرام وشيخ الإقراء ولد سنة سبعين ومائة وقرأ على عكرمة بن سليمان وأبى الخريط وقرأ لعيه جماعة وكان لين الحديث حجة في القرآن قال الذهبي في المغني أحمد بن محمد ابن عبد الله البزي مقرىء مكة ثقة في القراءة وأما في الحديث فقال أبو جعفر

(2/120)


121 العقيلي منكر الحديث يوصل الأحاديث ثم ساق له حديثاً متنه الديك الأبيض الأفرق حبيب وحبيب حبيبي وقال أبو حاتم ضعيف الحديث سمعت منه ولا أحدث عنه وقال ابن أبي حاتم روى حديثاً منكراً انتهى ما أورده الذهبي في المغني وفيها الحارث بن مسكين الإمام أبو عمرو قاضي الديار المصرية وله ست وتسعون سنة سأل الليث بن سعد وسمع الكثير من ابن عيينة وابن وهب وأخذ في المحنة فحبس دهراً حتى أخرجه المتوكل وولاه قضاء مصر وكان من كبار أئمة السنة الثقات قال السيوطي في حسن المحاضرة الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي أبو عمرو المصري الحافظ الفقيه العلامة روى عنه أبو داود والنسائي قال الخطيب كان فقيهاً على مذهب مالك ثقة في الحديث ثببتاً ولتصانيف ولد سنة أربع وخمسين ومائة ومات ليلة الحد لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمسين ومائتين انتهى وفيها ويقال في سنة خمس وخمسين الإمام أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد النحوي المقرىء اللغوي صاحب المصنفات حملا لعربية عن أبي عبيدة والأصمعي وقرأ القرآن على يعقوب وكتب الحديث عن طائفة قومت كتبه يوم مات بأربعة عشر ألف دينار واشتراها ابن السكيت بدون ذلك مجاباة وفيها عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني الكوفي الحافظ الحجة سمع من شريك والوليد بن أبي ثور والكبار قال ابن حبان كان داعية إلى الرفض وقال ابن خزيمة حدثنا الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب وروى عنه البخاري مقروناً بآخر وفيها عمرو بن بحر الجاحظ أبو عثمان البصري المعتزلي واليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة صنف الكثير في الفنون كان برحاً من بحورا لعلم رأساً في الكلام والإعتزال وعاش تسعين سنة وقيل بقي إلى سنة خمس وخمسين أخذ عن القاضي أبي يوسف وثمامة بن أشرس وأبى اسحق النظام قال في المغني

(2/121)


122 عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب قال ثعلب ليس بثقة ولا مأمون تنتهي وقال غيره أحسن تأليفه وأوسعها فائدة كتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين وكان مشوه الخلق استدعاه المتوكل لتأديب ولده فلما رأه رده وأجازه وفلج في آخر عمره فكان يطلى نصفه بالصندل والكافور لفرط الحرارة ونصفه لآخر لو قرض بالمقاريض ما أحس به لفرط البرودة وسمى جاحظاً لجحوظ عينيه أي نتوءهما وكان موته بسقوط مجلدات العلم عليه وفيها الفضل بن مروان بن ماسرخس كان ويزر المعتصم وهو الذي أخذ له البيعة ببغداد وكان المعتصم يومئذ ببلاد الروم صحبة أخيه المأمون فاتق موت المأمون ببغداد وكان المعتصم يومئذ واعتد له المعتصم بها يداً عنده وفوض إليه الوزارة يوم دخلوه بغداد وهو يوم السبت مستهل شهر رمان سنة ثماني عشرة ومائتين وخلع عليه ورد أموره كلها إليه فغلب عليه لطول خدمته وتربيته إياه فاستقل بالأمور وكذلك كان أواخر دولة المأمون وكان نصراني الأصل قليل المعرفة بالعلم حسن المعرفة بخدمة الخلفاء وله ديوان رسائل وكتاب المشاهدات والأخبار التي شاهدها ومن كلامه مثل الكاتب كالدولاب إذا تعطل انكسر وكان قد جلس يوماً لقضاء أشغال الناس ورفعت إليه قصص العامة فرأى في جملتها ورقة مكتوب فيها ( تفرعنت يافضل بن مروان فاعتبر * فقبلك كان الفضل والفضل والفضل ) ( ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم * أبادتهم الأقياد والحبس والقتل ) ( وأنك قد أصبحت في الناس ظالماً * ستودى كما أودى الثلاثة من قبل ) أراد بالفضول الثلاثة الفضل بن يحيى البرمكي والفضل بن سهل والفضل ابن الربيع وذكر المرزباني والزمخشري في ربيع الأبرار أن هذه الأبيات للهيثم ابن فراس السامي من سامة بن لؤي وقال الصولي أخذ المعتصم من داره لما نكبه الف الف دينار وأخذ أثاثاً وآنية بألف دينار وحبسه خمسة أشهر ثم أطلقه

(2/122)


123 ولزمه واستوزر أحمد بن عمار ومن كلام الفضل هذا الفضل هذا أيضاً لا تتعرض لعدوك وهو مقبل فإن إقباله يعينه عليك ولا تتعرض له وهو مدبر فأن ادباره يكفيك أمره وفيها كثير بن عبيد المذحجي الحذاء إمام جامع حمص أمه مدة ستين سنة قيل أنه ماسها في صلاة مدة أم حدث عن ابن عيينة وطائفة وكان عبداً صالحاً وأبو عمرو نصر بن علي الجهضمي وقيل علي بن نصر الجهضمي الصغير البصري الحافظ الثقة أحد أوعية العلم روى عن يزيد بن زريع وطبقته وعنه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال أبو بكر بن أبي داود كان المستعين طلب نصر بن علي ليوليه القضاء فقال لأمير البصرة حتى أرجع فاستخير الله فرجع وصلى ركعتين وقال اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك ثم نام فنبهوه فإذا هو ميت رحمه الله تعالى مات في ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين ومائتين فيها توفي إسحاق بن منصور الكوسج الإمام الحافظ أبو يعقوب المروزي بنيسابور في جمادى الأولى سمع ابن عينة وخلقا وتفقه على أحمد وإسحاق وكان ثقة نبيلا وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن خلكان وغيره الحسين بن الضحاك ابن ياسر الشاعر البصري المعروف بالخليع سمي سمي خليعا لكثرة مجونه وخلاعته كان مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي رضي الله عنه وأصله من خراسان وهو شاعر ماجن مطبوع حسن الافتنان في ضروب الشعر وأنواعه اتصل بمنادمة الخلفاء إلى ما لم يتصل إليه إسحاق النديم فإنه قاربه في ذلك وساواه وأول من نادمه منهم محمد الأمين بن هارون الرشيد ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيام المستعين وهو في الطبقة الأولى من الشعراء المجيدين وبينه وبين أبي نواس

(2/123)


124 ماجريات لطيفة ووقائع حلوة ومن شعره قوله ( صل بخدي خديك تلقى عجيباً * من معان يحار فيها الضمير ) ( فبخديك للربيع رياض * وبخدي للدموع غدير ) وقوله ( إذا خنتم بالغيب عهدي فما لكم * تدلون أدلال المقيم على العهد ) ( صلوا وافعلوا فعل المدل بوصله * وألا تصدوا وافعلوا فعل ذي صد ) وعمر نحو المائة وفيها حميد بن زنجوية أبو أحمد النسائي الحافظ صاحب التصانيف منها كتاب الآداب النبوية والترغيب والترهيب وغيرهما وكان من الثقات روى عن النضر بن شميل وخلق بعده وفيها عمرو بن عثمان الحمصي محدث حمص كان ثقة عدلا روى عن إسماعيل ابن عياش وبقية وابن عيينة قال أبو زرعة كان أحفظ من محمد بن مصفى وفيها أبو التقى هشام بن عبد الملك اليزني الحمصي الحافظ الثقة المتقن روى عن إسماعيل بن عياش وبقية وكان ذا معرفة تامة سنة اثنتين وخمسين ومائتين قتل المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين وبويع بعد المنتصر وكان أمراء الترك قد استولوا على الأمر وبقي المستعين مقهورا معهم فتحول من سامرا إلى بغداد غضبان فوجهوا يعتذرون إليه ويسألونه الرجوع فامتنع فعهدوا إلى الحبس فأخرجوا المعتز بالله وحلفوا له وخلفوه وجاء أخوه أبو أحمد لمحاصرة المستعين فتهيأ المستعين ونائب بغداد بن طاهر للحرب وبنوا سور بغداد ووقع القتال ونصبت المجانيق ودام الحصار أشهرا واشتد البلاء وكثرت القتلى وجهد أهل بغداد حتى أكلوا الجيف وجرت عدة وقعات بين الفريقين قتل فيوقعة منها نحو الألفين من البغادنة إلى

(2/124)


125 أن كاوا وضعف أمرهم وقوى أم المعتز ثم تخلى ابن طاهر عن المسعتين لما رأى البلاء وكاتب المعتز ثم سعوا في الصلح على خلع المستعين فخلع نفسه على شروط وكدة في أول هذه السنة ثم أنفذوه إلى واسط فاعتقل تسعة أشهر ثم أحضر غلى سامرا في آخر رمضان قله في العبر وقال ابن الأهدل اتفق الصلح على خلع السمعتين فخلع نفسه على شروط لم تف وشاور أصحابه في أي البلاد يسكن فأشار عليه بعضهم بالبصرة فقبل أنها حارة فقال أترونها أحر من فقد الخلافة فأقام حينئذ استدعاه المعتز وقتله وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكانت مدته من يوم بويع إلى أن خلع ثلاث سنين وأشهراً وبين خلعه وقتله تسعة أشهر وفيه يقول حينئذ الكاتب المعروف بالحاسه ( خلع الخليفة أحمد بن محمد * وسيقتل التالي له أو يخلع ) ( أيها بني العباس أن سبيلكم * في قتل اعبدكم سبيل مهيع ) ( رقعتم دنياكم فتمزفت * بكم الحياة تمزقاً لا يرقع ) وكان يقول في دعائه اللهم أذ خلعتني من الخلافة فلا تخلعني من رحمتك ولا تحرمني من جنتك انتهى وكان سبب قتله على ما ذكره ابن الفرات أن المعتز بالله حين هم بقتله كتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فوجه أحمد بن طولون التركي في جيش فاخرج المستعين فلم وافى به القاطول قتله عليه وحمل رأسه إلى المعتز وكفن ابن طولون جثته ودفنه وقيل بلكان أحمد بن طولون وموكلا بالمستعين فوجه المعتز سعيد بن صالح في جماعة فحلمه وقتله بالقاطول وقيل أنه أدخله إلى منزله بسر من رأى فعذبه حتى مات وقيل بل ركبه معه في زورق وشد في رجليه حجراً وأغرقه وقيل بل وكل به رجلا من الأتراك وقال له اقتله فلما أتى إليه ليقتله قال له دعني حتى أصلى ركعتين فخلاه في الركعة الأولى وضرب رأسه وأتى المعتز برأسه وهو يلعب بالشطرنج فقيل له هذا رأس المخلوع فقال دعوه حتى أفرغ من الدست فلما افرغ دعاية ونظر إليه وأمر بدفنه وأمر لسعيد بن

(2/125)


126 صالح بخمسين ألفا وولاه البصرة انتهى وكان المستعين ربعة خفيف العارضين أحمر الوجه مليحا بوجهه أثر جدري ويلثغ في السين نحو الثاء وكان مسرفا في تبذير الخزائن والذخائر سامحه الله تعالى وفيها إسحاق بن بهلول أبو يعقوب التنوخي الأنباري الحافظ سمع ابن عيينة وطبقته وكان من كبار الأئمة في القراءات وفي الحديث والفقه قال ابن صاعد حدث إسحاق بن بهلول بنحو خمسين ألف حديث من حفظه وعاش ثمانيا وثمانين سنة وفيهاأبو هاشم زياد بن أيوب الطوسي ثم البغدادي دلويه الحافظ سمع هشيما وطبقته وحدث عنه البخاري وأحمد وغيرهما وكان ثقة ثبتا وكان يقال له شعبة الصغير لإتقانه ومعرفته وفيها بندار محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري أبو بكر الحافظ الثقة في رجب سمع معتمر بن سليمان وغندر وطبقتهما قال أبو داود كتبت عنه خمسين ألف حديث وفيها محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار أبو موسى العتري البصري الزمن في ذي القعدة ومولده عام توفي حماد بن سلمة سمع معتمر بن سليمان وسفيان بن عيينة وطبقتهما وروى عنه الأئمة الستة وابن خزيمة وغيرهم وكان حجة حافظا وفيها يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن كمزاحم أبو يوسف العبدي النكري الدورقي البغدادي الحافظ الثقة الحجة سمع هشيما وإبراهيم بن سعد وطبقتهما وروى عنه الستة وغيرهم وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين على الأفطس بن الحسن الذهلي قال في المغني علي بن الحسن الذهلي الأفطس النيسابوري عن ابن عيينة قال ابن الشرقي متروك الحديث انتهى

(2/126)


127 سنة ثلاث وخمسين ومائتين فيها توفي أحمد بن سعيد بن صخر الحافظ أبو جعفر الدارمي السرخسي أحد الفقهاء والأئمة سمع النضر بن شميل وطبقته وكان ثقة روى عنه الأئمة إلا النسائي وفيها أحمد بن المقدام أبو الأشعث البصري العجلي المحدث في صفر سمع حماد بن زيد وطائفة كثيرة قال في المغني ثقة ثبت وإنما ترك أبو داود الرواية عنه لمزاحه كان بالبصرة مجان يلقون صرة الدراهم ويرقبونها فإذا جاء من يرفعها صاحوا به وخجلوه فعلمهم أحمد أن يتخذوا صرة فيها زجاج فإذا أخذوا صرة الدراهم فصاح صاحبها وضعوا بدلها صرة الزجاج وقال النسائي ليس به بأس انتهى كلام المغني وفيها السري بن المغلس السقطي أبو الحسن البغدادي أحد الأولياء الكبار ولهنيف وتسعون سنة سمع من هشيم وجماعة وصحب معروفا الكرخي وله أحوال وكرامات قال ابن الأهدل هو خال الجنيد وأستاذه وتلميذ معروف الكرخي قال الجنيد دفع لي السري رقعة وقال هذا خير لك من سبعمائة فصه قال فيها ( ولما ادعيت الحب قال كذبتني * فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا ) ( فما الحب حتى يلصق الظهر بالحشا * وتذبل حتى لا تجيب المنالديا ) ( وتنحل حتى لا يبقى لك الهوى * سوى مقلة تبكي بها وتناجيا ) انتهى وقال السخاوي في طبقات الأولياء هو إمام البغداديين في الإشارات وكان يلزم بيته ولا يخرج منه لا يراه إلا من يقصده إلى بيته انقطع عن الناس وعن أسبابهم وأسند عن الجنيد قال ما رأيت أعبد من السري أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعا إلا في علة الموت وسئل عن المتصوف فقال هو اسم لثلاثة معان وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن

(2/127)


128 ينققضه عليه ظاهر الكتاب ولا تحمله الكرامات من الله على هتك استار محارم الله انتهى ما ذكره السخاوى ملخصاً وفيها الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي نائب بغداد كان جواداً ممدحاً قوى المشاركة جيد الشعر مات بالخوانيق وفيها وصيف التركي كان أكبر أمراء الدولة وكان قد استولى على المعتز واصطفى الأموال لنفسه وتمكن ثم قتل سنة أربع وخمسين ومائتين وفيها قتل بغا الصغير الشرابي وكان دق تمرد وطغى وراح نظيره وصيف فتفرد واستبد بالأمور وكان المعتز بالله يقول لا أستلذ بحياة ما بقى بغا ثم أنه وثب فأخذ من الخزائن مائتي ألف دينار وسار نحو السند فاختلف عليه أصحابه وفارقه عسكره فذل وكتب يطلب الأمان وانحدر في مركب فأخذته المغاربة وقتله وليد المغربي وأتى برأسه فأعطاه المعتز عشرة آلاف دينار وفيها أبو الحسن على بن الجواد محمد بن الرضا على بن الكاظم موسى بن جعفر الادق العلوي الحسني المعروف بالهادي كان فقيهاً اماماً متعباً وهو أحد الأئمة الإثني عشر الذين تعتقد غلاة الشيعة عصمتهم كالأنبياء سعى به إلى المتوكل وقيل له أن في بيته سلاحاً وعدة ويريد القيام فأمر من هجم عليه منزلة فوجده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر يصلى ليس بينه وبين الأرض فراش وهو يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد فحمل إليه ووصف له حاله فما رآه عظمه وأجلسه إلى جنبه وناوله شراباً فقال ما خامر لحمى ولا دمى فاعفنى منه فأعفاه وقال له أنشدني شعراً فأنشده أبياتاً أبكاه بها فأمر له بأربعة آلاف دينار ورده مكرماً وإنما قيل العسكري لأنه سعى به إلى المتوكل أحضره من المدينة وهي مولده وأقره مدينة العسكر وهي سر من رأى سميت بالعسكر لأنه المعتصم

(2/128)


139 حين بناها انتقل إليها بعسكره فسميت بذلك واقام بها صاحب الترجمة عشرين سنة فاسب غليها وفيها محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي الحافظ أبو جعفر ببغداد روى عن وكيع وطبقته وعنه البخاري وأبو داود والنسائي ويغرهم وان من كبار الحافظ الثقات المأمونين لما قدم ابن المديني بغداد قال وجدت أكيس القوم هذا الغلام المخرمي وفيها أبو أحمد المرار بن حموية الثقفي الهمذاني الفقيه سمع أبا نعيم وسيعد بن أبي مريم وكان موصوفاً بالحفظ وكثرة العلم وفيها العتبي صاحب العتيبة في مذهب مالك واسمه محمد بن أحمد بن عبد العزيز ابن عبتة الأموي العتبي القرطبي الأندلس الفقيه أحد الأعلام أخذ عن يحيى ورحل فأخذ بالقيروان عن سحنون وبمصر عن أصبغ وصنف المستخرجة وجمع فيها أشياء غريبة عن مالك وفيها مؤمل بن إهاب أبو عبد الرحمن الحافظ في رجب بالرملة روى عن ضمرة بن ربيعة ويحيى بن آدم وطبقتهما وفيها على ما جزم به ابن ناصر الدين أبو عاصم خشيش بن أصرم بن الأسود النسائي أخذ العلم عن الكبار وحدث عنه عدة منهم أبو داود والنسائي وغيرهم وكان ثقة سنة خمس وخمسين ومائتين فيها فتنة الزنج وخروج العلوي قائد الزنج بالبصرة خرج بالبصرة فعسكر ودعا إلى نفسه وزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن الشهيد بن زيد بن علي ولم يثبتوا نسبه فبادر إلى دعوته عبيد أهل البصرة السودان ومن ثم قيل الزنج والتف إليه كل صاحب فتنة حتى استفحل أمره وهزم جيوش الخليفة واستباح البصرة وغيرها وفعل الأفاعيل وامتدت أيامه إلى أن قتل إلى غير رحمة

(2/129)


130 الله في سنة سبعين وفيها خرج غير واحد من العلوية وحاربوا بالعجم وغيرها وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي السمرقندي الحافظ الثقة صاحب المسند المشهور رحل وطوف وسمع النضر بن شميل ويزيد بن هارون وطبقتهما قال أبو حاتم هو إمام أهل زمانه وقال محمد ابن عبد الله بن نمير غلبنا الدارمي بالحفظ والورع وقال رجاء بن مرجاما رأيت أعلم بالحديث منه وفيها قتل المعتز بالله أبو عبد الله محمد بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي في رجب خلعوه وأشهد مكرها ثم أدخلوه بعد خمسة أيام إلى حمام فعطش حتى عاين الموت وهو يطلب الماء فيمنع ثم أعطوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتا واختفت أمه صبيحة وسببقتله إن جماعة من الأتراك قالوا اعطنا أرزاقنا فطلب من أمه مالا فلم تعطه وكانت ذات أموال عظيمة إلى الغاية منها جوهر وياقوت وزمرد قوموه بألفي دينار ولم يكن إذ ذاك في خزائن الخلافة شيء فحينئذٍ أجمعوا على خلعه ورأسهم حينئذٍ صالح بن وصيف ومحمد بن بغا فلبسوا السلاح وأحاطوا بدار الخلافة وهجم على المعتز طائفة منهم فضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس حافيا ليخلع نفسه فأجاب وأحضروا محمد بن الواثق من بغداد فأول من بايعه المعتز بالله وعاش المعتز ثلاثا وعشرين سنة وكان من أحسن أهل زمانه ولقبوا محمدا بالمهدي بالله قاله في العبر وقال ابن الفرات كانت وفاته في شعبان من هذه السنة وكان عمره اثنتين وعشرين سنة وثلاثة أشهر وكانت خلافته من يوم بويع له ببغداد بعد خلع المستعين بالله نفسه ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما وأشهر ولد عبد الله بن المعتز الشاعر وبه كان يكنى انتهى وفيها محمد بن عبد الرحيم أبو يحي البغدادي الحافظ البزاز ولقبه صاعقة

(2/130)


131 سمع عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وطبقته وكان أحد الثقاث الإثبات المجودين وفيها محمد بن كرام أبو عبد الله السجستاني الزاهد شيخ الطائفة الكرامية وكان من عباد المرجئة قاله في العبر وقال في المغني محمد بن كرام السجزي العابد المتكلم شيخ الكرامية أكثر عن الجوبياري ومحمد بن تميم السعدي وكأنا ساقطين قال ابن حبان خذل حتى التقط من المذاهب أرادها ومن الأحاديث أوهاها وقال أبو العباس سراج شهدت البخاري ودفع إليه كتاب ابن كارم يسأله عن أحاديث فيها الزهري عن سالم عن أبيه يرفعه الإيمان لا يزيد ولا ينقص فكتب أبو عبد الله على ظهر كتابه من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل وقال ابن حبان جعل ابن كرام الإيمان قولا بلا معرفة وقال ابن حزم قال ابن كزام الإيمان قول بلسان وأن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن قلت هذه أشنع بدعة وقوله في الرب جسم لا كالاجسام انتهى ما قاله الذهبي في المغني في الضعفاء وفيها موسى بن عامر المري الدمشقي سمع الوليد بن مسلم وابن عيينة وكان أبوه أبو الهندام عامر بن عمارة سيد قيس وزعيمها وفارسها وكان طلب من الوليد بن مسلم فحدث ابنه هذا بمصنفاته قال في المغني موسى بن عامر المري صاحب الوليد بن مسلم صدوق تكلم بلا حجة ولا ينكر له تفرده عن الوليد فأنه يكثر عنه انتهى سنة ست وخمسين ومائتين كان صالح بن وصيف التركي قد ارتفعت منزلته وقتل المعتز وظفر بأمه صبيحة فصادرها حتى استصفى نعمتها وأخذ منها نحو ثلاثة آلاف دينار ونفاها إلى مكة ثم صادر خاصة المعتز وكتابه وهو أحمد بن أسرائيل والحسن بن مخلد وأبو نوح وعيسى بن إبراهيم ثم قتل أبا نوح وأحمد فلما دخلت هذه السنة أقبل موسى بن بغاو عبأ جيشه في أكمل أهبة ودخلوا سامرا ملبين قد أجمعوا على

(2/131)


132 قتل صالح بن وصيف وهم يقولون قتل المعتز وأخذ أموال أمه وأموال الكتاب وصاحت العامه يا فرعون جاءك موسى ثم هجم موسى بمن معه على المهتدي بالله وأركبوه فرسأً وانتهبوا القصر ثم ادخلوا المهتدي دار با جور وهو يقول يا موسى ويحك ما تريد فيقول وتربة المتوكل لا نالك سوء ثم حلفوه لا يمالىء صالح ابن وصيف عليهم وبايعوه وطلبوا صالحاً يناظروه على أفعاله فاختفى وردوا المهتدي إلى داره وبعد شهر قتل صالح بن وصيف وفي رجب قتل المهتدي بالله أمير المؤمنين أبو اسحق محمد بن الواثق بالله هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي وكانت دولته سنة وعمره نحو ثمان وثلاثين سنة وكان أسمر رقيقاً مليح الصورة ورعاً تقياً متعبداً عادلاً فارساً شجاعاً قوياً فيأمر الله خليقاً للامارة لكنه لم يجد ناصراً ولا معيناً على الخير وقيل أنه سرج الصوم مدة أمرته وكان يقنع بعض الليالي بخبز وزيت وخل وكان يشبه بعمر بن عبد العزيز وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيه بالليل وكان قد سد باب الملاهي والغناء وحسم الأمراء عن الظلم وكان يجلس بنفسه لعلم حساب الدواوين بين يديه ثم أن الأتراك خرجوا عليه فلبس السلاح وأشهر سيفه وحمل عليهم فجرح أسروه وخلعوه ثم قتلوه إلى رحمة الله ورضوانه وأقاموا بعده المعتمد على الله قاله في العبر وقال ابن الفرات أرادوا أن يبايعوا المهتدي بالله على الخلافة فقال لا أقبل مبايعتكم حتى أسمع بأذني خلع المعتز نفسه فأدخلوه عليه فسلم عليه بالخلافة فقال لا أقبل مبايعتكم حتى اسمع بأذني خلع المعتز نفسه فأدخلوه عليه فسلم عليه بالخلافة وجلس بين يدي فقال له المراء ارتفع فقال لا أرتفع إلا أن يرفعني الله ثم قال للمعتز يا أمير المؤمنين خلعت أمر الرعية من عنقك طوعاً ورغبة وكل من كانت لك في عنقه بيعة فهو برىء منها فقال المعتز من الخوف نعم فقال خار الله لنا ولك يا أبا عبد الله ثم ارتفع حينئذ إلى صدر المجلس وكان أول من بايعه

(2/132)


وكان المهتدي وروعاً زاهداً صواماً لم تعرف له زلة وكان سهل الحجاب كريم الطبع يخاطب أصحاب الحوائج بنفسه ويجلس للمظالم ويلبس
133 القميص الصوف الخشن تحت ثيابه على جلده وكان من العدل على جانب عظيم حبكى أن رجلاً من الرملة تظلم إلى المهتدي بالله من عاملها بأنصافه وكتب إليه كتاباً بخطه وختمه بيده وسلمه إلى الرجل وهو يدعو له فشاهد الرجل من رحمة المهتدي وبرهب الرعية وتوليته أمورهم بنفسه ما لم ير مثله فاهتز ووقع مغشياً عليه والمهتدي يعاينه فلما أفاق قال له المهتدي ما شأنك أبقيت لك حاجة قال ولا والله وكلني ما رجوت أن أعيش حتى أرى مثل هذا العدل فقال له المهتدي كما نفقت منذ خرجت من بلدك فقال أنفقت عشرين ديناراً فقال المهتدي أنا لله وإنا إليه راجعون كان الواجب علينا أن ننصفك وأنت في بلدك ولا نحوجك إلى تعب وكلفة وإذا أنفقت ذلك فهذه خمسون ديناراً من بيت المالك فأنى لا أملك مالا فخذها لنفقتك واجعلنا في حل من تعبك وتأخر حقك فبكى الرجل حتى غشى عليه ثانياً وبهت بعض الناس وبكى بعضهم فقال أحد الجماعة أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال العشى ( حكمتموه فقضى بينك * أبلج مثل القمر الزاهر ) ( لا يقبل الرشوة في حكمه * ولا يبالي غبن الخاسر ) فقال المهتدي أما أنت فأحسن الله جزاءك وأما أنا فما رويت هذا الشعر ولا سمعت به ولكني أذ كر قول الله عز وجل ( ^ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) فما بقى في المجلس إلا من استغرق بالدعاء له بطول العمر ونفاذ الأمر وكان يقول ولم يكن الزهد في الدنيا والإيثار لما عند الله من طبعي لتكلفته فإن مصبي يقتضي لأني خليفة الله في أرضه والقائم مقام رسول الله النائب عنه في أمته وأنى لا ستحيي أن يكون لبني مروان عمر بن عبد العزيز وليس لبني العباس مثله وهم آل الرسول انتهى وفيها الزبير بن بكار الإمام أبو عبد الله

(2/133)


الأسدي الزبيري قاضي مكة في
134 ذي القعدة سمع سفيان بن عيينة فمن بعده وصنف كتاب النسب ويغر ذلك وكان ثقة ولا يلتفت إلى من تكلم فيه كما قال ابن ناصر الدين وفيها ليلة عيد الفطر الإمام حبر الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري مولى الجعفين صاحب الصحيح والتاصنيف ولد سنة أربع وتسعين ومائة وارتحل سنة عشر ومائتين فسمع مكي بن إبراهيم وأبا عاصم النبيل وأحمد بن حنبل وخلائق عدتهم ألف شيخ وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاء ولم يخلف بعده مثله قاله في العبر وقال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال ما ملخصه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الغيرة بن بردزبة يكنى أبا عبد الله وبردزبة مجوسي مات عليها والمغيرة أسلم على يدي يمان البخاري وإلى بخارى ويمان هو أبو جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان وهذا هو الإمام أبو عبد الله الجعفي مولاهم البخارى صاحب الصحيح إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار وكتب بخراسان والجبال ومدن العراق كلها وبالحجاز والشام ومصر قال ابن وضاح ومكى بن خلق سمعنا محمد بن إسماعيل يقول كتبت عن الف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلا عمن قال اٌيمان قول وعمل وعن أبي اسحق الريحاني أن البخاري كان يقول صنفت كتاب الصحيح بست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى وقال محمد ابن سليمان بن فارس سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول رأيت النبي كأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه فسألت بعض العبرين فقال أنك تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الصحيح وقال أبو حامد أحمد بن حمدون الأعشى سمعت مسلم بن الحجاج يقول لمحمد بن إسماعيل البخاري لا يعيبك إلا حاسد واشهد أن ليس في الدنيا مثلك وقال أحمد بن حمدون الأعشى رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة أبي عثمان سعيد بن

(2/134)


مروان
135 ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري وروى أبو اسحق المستملي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول سمع كتاب الصحيح من محمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل وما بقى أحد يورى عنه غيري وقال محمد بن إسماعيل تسعون الف رجل وما بقى أحد يروى عنه غيري وقال محمد بن إسماعيل وقال بكر بن منير سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول أرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي رأيت النبي في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع ذكره فسلمت عليه فرد السلام فقلت ما يوقفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرنا فإذا هو قد مات في السماعة التي رأيت النبي فيها وقال بعد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك قرية من قرى سمرقند على فرسخين وكان له أقرباء فنزل عليهم قال فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول الهم قد ضاقت على الأرض بما رحبت فاقبضني إليك قال فما تم الشهر عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر لغرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً انتهى مالخصته من الكمال وقال ابن الأهدل بعد الإطناب في ذكره أجمع الناس على صحة كتابه حتى لو حلف حالف بطلاق زوجته ما في صحيح البخاري حديث مسند إلى رسول الله إلا وهو صحيح عنه كما نقله ما حكم بطلاق زوجته نقل ذلك غير واحد من الفقهاء

(2/135)


136 وقروه ونقل الفوبري عنه قال ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا وقد اغتسلت قبله وصليت ركعتين انتهى وفيها يحيى بن حكيم البصري المقوم أبو سعيد الحافظ سمع سفيان بن عيينة وغنذراً وطبقتهما قال أبو داود كان حافظاً متقناً سنة سبع وخمسين ومائتين فيها وثب العلوى قائد الزنج على الأبلة فاستباحها وأحرقها وقتل بها نحو ثلاثين ألفاً فساق لحربه سعيد الحاجب فالتقوا فانهزم سعيد واستبحر القتل بأصحابه ثم دخلت الزنج البصرة وخربوا الجامع وقتلوا بها اثني عشر ألفاً فهرب باقي أهلها بأسوأ حال فخربت ودثرت وفيها قتل توفيل طاغية الروم قتله سيل الصقلبي وفيها توفي المحدث المعمر أبو على الحسن بن عرفة العبدي البغدادي المؤدب وله مائة وسبع سنين سمع إسماعيل بن عياش وطبقته وكان يقول كتب عني خمسة قرون قال النسائي لا بأس به وفيها زهير بن محمد بن قمير المروزي ثم البغدادي الحافظ سمع يعلى بن عبيد ورحل إلى عبد الرازق وكان من أولياء الله تعالى ثقة مأموناً قال البغوي ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه كان يختم في رمضان وفيها زيد بن أخزم الشهيد الطائي النبهاني البصري أبو طالب ثقة حدث عنه أصحاب الكتب إلا مسلماً وذبحته الزنج وفيها الحافظ أبو داود سليمان بن معبد السبخي المروزي روى عن النضر والرياشي أبو الفضل العباس بن الفرج قتلته الزنج بالبصرة ولثمانون سنة أخذ عن أبي عبيد ة ونحوه وكان إماماً في اللغة والنحو أخبارياً علامة ثقة خرج له أبو داود في سننه

(2/136)


137 وفيها أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي الحافظ صاحب التصانيف في ربيع الأول وقد جاوز التسعين روى عن هشيم وبعد اله بن إدريس وخلق وكان ثقة حجة قال أبو حاتم هو إمام أ لزمانه وقال محمد بن أحمد الشوطي ما رأيت أحفظ منه سنة ثمان وخمسين ومائتين فيها توجه منصور بن جعفر فالتقى الخبيث قائد الزنج وهو فقتل منصور في المصاف واستبيح ذلك الجيش فسار أبو أحمد الموفق أخو الخليفة في جيش عظيم فانهزمت الزنج وتقهقرت ثم جهز الموفق فرقة عليهم مفلح فالتقوا الزنج فقتل مفلح في المصاف وانهزم الناس وتحيز الموفق إلى الابلة فسير قائد الزنج جيشا عليهم يحي بن محمد فانتصر المسلمون وقتل في الوقعة خلق وأسروا يحي فأحرق بعد ما قتل ببغداد ثم وقع الوباء في جيش الموفق وكثر ثم كانت وقعة هائلة بين الزنج والمسلمين فقتل خلق من المسلمين وتفرق عن الموفق عامة جنده وفيها توفي أحمد بن بديل الإمام أبو جعفر اليامي الكوفي قاضي الكوفة ثم قاضي همذان روى عن أبي بكر بن عياش وطبقته وخرج له الترمذي وغيره وكان صالحا عادلا في أحكامه وكان يسمى راهب الكوفة لعبادته قال الدارقطني فيه لين وقال في المغني أحمد بن بديل الكوفي القاضي مشهور غير متهم قال ابن عدي يكتب حديثه مع ضعفه وقال النسائي لا بأس به انتهى وأبو علي أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري قاضي نيسابور روى عن أبيه وجماعة وفيها أحمد بن سنان القطان أبو جعفر الواسطي الحافظ سمع أبو معاوية وطبقته وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وصنف المسند وكتب عنه ابن حاتم وقال هو إمام أهل زمانه

(2/137)


138 وفيها أحمد بن الفرات بن خالد بن مسعود الرازي الثقة أحد الأعلام في شعبان بأصبهان طوف النواحي وسمع أبا أسامة وطبقته وكان ينظر بأبي زرعة الرازي في لاحفظ وصنف المسند والتفسير وقال كتبت ألف ألف وخمسمائة ألف حديث ومحمد بن سنجر أبو عبد الله الجرجاني الحافظ صاحب المسند في ربيع الأول بصعيد مصر سمع أبا نعيم وطبقته وكان ثقة خيرا ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه أبو بكر الحافظ البغدادي الغزال مات في جمادى الآخرة ببغداد وكان ثقة رحل إلى عبد الرزاق فأكثر عنه وصنف ومحمد بن يحي بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله الذهلي النيسابوري أحد الأئمة الأعلام الثقات سمع عبد الرحمن وطبقته وأكثر الترحال وصنف التصانيف وكان الإمام أحمد يجله ويعظمه قال أبو حاتم كان إمام أهل زمانه وقال أبو بكر بن أبي داود هو أمير المؤمنين في الحديث ويحي بن معاذ الرازي الزاهد حكيم زمانه وواعظ عصره توفي في جمادى الأولى بنيسابور وقد روى عن إسحاق بن سليمان الرازي وغيره وقال السلمي في طبقات الأولياء يحي بن معاذ بن جعفر الرازي الواعظ تكلم في علم الرجال فأحسن الكلام فيه وكانوا ثلاثة إخوة يحي وإبراهيم وإسماعيل أكبرهم سنا إسماعيل ويحي أوسطهم وإبراهيم أصغرهم ولكلهم كانوا زهادا وأخوه إبراهيم خرج معه إلى خراسان وتوفي بين نيسابور وبلخ وأقام يحي ببلخ مدة ثم خرج إلى نيسابور ومات بها ومن كلامه من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين وقال العبادة حرفة وحوانيتها الخلوة وآلاتها المخادعة ورأس مالها الاجتهاد بالسنة وربحها الجنة وقال الصبر على الخلق من علامات الاخلاص وقال الدنيا دار الأشغال والآخرة دار الأهوال ولا يزال العبد مترددا بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار أما إلى جنة وإما إلى نار وقال على قدر حبك لله يحبك الخلق وعلى قدر

(2/138)


139 خوفك من الله يهابك الخلق وعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق وسئل عن الرقص فقال ( دققنا الأرض بالرقص * على غيب معانيكا ) ( ولا عيب على رقص * لعبد هائم فيكا ) ( وهذا دقنا للأر * ض إذ ظفنا بواديكا ) انتهى ملخصاً وفيها الفضل بنيعقوب الرخامي العالم الفاضل العلم الثقة سنةتسع وخمسين ومائتين كان طاغية الزنج قد نزل البطيحة وشق حوله الأنهار وتحصن فهجم عليه الموفق فقيل من أصحابه خلقاً وحرق أكواخه واستنفذ من النساء خلقاً كثيراً فسار الخبيث إلى الأهواز ووضع السيف في الأمة فقتل خمسين ألفا وسبى مثلهم فسار لحربه موسى بن بغا فحاربه بضعة عشر شهرا وقتل خلق من الفريقين وفيها نزلت الروم لعنهم الله على ملطية فخرج أحمد القابوس في أهلها فالتقى الروم فقتل مقدمتهم الافريطشي فانهزموا ونصر الله المسلمين وفيها استفحل أمر يعقوب بن الليث الصفار ودوخ الممالك واستولى على إقليم خراسان وأسر محمد بن طاهر أمير خراسان وفيها توفي أحمد بن إسماعيل حذافة السهمي المدني صاحب مالك ببغداد وهو في عشر المائة ضعفه الدارقطني وغيره وهو آخر من حدث عن مالك وقال ابن عدي حدث بالبواطيل وفيها الإمام إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجاني صاحب التصانيف سمع الحسين بن علي الجعفي وشبابة وطبقتهما وكان من كبار العلماء ونزل دمشق وجرح وعدل وهو من الثقات وحجاج بن يوسف الشاعر ابن حجاج الثقفي البغدادي أبو محمود الحافظ

(2/139)


140 الكبير الثقة أحد الإثبات سمع عبد الرازق وطبقه وفيها عبا سويه وهو العباس بن يزد بن أبي حبيب أبوا لفضل البحراني البصري صدوق ثبت ثقة وفيها حيويه وهو محمد بن يحيى بن موسى الأسفرائي الحافظ محدث اسفرائين في ذي الحجة سمع سعيد بن عامر الضبعي وطبقته وبه تخرج الحافظ أبو عوانة وفيها اسحق بن إبراهيم بن موسى العصار الوزدولي أحد الثقات الأخيار وفيها الحافظ أبو الحسن محمود بن سميع الدمشقي صاحب الطبقات وأحد الأثبات سمع إسماعيل بن أبي أويس وطبقته قال أبو حاتم ما رأيت بدمشق أكيس منه سنة ستين ومائتين وفيها كما قال في الشذور بلغ كر الحنطة مائة وخمسين ديناراً وأدم اشهرها فيها صال يعقوب بن الليث وجال وهزم الشجعان والأبطال وترك الناس بأسوأ حال ثم قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان فالتقوا فانهزم العلوي وتبعه يعقوب في تلك الجبال فنزلت على يعقوب كسرة سماوية ونزل على أصحابه ثلج عظيم حتى أهلكهم ورجع غلى سجستان بأسوأ حال وقد عدم من جيوشه أربعون ألفاً وذهبت عامة خيله وأثقاله وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد الصباح الزعفراني الفقيه الحافظ صاحب الشافعي ببغداد روى عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان من أذكياء العلماء وروى عنه البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم ونسبته إلى زعفرانه قرية قرب بغداد ودرب الزعفران ببغداد الذي فيه مسد الشافعي ينسب غل هذا الإمام قال الشيخ أبو إسحق في طبقاته كنت أدرس فيه والزعفراني وأحمد بن حنبل وأبو ثور والكرابيسي رواة قديم الشافعي وروى الجديد المزني وحرملة والبويطي

(2/140)


141 ويونس بن عبد الأعلى والربيع الجيزى والربيع المرادى والزعفراني هذا عدة مصنفات وفيها الحسن بن علي بن محمد بن عبد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أحد الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب وفيها حسين بن إسحاق الشعراني شيخ الأطباء بالعراق ومعرب الكتب اليونانية ومؤلف المسائل المشهورة وفيها ملك بن طوق الثعلبي أمير عرب الشام وصاحب الرحبة وبانيها سنة إحدى وستين ومائتين فيها كانت الفتن تغلي وتستعر بخراسان بيعقوب بن الليث وبالأهواز بقائد الزنج وتمت لهما حروب وملاحم وفيهاتوفي أحمد بن سليمان الرهاوي الحافظ أحد الأئمة طوف وسمع زيد ابن الحباب وأقرانه وهو ثقة ثبت وفيها أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي الكوفي نزيل طرابلس المغرب وصاحب التاريخ والجرح والتعديل وله ثمانون سنة نزح إلى المغرب أيام محنة القرآن وسكنها روى عن حسين الجعفي وشبابة وطبقتهما قال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا قدوة من المتقنين وكان يعد كأحمد بن حنبل ويحي بن معين وكتابه في الجرح والتعديل يدل على سعة حفظه وقوة باعه الطويل انتهى وفيها أبو بكر الأثرم أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الحافظ الثبت الثقة أحد الأئمة المشاهير روى عن أبي نعيم وعفان وصنف التصانيف وكان من أذكياء الأمة قال ابن أبي يعلى في طبقاته أحمد بن محمد بن هانئ الطائي ويقال الكلبي الأثرم الإسكافي أبو بكر جليل القدر حافظ إمام سمع حرمي بن حفص وعفان ابن مسلم وأبا بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن مسلمة القعنبي وإمامنا في آخرين

(2/141)


142 نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا وروى عن الإمام قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة قيل له تذهب إليه قال نعم قال أبو عبد الله ثبت من خمسة وجوه عن النبي كنت أحفظ الفقه والاختلاف فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله وكان معه تيقظ عجيب حتى نسبه يحي ابن معين ويحي بن أيوب المقابري فقالا أحد أبوي الأثرم جنى وقال أبو القاسم ابن الجبلي قدم رجل فقال أريد رجلا يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب أبي شيبة قال فقلنا له ليس لك إلا أبو بكر الأ ثرم قال فوجهوا غليه ورقاً فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة قال فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شىء وقال الحسي بن علي بن عمر الفقيه قدم شيخان من خراسان للحج فحدثا فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث والمستملى وقعد الآخر ناحية وقعد الأثرم بينهما فكتب ما أملى هذا وما أملى هذا وقال الأثرم كنت عند خلف البزار يوم جمعة فلما قمنا من المجلس صرت إلى قرب الفرات فأردت أن اغتسل للجمعة فغرقت فلم أجد شيئاً أتقرب به إلى الله عز وجل أكثر عندي من أنقلت اللهم أن نجيتني لا توبن من صحبة حارث يعني المحاسبي قال الأثرم كان حارث في عرس لقوم فجاء يطلع على النساء من فوق الدار ابزين ثم ذهبت يخرجه يعني رأسه فلم يستطع فقيل له لم فعلت هذا فقال أردت أن اعتبر بالحور العين انتهى ملخصاً وفيها حاشد بن إسماعيل بن عيسى البخاري الحافظ بالشاش من إقليم الترك روى عن عبيد الله بن موسى ومكى بن إبراهيم وكان ثبتاً إماماً والحسن بن سليمان أبو علي البصري المعروف بقبيطة كان حافظاً ثقة إماماً نبيلاً والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي قاضي المعتمد

(2/142)


143 وكان أحد الأجواد الممدحين وفيها شعيب بن أيوب أبو بكر الصيرفي مقرئ واسط وعالمها قرأ على يحي ابن آدم وسمع من يحي القطان وطائفة وكان ثقة وأبو شعيب السوسي صالح بن زياد مقرئ أهل الرقة وعالمهم قرأ على يحي وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة وتصدر لللإقراء وحمل عنه طوائف قال أبو حاتم صدوق وأبو يزيد البسطامي العارف الزاهد المشهور واسمه طيفور بن عيسى وكان يقول إذا نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الشريعة قال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته طيفور بن عيسى بن سروسان البسطامي وسروسان كان مجوسيا فأسلم وكانوا ثلاثة اخوة آدم أكبرهم وطيفور أوسطهم وعلي أصغرهم وكلهم ذكانوا زهادا عبادا ومات عن ثلاث وسبعين سنة وهو من قدماء مشايخ القوم له كلام حسن في المعاملات ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصح ويكون مقولا عليه قال أبو يزيد من م ينظر إلى شاهدي بعين الاضطرار وإلى أوقاتي بعين الاغترار وإلى أحوالي بعين الاستدراج وإلى كلامي بعين الافتراء وإلى عبراتي بعين الاجتراء وإلى نفسي بعين الازدراء فقد أخطأ النظر في ذكرت لأبي عثمان المغربي هذه الحكاية فقال لم أسمع لأبي يزيد حكاية أحسن منها وإنما تكلم عن عين الفناء أي قوله سبحاني وقال أبو يزيد لو صفا لي تهلية ما باليت بعدها بشيء وكتب يحي بن معاذ لأبي يزيد سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته فكتب إليه أبو يزيد في جوابه سكرت وما شربت من الدور وغيرك قد شرب بحور السموات والأرض وما روى بعد ولسانه خارج من العطش ويقول هل من مزيد وقال الجنيد كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا وكان أبو يزيد إذا ذكر الله يبول الدم وحكى عنه أنه قال نوديت في سري فقيل لي خزائننا مملؤة

(2/143)


144 من الخدمة فإن أردتنا فعليك بالذل والافتقار وحكى عنه صاحبه أبو بكر الأصبهاني أنه أذن مرة فغشى عليه فلما أفاق قال العجب ممن لا يموت إذا أذن انتهى ملخصا وفيها الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد كرشان القشيري النيسابوري صاحب الصحيح أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين رحل إلى الحجاز والعراق والشام وسمع يحي بن يحي النيسابوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله ابن مسلمة وغيرهم وقدم بغداد غير مرة فروى عنه أهلها وآخر قدومه إليها في سنة تسع وخمسين ومائتين وروى عنه الترمذي وكان من الثقات المأمونين قال محمد الماسرجسي سمعت مسلم بن الحجاج يقول صنفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة وقال الحافظ أبو علي النيسابوري ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث وقال الخطيب البغدادي كان مسلم يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحي الذهلي بسببه وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ لما استوطن البخاري وما وقع في مسئلة اللفظ فنادى عليه ومنع الناس من الاختلاف إليه حتى هجر وخرج من نيسابور في تلك المحنة وقطعه أكثر الناس غير مسلم فإنه لم يتخلف عن زياراته فأنهى إلى محمد بن يحي أن مسلم بن الحجاج على مذهبه قديما وحديثا وأنه عوتب على ذلك بالحجاز والعراق ولم يرجع عنه فلما كان مجلس محمد بن يحي قال في آخر مجلسه إلا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رؤوس الناس وخرج عن مجلسه وجمع كل ما كتب منه وبعث به على ظهر حمال إلى باب محمد بن يحي فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلف عنه وعن زياراته ومحمد هذا هو محمد بن يحي بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري كان أحد الحفاظ الأعيان روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

(2/144)


145 وابن ماجه وكان ثقة مأمونا وكان سبب الوحشة بينه وبين البخاري أنه لما دخل البخاري مدينة نيسابور شنع عليه محمدبن يحي في مسئلة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يمكنه ترك الرواية عنه وروى عنه في الصوم والطب والجنائز والعتق وغير ذلك مقدار ثلاثين موضعا ولم يصرح باسمه لا يقول حدثنا محمد بن يحي الذلي بل يقول حدثنا محمد ولا يزد عليه أو يقول محمد ابن عبد الله وينسبه لجد أبيه انتهى من ابن خلكان ملخصا قل وقد مرت ترجمة محمد المذكور والله أعلم وقال في العبر مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الحافظ أحد أركان الحديث وصاحب الصحيح وغير ذلك في رجب وله ستون سنة وكان صاحب تجارة بخان بحمس بنيسابور وله أملاك وثروة وقد حج سنة عشرين ومائتين فلقى القعنبي وطبقته سنة اثنتين وستين ومائتين لما عجز المعتمد على الله عن يعقوب بن الليث كتب إليه بولاية خراسان وجرجان فلم يرض حتى يوافى باب الخليفة وأضمر في نفسه الاستيلاء على العراق والحكم على المعتمد فتحول عن سامرا إلى بغداد وجمع أطرافه تهيأ للملتقى وجاء يعقوب فقدم المعتمد أخاه الموفق بجمهرة الجيش فالتقيا في رجب واشتد القتال فوقعت الهزيمة على الموفق ثم ثبت وأسرعت الكسرة على أصحاب يعقوب فولوا الأدبار واستبيح عسكرهم وكسب أصحاب الخليفة ما لا يحد ولا يوصف وخلصوا محمد بن طاهر وكان مع يعقوب في القيود ودخل يعقوب إلى فارس وخلع المعتمد على محمد بن طاهر أمير خراسان ورده إلى عمله وأعطاه خمسمائة ألف درهم وعاث جيوش الخبيث عند اشتغال العساكر فنهبوا البطيحة وقتلوا وأسروا فسار عسكر لحربهم فهزمهم وقتل منهم مقدم كبير يعرف بالصعلوك

(2/145)


146 وفيها توفي عمر بن شبة أبو زيد النميري البصري الحافظ العلامة الأخباري الثقة صاحب التصانيف حدث عن عبد الوهاب الثقفي وغندر وطبقتهما وكان ثقة وشبة لقب أبيه واسمه زيد لقب بذلك لأن أمه كانت ترقصه وتقول ( يا رب ابني شبا وعاش حتى دبا شيخا كبيرا حبا ) كذا رواه محمد بن إسحاق السراج عن عمر بن شبة وفيها أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد أبو بكر البغدادي يعرف بأبي سيار ثقة خير قاله ابن ناصر الدين وفيها وجزم ابن ناصر الدين أنه في التي قبلها محمد بن الحسين بن إبراهيم ابن الحر بن زعلان العامري أبو جعفر بن اشكاب البغدادي حدث عنه عدة منهم البخاري وأبو داود والنسائي وكان صدوقا حفظا ثقة وفيها محمد بن عاصم الثقفي أبو جعفر الأصبهاني العابد سمع سفيان بن عيينة وأبا أسامة وطبقتهما قال إبراهيم بن أرومة ما رأيت مثل ابن عاصم ولا رأى مثل نفسه وفيها يعقوب بن شيبة السدوسي البصري الحافظ أحد الأعلام وصاحب المسند المعلل الذي ما صنف أحد أكثر منه ولم يتمه وكان سربا محتشما عين لقضاء القضاة ولحقه على ما خرج من المسند نحو عشرة آلاف مثقال وكان صدوقا قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين ( يعقوب نجل شيبة بن صلت * سادهم رواية بثبت ) وقال في شرحها ابن صلت بن عصفور أبو يوسف السدوسي البصري نزيل بغداد ثقة انتهى سنة ثلاث وستين ومائتين فيها توفي أحمد بن منيع بن سليط أبو الأزهر النيسابوري

(2/146)


147 الحافظ وقيل سنة إحدى وستين رحل وسمع أبا ضمرة أنس بن عياض وطبقته ووصل إلى اليمن قال النسائي لا بأس به قال ابن ناصر الدين كان حافظا صدوقا من المهرة أنكر عليه ابن معين أربعين حديثا ثم عذره انتهى وفيها الحسن بن أبي الربيع الجرجاني الحافظ ببغداد سمع أبا يحي الحماني ورحل إلى عبد الرزاق وأقرانه وفيها الوزير عبيد الله بن يحي بن خاقان وزير المتوكل وقد نفاه المستعين إلى برقة ثم قدم بعد المستعين فوزر للمعتمد إلى أن مات وفيها محمد بن علي بن ميمون الرقي العطار الحافظ روى عن محمد بن يوسف الفرياني والقعنبي وأقرانهما قال الحاكم كان إمام أهل الجزيرة في عصره ثقة مأمون وفيها معاوية بن صالح الحافظ أبو عبيد الله الأشعري الدمشقي روى عن عبيد الله بن موسى وأبي مسهر وسأل يحي بن معين وتخرج به سنة أربع وستين ومائتين فيها أغارت الزنج على واسط وهج أهلها حفاة عراة ونهبت ديارهم وأحرقت فسار لحربهم الموفق وفيها غزا المسلمون الروم وكانوا أربعة آلاف عليهم ابن كاوس فلما نزلوا البديدون تبعتهم البطارقة وأحدقوا بهم فلم ينج منهم إلا خمسمائة واستشهد الباقون وأسر أميرهم جريحا وفيها مات الأمير موسى بن بغا الكبير وكان من كبار القواد وشجعانهم كأبيه وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن وهب أبو عبيد الله المصري المحدث روى الكثير عن عمه عبد الله وله أحاديث مناكير وقد احتج به مسلم قاله في العبر وفيها أحمد بن يوسف السلمي النيسابور ي الحافظ أحد الأثبات ويلقب

(2/147)


148 حمدان كان ممن رحل إلى اليمن وأكثر عن عبد الرازق وطبقته وكان يقول كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث وكان ثقة وفيها المزني الفقيه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المصري صاحب الشافعي في ربيع الأول وهو في عشر التسعين قال الشافعي المزني ناصر مذهبي وكان زاهدا عابدا يغسل الموتى حسبة صنف الجامع الكبير والصغير ومختصره مختصر المزني والمنثور والمسائل المعتبرة والترغيب في العلم وكتاب الوثائق وغيرها وصلى لكل مسئلة في مختصره ركعتين فصار اصل الكتب المصنفة في المذهب وعلى منواله رتبوا ولكلامه فسروا وشرحوا وكان مجاب الدعوة عظيم الورع حكى عنه أنه كان إذا فاتته الجماعة صلى منفرداً خمساً وعشرين مرة ولم يتقدم عليه أحد من أصحاب الشافعي وهو الذي تولى غسله يوم مات قيل وعاونه الربيع ودفن إلى جنبه بالقارفة الصغرى ونسبته إلى مزينة بنت كلب بن وبرة أم القبيلة المشهورة انتهى وفيها أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي الحافظ أحد الأئمة الأعلام في آخر يوم من السنة رحل وسمع من أبي نعيم والقعنبي وطبقتهما قال أبو حاتم لم يخلف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانة وصدقاً وهذا مالا يرتاب فيه ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله وقال اسحق بن راهويه كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل وقال محمد بن مسلم حضرت أنا وأبو حاتم عند أبي زرعة والثلاثة رازيون فوجدناه في النزع فقلت لأبي حاتم إني لأستحي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة ولكن تعال حتى نتذاكر الحديث لعله إذا سمعه يقول فبدأت فقلت حدثني محمد بن بشار أنبأنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الحميد بن جعفر فأرتج على الحديث كأني ما سمعته ولا قرأته فبدأ أبو حاتم فقال حدثنا محمد بن بشار أنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن

(2/148)


149 كثير بن مرة عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله من كان آخر كلامه لا إله إلا الله فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول دخل الجنة وقال محمد أبو العباس المراودي رأيت أبا زرعة في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال لقيت ربي عز وجل فقال يا أبا زرعة إني أوتي بالطفل فآمر به إلى الجنة فكيف بمن حفظ السنن على عبادي فأقول له تبوأ من الجنة حيث شئت قال ورأيته مرة أخرى يصلي بالملائكة في السماء الرابعة فقلت يا أبا زرعة بم نلت أن تصلى بالملائكة قال برفع اليدين وفيها يونس بن عبد الأعلى الإمام أبو موسى الصدفي المصري الفقيه المقرىء المحدث وله ثلاث وتسعون سنة روى عن ابن عيينة وابن وهب وتفقه على الشافعي وكان الشافعي يصف عقله وقرأ القرآن على ورش وتصدر للأقراء والفقه وانتهت إليه مشيخة بلده وكان ورعاً صالحاً عابداً كبير الشأن قال ابن ناصر الدين كان ركناً من أركان الإسلام سنة خمس وستين ومائتين فيها توفي أحمد بن الخصيب الوزير أبو العباس وزر لمنتصر وللمستعين ثم نفاه المستعين إلى المغرب وكان أبوه أمير مصر في دولة الرشيد وفيها أحمد بن منصور أبو بكر الرمادي الحافظ ببغداد وكان أحد من رحل إلى عبد الرازق وثقة أبو حاتم وغيره وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً عمدة وفيها إبراهيم بن هانىء النيسابوري الثقة العباد رحل وسمع من يعلى بن عبيد وطبقته قال أحمد بن حنبل إن كان أحد من الأبدال فإبراهيم بن هانىء وفيها سعدان بن نصر أبو عثمان الثقفي البغدادي البزار رحل في الحديث وسمع من ابن عيينة وأبى معاوية والكبار ووثقه الدارقطني وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام أبو الفضل قاضي

(2/149)


150 أصبهان في رمضان وله اثنتان وستون سنة سمع من عفان وطبقته وتفقه على أبيه قال ابن أبي حاتم صدوق وفيها على بن حرب أبو الحسن الطائي الموصلي المحدث الأخباري صاحب المسند في شوال سمع ابن عيينة والمحابي وطبقتهما وعاش تسعين سنة وتوفي قبله أخوه أحمد بن حرب بسنتين وفيها أبو حفص النيسابوري الزاهد شيخ خراسان واسمه عمر بن مسلم وكان كبير القدر صاحب أحوال وكرامات وكان عجباً في الجود والسماحة وقد نفذ مرة بضعة عشر ألف دينار يستفك بها السارى وبات وليس له عشاء وكان يقول ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء أو لمحه بقلبه وقال حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن والفتوة أداء الإنصاف وترك طلب الإنتصاب ومن لم يرب أفعاله وأحواله كل وقت بالكتاب والسنة ولميتهم خواطره فلا تعده من الرجال والإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضى موسى الكظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة بالخلف وبالحجة وبالمهدي وبالمنتظر وبصاحب الزمان وهو خاتمة الإثني عشر إماماً عندهم ويلقبونه أيضاً بالمتظر فإنهم يزعمون أنه أتى السرداب بسامرا فاختفى وهم ينتظرونه إلى الآن وكان عمره لما عدم تسع سنين أو دونها وضلال الرافضه ما عليه مزيد قاتلهم الله تعالى وفيها العلامة محمد بن سحنون المغربي المالكي مفتي القيروان تفقه على أبيه وكان إماما مناظراً كثير التصانيف معظما بالقيروان خرج له عدة أصحاب وما خلف بعده مثله وفيها يعقوب بن الليث الصفار الذي غلب على بلاد الشرق وهزم الجيوش وقام بعده أخوه عمرو بن الليث وكانا شابين صفارين فيهما شجاعة

(2/150)


151 مفرطة فصحبا صالح بن النضر الذي كان يقاتل الخوارج بسجستان فآل أمرهما إلى الملك فسبحان من له الملك ومات يعقوب بالقولنج في شوال بجناي سابور وكتب على قبره هذا قبر يعقوب المسكين وقيل أن الطيب قال له لادواء لك إلا الحقنة فامتنع منها وخلف أموالاً عظيمة منها من الذهب ألف ألف دينار ومن الدراهم خمسين ألف ألف درهم وقام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة وامتدت أيامه سنة ست وستين ومائتين فيها أخذت الزنج رامهر مز فاستباحوها قتلاً وسبيا وفيها خر ج أحمد بن عبد الله السجستاني وحارب عمرو بن الليث الصفار فظهر عليه ودخل نيسابور فظلم وعسف وفيها خرجت جيوش الروم ووصلت إلى الجزيرة فعاثوا وأفسدوا المحدثين في ذي الحجة ببغداد روى عن عباس العنبري وطبقته ومات قبل أوان الرواية قال ابن ناصر الدين فاق أهل عصره في الذكاء والحفظ ومحمد بن شجاع بن الثلجي فقيه العراق وشيخ الحنيفة سمع من إسماعيل ابن علية وتفقه بالحسن بن زياد اللؤلؤى وصنف اشتغل وهو متروك الحديث توفي ساجداً في صلاة العصر وله نحو من تسعين سنة قاله في العبر وقال في المغني محمد بن شجاع بن الثلجي الفقيه قال ابن عدي كان يضع الأحاديث في التشبيه ينسبها إلى أصحاب الحديث يلثبهم بذلك وفيها محمد بن عبد الملك بن مروان أبو جعفر الدقيقي الواسطي في شوال روى عن يزيد بن هارون وطبقته وكان إماماً ثقة صاحب حديث

(2/151)


152 سنة سبع وستين ومائتين فيها دخلت الزنج واسطاً فاستباحوها ورموا النار فيها فسار لحربهم أبو العباس وهو المعتضد فكسرهم ثم التقاهم ثانياً بعد أيام فهزمهم ثم واقعهم ونازلهم وتصابروا على القتال شهرين فذلوا ووقع في قلوبهم رعب من أبي العباس بن الموفق ولجأوا إلى الحصون وحربهم في المراكب فغرق منهم خلق ثم جاء أبوه الموفق في جيش لم ير مثله فهزموا هذا وقائدهم العلوى غائب عنهم فلما جائته الأخبار بهزيمة جنده مرات ذل واختلف إلى الكنيف مراراً وتقطعت كبده ثم زحف عليهم أبو العباس وجرت له محروب يطول شرحها إلى أن برز الخبيث قائد الزنج بنفسه في ثلثمائة ألف فارس وراجل والمسلمون في خمسين ألفاً ونادى الموفق بالأمان فأتاه خلق ففت ذلك في عضد الخبيث ولم تجر وقعة لأن النهر فصل بي الجيشين قاله في العبر وقال في الشذور حراب أبو أحمد الموفق الزنج وكان بعض لطلب الدنيا قد استغوى جماعة من المماليك وقال إنكم في العذاب والخدمة فتخلصوا فصاروا يهبون البلاد ويقتلون البعاد فجاءبهم الموفق فاستنقذ من أيديهم زهاء خمسة عشر ألف امرأة من المسلمات كانوا قد تغلبوا عليهن فجئن منهم بالأولاد انتهى وفيها توفي إسماعيل بن عبد الله الحافظ أبو بشر العبدي الأصبهاني سموية سمع بكر بن بكار وأبا مسهر وخلقاً من هذه الطبقة قال أبو الشيخ كان حافظاً متقناً يذاكر بالحديث وقال ابن ناصر الدين ثقة وفيها المحدث اسحق بن إبراهيم الفارسي سادان في جمادى الآخرة بشيراز روى عن جده قاضي شيراز سعد بن الصلت وطائفة وثقة ابن حبان وفيها بحر بن نصر بن سابق الخلاني المصري سمع ابن وهب وطائفة وكان أحد الثقات الإثبات روى النسائي في جمعه لمسند مالك عن رجل عنه وفيها حماد بن اسحق بن إسماعيل الفقيه أبو إسماعيل القاضي وأخو

(2/152)


153 إسماعيل القاضي تفقه على أحمد بن محمد المعذل وحدث عن القعنبي وصنف التصانيف وكان بصيراً بمذهب مالك وفيها عباس البرقفي ببغداد أحد الثقات العباد سمع محمد بن يوسف الفربابي وطبقته وفيها عبد العزيز منيب أبو الدرداء المروزي الحافظ رحل وطوف وحدث عن مكي بن إبراهيم وطبقته وفيها محمد بن عزيز الأيلي بأيلة روى عن سلامة بن روح ويغره قال في المغني قال النسائي صويلح وقال أبو أحمد الحاكم فيه نظر انتهى ويحي بن محمد بن يحيى أبو عبد الله الذهلي الحافظ شيخ نيسابور بعد أبيه ويقال له حيكان رحل وسمع من سليمان بن حرب وطبقته وكان أمير المطوعة المجاهدين ولما غلب أحمد الحجستاني على نيسابور وكان طلوماً غشوماً فخرج منها هارباً فخافت النيسابوريون كرته فاجتمعوا على باب حيكان وعرضوا في عشرة آلاف مقاتل فرد إليهم أحد فانهزموا واختفى حيكان وصحب قافلة ولبس عباءه فعرف وأتى به إلى أحمد فقتله قال ابن ناصر الدين هو ثقة وفيها يونس بن حبيب أبو بشر العجلي مولاهم الأصبهاني راوى مسند الطيالسي كان ثقة ذا صلاح وجلالة سنة ثمان وستين ومائتين فيها غزا نائب الثغور الشامية خلف التركي الطولوني فقتل من الروم ببضعة عشر ألفاً وغنموا غنيمة هائلة حتى بلغ السهم أربعين ديناراً وفيها كان المسلمون يحاصرون الخبيث مقدم الزنج فيم دينته المساماة بالمختارة

(2/153)


154 وفيها توفي الإمام محدث مرو أحمد بن سيار المروزي الحافظ مصنف تاريخ مرو في منتصف شهر ربيع الآخرة ليلة الإثنين سمع اسحق بن راهيويه وعفان وطبقتهما وكان يشبه في عصره بابن المبارك علما وزهداُ وكان صاحب وجه في مذهب الإمام الشافعي نقل عنه الرافعي أنه أوجب الأذان لجمعة دون غيرهما وأن الواجب من الأذانين لها هو الذي يفعل بين يدي الخطيب وفيها أبو عبد المؤمن أحمد بن شيبان الرملي في صفر روى عن أبن عيينة وجماعة ووثقة الحاكم وقال ابن حبان يخطىء وأحمد بن يونس الضبي الكوفي بأصبهان روى عن حجاج الأعور وطبقته وكان ثقة محتشماً وفي شوال أحمد بن عبد الله الحجستاني كان من أمراء يعقوب الصفار وكان جباراً عنيداً خرج على يعقوب وأخذ نيسابور وله حروب ومواقف مشهورى دبة غلمانه وقد سكر وفيها عيسى بن أحمد العسقلاني الحافظ وهو بغدادي نزل عسقلان محلة ببلخ روى عن ابن وهب وبقية وطبقتهما ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم الإمام أبو عبد الله المصري مفتي الديار المصرية تفقه بالشافعي وأشهب وروى عن ابن وهب وعدة قال ابن خزيمة ما رأيت أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه وله مصنفات كثيرة وتوفي في نصف ذي القعدة سنة تسع وستين ومائتين فيها ظفر المسلمون بدينة الخبيث وحصروه في قصره فلصاب الموفق سهم فتألم منه ورجع بالجيش حتى عوفى فحصن الخبيث مدينته وبنى ما تهدم وفيها تخيل المعتمد على الله من أخيه الموفق ولا ريب في أنه كان مقهوارً

(2/154)


155 مع الموفق فكاتب أحمد بن طولون اتفقا وسافر المعتمد في خواصه من سامراً يريد اللحاق بابن طولون في صورة متنزه متصيد فجاء كتاب الموفق غلى اسحق بن كنداخ يقول متى اتفق ابن طولون مع المعتمد لم يبق منكم باقية وكان إسحق على نصيبين في أربعة آلاف فبادر إلى الموصل فإذا بحراقات المعتمد وأمراؤه فوكل بهم وتلقى المعتمد بي الموصل والحديثه فقال يا إسحق لم منعت الحشم الدخول إلى الموصل فقال أخوك يا أمير المؤمنين في وجه العدو وأنت تخرج من مستقرك فمتى علم رجع عن قتال الخبيث في غلب عدوك على دار آبائك ثم كلم المعتمد بكلام قوى ووكل به وساقه وأصحابه إلى سامرا فتلقاه صاعد كاتب الموفق فتسلمه من إسحق وأنزله في دار أحمد بن الخصيب ومنعه من دخول دار لخلافة ووكل بالدار خمسمائة يمنعون من يدخل إليه وبقى صاعد يقف في خدمته ولكمن ليس له حل ولا ربط وأما إبن طولون فجمع الأمرام القضاة وقال قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد فخلعوه إلا القاضي بكار فقيده وحبسه وأمر بلعنه الموفق على المنابر وفيها توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري صاحب ابن وهب وكان ثقة وفيها الأمير عيسى بن الشيخ الذهلي وكان قد ولى دمشق فاظهر الخلاف في سنة خمس وخمسين وأخذ الخزائن وغلب على دمشق فجاءه عسكر المعتمد فالتقاهم ابنه ووزيره فهزموا وقتل ابنه وصلب ويزره وهرب عيسى ثم استولى على آمد وديار بكرة مدة سنة سبعين ومائتين فيها التقى المسلمون والخبيث علي بن محمد العبقسى المدعي أنه علوي فاستظهروا عليه ثم وقعة أخرى قتل فيها وعجل الله بروحه إلى النار ولقد طال قتال المسلمين له وأجتمع مع الموفق نحو ثلاثمائة ألف مقاتل أجناد ومطوعة

(2/155)


165 وفي أخر الأمر التجأ الخبيث إلى جبل ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم فحاربهم المسلمون فانهزم الخبيث وتبعهم أصحاب الموفق يأسرون ويقتلون ثم استقبل هو وفرسانه وحملوا على الناس فاز الوهم فجمل عليه الموفق والتحم القتال فإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده فلم يصدقه فعرفه جماعة من الناس فحينئذ ترجل الموفق وابنه المعتضد والأمراء فخروا سجداً لله وكبروا وسار الموفق فدخل بالرأس بغداد وعملت القباب وكان يوماً مشهوداً وآمن الناس وشرعوا يتراجعون إلى الأمصار التي أخذها الخبيث وكانت أيامه خمس عشرة سنة قال الصولي قتل من المسلمين الف الف وخمسمائة ألف قال وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف وكان يصعد على المنبر فيسيب عثمان وعليا ومعاوية وعائشة وهو اعتقاد الأزارقة وكان ينادي في عسكره على العلوية بدرهمين وثلاثة وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يفترشهن وكان الخبيث خارجياً يقول لا حكم إلا الله وقيل كان زنديقاً يتستر بمذهب الخوارج وهو أشبه فإن الموفق كتب إليه وهو يحاربه في سنة سبع وستين يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله مما فعل من سفك الدماء وسبى الحريم وانتحال النبوة والوحى فما زاده الكتاب إلا بجبرا وطغياناً ويقال أنه قتل الرسول فنازل الموفق مدينته الختارة فتأملها فإذا مدينة حصينة محكمة الأسوار عميقة الخنادق فرأى شيئاً مهولاً ورأى من كثرة المقاتلة ما أذهله ثم رموه رمية واحدى بالمجانيق والمقاليع والنشاب وضجوا ضجة ارتجلت منها الأرض فعمد الموفق إلى مكاتبة قواد الخبيث واستمالهم فاستجاب له عدد منهم فأحسن إليهم وقيل كان الخبيث منجماً يكتب الحروز وأول شيء كان بواسط فحبسه محمد بن أبي عون ثم أطلقه فلم يلبث أن خرج بالبصرة واستغوى السودان والزبالين والعبيد فصار أمره إلى ما صار ذكر جميع ذلك في العبر

(2/156)


157 وفيها في ذي القعدة توفي أمير الديار المصرية والشامية أبو العباس أحمد ابن طولون وهو في عشر الستين قال القضاعي كان طائش السيف فأحصى من قتله صبرا أو مات في سجنه فكانوا ثمانية عشر ألفا وكان يحفظ القرآن وأوتى حسن الصوت به وكان كثير التلاوة وكان أبوه من مماليك المأمون مات سنة أربعين ومائتين وملك أحمد الديار المصرية ستة عشرة سنة قال ابن الجوزي في كتابه شذور العقود في التاريخ المعهود أحمد بن طولون وكان أبوه طولون تركيا من مماليك المأمون فولد له أحمد وكان عالي الهمة ولم يزل يترقى حتى ولى مصر فركب يوماً إلى الصيد فغاصت رجل دابة بعض أصحابه في مكان من البرية فأمر بكشف المكان فود مطلبا فإذا فيه من المال ما قيمته ألف ألف دينار فبنى الجامع المعروف بني مصر والقاهرة وتصدق ببعض فقال له وكيله يوماً ربما امتدت إلى الكف المظرفة والمعصم فيه السوار والكم الناعم أفأمنع هذه الطبقة فقال له ويحك هؤلاء المستورون الذين يحبسهم الجاهل أغيناء نم التعفف أحذر ترديداً امتدت إليك وكان يجري على أهل المساجد كل شهر ألف دينار وعلى فقراء الثغر كذلك وبعث إلى فقراء بغداد في مدو ولايته ما بلغ الفي ألف ومائتي ألف دينار وكان راتب مطبخه كل يوم ألف دينار ولما مرض خرج المسلمون بالمصاحف واليهود بالتوراة والنصارى بالإنجيل والمعلمون بالصبيان إلى الصحراء والمساجد يدعون له فلما أحس بالموت رفع يده وقال يا رب ارحم من جهل فقدان نفسه وأبطره حلمك عنه وخلف ثلاثة وثلاثين ولداً وعشرة آلاف ألف دينار وسبعة آلاف ألف وثلثمائة ألف دينار وكان بعض الناس يقرأ عند قبره فانقطع عنه فسئل عن ذلك فقال رايته في المنام فقال لي أحب أن يقرأ عندي فيمر

(2/157)


158 بي آية إلا قرعت بها وقيل أما سمعت هذه في دار الدنيا انتهى ما ذكره ابن الجوزي وفيها أسيد بن عاصم الثقفي الأصبهاني أخو محمد بن عاصم رحل وصنف المسند وسمع من سعيد بن عامر الضبعي وطبقته وفيها أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيه بن أبي زرعة الزهري المصري أبو بكر بن البرقي الحافظ عمدة قاله ابن ناصر الدين وفيها بكار بن قتيبة الثقفي البكرواي أبو بكرة الفقيه البصري قاضي الديار المصرية في ذي الحجة سمع أبا داود الطيالسي وأقرانه وله أخبار في العدل والعفة والنزاهة والورع ولاه المتوكل القضاء في سنة ست وأربعين وفيها أبو الحسن بن علي الإمام أبو سليمان الأصبهاني ثم البغدادي الفقيه الظاهري صاحب التصانيف في رمضان وله سبعون سنة سمع القعنبي وسليمان ابن حرب وطبقتهما وتفقه على أبي ثور وابن راهويه وكان ناسكا زاهدا قال ابن ناصر الدين تكلم أبو الفتح الأزدي وغيره فيه ومنعه أحمد بن حنبلمن الدخول عليه لقوله المعروف في القرآن بلغه الذهلي لأحمد وكتب به إليه وكان داود حافظا مجتهدا إمام أهل الظاهر انتهى ملخصا وقال ابن خلكان أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني الإمام المشهور المعروف بالظاهري كان زاهدا متقللا كثير الورع أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور وكان من أكثر الناس تعصبا للإمام الشافعي رضي الله عنه وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية وكان ولده أبو بكر محمد بن علي على مذهبه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد قيل إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر قال داود حضر مجلسي يوما أبو يعقوب الشريطي وكان من أهل

(2/158)


159 للبصرة وعليه خرقتان فتصدر لنفسه من غير أن يرفعه أحد وجلس إلى جانبي لي سل عما بدا لك فكأني غضبت منه فقلت له مستهزئا أسألك عن الحجامة فبرك ثم روى طريق أفطر الحاجم والمحجوم ومن أرسله ومن أسنده ومن وفقه ومن ذهب إليه من الفقهاء وروى اختلاف طرق احتجام رسول الله الحاجم أجره ولو كان حراما لم يعطه ثم روى طرقا أن النبي بقرن وذكر أحاديث صحيحة في الحجامة ثم ذكر الأحاديث المتوسطة مثل ما مررت بملأ من الملائكة ومثل شفاء أمتي في ثلاث وما أشبه ذلك وذكر الأحاديث الضعيفة مثل قوله عليه الصلاة والسلام لا تحتجموا يوم كذا ساعة كذا ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان وما ذكروه فيها ثم ختم كلامه بأن قال وأول ما خرجت الحجامة من أصبهان فقلت له والله لأحضرت بعدك أحدا أبدا وكان داود من عقلاء الناس قال أبو العباس ثعلب في حقه كان عقل داود أكبر من علمه ونشأ ببغداد وتوفي بها سنة سبعين في ذي القعدة وقيل في شهر رمضان ودفن بالشوينزية وقيل في منزله وقال ولده أبو بكر محمد رأيت أبي داود في المنام فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي وسامحني فقلت غفر لك فبم سامحك فقال يا بني الأمر عظيم والويل لمن لم يسامح رحمه الله انتهى ما ذكره ابن خلكان وفيها الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المصري الفقيه صاحب الشافعي وهو في عشر المائة سمع من ابن معين وكان إماما ثقة صاحب حلقة بمصر قال الشافعي ما في القوم أنفع لي منه وقال وددت أني حسوته العلم وقال في المزني سيأتي عليه زمان لا يفسر شيئا فيخطئه وفي البويطي يموت في حديده وفي ابن عبد الحكم سيرجع إلى مذهب مالك والربيع هذا آخر من روى عن الشافعي بمصر وفيها أيضا الربيع بن سليمان الجيزي صاحب الشافعي أبو محمد وهو

(2/159)


160 قليل الرواية عن الشافعي وكان ثقة روى عنه أبو داود والنسائي وتوفي بالجيزة وفيها زكريا بن يحي بن أسد أبو يحي المروزي ببغداد روى عن سفين وأبي معاوية قال الدارقطني لا بأس به وفيها العباس بن الوليد بن زيد العذري البيروتي المحدث العابد في ربيع الآخر وله مائة سنة تامة روى عن أبيه ومحمد بن شعيب وجماعة قال أبو داود كان صاحب ليل وفيها أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري ببغداد في ذي الحجة سمع حسين بن علي الجعفي وأبا أسامة ووثقه الدارقطني وغيره وفيها محمد بن إسحاق أبو بكر الصاغاني ثم البغدادي الحافظ الحجة في صفر سمع يزيد بن هارون وطبقته قال النسائي ثقة صاحب حديث وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه وفيها محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة أبو عبد الله الحافظ المجود سمع أبا عاصم النبيل وطبقته قال النسائي ثقة صاحب حديث وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه وفيها محمد بن هشام بن ملاس أبو جعفر النميري الدمشقي عن سبع وتسعين سنة روى عن مروان بن معوية الفزاري وغيره وكان صدوقا وفيها الفضل بن العباس الصائغ أبو بكر المروزي كان حافظا نقادا قال عجزت أن أغرب على البخاري وأنا أغرب على أبي زرعة بعدد شعره ذكره ابن ناصر الدين سنة إحدى وسبعين ومائتين فيها وقعت الطواعين وكان ابن طولون قد خلع الموفق من ولاية العهد ومات وقام بعده ابنه خمارويه على ذلك فجهز الموفق ولده أبا العباس المعتضد

(2/160)


161 في جيش كبير وولاه مصر والشام فسار بفلسطين وأقبل خمارويه فالتقى الجمعان بفلسطين وحمى الوطيس حتى احمرت الأرض من الدماء ثم انهزم خمارويه إلى مصر ونهبت خزائنه وكان سعد الأعسر كمينا لخمارويه فخرج على أبي العباس وهم غازون فأوقعوا بهم فانهزم هو وجيشه أيضا حتى وصل طرسوس في نفر يسير وذهبت أيضا خزائنه حواها سعد وأصحابه وفيها توفي عباس بن محمد الدوري الحافظ أبو الفضل مولى بني هاشم ببغداد في صفر سمع الحسين بن علي الجعفي وأبا النضر وطبقتهماوكان من أئمة الحديث الثقات وفيها أبو معشر المنجم كان قاطع النظراء في وقته حتى حكى أن بعض أكابر الدولة اختفى وخشى من المنجم أن يحكم بطرقه التي يستخرج بها الخبايا فأخذ طستا وملأه دما وعمل في الطست هاون ذهب وقعد على الهاون أياما فبحث المنجم في أمره وبقى مفكرا فقال له الملك فيم تفكر قال أرى المطلوب على جبل من ذهب والجبل في بحر من دم ولا أعلم في العالم موضعا على هذه الصفة فنادى الملك بالأمان للرجل فظهر وأخبرهم فتعجب الملك من صنيعهما وفيها عبد الرحمن بن منصور الحارثي البصري أبو سعيد صاحب يحي القطان يوم الأضحى بسامراء وفيه لين ومحمد بن حماد الظهراني الرازي الحافظ أحد من رحل إلى عبد الرزاق حدث بمصر والشام والعراق وكان ثقة عارفا نبيلا وفيها الحسن محمد بن سنان القزاز بصري نزل بغداد وروى عن عمر ابن يونس اليمامي وجماعة قال الدارقطني لا بأس به وقال أبو داود يكذب وفيها كيلجة واسمه محمد بن صالح بن عبد الرحمن أبو بكر الأنماطي ثقة ماجد ابن ناصر الدين

(2/161)


162 وفيها يوسف بن سعيد بن مسلم الحافظ أبو يعقوب محدث المصيصة روى عن حجاج الأعور وعبيد الله بن موسى وطبقتهما قال النسائي ثقة حافظ وقال ابن ناصر الدين كان أحد الحفاظ المعتمدين والأيقاظ الصدوقين وفيها يحي بن عبدك القزويني محدث قزوين طوف ورحل إلى البلدان وسمع أبا عبد الرحمن المقري وعفان سنة اثنتين وسبعين ومائتين فيها كما قاله في الشذور زلزلت مصر زلزالا أخرب الدور والجوامع وأحصى بها يوم واحد ألف جنازة وفيها البرلسي وهو إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي أسد خزيمة أبو إسحاق بن أبي داود ثبت مجود ذكره ابن ناصر الدين وفيها أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي في شعبان ببغداد في عشر المائة سمع أبا بكر بن عياش وعبد الله بن إدريس وطبقتهما وثقه ابن حبان وفيها أحمد بن الفرح أبو عتبة الحمصي المعروف بالحجازي روى عن بقية وجماعة قال ابن عدي هو وسط ليس بحجة وفيها أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني الزاهد صاحب المسند رحل وسمع أبا نعيم وطبقته وفيها أبو معين الرازي الحسين بن الحسن وقيل محمد بن الحسين وكان من كبار الحفاظ والمكثرين الأيقاظ رحل وسمع سعيد بن أبي مريم وأبا سلمة التبوذكي وطبقتهما وسليمان بن سيف بن يحي بن درهم الطائي مولاهم الحراني أبو داود ثقة كذا ذكره ابن ناصر الدين وقال في العبر سليمان بن سيف الحافظ أبو داود محدث حران وشيخها في شعبان سمع ابن هارون وطبقته انتهى

(2/162)


163 ومحمد بن عبد الوهاب الفراء النيسابوري الفقيه الأديب أحد أوعية العلم سمع حفص بن عبد الله وجعفر بنعون الكبار ووثقه مسلم وفيها محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن المنادي المحدث في رمضان ببغداد وله مائة سنة وستة عشر شهرا سمع حفص بن غياث وإسحاق الأزرق وطبقتهما وفيها محمد بن عوف بن سفيان أبو جعفر الطائي الحافظ محدث حمص سمع محمد بن يوسف الفرياني وطبقته وكان من أئمة الحديث سنة ثلاث وسبعين ومائتين فيها توفي إسحاق بن سيار النصيبيني محدث نصيبين في ذي الحجة سمع أبا عاصم وطبقته وفيها حنبل بن إسحاق الحافظ أبو علي ابن عم الإمام أحمد وتلميذه في جمادى الأولى سمع أبا نعيم الفضل بن دكين وأبا غسان مالك بن إسماعيل وعفان بن مسلم وسعيد بن سليمان وعارم بن الفضل وسليمان بن حرب وإمامنا أحمد في آخرين وحدث عنه ابنه عبيد الله أو عبد الله وعبد الله البغوي ويحي بن صاعد وأبو بكر الخلال وغيرهم وذكره ابن ثابت فقال كان ثقة ثبتا وقال الدارقطني كان صدوقا وكان حنبل رجلا فقيرا خرج إلى عكبرا فقرأ مسائله عليهم وخرج إلى واسط أيضا وقال حنبل جمعنا عمي يعني الإمام أحمد أنا وصالح وعبد الله يعني أبناء أحمد وقرأ علينا المسند وما سمعه منه يعني تاما غيرنا وقال لنا إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله

(2/163)


164 إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة ومات حنبل بواسط في جمادى الأولى انتهى ملخصا وفيها أبو أمية الطرسوسي محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ سمع عبد الوهاب بن عطاء وشبابة وطبقتهما وكان من ثقات المصنفين قال ابن ناصر الدين هو صاحب المسند كان حافظا ثقة كبيرا وفيها الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن عبد الله الميامي وهذه الطبقة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين محمد ابن يزيد بن ماجه أبو عبد الله الربعي مولاهم القزويني أحد الأئمة الإعلام وصاحب السنن أحد كتب الإسلام حافظ ثقة كبير صنف السنن والتاريخ والتفسير لم يحتو كتباه السنن على ثلاثين حديثاً في إسنادها ضعيف انتهى وقال ابن خلكان كان إماماً في الحديث عارفاً بعلومه وجميع ما يتعلق به ارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكتب الحديث وله تفسير القرآن العظيم وتاريخ مليح وكتابه في الحديث أحد الصحاح الستة وأنت ولادته سنة تسع ومائتين وتوفي يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان وصلى عليه أخوه أبو بكر وتولى دفنه أخواه أبو بكر وأبو عبد الله انتهى وفيها أحمد بن الوليد الفحام أبو بكر البغدادي روى عن عبد الوهاب بن عطاء وطائفة وكان ثقة وفي صفر صاحب الأندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي الأمير أبو عبد الله وكانت دولته خمساً وثلاثين سنة وكان فقيهاً عالماً فصيحاً مفوها رافعاً لعلم الجهاد قال بقي بن مخلد ما رأيت ولا سمعت أحداُ من الملوك افصح منه ولا أعقل وقال أبو المظفر بن الجوزي هو

(2/164)


165 صاحب وقعة وادي سليط التي لم يسمع بمثلها يقال إنه قتل فيها ثلثمائة ألف كافر سنة أربع وسبعين ومائتين وفيها توفي أحمد بن محمد بن أبي الخناجر أبو علي الأطرابلسي في جمادى الآخرة روى عن مؤمل بن إسماعيل وطبقته وكان من نبلاء العلماء قاله في العبر وفيها الحسن بن مكرم بن حسان أبو علي ببغداد روى عن علي بن عاصم وطبقته ووثق وفيها خلف بن محمد الوسطي كردوس الحافظ سمع يزيد بن هرون وعلي بن عاصم وفيها عبد الملك بن عبد الحميد الفقيه أبو الحسن الميموني الرقي صاحب الإمام أحمد في ربيع الأول روى عن إسحق الزرق ومحمد بن عبد وطائفة وكان جليل القدر في أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وكان سنة يوم مات دون المائة وكان أحمد يكرمه ويجله ويفعل معه مالا يفعل مع أحد غيره وقال صبحت أبا عبد الله على الملازمة من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين قال وكنت بعد ذلك أخرج وأقدم لعيه الوقت بعد الوقت قال وكان أبو عبد الله يضرب لي مثل ابن جريج في عطاء من كثرة ما أسأله ويقول لي ما أصنع بأحد ما أصنع بك وقال الميموني قلت لأحمد من قتل نفسه يصلى الإمام عليه قال لا يصلى الإمام على من قتل نفسه ولا على من غل قلت فالمسلمون قال يصلون عليهما وقال المرادوي في أواخر الأنصاف عبد الملك بن عبد الحميد الميموني كان الإمام أحمد يكرمه وروى عنه مسائل كثيرة جداً ستة عشر جزءاً جزءين كبيرين انتهى وقال الحافظ ابن

(2/165)


166 ناصر الدين في بديعة البيان ( عبد المليك الحافظ الميموني * روى علوم ديننا القويم ) وفيا في شرحها هو عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران الميموني الجزر ي الرقي أبو الحسن وثقة النسائي وأبو عوانة وغيرهم انتهى وفيها محمد بن عيسى بن حيان المدائني روى عن سفيان بن عيينة وجماعة لينه الدارقطني وقال البرقاني لا بأس به قاله في العبر وقال في المغنى محمد بن عيسى ابن حيان المدائني صاحب ابن عيينة قال الدارقطني ضعيف متروك وقال غيره كان مغفلاً وقال الحاكم متروك انتهى سنة خمس وسبعين ومائتين فيها توفي أبو بكر المروذي الفقيه أحمد بن محمد بن الحجاج في جمادى الأولى ببغداد وكان أجل أصحاب الإمام أحمد إماماً في الفقه والحديث كثير الصتانيف خرج مرة إلى الرباط فشيعه نحو خمسين ألفاً من بغداد إلى سامرا قاله في العبر وقال فيا لإنصاف كان ورعاً صالحاً خصيصاً بخدمة الإمام أحمد وكان يأنس به وينبسط إليه ويبعثه في حوائجه وكان يقول كل ما قلت فهو على لساني وأنا قلته وكان يكرمه ويأكل من تحت يده وهو الذي تولى إمائه لما مات وغسله روى عنه مسائل كثيرة وهو المقدم من أصحاب الإمام أحمد لفضله وروعة انتهى وفيها أحمد بن ملاعب الحافظ أبو الفضل المخزومي وله أربع وثمانون سنة سمع عبد الله بن بكر وأبا نعيم وطبقتهما وكان ثقة نبيلاً

(2/166)


167 وفيها الإمام أبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث بن إسحق بن بشير الأزدي صاحب السنن والتصانيف المشهورة في شوال بالبصرة وله بضع وسبعون سنة سمع مسلم بن إبراهيم والقعنبي وطبقتهما وطوف الشام والعراق ومصر والحجاز والجزيرة وخراسان وكان رأساً في الحديث رأساً في الفقه ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع حتى أنه كان يشبه بشيخه أحمد بن حنبل قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو داود سلميان بن الأشعث بن إسحق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح طوف البلاد وكتب عن العارقين والخراسانيين والشاميين والمصريين والحرميين وجمع كتاب السنن قديماً وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فاستحسنه واستجاده وعده الشيخ أبو إسحق الشيزاري في طبقات الفقهاء م جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وقال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود كتاب السنن الين لأبي داود الحديث كما الين لداود الحديث وكان يقول كتبت عن رسول الله خمسمائة ألف آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ويكفى الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث أحدها قوله إنما الإعمال بالنيات والثاني قوله من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه والثالث قوله لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه والرابع قوله الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات الحديث بكماله وجاءه سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى فقال له يا أبا داود لي إليك حاجة قال وما هي قال حتى تقول قضيتها مع الإمكان

(2/167)


168 قال قد قضيتها مع الإمكان قال اخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول الله أقبله قال فأخرج لسانه فقبله وكانت ولادته في سنة اثنتين ومائتين وقدم بغداد مرارا ثم نزل إلى البصرة وسكنها وتوفي بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى وكان ولده أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان من أكابر الحفاظ ببغداد عالما متفقا عليه إماما ابن إمام وله كتاب المصابيح وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام وسمع ببغداد وخراسان وأصبهان وسجستان وشيراز وتوفي سنة ست عشرة وثلثمائة واحتج به ممن صنف الصحيح أبو علي الحافظ النيسابوري وابن حمزة الأصبهاني انتهى ما أورده ابن خلكان وفيها أي سنة خمس وسبعين يحي بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبرقان أبو بكر البغدادي المحدث في شوال روى عن علي بن عاصم ويزيد ابن هارون وجماعة وصحح الدارقطني حديثه سنة ست وسبعين ومائتين فيها على ما ذكره في الشذور انفجر تل نهر الصلة عن شبه الحوض من حجر في لون المسن وفيه سبعة أقبر فيها سبعة أبدان صحاح أكفانهم جدد كأنهم ماتوا بالأمس انتهى وفيها جرت حروب صعبة بين صاحب مصر خمارويه وبين محمد بن أبي الساج ثم ضعف محمد وهرب إلى بغداد وفيها توفي الحافظ أبو عمرو أحمد بن حازم بن أبي هريرة بن أبي غرزة الغفاري محدث الكوفة في ذي الحجة صنف المسند والتصانيف وروى عن جعفر بن عون

(2/168)


169 وطبقته قال ابن حبان كان متقناً وقال ابن ناصر الدين كان ثقة فيها الإمام بقى بن مخلد أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ أحد الأئمة الأعلام في جمادى الآخرة وله خمس وسبعون سنة سمع يحيى بن يحيى الليثي ويحيى بن بكير وأحمد بن حنبل وطبقتهم وصنف التفسير الكبير والمسند الكبير قال ابن حزم أقطع أن هلم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره وكان فقيهاً علامة مجتهداً قواماً ثبتاً عديم المثل وفيها الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي الإمام النحوي اللغوي صاحب كتاب المعارف وأدب الكاتب وغريب القرآن ومشكل الحديث وطبقات الشعراء وإعراب القرآن وكتاب الميسر والقداح وغيرها وكان فاضلاً ثقة سكن بغداد وحدث بها عن ابن راهويه وطبقته روى عنه ابنه أحمد وابن درستويه وكان موته فجاءة قيل إنه أكل هريسة فأصابته حراراة فصاح صيحة شديدة ثم أغمى عليه ثم أفاق فما يزال يتشهد حتى مات قاله ابن الأهدل وأبى إسحق إبراهيم بن سفين بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد وأبى حاتم السجستاني وتلك الطبقة وتصانيفه كلها مفيدة منها غريب القرآن وغريب الحديث وعيون الأخبار ومشكل القرآن ومشكل الحديث وطبقات الشعراء والأشربة وإصلاح الغلط وغير ذلك وأقرأ كتبه ببغداد إلى حين وفاته وقيل إن أباه مروزي وأما هو فمولده ببغداد وقيل بالكوفة وأقام بالدينور قاضياً مدة فنسب إليها وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومائتين وكانت وفاته فجاءة صاح صيحة سمعت من بد ثم أغمى عليه إلى وقت الظهر ثم اضطرب ساعة ثم هدأ فما يزال يتشهد إلى وقت السحر ثم مات رحمه الله تعالى

(2/169)


170 وكان ولده أبو جعفر أحمد بن عبد الله المذكور فقيهاً وروى عن أبيه كتبه المصنفة كلها وتولى القضاء بمصر وقدمها في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة إثنتين وعشرين وثلثمائة وهو على القضاء ومولده ببغداد انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصاً وقال الذهبي في المغني عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد صاحب التصانيف صدوق سمع إسحق بن راهويه قال الحاكم أجمعت الأمة على أن القتيى كذاب قلت هذا بغى وتخرص بل قال الخطيب هو ثقة انتهى كلام الذهبي وفيها أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري الحافظ أحد العباد والأئمة في شوال ببغداد روى عن يزيد بن هرون وطبقته ووثقه أبو داود قال أحمد بن كامل قيل عنه أنه كان يصلى في اليوم والليلة أربعمائة ركعة ويقال إنه روى من حفظه ستين ألف حديث قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( ثم ابن عيسى الطرسوسي الدار * كأحمد بن حازم الغفاري ) ( عبد المليك ذا الرقاشي الثالث * كل رشيد عمدة وباحث ) انتهى وفيها محدث الأندلس قاسم بن محمد بن قاسم الأموي مولاهم القرطبي الفقيه له رحلتان إلى مصر وتفقه على الحرث بن مسكين وابن عبد الحكم وكان مجتهداً لا يقلد أحداً قال رفيقه بقي بن مخلد هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقال لم يقدم لعينا من الأندلس أعلم من قاسم وقال محمد بن عمر ابن لبابة ما رأيت أفقه منه وروى عن إبراهيم بن المنذر الحرامي وطبقته وفيها محدث مكة محمد بن إسماعيل الصائغ أبو جعفر وقد قارب التسعين سمع أبا أسامة وشبابة وطبقتهما وفيها محمد دمشق أبو القاسم يزيد بن عبد الصمد سمع أبا مسهر والحميدي وطبقتهما وكان ثقة بصيراً بالحديث

(2/170)


171 سنة سبع وسبعين ومائتين فيها توفي حافظ المشرق أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي شعبان وهو في شعر التسعين وكان بارع الحفظ واسع الرحلة من أوعية العلم سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا مسهر وخلقاً لا يحصون وكان ثقة جاريا ًفي مضمار البخاري وأبى الرازي وكان يقول مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ وقال ابن ناصر الدين محمد بن إدريس بنا لمنذر بن داود بن مهران الحنظلي أبو حاتم الرازي كان في مضمار البخاري وأبى زرعة جارياً وبمعاني الحديث عالماً وفي الحفظ غالباً واثني عليه خلق من المحدثين وتوفي وهو في عشر التسعين انتهى وفيها المحدث أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني الكوفي صاحب المسند روى عن عبيد الله بن موسى وأبي عبيد وطبقتهما وكان ثقة والإمام يعقوب بن سفين الفسوى الحافظ أحد أركان الحديث وصاحب المشيخة والتاريخ في وسط السنة وله بضع وثمانون سنة سمع أبا عاصم وعبيد الله بن موسى وطبقتهما وكان ثقة بارعاً عارفاً ماهراً
سنة ثمان وسبعين ومائتين
فيها مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة وهو قوم خوارج زنادقة مارقة من الدين قال في الشذور وكان ابتداء أمرهم أن رجلاً قدم إلى سواد الكوفة فأظهر الزهد وجعل يسف الخوص ويأكل من كسبه ويصلى ويصوم ثم صار يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله ويأخذ من كل من دخل في قوله ديناراً فاجتمع إليه جماعة فاتخذ منهم اثني عشر نقيباً وقال
172 أنتتم كحوارى عيسى وكان قد آوى إلى بيت رجل يقال له كرميته فسمى باسمه ثم خفف فقيل قرمط انتهى

(2/171)


وفيها توفي الموفق أبو أحمد طلحة ويقال محمد بن المتوكل ولى عهد أخيه المعتمد في صفر وله تسع وأربعون سنة وكان مكلاً مطاعاً وبطلاً شجاعاً ذا بأس وأيد ورأى وحزم حارب الزنج حتى أبادهم وقتل طاغيتهم وكان جميع امراء الجيوش إليه وكان حبباً إلى الخلق وكان المعتمد مقهوراً معه ميع امراء الجيوش إليه وكان محبباً إلى الخلق وكان المعتمد مقهوراً معه اعتراه نقرس فبرح به وأصاب رجله داء الفيل وكان يقول قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق وما أصبح فيهم اسوأ حالاً مني واشتد ألم رجله واتفاخها إلى أن مات منها وكان قد ضيق على ابنه أبي العباس وخاف منه فلما احتضر رضى عليه ولما توفي ولا ه المعتمد ولاية العهد ولقبه المعتضد وكان بعض الأعيان يشبه الموفق بالمنصور في حزمه ودهائه ورأيه وجميع الخلفاء وإلى اليوم من ذريته قاله في العبر وفيها عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي رحل وحصل وجمع وروى عن ابن نعيم وأبى اليمان وطبقتهما وكان أحد الثقات المأمونين وفيها بل في التي قبلها على ما جزم به ابن ناصر الدين عيسى بن غاث بن عبد الله بن سنان بن دلويه أبو موسى موثق متقن وفيها موسى بن سهل بن كثير الوشا بغداد في ذي القعدة وهو آخر من حدث عن ابن علية وإسحق الأزرق ضعفه الدارقطني وقيل في إسم أبيه وهب سنة تسع وسبعين ومائتين فيها نودي ببغداد لا يقعد على الطريق منجم ولا تباع كتب الكلام والفلسفة وفيها تمكن المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق طلحة من الأمور وأطاعته الأمراء حتى ألزم عمه المعتمد أن يقدمه في العهد على ابنه المفوض ففعل مكرهاً

(2/172)


173 قال أبو العباس المذكور كان المعتمد على الله قد حبسني فرأيت في منامي وأنا محبوس أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لي أمر الخلافة يصل إليك فا عتضد بالله وأكرم بني قال فانتبهت ودعوت الخادم الذي كان يخدمني في الحبس وأعطيته فص خاتم وقلت له امض إلى النقاش وقل له انقش عليه المعتضد بالله أمير المؤمنين فقال هذه مخاطر بالنفس وأين الخلافة منا وغاية أملنا الخلاص منا لسجن فقلت امض لما أمرتك فمضى ونقش عليه ما قلت له بأوضح خط فقلت اطلب لي دواة وكاغداً فجاءني بهما فجعلت أرتب الأعمال وأولى العمال وأصحاب الدواوين فبينما أنا كذلك إذ جاء القوم وأخرجوني ثم إن المعتمد على الله فوض ما كان لنا صر دين الله الموفق لولده أحمد المذكور فاستبد بالأمر واستخف بعمه المعتمد ولم يرجع إليه في شيء من عقده وحله ثم أن أحمد المذكور دخل على عمه المعتمد على الله وقص عليه رؤياه التي رآها في الحبس وقال إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه ولاني هذا الأمر ومتى لم تخلع ابنك جعفراً من الخلافة طائعاً وإلا خلعته كارهاً فخلع المعتمد ابن هو جعل العهد لا بن أخيه أحمد المذكور وفيها في رجب توفي المعتمد على الله أحمد بن المتوكل على الله جعفر العباسي وله خمسون سنة وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة يومين وكان أسمر ربعة نحيفاً مدور الوجه صغير اللحية مليح العينين ث سمن واسرع إليه الشيب ومات فجاءة وأمه أم ولد أسمها قينان وله شعر متوسط وكان قد أكل رءوس جداء فمات من الغد بين المغنين والندماء فقيل سم في الارءوس وقيل نام فغمه في بساط وقيل سم في كأس الشراب فدخل عليه القاضي

(2/173)


174 والشهود فلم يروا به أثراً وكان منهمكاً في اللذات فاستولى أخوه على المملكة وحجر عليه في بعض الأشياء فاستصحب المعتضد الحال بعد أبيه وعن أحمد ابن يزيد قال كنا عند المعتمد وكان كثير العربدة إذا سكر فذكر حكاية قاله في العبر وامتد ملكه على المهانة يتدبر أخيه ولو شاء خلعه لخلعه قال ابن الفرات كان في خلافته محكوماً عليه حتى إنه احتاج ف ي بعض الأوقات إلى ثلثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت فقال ( اليس من العجائب أن مثلي * يرى ماقل ممتنعاً عليه ) ( وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً * وما من ذاك شيء في يديه ) ( إليه تحمل الأموال طراً * وبمنع بعض ما يجبي إليه ) وفيها توفي أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ أبو بكر النسائي ثم البغدادي مصنف التاريخ الكبير وله أربع وتسعون سنة سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما قال الدارقطني ثقة المأمون وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسي القصار الكفوي أبو إسحق آخر أصحاب وكيع وفاة وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد وله تسعون سنة روى عن أبي نعيم وطبقته وكان زاهداً عابداً ثقة ينفع الناس ويعلمهم الحديث وأبو يحيى عبد الله بن زكريا بن أبي ميسرة محمد مكة في جمادى الأولى روى عن أبي عبد الرحمن المقرى وطبقته وفيها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الترمذي الضرير تلميذ أبي عبد الله البخاري ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه سمع منه شيخه البخاري وغيره وكان مبرزاً على الأقران آية ي الحفظ والإتقان قال ابن خلكان أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة

(2/174)


175 ابن موسى الضحاك السلمي الضرير البوغي الترمذي الحافظ المشهور أحد الأئمة الذين يقتدي بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع والعلل تصنيف رجل متقن وبه يضرب المثل وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وشاركه في بعض شيوخه مثل قتيبة بن سعيد وعلى بن حجر وابن بشار وغيرهم انتهى قيل إنه ولد أكمه وفيها أبو الأحوص محمد بن الهيثم قاضي عكبراً في جمادى الآخر ة وكان أحد من عنى بهذا الشأن فروى عن عبد الله بن رجاء وسيعد بن عفير وطبقتهما وهو ثقة وأبو عبد الله محمد بن جابر بن حماد أحد أئمة زمانه والمبرز بالفضل على أقرانه قال ابن نصار الدين في بديعة البيان ( ثم أبن عيسى الترمذي محمد * طاب رحيب علمه فقيدوا ) ( مثل الفقيه المروزي النقاد * محمد بن جابر بن حماد ) انتهى سنة ثمانين ومائتين فيها كما قال في الشذور زلزلت دبيل في الليل فاصبحوا فلم يبق من المدينة إلا اليسير فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميت انتهى وفيها توفي القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي الفقيه الحافظ صاحب المسند روى عن أبي نعيم ومسلم بن إبراهيم وخلق وكان ثقة بصيراً بالفقيه عارفاً بالحديث وعلله زاهداُ عابداً كبير القدر من أعيان الحنيفة وفيها الإمام قاضي الديار المصرية أحمد بن أبي عمران أبو جعفر الفقيه الحنفي تفقه على محمد بن سماعة وحدث عن عاصم بنعلي وطائفة روى الكثير من حفظه لأنه عمي بمصر وهو شيخ الطحاوي في الفقه قال في حسن المحاضرة وثقة ابن يونس

(2/175)


176 وفيها الإمام أبو عبد عثمان بن سعيد الدارمي السجزي الحافظ صاحب والتصانيف روى عن سليمان بن حرب وطبقته وكان جذعاً وقذى في أعين المسند المبتدعة قيما بالسنة ثقة حجة ثبتاً قال يعقوب بن إسحق الفروى ما رأينا أجمع منه أخذ الفقه عن البويطي والعربية عن ابن الأعرابي والحديث عن ابن المديني توفي في ذي الحجة وقد ناهز الثمانين قال الأسنوي هو أحد الحفاظ العلام تفقه على البويطي وطاف الآفاق في طلب الحديث وصنف المسند الكبير انتهى وفيها الحافظ أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي التمرذي أحد أعلام السنة سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين ثقة متقن وفيها حرب بن أسمعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد حافظ فقيه نبيل نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة قال ابن أبي يعلى في طبقاته كان حرب فقيه البلد وكان السطان قد جعله على أمر الحكم وغيره في البلد قال حرب سألت أحمد عن قراءة حمزة فقال لا تعجبني قال وقلت لأحمد الإدغام فكرهه وقال سمعت الإمام أحمد يكره إلا مالة مثل والضحى والشمس ضحاها يقول الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين أنتهى ملخصاً وفيها أبو عمرو وقد قارب التسعين روى عن حجاج الأعور وخلق كثير وله شعر رائق قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين تكلم فيه لمناكير عنده رواها عن أبيه انتهى

(2/176)


177 سنة إحدى وثماني ومائتين فيها توفي إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني بن ديزيل ويعرف بدابة عفان للزومة وكان ثقة جوالاً صالحاً يصوم صوم داو وسمع أيضاً أبا مسهر وأبا اليمان وطبقتهما وكان من أكثر الحفاظ حديثاً ويلقب أيضاً سيفنه قال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون وفيها الإمام أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي الحافظ في جمادى الآخرة سمع أبا مسهر وأبا نعيم وطبقتهما وصنف التاصنيف وكان محدث الشام في زمانه قال ابن ناصر الدين علم حافظ ثبت وفيها الحافظ أبو عمرو وعثمان بن عبد الله بن خرزاذ الأنطاكي أحد أركان الحديث سمع عفان وسيعد بن عفير والكبار وقال محمد بن حمويه هو أحفظ من رأيت توفي في آخر السن وكان ثقة ثبتاً وفيها العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المواز الإسكندراني المالكي صاحب التصانيف أخذ عن أصبغ بن افرج وعبد الله بن عبد الحكم وانتهت إليه رياسة المذهب وإليه كن المنتهي في تفريغ السمائل سنة اثنتين وثمانين ومائتين فيها وقع الصلح بين المعتضد وخمارويه وتزوج المعتضد بابنة خماروية الملقبة قطر الندى على مهر مبلغه ألف ألف درهم فأرسلت إلى بغداد وبنى بها المعتضد وقوم جهازها بألف ألف دينار وأعطت ابن الحصاص الذي مشى في الدلالة مائة ألف درهم

(2/177)


178 وفيها توفي الحافظ أبو إسحق الطوسي العنبري إبراهيم بن إسماعيل سمع يحيى بن يحيى التيمي فمن بعده وكان محدث الوقت زواهده به محمد بن أسلم بطوس صنف المسند الكير في مائتي جزء وفيها العلامة أبو إسحق إسماعيل بن إسحق بن إسماعيل بن حماد بن زيدي الأزدي مولاهم البصري الفقيه المالكي القاضي ببغداد في ذي الحجة فجاءة وله ثلاث وثمانون سنة وأشهر سمع مسلم بن إبراهيم وطبقته وصنف التصانيف في القراءات والحديث والفقه وأحكام القرآن والأصول وتفقه على أحمد بن المعذل وأخذ علم الحديث عن ابن المديني وكان إماماً في العربية حتى قال المبرد هو أعلم بالتصريف مني وفيها الحافظ أبو الفضل جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي البغدادي في رمضان سمع عفان وطبقته وكان ثقة متحرياً غلى الغاية في التحديث وفيها الحافظ أبو محمد الحرث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي صاحب المسند يوم عرفة وله ست وتسعون سنة سمع علي بن عاصم وعبد الوهاب بن عطاء وبقتهما قال الدارقطني صدوق وقيل فيه لين كان لفقره يأخذ على التحديث أجراً وفيها الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي المفسر نزيل نيسابور كان آية في معان صاحب فنون وتعبد قيل إنه كان يصلى في اليوم والليلة ستمائة ركعة وعاش مائة وأربع سنين وروى عن يزيد بن هارون والكبار وفيها خماريويه بن أحمد بن طولون الملك أبو الجيش متولى مصر والشام وحمو المعتضد فتك به غلمان له روادهم في ذي القعدة بدمشق وعاش اثنين وثلاثين سنة وكان شهماً صارماً كأبيه قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون لما توفي أبوه اجتمع الجند على توليته مكانه فولى وهو ابن عشرين سنة وكانت ولايته في أيام المعتمد على

(2/178)


179 الله وفي سنة ست وسبعين يحرك الإقشين محمد بن أبي الساج ديوذار بن يوسف من أرمينية والجبال في جيش عظيم وقصد مصر فلقيه خمارويه في بعض أعمال دمشق وانهزم الأقشين واستأمن أكثر عسكره وسار خمارويه حتى بلغ الفرات ودخل أصحابه لرقة ثم عاد وقد ملك من الفرات إلى بلاد النوبة فلما مات المعتمد وتلوى المعتضد الخلافة بارد غليه خمارويه بالهدايا والتحف فأقره على عمله وسال خمارويه بادر إليه خمارويه بالهدايا والتحف فأقره على عمله وسأله خمارويه أن يزوج ابنته قطر الندى واسمها أسماء للمكتفى بالله بن المعتضد وهو إذ ذاك ولى العهد فقال المعتضد بل أنا أتزوجها فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين واله أعلم وكان صداقها ألف ألف درهم وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل حكى أن المعتضد خلا بها يوماً للأنس في مجلس أفرده لها ما أحضره سواها فأخذت الكأس منه فنام على فخذها فلما استثقل وضعت رأسه على وسادة وخرجت فجلست في ساحة القصر فاستيقظ فلم يجدها فاستشاط غضباً ونادى سائرحظاياي فتضعين رأسى على وسادة وتذهبين فقالت يا أمير المؤمنين لم أجهل قدر ما أنعمت علي به ولكن في ما أدبني به أبى أن قال لا تنامي مع القيام ولا تدلسي مع النيام ويقال إن المعتضد أراد بنكاحها افتقار الطولونية وكذا كان فإن أباها جهزها بجهاز لم يعلم مثله حتى قيل إنه كان لا ألف هاون ذهباً وشطر عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجمادها مائتي ألف دينار فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وعمره اثنتان وثلاثون سنة وقتل قتله أجمعون وحمل تابوته إلى مصر ودفن عند أبيه بسفح المقطم رحمهما الله تعالى وكان من أحسن الناس خطا انتهى ما أورده ابن خلكان وفيها الحافظ أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي الشعراني طوف

(2/179)


180 الأقاليم وكتب الكثير وجمع وصنف روى عن سليمان بن حرب وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما قال في المغني قال أبو حاتم تكلموا فيه وفيها محمد الفرج الأزرق أبو بكر في المحرم ببغداد سمع حجاج بن محمد وأبا النضر وطبقتهما قال في المغني محمد بن الفرج الأزرق له جزء معروف وهو صدوق تكلم الحاكم فيه لصحبته الكرابيسي وهذا تعنت انتهى وفيها العلامة أبو العيناء محمد بن القسم بن خلاد البصري الضرير اللغوي الأخباري وله إحدى وتسعون سنة وأضر وله أربعون سنة أخذ عن أبي عبيدة وأبي عاصم النبيل وجماعة وله نوادر وفصاحة وأجوبة مسكتة قاله في العبر وقال ابن خلكان أصله من اليمامة ومولده بالأهواز ومنشؤه بالبصرة وبها طلب الحديث وكتب الأدب وسمع منأبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري والعتبي وغيرهم وكان من أفصح الناس لسانا وأحفظهم وكان من ظرائف العالم وفيه من اللسن وسرعة الجواب والذكاء ما لم يكن في أحد من نظرائه وله أخبار حسان وأشعار ملاح مع أبي علي الضرير وحضر يوما مجلس بعض الوزراء فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم وما كانوا عليه البذل والأفضال فقال الوزير فقال الوزير قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم وإنما هذا تصنيف الوراقين وكذب المؤلفين فقال أبو العيناء فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير فسكت الوزير وعجب الحاضرون من إقدامه عليه وشكا إلى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزير سوء الحال فقال له أليس قد كتبنا إلى إبراهيم بن المدبر في أمرك قال نعم قد كتبت إلى رجل قد قصر من همته طول الفقر وذل الأسر ومعاناة الدهر فأخفق سعيي وخابت طلبتي فقال عبد الله أنت اخترته فقال وما علي أيها الوزير في ذلك وقد اختار موسى قومه سبعين رجلا فما كان فيهم رشيد واختار النبي الله بن سعد بن أبي سرح كاتبا فرجع إلى المشركين مرتدا واختار علي بن أبي طالب

(2/180)


181 أبا موسى الأشعري حكما له فحكم وإنما قال ذل الأسر لأن إبراهيم المذكور قد أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة وسجنه فنقب السجن وهرب ودخل أبو العيناء على أبي الصقر إسماعيل بن بابك الوزير يوما فقال له ما الذي أخرك عنا يا أبا العيناء فقال سرق حماري قال وكيف سرق قال لم أكن مع اللص فأخبرك قال فهلا أتيتنا على غيره قال قعد بي عن الشراء قلة ايساري وكرهت ذلة المكاري ومنه العواري وخاصم علويا فقال له العلوي أتخاصمني وأنت تقول اللهم صل على محمد وعلى آله قال ولكني أقول الطيبين الطاهرين ولست منهم ووقف عليه رجل من العامة فلما أحسن به قال من هذا قال رجل من بني آدم فقال أبو العيناء مرحبا بك أطال الله بقاءك ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع وصر يوما إلى باب صاعد بن مخلد فاستأذن عليه فقيل هو مشغول بالصلاة فقال لكل جديد لذة وكان صاعد قبل الوزارة نصرانيا ومر بباب عبد الله بن منصور وهو مريض وقد صح فقال لغلامه كيف خبره فقال كما تحب فقال مالي لا أسمع الصراخ عليه ودعا سائلا ليعشيه فلم يدع شيئا إلا كله فقال يا هذا دعوتك رحمة فتركتني رحمة وكان بينه وبين ابن مكرم مداعبات فسمع ابن مكرم رجلا يقول من ذهب بصره قلت حيلته فقال ما أغفلك عن أبي العيناء ذهب بصره فعظمت حيلته وقد ألم أبو علي البصير بهذا المعنى يسير به إلى أبي العيناء ( قد كنت خفت يد الرما * ن عليك إذ ذهب البصر ) ( لم أدر إنك بالعمى * تغني ويفتقر البشر ) وقال له ابن مكرم يوما يعرض به كم عدد المكدين بالبصرة فقال مثل عدد البغائين ببغداد وروى عنه أنه قال كنت عند أبي الحكم إذ أتاه رجل فقال له وعدتني وعدا فإن رأيت أن تنجزه فقال ما أذكره فقال إن لم تذكره فلأن من تعده مثلي كثير وأنا لا أنساه لأن من أسأله مثلك قليل فقال أحسنت

(2/181)


182 لله أبوك وقضى حاجته وكان جده إلا كبر لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأعياه المخاطبة معه فدعا عليه بالعمى له ولولده فكل من عمى من ولد جد أبي العينا فهو صحيح النسب فيهم هكذا قاله أبو سعد الطلمي وخرج من البصرة وهو بصير وقدم سر من رأى فاعتلت عيناه فعمى وعاد إلى البصرة ومات بها انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا سنة ثلاث وثمانين ومائتين فيها ظفر المعتضد بهرون الشاري رأس الخوارج بالجزيرة وأدخل راكبا فيلا وزينت بغداد وفيها أمر المعتضد في سائر البلاد بتوريث ذوي الأرحام وإبطال دواوين المواريث في ذلك وكثر الدعاء له ذلك قد أبطل النيروز ووقيد النيران وأمات سنة المجوس وفيها التقى عمرو بن الليث الصفار وروافع بن هرثمة فانهزمت جيوش رافع وهرب وساق الصفار فأدركه بخوارزم فقتله وكان المعتضد قد عزل رافعا عن خراسان واستعمل عليها عمرو بن الليث في سنة تسع وسبعين فبقي رافع بالري وهادن الملوك المجاورين له ودعا إلى العلوي وفيها وصلت تقادم عمرو بن الليث إلى المعتضد من جملتها مائتا حمل مال وفيها توفي القدوة العارف أبو محمد سهل بن عبد الله التستري الزاهد في المحرم عن نحو من ثمانين سنة وله مواعظ وأحوال وكرامات وكان من أكبر مشايخ القوم ومن كلامه وقدر أي أصحاب الحديث فقال اجهدوا أن لا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر وقيل له إلى متى يكتب الرجل الحديث قال حتى يموت ويصب باقي حبره في قبره وقال من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة وقال السلمي في الطبقات هو سهل بن عبد الله بن

(2/182)


183 يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع وكنيته أبو محمد أحد أئمة القوم وعلمائهم والمتكلمين في علوم الإخلاص والرياضيات وعيوب الأفعال صحب خاله محمد بن سوار وشاهد ذا النون المصري سنة خروجه إلى الحج وأسند الحديث وأنسد عنه قال الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا ندموا وإذا ندموا مل تنفعهم الندامة وقال شكر العلم العمل وشكر العلم زيادة العلم وقال ما من قلب و نفس إلا والله مطلع عليه في ساعات الليل والنهار فأي قلب أو نفس رأى فيه حاجة غلى سواه سلط لعيه إبليس وقال الذي يلزم الصوفي ثلاثة أشياء حفظ سره وأداه فرضه وصيانة فقره وقال من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب الظنون فمن سلم من الظن سلم نم التجسس ومن سلم من التجسس سلم ن الغيبة ومن سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان وقال ذروا التدبير والإختيار فأنهما يكدران على الناس عيشهم وقال الفتن ثلاثة فتنة العامة من إضاعة العلم وفتنة الخاصة من الرخص والتأويلات وفتنة أهل المعرفة أن يلزمهم حق في وقت فيؤخرونه إلى وقت الثاني وقال أصولنا ستة التمسك بكتاب الله والإقتداء بسنة رسول الله وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام وأداء الحقوق وقال المعين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله ولا زاد إلا التقوى ولا عمل إلا الصبر عليه وقال الأعمال بالتوفيق والتوفيق من الله ومفتاحه الدعاء والتضرع وطريقة سهل تشبه طريق الملامتية وله كرامات كثيرة وكان يعتقد مذهب مالك رضي الله عنهما انتهى ملخصاً وقال في الحليلة عامة كلامه في تصفية الأعمال من المعايب والإعلال وأسند عنه فيها أنه قال من كان اقتداؤه بالنبي لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء سوى ما أحب الله ورسوله وقال الدنيا كلها جهل إلا العلم منها والعلم كله وبال إلا العمل به والعمل كله هباء منصور إلا

(2/183)


184 الإخلاص فيه والإخلاص أنت منه على وجل حتى تعلم هل قبل أملا انتهى ملخصاً أيضاً وقال الشيخ الكبر محي الدين محمد بن عربي الحاتمي الطائي رضى سهل بن عبد الله التستري رأيت إبليس فعرفته وعرف أتى عرفته فجرى بيننا كلام ومذاكرة كان من آخره أن قلت له لم تسجد لآدم فقال غيرة مني عليه أن أسجد لغيره فقلت هذا لا يكفيك بعد أن أمرك وأيضاً فآدم قبلة والسجود له تعالى ثم قلت له وهل تطمع بعد هذا في المغفرة فقال كيف لا أطمع وقد قال تعالى ( ^ ورحمتي وسعت كل شيء ) قال فوقفت كالمتحير ثم تذكرت ما بعدها فقلت إنها مقيدة بقيود قال وما هي قلت قوله تعالى بعدها ( ^ فسأكتبها للذين يتقون ) الآية قال فضحك وقال الله ما ظننت أن الجهل يبلغ بك هذا المبلغ أما علمت أن القيد بالنسبة إليك لا بالنسبة إليه قال فو الله لقد أفحمني وعلمت أنه طامع في مطمع انتهى فتأمل وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المروزي ثم البغدادي الحافظ صاحب الجرح والتعديل أخذ عن أبي حفص الفلاس وطبقته قال أبو نعيم بن عدي ما رأيت أحفظ منه وقال بكر بن محمد الصيرفي سمعته يقول شربت بولي في طلب هذا الشأن خمس مرات وقال الذهبي في المغني قال عبدان كان يوصل المرسل وقال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( لابن خراش الحالة الرذيلة * ذا رافضي جرحه فضيلة ) وقال فيشرحها هو عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش أبو محمد كان حافظاً بارعاً من الحالين لكن لم ينفعه ما وعى هو رافضي شيخ شين صنف كتاباً في مثالب الشيخين قال الذهبي هذا والله الشيخ المغتر الذي ضل سعيه انتهى ما أورده ابن ناصر الدين ملخصاً

(2/184)


185 وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري كان رئيساً معظماً ديناً خراً روى عن أبي الولي الطيالسي وجماعة قاله في العبر وفيها محمد بن سليمان بن الحرث أبو بكر الباغندي محدث واسطي نزل بغداد وحدث عن الأنصاري وعبيد الله بن موسى وكان صدوقاً وهو والد الحافظ محمد بن محمد فيها تمتام الحافظ أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب الضبي البصري في رمضان ببغداد روى عن أبي نعيم وعفان وطبقتهما وصنف وجمع وهو ثقة وفيها عبد الله بن محمد بن ملك بن هاني أبو أحمد النيسابوري لقبه عبدوس كان من الأعيان قال ا بن ناصر الدين في بديعة البيان ( ثم الرضى تمتام الضبي * محمد بن غالب البصري ) ( كذا فتى محمد عبدوس * كل جميل فاضل رئيس ) سنة أٍبع وثمانين ومائتين فيها كما قال في الشذور ظهرت ظلمة بمصر وحمرة في السماء شديدة حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الأرض فيراه أحمر وكذلك الحيطان وغيرهما من العصر إلى العشاء فخرج الناس يدعون اله تعالى ويستغيثون إليه ووعد الناس المنجمون بالغرق فغارت المياه واحتاجوا إلى الإستسقاء انتهى وفيها كما قاله في العبر قال محمد جرير عزم المعتضد علىلعنة معاوية على المنابر فخوفه الوزير من اضطراب العامة فلم يلتفت إليه وتقدم إلى العامة بلزوم أشغالهم وترك الإجتماع ومنع القصاص من الكلام ومن اجتماع الحلق في الجوامع وكتب كتاباً ف يذلك واجتمع له الناس يوم الجمعة بناء على أن الخطيب يقرؤه فما قرىء وكان من إنشاء الوزير عبيد الله وهو طويل فيه

(2/185)


186 مصايب ومعايب فقال القاضي يوسف بن يعقوب يا أمير المؤمنين أخاف الفتنة عند سماعه فقال إن تحركت العامة وضعت فيهم السيف قال فما تصنع بالعلوية الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت مالوا إليهم وصاروا بسط السنة فأمسك المعتضد انتهى وفيها توفي محدث نيسابور ومفيدها أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي الحافظ سمع قتيبة وطبقته وكان مع سعة روايته راهب عصره مجاب الدعوة وفيها أبو يعقوب إسحاق بن الحر الحربي سمع أبا نعيم والقعنبي وكان ثقة صاحب حديث وفيها أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي المنبجي البحتري أمير شعراء العصر وحامل لواء القريض أخذ عن أبي تمام الطائي قال المبرد أنشدنا شاعر دهره ونسيج وحده أبو عبادة البحتري قال ابن الأهدل نسبة إلى بحتر جد من أجداده واسمه الوليد بن عبيد أخذ عن أبي تمام الطائي ومدح المتوكل ومن بعده وكان أقام ببغداد دهرا ثم رجع إلى الشام وعرض أول شعره على أبي تمام وهو بحمص فقال له أنت أشعر من أنشدني وكتب له بذلك فعظم وبجل وروى عنه قال لما سمع أبو تمام شعري أقبل على تقريظي والتقريض بالظاء والضاد مدح الإنسان في حياته بحق أو باطل وعنه قال لما أنشدت أبا تمام أنشد بيت أوس بن حجر بفتح الحاء والجيم ( إذا مقرم منا ذرا حد نابه * تخمط فينا ناب آخر مقرم ) وقال نعيت إلى نفسي فقلت أعيذك بالله فقال إن عمري ليس بطويل وقد نشأ لطيء مثلك فمات أبو تمام بعد هذا بسنة وقال لغلامه مرة وهو مريضا صنع لي مزورة وعنده بعض الرؤساء جاء عائدا له فقال ذلك الرئيس عندي طباخ من صفته كذا وكذا ونسى الرئيس أمرها فكتب إليه البحتري ( وجدت وعدك زورا في مزورة * حلفت مجتهدا إحكام طاهيها )

(2/186)


187 ( فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها * ولا علت كف ملق كفه فيها ) ( فاحبس رسولك عني أن يجيء بها * فقد حبست رسولا عن تقاضيها ) وله بيتان في هجو رجل اسمه شهاب وفي فمهم معنيهما عسروهما ( قد كنت أعهد أن الشهب ثاقبة * فقد رأيناه شهابا وهو مثقوب ) ( في كفه الدهر أم في ظهره قلم * فنصفه كاتب والنصف مكتوب ) وأخبره كثيرة وكان شعره غير مرتب فرتبه أبو بكر الصولي على الحروف ثم جمعه على بن حمزة الأصبهاني على الأنواع مثل حماسة أبي تمام وسئل أبو العلاء المعري عنه وعن أبي تمام والمتنبي فقال هما حكيمان والشاعر البحتري انتهى وقال ابن خلكان قال البحتري أنشدت أبا تمام شعرا لي في بعض بني حميد وصرت به إلى مال خطر فقال لي أحسنت أنت أمير الشعراء من بعدي فكان قوله هذا أحب إلى من جميع ما حويته وقال ميمون ابن مهران رأيت أبا جعفر أحمد بن يحي بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ وحاله متماسكة فسألته فقال كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء فقال لست أقبل الأمن قال مثل قول البحتري في المتوكل ( فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما * في وسعه لمشى إليك المنبر ) فرحت إلى داري وأتيته وقلت قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري فقال هته فأنشدته ( ولو أن برد المصطفى إذ لسته * يظن لظن البرد أنك صاحبه ) ( وقال وقد أعطيته وكسيته * نعم هذه أعطافه ومناكبه ) فقال ارجع إلى منزلك وافعل ما آمرك به فرجعت فبعث لي سبعة آلاف دينار وقال ادخر هذه للحوادث من بعدي ولك على الجراية والكفاية ما دمت حيا ومن أخبار البحتري أنه كان له غلام اسمه نسيم فباعه فاشتراه أبو الفضل الحسن بن وهب الكاتب ثم إن البحتري ندم على بيعه وتتبعته

(2/187)


188 نفسه فكان يعمل الشعر ويذكر فيه أنه خدع وأن بيعه له لم يكن عن مراده فمن ذلك قوله ( أنسيم هل للدهر وعد صادق * فيما يؤمله المحب الوامق ) ( مالي فقدتك ي المنام ولم تزل * عون المشوق إذا جفاه الشائق ) ( اليوم جاز بي الهوى مقداره * في أهله وعلمت أني عاشق ) ( فليهنأ الحسن بن وهب إنه * يلقى أحبته ونحن نفارق ) وكان البحتري كثيرا ما ينشد لبعض الشعراء ويعجبه قوله ( حمام الأراك ألا فاخبرينا * لمن تندبين ومن تعولينا ) ( فقد شقت بالنوح منا القلو * ب وأبكيت بالندب منا العيونا ) ( تعالى نقم مأتمنا للهموم * ونعول إخواننا الظاعنينا ) ( ومسعد كن وتسعدننا * فإن الحزين يوافى الحزينا ) وأخباره ومحاسنه كثيرة فلا حاجة إلى الإطالة وكانت ولادته سنة ست أو سبع وقيل خمس وقيل اثنتين وقيل إحدى ومائتين والأول أصح وتوفي سنة أربع وقيل خمس وقيل ثلاث وثمانين ومائتين والأول أصح انتهى ما ذكره ابن خلكان ملخصا وفيها والصحيح أنه في التي قبلها كما جزم بها ابن الأهدل وقدمه ابن خلكان فقال توفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وقيل ست وسبعين ومائتين أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وقيل ابن جرجيس المعروف بابن الرومي مولى عبد الله بن عيسى بن جعفر المنصور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقىفيه بقية وكان شعره غير مرتب ثم رتبه أبو بكر الصولي على الحروف وله القصائد المطولة والمقاطيع البديعة وله في الهجاء كل شيء ظريف وكذلك

(2/188)


189 في المديح فمن ذلك قوله ( المنعمون وما منوا على أحد * يوم العطاء ولو منوا لما مانوا ) كمضن بالمال أقوام وندهم * وفر وأعطى العطايا وهو يدان ) وله وقال ما سبقني أحد إلى هذا الحد ( آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم * في الحادثات إذا دجون نجوم ) ( منها معالم للهدى ومصابح * تجلوا الدجى والأخريات رجوم ) ومن معانيه البديعة قوله ( وإذا امرؤ مدح امرأ لنواله * وأطال فيه فقد أراد هجاءه ) ( لو لم يقدر فيه بعد المستقى * عند الورود لما أطال رشاءه ) وقال في بغداد وقد غاب عنها في بعض أسفاره ( بلد صحبت بها الشيبة والصبا * ولبست ثوب العز وهو جديد ) ( وإذا تمثل في الضمير رأيته * وعليه أغصان الشباب تميد ) وكان سبب موته أن الوزير أبا الحسن بن عبد الله وزير المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه فدس عليه مأكلا مسموما في مجلسه فلما أحس بالسم قام فقال له الوزير أين تذهب قال إلى الموضع الذي بعثتني إليه فقال سلم على والدي فقال ما طريقي على النار وخرج إلى منزله فأقام أياما ومات وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط في بعض العقاقير قال نفطويه رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت ما حالك فأنشد ( غلط الطبيب على غلطة مورد * عجزت موارده عن الإصدار ) والناس يلحون الطبيب وإنما * غلط الطبيب إصابة المقدار ) وقال أبو عثمان الناجمة الشاعر دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه فلما قمت من عنده قال لي منشدا

(2/189)


190 ( أبا عثمان أنت حميد قومك * وجودك في العشيرة دون نومك ) ( تزود من أخيك فما تراه * يراك ولا تراه بعد يومك ) وبالجملة فمحاسنه كثيرة وله في الطيرة أشياء معروفة فلا نطيل بذلك والله أعلم سنة خمس وثمانين ومائتين فيها على ما قال في الشذور ارتفعت ريح صفراء بنواحي الكوفة ثم استحالت سوداء وارتفعت ريح البصرة كذلك ومطر وبرد في الواحدة مائة وخمسون انتهى وفيها وثب صالح بن مدرك الطائي في طيء فانتبهوا الركب العراقي وبدعوا وسبوا النسوان وذهب للناس ما قيمته ألف ألف دينار قاله في العبر وفيها توفي الإمام الحبر إبراهيم بن إسحاق بن بشير أبو إسحاق الحربي الحافظ أحد أركان لدين والأئمة والأعلام ببغداد في ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما وتفقه علىالإمام أحمد وبرع في العلم والعمل وصنف التصانيف الكثيرة وكان يشبه أحمد بن حنبل في وقته قال المراودي في الإنصاف كان إماما في جميع العلوم متقنا مصنفا محتسبا عابدا زاهدا نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة جدا حسانا جيادا انتهى وفيها إسحاق بن إبراهيم الدبري المحدث راوي عبد الرزاق بصنعاء عن سن عالية اعتنى به أبوه وأسمعه الكتب من عبد الرزاق في سنة عشر ومائتين وكان صدوقا وفيها أبو العباس المبرد محمد بن يزيد الأزدي البصري إمام أهل النحو في زمانه وصاحب المصنفات أخذ عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وتصدر للاشتغال ببغداد وكان وسيما مليح الصورة فصيخا مفوها أخباريا علامة ثقة توفي في آخر السنة قاله في العبر وقال ابن

(2/190)


191 خلكان كان إماما في النحو واللغة وله التآليف النافعة في الأدب منها كتاب الكامل ومنها الروضة والمقتضب وغير ذلك أخذ الأدب عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وأخذ عنه نفطويه وغيره من الأئمة وكان المبرد المذكور وأبو العباس أحمد ين يحي الملقب بثعلب صاحب كتاب الفصيح عالمين متعاصرين قد ختم بهما تاريخ الأدباء وفيهما يقول بعض أهل عصرهما من جملة أبيات وهو أبو بكر بن الأزهر ( أبا طالب العلم لا تجهلن * وعذ بالمبرد أو ثعلب ) ( تجد عند هذين علم الورى * فلا تك كالجمل الأجرب ) ( علوم الخلائق مقرونة * بهذين في الشرق والمغرب ) وكان المبرد يحب في المناظرة بثعلب والاستنكار منه ثعلب يكره ذلك ويمتنع منه حكى جعفربن أحمد بن حمدان الفقيه الموصلي وكان صديقهما قال قلت لأبي عبد الله الدينوري ختن ثعلب لم يأبى ثعلب الاجتماع بالمبرد فقال لأن المبرد حسن العبارة حلو الإشارة فصيح اللسان ظاهر البيان وثعلب مذهبه مذهب المعلمين فإذا اجتمعا في محفل حكم للمبرد على الظاهر إلى أن يعرف الباطن انتهى ملخصا سنة ست وثمانين ومائتين فيها التقى إسماعيل بن أحمد بن أسد الأمير وعمرو بن الليث الصفار بما وراء النهر فانهزم أصحاب عمرو وكانا قد ضجروا منه ومن ظلم خراجه ولا سيما أهل بلخ فإنهم نالهم بلاء شديد من الجند فانهزم عمرو إلى بلخ فوجدها مغلوقة ففتحوا له والجماعة يسيرة ثم وثبوا عليه وقيدوه وحملوه إلى إسماعيل أمير ما وراء النهر فلما أدخل إليه قام له واعتنقه وتأدب فإنه كان في أمراء عمرو وغير واحد مثل إسماعيل وأكبر وبلغ ذلك المعتضد وبلغ ذلك المعتضد ففرح وخلع على إسماعيل خلع

(2/191)


192 السلطنة وقلده خراسان وما وراء النهر وغير ذلك وأرسل إليه يلح عليه في إرسال عمرو بن الليث فدافع فلم ينفع فبعثه وأدخل على جمل بعد أن كان يركب في مائة ألف وسجن ثم خنق وقت موت المعتضد وفيها ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنابي القرمطي وقويت شوكته وانضم إليه جمع من الأعراب فعاث وأفسد وقصد البصرة فحصنها المعتضد وكان أبو سعيد كيالا بالبصرة وجنابة من قرى الأهواز قال الصولي كان أبو سعيد فقيرا يرفو غربال الدقيق فخرج إلى البحرين وانضم إليه طائفة من بقايا الزنج واللصوص حتى تفاقم أمره وهزم جيوش الخليفة مرات وقال غيره ذبح أبو سعيد الجنابي في حمام بقصره وخلفه ابنه أبو طاهر الجنابي القرمطي الذي أخذ الحجر الأسود وفيها توفي أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ أبو الفضل رفيق مسلم في الرحلة إلى قتيبة قال ابن ناصر أحمد بن سلمة البزار أبو الفضل النيسابوري كان حافظا من المهرة له صحيح كصحيح مسلم انتهى وفيها الزاهد الكبير أحمد بن عيسى أبو سعيد الخزاز شيخ الصوفية وهو أول من تكلم في علم الفناء والبقاء قال الجنيد لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخزاز لهلكنا وعن أبي سعيد قال رأيت إبليس في المنام وهو عني ناحية فناديته فقال أي شيء أعمل بكم وأنتم طرحتم ما أخادع الناس به غير أن لي فيكم لطيفة وهي صحبة الأحداث وقال السلمي في التاريخ أبو سعيد إمام القوم في كل فن من علومهم بغدادي الأصل له في مبادئ أمره عجائب وكرامات مشهورة ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه وهو أحسن القوم كلاما ما خلا الجنيد فإنه الإمام ومن كلامه كل باطن يخافه ظاهر فهو باطن وقال الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت ثان وقال السخاوي في طبقاته قال أبو سعيد إن الله عز وجل لأرواح أوليائه التلذذ بذكره والوصول إلى قربه وعجل

(2/192)


193 لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم وأخذ لهم نصيبهم من كل كائن فعيش أبدانهم عيش الجنانيين وعيش أرواحهم عيش الربانيين لهم لسانان لسان في الباطن يعرفهم صنع الصانع في المصنوع ولسان في الظاهر يعلمهم علم الخالق في المخلوق وقال مثل النفس يظهر عند المحن والفاقة والمخالفة ما فيها ومن لم يعرف ما في نفسه كيف يعرف ربه وقال في معنى حديث جبلت القلوب على حب من أحسن إليها واعجبا ممن لا يرى محسنا إليه غير الله كيف لا يميل بكليته إليه قال ابن كثير وهذا الحديث ليس بصحيح لكن كلامه عليه من أحسن ما يكون انتهى وفيها عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي مولى الزهريين روى عن السيرة عن ابن هشام وكان ثقة وهو أخو المحدثين أحمد ومحمد وفيها علي بن عبد العزيز أبو الحسن البغوي المحدث بمكة وقد جاوز التسعين سمع أبا نعيم وطبقته وهو عم البغوي عبد الله بن محمد وكان فقيها مجاورا في الحرم وشيخه ثقة ثبتا وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين حيث قال في منظومته ( كذا فتى سوادة السلامي * هلاكه رزية في العام ) وقال في شرحها هو عبد الله بن أحمد بن سوادة الهاشمي مولاهم البغدادي أبو طالب كان صدوقا من المكثرين انتهى ثم قال في المنظومة ( وبعده ثلاثة فجازوا * ذا أحمد بن سلمة البزاز ) وتقدم الكلام عليه ( كذا الفتى محمد بن سندي * كالخشني القرطبي عد ) وقال في شرحها محمد بن محمد بن رجاء بن السندي الاسفرايني أبو بكر وكان

(2/193)


194 حافظاً ثبتاً تقوم به الحجة والإحتجاج وله مستخرج على صحيح مسلم بن الحجاج والثاني هو محمد بن عبد السلام بن ثعلبة القرطبي أبو الحسن ثقة انتهى وفيها محمد بن وضاح الحافظ الإمام أبو عبد الله الأندلسي محدث قرطبة وهو في عشر التسعين رحل مرتين إلى المشرق وسمع إسمعيل بن أويس وسعيد ابن منصور والكبار وكان فقيراً زاهداُ قانتاً لله بصيراً بعلل الحديث وفيها الكديمي وهو أبو العباس محمد بن يونس القرشي السامني الحافظ في جمادى الآخرة وقد جاوز المائة بيسير روى عن أبي داود الطياليسي وزوج أمه روح بن عبادة وطبقتهما وله مناكير ضعف بها قال في المغني هالك قال ابن حبان وغيره كان يضع الحديث على الثقات انتهى وقال ابن ناصر الدين كان من الحافظ الأعلام غير أنه أحد المتروكين ثقة إسمعيل الخطبي وكأنه خفى عليه أمره انتهى سنة سبع وثمانين ومائتين في المحرم قصدت طى ركب العراق لتأخذه كعام أول بالمعدن وكانوا في ثلاثة آلاف وكان أمير الحاج أبو الأغر فواقعهم يوماً وليول والتحم القتال وجلت الأبطال ثم أيد الله الوفد وقتل رئيس طى صالح بن مدرك وجماعة من أشراف قومه وأسر خلق وانهزم الباقون ثم دخل الركب بالأسرى والرءوس على المراح وفيها سار العباس الغنوى في عسكر فالتقى أبا سعيد الجنابي فأسر العباس وانهزم عسكره وقيل بل أسر سائر العسكر وضربت رقابهم وأطلق العباس فجاء وحدث إلى المعتضد برسالة الجنابي أن كف عنا واحفظ حرمتك

(2/194)


195 قال ابن الجوزي في الشذور ومن العجائب أن المعتضد بعث العباس بن عمر الغنوى في عشرة آلاف إلى حرب القرامطة فقبض عليهم القرامطة فنجا العباس وحدث وقتل الباقون وفيها غزا المعتضد وقصد طرسوس إلى أنطاكية وحلب وفيها سار الأمير بدر فبيت القرامطة وقتل منهم مقتلة عظيمة وفيها وفي الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل الشيباني البصري الحافظ قاضي أصبهان وصاحب المصنفات وهو في عشر التسعين في ربيع الآخر سمع من جده لأمه موسى بن إسمعيل وأبى الوليد الطياليسي وطبقتهما وكان إماما ًفقيهاً ظاهرياً صالحاً ورعاً بير القدر صاحب مناقب قال السخاوي في طبقاته أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ورد أصبهان وسكنها وولى القضاء بعد وفاة صالح بن أ حمد بن حنبل وكان من الصيانة والعفة بمحل عجيب رؤى في النوم بعد موته بقليل فقيل ل ما فعل الله بك قال يؤنسني ربي قال الرائي فشهقت شهقة وانتبهت وقال ذهبت كتبي فأمليت من ظهر قلبي خمسين أف حديث وقيل له أيها القاضي بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية وهم يلقمون الرمل فقال واحد من القوم أنك قادر على أن تطعمنا خبيصاً على لون هذا الرمل فأذاهم بأعرابي وبيده طبق فسلم عليهم ووضع بين أيدهم طبقاً عليه خبيص حار فقال ابن أبي عاصم قد كان ذاك وكان الثلاثة عثمان بن صخر الزاهد استاذ أبي تراب النخشبي وأبو بتراب وأحمد بن عمرو وأي صاحب الترجمة وهو الذي دعا وقالبو موسى المديني دمع بين العلم والفهم والحفظ والزهد والعبادة والفقه من أهل البصرة قدم أصبهان وصحب جماع من النساك منهم أبو تراب النخشبي وسافر معه وقد عمر وكان فقيهاً ظاهري ألم ذهب وصنف الرد على داود الظاهري وكان بعد ما دخل في القضاء إذا سئل عن مسئلة

(2/195)


195 الصوفية يقول القضاء والدنية في علم الصوفية وكان يقول لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع ولا مدعي ولا طعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء ولا منحرف عن الشافعي وأصحاب الحديث رحمه الله تعالى وفيها زكريا بن يحي السجزي الحافظ أبو عبد الرحمن خياط السنة بدمشق وقد نيف على التسعين روى عن شيبان بن فروخ وطبقته وكان من علماء الأثر ثقة قيل توفي في سنة تسع وثمانين وبه جزم ابن ناصر الدين وفيها يحي بن منصور أبو سعيد الهروي الحافظ شيخ هراة ومحدثها وزاهدها في شعبان وقيل توفي سنة اثنتين وتسعين وفي رجها قطر الندى بنت الملك خمارويه بن أحمد بن طولون زوجة المعتضد وكانت شابة بديعة الحسن عاقلة رحمها الله تعالى سنة ثمان وثمانين ومائتين فيها ظهر أبو عبد الله الشيعي بالمغرب فدعا العامة إلى الإمام المهدي عبيد الله فاستجابوا له وفيها كان الوباء المفرط بأذربيجان حتى فقدت الأكفان وكفنوا باللبود ثم بقي الموتى مطروحين في الطرق ومات أمير أذربيجان محمد بن أبي الساج وسبعمائة من خواصه وأقربائه وفيها بشر بن موسى الأسدي بن صالح بن شيخ بن عميرة البغدادي في ربيع الأول ببغداد روى عن هوذة بن خليفة والأصمعي وسمع من روح عبادة حديثا واحدا وكان ثقة محتشما كثير الرواية عاش ثمانيا وتسعين سنة وفيها ثابت بن قرة بن هارون ويقال ابن هارون الحاسب الحكيم الحراني كان في مبدأ أمره بحران ثم انتقل إلى بغداد فاشتغل بعلوم الأوائل فمهر

(2/196)


197 فيها وبرع في الطب وكان الغالب عليه الفلسفة حتى قال ابن خلكان كان صائبي النحلة وله تآليف كثيرة في فنون من العلم مقدار عشرين تأليفا منها تارخ حسن وأحد كتاب اقليدوس فهذبه ونقحه وأوضح منه ما كان مشتبها وكان من أعيان أهل عصره في الفضائل وجرى بينه وبين أهل العلم مذهبه أشياء أنكروها عليه في المذهب فرفعوه إلى رئيسهم فأنكر عليه مقالته ومنعه من دخول الهيكل فناب ورجع عن ذلك ثم عاد بعد مدة إلى تلك المقالة فمنعوه من الدخول إلى المجمع فخرج من حران ونزل كفر توثا قرية كبيرة بالجزيرة الفراتية وأقام بها مدة إلى أن قدم محمد بن موسى من بلاد الروم راجعا إلى بغداد فاجتمع به فرآه فاضلا فصيحا فاستصحبه إلى بغداد وأنزله في داره ووصله بالخليفة فأدخله في جملة المنجمين فسكن بغداد وأولد أولادا منهم ولده إبراهيم بن ثابت بلغ رتبة أبيه في الفضل وكان من حذاق الأطباء ومقدم أهل زمانه في صناعة الطب وعالج مرة السري الرفاء الشاعر فأصاب العافية فعمل فيه وهو أحسن ما قيل في طبيب ( هل للعليل سوى ابن قرة شاف * بعد الإله وهل له من كاف ) ( أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي * أودى وأوضح رسم طب عاف ) ( فكأنه عيسى بن مريم ناطقا * يهب الحياة بأبيسر الأوصاف ) ( مثلث له قارورتي فرأى بها * ما اكتن بين جوانحي وشفافي ) ( يبدو له الداء الخفي كما بدا * للعين رضراض الغدير الصافي ) ومن حفدة ثابت المذكور أبو الحسن ثابت بن سنان بن قرة وكان من صائبي النحلة أيضا وكان في أيام معز الدولة بن بويه وكان طبيبا عالما نبيلا يقرأ عليه كتاب بقراط وجالينوس وكان فكاكا للمعاني وكان سلك مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة والهندسة وجميع الصناعات الرياضية

(2/197)


198 للقدماء وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه فائدة الحراني نسبة إلى حران وهي مدينة مشهورة بالجزيرة خرج منها علماء أجلاء منهم بنو تيمية وغيرهم ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه إن هاران عم إبراهيم الخليل وأبو زوجته سارة هو الذي عمرها فسميت به ثم عربت به فقيل حران وكان لإبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وبقية الأنبياء وسلم أخ يسمى بهاران أيضا وهو والد لوط عليه السلام وقال في الصحاح وحران اسم بلد والنسبة إليه حرنائي على غير قياس والقياس حراني على ما عليه العامة انتهى وفيها أي سنة ثمان وثمانين توفي مفتي بغداد الفقيه عثمان بن سعيد بن بشار أبو القسم البغدادي الأنماطي صاحب المزني في شوال وهو الذي نشر مذهب الشافعي ببغداد وعليه تفقه ابن سريج قاله في العبر وقال الأسنوي والأنماطي منسوب إلى الأنماط وهي البسط التي تفرش أخذ الفقه عن المزني والربيع وأخذ عنه ابن سريج قال الشيخ أبو إسحاق كان الأنماطي هو السبب في نشاط الناس للأخذ بمذهب الشافعي في لك البلاد قال ومات ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين زاد ابن الصلاح في طبقاته وابن خلكان في تاريخه أنه في شوال نقل عنه الرافعي في الحيض وفي زكاة الغنم وغيرهما انتهى ما قاله الأسنوي وفيها معلى بن المثنى بن معاذ البصري المحدث روى عن القعنبي وطبقته وسكن بغداد وكان ثقة عارفا بالحديث وفيها الفقيه العلامة أبو عمر يوسف بن يحي المغامي الأندلسي تلميذ عبد الملك بن حبيب وصاحب التصانيف ألف كتابا في الرد على الشافعي واستوطن القيروان وتفقه به خلق كثير قاله في العبر

(2/198)


199 سنة تسع وثمانين ومائتين قال في الشذور فيها صلى الناس العصر يوم عرفة ببغداد في ثياب الصيف ثم هبت ريح فبرد الهواء حتى احتاجوا إلى التدفي بالنار وجمد الماء انتهى وفيها خرج بالشام يحي بن زكرويه القرمطي وقصد دمشق فحاربه طغج ابن جف متوليها غير مرة إلى أن قتل يحي في أول سنة تسعين وفيها توفي المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق ولي عهد المسلمين أبي أحمد طلحة بن المتوكل بن جعفر بن المعتصم العباسي في ربيع الآخر ومرض أياما وكانت خلافته أقل من عشر سنين وعاش ستا وأربعين سنة وكان أسمر نحيفا معتدل الخلق تغير مزاجه من إفراط الجماع وعدم الحمية في مرضه وكان شجاعا مهيبا حازما فيه تشيع ويسمى السفاح الصغير لأنه قتل أعداء بني العباس من مواليهم وغيرهم وكان قد حلب الدهر أشطريه وتأدب بصروف الزمان وكان من أكمل الخلفاء المتأخرين وولي الأمر بعده ولده المكتفي علي بن أحمد المعتضد قال ابن الفرات كان المعتضد بالله من أكمل الناس عقلا وأعلاهم همة مقداما سخيا وضع عن الناس السقاية وأسقط المكوس التي كانت تأخذ بالحرمين وضبط الأمر وكانت الخلافة قو وهى أمرها وضعف فأعزها الله تعالى بالمعتضد أم ولد تسمى صرار وكان له خادم يقال له بدر من أغزر الناس مروءة وأظرفهم وأحسنهم أدبا وكان المعتضد يحبه حبا شديدا قال أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي كنت يوما بين يدي المعتضد وهو مغضب إذ دخل عليه خادمه بدر فلما رآه تبسم وقال لي يا علي من هو قائل ( في وجهه شافع يمحو إساءته * من القلوب وجيها أينما شفعا )

(2/199)


200 قلت بقوله الحسن بن أبي القاسم البصري فقال لله دره أندني بقية هذا الشعر فأنشدته قوله ( ويلي على من أطار النوم فامتنعا * وزاد قلبي إلى أوجاعه وجعا ) ( كأنما الشمس من أعطافه لمعت * يوما أو البدر من أزراره طلعا ) ( مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت * منه الذنوب ومعذور بما صنعا ) في وجهه شافع البيت قال فلما فرغت من إنشاده أجازني وانصرفت قال ابن حمدون كنت مع المعتضد يوما وقد انفرد من العسكر وتوسطنا الصحراء إذ خرج علينا أسد وقرب منا وقصدنا فقال لي يا ابن حمدون فيك خير قلت لا والله يا سيدي قال ولا تلزم لي فرسي قلت بلى فنزل عن فرسه ولزمتها وتقدم إلى الأسد وأنا أنظره وجذب سيفه فوثب الأسد عليه ليلطمه فتلقاه بضربة وقعت في جبهته فقسمها نصفين ثم وثب الأسد ثانية وثبة ضعيفة فتلقاه بضربة أخرى وقعت أبان بها يده ثم وثب المعتضد عليه فركبه ورمى السيف من يده وأخرج سكينا كانت في وسطه فذبحه من قفاه ثم قام وهو يمسح السكين والسيف بشعر الأسد وعاد ركب فرسه وقال إياك أن تخبر بهذا أحدا فإنما قتلت قال بابن حمدون فما حدثت بهذا إلا بعد موت المعتضد وكان الثوب يقيم عليه السنة والأقل والأكثر لا ينزعه عن بدنه لكقثرة اشتغاله بأمور الرعية ومات في يوم الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الآخر وقيل مات ليلة الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الآخر ولما حضرته الوفاة أنشد ( تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى * وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرقا ) ( ولا تأمنن الدهر إني أمنته * فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقا ) ( قتلت صناديد الرجال ولم أدع * عدوا ولم أمهل على ظنة خلقا )

(2/200)


201 ( وأخليت دار الملك من كل نازع * فشردتهم غربا وشردتهم شرقا ) ( فلما بلغت النجم عزا ورفعة * وصارت رقاب الخلق لي أجمعا رقا ) ( رماني الردى سهما فأخمد جمرتي * فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى ) ( ولم يغن عني ما جمعت ولم أجد * لدى ملك الأحياء في حيها رفقا ) ( فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى * أفي نعمة لله أم ناره ألقى ) ويقال إن إسماعيل بن بلبل وزير المعتضد ومقدم جيوشه عمل الوزير القسم بن عبيد الله عليه ووحش قلب المكتفي بالله عليه وكان في جهة فارس يحارب فطلبه المكتفى وبعث إليه أمانا وغدر به وقتله في رمضان وفيها بكر بن سهل الدمياطي المحدث في ربيع الأول سمع عبد الله بن يوسف التنيسي وطائفة ولما قدم القدس جمعوا له ألف دينار حتى روى لهم التفسير وفيها حسين بن محمد أبو علي القباني النيسابوري الحافظ صاحب المسند والتاريخ سمع إسحاق بن راهويه وخلقا من طبقته وكان أحد أركان الحديث واسع الرحلة كثير السماع يجتمع أصحاب الحديث إليه بنيسابور بعد مسلم وفيها الحسين بن محمد بن فهم أبو علي البغدادي الحافظ أحد أئمة الحديث أخذ عن يحي بن معين وروى الطبقات عن ابن سعد قال ابن ناصر الدين الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم بن محرز البغدادي أبو علي الحافظ الكبير كان واسع الحفظ متقنا للأخبار عالما بالرجال والنسب والأشعار لكنه ليس بالقوي في سيره عند الدارقطني وغيره انتهى وفيها علي بن عبد الصمد الطيالسي ولقبه علان روى عن أبي معمر الهذليوطبقته وفيها عمرو بن الليث الصفار الذي كان ملك خراسان قتل في الحبس عند

(2/201)


202 موت المعتضد لأنه كان له إياد علي المكتفي بالله فخاف الوزير أن يخرجه ويتمكن فينتقم من الوزير وفيها محمد بن محمد أبو جعفر التمار البصري صاحب أبي الوليد الطيالسي وفيها محمد بن هشام بن الدميك أبو جعفر الحافظ صاحب سليمان بن حرب ببغداد وهو والذي قبله من أكابر مشايخ الطبراني وفيها يحي بن أيوب العلاف المصري صاحب أسد السنة وهو أيضا من كبار شيوخ الطبراني والله أعلم
سنة تسعين ومائتين فيها زاد أمر القرامطة وحاصر رئيسهم دمشق ورئيسهم يحي بن زكرويه وكان زكرويه هذا يدعى أنه من أولاد علي رضي الله عنه ويكتب إلى أصحابه من عبيد الله بن عبد الله المهدي المنصور بالله الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله الداعي إلى كتاب الله الذاب عن حريم الله المختار من ولد رسول الله فقتل وخلفه أخوه الحسين صاحب الشامة فجهز المكتفي عشرة آلاف لحربهم عليهم الأمير أبو الأغر فلما قاربوا حلب كبستهم القامطة ليلا ووضعوا فيهم السيف فهرب أبو الأغر في ألف نفس ودخل حلب وقتل تسعة آلاف ووصل المكتفي إلى الرقة وجهز الجيوش إلى أبي الأغر وجاءت من مصر العساكر الطولونية مع بدر الحمامي فهزموا القرامطة وقتلوا منهم خلقا وقيل بل كانت الوقعة بين القرامطة والمصريين بأرض مصر وأن القرمطي صاحب الشامة انهزم إلى الشام ومر على الرحبة وهيت ينهب ويسبي

(2/202)


203 الحريم حتى دخل الأهواز وفيها دخل عبيد الله الملقب بالمهدي المغرب متنكرا والطلب عليه من كل وجه فقبض عليه متولي سجلماسة وعلى ابنه فحاربه أبو عبد الله الشيعي داعي المهدي فهزمه ومزق جيوشه وجرت بالمغرب أمور هائلة واستولى على المغرب المهدي المنتسب إلى الحسين بن علي أيضاً بكذبه وكان باطني الإعتقاد وهو الذي بني المهدية والباطنية فرقة من المبتدعة قالوا لظواهر القرآن بواطن مرادة غير ما عرف من معانيها اللغوية وفيها الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني ببغداد في جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة كأبيه وكان إماما صخيراً بالحديث وعالمه مقدماً فيه وكان من أروى الناس عن أبيه وقد سمع من صغار شيوخ أبيه وهو الذي رتب من سد والده وروى عنه أبو القسم البغوي والمحاملي وأبو بكر الخلال وغيرهم وكان ثبتاً فهماً ثقة ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين يقال إن والده حفظه خمسة عشر ألف حديث ظهر قلب ثم قال له لم يقل النبي شيئاً من هذا فقال ولم أذهبت أيامي في حفظ الكذب قال لتعلم الصحيح فمن الآن احفظ الصحيح وروى عبد الله عن أبيه أنه قال قد روى عن رسول الله أنه قال نسمة المؤمن إذا مات طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه وذكر أبو يعلى في المعتمد قال روى عبد الله عن أبيه قال أرواح الكفار في النار وأرواح الكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ويرحم من يشاء ولا نقول إنهما تفنيان بل هما على علم الله عز وجل باقيتان قال القاضي أبو يعلى وظاهر هذا أن الأرواح تنعم وتعذب على الإنفارد وكذلك الأبدان وقال عبد الله كان في دهليزنا دكان وكان إذا جاء

(2/203)


204 إنسان يريد أبى أن يخلو معه أجاسه على الدكان وإذا لم يرد أن يخلو معه أخذ بعضادتي الباب وكلمه فلما كان ذات يوم جاء إنسان فقال لي قل لأحمد أبو إبراهيم السائح فخرج إليه أبي فجلسا على الدكان فقال لي أبى سلم عليه فإنه من كبار المسلمين أو من خيار المسلمين فسلمت عليه فقال لأبي حدثني يا أبا إبراهيم فقال له خرجت إلى الموضع الفلاني بقرب الدير الفلاني فأصابتني علة منعتني من الحركة فقلت في نفسي لو كنت بقرب الدير الفلاني لعل من فيه من الرهبان يداووني فإذا أنا بسبع عظيم يقصد نحوى حتى جاءني فاحتملني على ظهره حملا رفيقاً حتى ألقاني عند الدير فنظر الرهبان إلى حالى مع السبع فأسلمة اكلهم وهم أربعمائة راهب ثم قال أبو إبراهيم لأبي حدثني يا أبا عبد الله فقال له أبي كنت قبل الحج بخمس ليال أو أربع ليال فبينا أنا نائم إذ رأيت النبي فقال لي يا أحمد حج فانتبهت ثم أخذني النوم فإذا أنا النبي فقال لي يا أحمد حج فانتبهت وكان من شأني إذا أردت سفراً جعلت في مزود لي فتيتا ففعلت ذلك فلما أصبحت قصدت نحو الكوفة فلما انقضى بعض النهار إذا أنا بالكوفة فدخلت مسجد الجامع فإذا أنا بشاب حسن الوجه طيب الريح فقلت سلام عليكم ثم كبرت اصلى فلما فرغت من صلاتي قلت له رحمك الله هل بقى أحد يخرج إلا لحج فقال لي انتظر حتى يجيىء اخ من أخواننا فإذا أنا برجل فيمثل حالي فلم نزل نسير فقال الذي معي رحم كالله إن رأيت أن ترفق بنا فقال له الشاب إن كان معنا أحمد بن حنبل فسوف يرفق بنا فوقع في نفسي أنه الخضر فقلت للذي معي هل لك في الطعام فقال لي كل مما تعرف وآكل مما أعرف ولما أصبنا من الطعام غاب الشاب من بين أيدينا ثم رجع بعد فراغنا فلما كان بعد ثلاث إذا نحن بمكة ومات عبد الله يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادى الآخرة

(2/204)


205 وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدين وهذا لفظ بديعته ( بعد الإمام ابن الإمام المفضل * ذاك الرضى بن أحمد بن حنبل ) وأحمد الأبار وابن النضر * ذا أحمد قرطمة كالبحر ) ( محمد البوشنجي خذه الخامسا * وعد بالأذان ذاك السادسا ) فأما الأبار فهو أحمد بن علي بن مسلم النخشبي البغدادي محدث بغداد وكان ثقة فاضلا جامعا محصلا كاملا وأما ابن النضر فهو أحمد بن النضر ابن عبد الوهاب أبو الفضل النيسابوري حدث عنه البخاري وهو أكبر منه وكان البخاري ينزل عليه وعلى أخيه محمد بنيسابور وتحديثه عنهما في صحيحه مشهور وأما قرطمة فهو محمد بن علي البغدادي أبو عبد الله وكان أحد الأئمة الرحالين والحفاظ المجودين المعدلين وهذا غير قرطمة وراق سفيان بن وكيع فإن ذاك من المجروحين وأما البوشنجي فهو محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى العبدي أبو عبد الله الفقيه المالكي كان رأسا في علم اللسان حافظا علامة من أئمة هذا الشأن قالفي العبر البوشنجي الإمام الحبر أبو عبد الله شيخ أهل الحديث بخراسان رحل وطوف وروى عن أحمد بن يونس ومسدد والكبار وكان من أوعية العلم قد روى عنه البخاري حديثا في صحيحه عن النفيلي وآخر من روى عنه إسماعيل بن نجيد انتهى وأما أبو الأذان فهو عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزمي ثم البغدادي نزيل سامرا وكنيته أيضا أبو بكر كان من الثقات الأخيار وقال ابن ناصر الدين في بديعته أيضا ( وقبل تسعين قضى القويم * العنبري الطوسي إبراهيم ) قالها في شرحها هو إبراهيم بن إسماعيل الطوسي أبو إسحاق وكان حافظا علامة له رحلة إلى عدة أقطار وصنف المسند فأتقنه وأحكمه وكان محدث أهل عصره بطوس وزاهدهم بعد شيخه محمد بن أسلم انتهى

(2/205)


206 وفيها أي سنة تسعين محمد بن زكريا الغلابي الأخباري أبو جعفر بالبصرة روى عن عبد الله بن رجاء الغداني وطبقته قال ابن حبان يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات وقال في المغني قال الدارقطني يضع الحديث انتهى وفيها محمد بن يحي بن المنذر أبو سليمان القزاز بصري معمر توفي في رجب وقد قارب المائة أو كملها روى عن سعيد بن عامر الضبعي وأبي عاصم والكبار سنة إحدى وتسعين ومائتين فيها خرجت الترك في جيش لجب فاستنفر إسماعيل بن أحمد الناس عامة وكبس الترك في الليل فقتل منهم مقتلة عظيمة وكانت من الملاحم الكبار ونصر الله تعالى لكن أصيب المسلمون من جهة أخرى خرجت الروم في مائة ألف فوصلوا إلى الحديث فقتلوا وسبوا وأحرقوا ورجعوا سالمين فنهض جيش من طرسوس عليهم غلام زرافة فوغلوا في الروم حتى نازلوا أنطاكية مدينة صغيرة قريبة من قسطنطينية العظمى فافتتحوها عنوة وقتلوا من الروم نحو خمسة آلاف وغنموا غنيمة لم يعهد مثلها بحيث أنه بلغ سهم الفارس ألف دينار ولله الحمد وأما القرطمي صاحب الشامة واسمه حسين فعظم به الخطب والتزم له أهل دمشق بمال عظيم حتى ترحل عنهم وتملك حمص وسار إلى حماة والمعرة فقتل وسبى وعطف إلى بعلبك فقتل أكثر أهلها ثم سار فأخذ سلمية وقتل أهلها قتلا ذريعا حتى ما ترك بها عينا تطرف وجاء جيش المكتفي فالتقاهم بقرب حمص فكسروه وأسر خلق من جنده وركب هو وابن عمه الملقب بالمدثر فاخترقوا ثلاثتهم البرية فمروا بدالية بن طوق فأنكرهم وإلى تلك الناحية فقررهم فاعترف صاحب الشامة فحملهم إلى المكتفى فقتلهم وأحرقهم وقام القرامطة بعدهم أخوهما أبو الفضل وسار إلى أذرعات وبصرى

(2/206)


207 من وران والبثينة من أعمال دمشق فخرج إليه السلطان حمدان حمدون التغلبي فهزمه القرمطي وسار إلى هيت وحرقها بالنار بعد قتل أهلها ورجع إلى ناحية البرفأ نفذ المكتفي جيشاً عظيماً فخاف أصحاب القرمطي إحاطة الجيوش بهم فقتله رجل منهم يعرف بأبى الذيب غيلة وحمل رأسه إلى المكتفي ثم خرج بعدهم من القرامطة زكرويه بن مهرويه وقيل هو أبو من تقدم ذكره وعاث في البلاد فأكثر فيه الفساد وقتل ثلاثة ركوب راجعة من الحج وبلغ عدد المقتولين منهم خمسين ألفاً وقيل أن هذا العدد في الركب الثالث وحده وخذلهم الله على يدي وصيف بن صول الجزري وأسر زكرويه جرياً وخذلهم الله على يدي وصيف بن صول الجزري وأسر زكرويه جريحاً ومات من الغد وحمل رأسه إلى المكتفي ببغداد وفيها توفي علامة الأدب أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم العبسى البغدادي شيخ اللغة والعربية حدث عن غير واحد وعنه غير واحد منهم الأخفش الصغير وسمع من القواريري مائة ألف حديث فهو من المكثرين وسيرته في الدين والصلاح مشهورة قاله ابن ناصر الدين وقال ابن مجاهد المصري قال ثعلب اشتغل أهل القرآن والحديث والفقه بذلك ففازوا واستغلت بزيد وعمر وليت شعري ما يكون حظى في الآخرة قال ابن مجاهد فرأيت النبي في المنام فقال لي أقرىء أبا العباس ثعلب عني السلام وقل له أنت ص احب العلم المستطيل قال العبد الصالح أبو عبد الله الروذباري أراد أن الكلام به يكمل والخطاب به يجمل وأن جميع العلوم تفتقر غليه صنف ثعلب التصانيف المفيدة منها كتاب الفصيح وهو صغير الحجم كبير الفائدة وكتاب القراءات وكتاب إعراب القرآن وغير ذلك وكان ثقة صالحاً مشهوراً بالحفظ والمعرفة وكان أصم فخرج من الجامع بعد العصر وفي يديه كتاب ينظر إليه وهو يمشى

(2/207)


208 فصدمته فرس فألقته في هوة فأخرج منها وهو كالمختلط فمات في اليوم الثاني وكان حنبلياً قال ابن أبي يعلى في طبقاته قال ثعلب كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل فصرت إليه فلما دخلت عليه قال لي فيم تنظر فقلت في النحو والعربية فأنشدني أبو عبد الله أحمد بن حنبل ( إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل * خلوت ولكن قل على رقيب ) ( ولا تحسبن الله يغفل ما مضى * ولا أن ما يخفى عليه يغيب ) ( لهونا عن الأيام حتى تتابعت * ذهوب على آثارهن ذنوب ) ( فيا ليت أن اله يغفر ما مضى * ويأذن في توباتنا فنتوب ) انتهى وفيها على بن الحسين بن الجنيد الرازي الحافظ الكبير الثقة أبو الحسن في آخر السنة ويعرف بالمالكي لتصنيفه حديث مالك طوف الكثير وسع أبا جعفر النفيلي وطبقته وعاش نيفاً وثمانين سنة وقنبل قارىء أهل مكة وهو أبو عمرو ومحمد بن عبد الرحمن المخزومي مولاهم المكي وله ست وتسعون سنة شاخ وهرم وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنسن قرأن على أبي الحسن القواس ورحل إليه القراء وجاوروا وحملوا عنه وفيها القسم بن عبيد الله الوزير ببغداد وزر المعتضد وللمكتفي وكان أبوه أيضاً وزير المتضد وكان القسم قليل التقوي كثر الظلم وكان يدخله من ضياعه قي العام سبعمائة ألف دينار ولما مات أظهر الناس الشماتة بموته وفيها محمد بن أحمد بن البراء القاضي أبو الحسن العبدي ببغداد روى عن ابن المديني وجماعة وفيها محمد بن أحمد بن النظر بن سملة الجارودي أبو بكر الأزدي ابن بنت معوية بن عمرو وله خمس وتسعون سنة روى عن جده أو القعنبي وكان إماماً فظاً ثقة من الرؤساء

(2/208)


209 وفيها محدث مكة محمد بن علي بن زيد الصائغ في ذي القعدة وهو في عشر المائة روى عن القعنبي وسعيد بن منصور وفيها مقرئ أهل دمشق هرون بن عيسى بن موسى بن شريك المعروف بالأخفش صاحب ابن ذكوان في عشر المائة سنة اثنتين وتسعين ومائتين فيها خرج عن الطاعة صاحب مصر هرون بن خمارويه الطولوني فسارت جيوش المكتفي لحربه وجرت لهم وقعات ثم اختلف أمراء هارون واقتتلوا فخرج ليسكنهم فجاءه سهم فقتله ودخل الأمير محمد بن سليمان قائد جيش المكتفي فتملك الإقليم واحتوى على الخزائن وقتل بضعة عشر رجلا وحبس طائفة وكتب بالفتح إلى المكتفي وقيل إنه هم بالمضي إى المكتفي أعني هارون فامتنع عليه أمراؤه وشجعوه فأبى فقتلوه غيلة ولم يمتع محمد بن سليمان فإنه أرعد وأبرق وخيف من غيلته وغلبته على بلاد مصر وكاتب وزير المكتفي القواد فقبضوا عليه وفيها خرج الخلنجي القائد بمصر وحارب الجيوش واستولى على مصر وفيها توفي القاضي الحافظ أبو بكر المروزي أححمد بن علي بن سعيد قاضي حمص في آخر السنة روى عن ابن الجعد وطبقته وحدث عنه الطبراني وغيره وكان ثقة أحد أوعية العلم وفيها الحافظ أبو بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير في ربيع الأول بالرملة روى عن هدبة بن خالد وأقرانه وحدث في آخر عمره بأصبهان والعراق والشام قال الدارقطني ثقة يخطئ ويتكل على حفظه وقال في المغني أحمد بن عمرو وأبو بكر البزار الحافظ صاحب المسند صدوق قال أبو أحمد الحاكم يخطئ في الإسناد والمتن انتهى وفيها أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد الحافظ أبو جعفر

(2/209)


210 المهدي المصري المقرىء قرأ القرآن على أحمد بن صالح وروى عن سعيد ابن عفير وطبقته وفيه ضعف قال إن عدي يكتب حديثه وأبو مسلم الكجى إبراهيم بن عبد الله البصري الحافظ صاحب السنن ومسند الوقت في المحرم وقد قارب المائة وكملها سمع أبا عاصم النبيل والأنصاري والكبار وثقة الدارقطني وكان محدثاً حافظاً محتشماً كبير الشأن قيل أنه لما فرغوا من سماع السنن عليه وعمل لهم مأدبة غرم عليها ألف دينار تصدق بجملة منها ولما قدم بغداد ازدحموا عليه حتى حزر مجلسه بأربعين ألفاً وزيادة وكان في المجلس سبعة مستملين كل واحد يبلغ الآخر وفها إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرىء المحدث يوم الأضحى ببغداد وله نحو من تسعين سنة روى عن عاصم بن علي وطبقته وقرأ القرآن على خلف وتصدر للإقراء والعلم الدارقطني هو فوق الثقة بدرجة وفيها محدث واسط بحشل وهو الحافظ أبو الحسن أسلم بن سهل الرزاز روى عنده لأمه وهب بن بقية وطبقته وصنف التصانيف وهو ثقة ثبت وفيها قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي ببغداد وكان من القضاة العادلة له أخبار ومحاسن ولما احتضر كان يقول يا رب من القضاء إلى القبر ثم يبكي روى عن بندار وفيها عيسى بن محمد بن عيسى الطماني المروزي الغوي ذكر عنه ابن السبكي في طبقاته الكبرى قصة مطولة ملخصها قال الحاكم سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي يقول إني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارنيف فخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت شيئاً في منامها فهي لا تأكل شيئاً ولا تشرب من حين ذلك ثم مررت

(2/210)


211 بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثني بحديثها فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا وهذه المدينة على مدرجة القوافل وكان الكثير ممن ينزلها إذا بلغتهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ فمضيت في إثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البدنة ظاهرة الدم متوردة الخدين ذكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب فعرضت عليها مركبا فلم تركبه وأقبلت تمشي معي بقوة وكان ذكر لي الثقات من أهل تلك الناحية إنه كان من يلي خوارزم من العمال يحصرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقون عليها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها اقتصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وإنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأن لها منه عدة أولاد وأن الأقطع ملك الترك قتل من قريتهم خلقا كثيرا من جملتهم زوجها ولم يبق دار إلا حمل إليها قتيل قالت فوضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي أولاد قالت واجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله أسأله الصبر وأن يجبر يتم صبياني فنمت في سجودي فرأيت كأني في أرض خشناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل أيتها الحرة خذي

(2/211)


ذات اليمين فأخذت
212 ذات اليمين فدفعت إلى أرض طيبة الثرى ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض ليس لهاحافات فانتهيت إلى قوم جلوس خلقا عليهم ثياب خضر وقد علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء ووجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه لبائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلتها فلما استقرت في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما حييت في الدنيا فانتبهت من نومي شبعاء رياء لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما من ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا تأكل الناس قلت فهل تتغذى بشيء أو تشربي شيئا غير الماء فقالت لا قلت والحيض وأظنها قالت انقطع بانقطاع الطعم قلت فهل تحتاجين حاجة الرجال إلى النساء قالت أما تستحي مني تسألني عن مثل هذا قلت أي لعلي أحدث الناس عنك ولا بد أن أستقصي قالت لا أحتاج قلت أفتنامين قالت نعم أطيب نوم قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون قلت فتجدي لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بالجوع منذ طعمت ذلك الطعام وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا بها قد اتخذت كيسا ضمنته القطن وشدته على بطنها كيلا ينقصف ظهرها إذا مشت هذا ملخص ما أورده ابن السبكي وقال ابن الأهدل فيها أي سنة اثنتين ومائتين عيسى بن محمد المروزي اللغوي وهو

(2/212)


213 الذي رأى بخوارزم امرأة بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب وروى اليافعي عن الشيخ صفي الدين أنه ذكر أن امرأة ببحيرة مصر قامت ثلاثين سنة لا تأكل ولا تشرب في مكان واحد ولا تتألم بحر أو برد انتهى ما قاله ابن الأهد بحروفه وقاله في العبر وفيها أي سنة ثلاث وتسعين عيسى بن محمد أبو العباس الطهماني المروزي اللغوي كان إماما في العربية روى عن إسحاق بن راهويه وهو الذي رأى بخوارزم المرأة التي بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الإمام أبو العباس الهروي فقيه محدث صاحب تصانيف رحل إلى الشام والعراق وحدث عن أبي حفص الفلاس وطبقته وفيها يحي بن منصور الهروي أبو سعد أحد الأئمة الثقات في العلم والعمل حتى قيل إنه لم ير مثل نفسه روى عن سويد بن نصر وطبقته سنة ثلاث وتسعين ومائتين فيها التقي الخليجي المتغلب على مصر وجيش المكتفي بالعريش فهزمهم أقبح هزيمة وفيها عاثت القرامطة بالشام وقتلوا وسبوا وما أبقوا ممكنا بحوران وطبرية وبصري ودخلوا السماوة فطلعوا إلى هيت فاستباحوها ثم وثبت هذه الفرقطة الملعونة على زعيمها أبي غانم فقتلوه ثم جمع رأس القوم زكرويه والد الصاحب الشامة جموعا ونازل الكوفة فعاقله أهلها ثم جاءه جيش الخليفة فالتقاهم وهزمهم ودخل الكوفة يصيح قومه يا ثارات الحسين يعنون صاحب الشامة والد زكرويه لا رحمه الله قاله في العبر وفيها سار فاتك المعتضدي فالتقى الخليجي فانهزم الخليجي وكثر القتل في جيشه واختفى الخليجي فدل عليه رجل فبعثه فاتك في عدة من قواده إلى

(2/213)


214 بغداد فأدخلوا على الجمال وحبسوا وفيها توفي أبو العباس النائي الشاعر المتكلم عبد الله بن محمد بمصر قال ابن خلكان أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي الأنباري المعروف باين شرشير الشاعر كان من الشعراء المجيدين وهو في طبقة ابن الرومي والبحتري وأنظارهما وهو النائي الكبر وكان نحوياً عروضياً متكلماً أصله من الأنبار وأقام ببغداد مدة طويلة ثم خرج إلى مصر وأقام بها إلى آخر عمره وكان متبحراً في عدة علوم من جملتها على المنطق وكان بقوة علم الكلام نقض علل النجاة وأدخل على قواعد العروض شبها ومثلها بغير أمثلة الخليل وكل ذلك لحذقه وقوة فطنته وله قصيدة في فنون من العلم على روى واحد تبلغ أربعة آلاف بيت وله تصانيف جميلة وله أشعار كثيرة في جوارح الصيد وآلاته وما يتعلق بها كأنه كان صاحب صيد وقد استشهد كشاجم بشعره في كتاب المصايد والمطارد في مواضع فمن ذلك قوله في طريدة في وصف باز ( لما تفرى الليل عن اثباجه * وارتاح ضوء الصبح لانبلاجه ) ( غدوت أبغي الصيد في منهاجه * يا مقراً أبدع في نتاجه ) ( ألبسه الخالق من ديباجه * وشيا يحار الطرف في اندراجه ) ( في نسق منه وفي انعراجه * وزان فوديه إلى حجاجه ) ( يزينة كفته نظم تاجه * منشرة تنبىء عن خلاجه ) ( وظفره ينبىء عن علاجه * لو استضاء المرء في إدلاجه ) ( بعينه كفته عن سراجه * ) ومن شعره في جارية مغنية بديعة الجمال ( فديتك لو أنهم أنصفوك * لردوا النواظر عن ناظريك ) ( تردين أعيننا عن سواك * وهل ت نظر العين إلا إليك ) ( وهم جعلوك رقيباً علينا * فمن ذا يكون رقيباً عليك )

(2/214)


215 ( ألم يقرؤا ويحهم ما يرون * من وحي حسنك في وجنتيك ) وشرشير بكسر الشينين المعجمتين وبينهما راء ساكنة ثم ياء مثناة من تحتها وبعدها راء اسم طائر يصل إلى الديار المصرية في البحر في زمن الشتاء وهو أكبر من الحمام بقليل وهو كثير الوجود بساحل دمياط وباسمه سمى الرجل والله أعلم انتهى ملخصا وفيها محمد بن أسد المديني أبو عبد الله الزاهد كان يقال إنه مجاب الدعوة عمره أكثر من مائة سنة وحدث عن أبي داود الطيالسي بمجلس واحد قال في المغني محمد بن أسد المديني الأصبهاني آخر أصحاب أبي داود الطيالسي قال أبو عبد اله بن مندة حدث عن أبي داود بمناكير انتهى وفيها محمد بن عبدوس واسم عبدوس عبد الجبار بن كامل السراج الحافظ ببغداد في رجب روى عن علي بن الجعد وطبقته وحدث عنه الطبراني وهو ثقة وفيها أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي روى عنه ابن قانع والطبراني وغيرهما وكان إماما حافظا ذا دراية وعبدان عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد المروزي الحافظ النبيه حدث عنه الطبراني وغيره وكان من الأئمة الحفاظ سنة أربع وتسعين ومائتين فيها أخذ ركب العراق زكرويه القرمطي وقتل الناس قتلا ذريعا وسبى نساء وأخذ ما قيمة ألفي ألف دينار وبلغت عدة القتلى عشرين ألفا ووقع البكاء والنوح في البلدان وعظم هذا على المكتفي فبعث الجيش لقتاله وعليهم وصيف بن صوار تكين فالتقوا فأسر زكرويه وخلق من أصحابه وكان مجروحا فمات إلى لعنة الله بعد خمسة أيام فحمل ميتا إلى بغداد وقتل أصحابه ثم أحرقوا وتمزق أصحابه في البرية

(2/215)


216 وفيها توفي الحافظ الكبير أبو علي صالح بن محمد بن عمرو الأسدي البغدادي جزرة محدث ما وراء النهر نزل بخارى وليس معه كتاب فروى بها الكثير من حفظه روى عن سعدويه الواسطي وعلي بن الجعد وطبقتهما ورحل إلى الشام ومصر والنواحي وصنف وجرح وعدل وكان صاحب نوادر ومزاح قال ابن ناصر الدين حدث عن خلق منهم يحي بن معين وعنه مسلم خارج صحيحه وغيره وهو ثقة ثبت انتهى وفيها صباح بن عبد الرحمن أبو الغصن العتقي الأندلسي المعمر مسند العصر بالأندلس روى عن يحي بن يحي وأصبغ بن الفرج وحنون قال ابن الفرضي بلغني أنه عاش مائة وثمانية عشر عاما وتوي في المحرم وعبيد العجل الحافظ وهو أبو علي الحسين بن محمد بن حاتم في صفر قال ابن ناصر الدين هو تلميذ يحي بن معين وحدث عنه الطبراني وكان من الحفاظ المتقنين وفيها محمد بن الإمام إسحاق بن راهويه القاضي أبو الحسن روى عن أبيه وعلي بن المديني قتل يوم أخذ الركب شهيدا وفيها محمد بن أيوب بن يحي بن الضريس الحافظ أبو عبد الله البجلي الرازي محدث الري يوم عاشوراء وهو في عشر المائة روى عن مسلم بن إبراهيم والقعنبي والكبار وجمع وصنف وكان ثقة ومحمد بن معاذ دران الحلبي محدث تلك الناحية أصله من البصرة روى عن القعنبي وعبد الله بن رجاء وطبقتهما ورحل إليه المحدثون وفيها محمد بن نصر المروزي الإمام أبو عبد الله أحد الأعلام كان رأسا في الفقه رأسا في الحديث رأسا في العبادة ثقة عدلا خيرا قا الحافظ أبو عبد الله بن الأحزم كان محمد بن نصر يقع على أذنه الذباب في الصلاة

(2/216)


217 فيسيل الدم ولا يذبه كان ينتصب كانه خشبة وقال أبو إسحق الشيرازي كان من أعلم الناس بالإخلاق وصنف كتبا وقال شيخ في الفقه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم كان محمد بن نصر عندنا إماما فكيف بخراسان وقال غيره لم يكن للشافعية في وقته مثله سمع يحيى بن يحيى ويبان بن فروخ وطبقتهما وتوفي في المحرم بسمرقند وهو في عشر التسعين قال الأسنوي في طبقاته محمد بن نصر المروزي أحد أئمة الإسلام قال فيه الحاكم هو الفقيه العباد العلام إمام أهل الحديث فيعصره بلا مدافعة وقال الخطيب في تاريخ بغداد كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم ولد ببغداد سنة اثنتين ومائتين ونشأن بنيسابور وتفقه بمصر على أصحاب الشافعي وسكن سمرقند إلى أن توفي بها سنة أربع وتسعين ومائتين ذكره النووي في تهذيبه نقل عنه الرافعي في مواضع منها أنه قال يكفي في صحة الوصية الإشهاد عليه بأن هذا خطى وما فيه وصيتي وإن لم يعلم الشاهد ما فيه وفي طبقات العبادي عنه أنه يكفي الكتابة بلا شهادة بالكلية والمعروف خلاف الأمرين ومنها أن الأخوة ساقطون بالجد والمروزي نسبة إلى مرو زوادوا عليها الزاي شذوذا وهي إحدى مدن خراسان الكبار فإنها أربعة نيسابور وهراة وبلخ ومرو وهي أعظمها وأما مرو الروذ فأنها تستعمل مقيدة والروذ براء مهملة مضمومة وذال معجمة هو النهر بلغة فارس والنسبة إلى الأولى مروزي وإلى الثانية مروذى بثلاث راءات وقد يخفف فيقال مروذي وبين المدينتين ثلاثة أيام انتهى ما ذكره الأسنوي ملخصاً وفيها الإمام موسى بن هرون بن عبد الله أبو عمران البغدادي البزاز الحافظ ويعرف أبوه بالحمال كان إمام وقته في حفظ الحديث وعلله قال أبو بكر الضبعي ما رأينا في حفاظ الحديث أهيب ولا أورع من موسى بن هرون سمع على بن الجعد وقتيبة وطبقتهما وقال ابن ناصر الدين هو محدث العراق

(2/217)


218 حدث عنه خلق منهم الطبراني وكان إماما حافظا حجة سنة خمس وتسعين ومائتين فيها توفي إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري الحافظ أحد أركان الحديث روى عن إسحاق بن راهويه وطبقته قال عبد الله بن سعد النيسابوري ما رأيت مثل إبراهيم بن أبي طالب ولا رأي مثل نفسه وقال أبو عبد الله ابن الأخرم إنما أخرجت نيسابور ثلاثة محمد بن يحي ومسلم بن الحجاج وإبراهيم ابن أبي طالب وقال ابن ناصر الدين هو ثقة وإبراهيم بن معقل أبو إسحاق السانجني بفتح الجيم وسكون النون التي قبلها نسبة إلى سانجن قرية بنسف كان قاضي نسف وعالمها ومحدثها وصاحب التفسير والمسند وكان بصيرا بالحديث عارفا بالفقه والاختلاف روى الصحيح عن البخاري وروى عن قتيبة وهشام بن عمار وطبقتهما وفيها الحافظ أبو علي الحسن بن علي بن شبيب المعمري نسبة إلى جده لأمه محمد سفين بن حميد المعمري صاحب وعاش اثنتين وثمانين سنة وله أفراد وغرائب مغمورة في سعة علمه قال ابن ناصر الدين كان من أوعية العلم تكلم فيه عدة وقواه آخرون انتهى وقال في المغني تفرد برفع أحاديث تحتمل له انتهى وفيها الحكم بن معبد الخزاعي الفقيه مصنف كتاب السنة بأصبهان روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن المثنى وطبقتهما وكان من كبار الحنفية وثقاتهم وفيها أبو شعيب الحراني عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الأموي المؤدب نزيل بغداد في ذي الحجة روى عن يحي البابلتي وعفان وعاش تسعين

(2/218)


219 سنة وكان ثقة وأمير خراسان وما وراء النهر إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان في صفر ببخارى وكان ذا علم وعدل وشجاعة ورأي وكان يعرف بالأمير الماضي أبي إبراهيم جمع بعض الفضلاء شمائله في كتاب وكان ذا اعتناء زائد بالعلم والحديث قاله في العبر وفيها أبو علي عبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ أحد أركان الحديث ببلخ سمع قتيبة وطبقته وصنف التاريخ والعلل وفيها المكتفي بالله أبو الخليفة أبو الحسن علي بن المعتضد أحمد بن أبي أحمد الموفق بن المتوكل بن العتصم العباسي وله إحدى وثلاثون سنة وكان وسيما جميلا بديع الجمال معتدل القامة دري اللون أسود الشعر استخلف بعد أبيه وكانت دولته ست سنين ونصفا وتوفي في ذي القعدة وفيه يقول أحد أعيان الأدباء وقد أبان زوجته عن نشوز وعقوق ( قايست بين جمالها وفعالها * فإذا الملاحة بالخلاعة لا تفي ) ( والله لا راجعتها ولو أنها * كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي ) وقيل للمكتفي في مرضه الذي مات فيه لو وكلت بعبد الله بن المعتز ومحمد ابن المعتمد قال ولما قيل لأن الناس يرجفون لهما بالخلافة بعدك فتكون مستظهرا حتى لا يخرج الأمر عن أخيك جعفر فقال وأي ذنب لهما أليس هما من أولاد الخلفاء وإن يكن ذلك فليس بمنكر والله يؤتي الملك من يشاء فلا تتعرضوا لهما وكان المتفي كثير العساكر كثير المال يخص أهل بيته بالكرامة والحباء الكثير ولم يل الخلافة بعد النبي من اسمه علي إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه والمكتفي بالله ولما توفي المكتفي ولي بعده أخوه المقتدر وله ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما ولم

(2/219)


220 يل أمر الأمة صبى قبله وفيها عيسى بن مسكين قاضي القيروان وفقه المغرب أخذ عن سحنون وبمصر عن الحرث بن مسكين وكان إماماً ورعا خاشعاً متمكناً من الفقه والآثار مستجاب الدعوة يشبه بسحنون في سمته وهيئته أكرهه ابن الأغلب الأمير على القضاء فولى ولم يأخذ رزقا وكان يركب حماراً ويستقى الماء لبيته رحمه الله تعالى ومحمد بن أحمد بن جعفر الإمام أبو جعفر الترمذي الفقيه كبير الشافعية بالعراق قبل ابن سريج في المحرم وله أربع وتسعون سنة وكان قد اختلط في أواخر أيامه وكان زاهداً ناسكاً قانعاً باليسير متعففا قال الدارقطني لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أورع منه وكان صبوراً على الفقر روى عن يحيى ابن بكير وجماعة وكان ثقة قال الأسنوي كان أولاً أبو جعفر حنفياً فحج فرأى ما يتقضى انتقاله لمذهب الشافعي فتفقه علىالربيع وغيره من أصحاب الشافعي وسكن بغداد وكان وروعاً زاهداً متقللاً جداً كانت نفقته في الشهر أربعة دراهم نقل عنه الرافعي مواضع قليلة منها أن فضلات النبي طاهرة وأن الساجد للتلاوة خارج الصلاة لا يكبر للإفتتاح لا وجوباً ولا استحبابا وأنه إذا رمى إلى حربي فأسلم ثم أصابه السهم فلا ضمان والمعروف خلافه فيهن ولد في ذي الحجة سنة ثمانين وتوفي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحمر سنة خمس وتسعين ومائتين وترمذ مدينة على طريق نهو جيحون وفهي ثلاثة أقوال الأول فتح التاء كسر الميم وهو المتدوال بين أولها والثاني كسرهما والثالث ضمهما قال وهو الذي يقول أهل المعرفة انتهى ملخصاً قال العلامة ابن ناصر الدين في بديعة ( ثم الحكيم الترمذي هواه * في ذلك الجرح الذي رماه ) ( لكنه مجهول عند الأكثر * موتاً وفيها كن حيا حرر )

(2/220)


221 وقال في شرحها أي في سنة خمس وثمانين لأنه قدم فيها نيسابور وأخذ عن علمائهم المأثور ونم حينئذ جهلت وفاته عند الجمهور وهو محمد ابن علي بن بشر الترمذي الحكيم أبو عبد الله الزاهد الحافظ كان له كلام في إشارات الصوفية واستنباط معان غامضة من الأخبار النبوية وبعضها تحريف عن مقصده وبسبب ذلك امتحن وتكلموا في معتقده وله عدة مصنفات في منقول ومعقول ومن أنظفها نوادر الأصول انتهى وفيها أي سنة خمس وتسعين توفي الحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل الأسمعيلي أحد المحدثين الكبار بنيسابور له تصانيف مجودة ورحلة واسعة سمع اسحق ابن راهويه وهشام بن عمار سنة ست وتسعين ومائتين دخلت والملأ يستصبون المقتدر ويتكلمون في خلافته فانفق طائفة على خلعه وخاطبوا عبد الله بن المعتز فأجاب بشرط أن لا يكون فيها حرب وكان رأسهم محمد بن داود بن الجارح وأحمد بن يعقوب القاضي والحسين بن حمدان واتفقوا على قتل المقتدر ووزيره العباس بن الحسن وفاتك الأمير فلما كان فيعاشر ربيع الأول ركب الحسين بن حمدان والوزير والأمراء فشد ابن حمدان على الوزير فقتله فأنكر فاتك قتله فعطف على فاتك فألحقه بالوزير ثم ساق ليثلث بالمقتدر وهو يلعب بالصوالجة فسمع الهيعة فدخل وأغلقت الأبواب ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب واستدعى ابن المعتز وحضر الأمراء والقضاة سوى خواص المقتدر فبايعوه ولقبوه الغالب بالله فاستوزر ابن الجراح واستحجب يمن الخادم ونفذت الكتب بخلافته إلى البلاد وأرسلوا إلى المقتدر ليتحول من دار الخلافة فأجاب ولم يكن بقي معه غير يونس الخادم ومونس الخازن وخاله الأمير غريب فتحصنوا وأصبح الحسين بن حمدان على محاصرتهم فرموه بالنشاب وتناخوا

(2/221)


222 ونزلوا على حمية وقصدوا ابن المعتز فانهزم كل من حوله وركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره وحاجبه وقد شهر سيفه وهو ينادي معاشر العامة ادعوا لخليفتكم وقصد سامرا ليثبت بها أمره فلم يتبعه كثير أحد وخذل فنزل عن فرسه فدخل دار ابن الجصاص واختفى وزيره ووقع القتل والنهب في بغداد وقتل جماعة من الكبار واستقام الأمر للمقتدر ثم أخذ ابن المعتز وقتل سرا وصودر ابن الجصاص وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات ونشر العدل واشتغل المقتدر باللعب وأما الحسين بن حمدان فأصلح أمره وبعث إلى ولاية قم وقاشان رجع إلى الكلام على ابن المعتز قال ابن خلكان رحمه الله تعالى أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس المبرد وأبي العباس ثعلب وغيرهما وكان أديبا بليغا شاعرا مطبوعا مقتدرا على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الإبداع للمعاني مخالطا للعلماء والأدباء معدودا من جملتهم إلى أن جرت له الكائنة في خلافة المقتدر واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين وبايعوا عبد الله المذكور ولقبوه المرتضى بالله وقيل المنصف بالله وقيل الغالب بالله وقيل الراضي بالله وأقام يوما وليلة ثم إن أصحاب المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم وأدوا المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم وأعادوا المقتدر إلى دسته واختفى ابن المعتز في دار أبي عبد الله بن الحسين المعروف بابن الجصاص الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه إلى مونس الخادم الخازن فقتله وسلمه إلى أهله ملفوقا في كساء وقيل إنه مات حتف أنفه وليس بصحيح بل خنقه مونس وذلك يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ودفن في

(2/222)


223 خرابة بإزاء داره رحمه الله تعالى ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع وأربعين وقال سنان بن ثابت سنة ست وأربعين ومائتين ثم قبض المقتدر على ابن الجصاص المذكور وأخذ منه المقتدر مقدار ألفي دينار وسلم له بعد ذلك مقدار سبعمائة ألف دينار وكان في ابن الجصاص غفلة وبله وتوفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمس عشرة وثلثمائة ولعبد الله المذكور من التصانيف كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان بالشعر وكتاب الجوارح والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآداب وكتاب حي الأخبار وكتاب طبقات الشعراء وكتاب الجامع في الغناء وأرجوزة في ذم الصبوح ومن كلامه البلاغة البلوغ إلى المعنى ولم يطل سفر الكلام ورثاه علي بن بسام الشاعر بقوله ( لله درك من ميت بضيعة * ناهيك في العلم والآداب والحسب ) ( ما فيه لو ولا لولا فتنقصه * وإنما أدركته حرقة الأدب ) ولابن المعتز أشعار رائقة وتشبيهات بديعة فمن ذلك قوله ( سقى المطيرة ذات الظل والشجر * ودير عبدون هطال من المطر ) ( فطالما نبهتني للصبوح بها * في غرة الفجر والعصفور لم يطر ) ( أصوات رهبان دير في صلاتهم * سود المدارع نعارين في السحر ) ( مزنرين على الأوساط قد جعلوا * على الرؤوس أكاليلا من الشعر ) ( كم فيهم من مليح الوجه مكتحل * بالسحر يطبق جفنيه على حور ) ( حظته بالهوى حتى استقاد له * طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر ) ( وجاءني في قميص الليل مستترا * يستعجل الخطو من خوف ومن حذر ) ( فقمت أفرش خدي في الطريق له * ذلا وأسحب أذيالي على الأثر ) ( ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا * مثل القلامة قد قدت من الظفر )

(2/223)


224 ( وكان ما كان مما لست أذكره * فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر ) وله في الخمر المطبوخة وهو معنى بديع وفيه دلالة على أنه كان حنفي المذهب ( خليلي قد طاب الشراب المورد * وقد عدت بعد النسك والعود أحمد ) ( فهات عقارا في قميص زجاجة * كياقوتة في دره تتوقد ) ( يصوغ عليها الماء شباك فضة * له حلق بيض تحل وتعقد ) وقتني من نار الجحيم بنفسها * وذلك من إحسانها ليس يجحد ) وكان ابن المعتز شديد السمنة مسنون الوجه يخضب بالسواد ورأيت في بعض المجاميع أن عبد الله بن المعتز كان يقول أربعة من الشعراء سارت أسماؤهم بخلاف أفعالهم فأبو العتاهية سار شعره بالزهد وكان على الإلحاد وأبو نواس سار شعره باللواط وكان أزنى من قرد وأبو حكيمة الكاتب سار شعره بالعنة وكان أهب من تيس ومحمد بن حازم سار شعره بالقناعة وكان أحرص من كلب انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفي سنة ست وتسعين وصل إلى مصر أمير أفريقية زيادة الله بن الأغلب هاربا من المهدي عبيد الله وداعية أبي عبد الله الشيعي فتوجه إلى العراق وفيها أحمد بن حماد بن مسلم أخو عيسى زغبة التجيبي بمصر في جمادى الأولى روى عن سعيد بن أبي مريم وسعيد بن عفير وطائفة وعمر اربعا وتسعين سنة وفيها أحمد بن نجدة الهروي المحدث روى عن سعيد بن منصور وطائفة وفيها أحمد بن يحي الحلواني أبو جعفر الرجل الصالح ببغداد سمع أحمد ابن يونس وسعدويه وكان من الثقات وأحمد بن يعقوب أبو المثنى القاضي أحد من قام في خلع المقتدر تدينا ذبح صبرا

(2/224)


225 وخلف بن عمرو العكبري مجشم نبيل ثقة روى عن الحميدي وسعيد بن منصور وفيها أبو حصين الوداعي بكسر المهملة ثم نسبة إلى وادعة بطن من همدان وهو القاضي محمد بن الحسين بن حبيب في رمضان صنف المسند وكان من حفاظ الكوفة الثقات روى عن أحمد بن يونس وأقرانه وفيها محمد بن داود الكاتب أبو عبد الله الأخباري العلامة صاحب المصنفات كان أوحد أهل زمانه في معرفة أيام الناس أخذ عن عمرو بن شيبة وغيره وقتل في فتنة ابن المنذر سنة سبع وتسعين ومائتين قال ابن الجوزي في الشذور قال ثابت بن سنان المؤرخ رأيت في بغداد امرأة بلا ذراعين ولا عضدين ولهما كفان بأصابع معلقات في رأس كتفيها لا تعمل بهما شيئا وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها ورأيتها تغزل برجليها وتمد الطاقة وتسويها انتهى وفيها عبيد بن غنام بن حفص بن غياث الكوفي أبو محمد راوية أبي بكر ابن أبي شيبة ومكان محدثا صدوقا خيرا روى عن جبارة بن المغلس وطبقته وفيها محمد بن أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب أبو عبد الله الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ قال محمد بن كامل ما رأيت أحفظ من أربعة أحدهم محمد بن أحمد بن أبي خيثمة وكان أبوه يستعين به في تصنيف التاريخ سمع أبا حفص الفلاس وطبقته ومكات في عشر السبعين وفيها عمرو بن عثمان أبو عبد الله المكي الزاهد شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق صحب أبا سعيد الخراز والجنيد وروى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة قال السخاوي في طبقاته عمرو بن عثمان بن كرب بن غصص المكي أبو عبد الله كان ينتسب إلى الجنيد وكان ينتسب إلى الجنيد وكان قريبا منه في السن

(2/225)


226 والعلم وكان أحد الأعيان ولما ولي قضاء جدة هجره الجنيد فجاء إلى بغداد وسلم عليه فلم يجبه فلما مات حضر الجنيد جنازته ولم يصل عليه إماما ومن كلامه أعلم أن كل ما توهمه قلبك من حسنن أو بهاء أو أنس أو ضياء أو جمال أو شبح أو نور أو شخص أو خيال فالله بعيد من ذلك كله بل هو أعظم وأجل وأكبر ألا تسمع إلى قوله عز وجل ( ^ ليس كمثله شيء ) وقال ( ^ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) وقال المروءة التغافل عن زلل الإخوان وقال لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سر الله عند المؤمنين الموقنين انتهى ملخصا وفيها محمد بن داود بن علي الظاهري الفقيه أبو بكر أحد أذكياء زمانه وصاحب كتاب الزهرة تصدر للاشغال والفتوى ببغداد بعد أبيه وكان يناظر أبا العباس بن سريج وله شعر رائق وهو ممن قتله الهوى وله نيف وأربعون سنة قاله في العبر وفيها مطين وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي في ربيع الآخر بالكوفة وله خمس وتسعون سنة دخل على أبي نعيم وروى عن أحمد بن يونس وطبقته قال الدارقطني ثقة جبل وقال في الانصاف نقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا جيادا وفيها محمد بن عثمان بن أبي شيبة الحافظ ابن الحافظ أبو جعفر العبسي الكوفي نزيل بغداد في جمادى الأولى وهو في عشر التسعين روى الكثير عن أبيه وعمه وأحمد بن يونس وخلق وله تاريخ كبير وثقة صالح جزرة وضعفه الجمهور وأما ابن عدي فقال لم أر له حديثا منكرا فأذكره قال ابن ناصر الدين كذبه عبد الله بن الإمام أحمد وضعفه آخرون وقال بعضهم هو عصا موسى تلقف ما يأفكون انتهى 3 وفيها موسى بن إسحاق بن موسى النصاري الخطمي بالفتح والسكون

(2/226)


227 نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار القاضي أبو بكر الفقيه الشافعي بالأهواز وله سبع وثمانون سنة ولي قضاء نيسابور وقضاء الأهواز وحدث عن أحمد بن يونس وطائفة وهو آخر من حدث عن قالون صاحب نافع القارئ وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء وثقه ابن أبي حاتم وقطع ابن ناصر الدين بتوثيقه قال الأسنوي وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء حتى إن الخليفة أوصى وزيره به وبالقاضي إسماعيل وقال بهما يدفع البلاء عن أهل الأرض وكان كثير السماع سمع أحمد بن حنبل وغيره وكان لا يرى متبسما فقالت له يوما امرأته لا يحل لك أن تحكم بين الناس فإن النبي لا يحل للقاضي أن يقضي وهو غضبان فتبسم انتهى ملخصا وفيها يوسف بن يعقوب القاضي أبو محمد الأزدي ابن عم إسماعيل القاضي ولي قضاء البصرة وواسط ثم ولي قضاء الجانب الشرقي وولد سنة ثمان ومائتين وسمع في صغره من مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما وصنف السنن وكان حافظا دينا عفيفا مهيبا وقال ابن ناصر الدين ثقة سنة ثمان وتسعين ومائتين فيها ولي الحسين بن حمدان ديار بكر وربيعة وفيها خرج على عبيد الله المهدي داعياه أبو عبد الله الشيعي وأخوه أبو العباس وجرت لهما معه وقعة هائلة وذلك في جمادى الآخرة فقتل الداعيان وأعيان جندهما وصفا الوقت لعبيد الله فعصى عليه أهل طرابلس فجهز لحربهم ولده القائم أبا القاسم فأخذها بالسيف في سنة ثلثمائة وفيها توفي أبو العباس أحمد بن مسروق الطوسي الزاهد ببغداد في صفر وكان من سادات الصوفية ومحدثيهم روى عن علي بن الجعد وابن المديني وجمع

(2/227)


228 وصنف وهو من رحال الرسالة القشيرية وصحب المحاسبي والسقطي ومحمد بن منصور الفارسي وغيرهم وقال جعفر الخلدي سألته عن مسألة في العقل فقال يا أبا محمد من لم يحترز بعقله من عقله لعقله هلك بعقله وقال الزاهد الذي لا يملك مع الله سببا وقال لا يصلح السماع إلا المذبوح النفس محترق الطبع ممحق الهوى صافي السر طاهر القلب عالي الهمة دائم الوجد تام العلم كامل العقل قوي الحال وإلا خسر من حيث يلتمس الربح وضل من حيث يطلب الهدى وهلك بما يرجو به النجاة وليس في علوم التصوف علم ألطف ولا في طرقه طريق أدق من علم السماع وطريق أهله فيه وقال كثرة النظر في الباطن تذهب بمعرفة الحق من القلب وتوفي في صغر وله أربع وثمانون سنة ودفن في مقابر حرب بغداد وفيها قاض يالأنبار وخطيبها البليغ المصقع أبو محمد بهلول بن إسحق بن بهلول بن حسان التنوخي نسبة إلى تنوخ قبائل أقاموا بالبحرين كان ثقة صاحب حديث سمع بالحجاز سعيد بن منصور وإسماعيل بن أويس وفيها شيخ الصوفية تاج العارفين أبو القسم الجنيد بن محمد القواريري الخزاز بالزاي المكرزة صحب خاله السرى والمحاسبي وغيرهما من الجلة وصحبه أبو العباس بن سريج وكان إذا أفحم مناظريه قال هذا من بركة مجلستي للجنيد واصل الجنيد من نهاوند ونشأ بالعراق وتفقه على أبي ثور وقيل كان على مذهب سفين الثوري وكان يقول من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة وقال له خاله تكلم على الناس فاستصغر نفسه فرأى رسول الله يأمره بذلك فلما جلس لذلك جاءه غلام نصراني وقال ما معنى قوله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله فأطرق ساعة ثم رفع رأسه

(2/228)


229 وقال له أسلم فقد حان وقت إسلامك فأسلم الغلام ولما صنف عبد الله بن سعيد بن كلاب كتابه الذي ردفيه على جميع المذاهب سأل عن شيخ لا صوفية فقيل له الجنيد فسأله عن حقيقة مذهبه إفراد القدم عن الحدث وهجران الإخوان والأوطان ونسيان ما يكون وما كان فقال ابن كلاب هذا كلام لا يمكن فيه المناظرة ثم حضر مجلس الجنيد فسأله عن التوحيد فأجابه بعبارة مشتملة على المعارف ثم قال أعد على ل ابتلك العبارة ثم استعادة الثالثة فأعاده بعبارة أخرى فقال أمله على فقال لو كنت أجرده كنت أمليه فاعترف بفضله وقال الكعبي المعتزلي لبعض الصوفية رأيت لكم ببغداد شيخاً يقال له الجنيد ما رأت عيني مثله كان الكتبة يحضرونه لألفاظه والفلاسفة لدقة كلامه والشعراء لفصاحته والمتكلمون لمعانيه وكلامه ناء عن فهمهم وسئل السري عن الشكر والجنيد صبي يلعب فأجاب الجنيد هو أن لا يستعين بنعمه على معاصيه وسئل الجنيد عن العارف فقال من نطق عن سرك وأنت ساكت وقال الجنيد ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها قيل وما هي قال مررت بدرب القراطيس فسمعت جارية تغني من دار فأنصت لها فسمعتها تقول ( إذا قلت اهدى الهجر لي حلل البلى * تقولين لولا الهجر لم يطب الحب ) ( وإن قلت هذا القلب أحرقه الهوى * تقولي بنيران الهوى شرف القلب ) ( وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة * وجودك ذنب لا يقاس به ذنب ) فصعقت وصحت فبينما أنا كذلك إذا بصاحب الدار قد خرج وقال ما هذا يا سيدي فقلت له مما سمعت فقال هي هبة من ي إليك قلت قد قبلتها وهي حرة لوده الله تعالى ثم دفعتها لبعض أصحابنا بالرباط فولدت له ولداً نبيلاً ونشأ الجنيد أحسن نشء وحج على قدميه ثلاثين حجة وقال الجريري كنت واقفاً على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة ويوم نيروز الخليفة وهو يقرأ القرآن فقلت له يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال لي يا أبا

(2/229)


230 محمد أرأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوي صحيفتي وكان قد ختم القرآن الكريم ثم بدأ بالبقرة فقرأ سبعين آية ثم مات رحمه الله تعالى ومناقبه كثيرة ولو أرسلنا عنان القلم لسودنا أسفارا من مناقبه رضي الله عنه ودفن بالشوينزية عند خاله سري السقطي رضي الله عنهما وفيها العلامة أبو يحي زكريا بن يحي النيسابوري المزكي شيخ الحنفية وصاحب التصانيف بنيسابور في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة وكان ذا عبادة وتقى وفيها الزاهد الكبير أبو عثمان الحيري سعيد بن إسماعيل شيخ نيسابور وواعظها وكبير الصوفية بها في ربيع الآخر وله ثمان وستون سنة صحب العارف أبا حفص النيسابوري وسمع بالعراق من حميد بن الربيع وكان كبير الشأن مجاب الدعوة قاله في العبر وقال السلمي في التاريخ هو رازي الأصل ذهب إلى شاه الكرماني ووردا جميعا إلى نيسابور زائرين لأبي حفص ونزلا محلة الحيرة في دار علكان وأقاما بها أياما فلما أراد الشاه الخروج خرجا جميعا إلى قرية أبي حفص على باب مدينة نيسابور وهي قرية سمى كوزذاباذ فقال أبو حفص لأبي عثمان إلى الشاه فقال الشاه أطع الشيخ فرجع مع أبي حفص إلى نيسابور وخرج الشاه وحده وقال أبو عثمان صحبت أبا حفص وأنا شاب فطردني مرة وقال لا تجلس عندي فقمت من عنده ولم أول ظهري عليه وانصرفت أمشي إلى وراء ووجهي إلى وجهه حتى غبت عنه وجعلت في نفسي أن أحفر على بابه حفرة وأدخل فيها ولا أخرج منها إلا بأمره فلما رأى ذلك مني أدناني وقربني وجعلني من خواص أصحابه وقال أبو عمرو بن نجيد في الدنيا ثلاثة لا رابع لهم أبو عثمان بنيسابور والجنيد ببغداد وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام ومن كلامه من أمر السنة على نفسه

(2/230)


231 قولا وفعلاً نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول ( ^ إن تطيعوه تهتدوا ) وقال موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم ودفن بنيسابور في مقبرة الحيرة على الشارع مع فبر أستاذه أبي حفص وفيها فقيه قرطبة ومسند الأندلس أبو مروان عبيد الله بن الإمام يحيى ابن يحيى الليثي في عاشر رمضان وكان ذا حرمة عظيمة وجلالة روى عن والده الموطأ وحمل عنه بشر كثير وفيها محمد بن يحيى بن سليمان أبو بكر المروزي في شوال ببغداد روى عن عاصم بن علي وأبي عبيد وفيها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسن الخزاعي أبو العباس الأمير ببغداد ودفن عند عمه محمد بن عبد الله سمع من إسحق بن راهويه وغيره وولى إمرة خراسان بعد والده سنة ثمان وأربعين وهو شاب ثم خرج عليه يعقوب الصافر وحاربه وأسره يعقوب في سنة تسع وخمسين ثم خلص من أسره سنة اثنتين وستين ثم بقى خاملاً إلى أن مات سنة تسع وتسعين ومائتين فيها قبض المقتدر على الوزير ابن الفرات ونبهت دوره ووقع النهب والخبطة في بغداد وفيها توفي شيخ نيسابور أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف الزاهد الحافظ سمع إسحق بن راهويه وجماعة قال الضبعي كنا نقول إنه يفي بمذاكرة مائة ألف حديث وقال ابن خزيمة يوم وفاته لم يكن بخارسان أحفظ للحديث منه وقال يحيى العنبري لما كبر أبو عمرو وأيس من الولد تصدق بأموال يقال قيمتها خمسون ألفاً وقال ابن ناصر الدين أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفاف النيسابوري أبو عمر والحافظ الملقب بزين الأشراف وكان طوافاً

(2/231)


232 حافظأً صائم الدهر كثير البر تصدق حين كبر بأموال لها شأن انتهى وقال العلامة ابن ناصر الدين في بديعته ( ثم أحمد بن نصر الخفاف * صالحهم راوية طواف ) ( ومثله عليك ذاك على * فتى سعيد بن بشير أجمل ) وقال في شرحها عليك هو على بن سعيد بن بشير بن مهران أبو الحسين الرازي كان حافظاً لم يكن بذاك وكان وإلى قرية بمصر انتهى وقال في المغني قال الدارقطني ليس بذاك تفرد بأشياء انتهى وأبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي صاحب التصانيف قي القراءات والغريب والنحو كن أبو بكر بن مجاهد يعظمه ويقول هو ا نحى من الشيخين يعني ثعلباً والمبرد توفي في ذي القعدة ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد المحدث أبو الحسن روى عن صفوان بن صالح وطبقته وكان صدوقاً وفيها محمد بن يحيى المعروف بحامل كفنه قال ابن الجوزي في الشذور كان قد حدث عن أبي بكر بن أبي شيبة أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال بلغني أن المعروف بحامل كفنه توفي وغسل وصلى عليه ودفن فلما كان الليل جاءه نباش فنبش عنه فلما أحل أكفانه ليأخذها استوى قاعداً فهرب النباش فقام وحمل كفنه وجاء إلى منزله وأهله يبكون فطرق الباب فقالوا من هذا قال أنا فلان فقالوا يا هذا لا يحل لك أن تزيدنا على ما بنا فقال يا قوم افتحوا فأنا والله فلان فعرفوا صوته ففتحوا فعاد حزنهم فرحاً وسمى حامل كفنه ومثل هذا سعيد بن الخمس الكوفي فإنه لما دلى في قبره اضطرب فحلت عنه الأكفان فقام ورجع إلى منزله وولد له بعد ذلك ابنه ملك انتهى ما ذكره

(2/232)


233 ابن الجوزي في الشذور سنة ثلاثمائة قال في الشذور أيضاً فيها كثرت الأمراض ببغداد في الناس وكلبت الكلاب والدواب في البادية وكانت تطلب الناس والدواب فإذا عضت إنساناً هلك إنتهى وفيها توفي صاحب الأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معوية الأموي المراواني في ربيع الآخر وكانت دولته خمساً وعشرين سنة ولى بعد أخيه المنذر في سنة خمس وسبعين وكان ذا صلاح وعبادة وعدل وجهاد يلتزم الصلوات في الجامع وله غزوات كبار أشهرها غزوة ابن حفصون وكان ابن حفصون قد نازل حصن بلى في ثلاثين ألفاً فخرج عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألفاً فالتقيا فانكسر ابن حفصون وتبعه عبد الله يأسر ويقتل حتى لم ينج منهم أحد وكان ابن حفصون من الخوارج وولى الأندلس بعده حفيد الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله فبقى في الإمرة خمسين عاماً وفيها أبو الحصن علي بن سعيد العسكري الحافظ أحد أركان الحديث روى عن محمد بن بشار وطبقته وتوفي خراسان سنة إحدى وثلثمائة فيها أدخل الحلاج بغداد مشهوراً على جمل وعلق مصلوباً ونودي عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ثم حبس وظهر أنه أدعى الالهية وصرح بحلول اللاهوت في الأشراف وكانت مكاتباته تنبىء بذلك فاستمال أهل الحبس بإظهار السنة فصاروا يتبركون به قاله في العبر

(2/233)


234 وفيها كما قال العلامة ابن ناصر الدين في بديعته ( وبكر بن أحمد بن مقبل * أفاد شأن الأثر المبجل ) ( وتسعة مثاله ذا أحمد * البرديجي البرذعي والمسند ) محمد بن مندة فسلم * كذا فتى العباس نجل الأخرم ) ( مثل فتى ناجية ذا البربري * كالفريابي الدينوري جعفر ) شبه الحسين ذا فتى إدريس * مثل الهسنجاني الرضى الرئيس ) ( والهروي محمد ذا السامي * كالفرهياني العارف الإمام ) فأما الأول فهو بكر بن أحمد بن مقبل البصري الحافظ الثبت المجود روى عن عبد الله بن معوية الجمحي وطبقته وأما الثاني فهو أحمد بن هرون بن روح أبو بكر البرذعي نزيل بغداد كان من الثقات الأخيار ومشاهير علماء الأمصار وأما الثالث فهو محمد بن يحيى بن إبراهيم مندة بن الوليد بن سندة بن بطة ابن استندار وأسمه في رازان بن جهار يخت العبدي مولاهم الأصبهاني أبو عبد الله جد الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحق روى عن لوين وأبى كريب وخلق وحدث عنه الطبراني وغيره وكان من الثقات قال أبو الشيخ كان أستاذ شيوخنا وإمامهم وقيل إنه كان يجاري أحمد بن الفرات وينازعه وأما الرابع فهو محمد بن العباس بن أيوب بن الأخرم أبو جعفر

(2/234)


235 الأصبهاني كان حافظا نبيها محدثا فقيها وأما الخامس فهو عبد الله بن محمد بن ناحية بن نجية أبو محمد البربري البغدادي كان حافظا مسندا صنف مسند ا في مائة واثنين وثلاثين جزءا وأما السادس فهو جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض التركي أبو بكر الفرياني قاضي الدينور كان إماما حافظا علامة من النقادين وهو صاحب التصانيف رحل من بلاد الترك إلى مصر وعاش أربعا وتسعين سنة وكان من أوعية العلم روى عن علي بن المديني وأبي جعفر النفيلي وطبقتهما وأول سماعه سنة أربع وعشرين ومائتين قال ابن عدي كنا نحضر مجلسه وفيه عشرة آلاف أو أكثر وأما السابع فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم الأنصاري الهروي أبو علي بن حزم وثقه الدارقطني وجزم ابن ناصر الدين بتوثيقه وكان حافظا من المكثرين رحل وصنف وروى عن سعيد بن منصور وسويد بن سعيد وخلق وأما الثامن فهو إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرازي الهسنجاني بكسر الهاء والمهملة وسكون النون الأولى وجيم نسبة إلى هسنجان قرية بالري كان إماما عالما محدثا ثقة وأما التاسع فهو محمد بن عبد الرحمن الهروي السامي الحافظ في ذي القعدة طوف وروحل وروى عن أحمد بن حنبل وأحمد بن يونس والكبار ويكنى أبا أحمد ويقال أبا عبد الله وأما العاشر فهو عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني ويقال الفرهاذاني كان عالما خيرا من الأثبات وفيها وجزم صاحب العبر وغيره أنه في التي قبلها أحمد بن يحي بن الرواندي الملحد لعنه الله ببغداد وكان يلازم الرافضة والزنادقة قال ابن الجوزي كنت

(2/235)


236 أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب إنه يقوله عاقل فمن كتبه كتاب نعت الحكمة وكتاب قضيب الذهب وكتاب الزمردة وقال ابن عقيل عجبي كيف لم يقتل وقد صنف الدامغ يدمغ به القرآن والزمردة يزري بها على النبوات قاله في العبر وقال ابن الأهدل ما ملخصه له مقالات في علم الكلام وينسب إليه الإلحاد وله مائة وبضعة عشر كتابا وله كتاب نصيحة المعتزلة رد فيه عليهم وأصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل من مذهبهم عاش نحو من أربعين سنة وراوند قرية من قرى قاسان بالمهملة من نواحي أصبهان قيل وهو الذي لقن اليهود القول بعدم نسخ شريعتهم وقال لهم قولوا إن موسى أمرنا أن نتمسك بالسبت ما دامت السموات والأرض ولا تأمر الأنبياء إلا بما هو حق انتهى والعجب من ابن خلكان كيف يترجمه ترجمة العلماء ساكتا عن عوارةه مع سعة اطلاعابن خلكان ووقوفه على إلحاده وقد اعترض جماعات كثيرة على ابن خلكان من أجل ذلك حتى قال العماد بن كثير هذا على عاداته من تساهله وغضه عن عيوب مثل هذا الشقي والله أعلم وفيها أو في التي قبلها كما جزم به في العبر حيث قال محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي أبو العلاء الذهلي الوكيعي بمصر عن ست وتسعين سنة روى عن علي بن المديني وجماعة وفيها محمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي الكوفي أبو عمرو في جمادى الأولى أيضا رويا كلاهما على ضعف فيهما عن أبي نعيم وفيها محمد بن جعفر الربعي البغدادي أبو بكر المعروف بابن الإمام في آخر السنة بدمياط وهو في عشر المائة روى عن إسماعيل بن أبي أويس وأحمد ابن يونس وفيها أبو الحسن مسدد بن فطن النيسابوري روى عن جده لأمه بشر بن

(2/236)


237 الحكم وطبقته بخراسان والعراق قال الحاكم كان مزني عصره والمقدم في الزهد والورع انتهى فعد هؤلاء في الثلثمائة وفيها أي سنة إحدى وثلثمائة الحسن بن بهرام أبو سعيد الجنابي القرمطي صاحب هجر قتله خادم له صقلبي راوده في الحمام ثم خرج فاستدعى رئيسا من خواص الجنابي وقال السيد يطلبك فلما دخل قتله ثم دعا آخر كذلك حتى قتل أربعة ثم صاح النساء وتكاثروا على الخادم فقتلوه وكان هذا الملحد قد تمكن وهزم الجيوش ثم هادنه الخليفة وفيها سار عبيد الله المهدي المتغلب على المغرب في أربعين ألفا ليأخذ مصر حتى بقي بينه وبين مصر أياما ففجرت كبراء الخاصة النيل فحال الماء بينهم وبين مصر ثم جرت بينهم وبين جيش المقتدر حروب فرجع المهدي إلى برقة بعد أن ملك الإسكندرية والفيوم وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني صاحب ما وراء النهر قتله غلمانه وتملك بعده ابنه نصر وفيها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن الجعد البغدادي الوشاء الذي روى الموطأ عن سويد وفيها المحدث المعمر بن حبان بن الأزهر أبو بكر الباهلي البصري القطان نزيل بغداد روى عن أبي عاصم النبيل وعمرو بن مرزوق وهو ضعيف وفيها ألأمير علي بن أحمد الراسبي أمير جند سابور والسوس وخلف ألف فرس وألف ألف دينار ونحو ذلك وفيها على ما قال ابن الأهدل الوزير ابن الفرات وكان عالما محبا للعلماء وبسبه سار الإمام الدارقطني من العراق إلى مصر ولم يزل عنده حتى فرغ من تأليف مسنده وكان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين واشترى بالمدينة دارا ليس بينها وبين الضريح النبوي إلا جدار واحد ليدفن فيها ولما مات

(2/237)


238 حمل تابوته إلى مكة ووقف به في مواقف الحج ثم إى المدينة وخرجت الأشراف إلى لقائه لسالف إحسانه ودفن حيث أمر وقيل دفن بالقرافة رحمه الله تعالى سنة اثنتين وثلثمائة فيها عاد المهدي ونائبه حباسة إلى الإسكندرية فتمت وقعة كبيرة قتل فيها حباسة فرد المهدي إلى القيروان وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن الجصاص الجوهري وسجنه وأخذ من الأموال ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار وأما أبو الفرج بن الجوزي فقال أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار عينا وورقا وقماشا وخيلا وقيل كانت عنده ودائع عظيمة لزوجة المعتضد قطر الندى بنت خمارويه وقال بعض الناس رأيت سبائك الذهب والفضة تقبن بالقبان من بيت ابن الجصاص وفيها أخذت طي الركب العراقي وتمزق الوفد في البرية وأسروا من النساء مائتين وثمانين امراة وفيها توفي العلامة فقيه المغرب أبو عثمان الحداد الإفريي المالكي سعيد ابن محمد بن صبيح وله ثلاث وثمانون سنة أخذ عن سحنون وغيره وبرع في العربية والنظر ومال إلى مذهب الشافعي وأخذ يسمى المدونة المدودة فهجره المالكية ثم أحبوه لما قام على أبي عبد الله الشيعي وناظره ونصر السنة وفيها إبراهيم بن شريك الأسدي الكوفي صاحب أحمد بن يونس ببغداد وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب صاحب نعيم بن حماد ببغداد وإبراهيم بن محمد الحسن بن مثوية العلامة أبو إسحاق الأصفهاني إمام

(2/238)


239 جامع أصبهان وأحد العباد الحفاظ سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهما وفيها محمد بن زنجوية القشيري النيسابوري صاحب إسحاق بن راهوية وفيها القاضي أبو زرعة محمد بن عثمان الثقفي مولاهم قاضي دمشق بعد قضاء مصر وكان جده يهوديا فأسلم وولي أبو زرعة قضاء مصر ثمان سنين والشام ما يزيد على العشرة وكان موثقا وكان أكولا يأكل سلة عنب وسلة تين قاله الذهبي في تاريخ الإسلام وفيها محمد بن محمد بن سليمان بن الحرث الواسطي ثم البغدادي أبو بكر الباغندي ولتدليسه رمى بالتجريح مع أنه كان حافظا بحرا قاله في المغني فيه لين قال ابن عدي أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب وكان مدلسا انتهى وفيها ألإمام عبدوس عبد الرحمن بن أحمد بن عباد بن سعيد الهمذاني السراج أبو محمد كان ثقة فاضلا نبيلا سنة ثلاث وثلثمائة فيها عسكر الحسين بن حمدان والتقى هو ورائق فهزم رائقا فسار لحربه مؤنس الخادم فحاربه وتمت لها خطوب ثم أخذ مؤنس يستميل أمراء الحسين فتسرعوا إليه ثم قاتل الحسين فأسره واستباح أمواله وأدخل بغداد على جمل وأعوانه ثم قبض على أخيه أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان وأقاربه وفيها توفيالإمام أحد الأعلام صاحب المصنفات التي منها السنن أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان توفي في ثالث عشر صفر وله ثمان وثمانون سنة سمع قتيبة وإسحاق وطبقتهما بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر والجزيرة وكان رئيسا نبيلا حسن البزة كبير القدر له أربع زوجات يقسم لهن ولا يخلو من سرية لنهمته في

(2/239)


240 التمتع ومع ذلك كان يصوم صوم داود ويتهجد قال ابن المظفر الحافظ سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس الأمير وقال الدارقطني خرج حاجا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة فقال احملوني إلى مكة فحمل وتوفي بها في شعبان قال وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث قاله في العبر وقال السيوطي في حسن المحاضرة الحافظ شيخ الإسلام أحد الأئمة المبرزين والحفاظ المتقنين والأعلام المشهورين رجال البلاد واستوطن مصر فأقام بزقاق القناديل قال أبو علي النيسابوري رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري النسائي بمصر وعبدان بالأهواز ومحمد بن إسحاق وإبراهيم بن أبي طالب بنيسابور وقال الحاكم النسائي أفقه مشايخ أهل مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار وأ ' رفهم بالرجال وقال الذهبي هو أحفظ م مسلم له من المصنفات السنن الكبرى والصغرى وهي إحدى الكتب الستة وخصائص علي ومسند علي ومسند مالك ولد سنة خمس وعشرين ومائتين قال ابن يونس كان خروجه من مصر في سنة اثنتين وثلثمائة ومات بمكة وقيل بالرملة انتهى ما قاله السيوطي وقال ابن خلكان قال محمد بن إسحاق الأصبهاني سمعت مشايخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل وفي رواية ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك وكان يتشيع فما زالوا يدافعونه في خصيتيه وداسوه ثم حمل إلى مكة فتوفي بها وهو مدفون بين الصفا والمروة وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس فهو مقتول وكان صنف كتاب الخصائص في فضل علي بن أبي طالب رضي

(2/240)


241 الله عنه وأهل البيت وأكثر روايته عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقبل له ألا صنفت في فضل الصحابة رضي الله عنه فقيل له ألا صنفت في فضل الصحابة رضي الله عنهم كتابا فقال دخلت دمشق والمنحرف عن علي كثير فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا انتهى ملخصا وفيها الحافظ الكبير أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني النسوي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان صاحب المسند والأربعين تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه وسمع من أحمد بن حنبل ويحي بن معين والكبار وكان ثقة حجة واسع الرحلة قال الحاكم كان محدث خراسان في عصره مقدما في التثبت والكثرة والفهم والأدب والفقه توفي رمضان وقال ابن ناصر الدين الحسن ابن سفيان بن عامر أبو العباس الشيباني النسائي ويقال النسوي صاحب المسند الكبير وكتاب الأربعين وكان شيخ خراسان في وقته مقدما في حفظه وفقهه وأدبه وثقته وثبته قلبت عليه أحاديث وعرضت فردها كما كانت ورويت انتهى وفيها أبو علي الجبائي بالضم والتشديد نسبة إلى جبي بالقصر قرية بالبصرة وهو محمد بن عبد الوهاب البصري شيخ المعتزلة وأبو شيخ المعتزلة أبي هاشم وعن أبي علي أخذ شيخ زمانه أبو الحسن الأشعري ثم رجع عن مذهبه وله معه مناظرات في الثلاثة الإخوة وغيرها دونها الناس وسيأتي شيء منها في ترجمة الأشعري إن شاء الله تعالى وفيها أحمد بن الحسين بن إسحاق أبو إسحاق البغدادي المعروف بالصوفي الصغير روى عن إبراهيم الترجمان وجماعة قال في المغني وثقه الحاكم وغيره ولينه بعضهم انتهى وفيها أبو جعفر أحمد بن ذرح البغدادي المقرئ الضرير صاحب أبي عمرو الدوري تصدر للإقراء مدة طويلة وروى الحديث عن ابن المديني وفيها إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي روى عن قتيبة وخلق وقال ابن

(2/241)


242 ناصر الدين هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي أبو يعقوب كان إماما حافظا صنف المسند في ثلاث مجلدات كبار وهو غير أبي محمد بن إسحاق بن إبراهيم بسين مهملة على الصحيح وهذا أي الثاني يروي عن هشام بن عمار توفي سنة سبع وثلثمائة وقد بينت ذلك في كتابي التوضيح انتهى قلت والبشتي بضم الباء وسكون المعجنة نسبة إلى بشت قرية بهراة وبلدة بنيسابور منها صاحب الترجمة وفيها إبراهيم بن إسحاق النيسابوري أبو إسحاق الأنماطي هو حافظ ثبت رحال وهو صاحب التفسير روى عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وكان الإمام أحمد ينبسط في منزله ويفطر عنده وفيها جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ أبو محمد النيسابوري المعروف بالحصيري سمع إسحاق بن راهيوه وكان حافظا عابدا وعبد الله بن محمد بن يونس السمناني أبو الحسين أحد الثقات الرحالة سمع إسحاق وعيسى زغبة وطبقتهما وفيها عمر بن أيوب السقطي ببغداد روى عن بشر بن الوليد وطبقته وفيها محمد بن العباس الدرفس أبو عبد الرحمن الغساني الدمشقي الرجل الصالح روى عن هشام بن عمار وعدة ومحمد بن المنذر أبو عبد الرحمن الهروي الحافظ المعروف بشكر طوف وجمع وروى عن محمد بن رافع وطبقته قال ابن ناصر الدين وشكر هو محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان بن رجاء بن عبد الله بن العباس بن مرداسالسلمي الهروي القهندي أبو جعفر ويقال أبو عبد الرحمن ثقة انتهى سنة أربع وثلثمائة قال في الشذور فيها استوزر أبو الحسن بن الفرات فركب إلى داره فسقى

(2/242)


243 الناس يومئذ في داره أربعين ألف رطل من الثلج انتهى وفيها غزا مونس الخادم بلاد الروم من ناحية ملطية وافتتح حصونا وأثر إثره وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله المخرمي روى عن عبيد الله القواريري وجماعة ضعفه الدارقطني وقال في المغني قال الدارقطني ليس بثقة حدث ببواطيل انتهى وإسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب المنجنيقي روى عن داود بن رشيد وطبقته وهو بغدادي نزل بمصر وكان يحدث عن منجنيق بجامع مصر فقيل له المنجنيقي قال ابن ناصر الدين عنه النسائي فيما قيل وله كتاب رواية الكبار عن الصغار والآباء عن الأنباء انتهى وفيها مات الأمير زيادة الله بن عبد الله الأغلبي من أمراء القيروان حارب المهدي الذي خرج بالقيروان ثم عجز عنه وهرب إلى الشام ومات بالرقة وقيل بالرملة وفيها الحافظ عبد الله بن مظاهر الأصبهاني شابا وكان قد حفظ جميع المسند وشرع في حفظ أقوال الصحابة والتابعين روى عن مطين يسيرا وفيها القسم بن الليث بن مسرور الرسعني العتابي أبو صالح نزيل تنيس روى عن المعافي الرسعني وهشام بن عمار وفيها يموت بن المزرع أبو بكر العبدي النضري الأخباري العلامة وهو في عشر الثمانين روى عن خاله الجاحظ وأبي حفص الفلاس وطبقتهما وقال ابن الأهدل هو ابن أخت أبي عمرو الجاحظ كان أديبا أخباريا صاحب ملح ونوادر وكان لا يعود مريضا خشية أن يتطيروا باسمه ومدحه منصور الضرير فقال ( أنت يحي والذي يك * ره أن يحيا يموت )

(2/243)


246 ستور الديباج فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر ومن البسط وغيرها ما يذهب بالبصر حسنا ومما كان في الدار مائة سبع مسلسلة ثم أدخل الرسول دار الشجرة وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان عليها طيور مذهبة وورقها ألوان مختلفة وكل طائر يصفر لونا بحركات مصنوعة ثم أدخل إلى داره المسماة بالفردوس وفيها من الفرش والآلات ما لا يقوم وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه بن أسد القرشي المطلبي النيسابوري أحد الحفاظ سمع إسحاق بن راهويه وأحمد بن راهويه وأحمد بن منيع وطبقتيهما وصنف التصانيف وكان ثقة وفيها محدث جرجان عمران بن موسى سمع هدبة بن خالد وطبقته ورحل وصنف وكان من الثقات الأثبات وتوفي في رجب وأبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي البصري مسند العصر في ربيع الآخر وله مائة سنة إلا بعض سنة وكان محدثا متقنا ثبتا أخباريا عالما روى عن مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما وفيهما القسم بن زكريا أبو بكر المطرز ببغداد روى عن سويد بن سعيد وأقرانه وقرأ على الدوري وأقرأ الناس وجمع وصنف وكان ثقة ومحمد بن إبراهيم بن أبان السراج البغدادي روى عن يحي الحماني وعبيد الله القواريري وجماعة وفيها محمد بن إبراهيم بن نصر أبو عبد الله المدني روى عن إسماعيل بن عمرو البجلي وجماعة ووثقه الحافظ أبو نعيم وفيها محمد بن إبراهيم بن حيون الأندلسي الحجازي أبو عبد الله ثقة صدوق

تعليق المستخدم :سقط : ص 244 - 245
كتبه : عبد الرحمن الشامي

(2/246)


247 سنة ست وثلثمائة فيها وقبلها أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت لركاكة ابنها فإنه لم يركب للناس ظاهرا منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلثمائة ثم ولى ابنه عليا إمرة مصر وغيرها وهو ابن أربع سنين وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة ولما كان هذا العام أمرت أم المقتدر ثم القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة وكانت تبرز التواقيع وعليها خطها وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبار أبو عبد الله الصوفي ببغداد روى عن علي بن الجعد ويحي بن معين وجماعة وكان ثقة صاحب حديث مات عن نيف وتسعين سنة وفيها القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي شيخ الشافعية وصاحب التصانيف في جمادى الأولى وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر وكان يقال له الباز الأشهب ولي قضاء شيراز وله من المصنفات أربعمائة مصنف روى الحديث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعه قال الأسنوى قال شيخ أبو إسحاق كان ابن خلكان وأخذ الفقه عن القسم الأنماطي وعنه أخذ فقهاء الإسلام ومنه انتشر مذهب الإمام الشافعي في اكثر الآفاق وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهرى وحكى أنه قال له أبو بكر يوما أكلمك من الرجل فتجيبني من الرأس فقال له هكذا البقر إذا جفت أظلافها دهنت قونها وكان يقال له في عصره إن الله تعالى بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة فأظهر كل سنة وأمات

(2/247)


248 مدة وروى عن احمد بن عبيد بن ناصح وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما وكان صاحب حديث له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد وكان مقدم زمانه في الوعظ قال السيوطي في حسن المحاضرة قال ابن كثير ارتحل إلى مصر فأقام بها حتى عرف بالمصري روى عنه الدارقطني وغيره وكان له مجلس وعظ عظيم مات في ذي القعدة وله سبع وثمانون سنة انتهى ملخصا وفيها علي بن محمد بن خمشاد أبو الحسن النيسابوري الحافظ العدل الثقة أحد الأئمة سمع الفضل بن محمد الشعراني وإبراهيم ديزيل وطبقتهما ورحل وطوف وصنف وله مسند كبير في أربعمائة جزء وأحكام في مائتين وستين جزءا توفى فجأة في الحمام وله ثمانون سنة قال أحمد بن إسحاق الضبعي صحبت علي بن خشمان في الحضر والسفر فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة وفيها محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله النسابوري الفقيه الرجل الصالح سمع السري بن خزيمة وأقرانه قال الحاكم كان يصوم النهار ويقوم الليل ويصبر على الفقر ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه سنة تسع وثلاثين وثلثمائة فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين ألفا فافتتح حصونا وسبى وغنم فأخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا ونجا هو في عدد قليل ووصل من سلم في أسوأ حال وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه وكان بحكم بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه وقالوا أخذناه بأمر وإذا ورد أمر رددناه فردوه وقالوا رددناه بأمر من أخذناه بأمره لتتم مناسك الناس قاله في الشذور

(2/248)


249 ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها ومن رأى الأفعال كلها ومن الله فهو موحد وسئل ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد قال هذا من فعل رجال الله قيل فإن مات قال الدية على القاتل وقال اهتمامك بالرزق يزيلك عن الحق ويفقرك إلى الخلق وسئل مرة عن علم الصفات فقال ( كيفية المرء ليس يدركها * فكيف كيفية الجبار في القدم ) ( هو الذي أحدث الأشياء مبتدعا * فكيف يدركه مستحدث النسم ) انتهى وفيها حاجب ابن أركين الفرغاني الضرير المحدث روى عن أحمد بن إبراهيم الدورقي وجماعة وله جزء مشهور والحسين بن حمدان الغلبي ذبح في حبس المقتدر بأمره وفيها الإمام أبو محمد عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي الحافظ الثقة صاحب التصانيف سمع سهل بن عثمان وأبا بكر بن أبي شيبة وطبقتيهما وكان يحفظ مائة ألف حديث ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرة توفي في آخر السنة وله تسعون سنة وأشهر وفيها محمد بن خلف بن وكيع القاضي أبو بكر صاحب التصانيف روى عن الزبير بن بكار وطبقته وولي قضاء الأهواز قال في المغني مشهور له تأليف قال ابن المنادي فيه لين انتهى وفيها الفقيه أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي الضرير أصله من رأس عين بلدة بالجيزة له مصنفات في مذهب الشافعي حسان وشعر جيدا أصابته فاقة في سنة قحط فنادى بأعلى صوته فوق داره الغياث الغياث يا أحرار نحن فقراء وأنتم تجار إنما تحسن المواساة في الشد لا حين ترخص الأسعار فسمعه جيرانه فأصبح على بابه مائة حمل بر قال الأسنوي كان فقيها متصرفا في علوم كثيرة لم يكن في زمانه في مصر مثله قال الشيخ أبو إسحاق قرأ على

(2/249)


250 أصحاب الشافعي وأصحاب أصحابه وله مصنفات في الفقه مليحة منها الهداية والمسافر والواجب والمستعمل وغيرها وله شعر مليح وكان شاعرا خبيث اللسان في الهجو وكان جنديا ومن شعره ( لي حيلة فيمن ينم * وليس في الكذاب حيله ) ( من كان يخلق ما يقول * فحيلتي فيه قليله ) وله أيضاً ( الكلب أحسن عشرة * وهو النهاية في الخساسه ) ( ممن ينازع في الريا * سة قبل أوقات الرياسه ) نقل عنه الرافعي في الجنايات أن مستحق القصاص يجوز له استيفاءه بغير إذن الإمام انتهى ملخصاً سنة سبع وثلثمائة فيها كما قال في الشذور انقض كوكب عظيم وتقطع ثلاث قطع وسمع بعد انقاضه صوت رعد عظيم هائل من غير غيم وفيها كانت الحرب والأراجيف الصعبة بمصر ثم لطف الله وأوقع المرض في المغاربة ومات جماعة من أمرائهم واشتدت علة القائم محمد بن المهدي وفيها دخلت ا لقرامطة البصرة فنبوها وسبوا وفيها توفي أبو العباس الإشناني أحمد بن سهل المقرىء المجود صاحب عبيد بن الصباح وكان ثقة روى الحديث عن بشر بن الوليد وجماعة وفيها أبو يعلى الموصلي أحمد بن علي المثنى بن يحيى التميمي الحافظ صاحب المسند روى عن علي بن الجعد وغسان بن الربيع والكبار وصنف التصانيف وكان ثقة صالحاً متقناً توفي وله تسع وتسعون سنة وفيها أبو بحيى زكريا بن يحيى الساجي البصري الحافظ محدث البصرة

(2/250)


251 روى عن هدبة بن خالد وطبقته وله كتاب في علل الحديث قال الأسنوي منسوب إلى الساج وهو نوع من الخشب كان أحد الأئمة الفقهاء الحفاظ الثقات ذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقاته فقال أخذ عن الربيع والمزني وصنف كتاب اختلاف الفقهاء وكتاب علل الحديث وتوفي بالبصرة انتهى وفيها أبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف التجيبي مقرئ الديار المصرية روى عن محمد بن رمح وتلا في جمادى الآخرة وعمر دهرا طويلا وفيها أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري المحدث روى عن جبارة بن لمغلس وطائفة وفيها محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الداركي الأصبهاني آخر أصحاب إسماعيل بن عمرو البجلي وآخر أصحابه أبو بكر بن المقري وفيها محمد بن هارون أبو بكر الروياني الحافظ الكبير صاحب المسند روى عن أبي كريب وطبقته وله تصانيف في الفقه وكان من الثقات وفيها أبو عمران الجوني موسى بن سهل بالبصرة وسكن بغداد وكان ثقة رحالا حافظا سمع محمد بن رمح وهشام بن عمار وطبقتهما وفيها الحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري ببغداد روى عن عبيد الله بن عمر القواريري وطبقته وجمعوصنف وكان ثقة ويح بن زكريا النيسابوري أبو زكريا الأعرج أحد الحفاظ بمصر وهو عم محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة النيسابوري دخل مصر

(2/251)


252 على كبر السن وروى عن قتيبة وابن راهويه سنة ثمان وثلثمائة فيها ظهر اختلال الدولة العباسية وجيشت الغوغاء ببغداد فركب الجند وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس فقصدت العامة داره فحاربتهم غلمانه وكان له مماليك كثيرة فدام القتال أياماً وقتل عدد كثر ثم استفحل البلاء ووقع النهب في بغداد وجرت فيها فتن وحروب بمصر وملك العبيديون جيزة الفسطاط فجزعت الخلق وشرعوا في الهرب وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن سراج بن أبي الأزهر المصري وكان من الضعفاء لفسقه بشرب المسكر قال الحافظ ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( ثم على بن سراج المصري * حوله شاربه ففر ) ( أي حوله عن عدالة إلى الفسق وعدم قبول الرواية شربه المسكر ففر أي انفر منه وهو أمر من الفرار وفيها إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه أبو إسحق النيسابوري الرجل الصالح راوي صحيح مسلم روى عن محمد بن رافع ورحل وسمع ببغداد والكوفة والحجاز وقيل كان مجاب الدعوة قاله في العبر وفيها أبو محمد إسحق بن أحمد الخزاعي مقرىء أهل مكة وصاحب البزي روى مسند العدلي عن المصنف وتوفي في رمضان وهو في عشر التسعين وعبد الله بن وهب الحافظ الكبير أبو محمد الدينوري سمع الكثير وطوف الأقاليم وروى عن أبي سعيد الأشج وطبقته قال ابن عدي سمعت عمر بن سهل يرميه بالكاذب وقال الدارقطني متروك وقال أبو علي النيسابوري بلغني أن أبا ذرعة كان يعجز عن مذاكرته وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً رحالاً لكنه عند الدارقطني وغيره من المتروكين وقد قبله قوم وصدقوه فيما

(2/252)


253 ذكره ابن عدي وعنه نقلوه انتهى وفيها أبو الطيب محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم الضبي الشافعي صاحب ابن سريج أحد الأذكياء صنف الكتب وهو صاحب وجه وكان يرى تكفير تارك الصلاة ومات شابا وأبوه وجده من أئمة العربية وفيها المفضل بن محمد أبو سعيد الجندي محدث مكة روى عن إبراهيم بن محمد الشافعي والعدني وجماعة ووثقه أبو علي النيسابوري وفيها أبو الفرج يعقوب بن يوسف وزير العزيز بن المعتز العبيدي صاحب مصر وكان يعقوب أولا يهوديا يزعم أنه من ولد السموأل بن عاد ياء صاحب حصن الأبلق باليمن وكان في خدمة كافور الإخشيدي وبعد وفاة كافور ولي الوزارة للعزيز وكان يحب العلم والعلماء وقال له العزيز في مرضه لو كنت تشتري لاشتريتك بملكي وولدي ولما مات صلى عليه ودخل قبره قاله ابن الأهدل وهي من غلطاته فإنه في هذا التاريخ لم يكن وجد وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى سنة تسع وثلاثمائة فيها أخذت الإسكندرية واستردت إلى نواب الخليفة ورجع العبيدي إلى المغرب وفيها قتل أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمد الفارسي الحلاج وكان محمى مجوسيا قال في العبر تصوف الحلاج وصحب سهل بن عبد الله التستري ثم قدم بغداد فصحب الجنيد والنوري وتعبد فبالغ في المجاهدة والترقب ثم فتن ودخل عليه الداخل من الكبر والرياسة فسافر إلى الهند وتعلم السحر فحصل له به حال شيطاني وهرب منه الحال الإيماني ثم بدت منه كفريات أباحت دمه وكسرت صنمه واشتبه على الناس السحر بالكرامات فضل به

(2/253)


254 خلق كثير كدأب من مضى ومن يكون إلى مقتل الدجال الأكبر والمعصوم من عصمة الله وقد جال هذا الرجل بخراسان وما وراء النهر والهند وزرع في كل ناحية زندقية فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث ومن بلاد الترك بالمقيت لبعد الدار عن الإيمان وأما البلاد القريبة فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد الله الزاهد ومن خورستان بالشيخ حلاج الأسرار وسماه أشياعه ببغداد المصطلم وبالبصرة المحير ثم سكن بغداد في حدود الثلثمائة وقبلها واشترى أملاكاً وبنى داراً وأخذ يدعو الناس إلى أمور فقامت عليه الكبار ووقع بينه وبين الشبلي والفقيه محمد بن داود الظاهري والزير علي بن عيسى الذي كان في وزارته كابن هبيرة في وزارته علماً وديناً وعدلاً فقال ناس ساحر فأصابوا وقال ناس به مس من الجن فما أبعدوا لأن الذي كان يصدر منه لا يصدر منه عاقل إذ ذلك موجب حتفه أو هو كالمصروع أو المصاب الذي يخبر بالمغيبات ولا يتعاطى بذلك حالاً ولا إن ذلك من قبيل الوحي ولا الكرامات وقال ناس من الأغتام بل هذا رجل عارف ولى لله صاحب كرامات فليقل ما شاء فجهلوا من وجهين أحدهما أنه ولى والثاني أن الولي يقول ما شاء فلن يقول إلا الحق وهذه بلية عظيمة ومرضة مزمنة أعياء الأطباء داءها وراج بهرجها وعز ناقدها والله المستعان قال أحمد بن يوسف التنوخي الزرق كان الحلاج يدعو كل وقت إلى شيء على حسب ما يستبله طائفه أخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن به الناس بالأهواز لما يخرج لهم من الأطعمة في غير وقتها والدراهم ويسميها دراهم القدرة حدث الجبائي بذلك فقال هذه الأشياء تمكن الحيل فيها ولكن أدخلوه بيتاً من بيوتكم وكلفوه أن يخرج منه جزرتي شوك فبلغ الحرج قول فخرج من الأهواز وروى عن عمرو بن عثمان المكي أنه لعن الحلاج وقال قرأت آية من القرآن فقال يمكنني أن أؤلف مثلها وقال أبو يعقوب الأقطع زوجت بنتي بالحلاج فبان

(2/254)


255 لي بعد أنه ساحر محتال وقال الصولي جالست الحرج فرأيت جاهلاً يتعاقل وعيبياً يتبالغ وفاجراً يتزهد وكان ظاهره أنه ناسك فإذا علم أن أهل بلد يرون الإعتزال صار معتزلياً أو يرون التشيع تشيع أو يرون التسنن تسنن وكان يعرف الشعبذة والكيماء والطب ويتنقل في البلدان ويدعى الربويية ويقول للواحد من أصحابه أنت أدم ولذا أنت نوح ولهذا أنت محمد ويدعى التناسخ وإن أرواح الأنبياء انتقلت إليهم وقال الصولي أيضاً قبض على الراسي أمير الأهواز على الحلاج في سنة إحدى وثلثمائة وكتب إلى بغداد يذكر أن البينة قامت عنده أن الحلاج يدعى الربوبية ويقول بالحلول فحبس مدة وكان يرى الجاهل شيئاً من شعبذته فإذا وثق به دعاه إلى أنه إله ثم قيل إنه سنى وإنما يريد قتله الرافضة ودافع عن نصر الحاجب قال وكان في كتبه أنه مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود وكان الوزير حامد قد وجدله كتاباً فيه أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو ذلك أغناه ذلك عن الصوم والصلاة والحج فقام عليه حامد فقتل وافتي جماعة من العلماء بقتله وبعث حامد بن العباس بخطوطهم إلى المقتدر فتوقف المقتدر فراسله إن هذا قد ذاع كفره وادعاؤه الربوبية وإن لم يتقل افتتن به الناس فإذن في قتله فطلب الوزير صاحب الشرطة وأمره أن يضربه ألف سوط فإن لم يمت والأقطع أربعته فأحضر وهو يتبختر في قيده فضرب ألف سوط ثم قطع يده ورجله ثم حزر رأسه وأحرقت جثته وقال ثابت بن سنان انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلاج وأنه قد موه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر بأنه يحيى الموتى وأن الجن يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد وكان محبوساً بدار الخلافة فأحضر جماعة إلى حامد فاعترفوا أن الحلاج إليه وأنه يحيى الموتى ثم وافقوه وكاشفوه وكانت زوجة السمرى عنده في الإعتقال فأحضرها حام فسألها فقالت قد قال مرة زوجتك بأبنى وهو بنيسابور وأن جرى

(2/255)


256 منه ما تكرهين فصومى واصعدي على السطح على الرماد وافطري على الملح واذكري ما تكرهينه فأني اسمع وأرى قالت وكنت نائمة وهو قريب مني فما احسست إلا وقد غشيني فانتبهت فزعة فقال إنما جئت لأوقظك للصلاة وقالت لي بنته يوماً اسجدى له فقلت أو يسجد أحد لغير الله وهو يسمعني فقال نعم اله في السماء واله في الأرض وقال ابن باكويه سمعت حمد بن الحلاج يقول سمعت احمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي رأيت رب العزة في المنام فقلت يا رب ما فعل الحسين بن منصور قال كاشفته بمعنى فدعا الخلق إلى نفسه فأنزلت به ما رأيت وقال يوسف بن يعقوب النعماني سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني الفقيه يقول أن كان ما أنزل اله على نبيه حقاً فما يقول الحلاج باطل وعن أبي بكر بن سعدان قال إلى الحلاج تؤمن بي حتى ابعث لك بعصفورة تطرح من زرقها على ذا مناً نحاسا فيصير ذهباً قلت أفتؤمن بي حتى ابعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في عينك فابهته وكان مموهاً مشعوذاً انتهى كلام العبر بحروفه وفي تاريخ ابن كثير قال وقد صحب الحلاج جماعة من سادات المشايخ كالجني وعمرو بن عثمان المكي وأبي الحسين النوري قال الخطيب البغدادي والصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم وقبله أبو العباس بن عطاء ومحمد بن جعفر الشيرازي وأبو القسم النصر أباذي وصححوا حاله ودونوا كلامه حتى قال ابن خفيف وهو محمد بن جعفر الشيرازي الحسين بن منصور علام رباني وعوتب النصر اباذي في شيء حكى عن الحلاج في الروح فقال إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج وقال السلمي سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت الشبلي يقول كنت أنا والحسين بن منصور شيئاً واحداً إلا أنه أظهر وكتمت قال الخطيب والذي نفاه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله وإلى الزندقة في عقيدته وعقده

(2/256)


257 وأجمع الفقهاء أنه قتل كافراً وكان ممخر قامموهاً مشعبذاً وبهذا قال أكثر الصوفية فيه منهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ولا باطن قوله ولما أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلاج ابن منصور ( سبحان من أظهر ناسوته * سرسنى لاهوته الثاقب ) ( ثم بدا في خلقه ظاهراً * في صورة الآاكل والشارب ) ( حتى لقد عاينه خلقه * كخطة الحاجب بالحاجب ) فقال ابن خفيف على من يقول هذا لعنة الله فقيل له إن هذا من شعر الحلاج فقال ق يكون مقولاً عليه ولما كان يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلثمائة أحضر الحلاج إلى مجلس الشرطة بالجانب الغربي فضرب نحو ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاً ثم ضربت عنقه وأحرقت جثته بالنار ونصب رأسه على سور الجسر الجديد وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه وذكر السلمى بسنده قال أبو بكر بن ممشاد حضر عندنا بالدينور رجل ومعه خلاة فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه من الرحيم الرحمن إلى فلان بن فلان يدعوه إلى الضلالة والإيمان به فبعث بالكتاب إلى بغداد فسئل الحلاج عن ذلك فأقر أنه كتبه وعلى هذا جرى ما جرى انتهى ما قاله ابن كثير نقله عنه السخاوي وفيها توفي أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي الزاهد أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالإجتهاد في العبادة قيل أنه كان ينام في اليوم والليلة ساعتين ويختم القرى كل يوم سئل ما المرءة قال إن لا يستكثر له عملاً وقال ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولاً وفعلاً وعزماُ ونية وعقداً وقال العلم الكبر الهيبة والحياء فمن

(2/257)


258 عرى عنهما عرى عن الخيرات وقال من حرم الآداب حرم جوامع الخيرات وقال أصح العقول عقل وافق التوفيق وشر الطاعات طاعة أورثت عجباً وخير الذنوب ذنب أعقب توبة وندما توفي في ذي القعدة بالعراق وفيها حامد بن محمد بن شعيب أبو العباس البلخي المؤدب ببغداد روى عن شريح بن يونس وطائفة وكان ثقة عاش ثلاثاً وتسعين سنة وعمرو بن إسمعيل بن أبي غيلان أبو حفص الثقفي البغدادي سمع على بن الجعد وجماعة ووثقه الخطيب وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن المكرم البغدادي بالبصرة وكان أحد الحفاظ المبرزين روى عن بشر بن الوليد وطبقته وفيها عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلبي الأزدي أبو محمد وكان من الثقات الحافظ والإثبات الأيقاظ ومحمد بن خلف بن المرزبان أبو بكر البغدادي الإخباري صاحب التصانيف روى عن الزبير بن بكار وطبقته وكان صدوقاً وفيها محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي مولاهم أبو بكر الأصبهاني ابن معدان كان حافظاً رحالاً كثير المصنفات سنة عشر وثلثمائة فيها كما قال في الشذور انبثق بواسط تسعة عشر بثقاً أصغرها مائتا ذراع وأكبرها ألف ذراع وغرق من أمهات القرى ألف وثلثمائة قرية انتهى وفيها توفي الحافظ الكبير الثقة أبو جعفر أحمد بن يحيى سمع أبا كريب وطبقته وروى عنه ابن حبان والطبراني وكان مع حفظه زاهداً خيراً قال أبو إسحق بن حمزة الحافظ ما رأيت أحفظ منه وقال ابن المقرى فيه حدثنا تاج المحدثين فذكر حديثاً

(2/258)


259 وفيها إسحق إبراهيم بن محمد بن جميل أبو يعقوب الأصبهاني الراوي عن أحمد بن منيع مسنده عنسن عالية قال حفيده عبيد الله بن يعقوب عاش جدي مائة وسبع عشرة سنة وفيها أبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبة البغدادي بمصر روى عن محمد ابن بكار بن الريان وطائفة قال في المغني داود بن إبراهيم بن روزبة أبو شيبة معروف صدوق أخطأ ابن الجوزي ووهاه مرة على أنه لم يذكره في الضعفاء انتهى وفيها على العباس البجلي الكفوي المقامني أبو الحسن روى عن أبي كريب وطبقته وفيها على الصحيح أوفي سنة إحدى عشرة أو ست عشرة أبو إسحق إبراهيم أبن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي قال ابن خلكان كان من أهل العلم والأدب والدين المتين وصنف كتاباً في معاني القرآن وله كتاب المالي وكتاب ما فسر من جمع المنطق وكتاب الإشتقاق وكتاب العروض وكتاب النوادر وكتاب الأنواء وغيرها وأخذ الأدب عن المبرد وثعلب وكان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب فنسب إليه واختص بصحبة الوزير عبيد الله بن سليمان وعلم ولده القاسم الأدب ولما استوز القاسم أفاد بطريقته مالا جزيلاً وحكى أبو على الفارسي النحوي قال دخلت مع شيخنا أبي إسحق على القسم بن عبيد الله الوزير فورد الخادم فساه بسر فاستبشره ثم نهض فلم يكن بأسرع من عاد وفي وجهه أثر الوجوم فسأله شيخنا عن ذلك فقال له كانت تختلف إلينا جارية لأحدى القينات فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك ثم أشار لعيها أحد من ينصحها بأن تهديها إلى رجاء أن

(2/259)


260 أضاعت لها ثمنها فلما جاءت أعلمني الخادم بذلك فنهضت مستبشراً لأفتضاضها فوجدتها قد حاضت فكان مني ما ترى فأخذ شيخنا الدواة وكتب ( فارس ماض بحربته * حاذق بالطعن بالظلم ) ( رام أن يدمى فريسته * فاتقته من دم بدم ) انتهى ملخصاً وفيها أبو بشر الدولابي وهو محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الحافظ صاحب التاصنيف روى عن بندار محمد بن بشار وخلق وعاش ستا وثمانين سنة قال أبو سعيد بن يونس كان من أهل الصنعة وكان يضعف وروى عنه ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني قال الدارقطني تكلموا فيه وقال ابن عدي أبن حماد متهم قاله ابن درباس توفي الدولابي بين مكة والمدينة وفيها الحبر البحر الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ والمصنفات الكثيرة سمع إسحق بن إسرائيل ومحمد بن حميد الرازي وطبقتهما وكان مجتهداُ لا يقلد أحداُ قاله في العبر قال إمام الأئمة ابن خزيمة ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير وقال أبو حامد الأسفرائني الفقيه لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً وكذلك أثنى ابن تيمية على تفسيره للغاية ومولده بآمل طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين وتوفي ليومين بقيا نم شوال وكان ذا زاهد وقناعه وتوفي ببغداد وممن أخذ عنه العلم محمد الباقرحي والطبراني وخلق قال الخطيب كانت الأئمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره وذكر له ترجمة طويلة وفيها على الصحيح العلام المحدث أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني محدث فلسطين روى عن صفوان بن صالح المؤذن ومحمد بن رمح

(2/260)


261 والكبار وعنه ابن عدي وأبو علي النيسابوري وخلق وكان حافظا ثقة ثبتا وفيها تقريبا أبو عمران الرقي موسى بن جرير المقرئ النحوي صاحب أبي شعيب السوسي تصدر لللإقراء مدة وفيها الوليد بن أبان الحافظ أبو العباس الأصبهاني بأصبهان وكان ثقة صنف المسند والتفسير وطوف الكثير وحدث عن أحمد بن الفرات الرازي وطبقته وعنه أبو الشيخ والطبراني وأهل اصبهان سنة إحدى عشرة وثلثمائة فيها دخل أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي القرمطي البصرة في الليل في ألف وسبعمائة فارس نصبوا السلالم على السور ونزلوا فوضعوا السيف في البلد وأحرقوا الجامع وهرب خلق إلى الماء فغرقوا وسبوا الحريم واستمروا سبعة عشرة يوما يحملون ما أرادوا من الأموال والحريم والله المستعان فيها توفي أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري النيسابوري الحافظ الزاهد المجاب الدعوة والد المحدث أبيعمرو بن حمدان روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وطبقته وصنف الصحيح على شرط مسلم وكان يحي الليل وفيها أبو بكر الخلال أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الفقيه الحبر الذي أنفق عمره في جمع مذهب الإمام أحمد وتصنيفه تفقه على المروزي وسمع من الحسن بن عرفة وأقرانه وروى عن تلميذه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر يعرف بغلام الخلال ومحمد بن المظفر الحافظ وغير واحد قال ابن ناصر الدين هو رحال واسع العلم شديد الاعتناء بالآثار له كتاب السنة ثلاث مجلدات كبار وكتاب العلل في عدة أسفار وكتاب الجامع وهو كبير جليل المقدار انتهى في ربيع الأول

(2/261)


262 وفيها عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي ببغداد عن عثمان بن أبي شيبة وطبقته وكان ثقة محدثا وعبد الله بن محمود السعدي أبو عبد الرحمن محدث مرو وعبد الله بن عروة الهروي الحافظ أبو محمد وكان من الأثبات الثقات صنف وسمع أبا سعيد الأشج وطبقته وروى عنه أبو منصور الهروي وآخرون وفيها الحافظ الكبير أبو حفص عمر بن محمد ب بجير الهمداني السمرقندي صاحب الصحيح والتفسير وذو الرحلة الواسعة روى عن عيسى بن حماد زغبة وبشر بن معاذ العقدي وطبقتها وعنه محمد بن محمد بن صابر واعين بن جعفر السمرقندي وعاش ثمانيا وثمانين سنة وكان صدوقا وفيها تقريبا محمد بن إبراهيم بن شعيب أبو الحسين الغازي كان رحالا ثقة قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان ( وبعد بضع عشرة المجازي * محمد الجرجاني ذاك الغازي ) انتهى وفيها إمام الأئمة أبو بكر بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف شيخ الإسلام ولد سنة اثنتين وعشرين ومائتين وروى عن علي بن حجر وابن راهويه ومحمود بن غيلان وخلق وعنه البخاري ومسلم خارج صحيحهما ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبو علي النيسابوري قاله ابن برداس وهو حافظ ثبت إمام رحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر وتفقه على المزني وغيره قال الحافظ أبو علي النيسابوري لم أر مثل محمد بن إسحاق وقال أبو زكريا العنبري سمعت ابن خزيمة يقول ليس لأحد مع رسول الله إذا صح الخبر عنه وقال أبو علي الحافظ كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ

(2/262)


263 السورة وقال ابن حبان لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن وقال الدارقطني كان إماما معدوم النظير وقال الأسنوي في طبقاته صار ابن خزيمة إمام زمانه بخراسان رحلت إليه لطلبة من الآفاق قال شيخه الربيع استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا وكان متقللا له قميص واحد منها أنه إن رجع في الأذان ثنى الإقامة وإلا أفردها ومنها أن الركعة لا تدرك بالركوع انتهى ملخصا وفيها أبو العباس محمد بن شاذل النيسابوري سمع ابن راهويه وأبا مصعب وخلقا وكان يختم القرآن في كل يوم ومحمد بن زكريا الرازي الطبيب العلامة صاحب المصنفات في الطب والفلسفة وإنما اشتغل بعد أن بلغ الأربعين وكان في صباه مغنيا بالعود قاله في العبر وقال ابن الأهدل هو الطبيب الماهر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي المشهور وله في الطب كتاب الحاوي والأقطاف وكتاب المنصور وحجمه صغير جمع فيه بين العلم والطب والعمل ومن قوله مهما أمكن العلاج بالأغذية فلا يعالج بالأدوية والمفرد أولى من المركب وكان شغله بالطب بعد أربعين من عمره انتهى وفيها حامد بن العباس الوزير كان يخدمه ألف وسبعمائة حاجب قاله ابن الجوزي في الشذور سنة اثنتي عشرة وثلثمائة فيها كما قال في الشذور ورد الخبر بأن أبا طاهر الجنابي نسبة إلى جنابة بلد البحرين ورد الهبير فلقى حاج سنة إحدى عشرة في رجوعهم وأنه

(2/263)


264 قتل منهم قتلا مسرفا وسبى من اختار من الرجال والنساء والصبيان والجمال وكان الرجال ألفين والنساء نحوا من خمسمائة وسار بهم إلى هجر وترك باقي الحاج مكانه بلا زاد ولا جمال فماتوا بالعطش وحصل له ما حرز بألف ألف دينار ومن الطيب والأمتعة بنحو ألف ألف وكان سنة يومئذ سبع عشرة سنة وفيها ألح مونس الخادم ونصر الحاجب وهرون ابن خال المقتدر على المقتدر حتى أذن في قتل علي بن محمد بن الحسن بن الفرات وولده المحسن فذبحا وعاش ابن الفرات إحدى وسبعين سنة وعاش بعد حامد بن العباس نصف سنة وكان جبارا فاتكا كريما سايسا متمولا كان يقدر على عشرة آلاف ألف دينار وقد وزر للمقتدر ثلاث مرات وقيل كان يدخله من ملاكه في العمن أمأأااااممميتتتتتتنيننتنيتب أملاكه في العام ألفا ألف دينار قاله في العبر وكان علي بن الفرات هذا وأخوه أبو العباس آية في معرفة حساب الديوان وكان ولده المحسن متمولا أيضا وكان اختفى ثم ظفر به في زي امرأة قد خضب يديه فعذب وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار وولى الوزارة عبيد الله بن محمد الخاقاني فعذب بني الفرات واصطفى أموالهم فيقال أخذ منهم ألفي ألف دينار وفيها افتتح المسلمون فرغانة إحدى مدائن الترك وفيها توفي الحافظ أحمد بن عمرو بن منصور الأموي مولاهم الأندلسي محدث الأندلس أبو جعفر روى عن يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان وغيرهما وكان بصيرا بعل الحديث إماما فيه وفيها الحسن بن علي بن نصر الطوسي أبو علي الخراساني يعرف بكردس الحافظ المشهور روى عن محمد بن رافع وبندار وإسحاق الكوسج وعنه محمد ابن جعفر البستي وأحمد بن محمد بن عبدوس وأبو أحمد الحاكم وله تصانيف تدل على معرفته قال في المغني قال أبو أحمد الحاكم تكلموا في روايته كتاب النسب عن الزبير انتهى

(2/264)


265 وفيها علي بن الحسن بن خلف بن قديد أبو القسم المصري المحدث وله بضع وثمانون سنة روى عن محمد بن رمح وحرملة وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن عباد الثقفي الهمداني المعروف بعبدوس الحافظ المجود أبو محمد روى عن محمد بن عبيد الأسدي ويعقوب الدورقي وعنه أحمد بن عبيد الأسدي وأبو أحمد الغطريفي وأبو أحمد الحاكم وكان ثقة متقنا وفيها محمد بن سليمان بن فارس أبو أحمد الدلال النيسابوري انفق أموالا جليلة في طلب العلم وأنزل البخاري عنده لما قدم نيسابور وروى عن محمد ابن رافع وأبي سعيد الأشج وكان يفهم ويذاكر ومحمد بن محمد بن سليمان الحافظ الكبير أبو بكر بن الباغندي أحد أئمة الحديث في ذي الحجة ببغداد وله بضع وتسعون سنة روى عن علي بن المديني وشيبا بن فروخ وطوف بمصر والشام والعراق روى أكثر حديثه من حفظه قال القاضي أبو بكر الأبهري سمعته يقول أجبت في ثلثمائة ألف مسئلة في حديث النبي الأسماعيلي لا أتهمه ولكنه خبيث التدليس ومصحف أيضا وقال الخطيب رأيت كافة شيوخنا يحتجون به وقال في المغني قال ابن عدي أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب وكان مدلسا انتهى وفيها أبو بكر بن المجدر وه محمد بن هارون البغدادي روى عن داود ابن رشيد وطبقته وكان معروفا بالانحراف عن علي رضي الله عنه قال في المغني محمد بن هارون بن المجدر أبو بكر صدوق مشهور فيه نصب وانحراف انتهى

(2/265)


266 سنة ثلاث عشرة وثلثمائة فيها كما قال في الشذور انقض كوكب قبل مغيب الشمس بأربع ساعات من ناحية الجنوب إلى الشمال فأضاءت منه الدنيا وكان له صوت كصوت الرعد وفيها سار ونزل القرمطي على الكوفة فقاتلوه فغلب على البلد ونهبه فندب المقتدر مؤنسا وأنفق في الجيش ألف ألف دينار فسار القرمطي عن الكوفة وتسلم الأنبار وعاث في البلاد وعظم ضرره ولم يقدر عليه وفيها توفي أحمد بن عبد الله ب سابور الدقاق القة ببغداد وكان واسع الرحلة روى عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي نعيم الحلبي وعدة وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي سمع من جده لأمه الحسن بن عيسى بن ماسرجس وإسحاق وشيبان بن فروخ وفيها جماهر بن محمد بن أحمد أبو الأزهر الأزدي الزملكاني روى عن هشام بن عمار وطبقته وفيها ثابت بن حزم السرقسطي اللغوي العلامة قال ابن الفرضي كان مفتيا بصيرا بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر وعاش خمسا وتسعين سنة روى عن محمد بن وضاح وطائفة وفيها عبد الله بن زيدان بن بريد أبو محمد البجلي الكوفي عن إحدى وتسعين سنة روى عن أبي كريب وطبقته قال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ لم ترعيني مثله كان ثقة حجة كان أكثر في مجلسه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك مكث نحو ستين سنة لم يضع جنبه على مضربه وكان صاحب ليل وعلى بن عبد الحميد الغضايري نسبة إلى الغضار بالغين المعجمة وهو الإناء الذي يؤكل فيه أبو الحسب بحلب في شوال روى عن بشر بن الوليد والقواريري وعدة وقال حججت من حلب ماشيا أربعين حجة

(2/266)


267 وعلي بن محمد بن بشار أبو الحسن وأبو صالح البغدادي الزاهد شيخ الحنابلة أخذ عن صالح بن أحمد بن حنبل والمروذي وجاء عنه أنهقال أعرف رجلا منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك لله ما يشتهي فلا يجد شيئا يشتهي قاله في العبر وقيل له كيف الطريق إلى الله فقال كما عصيت الله سرا تطيعه سرا حتى يدخل إلى قلبك لطائف البر وكان له كرامات ظاهرة وانتشار ذكر في الناس يتبرك الناس بزيارته قاله السخاوي وقال ابن أبي يعلى في الطبقات حدثنا إسماعيل الصابوني ثنا إسحاق بن إبراهيم العدل ثنا محمد بن أحمد بن حماد الوراق ثنا أبو الحسن القتات الصوفي ثنا أبو صالح الحسن بن بشار العبد الصالح حدثني عبد الله بن أحمد قال مرت بنا جنازة ونحن قعود على مسجد أبي فقال أبي ما كان صنعة صاحب الجنازة قالوا كان يبيع على الطريق قال في فنائه أو فناء غيره قالوا في فناء غيره قال عز على عز على إن كان في فناء يتيم أو غيره فقد ذهبت أيامه عطلا ثم قال قم نصلي عليه عسى الله أن يكفر عنه سيأته قال فكبر عليه أربع تكبيرات ثم حملناه إلى قبره ودفناه ونام أبي في تلك الليلة وهو مغتم به فإذا به نحن بامرأة قالت نمت البارحة فرأيت صاحب الجنازة الذي مررت معه فإذا نحن بامرأة قالت نمت البارحة فرأيت صاحب الجنازة الذي مررت وهو يجري في الجنة جريا وعليه حلتان خضراوان فقلت له ما فعل الله بك قال غضبان على وقت خروج روحي فصلى على أحمد بن حنبل فغفر لي ذنوبي ومتعني بالجنة وأنبأنا على المحدث عن أبي عبد الله الفقيه أنه قال إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار وأبا محمد البربهاوي فاعلم أه صاحب سنة وكان ابن بشار يقولمن زعم أن الكفار يحاسبون ما يستحي من الله ثم قال من صلى خلف من يقول هذه المقالة يعيد انتهى ملخصا أي خلافا للسالمية فإنهم يقولون بحساب الكفار كالمسلمين والحق إنهم تحصى أعمالهم ويطالعون عليها ويقرعون بها تقريعا من

(2/267)


268 غير وزن وحساب لقوله تعالى ( ^ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) والله أعلم وفيها محمد بن إبراهيم الرازي الطيالسي روى عن إبراهيم بن موسى الفراء وابن معين وخلق قال الدارقطني متروك روى عن سويد وأبا مصعب وطبقتهما قال في المغني محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي عن ابن معين قال الدارقطني متروك وضعفه أبو أحمد الحاكم انتهى وفيها أبو العباس محمد بن إبراهيم بن مهران السراج الحافظ صاحب التصانيف روى عن قتيبة وإسحاق وخلق وعنه الشيخان خارج صحيحهما وكان إمام هذا الشأن قال أبو إسحاق المزكي سمعته يقول ختمت عن رسول الله عشر ألف ختمة وضحيت عنه اثني عشر ألف أضحية قال محمد بن أحمد الدقاق رأيت السراج يضحي كل أسبوع وأسبوعين أضحية لم يجمع أصحاب الحديث عليها وقد ألف السراج مستخرجا على صحيح مسلم وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر عاش سبعا وتسعين سنة وفيها أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف القهستاني الأصم الحافظ المتقن الثقة الرحال صاحب المسندين على الرجال وعلى الأبواب أكثر من التطواف وروى عن أحمد بن منيع وطبقته سنة أربع عشرة وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وقع حريق في نهر طابق فاحترقت منه ألف دار واشتد برد الهواء في كانون الأول فتلف أكثر نخل بغداد وسوادها وجمدت الخلجان والآبار ثم جمدت دجلة حتى عبرت الدواب عليها وفيها أخذت الروم لعنهم الله ملطية عنوة واستباحوها ولم يحج أحد من العراق خوفا من القرامطة ونزح أهل مكة عنها خوفا منهم وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر التيمي المنكدري الحجازي نزيل

(2/268)


269 خراسان روى عن عبد الجبار بن العلاء وخلق قال الحاكم له أفراد وعجائب ومحمد بن محمد بن النفاح بن بدر أبو الحسن بغدادي حافظ خير متعفف توفي بمصر في ربيع الآخر روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وطبقته وفيها محمد بن عمر بن لبابة أبو عبد اله القرطبي مفتي الأندلس كان رأسا في الفقه محدثا أديبا أخباريا شاعرا مؤرخا توفي في شعبان وولد سنة خمس وعشرين ومائتين روى عن أصبغ والعتبي وطبقتهما من أصحاب يحي بن يحي وتفقه به خلق وفيها نصر بن القسم أبو الليث البغدادي الفرائضي الفرائضي روى عن شريح بن يونس وأقرانه وكان ثقة من فقهاء أهل الري سنة خمس عشرة وثلثمائة فيها كان أول ظهور الديلم وأول من غلب منهم على الري لبكى بن النعمان وفيها أخذت الروم سميسياط واستباحوها وضربوا الناقوس في الجامع فسار مونس بالجيوش ودخل الروم وتم مصاف كثيرة هزمت فيها الروم وقتل منهم خلق وأما القرامطة فنازلت الكوفة فسار يوسف بن أبي الساج فالتقاهم فأسر يوسف وانهزم عسكره وقتل منهم عدة وسار القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار فقطع المسلمون الجسر فأخذ يتحيل في العبور ثم عبروا وأوقع بالمسلمين فخرج نصر الحاجب ومونس فعسكروا بباب الأنبار وخرج أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته ثم ردت القرامطة فما جسر العسكر عليهم وهذا خذلان إلهي فإن القرامطة كانوا ألفا وسبعمائة من فارس وراجل والعسكر أربعين ألف فارس ثم أن القرمطي قتل ابن أبي الساج وجماعة منهم ثم سار إلى هيت فبادر العسكر وحصنوها فرد القرمطي إلى البرية فدخل الوزير ابن عيسى على المقتدر وقال قد تمكنت هيبة هذا الكافر

(2/269)


270 من القلوب فخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش وإلا فمالك إلا أقاصي خراسان فأخبر أمه فأخرجت خمسمائة ألف دينار وأخرج المقتدر ثلثمائة ألف دينار ونهض ابن عيسى في استخدام العساكر وجددت على بغداد الخنادق وعدمت هيبة المقتدر من القلوب وشتمته الجند قاله في العبر وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن شهريار الرازي ثم النيسابوري صاحب التصانيف وله أربع وخمسون سنة رحل وأدرك إبراهيم بن عبد الله القصار وطبقته بخراسان والري وبغداد والكوفة والحجاز وأبو القسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الفقيه قاضي دمشق ثم قاضي الرملة روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته وكان له حلقة بمصر للفتوى قال ابن يونس خلط ووضع أحاديث وقال في المغني كذبه الدارقطني وفيها أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي النحوي وهو الأخفش الصغير روى عن ثعلب والمبرد قال ابن خلكان روى عن المبرد وثعل وغيرهما وروى عن المرزباني وأبو الفرج المعافى وغيرهما وهو غير الأخفش الأكبروالأخفش الأوسط وكان بين ابن الرومي وبين الأخفش المذكور منافسة وكان الأخفش يبادر داره ويقول عند بابه كلاما يتأذى به وكان ابن الرومي كثير التطير فإذا سمع كلامه لا يخرج ذلك اليوم من بيته فكثر ذلك منه فهجاه ابن الرومي بأهاج كثيرة وهي مثبتة في ديوانه وكان الأخفش يحفظها ويوردها استحسانا لها في جملة ما يورده وافتخارا أنه نوه بذكره إذ هجاه فلما علم ابن الرومي ذلك أقصر عنه وقال المرزباني لم يكن الأخفش المذكور بالمتسع في الرواية للأخبار والعلم بالنحو وما علمته صنف شيئا البتة ولا قال شعرا وكان إذا سئل عن مسئلة في النحو ضجر وانتهر من يسأله ومات فجأة ببغداد ودفن بمقبرة بردان والأخفش هو صغير العين مع سوء بصرها انتهى ملخصا

(2/270)


271 وفيها محمد بن الحسين أبو جعفر الخثعمي الكوفي الأشناني أحد الأثبات روى ببغداد عن أبي كريب وطبقته وفيها محمد بن الفيض أبو الحسن الغساني محدث دمشق روى عن صفوان ابن صالح والكبار وتوفي في رمضان عن ست وتسعين سنة ومحمد بن المسيب الأرغياني الحافظ الجوال الزاهد المفضال شيخ نيسابور الإسفنجي روى عن محمد بن رافع وبندار ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهم وكان يقول ما أعلم منبرا من منابر الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث وقال كنت أمشي في مصر وفي كمي مائة جزء في الجزء ألف حديث قال الحاكم كان دقيق الخط وكان هذا كالمشهور من شأنه وعاش اثنتين وتسعين سنة قال ابن ناصر الدين حدث عن خلق وكان من العباد المجتهدين والزهاد البكائين انتهى سنة ست عشرة وثلثمائة فيها دخل القرمطي الرحبة بالسيف واستباحها ثم نازل الرقة وقتل جماعة بربضها وتحول إلى هيت فرجموه بالحجارة وقتلوا صاحبه أبا الزوار فسار إلى الكوفة ثم انصرف وبنى دارا سماها دار الهجرة ودعا إلى المهدي وتسارع إليه كل مريب ولم يحج أحد ووقع بين المقتدر وبين مونس الخادم واستعفى ابن عيسى من الوزارة وولي بعده أبو علي بن مقلة الكاتب وفيها توفي بنان الحمال بن محمد بن حمدان بن سعيد أبو الحسن الزاهد الواسطي نزيل مصر وشيخها كان ذا منزلة عظيمة في النفوس وكانوا يضربون بعبادته المثل صحب الجنيد وحدث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعة وثقه أبو سعيد بن يونس وقال توفي في رمضان وخرج في جنازته أكثر أهل مصر وكان شيئا عجيبا وقال السيوطي في حسن المحاضرة جاءه

(2/271)


272 رجل فقال لي على رجل مائة دينار وقد ذهبت الوثيقة وأخشى أن ينكر فادع لي فقال له إني رجل قد كبرت وأنا أحب الحلوى فاذهب فاشتر لي رطلا وأتني به حتى أدعوا لك فذهب الرجل فاشترى فوضع له البائع الحلوى في ورقة فإذا هي وثيقته بالمائة دينار فجاء إلى الشيخ فأخبره فقال خذ الحلوى فاطعمها صبيانك وقال السخاوي هو من جلة المشايخ والقائلين بالحق له المقامات المشهورة والآيات المذكورة كان أستاذ أبي الحسن النوري قال بنان من كان يسره ما يضره متى يفلح وقال إن أفردته بالربوبية أفردك بالعناية والأمر بيدك إن نصحت صافوك وإن خلطت خلوك وقال أجل أحوال الصوفية الثقة بالمضمون والقيام بالأموامر ومراعاة السر والتخلي من الكونين بالتشبث بالحق وقال رؤية الأسباب جملة على الدوام قاطعه عن مشاهدة المسبب والإعراض عن الأسباب يؤدي بصاحبه إلى ركوب البواطل وقال ليس بمتحقق في الحب من راقب أوقاته أو تجمل في كتمان حبه حتى يهتك ويفتضح ويخلع العذار ولا يبالي عما يرد عليه من جهة محبوبة أو بسببه ويتلذذ بالبلاء كما تتلذذ الأغيار بأسباب النعم وأنشد على أثره ( لحاني العاذلون فقلت مهلا * فإني لا أرى في الحب عارا ) ( وقالوا قد خلعت فقلت لسنا * بأول خالع خلع العذارا ) وأسند في الحلية عن أبي علي الروذباري قال كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر أن يلقى بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها واحتال عليه أبو عبيد الله القاضي حتى ضرب سبع درر فقال له حبسك الله بكل درة سنة فحبسه ابن طولون سبع سنين ومن كلامه ( الحر عبد ما طمع * والعبد حر ما قنع )

(2/272)


273 وبنان بضم الباء الموحدة ونون وبعد الألف نون ولقب بالجمال لأنه خرج إلى الحج سنة وحمل على رقبته زاده وكان متوكلا فرأته عجوز في البادية فقالت أنت حمال ما أنت متوكل ما ظننت أ الله يرزقك حتى حملت إلى بيته وفيها أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث الحافظ السجستاني ابن الحافظ ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين ونشأ بنيسابور وغيرها وسمع من محمد بن أسلم الطوسي وعيسى بن زغبة وخلائق بخراسان والشام والحجاز ومصر والعراق وأصبهان وجمع وصنف وكان عنده عن أبي سعيد الأشج ثلاثون ألف حديث وحدث بأصبهان من حفظه بثلاثين ألف حديث وقال ابن شاهين كان ابن أبي داود يملي علينا من حفظه وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي ويقعد تحته بدرجة ابنه أبو معمر وبيده كتاب يقول له حديث كذا فيسرد من حفظه حتى يأتي على المجلس وقال محمد بن عبد الله بن الشخير كان زاهدا ناسكا وقال عبد الأعلى بن أبي بكر بن أبي داود صلي على أبي ثمانين مرة وممن روى عنه ابن المظفر والدارقطني وأبو الحاكم غيرهم وقال في المغني عبد الله بن سليمان السجستاني ثقة كذبه أبوه في غير حديث انتهى وفيها محمد بن خريم أب بكر العقيلي محدث دمشق في جمادى الآخرة روى عن هشام بن عمار وجماعة وفيها العلامة أبو بكر بن السراج واسمه محمد بن السري البغدادي النحوي صاحب الأصول في العربية له مصنفات كثيرة منها شرح كتاب سيبويه أخذ عن المبرد وغيره وأخذ عنه السيرافي وغيره ونقل عنه الجوهري في صحاحه قال في العبر كان مغرى بالطرب والموسيقى انتهى وقال ابن الأهدل من شعره ( ميزت بين جمالها وفعالها * فإذا الملاحة بالجناية لا تفي ) ( حلفت لنا أن لا تخون عهودنا وكأنما حلفت لنا أن لا تفي )

(2/273)


274 ( والله لا كلمتها ولو أنها * كالبدر أو كالشمس أو كالمستكفي ) قال اليافعي يحسن استعارة هذه الأبيات لوصف الدنيا وفيها محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي الحافظ شيخ بلخ ومحدثها صنف المسند والتاريخ وغير ذلك وسمع علي بن خشرم وعباد بن الوليد الغبري وطبقتهما ومنه عبد الله الهندواني وعبد الرحمن بن أبي شريح وكان حسن الحديث وفيها أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الاسفراييني الحافظ صاحب الصحيح المسند رحل إلى الشام والحجاز واليمن ومصر والجزيرة والعراق وفارس وأصبهان وروى عن يونس بن عبد الأعلى وعلى بن حرب وطبقتهما وعنه أبو علي النيسابوري والطبراني ثقة جليل وعلى قبره مشهد باسفرنئين وكان مع حفظه فقيها شافعيا إماما سنة سبع عشرة وثلثمائة فيها حج بالناس منصور الديلمي فدخلوا مكة سالمين فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرطمي فقتل الحجيج قتلا ذريعا في المسجد وفي فجاج مكة وقتل أمير مكة ابن محارب وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر وكان معه تسعمائة نفس فقتلوا في المسجد ألفا وسبعمائة نسمة وصعد على باب البيت وصاح أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا وقيل إن الذي قتل لفجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا وسبى من النساء والصبيان نحو ذلك وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد قال محمود الأصبهاني دخل قرمطي وهو سكران فصفر لفرسه قبال عند البيت وقتل جماعة ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسر منه قطعة ثم قلعة وبقي الحجر الأسود بهجر نيفا وعشرين سنة

(2/274)


275 وفيها قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين أبو سعيد البرذعي شيخ حنفية بغداد أخذ عنه أبو الحسن الكرخي وقد ناهز أمره داود الظاهري فقطع داود لكنه معتزلي وفيها الحافظ الشهيد أبو الفضل محمد الجارودي بن أحمد بن عمار الجارودي الهروي قتل بباب الكعبة وهو آخذ بحلقة الباب روى عن أحمد بن نجدة وطبقته ومات كهلا وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم أبو عمرو والجبري نسبة إلى جبر بالفتح والتديد جد كان أحمد هذا مزكي من كبار مشايخ نيسابور ورؤسائها روى عن محمد بن رافع والكوسج ورحل وطوف وتوفي في ذي القعدة وحرمي بن أبي العلاء المكي نزيل بغداد وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن أبي خميصة الشروطي كاتب أبي عمر القاضي روى كتاب النسب عن الزبير بن بكار وفيها القاضي المعمر أبو القسم بدر بن الهيثم اللخمي الكوفي نزيل بغداد روى عن أبي كريب وجماعة قال الدارقطني كان نبيلا بلغ مائة وسبع عشرة سنة وفيها الحسن بن محمد أبو علي الداركي محدث أصبهان في جمادي الآخرة روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وطائفة وفيها البغوي أبو القسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ليلة عيد الفطر ببغداد وله مائة وثلاث سنين وشهر وكان محدثا حافظا مجودا مصنفا انتهى إليه علو الإسناد في الدنيا فإنه سمع في الصغر بعناية جده لأمه أحمد بن منيع وعمه علي بن عبد العزيز وحضر مجلس عاصم بن علي وروى الكثير عن علي بن الجعد ويحي الحماني وأب ينصر التمار وعلي بن المديني وخلق وأول

(2/275)


276 ما كتب الحديث سنة حمس وعشرين ومائتين وكان ناسخا مليح الخط نسخ الكثير لنفسه ولجده وفيها علي بن أحمد بن سليمان الصيقل أبو الحسن المصري ولقبه علان المعدل روى عن محمد بن رمح وطائفة وتوفي في شوال عن تسعين سنة وفيها محمد بن أحمد بن زهير أبو الحسن الطوسي حافظ مصنف سمع إسحا الكوسج وعبد الله بن هاشم وطبقتهما وفيها محمد بن زبان بن حبيب أبو بكر المصري في جمادي الأولى سمع زكريا بن يح كاتب العمري ومحمد بن رمح وعاش اثنتين وتسعين سنة وفيها التجم المشهور صاحب الزيج والأعمال محمد بن جابر التباني توفي بموضع يقال له الحضر وهي مدينة بقرب الموصل وهي مملكة الشاطرون وكان حاصرها ازدشير وقتله وأخذها ذكره ابن هشام في السيرة وفيها نصر بن أحمد البصري الشاعر وكان أميا وله الأشعار الفائقة منها ( خليل هل أبصرتما أو سمعتما * بأحسن من مولى تمشي إلى عبد ) ( أتى زائرا من غير وعد وقال لي * أجلك عن تعليق قلبك بالوعد ) ( فما زال نجم الوصل بيني وبينه * يدور بأفلاك السعادة والسعد ) سنة ثمان عشرة وثلثمائة هبت ريح من المغرب في آذار وحملت رملا أحمر يشبه رمل الصاغة فامتلأت منه أسواق بغداد في الجانبين وسطحها ومنازلها قاله في الشذور وفيها توفي القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الحنفي الأنباري الأديب أحد الفصخاء البلغاء وله سبع وثمانون سنة روى عن أبي كريب وطبقته وولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة وله مصنف في نحو الكوفيين وفيها أحمد بن محمد بن المغلس البزاز أخو جعفر كان ثقة نبيلا روى

(2/276)


277 عن لوين وعدة وفيها إسماعيل بن داود بن وردان المصري روى عن زكريا كاتب العمري ومحمد بن رمح ووفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة وفيها أبو بكر الحسن بن علي بن بشار بن العلاف البغدادي المقرئ صاحب الدوري وكان أديبا طريفا نديما للمعتضد ثم شاخ وعمي قال ابن خلكان كان من الشعراء المجيدين وحدث عن أبي عمرو الدوري المقرئ وحميد بن سعيد البصري وغيرهما وكان ينادم الإمام المعتضد بالله وحكى قال بت ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه فأتانا خادمه ليلا وقال يقول أمير المؤمنين أرقت الليلة بعد انصرافكم فقلت ( ولما أنتبهنا للخيال الذي سرى * إذا قفر والمزار بعيد ) وقال قد ارتج على تمامه فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له بجائزة قال فارتج على الجماعة وكلهم شاعر فاضل فابتدرت وقلت ( فقلت لعيني عاودني النوم واهجعي * لعل خيالا طارقا سيعود ) فرجع الخادم ثم عاد فقال أمير المؤمنين يقول لقد أحسنت وأمر لك بجائزة وكان لأبي بكر المذكور هر يأنس به وكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل أفراخها وكثر ذلك منه فأمسكه أربابها وذبحوه فرثاه بهذه القصيدة وقد قيل إنه رثي بها عبد الله بن المعتز وخشى من الإمام المقتدر أن يتظاهر بها لأنه هو الذي قتله فنسبها إلى الهر وعرض به في أبيات منها وكانت بينهما صحبة أكيدة وذكر صاعد اللغوي في كتاب الفصوص قال حدثني أبو الحسن المرزباني قال هويت جارية لعلي بن عيسى غلاما لأبي بكر بن العلاف الضرير ففطن بهما فقتلا جميعا وسلخا وحشى جلودهما تبنا فقال وأبدعه وعددها خمسة وستون بيتا وطولها يمنع من الإتيان بجميعها

(2/277)


278 فنأتي بمحاسبتها وفيها أبيات مشتملة على حكم فنأتي بها وأولها ( يا هر فارقتنا ولم تعد * وكنت عندي بمنزل الولد ) ( فكيف تنفك عن هواك وقد * صرت لنا عدة من العدد ) ( تطرد عنا الأذى وتحرسنا * بالغيب من حية ومن جرد ) ( وتخرج الفأر من مكامنها * ما بين مفتوحها إلى السدد ) ( يلقاك في البيت منهم مدد * وأنت تلقاهم بلا مدد ) ( لا عدد كان منك منفلتا * منهم ولا واحد من العدد ) ( وكان يجري ولا سداد لهم * أمرك في بيتنا على السدد ) ( حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا * ولم تكن للأذى بمعتقد ) ( وحمت حول الردى بظلمهم * ومن يحم حول حوضه يرد ) ( وكان قلبي عليك مرتعدا * وأنت تنساب غير مرتعد ) ( تدخل برج الحمام متئدا * وتبلغ الفرخ غير متئد ) ( أطعمك ألغى لحمها فرأى * قتلك أصحابها من الرشيد ) ( حتى إذا داوموك واجتهدوا * وساعد النصر كيد مجتهد ) ( صادوك غيظا عليك وانتقموا * منك وزادوا ومن يصد يصد ) ( ثم شفوا بالحديد أنفسهم * منك ولم يرعووا إلى أحد ) ( فلم تزل للحمام مرتصدا * حتى سقيت الحمام بالرصد ) ( لم يرحموا صوتك الضعيف كما * لم ترث منها لصوتها الغرد ) ( وكنت بدد شملهم زمنا * فاجتمعوا بعد ذلك البدد ) ( كأن حبلا حوى بجودته * جيدك للخنق كان من مسد ) ( كأن عيني تراك مضطربا * فيه وفي فيك رغوة الزبد ) ( وقد طلبت الخلاص منه فلم * تقدر على حيلة ولم تجد ) ( فجدت بالنفس والبخيل بها * أنت ومن لم يجد بها تجد )

(2/278)


279 ( فما سمعنا بمثل موتك إذ * مت ولا مثل غيشك النكد ) ( عشت حريصاً يقوده طمع * ومت ذا قاتل بلا قود ) ( فلم تخف وثبة الزمان كما * وثبت في البرج وثبة الأسد ) ( عاقبة الظلم لا تنام وإن * تأخرت مدة من المدد ) ( أردت أن تأكل الفراخ ولا * يأكلك الدهر أكل مضبطهد ) ( هذا بعيد من القياس وما * أعزه في الدنو والبعد ) ( لا بارك الله في طعام إذا * كان هلاك النفوس في المعد ) ( كم دخلت لقمة حشاشره * فأخرجت روحه من الجسد ) ( ما كان أغناك عن تصعد لا برج ولو كان جنة الخلد ) ( قد كنت في نعمة وفي دعة * من العزيز المهيمن للرغد ) انتهى ما أورده بابن خلكان ملخصاً ومات عن مائة سنة وفيها أبو عروبة الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي الحراني الحافظ محدث حران وهو فيعشر المائة روى عن اسمعيل بن موسى السدي وطبقته وعنه أبو حاتم بن حبان وأبو أحمد الحاكم وكان عارفاً بالرجال رحل إلى الجزيرة والشام والعراق ورحل إليه الناس وفيها سعيد بن عبد العزيز أبو عثمان الحلبي الزاهد نزيل دمشق صحب سريا السقطي وروى عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي وأحمد بن أبي الحواري وطبقتهما قال أبو أحمد الحاكم كان من عباد الله الصالحين وفيها أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الأسفرايني الحافظ المصنف وله ثمانون سنة روى عن الحسن بن محمد الزعفراني وطبقتهما ورحل الكثير وكان ثبتاً مجوداً

(2/279)


280 وفيها محمد بن إبراهيم الحافظ الأوحد العلامة أبو بكر بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري شيخ الحرم روى عن محمد بن ميمون ومحمد بن إسماعيل السائغ وخلق وعنه ابن المقرىء ومحمد بن يحيى الدمياطي وغيرهما وكان مجتهداً لا يقلد أحداً وله تآليف حسان قال ابن ناصر الدين هو شيخ الحرم ومفتيه ثقة مجتهد فقيه وفيها محمد بن إبراهيم بن نيروز أبو بكر الأنماطي سمع أبا حفص وطبقته وفيها يحيى بن محمد بن صاعد الحافظ الثقة الحجة أبو محمد البغدادي مولى بن هاشم في ذي القعدة وله تسعون سنة عنى بالأثر وجمع وصنف وارتحل إلى الشام والعراق ومصر والحجاز وروى عن لوين وطبقته قال أبو علي النيسابوري لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه والفهم عندنا أجل من الحفظ وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ انتهى وممن روى عنه أبو القسم البغوي والدراقطني وخلق وقال الدارقطني هو ثقة ثبت حافظ سنة تسع عشرة وثلاثمائة فيها على ما قاله في الشذور قدم مؤتمن الخادم وكان قد خاف من الهجرى فضل بالقافلة عن الجادة فحدث أصحابه انهم رأوا في البرية آثاراً عجيبة وصوراً لناس من حجارة ورأوا امرأة قائمة على تنور وهي من حجر والخبز من حجر انتهى وفيها استولي مردوايج الديلي على همذان وبلاد الجبل إلى حلوان وهزم عسكر الخليفة وفيها استوحش مونس الخادم من الوزير والمقتدر فأخذ يتعنت على المقتدر ويحتكم عليه في إبعاد ناس وتقديم يغرهم ثم خرج مغاضباً بأصحابه إلى الموصل فاستولى الوزير على حواصله وفرح المقتدر بالوزير وكتب اسمه على السكة وكان مونس في ثمان مائة فحارب جيش الموصل وكانوا

(2/280)


281 ثلاثين ألفا فهزمهم وملك الموصل في سنة عشرين ولم يحج أحد من بغداد وأخذ الديلمي الدينور وفتك بأهلها ووصل إلى بغداد من انهزم ورفعوا المصاحف على القصب واستغاثوا وسبوا المقتدر وغلقت الأسواق وخافوا من هجوم القرامطة وفيها توفي أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب الدمشي المشغراني خطيب مشغرا وقع من على الدابة فمات لوقته روى عن هشام بن عمار وطائفة وفيها الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي محدث دمشق في رجب روى عن موسى بن عامر المري ويونس بن عبد الأعاى وطبقتهما وفيها قاضي الجماعة أبو الجعد أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي في رجب وهو من أبناء التسعين وكان نبيلا رئيسا كبير الشأن رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى والمزني وصحب بقي بن مخلد مدة وأضر بآخر عمره وضعف من الكبر وفيها أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذاب ببغداد روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق ومسدد والكبار قال ابن عدي كان يضع الحديث قاله في العبر وفيها الكعبي شيخ المعتزلة أبو القسم عبد الله بن أحمد البلخي قال ابن خلكان أبو القسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي العالم المشهور كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم الكعبية وهو صاحب مقالات ومن مقالاته إن الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة وإن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها وكان من كبار المتكلمين وله اختيارات في علم الكلام انتهى وفيها القاضي أبو عبيد بن جويرية البغدادي علي بن الحسين بن حرب

(2/281)


282 الفقيه الشافعي قاضي مصر وهو من أصحاب الوجوه روى عن أحمد بن المقدام والزعفراني وطبقتهما قال أبو سعيد بن يونس كان شيئا عجبا ما رأينا مثله لا قبله ولا بعده وكان تفقه على مذهب أبي ثور وفيها محمد بن الفضل البلخي الزاهد أبو عبد الله نزيل سمرقند وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير يقال إنه مات في مجلسه أربعة أنفس صحب أحمد ان حضرويه البلخي وهو آخر من روى عن قتيبة وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ وقال السخاوي هو محمد بن الفضل بن العباس بن حفص أبو عبد الله أصله من بلخ خرج منها لسبب المذهب فدخل سمرقند ومات بها وهو من جلة مشايخ خراسان ولم يكن أبو عثمان يميل إلى أحد من المشايخ ميله إليه وقال أبو عثمان لو وجدت في نفسي قوة لرحلت إلى أخي محمد بن الفضيل فأستروح سري برؤيته قال ابن الفضل الدنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا وقال العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز حتى يصل إلى بيته وحرمه وكعبته لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا ينقطع عن نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه فإن فيه آثار مولاه وتوحيده ومعرفته وقال أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته نفسه ذل وقال ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب من غير شيء والكلام في غير نفع والعطية في غير موضعها وإفشاء السر والثقة بكل أحد ولا يعرف صديقه من عدوه وقال خطأ العالم أضر من عمل الجاهل وقال من ذاق حلاوة العلم لم يصبر عنه ومن ذاق حلاوة المعاملة أنس بها وقال العلوم ثلاثة علم بالله وعلم من الله وعلم مع الله فالعلم بالله معرفة صفاته ونعوته والعلم من الله علم الظاهر والباطن والحلال والحرام والأمر والنهي والأحكام والعلم مع الله هو علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق وقال ثمرة الشكر الحب لله والخوف من الله وقال ذكر اللسان كفارة ودرجات وذكر القلب زلفى

(2/282)


283 وقربات وذكر السر مشاهدة ومناجاة انتهى ملخصا وفيها محدث الأندلس أبو عبد الله محمد بن فطيس بن واصل الغافقي الألبيري الفقيه الحافظ روى عن محمد بن أحمد العتبي وأبان بن عيسى ورحل وسمع من أحمد ابن أخي ابن وهب ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم وصنف وجمع وسمع بأطرابلس المغرب من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ قال الفرضي كان ضابطا نبيلا صدوقا وكانت الرحلة إليه حدثنا عنه غير واحد وتوفي في شوال عن تسعين سنة وفيها المؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس الرئيس أبو الوفاء النيسابوري لم يدرك الأخذ عن أبيه وأخذ عن إسحاق الكوسج والحسين الزعفراني وطبقتهما وكان صدر نيسابور وروى أن أمير خراسان ابن طاهر افترض منه ألف ألف درهم وقال أبو علي النيسابوري خرجت لأبي الوفاء عشرة أجزاء وما رأيت أحسن من أصوله فأسل إلى مائة دينار وأثوابا سنة عشرين وثلثمائة لما استفحل أمر مرداويج الديلمي لاطفة الخليفة وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع وعقد له على أذربيجان وأرمينية وإيران وقم ونهاوند وسجستان وفيها نهب الجند دار الوزير فهرب وسخم الهاشميون وجوههم وصاحوا الجوع الجوع للغلاء لأن القرمطي ومونسا منعوا الجلب وتسلل الجند إلى مونس وتملك الموصل ثم تجهزوا في جمع عظيم فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم فامتنع ثم قالت الأمراء للمقتدر أنفق في العساكر فعزم على التوجه إلى واسط في الماء ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز فقال له محمد

(2/283)


284 ابن ياقوت اتق الله ولا تسلم بغداد بلا حرب فلما أصبحوا ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب والقراءة والمصاحف حوله والوزير خفه فشق بغداد إلى الشماسية وأقبل مونس في جيشه وشرع القتال فوقف المقتدر على تل ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلاء بن حمدان فقالا تقدم فأبى فألحوا عليه فتقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف في طائفة قليلة فانكشف جيش مونس الخادم البربر فجاء علي بن بليق فترجل وقال مولاي أمير المؤمنين وقبل الأرض وقيل رماه بحربة وحز رأسه بالسيف وحمل على رمح ثم سلب ما عليه وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش ثم حفر له حفرة فطم وعفا أثره وذلك لثلاث بقين من شوال وهو ابن الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل ابن المعتصم العباسي وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت وسمع أمير الأندلس بذلك فقال أنا أولى بإمرة المؤمنين فلقب نفسه أمير المؤمنين الناصر لدين عبد الرحمن وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلثمائة ولا شك أن حرمته ودولته كانت أمتن من دولة المقتدر ومن بعده وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد وكان ربعة جميل الصورة أبيض مشربا حمرة أسرع الشيب إلى عارضيه وعاش ثمانيا وثلاثين سنة وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا أياما وكان جيد العقل والرأي لكنه كان يؤثر اللعب والشهوات غير ناهض بأعباء الخلافة كانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور والكبار والولايات والحل والعقد قال الوزير علي بن عيسى ما هو إلا لا يترك النبيذ خمسة أيام وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه وكالمأمون ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر إلا هو والمتوكل وكلاهما قتل في شوال وندم

(2/284)


285 مونس على قتله وقال لتقتلن كلنا ثم بايعوا القاهر فصادر بعض خواص المقتدر وعذب أمه حتى ماتت معلقة وبالغ في الظالم وستوزر ابن مقلة وكان المقتدر مسرفا مبذرا محق الذخائر حتى إنه أعطى بعض جواره الدرة اليتيمة التي وزنها ثلاثة مثاقيل وقال إنه ضيع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار وكان في دراه عشرة آلاف خصى من الصقالبة وأهلك نفسه بيده يسوء تدبيره وخلف عدة أولاد منهم الراضي بالله محمد والمتقي لله إبراهيم والأمير إسحاق ولد القادر والمطيع لله وذكر طبيبه ثابت بن سنان في تاريخه إن المقتدر أتلف نيفا وسبعين ألف ألف دينار وفيها توفي الحافظ محدث الشام أبو الحسن أحمد بن عمر بن يوسف بن موسى بن جوصا سمع كثير بن عبيد وطبقته وعنه الطبراني وحمزة الكتاني وأبو علي الحافظ والحاكم حط عليه حمزة الكتاني وأثنى عليه الدارقطني وجمع وصنف وتبحر في الحديث قال أبو علي النيسابوري كان ركنا من أركان الحديث وقال محمد بن إبراهيم كان ابن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة وقال غيره كان ابن جوصا كثير الأموال يركب البغلة وتوفي في جمادى الأولى وقال الدارقطني تفرد بأحاديث ولم يكن بالقوي وفيها أبو بكر أحمد بن القسم بن نصر أخو أبي الليث الفرائضي ببغداد في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة روى عن لوين وإسحاق بن أبي إسرائيل وعدة وفيها الحافظ الجوال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة روى عن أبي زرعة الرازي والزعفراني وعنه أهل الري وقزوين منهم أحمد بن علي بن حسن الرازي وأبو بكر بن يحي الفقيه وغيرهما قاله ابن درباس وفيها أبو العباس عبد الله بن عتاب بن الزفتي محدث دمشق وله ست

(2/285)


286 وتسعون سنة روى عن هشام بن عمار وعيى بن حماد زغبة وخلق قال أبو أحمد الحاكم رأيناه ثبتا وفيها الحافظ الثقة أبو القسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ابن أخي أبي زرعة الرازي روى عن يونس بن عبد الأعى وأحمد بن منصور الرمادي وطبقتهما وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري وقد سمع من علي بن خشرم لما رابط بفرير وكان ثقة ورعا توفي في شوال وله تسع وثمانون سنة وكانت ولادته سنة إحدى وثلاثين ومائتين ورحل إليه الناس وسمعوا منه صحيح البخاري وهو أحسن من روى الحديث عن البخاري وفربر بفتح الفاء والراء والسكون الباء الموحدة وفي آخره راء ثانية وهي بليدة على طرف جيجون مما يلي بخارى قاله ابن خلكان وفيها أو قبلها أو بعدها توفي القاضي الحافظ محمد بن يحي العدني قاضي عدن ونزيل مكة سمع منه مسلم بن الحجاج والترمذي وروى عن سفيان بن عيينة وطبقته روى عنه الترمذي أنه قال حججت ستين حجة ماشيا على قدم قاله ابن الأهدل وفيها الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن هارون بن خمدون بن خالد النيسابوري الثقة الإمام روى عن الذهلي وعيس بن أحمد والربيع المرادي وعنه محمد ابن صالح بن هاني وأبو علي الحافظ ووثقه الحاكم قاله ابن برداس وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزدي مولاهم البغدادي وكان من خيار القضاة حلما وعقلا وجلالة وذكاء وصيانة ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين وروى عن يزيد بن أحزم والحسن ابن أبي الربيع وجماعة حمل عنهم في صغره وولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر ثم ولي قضاء القضاة

(2/286)


287 سنة سبع عشرة وثلثمائة وكان له مجلس في غاية الحسن كان يقعد للإملاء والبغوي عن يمينه وابن صاعد عن يساره وابن زياد والنيسابوري بين يديه وقد حفظ من جده حديثا وهو ابن أربع سنين وفيها ميمون بن عمر الإفريفي المالكي أبو عمر الفقيه قاضي القيروان وقاضي صقلية عاش مائة سنة أو أكثر وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون وعن أبي مصعب الزهرة وزمن في آخر عمره وهرم وفيها أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي قال الأسنوي كان إماما جليلا وربما كان يعيب على ابن سريج في القضاء ويقول هذا الأمر لم يكن في أصحابنا إنما كان في أصحاب أبي حنيفة وطلبه الوزير ابن الفرات بأمر الخليفة للقضاء فامتنع فوكل بمناولة بعض الجيران فبلغ الخبر إلى الوزير فأمر بالإفراج عنه وقال ما أردنا بالشيخ أبي علي إلا خيرا أردنا أن يعلم أن في مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وفعل به مثل هذا وهو لا يقبل توفي رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة انتهى ملخصا وتفقه به جماعة وفيها أبو عمر الدمشقي الزاهد من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم روى عنه أنه قال كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات فرض الله على الأولياء كتمان الكرامات لئلا يفتتنوا بها سنة إحدى وعشرين وثلثمائة فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام فتحيل حتى قبض على مونس الخادم وبليق وابنه علي بن بليق ثم أمر بذبحهم وطبف برؤوسهم ببغداد ثم أمر بذبح يمن وابن زبرك فاستقامت بغداد وأطلقت أرزاق الجند وعظمت هيبة القاهر

(2/287)


288 في النفوس ثم أمر بتحريم القيان والخمر وقبض على المغنين ونفى المخانيث وكسر آلات إلا أنه كان لا يكاد يصحو من السكر ويسمع القينات قاله في العبر وفيها توفي أبو حامد ويقال أبو تراب أحمد بن حمدون بن أحمد بن عمارة بن رستم الأعمشي النيسابوري الحافظ وأبوه حمدون القصار كان أعمى من الموثقين وكان قد جمع حديث الأعمش كله وحفظه فلقب بذلك سمع محمد بن رافع وأبا سعيد الأشج وطبقتهما ومنه أبو الوليد الثقة وأبو علي الحافظ والحاكم قال ابن برداس لا بأس به وكان صاحب بسط ودعابة وفيها أحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسواني العسال في جمادى الآخرة وهو آخر من حدث عن محمد بن رمح ووثقه ابن يونس وفيها أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الأزدي الخجري المصري شيخ الحنفية الثقة الثبت سمع هارون بن سعيد الأيلي وطائفة من أصحاب ابن عيينة وابن وهب ومنه أحمد بن القسم الحساب والطبراني وصنف التصانيف منها العقيدة السنية وبرع في الفقه والحديث توفي في ذي القعدة وله اثنتان وثمانون سنة قال ابن يونس كان ثقة ثبتا لم يخلف مثله وقال الشيخ أبو إسحاق انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر وقرأ أولا على المزني قيل وكان ابن أخته فقال له يوما والله لا جاء منك شيء فغضب وانتقل إلى جعفر ابن عمران الحنفي ففاق أهل عصره وكان يقول بعد رحم الله أبا إبراهيم يعني المزني لو كان حيا لكفر عن يمينه وصنف كثيرا ونسبته إلى طحاقرية بصعيد مصر وفيها أبو علي أحمد بن علي بن رزين الباشاني بهراة روى عن علي ابن خشرم وسفيان بن وكيع وطائفة من الثقات

(2/288)


289 وفيها الأمير تكين الخاصة ولى دمشق ثم مصر وبها مات ونقل إلى بيت المقدس وفيها أبو يزيذ حاتم بن محبوب الشامي بهراة حج وسمع محمد بن زنبور وسلمة بن شبيب وان ثقة والحسن بن محمد بن النضر أبو علي بن أبي هريرة بأصبهان روى عن إسمعيل بن يزيد القطان وأحمد بن الفرات وعنه ابن مندة وهو من أكبر شيوخه وفيها أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب البصري الجبائي شيخ المعتزلة وابن شيخهم توفي في شعبان ببغداد وفيها أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري اللغوي العلامة صاحب التصانيف أخذ عن الرياشي وأبى حاتم السجستاني وابن أخي الأصمعي وعاش ثمانياً وتسعين سنة قال أحمد بن يوسف الزرق ما رأيت احفظ من ابن دريد ما رأيته قرىء عليه ديوان إلا وهو يسابق في قراءته وقال الدارقطني تكلموا فيه قاله في العبر وقال ابن خلكان إمام عصره في اللغة والآداب والشعر الفائق قال المسعودي في كتاب مروج الذهب في حقه كان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة لم يوجد مثله في فهم كتب المتقدمين وقام مقام الخليل بن أحمد فيها وكان يذهب بالشعر كل مذهب فطوراً يجزل وطوراً يرق وشعره أكثر من أن نحصيه فمن جيد شعره قصيدته المقصورة التي أولها ( إما ترى رأسى حاكي لونه * طرة صبح تحت أذيال الدجى ) ( واشتعل المبيض فيم سوده * مثل اشتعال النار في جمر الغضا ) وكان من تقدم من العلماء يقول إن ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء ون مليح شعره قوله ( عزراء لو جلت الخدور شعاعها * للشمس عند شروقها لم تشرق )

(2/289)


290 ( غصن على دعص تأود فوقه * قمر تألق تحت ليل مطبق ) ( لو قيل للحسن احتكم لم يعدها * أو قيل خاطب غيرها لم ينطق ) ( فكأننا من فرعها في مغرب * وكأننا من وجهها في مشرق ) ( تبدو فيهتف بالعيون ضياؤها * الويل حل بمقلة لم تطبق ) تبدو ولادته بالبصرة في سكة صالح سنة ثلاث وعشرين ومائتين ونشأ بها وتعلم فيها وسكن عمان وأقام بها ثنتي عشرة سنة ثم عاد إلى البصرة وسكنها زماناً ثم خرج إلى نواحي فارس وصحب ابني ميكال وكانا يومئذ على عمالة فارس وعمل لهما كتاب الجمهروة وقلداه ديوان فارس فكانت تصدر كتب فارس عن رأيه ولا ينفذ أمر إلا بعد توقيعه فأفاد معمها اموالا عظيمة وكان لا يمسك درهماً سخاء وكرماً ومدحهما بقصيدته المقصورة فوصلاه بعشرة آلاف درهم ثم انتقل إلى بغداد وعرف الإمام المقتدر بالله خبره ومكانه بالعلم فأمر أن يجري عليه خمسون ديناراً في كل شهر ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته وكان واسع الرواية لم ير أحفظ منه وسئل عنه الدارقطني أثفة هو أم لا فقال تكلموا فيه وقيل إنه كان يتسامح فيا لرواية فيسند إلى كل واحد ما يخطر له وقال أبو منصور الزهري البغوي دخلت عليه فرأيته سكران فلم أعد إليه وقال ابن شاهين كنا ندخل عليه فنستحي من العيدان المعلقة والشراب المصفى وذكر أن سائلاً سأله شيئاً فلم يكن عنده غيردن من نبيذ فوهبه له فأنكر عليه أحد غلمانه وقال تصدق بالنبيذ فقال لم يكن عندي شيء سواه ثم أهدى له بعد ذلك عشر دنان من النبيذ فقال غلامه أخرجنا دناً فجاءنا عشرة وينسب إلأيه من هذه الأمور شيء كثير وعرض له فالج فسقى التريقان فشفى ثم عاوده الفالج بعد حول لغداء ضار تناوله فبطل من محزمه إلى قديمة وكان مع هذا الحال ثابت العقل صحيح الذهن يرد فيما يسأل رداً صحيحاً وقال المرزباني قال لي ابن دريد سقطت من منزلي بفارس فانكسرت

(2/290)


291 ترقوتي فسهرت ليلتي فلما كان آخر الليل غمضت عيني فرأيت رجلا طويلا أصفر الوجه كوسجا دخل علي وأخذ بعضادتي الباب وقال أنشدني أحسن ما قلت في الخمر فقلت ما ترك أو نواس لأحد شيئا فقال أنا أشعر منه فقلت من أنت فقال أنا أبو ناجية من أهل الشام وأنشدني ( وحمراء قبل المزج صفراء بعده * أتت بين ثوبي نرجس وشقائق ) ( حكت وجنة المعشوق صرفا فسلطوا * عليها مزاجا فاكتست لون عاشق ) فقلت له أسأت فقال ولم قلت حمراء فقدمت الحمرة ثم قلت بين ثوبي نرجس وشقائق فقدمت الصفرة فهلا قدمتها على الأخرى فقال وما هذا الاستقصاء يا بغيض وتوفي يوم الأربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان ودريد بضم الدال المهملة وفتح الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة وهو تصغير ادرد والادرد الذي ليس فيه سن وهو تصغير ترخيم لحذف الهمزة من أوله كما تقول في تصغير أسود سويد وأزهر زهير انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها محمد بن هارون أبو حامد الحضرمي محدث بغداد في وقته وله نيف وتسعون سنة روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وأبي همام السكوني وفيها محمد بن مكحول البيروتي وهو أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ الثقة الثبت سمع محمد بن هاشم البعلبكي وأبا عمير بن النحاس وطبقتهما بمصر والشام والجزيرة وعنه أبو سليمان بن زين وأبو محمد بن ذكوان البعلبكي والحاكم وفيها محمد بن نوح الحافظ أبو الحسن الجنديسابوري الثقة روى عن الحسن بن عرفة وغيره وعنه الدارقطني وغيره وفيها مؤنس الخادم الملقب بالمظفر عن نحو تسعين سنة وكان أمير معظما شجاعا منصورا لم يبلغ أحد من الخدام منزلته إلا كافور صاحب مصر

(2/291)


292 سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة فيها انفرد عن مرداويج الديلمي أحد قواده الأمير علي بن بويه والتقى هو ومحمد بن ياقوت أمير فارس فهزم محمدا واستولى على مملكة فارس وهذا أول ظهور بني بويه وكان بويه من أوساط الناس يصيد السمك بين الديلم فملك أولاده الدنيا وكنية بويه أبو شجاع ونسبه متصل إلى بن بابك من الأكاسرة وكان له ثلاثة أولاد شجعان في خدمة ابن كالي الديلمي وأسماؤهم عماد الدولة أبو الحسن علي وركن الدولة الحسن ومعز الدولة الحسين وفيها قتل القاهر الأمير أبا السرايا نصر بن حمدان والرئيس بن إسماعيل النوبختي بالضم نسبة إلى نوبخت جد وقيل قتلهما إسحاق بن إسماعيل النوبختي بالضم نسبة إلى نوبخت جد وقيل قتلهما ابن أخيه أبو أحمد ابن المكتفي بلا ذنب وتفرعن وطغى وأخذ أبو علي بن مقلة وهو مختف يراسل الخواص من المماليك ويحشدهم على القاهر ويوحشهم منه فما برح على أن اجتمعوا على الفتك به فركبوا إلى الدار والقاهر سكران نائم وقد طلعت الشمس فهرب الوزير في إزار وسلامة الحاجب فوثبوا على القاهر فقام مرعوبا وهرب فتبعوه إلى السطح وبيده سيف فقالوا انزل فأبى فقالوا نحن عبيدك فلم تستوحش منا فلم ينزل ففوق واحد منهم سهما وقال انزل فأبى وإلا قتلتك فنزل فقبضوا عليه في جمادى الآخرة وأخرجوا محمد بن المقتدر ولقبوه الراضي بالله ووزر ابن مقلة قال الصولي كان القاهر أهوج سفاكا للدماء قبيح السيرة كثير الاستحالة مدمن الخمر كان له حربة يحملها فلا يضعها حتى يقتل إنسانا ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل وستأتي بقية ترجمته عند ذكر وفاته في سنة تسع وثلاثين وثلثمائة إن شاء الله تعالى وفيها هلك مرادويج الديلمي بأصبهان وكان قد عظم سلطانه وتحدثوا

(2/292)


293 أنه يريد قصد بغداد وكان له ميل إلى المجوس وأساء إلى أصحابه فتواطأوا على قتله في الحمام وبعث الراضي بالعهد إلى علي بن بويه على البلاد التياستولى عليها والتزم بحمل ثمانية آلاف ألف درهم في العام وفيها اشتهر محمد بن علي الشلمغاني ببغداد وشاع أنه يدعي الآلهية وأنه يحي الموتى وكثر أتباعه فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله فسمع كلامه وأنكر الآلهية وقال إن لم تنزل العقوبة بعد ثلاثة أيام وأكثره تسعة أيام وإلا فدمي حلال وكان هذا الشقي قد أظهر الرفض ثم قال بالتناسخ والحلول ومخرق على الجهال وضل به طائفة وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة فلما طلب هرب إلى الموصل وغاب سنين ثم عاد وادعى الآهية فتبعه فيما قيل الذي وزر المقتدر الحسين بن الوزير القسم ابن الوزير عبيد الله بن وهب وأما بسطام وإبراهيم بن أبي عون فلما قبض عليه ابن مقلة كبس بيته فوجد فيه رقاعا وكتبا مما قيل عنه يخاطبونه في الرقاع بما لا يخاطب به البشر وأحضر فأصر على الإنكار فصفعه ابن عبدوس وأما ابن أبي عون فقال إلهي وسيدي ورازقي فقال الراضي للشلمغاني أنت زعمت أنك لا تدعي الربوبية فما هذا فقال وما علي من قول ابن أبي عون ثم أحضروا غير مرة وجرت لهم فصول وأحضرت الفقهاء والقضاة ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه فأحرق في ذي العدة وضربت عنق ابن أبي عون ثم أحرق وهو فاضل مشهور صاحب تصانيف أدبية وكان أعنى ابن أبي عون من رؤساء الكتاب وشلمغان بالشين والغين المعجمتين من أعمال واسط وقتل الحسين بن القاسم الوزير وكان في نفس الراضي منه ولم يحج أحد من بغداد إلى سنة سبع وعشر ين خوفا من القرامطة وفيها توفي أبو عمر أحمد بن خالد بن الخباب القرطبي حافظ الأندلس وكان أبوه يبيع الحباب روى عن بقي بن مخلد وطائفة وعنه ولده محمد ومحمد بن أبي وليم

(2/293)


294 قال القاضي عياض كان إماماً في فقه مالك وكان في الحديث لا ينازع وارتحل إلى اليمن فأخذ عن إسحق الدبري وعاش بضعاً و سبعين سنة وصنف التصانيف وفيها قاضي مصر أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة حدث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر ولم يكن معه كتاب وهي أحد وعشرون مصنفاً وولى قضاء مصر شهراً ونصفاً وفيها العارف الزاهد القدوة خير النساج أبو الحسن البغدادي وكانت له حلقة يتكلم فيها وعمر جاهراً فقيل إنه لقي سرياً السقطي وله أحوال وكارمات وفيها المهدي عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى أنه من ولد جعفر الصادق وكان بسلمية فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب وامتدت دولته بضعاً وعشرين سنة ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة قال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص الذي قتله عبيد الله وبنوه بعده في دار النحر التي يعذب فيها في العذاب ما بين عالم وعابد ليردهم عن الترضي على الصحابة فاختار الموت أرعبة آلاف رجل وفي ذلك يقول بعضهم من قصيدة ( وأحل دار النحر في أغلاله * من كان ذا تقوى وذا صلوات ) وقال ابن خلكان أبو محمد عبيد الله الملقب بالمهدي وجدت في نسبة اختلافاً كثيرا ًقال صاحب تاريخ القيروان هو عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب رضي الله عنه وقال غيره هو عبيد الله بن محمد بن إسمعيل ابن جعفر المذكور وقيل هو عبيد الله بن التقى وفيه اختلاف كثير وأهل العلم بالنساب المحققون ينكرون دعواه في النسب وقيل إن المهدي لما وصل إلى سجلماسة ونما خبره إلى اليسع وهو مالكها وهو آخر ملوك بني مدرار وقي له إن هذا الفتى يدعو إلى بيعة أبي عبد الله الشيعي بإفريقية أخذه اليسع

(2/294)


295 واعتقله فلما سمع أبو عبد الله الشيعي باعتقاله حشد جميعا ًكثراً من كتامة وغيرها وقصد سجلماسة لا ستنفاذه فلما بلغ اليسع خبر و صوللم قتل المهدي في السجن فلما دنت العساكر من البلد هرب اليسع فدخل أبو عبد الله إلى السجن فوجد المهدي مقتولاً وعنده رجل من أصحابه كان يخدمه فخاف أبو بعد الله أن ينتقض عليه ما دبره من الأمر إن عرفت العساكر بقتل المهدي فأخرج هذا الرجل وقال هو المهدي وهو أول من قام بهذا الأمر من بيتهم وادعى الخلافة بالمغرب وكان داعية أبا عبد الله الشيعي ولما استثبت له الأمر قتله وقتل أخاه وبني المهدية بإفريقية ولما فرغ من بنائها في شوال سنة ثمان وثلثمائة بني سور تونس وأحكم عمارتها وجدد فيها مواضع فنسبت إليه وملك بعده ولده القائم ثم المنصور ولد القائم ثم المعز بن المنصور وهو الذي سير القائد جوهراً وملك الديار المصرية وبنى القاهرة واستمرت دولتهم حتى انقرضت على يد السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وكانت ولادته في سنة تسع وخمسين وقيل ستين ومائتين بمدينة سلمية وقيل بالكوفة ودعى له بالخلافة على منابر زقادة والقيروان يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخرة سنة سبع وتسعين ومائتين بعد رجوعه من سجلماسة وكان ظهوره يوم الأحد لسبع خلون من ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين وخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العباس انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصاً وفيها أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي محدث مكة نسبة إلى ديبل بفتح أوله وضم الباء مدينة قرب السند وتوفي في جمادى الأولى روى عن محمد بن زنبور وطائفة وفيها أبو جعفر محمد بن عمرو والحافظ صاحب الجرح والتعديل عداده في أهل الحجاز روى عن إسحق الدبري وأبي إسمعيل الترمذي وخلق

(2/295)


296 وعنه أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعي وأبو بكر بن المقرى قال الحافظ أبو الحسن القطان أبو جعفر ثقة القدر عالم بالحديث مقدم بالحفظ وتوفي بمكة في شهر ربيع الأول وفيها الزاهد أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتاني شيخ الصوفيه المجاور بمكة أخذ عن أبي سعيد الخزاز وغيره وهو مشهور قال السخاوي في طبقاته قال المرتعش الكتاني سراج الحرم صحب الجنيد والخزاز والنوري وأقام بمكة مجاوراً إلى أن مات بها ومن كلامه روعة عند انتباه عن غفلة وانقطاع عن حظ من الحظوظ النفسانية وارتعاد من خوف القطيعة أفضل من عبادة الثقلين وقال وجود العطاء من الحق شهود الحق بالحق لألحق دليل على كل شيء ولا يكون شيء دونه دليل عليه وقال إذا صح الإفتقار إلى الله صح الغناء به لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه وقال الشهوة زمام الشيطان من أخذ بزمامه كان عبده وقال العارف من يوافق معروفه في أوامره ولا يخالفه في شيء من أحواله ويتحبب إليه بصحبة أوليائه ولا يفتر عن ذكره طرفة عين وقال الصوفي من عزمت نفسه عن الدنيا تطرفاً وعلت همته عن الآخرة وسخت نفسه بالكل طلباً وشوقاً لمن له الكل وقال من طلب الراحة عدم الراحة انتهى ملخصاً وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن القسم الروذباري البغدادي الزاهد المشهور الشافعي قال الأسنوي وهو بارء مضمومة وواو ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة ثم باء موحدة بعد الألف راء مهملة وياء النسب كان فقيهاً نحوياً حافظاً للأحاديث عارفاً بالطريقة له تصانيف كثيرة وأصله من بغداد من أبناء الوزراء والكبار يتصل نسبه بكسرى فصحب الجنيد حتى صار أحد أئمة الوقت وشيخ الصوفية وكان يقول أستاذي في التصويف الجنيد في الحديث إبراهيم الحربي وفي الفقه ابن سريج وفي النحو ثعلب ومن شعره

(2/296)


297 ( ولو مضى الكل مني لم يكن عجبا * وإنما عجبي للبعض كيف بقى ) ( أدرك بقية روح فيك قد تلفت * قبل الفراق فهذا آخر الرمق ) سكن مصر وتوفي بها وقد اختلف في اسمه فقال الخطيب وبن السمعاني إنه محمد وقال ابن الصلاح في الطبقات أحمد وقيل الحسن انتهى ملخصا سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة فيها تمكن الراضي بالله بحيث أنه قلد ولديه وهما صغيران إمرة المشرق والمغرب وفيها محنة ابن شنبوذ القارئ كان يقرأ في المحراب بالشواذ فطلبه الوزير ابن مقلة وأحضر القاضي والقراء ابن مجاهد فناظره فأغلظ للحاضرين في الخطاب ونسبهم إلى الجهل فأمر الوزير بضربه لكي يرجع فضرب سبع درر ودعا على الوزير بقطع اليد فقطعت وسيأتي تمام القصة عند ذكر وفاته إن شاء الله تعالى وفيها هاشت الجند وطلبوا أرزاقهم وأغلظوا لمحمد بن ياقوت وأخرجوا المحبوسين ووقع القتال ونهبت الأسواق وبقي البلاء أياما ثم أرضاهم ابن ياقوت وبعد أيام قبض الراضي بالله على ابن ياقوت وأخيه المظفر وعظم شأن الوزير ابن مقلة وتفرد بالأمر ثم هاجت عليه الجند فأرضاهم بالمال وفيها استولت بنو عبيد الرافضة على مدينة جنوة بالسيف وفيها فتنة البربهاري شيخ الحنابلة فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه وحبس جماعة منهم وهرب هو وفيها وثب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان أمير الموصل على عمه سعيد بن حمدان فقتله لكونه فقتله لكونه أراد أن يأخذ منه الموصل فسار لذلك ابن مقلة في الجيش فلما قرب من الموصل نزح عنها ناصر الدولة ودخلها ابن

(2/297)


298 مقلة فجمع منها نحو أربعمائة ألف دينار ثم أسرع إلى بغداد لتشويش الحال ثم هزم ناصر الدولة جيش الخليفة ودخل الموصل وفيها أخذ أبو طاهر القرمطي لعنه الله الركب العراقي وانهزم الأمير لؤلؤ وبه ضربات وقتل خلق من الوفد وسبيت الحريم وهلك محمد بن ياقوت في السجن وسلم إلى أهله وأخذ الراضي بالله ماله وأملاكه ومعاملاته وأطلق أخاه المظفر بن ياقوت بشفاعة الوزير ابن مقلة بعد أن حلف له أن يواليه بخير ولا ينحرف عنه ولا يسعى له ولا لولده بمكروه ثم غدر به وقبض عليه بعد أن جمع عليه الحجرية فاجتمعوا مع المظفر بن ياقوت وقبضوا على ابن مقلة في سنة أربع وثلاثين وسعوا في عزله من الوزارة وقطع يده كما يأتي إن شاء الله تعالى وفيها جمع محمد بن رائق أمير واسط وحشد وتمكن وأضمر الخروج وفيها توفي الحافظ أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي روى عن محمود بن آدم وطائفة وهو أحد الوضاعين الكذابين مع كونه كان محدثا إماما في السنة والرد على المبتدعة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين في بديعته ( كالواضع الموهن المكذب * ذاك الفقيه أحمد بن مصعب ) وفيها الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر البغدادي روى عن عباس الدوري وطبقته ورحل إلى أصحابعبد الرزاق وكان الدارقطني يقول هو أستاذي قال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون وفيها نفطويه النحوي أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الواسطي صاحب التصانيف روى عن شعيب بن أيوب الصريفيني وطبقته وعاش ثمانين سنة وكان كثير العلم واسع الرواية صاحب فنون ولد سنة أربع وأربعين أو سنة خمسين ومائتين بواسط وسكن بغداد ومات بها يوم

(2/298)


299 الأربعاء لست خلون من صفر بعد طلوع الشمس بساعة ودفن ثاني يوم بباب الكوفة قال ابن خالويه ليس في العلماء من اسمه إبراهيم وكنيته أبو عبد الله سوى نفطويه ومن شعره ما ذكره أبو علي القالي في كتاب الأمالي وهو ( قلبي أرق عليك من خديكا * وقواي أوهى من قوى جفنيكا ) ( لم لا ترق لمن يعذب نفسه * ظلما ويعطفه هواه عليكا ) وفيه يقول أبو عبد الله محمد بن زيد بن علي بن الحسين الواسطي المتكلم المشهور صاحب كتاب الإمامة وكتاب إعجاز القرآن الكريم وغيرهما ( من سره أن لا يرى فاسقا * فليجتهد أن لا يرى نفطويه ) ( أحرقه الله بنصف اسمه وصير الباقي صاخا عليه ) وتوفي أبو عبد الله محمد المذكور سنة سبع وقيل ست وثلثمائة ونفطويه بكسر النون وفتحها والكسر أفصح قال الثعالبي لقب نفطويه لدمامته وأدمته تشبيها بالنفط وزيدويه نسبة إلى سيبويه لأنه كان يجري على طريقته ويدرس كتابه وفيها الحافظ أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الحافظ الجوال الفقيه الاستراباذي سمع على حرب وعمر بن شب وطبقتهما قال الحاكم كان من أئمة المسلمين سمعت أبا الوليد الفقيه يقول لم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقوال الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد وقال أبو علي النيسابوري ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كلها كما نحفظ نحن المسانيد انتهى وله كتاب الضعفاء في عشرة أجزاء وممن أخذ عنه ابن صاعد مع تقدمه وأبو علي الحافظ وأبو سعيد الأزدي قال الخطيب كان أحد الأئمة من الحفاظ لشرائع الدين مع صدق وتيقظ وورع انتهى وفيها قاضي الكوفة أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري الكوفي الفقيه روى عن أبي كريب والأشج وكان يحفظ عامة حديثه

(2/299)


300 وفيها على بن الفضل بن طاهر بن نصر أبو الحسن البلخي الحافظ الثقة الجوال روى عن أحمد بن سيار المروزي وأبي حاتم الرازي وهذه الطبقة وعنه الدارقطني وقال ثقة حافظ وابن شاهين قال الخطيب كان ثقة حافظاً جوالاً في الحديث صاحب غرائب وفيها أبو عبيد المحاملي القسم بن إسمعيل بن محمد الضبي القاضي الإمام العلامة الحافظ البحر ولد سنة خمس وثلاثين وأخذ عن الفلاس والدورقي وغيرهما وعنه دعلج والدارقطني وابن جميع وأثني عليه الخطيب وفيها موسى بن العباس أبو عمران الجويني نحدث عن جماعة وعنه جماعة صنف على صحيح مسلم مصنفاً صار له عديلاً وكان حافظاً مجرداً ثقة ثبيلاً وكان يقوم الليل يصلى ويبكي طويلاً قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي العطار وله ست وتسعون سنة روى عن أبي هاشم الرفاعي وطبقته وفيها الحافظ محمد بن أحمد بن أسد الهروى الأصل السلام بالبغدادي أبو بكر بن البستنبان نسبة إلى حفظ البستان كان إماماً ثقة ثبتاً سنة أربع وعشرين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور اشتد الجوع وكثر الموت فمات بأصبهان نحو مائتي ألف وفيها ثارت الغلمان الحجرية وتحالفوا واتفقوا ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة وأحرقوا داره ثم سلم إلى الوزير عبد الرحمن فضربه وأخذ خطه بألف ألف دينار وجرى له عجائب من الضرب والتعليق ثم عزل عبد الرحمن ووزر أبو جعفر محمد بن القسم الكرخي وكان ياقوت والد محمد والمظفر بعسكر مكرم يحارب على بن بويه لعصيانه فتمت له أمور طويلة ثم قتل وقد شاخ وتغلب ابن رائق وابن بويه على

(2/300)


301 المالك وقلت الأموال على الكرخي فعزل بسليمان بن الحسن فدعت الضرورة الراضي بالله إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم فقدم في جيشه إلى بغداد وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين فاستلوي ابن رائق على الأمور وتحكم في الموال وضعف أمر الخلافة وبقى الراضي معه صورة قاله فيا لعبر وفيها توفي أحمد بن بقي بن مخلد أبو عر الأندلسي قاضي الجماعة الناصر لدين الله ولي عشرة أعوام وروى الكتب عن أبيه وفيها أبو الحسن جحظة البرمكي النديم وهو أحمد بن جعفر بن موسى ابن يحيى بن خالد بن برمك الأديب الأخباري صاحب الغناء واللحان والنوادر قال ابن خلكان كان فاضلاً صاحب فنون وأخبار ونجوم ونوادر وكان من ظرفاء عصره وهو من ذرية البرامكة وله الأشعار الرائقة فمن شعره ( أنا ابن أناس نول الناس جودهم * فأضحوا حديثاً للنوال المشهر ) ( فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر * ولم يخل من تقريضهم بطن دفتر ) وله أيضاً ( فقلت لها بخلت على يقظى * فجودى في المنام لمستهام ) ( فقالت لي وصرت تنام أيضاً * وتطمع أن أزورك في المنام ) وله أيضاً ( أصبحت بين معاشر هجروا الندى * وتقبلوا الأخلاق من أسلافهم ) ( قوم أحاول نيلهم فكأنما * حاولت نتف الشعر نم آنافهم ) ( هات استقنيها بالكبير وغنى * ذهب الذين يعاش في أكنافهم ) وله ( يا أيها الركب الذين فراقهم إحدى البليه * ) ( يوصيكم الصب المقيم بقلبه خير الوصيه * ) ومن أبياته السائرة قوله

(2/301)


302 ( ورق الجو حتى قيل هذا * عتاب بين جحظة والزمان ) ولابن الرومي فيه وكن مشوه الخلق ( نبئت جحظة يستعير جحوظه * من فيل شطرنج ومن سرطان ) ( وارحمتا لمنادميه تحملوا * أم اليعون للذة الآذان ) وتوفي بواسط وقيل حمل تابوته من واسط إلى بغداد وجحظة بفتح الجيم لقب عليه لقبه به عبد الله بن المعتز انتهى ملخصاً وفيها ابن مجاهد مقرىء العراق ابو بكر بن أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد روى عن سعدانبن نصر والرمادي وخلق وقرأ على قنبل وأبى الزعراء وجماعة وكان ثقة بصيراً بالقراءات وعللها عديم النظير توفي في شبعان عن ثمانين سنة وفيها ابن المغلس الداودي وهو العلامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس البغدادي الفقيه أحد علماء الظاهر له مصنفات كثيرة وهرج له عدة أصحبا تفقه على محمد بن داود الظاهري وفيها ابن زياد النيسابوري أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل الفقيه الشافعي الحافظ صاحب التصانيف والرحلة الواسعة سمع محمد بن يحيى الذهلي ويونس الصدفي وغيرهما ومنه ابن عقدة والدارقطني ما رأيت أحفظ من ابن زياد كان يعرف زيادات الألفاظ وأثني عليه الحاكم وهو ثقة قال الأسنوي ولد في أول سنة ثمان وثمانين ومائتين ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر وقرأ على المزني وبرع في العلم وسكن بغداد وصار إماماً للشافعية بالعراق وسمع من جماعة كثيرة روى عنه جماعة منهم الدارقطني وقال إنه أفقه المشايخ وإنه لم ير ممثله أقام أربعين سنة لا ينام الليل ويصلى الصبح بوضوء العشاء وصنف كتاباً منها كتاب الربا انتهى ملخصا وفيها قاضي حمص أبو القسم عبد الصمد بن سعيد الكندي روى عن محمد

(2/302)


303 ابن عوف الحافظ وعمران بن بكار وطائفة وجمع التاريخ وفيها الإمام العلامة البخر الفهامة أبو الحسن الأشعري على بن إسماعيل ابن أبي بشر المتكلم البصري صاحب المصنفات وله بضع وستون سنة أخذ عن زكريا السجي وعلم الجدل والنظر عن أبي علي الجبائي ثم على المعتزلة ذكر ابن حزم أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفاً وأنه توفي في هذا العام وقال غيره توفي سنة ثلاثين وقيل بعد الثلاثين وكان قانعاً متعففاً قاله في العبر قلت ومما بيض به وجوه الحق الأبلج ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج منائرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مرائي وهي كما قال ابن خلكان سأل أبو الحسن المذكور أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة كان أحدهم مؤمناً برا تقيا والثاني كان كافراً فاسقاً شقياً والثالث كان صغيراً فماتوا فكيف حالهم فقال الجبائي أما الزاهد ففي الدرجات وأما الكفار ففي الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة فقال الأشعري إن أراد الصغير أين يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له فقال الجبائي لا لأنه يقال له أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات فقال الأشعري فإن قال ذلك التقصير ليس من ي فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني علىالطاعة فقال الجبائي يقول الباري جل وعلا كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك فقال الأشعري فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلم راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي ولهذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته وخص آخر بعذابه وإلى أبي الحسن انتهت رياسة الدنيا في الكلام وكان في ذلك المقدم المقتدي الإمام قال فيكتابه الإبانة في أصول الديانه وهو آخر كتاب صنفه وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند نم يطعن عليه فصل في إبانة

(2/303)


304 قول أهل الحق والسنة فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكلام ربنا وسنة نبينا وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول أبو عبد الله أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولما خالف قوله مخالفون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك المشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم وجملة قولنا إنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء من عند الله وبما رواه الثقات عن رسول الله نرد من ذلك شيئا وإنه واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من القبور وأن الله مستو على عرشه كما قال ( ^ الرحمن على العرش استوى ) وأن له وجها كما قال ( ^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وأن له يدين بلا كف كما قال ( ^ بل يداه مبسوطتان ) وأن له عينين بلا كيف كما قال ( ^ تجري بأعيننا ) وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا وندين بأن الله يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ونسل الروايات الصحيحة عن رسول الله رواها الثقات عدلا عن عدل ونصدق بجميع الروايات التي رواها وأثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول هل من سائل هل من مستغفر وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لأهل الزيغ

(2/304)


305 والتضليل ونقول إن الله يجيء يوم القيامة كما قال ( ^ وجاء ربك والملائكة صفا صفا ) وأن الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال ( ^ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) وكما قال ( ^ ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) انتهى ملخصا وقد ذكر ابن عساكر في كتابه الذب عن أبي الحسن الأشعري ما يقرب من ذلك إن لم يكن بلفظه ولعمري إن هذا الإعتقاد هو ما ينبغي أن يعتقد ولا يخرج عن شيء منه إلا من في قلبه غش ونكد وأنا أشهد الله على أنني أعتقده جميعه وأسأل الله الثبات عليه وأستودعه عند من لا تضيع عنده وديعة ولحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد معلم الخيرات وفيها علي بن عبد العزيز بن مبشر أبو الحسن الواسطي المحدث سمع عبد الحميد ابن بيان وأحمد بن سنان سنة خمس وعشرين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور صارت فارس في يد على بويه والري وأصبهان والجبل في يد الحسن بن بويه وديار بكر ومضر والجزيرة في يد بني حمدان ومصر والشام في يد محمد بن طغج والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الأموي وخراسان في يد نصر بن أحمد واليمامة وهجر وأعمال البحرين في يد أبي طاهر القرمطي وطبرستان وجرجان في يد الديلم ولم يبقى في يد الخليفة غير مدينة السلام وبعض السواد وفيها أشار محمد بن رائق على الراضي بأن ينحدر معه إلى واسط ففعل ولم تمكنه المخالفة فدخلها يوم عاشوراء المحرم وكانت الحجاب أربعمائة وثمانين نفسا فقرر ستين وأبطل عامتهم وقلل أرزاق الحشم فخرجوا عليه وعسكروا

(2/305)


306 فالتقاهم ابن رائق فهزمهم وضعفوا وتمزقت الساجية والحجرية فأشار حينئذ على الراضي بالتقدم إلى الأهواز وبها عبد الله البريدي ناظرها وكان شهما مهيبا حازما فتسحب إليه خلق من المماليك والجند فأكرمهم وأنفق فيهم الأموال ومنع الخراج ولم يبق مع الراضي غير بغداد والسواد مع كون ابن رائق يحكم عليه ثم رجع إلى بغداد ووقعت الوحشة بين ابن رائق أبي عبد الله البريدي وجاء القرمطي فدخل إلى الكوفة فعاث ورجع وأذن ابن رائق للراضي أن يستوزر أبا الفتح الفضل بن الفرات فطلبه من الشام وولاه والتقى أصحاب ابن رائق وأصحاب البريدي غير مرة وينهزم أصحاب ابن رائق وجرت لهم أمور طويلة ثم إن البريدي دخل إلى فارس فأجاره على ابن بويه وجهز معه أخاه أحمد لفتح الأهواز ودام أهل البصرة على عصيان ابن رائق لظلمه فحلف إن ظفر بها ليجعلنها رمادا فجدوا في مخالفته وقلت الموال على محمد بن رائق فساق إلى دمشق وزعم أن الخليفة ولاه إياها ولم يجسر أحد أن يحج خوفا من القرمطي وفيها توفي وكيل أبي صخرة أبو بكر أحمد بن عبد الله البغدادي النحاس وقد قارب التسعين روى عن الفلاس وجماعة وفيها أبو حامد الشرقي الحافظ البارع الثقة المصنف أحمد بن محمد بن الحسن تلميذ مسلم روى عن الذهلي وأحمد بن الأزهر وأبي حاتم وخلق وعنه ابن عقدة والعسال وأبو علي وكان حجة وحيد عصره حفظا وإتقانا ومعرفة وحج مرات وقد نظر إليه ابن خزيمة فقال حياة أبي محمد تحجز بين الناس وبين الكذب عن رسول الله في رمضان عن خمس وثمانين سنة وفيها إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد أبو علي الأمير أبو إسحاق الهاشمي في المحرم وهو آخر من روى الموطأ عن أبي مصعب

(2/306)


307 وفيها أبو العباس الدغولي محمد بن عبد الرحمن الحافظ الثبت الفقيه روى عن عبد الرحمن الحافظ الثبت الفقيه روى عن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الحكم ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وطبقتهما وعنه أبو علي الحافظ والجوزقي وكان من أئمة هذا الشأن ومن كبار الحفاظ أثنى عليه أبو أحمد بن عدي وابن خزيمة وغيرهما وفيها مكي بن عبدان أبو حامد التميمي النيسابوري الثقة الحجة روى عن عبد الله بن هاشم والذذهلي وطائفة ولم يرحل وفيها ابو مزاحم الخاقاني موسى بن الوزير عبد الله بن يحي بن خاقان البغدادي المقرئ المحدث السني وفد على أبي بكر المروزي وعباس الدوري وططائفة وفيها الحافظ الثقة أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن علك المروزي والجوهري روى عن سعيد بن مسعود والدوري وعنه ابن المظفر والدارقطني وانه أحفظ منه وفيها الحافظ الثقة العدل مموس وهو إبراهيم بن محمد بن يعقوب الهمذاني البزار من كبار أئمة هذا الشأن سنة ست وعشرين وثلثمائة فيها أقبل البريديفي مدد من ابن فانهزم من بين يديه يحكم لأن الأمطار عطلت نشاب جنده وقسيهم وتقهقروا إلى واسط وتمت فصول طويلة وأما ابن رائق فإنه وقع بينه وبين ابن مقلة فأخذ ابن مقلة يراوغ ويكاتب فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده ثم بعد أيام قطع ابن رائق لسانه لكونه كاتب بحكم بجيوشه من واسط وضعف عنه ابن رائق فاختفى ببغداد ودخل بحكم فأكرمه الراضي ولقبه أمير الأمراء وولاه الحضرة وفيها توفي أبو ذر أحمد بن محمد بن سليمان الباغندي روى عن عمر بن شبة

(2/307)


308 وعلى بن اشكاب وطائفة وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج أبو محمد أبو محمد الرشيديني المهري المصريالناسخ عن سن عالية روى عن أبي الطاهر بن السرح وسلمة بن شبيب وفيها محمد بن القاسم أبو عبد الله المحاربي الكوفي روى عن أبي كريب وجماعة وفيه ضعف قال في المغني محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي مشهور ضعيف يقال كان يؤمن بالرحمة انتهى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة فيها كما قال في الشذور جاء مطر عظيم وفيه برد كل واحدة نحو الأوقتين فسقطت حيطان كثيرة ببغداد وكان الحج قد بطل من سنة سبع عشرة وثلثمائة إلى هذه السنة فكتب أبو علي محمد بن يحي العلوي إلى القرامطة وكانوا يحبونه أن يذموا للحجاج ليسير بهم ويعطيهم من كل جمل خمسة دنانير ومن المحمل سبعة فاذموا لهم فحج الناس وهي أول سنة مكس فيها الحاج انتهى وفيها صاهر بحكم ناصر الدولة بن حمدان وفيها استوزر الراضي أبا عبد الله البريدي وفيها توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم واسم أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحافظ العلم الثقة أبو محمد بن الحافظ الجامع التميمي الرازي توفي بالري وقد قارب التسعين رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين فسمع من أبي سعيد الأشج والحسن بن عرفة وطبقتهما وروى عنه حسينك التميمي وأبو أحمد الحاكم وغيرهما قال أبو يعلى الخليلي أخذ علم أبيه وأبي زرعة وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار ثم قال وكان

(2/308)


309 زاهدا بعد من الأبدال وقال ابن الأهدل هو صاحب الجرح والتعديل والعلل والمبوب على أبواب الفقه وغيرها وقال يوما من يبني ما تهدم من سور طوس وأضمن له عن الله الجنة فصرف فيه رجل ألفا فكتب له رقعة بالضمان فلما مات دفنت معه فرجعت إلى ابن أبي حاتم وقد كتبعليها وقد وفينا عنك ولا تعد انتهى وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات الوزير بن خزابة الكاتب وزر للمقتدر في آخر أيامه ثم وزر للراضي بالله ثم رأى لنفسه التروح خوفا من فتنة ابن رائق فأطعمه في تحصيل الأموال من الشام ليمد بها وشخص إليها فتوفي بالرملة كهلا وفيها محدث حلب الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنسريني برداعس روى عن أحمد بن شيبان الرملي وأبي أمية الطرسوسي وطبقتهما وعنه شيخه عثمان ابن حوراد الحافظ وأبو بكر الربعي وعدد كثير وكان من علماء هذا الشأن وصفه بالحفظ ابن ماكولا والحاكم أبو أحمد وضعفه الدارقطني وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري مصنف مكارم الأخلاق وغيرها سمع الحسن بن عرفة وعمر بن شبة وطبقتهما وتوفي بفلسطين في ربيع الأول وقد قارب التسعين وفيها محدث الأندلس محمد بن قاسم بن محمد الأموي أبو عبد الله التياني القرطبي أكثر عن أبيه وبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح ومطين والنسائي وعن ولده أحمد بن محمد وخلد بن سعيد وسليمان بن أيوب وكان عالما ثقة ورحل بأخرة فسمع من مطين والنسائي وأكثر وتوفي في آخر العام وفيها أبو نعيم الرملي وهو محمد بن جعفر بن نوح الحافظ كان علامة ثبتا قاله ابن ناصر الدين

(2/309)


310 وفيها إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري الحافظ الثقة محدث جرجان أبو يعقوب روى عن محمد بن بسام وإسحاق الديري والحرث بن أبي أسامة وعنه ابن عدي والإسماعيلي قال الخليلي حافظ ثقة مذكور قاله ابن برداس وفيها مبرمان النحوي مصنف شرح سيبويه وما أتمه وهو أبو بكر محمد بن علي العسكري أخذ عن المبرد وتصدر بالأهواز وكان مهيبا يأخذ من الطلبة ويلح ويطلب حمال طبلية فيحمل إلى داره من غير عجز وربما انبسط وبال على الحمال وينتقل بالتمر ويحذف بنواة الناس قاله في العبر سنة ثمان وعشرين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور انبثق بنواحي الأنبار فاجتاح القرى وغرق الناس والبهائم والسباع وانصب في الصراه ودخل الشوارع في الجانب الغربي وتساقطت الدور والأبنية انتهى وفيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدمستق لعنه الله وهزمه وفيها عزل اليريدي من الوزارة بسليمان بن مخلد بإشارة بحكم وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام فالتقاه الإخشيد محمد ابن طغج فانهزم أبو نصر وأسر كبار أمرائه ثم قتل أبو نصر في المصاف وفيها توفي الوزير أحمد بن علي بن حسن بن مقلة الكاتب صاحب الخط المنسوب وقد وزر للخلفاء غير مرة ثم قطع يده ولسانه وسجن حتى هلك وله ستون سنة قاله في العبر وقال غيره كان سبب موت ابن مقلة أنه أشار على الراضي بمسك ابن رائق فبلغ ابن رائق فحبس ابن مقلة ثم أخرج وقطعت يده فكان يشد القلم عليها ويكتب ويتطلب الوزارة أيضا ويقول

(2/310)


311 إن قع يده لم يكن في حد ولم يعقه عن عمله ثم بلغ ابن رائق دعاؤه عليه وعلى الراضي فقطع لسانه وحبس إلى أن مات في اسوأ حال ودفن مكانه ثم نبشه أهله فدفنوه في مكان آخر ثم نبش ودفن في موضع آخر فمن الإتفاقات الغريبة أنه ولى الوزارة ثلاث مرات وقال ابن خلكان وأقام ابن مصلة في الحبس مدة طويلة ثم لحقه ذرب ولم يكن له من يخدمه فكان يستقى الماء لنفسه من البئر يجذب بيده اليسرى جذبه وبفمه جذبه وله أشعار في شرح حاله وما انتهى أمره إليه ورثى يده فمن ذلك قوله ( ما سئمت الحياة لكن توثقت بأيمانهم فبانت يمينى ) ( بعت ديني لهم بدنياي حتى * حرموني دنياهم بعد جيني ) ( ولقد حطت ما ستطعت بجهدي * حفظ أرواحهم فما حفظو بي ) ( ليس بعد اليمين لذة عبش * ياحياتي بانت يميني فبيني ) ومن شعره أيضاً ( وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة * في شامخ من عزه المترفع ) ( قالت لي النفس العروف بقدرها * ما كان أولاني بهذا الموضع ) وله ( إذا مامات بعضك فابك بعضاً * فإن البعض من بعض قريب ) وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى هذه الصورة ومن كلامه إنى إذا أحببت تهالكت وإذا بغضت أهلكت وإذا رضيت آثرت وإذا غضبت أثرت ومن كلامه يعجبني من يقول الشعر تأدباً لا تكسباً ويتعاطى الغناء تطرباً لا تطلبا وله كل معنى مليح في النظم والنثر وكان ما أصابه نتيجة دعاء أبي الحسن بن شنبوذ عليه بقطع اليد وقد تقدم ذكر سبب ذلك ويأتي قريباً في هذه السنة وكانت ولادة ابن مقلة يوم الخميس

(2/311)


312 بعد العصر حادي عشرى شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن علي بن العلاء الجوزجاني ببغداد وله ثلاث وتسعون سنة وكان ثقة صالحاً بكاء روى عن أحمد المقدام وجماعة وفيها محدث دمشق أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي سمع موسى بن عامر ومحمد بن هاشم البعلبكي وطائفة وقال الخطيب كان مليا بحديث الوليد بن مسلم وفيها أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي وقرطبة مدينة كبيرة دار مملكة الأندلس وكان ابن عبد ربه أحد الفضلاء وهو أموي بالولاء وحوى كتابه العقد كل شيء وله ديوان وشعر جيد قاله ابن الأهدل وقال في العبر مات وله اثنتان وثمانون سنة وشعره في الذروة العليا سمع من بقى بن مخلد ومحمد بن وضاح انتهى وفيها العلامة أبو سعيد الأصطخري الحسن بن أحمد بن يزيد شيخ الشافعية بالعراق روى عن سعدان بن نصر وطبقته وصنف التصانيف وعاش نيفا وثمانين سنة وكان موصوفاً الزهد والقناعة وله وجه في المذهب قال الأسنوي كان هو وابن سريج شيخي الشافعية ببغداد صنف كتباً كثيرة منها آداب القضاء استحسنه الأئمة وكان زاهداً متقللاً من الدنيا وكان في اخلاقه حدة ولاه المقتدر بالله سجستان ثم حسبة بغداد ولد سنة أربع وأربعين ومائتين وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة زاد ابن خلكان أنه توفي يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة وقيل رابع عشر ودفن بباب حرب واصطخر بكسر الهمزة وفتح الطاء وجوز بعضهم فتح الهمزة حكاه النووي في الحيض من شرح المهذب وفيها الحسين بن محمد بن أبو عبد الله بن المطيقي البغدادي ثقة روى عن محمد بن منصور الطوسي وطائفة

(2/312)


313 وفيها أبو محمد بن الشرقي عبد الله بن محمد بن الحسن أخو الحافظ حامد وله اثنتان وتسعون سنة سمع عبد الرحمن بن بشر وعبد الله بن هاشم وخلقاً قال الحاكم رأيته وكان أوحد وقته فيم عرفة الطب لم يدع الشراب إلى أن مات فضعف بذلك وقال في المغني تكلموا فيه إدمانه المسكر انتهى وفيها قاضي القضاة ببغداد أبو الحسين عمر بن قاضي القضاة أب يعمر محمد ابن يوسف بن يعقوب الأزدري كان بارعاً في مذهب مالك عارفاً بالحديث صنف مسنداً متقناً وسمع من جده ولم يتكهل وكان من أذكياء الفقهاء وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرىء أحد أئمة الأداء قرأ على محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرىء أحد النحاس وطائفة كثيرة وعنى بالقراءات أتم عناءة وروى الحديث عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي و محمد بن الحسين الحنيني وتصدر للأقراء ببغداد وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مر وكان مجتهدً فيما فعل رحمه الله قاله في العبر وقال ابن خلكان كان من مشاهير القراء وأعيانهم وكان ديناً وفيه لسلامة صدر وفيه حمق وقيل إنه كان كثير اللحن قليل العلم وتفرد بقراءت شواذ وكان يقرأ بها في المحراب فأنكرت عليه وبلغ ذلك الوزير ابن مقلة الكاتب المشهور وقيل له إنه يغير حروفاً من القرآن ويقرأ بخلاف ما أنزل فاستحضر في أول شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة واعتقله في داره أياماً فلما كان يوم الأحد سابع الشهر المذكور استحضر الوزير المذكور أبا الحسن عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى ابن العباس بن مجاهد المقرىء وجماعة من أهل القرآن واحضر ابن شنبوذ المذكور ونوظر بحضرة الوزير فأغلظ في الجواب للوزير والقاضي وأبى بكر بن مجاهد ونسبهم إلى قلة المعرفة وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافرو واستصبى أبا الحسن المذكور فأمر الوزير أبو علي بضربه فأقيم

(2/313)


314 فضرب سبع درر فدعا وهو يضرب على الوزير بأن يقطع الله يده ويشتت شمله فكان الأمر كذلك ثم أوقفوه على الحروف التي كان يقرأ بها فأنكر ما كان شنيعاً وقال فيما سواه إنه قرأ قوم فاستتابوه فتاب وقال إنه قد رج عما كان يقرؤه وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس فكتب الوزير عليه محضراً بما قاله وأمره أن يكتب خطه في آخره فكتب ما يدل على توبته ونسخة المحضر سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عما حكى عنه أنه يثرؤه وهو إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأمضوا إلى ذكر الله فاعترف به وعن وتجعلون شكر كم أنكم تكذبون فاعترف به وعن فاليوم ننجيك بندائك فاعترف به وعن تبت يدا أبي لهب وقد تب فاعترف به وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به وعن ولتكن منكم فئة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون فاعترف به وعن إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض فاعترف به وتاب عن ذلك وكتب الشهود الحاضرون شهادتهم في المحضر حسبما سمعوه من لفظه وكتب ابن شنبوذ ما في هذه الرقعة صحيح وهو قولي واعتقادي وأشهد الله عز وجل وسائر من حضر على نفسي بذلك ومتى خلفت ذلك أوبان مني غيره فأمير المؤمينن ف يحل من دمي وسنة وذلك يوم الأحد سابع ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة وشنبوذ بفتح الشين المعجمة والنون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وبعدها ذال معجمة انتهى ملخصاً وفيها محدث الشام أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس

(2/314)


315 النمري مولاهم الدمشقي في جمادى الأولى روى عن موسى بن عامر وأبي إسحق الجوزجاني وخلق وهو من بيت حديث وفيها أبو علي الثقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري الفقيه الواحد أحد الأئمة وله أربع وثمانون سنة سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي وأحمد بن ملاعب وطبقتهما وكان له جنازة لم يعهد مثلها وهو من ذرية الحجاج قال أبو الوليد الفقيه دخلت على ابن سريج فسألني على من درست الفقه قلت على أبي على الثقفي قال لعلك تعنى الحجاجي الأزرق قلت نعم قال ماجائنا من خراسان أفقه منه وقال أبو بكر الضبعي ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق وذكره السلمي في طبقات الصوفية قاله في العبر وقال السخاوي في طبقات الأولياء لقي أبا حفص وحميدون القصار وكان إماماً في علوم الشرع قال لبعض أصحابه لا تفارق هذه الخلال الأربع صدق القول وصدق العمل وصدق المودة وصدق الأمانة وقال من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم ولا يظهر عليه من أنوارهم شيء وقال غلبه هواه توارى عنه عقله وقال لا تلتمس تقويم مالا يستقيم ولا تأديب من لا يتأدب وقال يامن باع كل شيئ بلا شيء واشترى لا شيء بك لشيء وتوفي ليلة الجمعة الثالث والعشرين م جمادى الأولى ودفن في مقبرة قر بنيسابور وهو ابن تسع وثمانين سنة ووعظ مرة فذم الدنيا والركون إليه ثم تمثل بقول بعضهم ( من نال من دنياه أمنية * أسقطت الأيام منها الألف ) انتهى وفيها الإمام العلامة ابن الأنباري أبو بكر محمد بن القسم بن بشار النحوي اللغوي صاحب المصنفات وله سبع وخمسون سنة سمع في صغره من الكديمي وإسمعيل القاضي وأخذ عن أبيه وثعلب وطائفة وعنه الدارقطني

(2/315)


316 وغيره قال أبو علي القالي كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلثمائة ألف بيت شاهد في القرآن وقال محمد بن جعفر التميمي ما رأينا احفظ من الأنباري ولا أغزر بحرا حدثوني عنه أنه قال أحفظ ثلاثة عشر صندوقا قال وحدثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدهما وقيل عنه إنه أملي غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين كان في كل فن إمامه وكان إملاؤه من حفظه ومن أماليه المدققة غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة انتهى وكان سائر ما يصنفه ويمليه من حفظه لا من دفتر ولا كتاب وفيها أبو الحسن المزين علي بن محمد البغدادي شيخ الصوفية صحب الجنيد وسهل بن عبد الله وجاور بمكة قال السلمي في طبقاته أقام بمكة مجاورا بها ومات بها وكان من أروع المشايخ وأحسنهم حالا قال الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة وقال ملاك القلب في التبري من الحول والقوة ورؤى يوما متفكرا واغرورقت عيناه فقيل له مالك أيها الشيخ فقال ذمكرت أيام تقطعي في إرادتي وقطع المنازل يوما فيوما وخده متى لأولئك السادة من أصحابي وتذكرت ما أنا فيه من الفترة عن شريف الأحوال وأنشد ( منازل كنت تهواها وتألفها * أيام كنت على الأيام منصورا ) وقال المعجب بعمله مستدرج والمستحسن لشيء من أحواله ممكور به والذي يظن أنه موصول فهو مغرور وروى وهو يبكي بالتنعيم يريد أن يحرم بعمرة وينشد لنفسه ( أنا في دمعي فأبكيكا * هيهات مالي طمع فيكا ) فلم يزل كذلك إلى أن مات ممكة شرفها الله تعالى وأسند الخطيب عنه أنه قال الكلام من غير ضرورة مقت من الله للعبد

(2/316)


317 وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري الزاهد أحد مشايخ العراق صحب الجنيد وغيره وكان يقال إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي قاله في العبر وقال السخاوي في طبقاته عبد الله بن محمد النيسابوري من محلة بالحيرة صحب أبا حفص وأبا عثمان والجنيد وأقام ببغداد ثلاث إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي وكان مقيما في مسجد الشونيزية مات ببغداد ومن كلامه سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا وقال ذهبت حقائق الأشياء وبقيت أسماؤها فالأسماء موجودة والحائق مفقودة والدعاوي في السرائر مكنونة والألسنة بها فصيحة والأمور عن حقوقها مصروفة وعن قريب تفقد هذه الألسنة وهذه الدعاوي فلا يوجد لسان صادق ولا مدع صادق وقال الوسوسة تؤدي إلى الحيرة والإلهام يؤدي إلى زيادة فهم وبيان وقال أصول التوحيد ثلاثة أشياء معرفة الله تعالى بالربوبية والإقرار له بالوحدانية ونفى الأنداد عنه جملة وسئل بماذا ينال العبد حب الله تعالى قال بغض ما أبغض الله وهو الدنيا والنفس وسئل أي الأعمال أفضل فقال رؤية فضل الله عز وجل ( إن المقادير إذا ساعدت * ألحقت العاجز بالحازم ) وقيل له إن فلانا يمشي على الماء فقال عندي إن مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء قال أبو عبد الله الرازي حضرت وفاته في مسجد الشونيزية فقال انظروا ديوني فنظروا فقالوا بضعة عشر درهما فقال انظروا خريقاتي فلما قربت منه قال اجعلوها في ديوني وأرجو أن الله عز وجل يعطيني الكفن ثم قال سألت الله ثلاثا عند موتي فأعطانيها سألته أن يميتني على العقل رأسا برأس وسألته أن يجعل موتي في هذا المسجد فق صحبت فيه أقواما وسألته أن يكون حولي من آنس به

(2/317)


318 وأحبه وغمض ومات بعد ساعة رحمه الله تعالى ورضي عنه وعنا وعن جميع المسلمين انتهى ملخصا وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن سيار الحافظ الإمام أبو عبد الله البياني القرطبي عن أبيه وبقي بن مخلد ومحمد بن وضاح ومطين والنسائي وعنه ولده أحمد بن محمد وخلد بن سعد وسليمان بن أيوب وكان عالما ثقة قاله ابن برداس وفيها على مقاله ابن ناصر الدين في بديعته ( وحامد بن أحمد الزيدي * كلامه حلاوة شهدي ) قال في شرحها هو حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو أحمد المروزي نزيل طرسوس قيل له الزيدي لجمعه حديث زيد بن أبي أنيسة دون غيره من المحدثين انتهى سنة تسع وعشرين وثلثمائة في ربيع الأول استخلف المتقي لله فاستوزر أبا الحسن أحمد بن محمد بن ميمون فقدم أبو عبد الله اليزيدي من البصرة وطلب الوزارة فأجابه المتقي وولاه ومشى إلى بابه ابن ميمون وكانت وزارة ابن ميمون شهرا فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم فخافهم وهرب بعد أيام ووزر بعده أبو إسحاق محمد بن أحمد القرار يطي ثم عزل بعد ثلاثة وأربعين يوما ووزر الكرخي فعزل بعد ثلاثة وخمسين يوما فلم ير أقرب من مدة هؤلاء وهزلت الوزارة وضؤلت لضعف الدولة وصغر الدائرة وأما بحكم التركي فنزل واسط واستوطنها وقرر مع الراضي أنه يحمل إلى خزانته في كل سنة ثمانمائة ألف دينار بعد أن يريح الغلة من مؤنة خمسة

(2/318)


319 آلاف فارس يقيمون بها وعدل وتصدق وكان ذا عقل وافر وأموال عظيمة ونفس غضبة خرج يتصيد فأساء إلى كراد هناد فاستفرد به عبد أسود فطعنه برمح فقتله في رجب وكان قد أظهر العدل وبنى دار ضيافة بواسط وابتدأ بعمل المارستان وهو الذي جدده عضد الدولة بالجانب الغربي وكانت أموله كثيرة فكان يدفنها في داره وفي الصحاري وكان يأخذ رجالا في صناديق فيها مال إلى الصحراء ثم يفتح عليهم فيعاونوه على دفن المال ثم يعيدهم في الصناديق ولا يدرون إلى أي موضع حملهم فضاعت أمواله بموته والدفائن ونقل من داره وأخرج بالحفر منها ما يزيد على ألفي ألف عينا وورقا وقيل للرورحارية خذوا التراب بأجرتكم فأبوا فأعطوا ألف درهم وغسل التراب فخرج منه ست وثلاثون ألف درهم
وفيها توفي البربهاري أبو محمد الحسن بن علي
الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق قالا وحالا وكان له صيت عظيم وحرمة تامة أخذ عن المروذي وصحب سهل بن عبد الله التستري وصنف التصانيف وكان المخالفون يغلظون قلب الدولة عليه فقبض على جماعة من أصحابه واستتر هو في سنة إحدى وعشرين ثم تغيرت الدولة وزادت حرمة البربهاري ثم سعت المبتدعة به فنودي بأمر الراضي في بغداد لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاوي فاختفى إلى أن مات في رجب رحمه الله تعالى قاله في العبر وقال القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى في طبقاته الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاوي شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد واللسان وكان له صيت عند السلطان وقدم عند الأصحاب وكان أحد الأئمة العارفين والحفاظ للأصول المتقنين والثقات المأمونين صحب جماعة من أصحاب إمامنا أحمد رضي الله عنه منهم المروذي وصحب سهل التستري وصنف البربهاوي كتبا منها شرح كتاب السنة ذكر فيه
احذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع

(2/319)


320 تعود حتى تصير كباراً وكذلك كل بدعة احدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك م ندخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت ديناً يدان به يخالف الصراط المستقيم وخرج من الإسلام فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر هل كتكلم فيه أحد من أصحاب النبي أو أحد العلماء فإن أصبت فيه أثراً عنهم فتمسك به ولا تجاوزه بشيء لا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار وأعلم رحمك الله أنه لا يتم اسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً فمن زعم أنه قد بقي شيئ من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله فقد كذبهم وكفى بهذا فرقه وطعنا عليهم فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه وأعلم أن الكلام في الرب تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ولا يتكلم في الرب سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه في القرآن وما بين رسول الله لأصحابه وهو جل ثناؤه واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ربنا عز وجل أول بلامتي وآخر بلامنتهي يعلم السرو أخفى على عرشه استوى وعلمه بكل مكان لا يخلو من علمه مكان ولا يقول في صفات الرب لم وكيف الإشاك في الله تبارك وتعالى والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره وليس بمخلوق لأن القرآن نم الله وما كان من الله فليس بمخلوق وهكذا قال مال بن أنس والفقهاء قبله وبعده والماء فيه كف روه الإيمان بالرؤية يوم القيامة يرون الله تعالى بأعين رؤسهم وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا ترجمان والإيمان بالميزان يوم القيامة يوزن فيه الخير والشر له كفتان ولسان والإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير والإيمان بحوض رسول الله ولك لنبي حوضه إلا صالح النبي فإن حوضه ضرع ناقته والإيمان بشفاعة رسول الله للمذنبين الخاطئين يوم القيامة وعلى الصراط

(2/320)


321 ويخرجهم وما من نبي إلا وله شفاعة وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون والله عز وجل بعد ذلك يتفضل كثيرا على من يشاء والخروج من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما والإيمان بالصراط على جهنم بأخذ الصراط من شاء الله ويجوز زمن شاء الله ويسقط في جهنم من شاء ولهم أنوار على قدر إيمانهم والإيمان بالله والأنبياء والملائكة والأيمان بالجنة والنار أنهما مخلوقتان الجنة في السماء السابعة وسقفها العرش والنار تحت الأرض السابعة السفلى وهما مخلوقتان قد علم الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها وعدد أهل النار ومن يدخلها لا يفنيان أبدا بقاؤهما مع بقاء الله أبد الآبدين ودهر الداهرين وآدم صلى الله عليه وسلم كان في الجنة الباقية المخلوقة فأخرج منها بعد ما عصى الله عز وجل والإيمان بالمسيح والإيمان بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم ينزل فيقتل الدجال ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد ويدفنه المؤمنون والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ونية وإصابة يزيد وينقص يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه شيء وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أفضل الناس بعد هؤلاء طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وكلهم يصلح للخلافة ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار وهم من صلى للقبلتين ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر يترحم عليهم ويذكر فضلهم ويكف عن زللهم ولا يذكر أحد منهم إلا بخير لقول رسول الله ذكر أصحابي فأمسكوا واعلم إن أصول البدع أربعة أبواب يتشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى ويصير كل واحد من البدع يتشعب حتى

(2/321)


322 تصير كله إلى ألفين وثمانمائة مقالة كلها ضلالة وكلها في النار إلا واحدة وهي من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك فهو صاحب سنة وهو ناج أن شاء الله واعلم أنا لرجل إذا أحب مالك بن أنس وتولاه فهو صاحب سنة وإذا رأيت الرجل أبا هريرة وأسيدا وأيوب ابن عون ويونس بن عبيد الله وعبد الله بن إدريس الأنصاري والشعبي ومالك ابن مغول ويزيد بن زريع ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ومالك بن أنس والأوزاعي وزائدة بن قدامة وأحمد بحنبل والحجاج بن منهال وأحمد بن نصر وذكرهم بخير وقال بقولهم فاعلم أنه صاحب سنة واعلم أن من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله عز وجل حتى يرجع وقال الفضيل بن عياض آكل مع اليهودي والنصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد وذكر أبو الحسين بن بشار قال تنزه البربهاري من ميراث أبيه عن تسعين ألف درهم وكانت له مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه ففي سنة إحى وعشرين وثلثمائة تقدم ابن مقلة بالقبض على البربهاري فاستتر وقبض جماعة من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة فعاقب الله ابن مقلة على فعله ذلك بأن سخط عليه القاهر ووقع له ما وقع ثم تفضل الله عز وجل وأعاد البربهاري إلى حشمته وزادت حتى إنه لما توفي أبو عبد الله بن عرفة المعروف بنفطويه وحضر جنازته أماثل أبناء الدين والدنيا كان المقدم على جماعتهم في الإمامة البربهاوي وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة في خلافة الراضي وفي هذه السنة زادت حشمة البربهاوي وعلت كلمته وظهر أصحابه وانتشروا في الإنكار على المبتدعة فبلغنا أن البربهاوي اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشتمه أصحابه فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة لو تزل المبتدعة يوغرون قلب الراضي على البربهاري

(2/322)


323 حتى نودي في بغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان فاستتر وتوفي في الاستتار رحمه الله تعالى وحدثني محمد بن الحسن المقرئ قال حكى لي جدي وجدتي قالا كان أبو محمد البربهاري قد اختفى عند أخت توزون بالجانب الشرقي في درب الحمام في شارع درب السلسلة فبقي نحوا من شهر فلقه قيام الدم فقالت أخت توزون لخادمها لما مات البرهاري عندها مستترا انظر من يغسله فجاء بالغاسل فغسله وغلق الأبواب حتى لا يعلم أحد ووقف يصلي عليه وحده فاطلعت صاحبة المنزل فرأت الدار ملأى رجالا بثياب بيض وخضر فلما سلم لم تر أحدا فاستدعت الخادم وقالت اهلكتني مع أخي فقال يا ستي رأيت ما رأيت فقالت نعم فقال هذه مفاتيح الباب وهو مغلق فقالت ادفنوه في بيتي وإذا مت فادفنوني عنده في بيت القبة فدفنوه في دارها وماتت بعده بزمان فدفنت في ذلك المكان ومضى الزمان عليه وصار تربة انتهى ما أورده ابن يعلى ملخصا جدا وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي البغدادي وله بضع وسبعون سنة سمع عباسا الدوري وطبقته وولي قضاء مصر ثلاث مرات آخرها في ربيع الأول من هذا العام فتوفي بعد شهر ضعفه غير واحد في الحديث ولهعدة تصانيف قال في المغني عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر القاضي ضعف روى عن عباس الدوري وابن داود السجزي قال الخطيب كان غير ثقة انتهى وفيها الحامض المحدث وهو أبو القسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي روى عن سعدان بن نصر وطائفة وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد المروزي ثم الغازي الحافظ الثقة روى عن أبي السنجي ومحمود بن آدم وطائفة وعنه ابن

(2/323)


324 القواس والدارقطني وقال هو ثقة حافظ وفيها أبو الفضل البلعمي الوزير محمد بن عبيد الله أحد رجال الدهر عقلا ورأيا وبلاغة روى عن محمد بن نصر المروزي وغيره وصنف كتاب تلقيح البلاغة وكتاب المقالات وفيها الراضي بالله الخليفة أبو إسحاق محمد وقيل أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل العباسي ولد سنة سبع وتسعين ومائتين من جارية رومية اسمها ظلوم وكان قصيرا أسمر نحيفا في وجهه طول استخلف سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وهو آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش إلى خلافة المتقي وآخر خليفة خطب يوم الجمعة إلى خلافة الحاكم العباسي فإنه خطب أيضا مرتين وأخر خليفة جالس الندماء ولكنه كان مقهورا مع أمرائه مرض في ربيع الأول بمرض دموي ومات وكان سمحا كريما محبا للعلماء والأدباء سمع الحديث من البغوي توفي في نصف ربيع الآخر وله إحدى وثلاثون سنة ونصف وفيها أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول أبو بكر التنوخي الأنباري الأزرق الكاتب في آخر السنة بغداد وله نيف وتسعون سنة روى عن جده والحسن بن عرفة وطائفة سنة ثلاثين وثلثمائة فيها كان الغلاء المفرط والوباء ببغداد وبلغ الكر مائتين وعشرة دنانير وأكلوا الجيف وفيها وصلت الروم غارت على أعمال حلب وبدعوا وسبوا عشرة آلاف نسمة وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد البريدي في الجيوش فالتقاه المتقي وابن

(2/324)


325 رائق فكسرهما ودخلت طائفة من الديلم دار الخلافة فقتلوا جماعة وهرب المتقي وابنه رائق إلى الموصل واختفى وزيره أبو إسحاق القراريطي ووجدوا في الحبس كوتكين وكان قد عثر عليه ابن رائق فسجنه فأهلكه البريدي ووقع النهب في بغداد واشتد القحط حتى بلغ الكر ثلثمائة وستة عشر دينارا وهذا شيء لم يعهد في العراق ثم غرق عم البلاء بزيادة دجلة فبلغت عشرين ذراعا وغرق الخلق ثم خامر توزون وذهب إلى الموصل وأما ناصر الدولة بن حمدان فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خيمته فوضع رجله في الركاب فشب به الفرس فوقع فصاح ابن حمدان لا يفوتنكم فقتلوه ثم دفن وعفا قبره وجاء ابن حمدان إلى المتقى فقلده مكان ابن رائق ولقبه ناصر الدولة ولقب أخاه عليا سيف الدولة وعاد وهما معه فهرب البريدي من بغداد وكانت مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوما ثم تأهب البريدي فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن ودامم القتال يومين فكانت الهزيمة أولا على بني حمدان والأتراك ثم كانت على البريدي وقتل جماعة من أمراء الديلم وأسر آخرون ورد إلى واسط بأسوأ حال وساق وراءه سيف الدولة ففر إلى البصرة وفيها توفي في رجب بمصر أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي له مصنفات في المذهب وهو صاحب وجه روى عن أحمد بن منصور الرمادي قال الأسنوي كان إماما في الفقه والأصول تفقه على ابن سريج وله تصانيف موجودة منها شرح الرسالة وكتاب في الشروط أحسن فيه كل الإحسان قال القفال الشاشي كان الصيرفي أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي انتهى وفيها أبو حامد أحمد بن محمد بن يحي بن بلال النيسابوري روى عن الذهلي والحسن الزعفراني وطبقتهما بخراسان والعراق ومصر وفيها أبو يعقوب النهرجوري شيخ الصوفية إسحاق بن محمد صحب

(2/325)


326 الجنيد وغيره وجاوره مدة وكان من كبار العارفين قال السخاوي في طبقاته صحب الجنيد وعمر المكي وأبا يعقوب السوسي وغيرهم من المشايخ أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورا ومات بها كان أبو عثمان المغربي يقول ما رأيت في مشايخنا أنور م النهرجوري قال الفناء هو فناء رؤية قيام العبد الله والبقاء رؤية قيام اله في الأحكام وقال الصدق موافقة الحق في السر والعلانية وحقيقة الصدق القول بالحق في مواطن الهلكة وقال العابد بعبد الله تحذيرا والعارف يعبد الله تشويقا وقال في قوله من الناس بسوء الظن أو كما قال بسوء الظن في أنفسكم بأنفكم لا بالناس وقال مفاوز الدنيا تقطع بالإقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب وقال من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل جائعا ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محروما ومن استعان في أمره بغير الله لم يزل مخذولا وقال الدنيا بحر والآخة ساحل والمركب التقوى والناس سفر وقال لا زوال لنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت وقال اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب وقال من عرف الله لم يغتر بالله انتهى ملخصا وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السلمي بدمشق روى عن هشام بن عمار وفيها المحاملي القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي في ربيع الآخر وله خمس وتسعون سنة وهو ثقة مأمون وأول سماعه في سنة أربع وأربعين من أبي هشام الرفاعي وأقدم شيخ له أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب ملك قال أبو بكر الداودي كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل يكتبون عنه وقال ابن درباس روى عن الفلاس والدورقي وغيرهما وعنه دعلج والدارقطني وابن جميع أثنى عليه الخطيب انتهى وفيها قاضي دمشق أبو يحي زكريا بن أحمد بن يحي بن موسى خت البلخي الشافعي وهو صاحب وجه روى عن أبي حاتم الرازي وطائفة

(2/326)


327 ومن غرائب وجوهه إذا شرط في القراض أن يعم لرب المال مع العامل جاز قاله في العبر وقال الأسنوي فارق وطنه لأجل الدين ومسح عرض الأرض وسافر إلى أقاصي الدنيا في طلب الفقه وان حسن البيان في النظر عذب اللسان في الجدل وذكره ابن عساكر في تاريخ الشام فقال كان أبوه وجده عالمين وولاه المقتدر بالله قضاء الشام وتوفي بدمشق في ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر ونقل عنه الرافعي أنه كان يرى أن القاضي يزو نفسه بامرأة هو وليها قال وحكى عنه إنه فعله لما كان قاضياً بدمشق قال العبادي في الطبقات قال أبو سهل الصعلوكي رأيت ابنه من هذه المرأة يكدى بالشام انتهى ملخصاً وفيها عبد الغافر بن سلامة أبو هاشم الحمصي بالبصرة وله بضع وتسعون سنة روى عن كثير بن عبيد وطائفة وفيها عبد الله بن يونس القيري الأندلسي صاحب بقي بن مخلد وكان كثير الحديث مقبولاً وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حزة البغدادي الزيات روى عن الحسن ابن عرفة وجماعة وهو نم كبار شيوخ ابن جميع وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد البغدادي البزار روى عن عباس الدوري ويحيى بن أبي طالب وعنه الدارقطني وبان جميع وثقة الخطيب وغيره ووصفوه بالحفظ وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي أبو عبد الله الحافظ وله ثمان وسبعون سنة رحل إلى العراق سنة أربع وتسعين وصنف كتاباً على سنن أبي داود وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ ومحمد بن الجهم السمري

(2/327)


328 وطبقتهما وعنه ابنه أحمد قال ابن درباس هو مسند الأندلس وهو ثقة ثقة وفيها عمر بن سهل بن إسمعيل الحافظ المجود أبو حفص الدينوري رحال روى عن إبراهيم بن أبي العيش وأبي قلابة الرقاشي وعنه أبو القسم بن ثابت الحافظ وصالح بن أحمد الهمداني ذكره أبو يعلى في الإرشاد فقال ثقة أمام عالم وفيها محمد بن عمر بن حفص الجورجيري بأصبهان سمع أسحق بن القيض ومسعوه بن يزيد القطان وطبقتهما وفيها محمد بن يوسف بن بشر أبو عبد الله الهروي الحافظ غندر من أعيان الشافعية والرحالين في الحديث سمع الربيع بن سليمان والعباس بن الوليد البيروتي وطبقتهما ومنه الطبراني والزبير بن عبد الواحد وهو ثقة ثبت وفيها الزاهد العباد أبو صالح صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي يقال اسمه مفلح وكان من الصوفية العارفين سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وافى جراد زائد عن الحد حتى بيع كل خمسين رطلاً بدرهم واستعان به الفقراء على الغلاء وفي التي قبلها ظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر فبقى ثلاثة عشر يوماً ثم اضمحل واشتد الغلاء والمرض انتهى وفيها قلل ناصر الدولة بن حمدان رواتب المتقى وأخذ ضياعه وصادر

(2/328)


329 العمال وكرهه الناس وزوج بنته بابن المتقى على مائتي ألف دينار وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدولة فهرب وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل فهبت داره واقبل توزون فدخل بغداد فولاه المتقى امرة الأمراء فلم يلبث إن وقعت بينهما الوحشة فرجع توزون إلى واسط ونزح خلق من بغداد من تتابع الفتن والخوف إلى الشام ومصر وبعث المتقى خلعاً إلى أحمد بن بويه فسر بها وفيها أبو روق الهزاني أحمد بن محمد بن بكير بالبصرة وقيل بعدها وله بضع وتسعون سنة روى عن أبي حفص الفلاس وطائفة وبكر بن أحمد بن حفص التنيسي الشعراني روى عن يونس بن عبد العلى وطبقته بمصر والشام وحبشون بن موسى أبو نصر الخلال ببغداد في شعبان وله ست وتسعون سنة روى عن الحسن بن عرفة وعلى بن اشكاب وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الصالحين لكنه لم يكن بالضابط المتين وقال في العبر سمع من بقى بن مخلد مسنده وبمصر من أبى يزيد القراطيس وباليمن من إسحق الدبري وبمكة وبغداد وكان فقيهاً مفتياً صالحاً عاش ثمانيا ًوثمانين سنة قال ابن الفرضي لم يكن بالضابط جداً انتهى وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السدوسي ببغداد في ربيع الآخر سمع من جده مسند العشرة ومسند العباس وهو ابن سبع سنين وسمع من الرمادي وأناس ووقه الخطيب وفيها أبو بكر محمد بن إسمعيل الفرغاني الصوفي استاذ أبي بكر الرقي وكان من العبابدين وله بزة حسنة ومعه مفتاح منقوش يصلى ويضعه بين يديه كأنه تاجر وليس له بيت بل ينطرح في المسجد ويطوي أياماً

(2/329)


330 وفيها الزاهد أبو محمود عبد الله بن محمد بن منازل النيسابوري المجرد على الصحة والحقيقة صحب حمدون القصار وحدث بالمسند الصحيح عن أحمد بن سلمة النيسابوري وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة قاله في العبر وقال السخاوي من أجل مشايخ نيسابور له طريقة ينفرد بها وكان عالما بعلوم الظاهر كتب الحديث الكثير ورواه ومات بنيسابور ومن كلامه لا خير فيمن لم يذق ذل المكاسب وذل السؤال وذل الرد وقال بلسانك عن حالك ولا تكن بكلامك حاكيا عن أحوال غيرك وقال إذا لم تنتفع أنت بكلامك كيف ينتفع به غيرك وقال لم يضيع أحد فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن ولم يبتل أحد بتضييع السننإلا أوشك أن يبلى بالبدع وقال التفويض مع الكسب خير من خلوه عنه وقال من عظم قدره عند الناس يجب أن يحتقر نفسه عنده وقال أحكام الغيب لا تشاهد في الدنيا ولكن لا تشاهد فضائح الدعاوي وقال لو صح لعبد في عمره نفس من غير رياء ولا شرك لآثر بركات ذلك عليه آخر الدهر وقال لا تكن خصما لنفسك على الخلق وكن خصما للخلق على نفسك انتهى ملخصا وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدينوري الصائغ الزاهد أحد المشايخ الكبار بمصر في رجب كان صاحب أحوال ومواعظ سئل عن الاستدلال بالشاهد عن الغائب فقال كيف يستدل بصفات من يشاهد ويعاين ويمثل على من لا يشاهد في الدنيا ولا يعاين ولا مثل له ولا نظير وقال من فساد الطبع التمني والأمل وقال كان بعض مشايخنا يقول من تعرض لمحبته جاءته المحن والبلايا وقال أهل المحبة في لهيب شوقهم إلى محبوبهم يتنعمون في ذلك اللهيب أحسن مما يتنعم أهل الجنة فيما أهلوا له من النعيم وقال محبتك لنفسك هي التي تهلكها وسئل ما المعرفة فقال رؤية المنة في كل الأحوال والعجز عن

(2/330)


331 أداء شكر المنعم من كل الوجوه والتبري من الحول والقوة في كل شيء وقال من توالت عليه الهموم في الدنيا فليذكر هما لا يزول يستريح منها وقال الأحوال كالبروق فإذا أثبتت فهو حديث النفس وملازمة الطبع ومن حلو كلامه من أيقن لغيره فماله أن يبخل بنفسه وفيها محمد بن مخلد العطار أبو عبد الله الدوري الحافظ ببغداد سمع يعقوب الدورقي وأحمد بن إسماعيل السهمي وخلائق وعنه الدارقطني وآخرون وكان معروفا بالثقة والصلاح والاجتهاد في الطلب وله تصانيف توفي في جمادى الآخرة وله سبع وتسعون سنة وفيها صاحب ما وراء النهر أبو الحسن نصر بن الملك أحمد بن إسماعيل الساماني بقي في المملكة بعد أبيه ثلاثين سنة وثلاثين يوما وولي بعده ابنه نوح وفيها هناد بن السري بن يحي الكوفي الصغير روى عن أبي سعيد الأشج وجماعة وفيها الجصاص أبو يوسف يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدعاء روى عن أحمد بن إسماعيل السهمي وعلي بن اشكاب وجماعة وله أوهام وغلطات قال في المغني قال الخطيب في حديثه وهم كثير انتهى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة قال في الشذور فيها اشتد الغلاء وكثرت اللصوص حتى تحارس الناس بالليل بالبوقات انتهى وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن بويه ونسبه إلى الظلم ولم يحج الركب لموت القرمطي الطاغية أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي في رمضان بهجر من الجدري أهلكه الله به فلا رحم الله فيه مغرز

(2/331)


332 إبرة وقام بعده أبو القسم الجنابي قاله في العبر وفيها توفي الحافظ ابن عقدة أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكفوي الشيعي أحد أركان الحديث سمع من الحسن بن علي بن عفان ويحيى بن أبي طالب وخلق لا يحصون ومنه الطبراني وابن عدي والدراقطني وغيرهم ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد لكنه كان آية من الآيات في الحفظ حتى قال الدارقطني اجمع أهل ببغداد إنه لم ير بالكفوة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى زمن ابن عقدة احفظ منه وسمعته يقول أنا أجيب في ثلثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبينى هاشم وروى عن أبن عقدة قال احفظ مائة ألف حديث بإسنادها وإذا كر بثلثمائة ألف حديث وقال أبو سعيد الماليني تحول ابن عقدة مرة فكانت كتبه ستمائة حمل قال في العبر قلت ضعفوه واتهمه بعضهم بالكذب وقال أبو عمران حبوية كان يملى مثالب الصحابة فتركته انتهى وعقدة لقب أبيه وفيها محمد بن بشر أبو بكر الزبيري العكري روى عن بحر بن نصر الخولاني وجماعة وعاش أربعاً وثمانين سنة وفيها محمد بن الحسن أبو بكر القطان النيسابوري في شوال روى عن عبد الرحمن بن بشر وأحمد بن يوسف والسلمي والكبار وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة أبو علي الدمشقي المحدث روى عن أبي أمية الطرسوسي وطبقته وفيها الإمام ابن ولاد النحوي وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري من صنف كتاب الإنتصار لسيبويه على المبرد وكان شيخ الديار المصرية في العربية مع أبي جعفر النحاس

(2/332)


333 سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة فيها حلف توزرون ايماناً صعبة للمتقي لله فسار التقي من الرقة واثقاً بأيمانه في المحرم فلما قرب من الأنبار جاء توزون وتلقاه وقبل الأرض وأنزله في مخيم ضربه له ثم قبض على الوزير أبي الحسين بن أبي علي بن مقلة وكحل المتقى لله فسمل عينيه وأدخل بغداد مسمولاً مخلوعاً وتوفي في شعبان سنة خمسين وقيل سنة سبع وخمسين وثلثمائة وله ستون سنة وبويع عبد الله بن المكتفي ولقب المستكفي بالله فلم يحل الحول على توزون واستولى أحمد بن بويه على واسط والبصرة والأهواز فسار توزون بعلة الصوع واشتد الغلاء على ابن بويه فرد إلى الأهواز ورد توزون إلى بغداد وقد زاد به الصرع وفيها تملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها وهرب متوليها يانس المونسي إلى مصر فجهز الخشيد جيشاً فالتقاهم سيف الدولة على الرستن فهزمهم وأسر منهم ألف نفس وافتتح الرستن ثم سار إلى دمشق فملكها فسار الأخشيد ونزل على طبرية فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الأخشدي فرد سيف الدولة وجمع وحشد فقصده إلاخشيد فالتقاه بقنسرين وهزمه ودخل حلب وهرب سيف الدولة وأما بغداد فكان فيها قحط لم ير مثله وهرب الخلق وكان النساء يخرجن عشرين وعشراً يمسك بعضهن ببعض يصحن الجوع الجوع ثم تسقط الواجدة بعد الواحدة ميتة فأنا لله وإنا إليه راجعون قاله في العبر وفي شوال مات أبو عبيد الله البريدي وقام أخوه أبو الحسين مقامه وكان البريدي هذا على ما قال ابن الفرات ظلوماً عسوفاً وكان أعظم أسباب الغلاء

(2/333)


334 ببغداد لأنه صادر الناس في أموالهم وجعل على كل كر من الحنطة والشعير خمسة دنانير فبلغ ثمن كر الحنطة ثلثمائة دينار وستة عشر دينارً ث افتتح الخراج في آذار وحصد أصحابه الحنطة والشعير وحملوه بسنبلة إلى منازلهم ووظف الوظائف على أ هل الذمة وعلى سائر المكيلات وأخذ أموال التجار غصباً وظلمهم ظلماً لم يسمع بمصله واستتر أكثر العمال لعظم ما طالبهم به فسبحان الفعال لما يريد وفيها توفي الحافظ فلسطين أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحان بالرملة رحل إلى الشام والجزيرة والعراق وروى عن العباس بن الوليد رحل إلى الشام والجزيرة والعراق وروى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته وعنه ابن جميع وطبقته وفيها علىما قال ابن درباس الحافظ محدث الشام خيثمة بن سليمان حيدرة الطرابلسي أبو الحسن أحد الثقات روى عن أحمد بن الفرج وطبقته وعنه ابن جميع وابن مندرة وغيرهما قال الخطيب ثقة ثقة وفيها قال ابن ناصر الدين ( مثل الإمام المغربي حز الأدب * ذاك الفتى محمد أبو العرب ) كان ثقة حافظا نبيلا كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب وخمسمائة كتاب وفيها أبو علي الؤلؤي محمد بن أحمد بن عمرو البصري راوية السنن عن أبي داود لزم أبا داود مدة طويلة يقرأ السنن للناس سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور دخل معز الدولة وأبو الحسين بن بويه على المستكفي فظنهما يريدان تقبيل يده فناولهما يده فنكساه عن السرير ووضعا عمامته في عنقه وجراه ونهض أبو الحسين وحمل المستكفي راجلا إلى دار أبي الحسن فاعتقل وخلع من الخلافة انتهى أي وسلمت عيناه أيضا وحبس في دار

(2/334)


335 الخلافة إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة وسنة ستة وأربعون سنة وقال في الشذور وفي هذه السنة الغلاء حتى ذبح الصبيان وأكلوا وأكل الناس الجيف وصارت العقار والدور تباع برغفان خبز واشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم انتهى وفيها اصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية وفيها تداعت بغداد للخراب من شدة القحط والفتن والجور وهلك توزون بعلة الصرع في المحرم بهيت وفيها توفي كما قال ابن ناصر الدين ( بعدّ فتى يس المضعف * الهروي أحمد المصنف ) وهو أحمد بن محمد بن يس الهروي الحافظ الحداد أبو إسحاق مصنف تاريخ هراة وهو ليسبالقوي وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي الدمشقي في جمادى الأولى وله بضع وتسعون سنة تفرد بالرواية عن جماعة وحدث عن موسى بن عامر المري ومحمد بن إسماعيل بن علية وطبقتهما وفيها الصنوبري الشاعر أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الضبي الحلبي وشعره في الذروة العليا وفيها الحسين بن يحي أبو عبد الله المتوثى القطان في جمادى الآخرة ببغداد وه خمس وتسعون سنة روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة وآخر من حدث عنه هلال الحفار وفيها عثمان بن محمد أبو الحسين الذهبي البغدادي بحلب روى عن أبي بكر ابن أبي الدنيا وطبقته وفيها ابن إسحاق المادرائي أبو الحسن محدث البصرة روى عن علي بن

(2/335)


336 حرب وطائفة وفيها قاضي القضاة أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي ولي قضاء واسط ثم قضاء مصر ثم قضاء بغداد في سنة ثلاثين وكان قليل العلم إلى الغاية إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول فتعجب الناس من ولايته لكنه ظهرت منه صرامة وعفة وكفاءة قاله في العبر وفيها الوزير العادل أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب وزر للمقتدر ثم للقاهر وكان محدثا عالما دينا خيرا كبير الشأن على الإسناد روى عن أحمد بن بديل والحسن الزعفراني وطائفة وعاش تسعين سنة وكان في الوزراء كعمر بن عبد العزيز في الخلفاء قال أحمد بن كامل القاضي سمعت الوزير علي بن عيسى يقول كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها في وجوه البر ستمائة ألف دينار آخر من روى عنه ابنه عيسى في أمالية قاله في العبر وفيها الإمام العلامة الثقة أبو القسم الخرقي عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي صاحب المختصر في الفقه في الفقه بدمشق ودفن بباب الصغير قاله في العبر وقال ابن أبي يعلى في طبقاته قرأ على من قرأ على أبي بكر المروذي وحرب الكرماني وصالح وعبد الله ابني إمامنا له المصنفات الكثيرة في المذهب لم ينتشر منها إلا المختصر في الفقه لأنه خرج من مدينة السلام لما ظهر فيها سب الصحابة رضوان الله عليهم وأودع كتبه في درب سليمان فاحترقت الدار التي كانت فيها ولم تكن انتشرت لبعده عن البلد قرأ عليه جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو عبد الله بن بطة وأبو الحسن التميمي وأبو الحسن بن سمعون وغيرهم قرأت بخط أبي إسحاق البرمكي أن عدد مسائل المختصر ألفان وثلثمائة مسئلة انتهى ملخصا وقال ابن خلكان وكان والده أيضا من الأعيان روى عن جماعة رحمهم الله تعالى أجمعين والخرقي بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء

(2/336)


337 وبعدها قاف هذه النسبة إلى بيع الخرق والثياب انتهى وفيها الحافظ أبو علي محمد بن سعيد القشيري الحراني نزيل الرقة ومؤرخها روى عن سليمان بن سيف الحراني وطبقته وعنه محمد بن جامع الدهان وغندر البغدادي وابن جميع وهو ثقة ثبت وفيها الأخشيد أبو بكر محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني صاحب مصر والشام ودمشق والحجاز وغيرها وصاحب سرير الذهب والخشيد لقب لكل من ملك فرغانة وكان الأخشيد ملكها وولاه خلفاء العباسيين الأمصار حتى عظم شأنه قال في العبر والأخشيد بالتركي ملك الملوك وطغج عبد الرحمن وهو من أولاد ملوك فرغانة وكان جده جف من الترك الذين حملوا إلى المعتصم فأكرمه وقربه ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل فاتصل طغج بابن طولون وكان من كبار امرائه وكان الأخشيد شجاعاً حازماً يقظاً شديد البطش لا يكاد أحد يجر قوسه توفي بدمشق في ذي الحجة وله سنت وستون سنة ودفنوه ببيت المقدس وكان له ثماينة آلاف مملوك انتهى ما قاله في العبر وقال ابن خلكان وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني في تاريخه الصغير الذي سماه عيون السير أن جيشه كان يحتوي على أربعمائة ألف رجل وأنه كن جباناً وله ثمانية آلاف مملوك يحرسه فيكل ليلة الفان منهم ويوكل بجانب خيمته الخدم إذا سافر ثم لا يثق حتى يمضي إلى خيم الفراشين فينام فيها ولم يزل على مملكته وسعادته إلى أن توفي في الساعة الرابعة نم يوم الجمعة ثاني عشرى الحجة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة بدمشق وحمل تابوته إلى بيت المقدس فدفن به ثم قال ابن خلكان وهو استاذ كافور الأخشيدي وفاتك المجنون ثم قام كافور لمذكور بتربية ابني مخدومة احسن قيام وهما أبو القسم انوجور وأبو الحسين علي انتهى ملخصاً وفيها القائم بأمر الله أبو القسم نزار بن المهدي عبيد الله الدعى الباطني

(2/337)


338 صاحب المغرب وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها فما قدر له وكان مولده بسلمية في حدود الثمانين ومائتين وقام بعده ابنه المنصور إسماعيل وفيها الشبلي أبو بكر دلف بن جحدر وقيل جعفر بن يونس وهذا هو المكتوب على قبره الزاهد المشهور صاحب الأحوال والتصوف قرأ في أول أمره الفقه وبرع في مذهب مالك ثم سلك وصحب الجنيد وكان أبوه من حجاب الدولة قال السخاوي في تاريخه أصله من أسر وشنة من قرية من قراها بقال لها شبلية ومولده بسير من رأى كان خاله أمير الأمراء بالإسكندرية وكان الشبلي حاجب الموفق وكان أبوه حاجب الحجاب وكان الموفق جعل لطعمته دماوند ثم حضر الشبلي يوما فجلس خير النساج فتاب فيه ورجع إلى دماوند وقال أنا كنت حاجب الموفق وكان ولايتي بلدتكم هذه فاجعلوني في حل فجعلوه في حل وجهدوا أن يقبل منهم شيئا فأبى وصار بعد ذلك واحد زمانه حالا ويقينا وقال شيخه الجنيد لا تنظروا إلى الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض فإنه عين من عيون الله وكان الشبلي فقيها عالما كتب الحديث الكثير وقال محمد بن الحسن البغدادي سمعت الشبلي فقيها عالما كتب الحديث الكثير وقال محمد بن الحسن البغدادي سمعت الشبلي يقول أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة التي ترون سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ الموطأ وقرأ بكذا قراءة عني به نفسي وقال كتبت الحديث عشرين سنة وجالست الفقهاء عشرين سنة وصحب الجنيد ومن في عصره وصار أوحد العصر حالا وعلما وتوفي في ذي الحجة ودفن بالخيزرانية ببغداد بقرب الإمام الأعظم وله سبع وثمانون سنة وورد أنه سئل إذا اشتبه على المرأة دم بدم الاستحاضة كيف تصنع فأجاب بثمانية عشر جوابا للعلماء انتهى ملخصا سنة خمس وثلاثين وثلثمائة فيها تملك سيف الدولة بن حمدان دمشق بعد موت الإخشيد فجاءته

(2/338)


339 جيوش مصر فدفعته إلى الرقة بعد حروب وأمور واصطلح معز الدولة بنبويه وناصر الدولة بن حمدان وفيها كما قال في الشذور ملكت الديالم الجانب الشرقي أي من بغداد ونهبت سوق يحي وغيره فخرج الناس حفاة مشاة من بغداد إلى ناحية عكبرى هاربين النساء والصبيان فتلفوا من الحر والعطش حتى إن امرأة كانت تنادي في الصحراء أنا ابنة فلان ومعي جوهر وحلي بألف دينار رحم الله من أخذه وسقاني شربة ماء فما التفت إليها أحد فوقعت ميتة وفيها توفي أبو العباس بن القاص أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي وله مصنفات مشهورة تفقه على ابن سريج وتفقه عليه أهل طبرستان وتوفي بطرسوس قال ابن السمعاني والقاص هو الذي يعظ ويذكر القصص عرف أبوه بالقاص لأنه دخل بلاد الديلم وقص على الناس الأخبار المرغبة في الجهاد ثم دخل بلاد الروم غازيا فبينما هو يقص لحقه وجد وخشية فمات رحمه الله تعالى قاله النووي في تهذيبه وقال ابن خلكان أن صاحب الترجمة وهو أبو العباس هو الذي مات في حالة من الوجد والغشية وله تصانيف صغيرة الحجم كبيرة الفائدة منها التلخيص والمفتاح وأدب القضاء وكتاب دلائل القبلة وأكثره تاريخ وحكايات عن أحوال الأرض وعجائبها وتصنيف في إحرام المرأة وتصنيف في الكلام على قوله يا أبا عمير ما فعل النغير وفيها الطبري المحدث أبو بكر محمد بن جعفر الصيرفي في بغداد وكان ثقة مأمونا روى عن الحسن بن عرفة وطائفة وفيها الصولي أبو بكر محمد بن يحي البغدادي الأديب الأخباري العلامة صاحب التصانيف أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وروى عن أي داود السجستاني وطائفة الأعلى هو صول ملك جرجان وكان الصولي حسن الاعتقاد جميل

(2/339)


340 الطريقة يضرب به المثل في لعب الشطرنج ويعتقد كثيرون إنه الذي وضعه وإنما وضعه صصه بن داهر وقيل ابن يلهب وقيل ابن قاسم وضعه لملك الهند شهرام واسمه بلهيث وقيل ماهيت وكان أزدشير بن بابك أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النرد ولذلك قيل له نردشير لأنهم نسبوه إلى واضعه المذكور وجعله مثالا للدنيا وأهله فرتب الرقعة اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة ومن الجهة الأخرى اثني عشر بيتا بعدد البروج وجعل القطع ثلاثين بعدد أيام الشهر وجعل الفصوص فيما يرمي به من كل جهتين سبعة بعدد أيام الأسبوع وجعل ما يأتي به اللاعب مثالا للقضاء والقدر فتارة له وتارة عليه فافتخرت ملوك الفرس بذلك فلما وضع صصه الشطرنج قضت حكماء ذلك العصر وعرضه على ملك الهند المذكور أ ' جبه وفرح به كثيرا وأمر أن يكون في بيت الديانة ورآه أفضل ما علم لأنه آلة للحرب وعز للدين والدنيا وأساس لكل عدل فأظهر الشكر على ما أنعم عليه به في ملكه وقال له اقترح على ما تشتهي فقال له اقترحت أن تضع حبة قمح في البيت الأول ولا تزال تضعها حتى تنتهي إلى آخرها فمهما بلغ تعطيني فاستصغر الملك ذلك وأنكر عليه كونه قابله بالنرز وقد كان أضمر له شيئا كثيرا فقال ما أريد إلا هذا فأجابه إلى مطلوبه وتقدم له به فلما حسبه أرباب الديوان قالوا ما عندنا ولا في ملكنا ما يفي به ولا ما يقاربه فكانت أمنيته أعجب من وضعه وكيفية تضعيفه وما انتهى إليه التضعيف مما شاع وذاع فلا نطيل به ولكن ما انتهى إليه التضعيف على ما قاله ابن الأهدل وهو آخر بيت من أبيات الرقعة الأربعة والستين إلى ستة عشر ألف مدينة وثلثمائة وأربع وثمانين مدينة وقال ابن الأهدل أيضا ومن المعلوم قطعا أن الدنيا ليس فيها مدن أكثر

(2/340)


341 من هذا العدد فإن دور كرة الأرض بطريق الهندسة وهو ثمانية آلاف فرسخ بحيث لو وضعنا طرف حبل على أي موضع من ألأرض وأدير الحبل على كرة الأرض ومسح الحبل كان أربعة وعشرين ألف ميل وهي ثمانية آلاف فرسخ وذلك قطعي لا شك فيه وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك فسأل بني موسى بن شاكر وكانوا قد انفردوا بعلم الهندسة فقالوا نعم هذا قطعي فسألهم تحقيقه معاينة فسألوا عن صحراء مستوية فقيل صحراء سنجار ووطأة الكوفة فخرجوا إليها ووقفوا في موضع واحد ثم أخذوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا في ذلك الموضع وتدا وربطوا حبلا طويلا ثم مشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف إلى يمين أو شمال بحسب الأمكان فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر في الأرض وربطوا فيه حبلا آخر ومضوا إلى جهة الشمال حتى انتهوا إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأول درجة فمسحوا ذلك القدر الذي قدروه من الأرض بالحبال فبلغ ستة وستين ميلا وثلثي ميل وجميع الفلك ثلثمائة وستون درجة لأن الفلك مقسوم باثني عشر برجا وكل برج ثلاثون درجة فضربوا عدد درج الفلك الثلثمائة والستين في ستة وستين ميلا وثلثين التي هي حصة كل درجة فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل وهي ثمانية آلاف فرسخ قال فعلى هذا يكون دور كرة الأرض مسيرة ألف مرحلة وذلك مسيرة ثلاث سنين إلا ثمانين يوما بسير النهار دون الليل لأن المرحلة ثمانية فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال وهذا ينافي ما اشتهر أن الأرض مسيرة خمسمائة سنة ويعلم من ذلك أيضا أن في كل ثلاث مراحل إلا خمسة أميال وثلث في السير إلى جهة الشمال يرتفع القطب درجة ويكون عرض تلك البلد أزيد من التي ابتدئ السير منها بدرجة ومما يدل على هذا أن عرض المدينة المشرفة يزيد على عرض مكة المعظمة ثلاث درج والله أعلم انتهى

(2/341)


342 ما أورده ابن الأهدل ملخصا وقال المسعودي ذكر لي أن الصولي في بدء دخوله على الإمام وقد كان ذكر له تخريجه في اللعب بالشطرنج وكان الماوردي اللاعب متقيدا عنده متمكنا من قلبه معجبا به للعبه فلما لعبا جميعا بحضرة المكتفي حسن رأيه في الماوردي وتقدم على نصرته وتشجيعه وتنبيهه حتى أدهش ذلك الصولي في أول وهلة فلما اتصل اللعب بينهم وجمع له الصولي متانته وقصد قصده غلبه غلبا لا يكاد يرد عليه شيء وتبين حسن لعب الصولى للمكتفي فعدل عن موالاة الماوردي وقال عاد ماء وردك بولا وصنف الصولي المصنفات الحسان منها كتاب الوزراء وكتاب الورقة وكتاب أخبار القرامطة وكتاب الغرر وكتاب أخبار أبي عمرو بن العلاء وجمع أخبار جماعة من الشعراء ورتبه على حروف المعجم وكلهم من المحدثين وكان ينادم الخلفاء وكان أغلب فنونه أخبار الناس وله رواية واسعة ومحفوظات كثيرة وتوفي بالبصرة مستترا لأنه روى خبرا في حق علي كرم الله وجهه فطلبه الخاصة والعامة فلم يقدروا عليه وكان قد خرج من بغداد لضائقة لحقته وفيها الهيثم بن كليب الحافظ أبو سعيد الشاشي صاحب المسند ومحدث ما وراء النهر عن عيسى بن أحمد البلخي وأبي عيسى الترمذي والدوري وآخرين وعنه علي بن أحمد الخزاعي ومنصور بن نصر الكاغدي وآخرون وهو ثقة سنة ست وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وظهر كوكب عظيم ذو ذنب منتشر طوله نحو ذراعين فبقى ثلاثة عشر يوما ثم اضمحل انتهى وفيها ظفر المنصور العبيدي بمخلد بن كيداد وقتل قواده ومزق جيشه

(2/342)


343 وفيها توفي الحافظ أبو الحسين أحمد بن المنادي واسم المنادي جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي داود عبيد الله البغدادي وله ثمانون سنة صنف وجمع وسمع من وغيره ومنه أحمد بن نصر الشذائي وغيره قال الخطيب كان صلب الدين شرس الأخلاق مع كونه ثقة وفيها حاجب بن أحمد بن يرحم أبو محمد الطوسي وهو معمر ضعيف الحديث زعم أنه ابن مائة وثمان سنين وحدث عن محمد بن رافع والذهلي والكبار قاله في العبر وقال في المغني حاجب بن أحمد الطوسي شيخ مشهور لقيه ابن مندة ضعفه الحاكم وغيره في اللقى انتهى وفيها أبو العباس الأثرم محمد بن أحمد بن حماد المقرئ البغدادي وله ست وتسعون سنة روى عن الحسن بن عرفة بن شبة والكبار وتوفي بالبصرة وفيها الحكيمي مكبرا نسبة إلى حكيم جد محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ببغداد في ذي الحجة روى عن زكريا بن يحي المروزي وطبقته وفيها الميداني أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل النيسابوري في رجب فجأة وكان عنده جزء عن الذهلي وهو الذي تفرد به سبط السلفي وفيها أبو طاهر المحمد باذي نسبة إلى محمد اباذ محلة خارج نيسابور محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري أحد اللسان روى عن أحمد بن يوسف السلمي وطائفة ببغداد عن عباس الدوري وذويه وكان إمام الأئمة ابن خزيمة إذا شك في لغة سأله

(2/343)


344 سنة سبع وثلاثين وثلثمائة فيها كان الغرق ببغداد وبلغت دجلة أحدا وعشرين ذراعا وهلك خلق تحت الهدم وفيها قوى معز الدولة على صاحب الموصل ابن حمدان وقصده ففر ابن حمدان إلى نصيبين ثم صالحه على حمل ثمانية آلاف ألف في السنة وفيها خرجت الروم لعنهم الله وهزمهم سيف الدولة على مرعش وملك مرعش وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني نسبة إلى قرميسين مدينة بالعراق إبراهيم ابن شيبان شيخ الصوفية ببلاد الجيل صحب إبراهيم الخواص وساح بالشام ومن كلامه علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهو من المغاليط والزندقة قال السخاوي له مقامات في الورع والتقوى يعجز عنها الخلق وكان متمسكا بالكتاب والسنة لازما لطريقة المشايخ والأئمة المتقدمين قال عبد الله بن منازل وقد سئل عنه هو حجة الله على الفقراء وأهل الدب والمعاملات ومن كلامه من أراد أن يتعطل ويتبطل فليلزم الرخص والذي ذكره اليافعي في نشر المحاسن عنه من أراد أن يتعطل أو يتبطل أو يتنطل فليلزم الرخص ومعنى يتنطل من قول العرب فلان ناطل يعنون ليس بجيد بل ساقط ويقولون نطل الخز من التنور إذا سقط منه ووقع في الرماد ومن كلامه إذا سكن الخوف القلب أحرق محل الشهوات فيه وطرد عنه رغبة الدنيا وحال بينه وبين النوم وبعد فإن الذي قطعهم وأهلكهم محبة الراكنين إلى الدنيا وقال يا بني تعلم العلم لأدب الظاهر واستعمل الورع لأدب الباطن وإياك أن يشغلك عن الله شاغل فقل من أعرض عنه فأقبل عليه وقال الخلق محل الآفات وأكثر منهم آفة من يأنس بهم أو يسكن إليهم وقال صحبت أبا عبد الله المغربي ثلاثين سنة فدخلت عليه يوما وهو

(2/344)


345 يأكل فقال لي أذن وكل معي فقلت له أني قد صحبتك منذ ثلاثين سنة لم تدعني إلى طعامك إلا اليوم فما بالك دعوتني اليوم فقال لأن النبي قال لا يأكل طعامك إلا تقى ولم يظهر لي تقاك إلا اليوم وفيها محمد بن علي بن عمر أبو علي النيسابوري المذكر أحد الضعفاء سمع من أحمد بن الأزهر وأقرانه ولو اقتصر عليهم لكان مسند خراسان ولكنه حدث عن محمد بن رافع والكبار قاله في العبر وقال في المغني محمد بن علي ابن عمر المذكر النيسابوري شيخ الحاكم لا ثقة ولا مأمون انتهى وفيها عمر المذكر بن إبراهيم بن محمد الجرجاني البحري أبو يعقوب حافظ ثقة قال ابن ناصر الدين 0 غسحق البحري ذا الجرجاني * شيخ زكا لحفظه المعاني ) سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وقعت فتنة بين السنة والشيعة ونهبت الكرخ وفيها ولى قضاء القضاة أبو السائب عتبة بن عبد الله ولم يحج ركب العراق وفيها توفي المستكفي بالله أبو القسم عبد الله بن المكتفي بالله على بن وحبس حتى مات وله ست وأربعون سنة وكان ابيض جميلاً ربعة أكحل اقنى خفيف العارضين وأمه أمة وكانت مدة خلافته سنة واحدة وأربعة أشهر وما زال مغلوباً على أمره مدة خلافته والله أعلم وفيها أحمد بن سليمان بن ريان أبو بكر الكندي الدمشقي الضرير ذكر أنه ولد سنة خمس وعشرين ومائتين وأنه قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني وأنه سمع من هشام بن عمار وابن أبي الحواري وروى عنه تمام الرازي

(2/345)


346 وعبد الرحمن بن أبي نصر ثم تركا الرواية عنه لما تبين أمره قال الحافظ عبد الغني الأزدي كان غير ثقة وقال عبد العزيز الكتاني كان يعف بابن ريان العابد لزهده وروعه وفيها أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحوي كان ينظر بابن الأنباري ونفطويه وله تصانيف كثيرة وكان مقتراً على نفسه في لباسه وطعامه توفي في ذي الحجة قال السيوطي في حسن المحاضرة وقد أخذ عن الأخفش الصغير وغيره وروى الحديث عن النسائي ومن مصنفاته تفسير القرآن والناسخ والمنسوخ وشرح أبيات سيبويه وشرح المعلقات غرق تحت المقياس ولم يدر أين ذهب انتهى وفيها إبراهيم بن عبد الرازق الأنطاكي المقرىء مقرىء أهل الشام في زمانه قرأ على قنبل وهرون الأخفش وعثمان بن خرزاذ وصنف كتاباً في القراءات الثمان وروى الحديث عن أبي أمية الطرسوسي وقيل توفي في السنة الآتية وفيها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري القاضي نزيل دمشق ونائب الحكم بها وصاحب الجزء المشهور روى عن الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر وطائفة من العراقيين والشاميين والمصريين وثقه الخطيب وتوفي في ربيع الآخر والسامري بفتح الميمي وتشديد الراء نسبة إلى سر من رأى مدينة فوق بغداد وفيها أبو لعي الخضايري الحسن بن حبيب الدمشقي الفقيه الشافعي روى عن الربيع بن سليمان وابن عبد الحكم وحدث بكتاب الأم للشافعي رضى الله عنه قال الكتاني هو ثقة نبيل حافظ لمذهب الشافعي مات في ذي القعدة وفيها عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه بن فناخسر الديلمي صاحب بلاد فارس وهو أول من ملك من أخوته وكان الملك معز الدولة أحمد أخوه

(2/346)


347 يتأدب معه ويقدمه على نفسه عاش بضعا وخمسين سنة وكانت أيامه ست عشرة سنة وملك فارس بعده ابن أخيه عضد الدولة بن ركن الدولة وذكر أبو محمد هارون بن العباس المأموني في تاريخه أن عماد الدولة المذكور اتفقت له أسباب عجيبة كانت سببا لثبات ملكه منها أنه لما ملك شيراز في أول ملكه اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال ولم يكن معه ما يرضيهم به وأشرف أمره على الإنحلال فاغتم لذلك فبينا هو مفكر وقد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا فيه للتفكير والتدبير إذ رأى حية خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعا آخر منه فخاف أن تسقط عليه فدعا بالفراشين وأمرهم بإحضار سلم وأن تخرج الحية فلما صعدوا وبحثوا عن الحية وجدوا ذلك السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين فعرفوه ذلك فأمرهم بفتحها ففتحت فوجد فيها عدة صناديق من المال والمصاغات قدر خمسمائة ألف دينار فحمل المال إلى بين يديه وسر به وأنفقه في رجاله وثبت أمره بعد أن كان أشفى على الانخرام ثم إنه قطع ثيابا وسأل عن خياط حاذق فوصف له خياط كان لصاحب البلد قبله فأمر بإحضاره وكان أطروشا فوقع له إنه قد سعى به إليه في وديعة كانت عنده لصاحبه وإنه طالبه بهذا السبب فلما خاطبه حلف أنه ليس عنده إلا اثنا عشر صندوقا لا يدري ما فيها فعجب عماد الدولة من جوابه ووجه معه من حملها فوجد فيها أموالا وثيابا بجملة عظيمة فكانت هذه الأسباب من أقوى دلائل سعادته ثم تمكنت حاله واستقرت قواعده وكانت وفاته يوم الأحد سادس جمادى الأولى بشيراز ودفن بدار المملكة وأقام في الملك ستة وعشرين سنة وقيل إنه ملك في جمادى الأولى بشيراز ودفن بدار المملكة وأقام في الملك ستة وعشرين سنة وقيل إنه ملك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ولم يعقب وأتاه في مرضه أخوه ركن الدولة واتفقا على تسليم بلاد فارس إلى عضد الدولة فتسلمها وفيها علي بن محمد أبو الحسن الواعظ المصري وهو بغدادي أقام بمصر

(2/347)


348 مدة روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما وكان صاحب حديث له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد وكان مقدم زمانه في الوعظ قال السيوطي في حسن المحاضرة قال ابن كثير ارتحل إلى مصر فأقام بها حتى عرف بالمصري روى عنه الدارقطني وغيره وكان له مجلس وعظ عظيم مات في ذي القعدة وله سبع وثمانون سنة انتهى ملخصا وفيها علي بن محمد بن سختونة بن خمشاد أبو الحسن النيسابوري الحافظ العدل الثقة أحد الأئمة سمع الفضل بن محمد الشعراني وإبراهيم ديزيل وطبقتهما ورحل وطوف وصنف وله مسند كبير في أربعمائة جزء وأحكام في مائتين وستين جزءا توفي فجأة في الحمام وله ثمانون سنة قال أحمد بن إسحاق الضبعي صحبت علي بن خمشاد في الحضر والسفر فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة وفيها محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله النيسابوري الفقيه الرجل الصالح سمع السري بن خزيمة وأقرانه قال الحاكم كان يصوم النهار ويقوم الليل ويصبر على الفقر ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه سنة تسع وثلاثين وثلثمائة فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين ألفا فافتتح حصونا وسبى وغنم فأخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا ونجا هو في عدد قليل ووصل من سلم في أسوأ حال وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه وكان بحكم بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه وقالوا أخذناه بأمر وإذا ورد أمر رددناه فردوه وقالوا رددناه بأمر من أخذناه بأمره لتتم مناسك الناس قاله في الشذور

(2/348)


349 وفيها توفي الحافظ أبو محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري الصغير روى عن ابن الضريس وطبقته قال الحاكم كان واحد عصره في الحفظ والوعظ خرج صحيحا على وضع مسلم وهو ثقة وفيها حفص بن عمر الأردبيلي أبو القسم الحافظ محدث أذربيجان وصاحب التصانيف روى عن أبي حاتم الرازي ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما وعنه ابن لال وغيره وكان رحالاً مصنفاً والأردبيلي بالفتح وسكون الراء وضم الدال المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية نسبة إلى أردييل من بلاد أذربيجان وفيها قاضي الإسكندرية علي بن عبد الله بن أبي مطر المعارفي نسبة إلى المعافر بطن من قحطان الإسكندراني الفقيه أبو الحسن المالكي وله مائة سنة روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد بن مسلم وغيره وفيها القاضي ابن الأشناني أبو الحسين عمر بن الحسن ببغداد روى عن محمد بن عيسى بن حيان المدائني وابن أبي الدنيا وعدة وضعفه الدارقطني وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن احمد الأصبهاني الصفار روى عن أسيد بن أبي عاصم وطبقته وصنف في الزهد وغيره وصحب العباد وكان من أكثر الحافظ حديثاً قال الحاكم هو محدث عصره مجاب الدعوة لم يرفع رأسه إلى السماء نيفاً وأربعين سنة توفي في ذي القعدة وله ثمان وتسعون سنة وفيها القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد بالله أحمد بن طلحة بن جعفر العباسي سملت عيناه وخلع في سنة اثنتين وعشرين وكانت خلافته سنة وسبعة أشهر وكان ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف فاتكاً ظالماً سيء

(2/349)


349 السيرة كان بعد الكحل والعمى حبس تارة ويترك أخرى فوقف يوماً بجامع المنصور بن الصوف وعليه مبطنة بيضاء وقال تصدقوا على فأنا من عرفتم فقام أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي فأعطاه خمسمائة درهم ثم منع لذلك من الخروج فقيل أنه أراد أن يشنع بذلك على المستكفي ولعله فعل ذلك في أيام القحط توفي في جمادى الأولى وله ثلاث وخمسون سنة وفيها محدث بغداد أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز وله ثمان وثمانون سنة روى عن سعدان بن نصر ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وطائفة وفيها أبو نصر الفارابي صاحب الفلسفة محمد بن محمد بن طرخان التركي ذو المصنفات المشهورة في الحكمة والمنطق والموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله وكان مفرط الذكاء قدم دمشق ورتب له سيف الدولة كل يوم أربعة دراهم إلى أن مات وله نحو من ثمانين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته وبه أي بتآليفه تخرج أبو على بن سينا وان يحقق كتاب ارسطاطاليس وكتب عنه في شرحه سبعون سفراً ولم يكن في وقته مثله ولم يكن في هذا الفن أبصر من الفارابي وسئل من أعلم أنت أو أرسطاطاليس فقال لو أدركته لكنت أكبر تلامذته ويقال أن آلة الصابون من وضعه قال الفقيه حسين هؤلاء الثلاثة متهمون في دينهم يعنى الفارابي والكندي وابن سينا فلا تغتر بالسكوت عنهم انتهى ما أورده ابن الأهدل ملخصاً وقال ابن خلكان هو أكبر فلاسفة المسلمين لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه والرئيس أبو علي بن سيناء بكتبه تخرج وبه انتفع في تصانيفه وكان الفارابي رجلاً تركيا ولد في بلده ونشأ بها ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي فشرع في اللسان العربي فتعلمه واتقنه غاية

(2/350)


351 الإتقان ثم اشتغل بعلوم الحكمة ولما دخل بغداد كان بها أب بشر متى بن يونس الحكيم المشهور وهو شيخ كبير وكان يعلم الناس فن المنطق وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة وافية ويجتمع في حلقته خلق كثير من المشتغلين وهو يقرأ كتاب أرسطاطاليس في المنطق ويملي على تلاميذه شرحه سبعون سفرا ولم في ذلك الوقت مثله أحد في فنه وكان حسن العبارة في تأليفه وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذليل حتى قال بعض علماء هذا الفن ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من بشر يعني المذكور وكان أبو نصر يحضر حلقته في غمار تلامذته فأقام أبو نصر برهة ثم ارتحل إلى مدينة حران وفيها يوحنا بن جيلان الحكيم النصراني فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا ثم إنه قفل إلى بغداد راجعا وقرأ بها علوم الفلسفة وتناول جميع كتب أرسطاطاليس وتمهر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها ويقال إنه وجد كتاب النفس لأرسطاطاليس وعليه مكتوب بخط أبي نصر الفارابي قرأت السماع الطبيعي لأرسطا طاليس أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته ورأيت في بعض المجاميع أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف وكان سلطان الشام يومئذ فدخل عليه وهو بزي الأتراك وكان ذلك زيه دائما فقال له سيف الدولة اقعد فقال حيث أنا أم حيث أنت ثم تخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة وزاحمه فيه حتى أخرجه عنه وكان على رأس سيف الدولة مماليك وله معهم لسان خاص يسارهم به قل أن يعرفه أحد فقال لهم بذلك اللسان إن هذا الشيخ قد أساء الأدب وإني مسائله عن أشياء إن لم يعرفها فاخرقوا به فقال له أبو نصر بذلك اللسان أيها الأمير اصبر فإن الأمور بعواقبها فعجب سيف الدولة منه وقال له لا أتحسن هذا اللسان قال نعم أحسن أكثر من سبعين لسانا فعظم عنده ثم أخذ يتكلم مع العلماء

(2/351)


352 الحاضرين في المجلس في كل فن فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل حتى صمت الكل وبقي يتكلم وحده ثم أخذوا يكتبون ما يقوله فصرفهم سيف الدولة وخلا به فقال له هل لك أن تأكل شيئا قال لا قال فهل تشرب قال لا قال فهل تسمع فقال نعم فأمر سيف الدولة بإحضار القيان فحضر كل ماهر في هذا الفن بأنواع الملاهي فلم يحرك أحد منهم آلة إلا وعابه أبو نصر وقال أخطأت فقال سيف الدولة وهل تحسن في الصناعة شيئا قال نعم ثم أخرج من وسطه خريطة فتحها وأخرج منها عيدانا فركبها ثم لعب بها فضحك كل منفي المجلس ثم فكها وغير تركيبها وركبها تركيبا آخر وضرب بها فبكى كل من في المجلس ثم فكها وغير تركيبها وحركها فنام مل من في المجلس حتى البواب فتركهم نياما وخرج ويحكى أن الآلة المسماة بالقانون من وضعه وهو أول من ركبها هذا التركيب وكان منفردا بنفسه لا يجالس الناس وكان مدة مقامه بدمشق لا يكون غالبا إلا في مجتمع المياه ومشتبك الرياض ويؤلف هناك كتبه ويأتيه المشتغلون عليه وكان أكثر تصانيفه فصولا وتعاليق ويوجد بعضها ناقصا مبتورا وكان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن وأجرى عليه سيف الدولة من بيت المال كل يوم أربعة دراهم وهو الذي اقتصر على القناعة ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بدمشق وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه وقد ناهز ثمانين سنة ودفن بظاهر دمشق خارج باب الصغير وتوفي متى بن يونس ببغداد في خلافة الراضي هكذا حكاه ابن صاعد القطبي في طبقات الأطباء والفارابي بفتح الفاء والراء وبينهما ألف وبعد الألف الثانية باء موحدة نسبة إلى فاراب وتسمى في هذا الزمان أترار وهي مدينة فوق الشاش قريبة من مدينة بلاساغون وجميع أهلها على مذهب الشافعي رضي الله عنه وهي قاعدة من قواعد مدن الترك ويقال لها فاراب الداخلة ولهم فاراب الخارجة وهي في أطراف بلاد فارس انتهى

(2/352)


353 ما أورده ابن خلكان ملخصا وبالجملة فأخبر وعلومه وتانيفه كثيرة شهيرة ولكن أكثر العلماء على كفره وزندقته حتى قال الإمام الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال لا نشك في كفرهما أي الفارابي وابن سينا وقال فيه أيضا وأما الآلهيات ففيها أكثر أغاليطهم وما قدروا على الوفاء بالرهان على ما شرطوا في المنطق ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيه ولقد قرب مذهب أرسطاطاليس فيها من مذهب الإسلاميين الفارابي وابن سينا ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلا يجب تكفيهم في ثلاثة منها وتبديعهم في سبعة عشر ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب التهافت وأما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين وذلك قولهم أن الأجسام لا تحشر وأن المثاب والمعاقب هي الروح روحانية لا جسمانية ولقد صدقوا في إثبات الروحانية فإنها قائمة أيضا ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به ومن ذلك قولهم إن الله يعلم علم الكليات دون الجزئيات وهذا أيضا كفر صريح بل الحق أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته ولم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل وأما ما وراء ذلك مننفيهم الصفات وقولهم أنه عالم بالذات لا بعلم زائد وما يجري مجراه فمذهبهم فيه قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير المعتزلة وقال فيه أيضا القسم الثالث الآلهيون وهم المتأخرون مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس وهو الذي رتب لهم المنطق وهذب العلوم وخمر لهم ما لم يكن مخمرا من قبل وأوضح لهم ما كان انمحى من علومهم وهم بحملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم وكفى الله المؤمنين القتال بتقابلهم ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله

(2/353)


354 من الآلهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم إلا أنه استبقى أيضا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها فوجب تكفيهم وتكفير شيعهم من الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما على أنه لم يقم بعلم أرسطاطاليس أحد من المتفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين وما نقله غيرهم ليس يخلو عن تخطيط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم ومالا يفهم كيف يرد أو قبل ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في ثلاثة أقسام قسم يجب التفكير به وقسم يجب التبديع به وقسم لا يجب انكاره أصلاً انتهى ما قاله حجة الإسلام الغزالي فرحمه الله تعالى رحمة واسعة فانظر ما يجر إليه علم المنطق وما يترتب عليه للمتوغل فيه ولهذا حرمه أعيان الإجلاء كابن الصلاح والنواوي والسيوطي وابن نجيم في أشباهه وابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم وإن كان أكثر الحنابلة على كراهته قال الشيخ مرعي في غاية المتهى مالم يخف فساد عقيدة أي فيحرم والله تعالى أعلم بالصواب سنة أربعين وثلاثمائة فيها سار الوزير أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي بالجيوش وقد استوزر عام أول فالتقى القرامطة فهزمهم واستباح عسكرهم وعاد بالأسارى وفيها جمع سيف الدولة جيشاً عظيماً ووغل في بلاد الروم فغنم وسبى شيئاً كثيراً وعاد سالماً وأمن الوقت وذلت القرامطة وحج الركب وفيها توفي ابن العرابي المحدث الصوفي القدوة أبو سعيد أحمد بن محمد ابن زياد بن بشر بن درهم البصري نزيل مكة في ذي القعدة وله أربع وتسعون سنة روى عن الحسن الزعفراني وسعد بن نصر وخلق كثير وعنه ابن المقرى وابن مندة وابن جميع وخلائق وكان ثقة نبيلاً عارفاً عابداً ربانياً كبير القدر

(2/354)


355 بعيد الصيت وجمع وصنف ورحلوا إليه قال السخاوي وصنف للقوم كتباً كثيرة وصحب الجنيد وعمرو بن عثمان المكي والنووي وغيرهم قال السلمي سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول بمكة ثبت الوعد والوعيد عن الله تعالى فإذا كان الوعد قبل الوعيد فالوعيد تهديد وإذا كان الوعيد قبل الوعد فالوعيد منسوخ وإذا اجتمعا معا فالغلبة والثبات للوعد فالوعد حق العبد والوعيد حق الله تعالى والكريم يتغافل عن حقه ولا يهمل ولا يترك ما عليه وقال إن الله تعالى طيب الدنيا للعارفين بالخروج منها وطيب الجنة لأهلها بالخلود فيها فلو قيل للعارف أنك تبقى في الدنيا لمات كمداً ولو قيل لأهل الجنة إنكم تخرجون منها لماتوا كمداً فطابت الدنيا بذكر الخروج وطابت الآخرة بذكر الخلود وقال اشتغالك بنفسك يقطعك عن عبادة ربك واشتغالك بهموم الدنيا يقطعك عن هموم الآخرة واشتغالك بمداراة الخلق يقطعك عن الخالق ولا عبد اعجز من عبد نسي فضل ربه وعد عليه تسبيحه وتكبيره التي هي إلى الحياء منه أقرب من طلب ثواب عليه وافتخاربه وقال الذهبي وكان شيخ الحرم فيوقته سنداً وعلماً وزهداً وعبادة وتسليكاً وجمع كتاب طبقات النساك وكتاب تاريخ البصرة وصنف في شرف الفقر وفي التصوف ومن كلامه أخسر الخاسرين نم أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد انتهى ما أورده السخاوي ملخصاً وفيها أبو إسحق المروزي إبراهيم بن أحمد شيخ الشافعية وصاحب ابن سريج وذو التصانيف انتهت إليه رياسة مذهب الشافعي ببغداد وانتقل في آخر عمره إلى مصر فمات في رجب ودفن عند ضريح الشافعي رضي الله عنهما قال الأسنوي كان إماماً جليلاً غواصاً على المعاني ورعاً زاهداً أخذ عن ابن سريج وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وانتشر الفقه عن أصحابه في البلاد

(2/355)


356 قال العبادي وخرج من مجاشه إلى البلاد سبعون إماما وحكى عنه حكاية غريبة متعلقة بالقافة فقال حكى الصيدلاني وغيره عن القفال عن الشيخ أبي زيد عن أبي إسحاق قال ان لي جار ببغداد وله مال ويسار وكان له ابن يضرب إلى سواد ولون الرجل لا يشبهه وكان يعرض بأنه ليس منه قال فأتاني وقال عزمت على الحج وأكثر قصدي إن استصحب ابني وأريه بعض القافة فنهيته وقلت لعل القائف يقول ما تكره وليس لك ابن غيره فلم ينته وخرج لما رجع قال إني استحضرت مجلسا وأمرت بعرضه عليه في عدة رجال كان فيهم الذي يرمي بأنه منه وكان معنا في الرفقة وغيبت عن المجلس فنظر القائف فيهم فلم يلحقه بأحد منهم فأخبرت بذلك وقيل لي أحضر فلعله يلحقه بك فأقبلت على ناقة يقودها عبد لنا أسود كبير فلما رفع بصره علينا قال الله أكبر ذاك الراكب أبو هذا الغلام والقائد الأسود أبو الراكب فغشى على من صعوبة ما سمعت فلما رجعت ألححت على والدتي فأخبرتني أن أبي طلقها ثلاثا وقد بلغ ثلاثا ثم ندم فأمر هذا الغلام بنكاحها للتحليل فعل فعلقت منه وكان ذا مال كثير وقد بلغ الكبر وليس له ولد فاستلحقتك ونكحني مرة ثانية انتهى كلام الأسنوي قال ابن خلكان وتوفي لتسع خلون من رجب والمروزي بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو وبعدها زاي هذه النسبة إلى مرو والشاهجان وهي إحدى كراسي خراسان وهم أربع مدن هذه ونيسابور وهراة وبلخ وإنما قيل لها مرو الشاهجان لتتميز عن مرو الروذ والشاهجان لفظ عجمي تفسيره روح الملك انتهى ملخصا وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي الأديب ثقة رحال مكثر أقام علي أبي حاتم مدة وجاور لأجل يحي بن أبي ميسرة وفيها أبو علي الحسين بن صفوان البردعي بالمهملة نسبة إلى بردعة بل

(2/356)


357 بأذربيجان صاحب أبي بكر بن أبي الدنيا توفي ببغداد في شعبان فيها العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحرث البخاري الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر ويعرف بعبد الله الإستاذ وكان محدثا ًجوالاً رأساً في الفقه وصنف التصانيف وعمر اثنتين وثمانين سنة وروى عن عبد الصمد بن الفضل وعبيد الله بن واصل وطبقتهما قال أبو زرعة أحمد بن الحسين الحافظ هو ضعيف وقال الحاكم هو صاحب عجائب عن الثقات قاله في العبر وفيها أبو القسم الزجاجي نسبة إلى الزجاج النحوي عبد الرحمن بن إسحق النهاوند صاحب التصانيف أخذ عن أبي إسحق الزجاج وابن دريد وعلى ابن سليمان الأخفش وقد انتفع بكتابه الجمل خلق لا يحصون فقيل أنه جاوز مدة بمكة وصنفه فيها وكان إذا فرغ من الباب طاف أسبوعاً وجدعاً الله بالمغفرة وأن ينفع الله بكتابة وقراءته قال بعض المغاربة لكتابه عندنا مائة وعشرون شرحاً اشتغل ببغداد ثم بحلب ثم بدمشق ومات بطبرية في رمضان وفيها قاسم بن أصبغ الحافظ الإمام محدث الأندلس أبو محمد القرطبي مولى بني أمية ويقال له البياني وبيانه محلة بقرطبة وهو ثقة انتهى إليه التقدم في الحديث معرفة وحفظاً وعلو اسناد سمع بقي بن مخلد وأقرانه ومنه حفيده قاسم بن محمد وعبد الله بن محمد الباجي والقاسم بن محمد بن غسلون وغيرهم ورحل سنة أربع وسبعين ومائتين فسمع محمد بن إسماعيل بمكة وأبا بكر ابن أبي الدنيا وأبا محمد بن قتيبة ومحمد بن الجهم وطبقتهم ببغداد وإبراهيم القصار بالكوفة وصنف كتاباً على وضع سنن أبى داود لكونه فاته لقيه يسيراً قبل موته بثلاثة أعوام ومات في جمادى الأولى وفيها أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي

(2/357)


358 قدم بغداد وحدث بها عن جده وعن جد أبيه وثقه أبو حازم العبدوي ومات في رمضان وفيها أبو الحسن الكرخي شيخ الحنفية بالعراق واسمه عبد الله بن حسين ابن دلال روى ن إسماعيل القاضي وغيره وعاش ثمانين سنة انتهت إليه رياسة المذهب وخرج له أصحاب أئمة وكان قانعا متعففا عابدا صواما قواما كبير القدر سنة إحدى وأربعين وثلثمائة فيها على ما قال في الشذور ولي قضاء القضاة ببغداد عبد الله بن العباس بن الحسين بن ابي الشوارب والتزم كل سنة بمائتي ألف درهم وهو أول من ضمن القضاء ثم الحسبة والشرطة وفيها اطلع الوزير المهلبي على جماعة من التناسخية فيهم رجل يزعم أن روح على رضي الله عنه انتقلت إليه وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة رضي الله عنها انتقلت إليه وآخر يدعي أن جبريل فضربهم فتستروا بالانتماء إلى أهل البيت وكان ابن بويه شيعيا فأمر بإطلاقهم وفيها أخذت الروم مدينة سروج فاستباحوها وفيها توفي أبو الطاهر المدائني أحمد بن محمد بن عمرو الحامي محدث مصر في ذي الحجة روى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة وفيها أبو علي الصفار إسماعيل بن محمد البغدادي النحوي الأديب صاحب المبرد سمع الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر وطائفة وتوفي في المحرم وله أربع وتسعون سنة وفيها أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار أبو الحسن حدث عنه

(2/358)


359 الدارقطني وغيره وهو ثقة إمام قاله ابن ناصر الدين وفيها المنصور أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني صاحب المغرب حارب مخلد بن كنداد الأباضي الذي كان قد قمع بني عبيد واستولى على مماليكهم فأسره المنصور فسلخه بعد موته وحشا جلده وكان فصيحا مفوها بطلا شجاعا يرتجل الخطب مات في شوال وله تسع وثلاثون سنة وكانت دولته سبعة أعوام قاله في العبر وقال ابن خلكان ذكر أبو جعفر المروذي قال خرجت مع المنصور يوم هزم أبا يزيد فسايرته وبيده رمحان فسقط أحدهما مرارا فمسحته وناولته إياه وتفاءلت له فأنشدته ( فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر ) فقال ألا قلت ما هو خير من هذا وأصدق ( ^ وأوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ) فقلت يا مولانا أنت ابن رسول الله ما عندك من العلم اي لأن المنصور من الفاطمية بويع المنصور هذا يوم وفاة أبيه القائم وكان أبوه قد ولاه محاربة أبي يزيد الخارجي عليه وكان هذا أبو يزيد مخلد بن كيداد رجلا من الأباضية يظهر التزهد وأنه قام غضبا لله تعالى ولا يركب غير حمار ولا يلبس إلا الصوف وله مع القائم والد المنصور وقائع كثيرة وملك جميع مدن القيروان ولم يبق للقائم إلا المهدية فأناخ عليها أبو يزد وحاصرها فهلك القائم في الحصار ثم توفي المنصور فاستمر على محاربته وأخفى موت أبيه وصابر الحصار حتى رجع أبو يزيد عن المهدية ونزل على سوسة وحاصرها فخرج المنصور من المهدية ولقيه على سوسة فهزمه ووالي عليه الهزائم إلى أن أسره يوم الأحد خامس عشري محرم سنة ست وثلاثين وثلثمائة فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراحة كانت به فأمر

(2/359)


360 بسلخ جسده وحشا جدله قطعنا وصلبه وبنى مدينة في موضع الوقعة وسماها المنصورية واستطونها وخرج في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين من المنصورية إلى مدنية جلولاء ليتنزه بها ومعه حظيته قضيب وكان مغرماً بها فأمطر الله عليهم برداً كثيراً وسلط عليهم ريحاً عظيماً فخرج منها إلى المنصورية فاعتل بها فمات يوم الجمعة آخر شوال وكان سبب علته أنه لما وصل المنصورية أراد دخول الحمام ففنيت الحرارة الغريزية منه ولازمه السهر فأقبل أبو اسحق يعالجه والسهر باق على حاله فاشتد ذلك على المنصور فقال لبعض الخدام أما بالقيروان طبيب يخلصني من هذا فقال ههنا شاب قد نشأ يقال له إبراهيم فأمر بإحضاره فحضر فعرفه حاله وشكا إليه ما به فجمع له شيئاً ينومه وجعله في قنينة على النار وكلفه شمها فلما أدمن شمه نام وخرج إبراهيم مسروراً بما فعل وجاء إسحق إليه فقالوا إنه نائم فقال إن كان صنع له شيئاً ينام منه فقد مات فدخلوا عليه فوجدوه ميتاً فأرادوا قتل إبراهيم فقال إسحق ماله ذنب إنما داواه بما ذكره الأطباء غير أنه جهل اصل المرض وما عرفتموه ذلك وذلك أني كنت أعالجه وانظر في تقوية الحرارة الغريزية وبها يكون النوم فلما عولج بمايطفيها علمت أنه قد مات ودفن بالمهدية ومولده بالقيروان في سنة اثنتين وقيل إحدى وثلثمائة وكانت مدة خلافته سبع سنين وستة أيام انتهى ملخصاً فيها أوفى التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين البتلهي بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بيت لهيا من أعمال دمشق واسمه محمد بن عيسى بن أحمد بن عبيد الله أبو عمرو والقزويني نزيل بيت لهيا كان من الرحالين الحفاظ الثقات قال ابن ناصر الدين في بديعته ( ومات بعد مغرب شموساً * البتلهى محمد بن عيسى ) فسكن التاء وحرك اللام ضرورة

(2/360)


361 وفيها محمد بن أيوب بن الصموت الرقي نزيل مصر روى عن هلال بن العلاء وطائفة وهو من الضعفاء قال في المغني ضعفه أبو حاتم وفيها محمد بن حميد أبو الطيب الحوراني روى عن عباد بن الوليد وأحمد ابن منصور الرمادي ومات في عشر المائة وفيها محمد بن النضر أبو الحسن بن الأخرم الربعي قارئ أهل دمشق قرأ على هارون الأخفش وغيره وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق لإتقانه ومعرفته سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور حدثت علة مركبة من الدم والصفراء فشملت الناس وعمت الأهواز وبغداد وواسط والبصرة وكان يموت أهل الدار كلهم انتهى وفيها رجع سيف الدولة من الروم مظفرا منصورا قد أسر قسطنطين ابن الدمستق وكان بديع الحسن فبقى عنده مكرما حتى مات وفيها توفي العلامة أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الضبعي بالضم والفتح ومهملة نسبة قال السيوطي إلى ضبيعة بن قيس بطن من بكر بن وائل وضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان انتهى وكان الضبعي هذا شيخ الشافعية بنيسابور سمع بخراسان والعراق والجبال فأكثر وبرع في الحديث وحدث عن الحرث ابن أبي أسامة وطبقته وأفتى نيفا وخمسين سنة وصنف الكتب الكبار في الفقه والحديث وقال محمد بن حمدون صحبته عدة سنين فما رأيته ترك قيام الليل قال الحاكم وكان الضبعي يضرب بعقله المثل وبرأيه وما رأيت في مشايخنا أحسن صلاة منه وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه وفيها أحمد بن عبيد الله أبو جعفر الأسداباذي نسبة إلى أسداباذ بليدة قرب همذان الهمذاني الحافظ روى عن ابن ديزيل وإبراهيم الحربي قال ابن ناصر الدين وفي نسبة قول ثان وهو أحمد بن عبيد بن إبراهيم بن محمد

(2/361)


362 ابن عبيد أبو جعفر الهمذاني كان أحد الحفاظ المعدودين انتهى وفيها إبراهيم بن المولد وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد الرقي أبو الحسن الزاهد الصوفي الواعظ شيخ الصوفية أخذ عن الجنيد وجماعة وحدث عن عبد الله بن جابر المصيصي ومن كلامه من تولاه الله برعاية الحق أجل ممن يؤديه بسياسة العلم وقال القيام بأدب العلم وشرائعه يبلغ بصاحبه إلى مقام الزيادة والقبول وقال عجبت لمن عرف أن له طريقا إلى ربه كيف يعيش مع غيره والله تعالى يقول ( ^ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) وقال من قام إلى الأوامر لله كان بين قبول ورد ومن قام إليها بالله كان مقبولا لا شك وفيها الحسن بن يعقوب أبو الفضل البخاري العدل بنيسابور روى عن أبي حاتم الرازي وطبقته ورحل وأكثر وفيها أبو محمد عبد الله بن شوذب الواسطي المقرئ محدث واسط وله ثلاث وتسعون سنة روى عن شعيب الصريفيني ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وكان من أعيان القراء وفيها عبد الرحمن بن حمدان أبو محمد الهمذاني الجلاب أحد أئمة السنة بهمذان رحل وطوف وعني بالأثر وروى عن أبي حاتم الرازي وهلال بن العلاء وخلق كثير وفيها أبو القسم علي بن محمد القاضي ولد بأنطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين وقدم بغداد لأبي حنيفة وسمع في حدود الثلاثمائة وولي قضاء الأهواز وكان من أذكياء العالم راوي للأشعار عارفا بالكلام والنحو له ديوان شعر ويقال أنه حفظ ستمائة بيت في يوم وليلة قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الفهم داود ن إبراهيم بن تميم بن جابر بن هانئ بن زيد بن عمر بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو ابن الحرث وهو أحد ملوك تنوخ الأقدمين أنطاكي كان عالما بأصول

(2/362)


363 المعتزلة والنجوم قال الثعالبي في حقه هو من أعيان أهل العلم والأدب وأفراد الكرم وحسن الشيم وكان يتقلد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة بن حمدان زائرا ومادحا فأكرم مثواه وأحسن قراه وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد حتى أعيد إلى عمله وزيد في رزقه ورتبته وكان الوزير المهلبي وغيره من وزراء العراق يميلون إليه ويتعصبون له ويعدونه ريحانة الندماء وتاريخ الظرفاء وكان في جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطراح الحشمة والتبسط في القصف والخلاعة وهم القاضي أبو بكر بن قريعة وابن معروف والتنوخي المذكور وغيرهم وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها وكذلك كان المهلبي فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولد السماع وأخذ الطرب منهم مأخذه وهبوا ثوب الوقار للعقار وتقلبوا في أعطاف العيش من الخفة والطيش ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب فيه ألف مثقال مملوءا شرابا قطربليا فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتى تشرب أكثره ويرش بعضهم بعضا ويرقصون بأجمعهم وعليهم المصبغات ومخارق المنثور والبرم فإذا صحوا عادوا كعادتهم في التوقر والتحفظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء وأورد من شعره ( وراح من الشمس مخلوقة * بدت لك في قدح من نهار ) ( هواء ولكنه جامد * وماء ولكنه غير جار ) ( كأن المدير لها باليمين * إذا مال للسقى أو باليسار ) ( تدرع ثوبا من الياسمين * له فردكم من الجلنار ) وأورده له أيضا ( رضاك شباب لا يليه مشيب * وسخطك داء ليس منه طبيب ) ( كأنك من النفوس مركب * فأنت إلى كل النفوس حبيب )

(2/363)


364 وحكى أبو محمد الحسن بن عسكر الصوفي الواسطي قال كنت ببغداد في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالسا على دكة بباب أبرز للفرجة إذ جاء ثلاث نسوة فأنشدني الأبيات وزادت إحداهن بعد البيت الأول ( إذا ما تأملتها وهي فيه * تأملت نورا محيطا بنار ) فهذا النهاية في الابيضاض * وهذا النهاية في الاحمرار ) فحفظت الأبيات منها فقالت لي أين الموعد تعني التقبيل أرادت مداعبته بذلك وقال الخطيب إنه ولد بأنطاكية يوم الأحد لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائتين وقد بغداد وتفقه بها على مذهب أبي حنيفة وسمع الحديث وتوفي بالبصرة يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وفيها الإمام أبو العباس السياري القاسم بن القسم بن مهدي ابن ابنة أحمد بن سيار المروزي الشيرازي الزاهد المحدث شيخ أهل مرو من كلامه الخطرة للأنبياء والسوسة للأولياء والفكرة للعوام والعزم للفتيان وقيل له بماذا يروض المريد نفسه وكيف يروضها قال بالصبر على الأوامر واجتناب المناهي وصحبة الصالحين وخدمة الرفقاء ومجالسة الفقراء والمرء حيث وضع نفسه ثم تمثل وأنشأ يقول ( صبرت على اللذات لما تولت * وألزمت نفسي صبرها فاستمرت ) ( وكانت على الأيام نفسي عزيزة * فلما رأت عزمي على الذل ذلت ) ( فقلت لها يا نفس موتي كريمة * فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت ) ( خليلي لا والله ما من مصيبة * تمر على الأيام إلا تجلت ) ( وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى * فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت ) وفيها حقيقة المعرفة أن لا يخطر بقلبك ما دونه وقال المعرفة حياة القلب بالله وحياة القلب مع الله وقال لو جاز أن يصلي ببيت شعر لجاز أن يصلي بهذا البيت

(2/364)


365 ( أتمنى على الزمان محالا * أن ترى مقلتاي طلعة حر ) وفيها أبو الحسين الأسواري محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني وأسوارية من قرى أصبهان سمع إبراهيم بن عبد الله القصار وأبا حاتم ورحل وجمع وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري شيخ الصوفية والمحدثين ببلده الحافظ الثقة طوف وكتب بهراة ومرو والري وجرجان والعراق والحجاز ومصر والشام والجزيرة وصنف الشيوخ والأبواب والزهديات توفي في شهر ربيع الأول وسمع محمد بن أيوب بن الضريس وطبقته ومنه الحاكم وابن مندة وابن جميع سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة فيها وقعة الحدث وهو مصاف عظيم جرى بين سيف الدولة والدمستق وكان الدمستق لعنه الله قد جمع خلائق لا يحصون من الترك والروس والبلغار والخزر فهزمه الله بحوله وقوته وقتل معظم بطارقته وأسر صهره وعدة بطارقة وقتل منهم خلق لا يحصون واستباح المسلمون ذلك الجمع واستغنى خلق قاله في العبر وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدررة الأطرابلسي الحافظ الثقة محدث الشام روى عن العباس بن الوليد البيروتي ومحمد بن عيسى الدائني وطبقتهما بالشام وثغورها والعراق واليمن وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة وغير واحد يقول إنه جاوز المائة وثقه الخطيب وفيها الستوري أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس السامري روى جزءا عن الحسن بن عرفة يرويه محمد بن الرونهان شيخ أبي القاسم بن أبي العلاء المصيصي عنه وثقه العتيقي وفيها شيخ الكوفة أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني

(2/365)


366 عن نيف وتسعين سنة روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي وجماعة قال ابن حماد الحافظ كان شيخ المصر والمنظور إليه ومختار السلطان والقضاة صاحب جماعة وفقه وتلاوة توفي في رمضان سنة أربع وأربعين وثلثمائة فيها أقبل أبو علي بن محتاج صاحب خراسان وحاصر الري فوقع بها وباء عظيم فمات عليها ابن محتاج وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي المقرئ بحرف قالون وله أربع وثمانون سنة وفيها أحمد بن عيسى بن جمهور الخشاب أبو عيسى ببغداد روى أحاديث عن عمر بن شبة وبعضها غرائب رواها عنه ابن رزقويه وعمر مائة سنة قال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء أحمد بن عيسى التنيسي الخشاب السبيبي قال الدارقطني ليس بالقوي وأسرف ابن طاهر فقال كذاب يضع الحديث قلت نعم رأيت للخشاب في موضوعات ابن الجوزي الأمناء ثلاثة أنا وجبريل ومعوية فصدق ابن طاهر انتهى وفيها أبو يعقوب الأذرعي إسحاق بن إبراهيم العابد صاحب الحديث والمعرفة سمع أبا زرعة الدمشقي ومقدام بن داود الرعيني وطبقتهما وكان مجاب الدعوة كبير القدر ببلد دمشق وفيها بكر بن محمد بن العلاء العلامة أبو الفضل القشيري البصري المالكي صاحب التصانيف في الأصول والفروع روى عن أبي مسلم الكجي ونزل مصر وبها توفي في ربيع الأول وفيها أبو عمرو بن السماك عثمان بن أحمد البغدادي الدقاق مسند بغداد

(2/366)


367 في ربيع الأول وشيعه خلائق نحو الخمسين ألفا روى عن محمد بن عبد الله ابن المنادي ويحي بن أبي طالب وطبقتهما وكان صاحب حديث كتب المصنفات الكبار بخطه وفيها العلامة أبو بكر بن الحداد المصري شيخ الشافعية محمد بن أحمد بن جعفر صاحب التصانيف ولد يوم وفاة المزني وسمع من النسائي ولزمه ومن ابن أبي الدنيا ومن القراطيسي وغيرهم ومنه يوسف بن قاسم القاضي وغيره وكان غير مطعون فيه ولا عليه وهو صاحب وجه في المذهب متبحر في الفقه مفنن في العلوم معظم في النفوس ولي قضاء الأقاليم وعاش ثمانين سنة وكان يصوم صوم داود عليه السلام ويختم في اليوم والليلة وكان جدا كله قال ابن ناصر الدين صنف في الفقه الفروع المبتكرة الغريبة وكتاب أدب القاضي والفرائض في نحو مائة جزء عجيبة وقال ابن خلكان كان ابن الحداد فقيها محققا غواصا على المعاني تولى القضاء بمصر والتدريس وكانت الملوك والرعايا تكرمه وتعظمه وتقصده في الفتاوي والحوادث وكان يقال في زمنه عجائب الدنيا ثلاث غضب الجلاد ونظافة السماد والرد على ابن الحداد وكان أحد أجداده يعمل في الحديد ويبيعه فنسب إليه انتهى ملخصا وقال الأسنوي به افتخرت مصر على سائر الأمصار وكاثرت بعلمه بحرها بل جميع البخار إليه غاية التحقيق ونهاية التدقيق كانت له الإمامة في علوم كثيرة خصوصا الفقه ومولداته تدل عليه وكان كثير العبادة وأخذ عن محمد بن جرير لما دخل بغداد رسولا فيي إعفاء ابن جربويه عن قضاء مصر وصنف كتاب الباهر في الفقه في مائة جزء وكتاب جامع الفقه وكتاب أدب القضاء في أربعين جزءا وكتابه الفروع المولدات معروف وهو الذي اعتنى الأئمة بشرحه وكان حسن الثياب رفيعها حسن المركوب وكان يوقع للقاضي ابن جربويه وباشر قضاء مصر مدة لطيفة بأمر أميرها عند شغوره فسعى غيره

(2/367)


368 من بغداد تفويضه لذلك الغير وحج فمرض في الرجوع ومات يوم دخل الحجاج إلى مصر وهو يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلثمائة وعمره تسع وسبعون سنة وأشهر هذا هو الصحيح وقيل توفي سنة خمس وأربعين واقتصر عليه النووي في تهذيبه وابن خلكان في تاريخه ثم دفن يوم الأربعاء بسفح المقطم عند أبويه انتهى ملخصا أيضا وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلاف روى عن الديمي وطائفة وحدث بمصر وحلب وفيها الإمام محمد بن محمد أبو النضر بنون وضاد معجمة الطوسي الشافعي مفتي خراسان كان أحد من عنى أيضا بالحديث ورحل فيه روى عن عثمان ابن سعيد الدارمي وعلي بن عبد العزيز وطبقتهما وصنف كتابا على وضع مسلم وكان قد جزأ الليل ثلثا للتصنيف وثلثا للتلاوة وثلثا للنوم قال الحاكم كان إماما بارع الأدب ما رأيت أحسن صلاة منه كان يصوم النهار ويقوم الليل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتصدق بما فضل عن قوته وسمعت منه كتابة المخرج على صحيح مسلم قال وقلت له متى تتفرغ للتصنيف مع ما أنت عليه من هذه الفتاوي فقال قد جزأت الليل ثلاثة أجزاء جزءا للتصنيف وجزءا للصلاة والقراءة وجزءا للنوم وله نحو ستين سنة يفتي لم يؤخذ عليه في شيء قال وسمعت أبا حامد الإسماعيلي يقول ما يحسن بواحد منا أن يحدث في مدينة هو فيها وتوفي ليلة السبت الثالث عشر من شعبان وفيها أبو عبد الله محمد بن يعقوب محمد بن يوسف بن الأخرم الشيباني الحافظ محدث نيسابور صنف المسند الكبير وصنف الصحيحين وروى عن علي بن الحسن الهلالي ويحي بن محمد الذهلي وعنه أبو بكر السبيعي ومحمد بن إسحاق ابن مندة وأبو عبد الله الحاكم وغيرهم ومع براعته في الحديث والعلل والرجال لم يرحل من نيسابور وعاش أربعا وتسعين سنة

(2/368)


369 وفيها الإمام العلامة المحرر المصنف محمد بن زكريا بن الحسين النسفي أبو بكر كان حافظا مجودا عارفا قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو زكريا يحي بن محمد العنبري نسبة إلى العنبر بن عمرو بن تميم جد النيسابوري العدل الحافظ الأديب المفسر روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته ولم يرحل وعاش ستا وسبعين سنة قال الحافظ أبو علي النيسابوري أبو زكريايحفظ ما يعجز عنه وما أعلم أني رأيت مثله سنة خمس وأربعين وثلثمائة فيها غلبت الروم على طرسوس فقتلوا من أهلها ألفا وثمانمائة رجل وسبوا وحرقوا قراها وفيها قصد رورنهان الديلمي العراق فالتقاه معز الدولة ومعه الخليفة فهزم جيشه وأسر رورنهان وقواده وفيها توفي العباداني أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب روى ببغداد عن الزعفراني وعلي بن حرب وعدة وعاش سبعا وتسعين سنة وهو صدوق العباداني بفتح العين وتشديد الباء الموحدة ودال مهملة نسبة إلى عبادان بواحي البصرة وفيها ألإمام أبو بكر غلام السباك وه أحمد بن عثمان البغدادي شيخ الإقراء بدمشق قرأ على الحسن بن الحباب صاحب البزي والحسن بن الصواف صاحب الدوري وفيها أبو القسم بن الجراب إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر وله ثلاث وثمانون سنة روى عن موسى بن سهل الوشاء وطبقته وسكن مصر وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزي الدخمسيني بالضم والباقي بلفظ العدد لقب به هذا لأنه أمر لرجل بخمسين فاستزاده خمسين فسمى الدوخمسيني

(2/369)


370 ثم حذفوا الواو للخفة وكان بكر هذا محدث مرو رحل وسمع أبا قلابة الرقاشي وكان فصيحاً أديباً أبار نديماً وقي بل توفي سنة ثمان وأربعين وفيها أبو علي بن أبي هريرة شيخ الشافعية واسمه حسن بن حسين البغدادي أحد أئمة الشافعية تفقه بابن سريج ثم بأبي اسحق المروزي وصحبه إلى مصر ثم عاد بأبي بغداد ومات في رجب وكان مظلماً عند السلاطين فمن دونها قال ابن خلكان وله مسائل في الفروع ودرس ببغداد وترج به خلق كثير وانتهت إليه إمامة العراقيين انتهى ملخصاً وفيها عثمان بن محمد بن أحمد أبو عمرو السمرقندي وله خمس وتسعون سنة روى بمصر عن أحمد بن شيبان الدملي وأبي أمية الطرسوسي وطائفة قاله في حسن المحاضرة وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة الحافظ العلامة الثقة الجامع أبو الحسن القزويني القطان الذي روى عن ابن ماجه سننه رحل العراق واليمن وروى عن أبي حاتم الرازي وطبقته كابن ماجه وعنه الزبير بن عبد الواحد وابن لال وغيرهما قال الخليلي أبو الحسن شيخ عالم بجميع العلوم التفسير والفقه والنحو واللغة وفضائله أكثر من أن تعد سرد الصوم ثلاثين سنة وكان يفطر على الخبز والملح وسمعت جماعة من شيوخ فزوين يقولون لم ير أبو الحسن مثل نفسه في الفضل الزاهد وفيها أبو بكر محمد بن العباس بن نجيج البغدادي البزار وله اثنتان وثمانون سنة وكان يحفظ ويذاكر روى عن أبي قلابة الرقاشي وعدة وفيها أبو عمر الزاهد صاب ثعلب واسمه محمد بن عبد الواحد المطرز البغدادي اللغوي قيل أنه أملى ثلاثين ألف وروقة في اللغة من حفظه وكان ثقة إماماً آية في الحفظ والذكاء وقد روى عن موسى الوشى وطبقته قال ابن الأهدل استدرك على فسيخ شيخه ثعلب في جوء لطيف ومصنفاته تزيد

(2/370)


371 على العشرين وكان لسعة حفظه تكذبه أدباء وقته ووثقه المحدثون في الرواية قيل لم يتكلم في اللغة أحد أحسن من كلام أبي عمر الزاهد وتصانيفه أكثر ما يمليها من حفظه من غير مراجعة الكتب انتهى وفيها الوزير الماذرائي أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب وزر لخمارويه صاحب مصر وعاش نحو التسعين سنة واحترقت سماعاته وسلم له جزآن سمعهما من العطاردي وكان من صلحاء الكبراء وأما معروفه فاليه المنتهي حتى قيل أنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة قاله المسجي ذكره في العبر والماذراني بفتح الذال المعجمة نسبة إلى ماذرا جد وفيها مكرم بن أحمد القاضي أبو بكر البغدادي البزاز سمع محمد بن عيسى المدائني والدير عاقولي وجماعة ووثقه الخطيب وفيها المسعودي المؤرخ صاحب مروج الذهب وهو أبو الحسن علي بن أبي الحسن رحل وطوف في البلاد وحقق من التاريخ مالم يحققه غيره وصنف في أصول الدين وغيرها من الفنون وقد ذكرها في صدر مروج الذهب وهو غير المسعودي الفقيه الشافعي وغير شارح مقامات الحريري قاله ابن الأهدل وتوفي في جمادي الآخرة سنة ست وأربعين وثلثمائة فيها قل المطر جداً ونقص البحر نحواً من ثماني ذراعاً وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعهد وكان الري فيما نقل ابن الجوزي في منظمته زلازل عظيمة وخسف ببلد الطالقان في ذي الحجة ولم يفلت من أهلها إلا نحو من ثلاثين رجلاً وخسف بخمسين ومائة قرية من قرى الري قال وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف يوم ثم خسف بها

(2/371)


372 وفيها توفي أحمد بن مهران أبو احسن السيرافي المحدث بمصر في شعبان روى عن الربيع المرادي والقاضي بكرا وطائفة وفيها أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد أبو جعفر الأصبهاني السمسار شيخ أبي نعيم في رمضان روى عن أحمد بن عصام وجماعة قال الذهبي في شيخ أبي نعيم في رمضان روى عن أحمد بن عصام وجماعة قال الذهبي في الغني قال ابن الفرات ليس بثقة وحكى ابن طاهر أنه مشهور بالوضع وفيها أبو محمد أحمد بن عبدوس العنزي الطرايفي نسبة إلى بيع الطرائف وهي الأشياء الحسنة المتخذة من الخشب توفي بنيسابور في رمضان روى عن عثمان بن سعيد الدارمي وجماعة وفيها إبراهيم بن عثمان أبو القسم بن الوازن القيرواني شيخ المغرب في النحو واللغة مات يوم عاشوراء حفظ كتاب سيبويه والمصنف الغريب وكتاب العين واصلاح المنطق وأشياء كثيرة وفيها محدث اسفرائين أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحق الأسفرائيني رحل مع خاله الحافظ أبي عوانة فسمع أبا مسلم الكجي وطبقته توفي في شعبان وفيها محدث الأندلس أبو عثمان سعيد بن مخلوف في رجب وله أربع وتسعون سنة روى عن بقي بن مخلد بن وضاح ولقى في الرحلة أبا عبد الرحمن النسائي وهو آخر من روى عن يوسف المغامي حمل عنه الواضحة لابن حبيب وفيها محدث اصبهان عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس الرجل الصالح أبو محمد في شوال وله ثمان وتسعون تفرد بالرواية عن جماعة منهم محمد ابن عاصم الثقفي وسموية وأحمد بن يونس الضبي

(2/372)


373 وفيها أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطستي الوكيل ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأقرانه جزء معروف وفيها الحافظ الكبير أبو يعلى عبد المؤمن بن خلف التميمي النسفي الثقة وله سبع وثمانون سنة رحل وطوف وسمع أبا حاتم الرازي وطبقته وعنه عبد الملك الميداني وأحمد بن عمار بن عصمة وأبو نصر الكلاباذي وكان عظيم القدر عالماً زاهداً كبيراً وصل في رحلته إلى اليمن وكان مفتيا ًظاهرياً أثرياً أخذ عن أبي بكر بن داود الظاهري وفيها أبو العباس المحبوبي محمد بن أحمد بن محبوب المروزي محدث مرو وشيخها ورئيسها توفي في رمضان وله سبع وتسعون سنة روى جامع الترمذي عن مؤلفة وروى عن سعيد بن مسعود صاحب النضر بن شميل وأمثاله وفيها أبو بكر بن داسة البصري التمار محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرازق راوي السنن عن أبي داود وفيها محدث ما وراء النهر أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة البغدادي نزيل سمرقند في ذي الحجة انتقى عليه أبو علي النيسابوري أربعين جزءاً روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأحمد بن عبيد الله النرسي والكبار وكان كثير الأسفار للتجارة ثبتاً رضا وفيها محدث خراسان ومسند العصر أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب ابن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم النيسابوري المعقلي المؤذن الوراق بنيسابور في ربيع الآخر وله مائة الأسنة حدث له الصمم بعد الرحلة ثم استحكم به وكان يحدث من لفظه حدث في الإسلام نيفاً وسبعين سنة وأذن سبعين سنة وكان حسن الأخلاق كريماً ينسخ بالجرة وعمر دهراً ورحل إليه خلق كثير قال الحاكم ما رأيت الرحالة في بلد أكثر منهم إليه رأيت جماعة من الأندلس ومن أهل فارس على بابه وقال الذهبي في العبر قلت

(2/373)


374 سمع من جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة وابن وهب وكانت رحلته مع والده في سنة خمس وستين ومائتين وسمع بأصبهان والعراق ومصر والشام والحجاز والجزيرة انتهى وقال ابن برداس حدث عن أحمد بن سنان الرملي وأحمد بن يوسف وأحمد بن الزهر وعنه أبوب عد الله بن الأخرم وأبو عمر والحيرى ومؤمل بن الحسن قال الحاكم حدث في الإسلام ستاً وسبعين سنة ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه انتهى وفيها مسند الأندلس أبو الحرم وهب بن ميسرة التميمي الفقيه كان إماما ًفي مذهب مالك محققاً له بصيراً بالحديث وعلله مع زهد وورع روى الكثير عن محمد بن وضاح وجماعة ومات في شعبان في عشر التسعين سنة سبع وأربعين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور كانت زلازل فقتلت خلقاً كثيراً وخرجت وفيها أقبلت الروم لبلاد المسلمين وعظمت المصيبة وقتلوا خلائق وأخذوا عدة حصو بنواحي آمد وميافارقين صم وصلوا إلى قنسرين فالتقاهم سيف الدولة بن حمدان فعجز عنهم وقتلوا معظم رجاله وأسروا أهله ونجا هو في عدد يسير وفيها توفي القاضي أبو الحسن بن خرام وهو أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي روى عن بكار بن قتيبة القاضي وطائفة وناب في قضاء بلده وهو آخر من كانت له حلقة بجامع دمشق يدرس فيها مذهب الأوزاعي وفيها المحدث أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ببغداد في صفر عن بضع وثمانين سنة سمع أبا قلابة الرقاشي وطائفة وفيها أبو الحسن الشعراني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب النيسابوري العابد الثقة روى عن جده ورحل وجمع وخرج لنفسه

(2/374)


375 وفيها حمزة بن محمد بن العباس أبو أحمد الدهقان العقبي بفتحتين نسبة إلى عقبة وراء نهر عيسى ببغداد توفي ببغداد وروى عن العطاردي ومحمد ابن عيسى المدائني والكبار وهو أكبر شيخ الملك بن بشران وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي ببغداد في صفر وله تسع وثمانون سنة روى عن يعقوب الفسوى تاريخه ومشيخته وقدم بغداد في صباه فسمع من عباس الدوري وطبقته بعناية ابيه ثم أقبل على العربية حتى برع فيها وصنف التصانيف ولم يضعفه أحد بحجة قاله في العبر وفيها أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد بن محمد بن زكريا بن صالح الهمذاني ثم الأسداباذي الثقة روى عن الحسن بن سفيان وغيره وعنه أبو عبد الله الحاكم وابن مندة وغيرهما قال الخطيب كان حافظاً متقناً وفيها أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن الراشد البجلي الدمشقي الأديب المحدث سمع بكار بن قتيبة وأبا زرعة وخلقاً كثيراً وبلغ خمسا ًوتسعين سنة وفيها الحافظ البارع أبو سعيد بن يونس وهو بعد الرحمن بن أحمد ابن يونس بن عبد الأعلى الصدفي بفتحتين وفاء نسبة إلى الصدف بكسر الدال المهملة قبيلة من حمير المصري صاحب تاريخ مصر توفي في جمادى الآخرة وله ست وستون سنة وأقدم شيوخه أحمد بن حماد زغبة وأقرانه وقال ابن ناصر الدين كن من الأئمة الحافظ والإثبات الإيقاظ انتهى وفيها علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الكوفي الكاتب أبو الحسين ببغداد وله ثمان وتسعون سنة روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي وفيها محمد بن أحمد بن الحسن أبو عبد الله الكسائي المقرىء بأصبهان روى عن عبد الله بن محمد بن النعمان وطبقته

(2/375)


376 وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد الرازي ثم الدمشقي الحافظ والد الحافظ تمام سمع بخراسان والعراق والشام وسكن دمشق وصنف وجمع وأقدم شيخ له محمد بن أيوب بن الضريس وروى عنه ولده تمام الرازي وثقة عبد العزيز الكتاني قاله ابن درباس وفيها أبو علي محمد بن القسم بن معروف التميمي الدمشقي الخباري قال الكتاني حدث عن أبي بكر أحمد بن على المروزي بأكثر كتبه وأتهم في ذلك وقيل إن أكثرها إجازة وكان صاحب دنيا يحب المحدثين ويكرمهم وعاش أربعاً وستين سنة قاله في العبر وقال في المغني له جزء سمعناه اتهم في أخباره عن أبي بكر أحمد بن علي انتهى سنة ثمان وأربعين وثلثمائة فيها كما قال الشذور اتصلت الفتن بين الشعية والسنة وقتل بينهم خلق كثير وفيها استنصرت الكلاب الروم على المسلمين فظفروا بسرية فأسروها وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان ثم أغاروا على الرها وحران فقتلوا وسبوا وأخذوا حصن الهارونية وأحرقوه وكروا على ديار بكر وفي هذه المدة عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات يحرض الإسلام على الغزاة وفيها توفي النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي الفقيه الحافظ شيخ الحنابلة بالعراق وصاحب التصانيف والسنن سمع أبا داود السجستاني وإبراهيم الحربي وعبد الله بن الإمام أحمد وهذه الطبقة ومنه ابن مالك وعمر بن شاهين وابن بطة وصاحبه أبو جعفر العكبري وابن حامد وأبو الفضل التميمي وغيرهم وكانت له حلقتان في جامع المنصور

(2/376)


377 حلقة قبل الصلاة للفتوى على مذهب الإمام وبعد الصلاة لإملاء الحديث واتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه ومصنفاته وكان رأسا في الفقه رأسا في الحديث قال أبو إسحاق الطبري كان النجاد يصوم الدهر ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة فإذا كان ليلة الجمعة أكل تلك اللقم إني استفضلها وتصدق بالرغيف وقال أبو علي بن الصواف وكان أحمد بن سلمان النجاد يجيء معنا إلى المحدثين ونعله في يده فقيل له بم لا تلبس نعلك قال أحب أن أمشي في طلب حديث رسول الله حاف فلعله ذهب إلى قوله ألا أنبئكم بأخف الناس يعني حسابا يوم القيامة بين يدي الملك الجبار المسارع إلى الخيرات ماشيا على قدميه حافيا أخبرني جبريل إن الله تعالى ناظر إلى عبد يمشي حافيا في طلب الخير وقال أبو بكر النجاد تضايقت وقتا من الزمان فمضيت إلى إبراهيم الحربي فذكرت له قصتي فقال اعلم إني تضايقت يوما حتى لم يبقى معي إلا قيراط فقالت الزوجة فتش كتبك وانظر ما لا تحتاج إليه فبعه فلما صليت عشاء الآخرة وجلست في الدهليز أكتب إذ طرق علي الباب طارق فقلت من هذا فقال كلمني ففتحت الباب فقال أطفئ السراج فطفيتها فدخل الدهليز فوضع فيه كاره وقال اعلم أنا أصلحنا للصبيان طعاما فأجبنا الكارة وقال تصرفه في حاجتك وأنا لا أعرف الرجل وتركني ونصرف فدعوت الزوجة وقلت لها اسرجي فأسرجت وجاءت وإذا الكارة منديل له قيمة وفيه خمسون وسطا فيكل وسط لون من الطعام وإذا إلى جانب الكارة كيس فيه ألف دينار قال النجاد فقمت من عنده فمضيت إلى قبر أحمد فزرته ثم انصرفت فبينا أنا أمشي إلى جانب الخندق إذ لقيني عجوز من جيراننا فقالت لي أحمد فأجبتها فقالت مالك مغموم فأخبرتها فقالت اعلم أن أمك أعطتني قبل موتها ثلثمائة درهم وقالت لأي أخبئي هذه عندك فإذا

(2/377)


378 رأيت ابني مضيقا مغموما فأعطيه إياها فتعال معي حتى أعطيك إياها فمضيت معها فدفعتها إلي وقال النجاد حدثنا معاذ بن المثنى ثنا جلاد بن أسلم ثنا جلاد بن أسلم ثنا محمد ابن فضيل عن ليث عن مجاهد كلهم قال في قول الله عز وجل ( ^ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال يجلسه معه على العرش وتوفي النجاد وقد كف بصره ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر بشر بن الحرث وعاش خمسا وتسعين سنة وفيها الخلدي أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخواص الزاهد شيخ الصوفية ومحدثهم والخلدي بالضم والسكون المهملة نسبة إلى الخلد محله ببغداد سمع الحرث بن أبي أسامة وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما قال السخاوي هو جعفر بن محمد بن نصير أبو محمد الخواص البغدادي المنشأ والمولد صحب الجنيد وعرف بصحبته وصحب النوري ورويم والجريري وغيرهم من مشايخ الوقت وكان المرجع إليه في علوم القوم وكتبهم وحكاياتهم وسيرهم قال عندي مائة ونيف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية وحج قريبا من ستين حجة وتوفي ببغداد وقبره بالشونيزية عند قبر السري السقطي والجنيد ومن كلامه لا يجد العبد لذة المعاملة مع لذة النفس لأن أهل الحقائق قطعوا العلائق وقال الفرق بين الرياء والإخلاص أن المرائي يعمل ليرى والمخلص يعمل ليصل وقال الفتوة احتقار النفس وتعظيم حرمة المسلمين وقال لرجل كن شريف الهمة فإن الهمم تبلغ بالرجل لا المجاهدات وقال جعفر ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير الصوفي فقلت زودني شيئا فقال إن ضاع منك شيء وأردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا وكذا فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء أو ذلك الإنسان قال فما دعوت الله بتلك الدعوة في شيء إلا استجبت توفي ليلة الأحد لتسع خلون من شهر

(2/378)


379 رمضان انتهى ملخصا وقال في العبر حج ستا وخمسين خجة وعاش خمسا وتسعين سنة انتهى وفيها علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدث أبو الحسن حدث عن ابني عفان وإبراهيم بن عبد الله القصار وجماعة وثقه الخطيب ومات في ذي القعدة وله أربع وتسعون سنة وفيها محمد بن أحمد بن علي بن أسد البردعي الأسدي بن حرارة وحرارة لقب أبيه وكان محمد هذا حافظا كبيرا نقادا مكثرا والبردعي بفتح الباء والدال المهملة وسكون الراء نسبة إلى بردعة بلد أذربيجان وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي القارئ بالألحان حدث عن أحمد بن عبيد بن ناصح وجماعة وقيل إنه خلط قبل موته سنة تسع وأربعين وثلثمائة قال في الشذور وفي هذه السنة أسلم من الترك مائتا ألف حزكاه انتهى وفيها أوقع نجا غلام سيف الدولة بالروم فقتل وأسر وفرح المسلمون وفيا تمت وقعة هائلة ببغداد بين السنة والرافضة وقويت الرافضة بيني هاشم وبمعز الدولة وعطلت الصلوات في الجوامع ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين فسكنت الفتنة وفيها حشد سيف الدولة ودخل الروم فأغار وقتل وسبى فرجعت إليه جيوش الروم فعجز عن لقائهم وكر في ثلثمائة ونهبت خزانته وقتل جماعة من أمرائه والله المستعان وفيها توفي أب الحسين أحمد بن عثمان لأدمي العطشي بفتحتين ومعجمة نسبة إلى سوق العطش ببغداد توفي في ربيع الآخر وله أربع وتسعون سنة روى عن العطاردي وعباس الدوري والكبار

(2/379)


380 وفيها أبو الفوارس الصابوني قال في حسن المحاضر أبو الفوارس الصصابوني أحمد بن محمد بن حسين بن السندي الثقة المعمر مسند ديار مصر عن يونس بن عبد الأعلى والمزني والكبار وآخر من روى عنه ابن نظيف مات في شوال وله مائة وخمس سنين وفيها العلامة أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الأموي النيسابوري الفقيه شيخ الشافعية بخراسان وصاحب ابن سريج صنف التصانيف وكان بصيرا بالحديث وعلله خرج كتابا على صحيح مسلم روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته وعنه الحاكم وغيره وهو ثقة أثنى عليه غير واحد وهو صاحب وجه في المذهب وقال فيه الحاكم هو إمام أهل الحديث بخراسان وأزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم توفي في ربيع الأول عن اثنتين وتسعين سنة وفيها أبو علي الحافظ الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري الثقة أحد الأعلام توفي في جمادى الأولى بنيسابور وله اثنتان وسبعون سنة قال الحاكم هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته وفي الرحلة من النسائي وأبي خليفة وطبقتهما وكان باعقة في الحفظ كان ابن عقدة يخضع لحفظه وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني أبو محمد المعدل وكان ابن عم أبي القسم البغوي سمع أحمد بن ملاعب ويحي بن أبي طالب وطبقتهما قال الدارقطني لين وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم القراء بالعراق وهو عبد الواحد بن عمر بن محمد البغدادي صاحب التصانيف وتلميذ ابن مجاهد روى عن محمد بن جعفر القتات وطائفة ومات في شوال عن سبعين سنة وفيها أبو أحمد العسال القاضي واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم قاضي أصبهان سمع محمد بن أسد المديني وأبي بكر بن أبي عاصم وطبقتهما ورحل

(2/380)


381 وجمع وصنف وكان من أئمة هذا الشأن قلا أبو نعيم الحافظ كان من كبار الحفاظ وقال ابن مندة كتبت عن ألف شيخ لم أر فيهم أتقن من أبى أحمد العسال وقال ابن ناصر الدين كان حافظاً كبيراً متقناً وقال في العبر قلت توفي في رمضان وله نحو نم ثمانين سنة أو : ثر وقال ابن درباس وروى عنه أولاده أبو عامر وأبو جعفر وهو أحد الأئمة في الحديث فهماً واتقاناً وأمانة وقال أبو بكر بن علي هو ثقة مأمون قال أبو يعلى في الإرشاد له أبو أحمد العسال حافظ متقن علام بهذا الشأن انتهى ما قاله ابن درباس وفيها الحافظ ابن سعد البزاز الحاجي وأسمه عبد الله بن أحمد بن سعد ابن منصور أبو محمد النيسابوري الحاجي البزاز الحافظ الثبت روى عن محمد البوشنجي وإبراهيم بن أبي طالب والسراج وطبقتهم وعنه أبو عد الله الحاكم وغيره قال الحاكم كتب الكثير وجمع الشيوخ والموات والملح ووثقه ابن شيرويه وفيها ابن علم الصفار أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي صاحب الجزء المعروف المشهور قال الخطيب جميع ما عنده جزء ولم أسمع أحداً يقول فيه إلا خيراً قال في العبر سمع محمد بن إسحق الصاغاني ويغره ومات في شعبان ويقال أنه جاوز المائة انتهى

(2/381)


*1*ج 3
@1 آمنة الأسعد كتاب شذرات الذهب أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي

(3/1)


2 بسم الله الرحمن الرحيم سنة خمسين وثلثمائة فيها كما قال في الشذور وقع برد كل بردة أوقيتان وأكثر فقتل البهائم والطيور انتهى وفيها بنى معز الدولة ببغداد دار السلطنة في غاية الحسن والكبر غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف درهم وقد درست آثارها في حدود الستمائة وبقى مكانها دحلة يأوي إليها الوحش وبعض أساسها موجود فإنه حفر لها في الأساسات نيفا وثلاثين ذراعا وفيها توفي أبو حامد أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر سمع أبا عيسى الترمذي وأبا حاتم الرازي وطبقتهما قال الحاكم كان من المجتهدين في العبادة ولو اقتصر على سماعه الصحيح لكان أولى به لكنه حدث عن جماعة أشهد بالله أنه لم يسمع منهم وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي أبو بكر البغدادي تلميذ محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون ولى قضاء الكوفة وحدث عن محمد بن سعد العوفى وطائفة وعاش تسعين سنة توفي في المحرم قال الدار قطني ربما حدث من حفظه بما ليس في كتابه أهلكه العجب وكان يختار لنفسه ولم يقلد أحدا وقال ابن رزقويه لم تر عيناي مثله وقال في المغني أحمد بن كامل القاضي بغدادي حافظ قال الدار قطني كان متساهلا انتهى وفيها أبو سهل القطان أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي المحدث الإخباري الأديب مسند وقته روى عن العطاردي ومحمد بن عبيد الله المنادى وخلق وفيه تشيع قليل وكان يديم التهجد والتلاوة والتعبد وكان كثير الدعابة قال البرقاني

(3/2)


3 كرهوه لمزاح فيه وهو صدوق توفي في شعبان وله إحدى وتسعون سنة وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي الأديب الإخباري صاحب التصانيف روي عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة وكان يرتجل الخطب ولا يتقدمه فيها أحد فلذا نسب إليها وفيها أبو علي الطبري الحسن بن القاسم شيخ الشافعية ببغداد درس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة وصنف التصانيف كالمحرر والإفصاح والعدة وهو صاحب وجه قال الأسنوي وصنف في الأصول والجدل والخلاف وهو أول من صنف في الخلاف المجرد وكتابه فيه يسمى المحرر سكن بغداد ومات بها والطبري نسبة إلى طبرستان بفتح الباء الموحدة وهو إقليم متسع مجاور لخراسان ومدينته آمل بهمزة ممدودة وميم مضمومة بعدها لام وأما الطبراني فنسبه إلى طبرية الشام انتهى ملخصا وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور عبد الله بن إسماعيل ابن إبراهيم بن عيسى بن المنصور أتى جعفر في صفر وله سبع وثمانون سنة وهو في طبقة الواثق في النسب روي عن العطاردي وابن أبي الدنيا وفيها توفي خليفة الأندلس وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس الناصر لدين الله أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرواني وكانت دولته خمسين سنة وقام بعده ولده المتنصر بالله وكان كبير القدر كثير المحاسن أنشأ مدينته الزهراء وهي عديمة النظير في الحسن غرم عليها من الأموال ما لا يحصى قاله في العبر وقال الشيخ أحمد المقري المتأخر في كتابه زهر الرياض في أخبار عياض وكانت سبتة مطمح همم ملوك العدوتين وقد كان للناصر المرواني صاحب الأندلس عناية واهتمام بدخولها في إيالته حتى حصل له ذلك ومنها ملك المغرب وكان تملكه إياها سنة تسع عشرة وثلثمائة وبها اشتد سلطانه وملك البحر بعدوية وصار المجاز في يده ومن غريب ما يحكى أنه أراد الفصد فقعد في المجلس الكبير المشرف بأعلى مدينته بالزهراء واستدعى الطبيب لذلك وأخذ الطبيب المبضع وحبس يد

(3/3)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع ابن حجر الهيتمي الباب الثاني{الجزء الثاني}

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع/الباب الثاني المحتويات  القسم الأول: اللعب بالنرد  القسم [الثاني]: اللعب بالشِّطرَنج  القسم الثالث: ...