Translate

الأحد، 19 فبراير 2023

ج9. الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد

ج9. الكتاب : شذرات الذهب - ابن العماد

152 ألفا باشهم الوزير الثالث فرحات وصحبته نائب حلب قراجا باشا والأمير شاه سوار وقاضي القضاة ولي الدين بن فرفور وقد أعيد إلى القضاء على عادته وكان صحبة الغزالي الأمير يونس بن القواس بعشيره والأمير عمر بن العزقي بعشيره فالتقى العسكران بين دوما وعيون فاسريا والقصير ففر ابن القواس بعشيره وثبت الغزالي وقليل ممن معه فقتلوا وقتل معه عمر بن العزقي واستأصل جميع عسكره الأسافل وذكروا أن عدة القتلى كانت سبعة آلاف ثم دخل العسكر العثماني دمشق فرأوا الأبواب مفتحة وسلمهم ابن الأكرم مفاتيح القلعة ولو قصدوا قتل العوام لفعلوا وكان ذلك يوم الثلاثاء سابع عشرى صفر وفيها بدر الدين حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل العالم الحنفي قال في الكواكب اشتغل قليلا على الزيني ابن العيني واعتنى بالشهادة ثم تركها وحصل دنيا واسعة وحج سنة عشرين وجاور وولي نظر الماردانية والمرشدية ونزل له أخوه شمس الدين عن تدريسها وعدة مدارس ولم يكن فيه أهلية فتفرقها الناس مع أنه كان كثير الشر كما قال ابن طولون ومات يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر ودفن يوم الأربعاء بالسفح وفيها سيدي ابن محمود المولى العالم الصالح الرومي الحنفي الشهير بابن المجلد كان أصله من ولاية قوجه ايلي واشتغل بالعلم وحصل وصار مدرسا بمدرسة عيسى بيك ببروسا ثم رغب في التصوف وعين له كل يوم خمسة عشر درهما بالتقاعد ثم صحب الشيخ العارف بالله تعالى السيد البخاري وكان فاضلا مدققا حسن الخط صالحا دينا يخدم بيته بنفسه ويشتري حوائجه ويحملها من السوق بنفسه ملازما للمسجد منعزلا عن الناس وتوفي في حدود هذه السنة تقريبا وفيها القاضي محب الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ العابد الدين الصالح الدسوقي ولد في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثمانمائة وكان ناظر الأيتام بدمشق وفوض إليه نيابة القضاء

(8/152)


153 في سنة ست عشرة وتسعمائة وتوفي ليلة السبت سابع ربيع الآخر فجأة ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده وفيها محي الدين أبو المفاخر عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم بضم النون النعيمي الدمشقي الشافعي الشيخ العلامة الرحلة مؤرخ دمشق وأحد محدثيها ولد يوم الجمعة ثاني عشر شوال سنة خمس وأربعين وثمانمائة ولازم الشيخ إبراهيم الناجي والعلامة زين الدين عبد الرحمن بن خليل وزين الدين خطاب الغزاوي وزين الدين مفلح بن عبد الله الحبشي المصري ثم الدمشقي ولبس منه خرقة التصوف وأخذ عن البدر بن قاضي شهبة والشهاب بن قرا وقرأ على البرهان البقاعي مصنفه المسمى بالإيذان وأجاز له به وبما تجوز له وعنه روايته وشيوخه كثيرة ذكرهم في تواريخه وألف كتبا كثيرة منها الدارس في تواريخ المدارس ومنها تذكرة الاخوان في حوادث الزمان والتبيين في تراجم العلماء والصالحين والعنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان والقول المبين المحكم في اهداء القرب للنبي وتحفة البررة في الأحاديث المعتبرة وإفادة النقل في الكلام على العقل وغير ذلك وتوفي كما قال ولده المحيوي يحيى وقت الغداء يوم الخميس رابع جمادى الأولى ودفن بالحمرية رحمه الله تعالى وفيها وقيل في سنة عشر وتسعمائة وقيل سبع عشرة ولعله الصحيح على النبتيتي الشافعي الشيخ الإمام العلامة ولي الله تعالى العارف به البصير بقلبه المقيم ببلدته نبتيت من أعمال مصر كان رفيقا للقاضي زكريا في الطلب والاشتغال وبينهما أخوة أكيدة وأخذ العلم عن جماعة منهم الكمال إمام الكاملية وكان النبتيتي من جبال العلم متضلعا من العلوم الظاهرة والباطنة وله أخلاق شريفة وأحوال منيفة ومكاشفات لطيفة وكان يغلب عليه الخوف والخشية حتى كأن النار لم تخلق إلا له وحده وكان الناس يقصدونه للعلم والافتاء والافادة والتبرك

(8/153)


154 والزيارة من سائر الآفاق وكانت ترفع إليه المسائل المشكلة من مصر والشام والحجاز فيجيب عنها نظما ونثرا وكانت نصوص الشافعي وأصحابه كأنها نصب عينيه وكان مخصوصا في عصره بكثرة الاجتماع بالخضر قال الشعراي كان وقته كله معمورا بالعلم والعبادة ليلا ونهارا وكان يقول لا يكمل الرجل في العقل إلا أن كاتب الشمال لا يجد شيئا من أعماله يكتبه وله مناقب كثيرة ومن شعره رضي الله تعالى عنه ( ومالي لا أنوح على خطائي * وقد بارزت جبار السماء ) ( قرأت كتابه وعصيت سرا * لعظم بليتي ولشؤم رائي ) ( بلائي لا يقاس به بلاء * وأعمالي تدل على شقائي ) ( فياذلي إلى ما قال ربي * إلى النيران سوقوا ذا المرائي ) ( فهذا كان يعصيني جهارا * ويزعم أنه من أوليائي ) ( تصنع للعباد ولم يردني * وكان يريد بالمعنى سوائي ) في أبيات أخر توفي يوم عرفة ببلده ودفن بها وقبره بها يزال وفيها المولى غياث الدين الشهير بباشا جلبي الرومي الحنفي العالم الفاضل ابن أخي آق شمس الدين الرومي قرأ على المولى الخيالي والمولى خواجه زاده وغيرهما وصحب الصوفية ثم أعطى مدرسة المولى الكوراني بالقسطنطينية ثم إحدى الثمانية ثم ترك ذلك واختار مدرسة أبي أيوب الأنصاري ثم أعطى سلطانية أماسية مع منصب الفتوى ثم تركها وأعطى تقاعدا بسبعين عثمانيا كل يوم ثم طلب مدرسة القدس الشريف فمات قبل السفر إليها وله رسائل كثيرة لكنه لم يدون كتابا رحمه الله تعالى وفيها شرف الدين قاسم بن عمر الزواوي المغربي القيرواني المالكي الشيخ الفاضل الصالح المعتقد كان أولا مقيما في صحبة رفيقه الشيخ العابد الزاهد محمد الزواوي بمقام الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الأسكندري

(8/154)


155 ثم أقام بمقام الإمام الشافعي رضي الله عنه خادما لضريحه وصحب الشيخ جلال الدين السيوطي وارتبط به وقلده في ملازمة لبس الطيلسان صيفا وشتاء وكان يتردد إلى التقي الأوجاقي وغيره وأخذ عنه البدر الغزي وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشرى شعبان وفيها كمال الدين محمد بن الشيخ غياث الدين أحمد بن الشيخ كمال الدين الشماخي الأصل والمولد وشماخي أم المدائن بولاية شروان أخذ عن السيد يحيى بن السيد بهاء الدين الشرواني الشماخي ثم الباكوي وباكو بلدة من ولاية شروان أيضا وبها توفي السيد يحيى سنة ثمان أو تسع وستين وثمانمائة وكان السيد يحيى هذا جليل المقدار انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك وأما صاحب الترجمة فذكر العلائي أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسمعيل شاه فلم يظهر مشيخة ولا سلوكا ولا تقرب من أرباب الدنيا بل جلس في حانوت بقرب خان الخليلي يشتغل فيه الأقماع والكوافي على أسلوب العجم بحسن صناعة وجميل دربة واتقان صنع وكان حافظا لعبارات كثير من المشايخ وآدابهم وأخلاقهم وحسن سيرتهم مما خلا منه كثير من المتصدرين مع عدم التكثر والتبجح وتوفي ليلة الإثنين ثالث ربيع الأول قال العلائي عن مائة وثلاث عشرة سنة وفيها شمس الدين محمد بن عبيد الضرير الشيخ الإمام العلامة المقرىء المجود ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة وكان قفافيا بميدان الحصى بدمشق ثم اشتغل بالعلم وأم وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير وكان عالما صالحا يقرىء الشاطبية وغيرها من كتب القراءات والتجويد وانتفع به خلق كثير وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشرى القعدة ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح الشيخ حماد رحمهما الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن ليل الزعفراني التونسي القاطن بالقاهرة قال في الكواكب كان يحفظ أنواع الفضائل وكان يتأنق

(8/155)


156 في إيراد أنواع التحميدات والتسبيحات والصلوات ويعرف الألسن العربية المتنوعة والخواص العجيبة وكان يذكر أنه عارف بالصنعة مات بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشرى جمادى الآخرة ودفن بتربة المجاورين وفيها محي الدين محمد بن محمد بن محمد البردعي الحنفي أحد موالي الروم العالم الفاضل كان من أولاد العلماء واشتغل على والده وغيره ثم دخل شيراز وهراة وقرأ على علمائها وحصل علما كثيرا ثم ارتحل إلى بلاد الروم وصار مدرسا بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا ثم بإحدى المدرستين المتلاصقتين بادرنة وتوفي وهو مدرس بها وله حواش على تفسير البيضاوي وحواش على شرح التجريد للسيد الشريف وحواش على التلويح وشرح على آداب البحث للعضد وكان له حظ وافر من العلوم ومعرفة تامة بالعربية والتفسير والأصول والفروع وكان حسن الأخلاق لطيف الذات متواضعا متخشعا له وجاهة ولطف ويكتب الخط الحسن مع سرعة الكتابة وتوفي بأدرنة في هذه السنة رحمه الله تعالى وفيها الأمير مرجان بن عبد الله الظافري الذي عمر قبة العيدروس بعدن وهو مدفون معه فيها قال في حقه العلامة بحرق الأمير المؤيد بتوفيق الله وعنايته المسدد بحفظ الله ورعايته الذي فتح الله بنور الإيمان عين بصيرته وطهر عن سوء العقيدة باطن سريرته وصار معدودا من الأولياء لموالاته لهم باطنا وظاهرا وحاز من بين الولاة والحكام من التواضع لله والرفق بالفقراء والمساكين حظا وافرا مرجان بن عبد الله الظافري لا زال على الأعداء ظافرا وإلى مرضاة مولاه مبادرا انتهى وفيها نسيم الدين قاضي مكة الحنفي قال العلائي كان فاضلا ذكيا مستحضرا لكثير من المسائل حافظا لمتن المجمع دينا فصيحا لطيفا عفيفا لا يتناول على القضاء شيئا البتة وأخذ الفقه عن الشمس بن الضياء وعن جماعة من المصريين وغيرهم وتوفي

(8/156)


157 بمكة سنة سبع وعشرين وتسعمائة انتهى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة فيها توفي تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن عبد الله المعروف بابن قاضي عجلون الزرعي ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة القدوة الرحلة الأمة العمدة ولد بدمشق في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة واشتغل على والده وأخيه شيخ الإسلام نجم الدين وعلى شيخ الإسلام زين الدين خطاب وسمع الحديث على المسند أبي الحسن بن بردس البعلي والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين وغيرهما وأخذ عن ابن حجر مكاتبة والعلم صالح البلقيني والشمس المناوي والجلال المحلى وكان إماما بارعا في العلوم وكان أفقه أهل زمانه وأجل معاصريه وأقرانه ودرس بالجامع الأموي والشامية البرانية والعمرية وبالقاهرة دروسا حافلة وألف منسكا لطيفا وكتابا حافلا سماه أعلام النبيه مما زاد على المنهاج من الحاوي والبهجة والتنبيه وانتهت إليه مشيخة الإسلام ورياسة الشافعية ببلاد الشام بل وبغيرها من بلاد الإسلام وحصل له من السعد في العلم والرياسة وكثرة التلامذة وقرة العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة إلا أن القاضي زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف مع تحريرها وتحقيقها رحمهما الله تعالى وبرع أكثر تلاميذ صاحب الترجمة في حياته كالشيخ شمس الدين الكفرسوسي والشيخ تقي الدين البلاطنسي والسيد كمال الدين بن حمزة والقاضي رضي الدين الغزي والبدر الغزي والشيخ بهاء الدين الفصي البعلي والشيخ تقي الدين القاري والشيخ علاء الدين القيمري والشرف العيثاوي وغيرهم ولما قدم العلامة برهان الدين البقاعي دمشق في سنة ثمانين

(8/157)


158 وثمانمائة تلقاه الشيخ تقي الدين هو وجماعة من أهل العلم إلى القنيطرة ثم لما ألف كتابه في الرد على حجة الإسلام الغزالي في مسألة ليس في الإمكان أبدع مما كان وبالغ في الإنكار على ابن العربي وأمثاله حتى أكفر بعضهم كان الشيخ تقي الدين ممن أنكر على البقاعي ذلك وهجره بهذا السبب خصوصا بسبب حجة الإسلام مع أنه كان ينهى عن مطالعة كتب ابن العربي قال الحمصي في تاريخه وامتحن شيخ الإسلام مرارا منها مرة في أيام الغوري بسبب فتياه في واقعة ابن محب الدين الأسلمي المعارضة لفتيا تلميذه وابن أخيه السيد كمال الدين بن حمزة وطلب هو والسيد وجماعة إلى القاهرة وغرم بسبب ذلك أموالا كثيرة حتى باع أكثر كتبه وانتهى الأمر آخرا على العمل بفتياه واعادة تربة ابن محب الدين المهدومة بفتوى السيد كما كانت عملا بفتوى الشيخ تقي الدين وأعاد الشيخ تقي الدين هو وولده الشيخ نجم الدين إلى دمشق وقد ولي ولده قضاء قضاة الشافعية بها وقال في الكواكب أخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدين أن جميع أسماء الذين أفتوا في عهد رسول الله في قوله ( لقد كان يفتي في زمان نبينا * مع الخلفاء الراشدين أئمة ) ( معاذ وعمار وزيد بن ثابت * أبي ابن مسعود وعوف حذيفة ) ( ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم * كذاك أبو الدرداء وهو تتمة ) ( وأفتى بمرآه أبو بكر الرضى * وصدقه فيها وتلك مزية ) وتوفي صاحب الترجمة ضحوة يوم الإثنين حادي عشر رمضان ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها شهاب الدين أبو السعود أحمد بن عبد العزيز السنباطي المصري الشافعي العلامة المحدث ولد سنة سبع وثلاثين

(8/158)


159 وثمانمائة وكان أحد العدول بالقاهرة وسمع صحيح البخاري على المشايخ المجتمعين بالمدرسة الظاهرية القديمة بين القصرين بالقاهرة وكانوا نحو أربعين شيخا منهم العلامة علاء الدين القلقشندي وابن أبي المجد والتنوخي ومن مشايخه أبو السعادات البلقيني والشهاب الأبدي صاحب الحدود في النحو والعلامة ناصر الدين بن قرقماس الحنفي صاحب زهر الربيع في شواهد البديع أخذه عنه وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ نجم الدين الغيطي قرأ عليه جميع صحيح البخاري وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وفيها شهاب الدين أحمد قال في الكواكب الشيخ الفاضل العريق ابن الشيخ العالم المعروف بالراعي شارح الجرومية قال العلائي وهو ممن سمع على شيخ الإسلام ابن حجر وتقدم في صناعة التوريق والتسجيل واعتبر وله فيه مصنفات وتوفي تاسع جمادى الأولى وفيها القاضي غرس الدين خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان بفتح المعجمة والفاء وإسكان اللام بينهما وبالنون آخره الدمشقي الحنبلي المعروف بالسروجي ولد في ربيع الأول سنة ستين وثمانمائة بميدان الحصا واشتهر بالشهادة ثم فوض إليه نيابة الحكم مدة يسيرة وتوفي يوم الخميس سابع شهر رمضان ودفن بتربة الجورة بالميدان وفيها القاضي محي الدين عبد القادر النبراوي الحنبلي كان أقدم الحنابلة بمصر وأعرفهم بصناعة التوريق والقضاء والفقاهة مع سماع له ورواية وكان أسود اللون وله مع ذلك تمتع بحسان النساء للطف عشرته ودماثة أخلاقه وكان يصبغ بالسواد مع كبر سنه مات ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة وفيها زين الدين عبد القادر المكي الشيباني الحنفي دخل مصر متوجها إلى بلاد الروم لطلب قضاء الحنفية بمكة ثم رحل من القاهرة في قافلة صحبة الأمير جانم الحمزاوي ليلة الإثنين سادس

(8/159)


160 جمادى الآخرة فتوفي في أم الحسن وفيها عبد الكريم بن محمد بن يوسف المباهي الأموي الدمشقي الشافعي المقرىء كان فاضلا صالحا قرأ على البدر الغزي كثيرا قاله في الكواكب وفيها جلال الدين محمد بن أسعد الدواني بفتح المهملة وتخفيف النون نسبة لقرية من كازرون الكازروني الشافعي الصديقي القاضي بإقليم فارس قال في النور السافر هو المذكور بالعلم الكثير والعلامة في المعقول والمنقول وممن أخذ عنه المحيوي اللاري وحسن بن البقال وتقدم في العلوم سيما العقليات وأخذ عنه أهل تلك النواحي وارتحلوا إليه من الروم وخراسان وما وراء النهر ذكره السخاوي في ضوئه فقال وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني واستقره السلطان يعقوب في القضاء وصنف الكثير من ذلك شرح على شرح التجريد للطوسي عم الانتفاع به وكذا كتب على العضدي مع فصاحة وبلاغة وصلاح وتواضع وهو الآن حي في سنة تسع وتسعين ابن بضع وسبعين انتهى كلام الضوء وفيها المولى محمد بن خليل قال في الكواكب العالم الفاضل المولى محمد الرومي الحنفي قاضي أدنة توجه إلى الحج الشريف فتوفي بالمدينة قبل وصوله إلى مكة في ذي القعدة انتهى وفيها خير الدين أبو الخير محمد بن عبد القادر بن جبريل الغزي ثم الدمشقي المالكي قاضي القضاة العلامة ولد بغزة في ثاني عشرة شوال سنة اثنتين وستين وثمانمائة واشتغل وبرع ثم قدم دمشق وحضر دروس الشيخ عبد النبي المالكي وظهرت فضيلته خصوصا في علم الفرائض والحساب ثم ولي قضاء المالكية بالشام في سنة إحدى عشرة وتسعمائة وسار في القضاء سيرة حسنة بعفة وزهد وقيام في نصرة الحق واستمر حتى عزل في رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة فتوجه إلى بلده ثم مكة المشرفة وبها توفي في صفر ودفن بالمعلاة

(8/160)


161 وفيها شمس الدين محمد بن الشيخ العلامة علاء الدين علي المحلي المصري الشافعي المفتي المعروف بابن قرينة تلقى عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية وتدريس الفقه بالمؤيدية والأشرفية وكان ذا علم وعقل وتؤدة توفي في ثامن ربيع الثاني وخلف ولدا صغيرا أسند الوصاية عليه إلى جماعة منهم السيد كمال الدين بن حمزة الشامي وفيها زين الدين محمد بن عمر البحيري العلامة فقيه السلطان الغوري توفي بمرض الاستسقاء سادس عشر شعبان بعد أن نزل عن وظائفه ووقف كتبه وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي ثم المقدسي سبط العلامة تقي الدين القلقشندي توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف وهو حمل في عاشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وثمانمائة فنشأ بعده واشتغل بالعلم على علماء بيت المقدس منهم الكمال بن أبي شريف ورحل إلى القاهرة فأخذ عن علمائها منهم الشمس الجوجري وسمع الحديث وقرأه على جماعة وأذن له بالافتاء والتدريس وصار إماما علامة من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدين والتواضع وكان عنده تودد ولين جانب وسخاء نفس وإكرام لمن يرد عليه وأجمع الناس على محبته وتوفي ليلة السبت ثالث عشر القعدة ببيت المقدس وفيها ولي الدين محمد بن القاضي شمس الدين محمد بن عمر الدورسي الصالحي الحنبلي الإمام العالم توفي بصالحية دمشق يوم السبت تاسع عشر ذي الحجة ودفن بها وفيها قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله الطولقي المالكي سمع على العلامة جمال الدين الطمطامي قال ابن طولون قدم علينا دمشق واتجر بحانوت بسوق الذراع ثم ولي قضاء دمشق عوضا عن قاضي القضاة شمس الدين المرني وعزل عن القضاء ثم وليه مرارا ثم استمر معزولا مخمولا إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشرى شعبان فجأة وكان له مدة قد أضر وصار يستعطي

(8/161)


162 ويتردد إلى الجامع الأموي وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة له ودفن بمقبرة باب الصغير انتهى وفيها أو في التي بعدها المولى يعقوب الحميدي العلامة الشهير باجه خليفة أحد الموالي الرومية خدم المولى علاء الدين الفناري ودرس في عدة مدارس آخرها مدرسة مغنيسا وهو أول مدرس بها ومات عنها وكان فاضلا صالحا متصوفا له مهارة في الفقه ومشاركة في غيره ذو سمت حسن صحيح العقيدة رحمه الله تعالى سنة تسع وعشرين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن اسكندر بن يوسف وقيل ابن يوسف ابن اسكندر المعروف بابن الشيخ اسكندر الحلبي نزيل دمشق الشافعي قال النجم الغزي هو جد أخي لوالدي لأمه الشيخ العلامة العارف بالله تعالى شهاب الدين أحمد الغزي أخذ عن جماعة منهم جدي ووالدي وكان علامة قال والدي وكان له يد في علم الهيئة والمنطق والحكمة وغير ذلك وكان مدرس السيبائية بتقرير من واقفها سيباي نائب دمشق وناظرا على وقف سيدي إبراهيم ابن أدهم رضي الله عنه قتله اللصوص بدرب الروم انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بالحاج الشافعي بأفضل قال في النور ولد يوم الجمعة خامس شوال سنة سبع وسبعين وثمانمائة وتفقه بوالده وبالفقيه محمد بن أحمد فضل وأخذ عن قاضي القضاة يوسف ابن يونس المقري وغيره وبرع وتميز وتصدر للافتاء والتدريس في زمن والده وكان إماما عالما علامة فقيها حسن الاستنباط قوي الذه شريف النفس وكان والده يعظمه ويثني عليه وحج مرارا واجتمع في حجته الأخيرة بسيدي محمد بن عراق فصحبه ولازمه وتسلك على يديه وكان سخيا كثير الصدقة وفعل المعروف محبا للصالحين والفقراء حسن العقيدة ولم يزل على

(8/162)


163 ذلك حتى استشهد في معركة الكفار لما دخل الإفرنج الشحر وقتلوا وأسروا ونبهوا وذلك بعد فجر يوم الجمعة عاشر ربيع الثاني ودفن عند والده وله من التصانيف نكت على روض ابن المقري في مجلدين ونكت على الإرشاد ومشكاة الأنوار قال مؤلفه عليك بالأوراد التي علقتها في كراريس سميتها مشكاة الأنوار فإني ضمنتها والله الاسم الأعظم الذي هو اكسير الأولياء وله وصية مختصرة ومن كلامه من كان همه المعالف فاتته المعارف انتهى وفيها شهاب الدين أحمد البحيري المصري المالكي العلامة المفنن السالك الشاعر المعمر حفظ القرآن العظيم وسلك في شبوبيته على الشيخ العالم أبي العباس الشربيني وأخذ عن الشيخ مدين واشتغل في العلم وأمعن في العربية ولا سيما التصريف وألف فيه شرحا جيدا على المراح وأخذ الفقه عن الشيخ يحيى العلمي وكتب بخطه كثيرا وله نظم جيد وألغاز وكان قانعا متقللا وتزوج وهو شاب ثم تجرد وتوفي في خامس شوال وفيها إدريس بن عبد الله قال في الكواكب الشيخ الفاضل اليمني الشافعي نزيل دمشق كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد حضر دروسه وشملته إجازته وكان قد عزم على قراءة المنهاج عليه وعلى غيره فعاجلته المنية وفيها المولى الفاضل بالي الأيديني الرومي الحنفي أخذ العلم عن علماء عصره واتصل بخدمة المولى خطيب زادة ثم بخدمة المولى سنان جلبي ثم تنقل في التداريس حتى صار مدرسا بإحدى الثمانية ثم تقاعد عنها بثمانين عثمانيا ثم أعطى قضاء بروسا ثم أعيد إلى إحدى الثمانية ثم ولي قضاء بروسا ثانيا ثم أعيد إلى إحدى الثمانية واستمر بها إلى أن مات وكانت له مشاركة جيدة في سائر العلوم قادرا على حل غوامضها قوي الحفظ مكبا على الاشتغال حتى سقط مرة عن فرسه فانكسرت رجله فاستمر ملقى على ظهره أكثر من شهرين ولم يترك الدرس وألف رسالة أجاب فيها عن إشكالات سيدي

(8/163)


164 الحميدي وتوفي في هذه السنة ودفن عند مسجده بالقسطنطينية وفيها زين الدين بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف الشهير بابن الكيال الشافعي الصالح الواعظ كان في ابتداء أمره تاجرا ثم ترك التجارة بعد أن ترتبت عليه ديون كثيرة ولازم الشيخ برهان الدين الناجي زمانا طويلا وانتفع به قال الحمصي قرأ عليه صحيح البخاري كاملا وكتبا من مصنفاته ودرس بالجامع الأموي في علم الحديث وكان متقنا محررا وخرج أحاديث مسند الفردوس وانتفع الناس به وبوعظه وحديثه قال ابن طولون رأس بعد موت شيخه ولازم الجامع الأموي تجاه محراب الحنابلة ووعظ بمسجد الأقصاب وجامع الجوزة وغيرهما وخطب بالصابونية سنين وحصل دنيا كثيرة وصنف عدة كتب أي منها كتاب حياة القلوب ونيل المطلوب في الوعظ ومنها الكواكب الزاهرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات ومنها أسنى المقاصد في معرفة حقوق الولد على الوالد والجواهر الزواهي في ذم الملاعب والملاهي والانجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر وتوفي يوم الأحد ثامن ربيع الأول بسبب أنه خرج من بيته لصلاة الصبح بالجامع الأموي فلقيه اثنان فأخذا عمامته عن رأسه وضربه أحدهما على صدره فانقطع مدة ثم أراد الخروج إلى الجامع فما استطاع فتوضأ وصلى الصبح والضحى وتوفي بعد صلاة الضحى ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها منلا بدر الدين حسن بن محمد الرومي الحنفي قدم دمشق مع الدفتردار الزيني عمر الفيقي وكان يقرىء ولده فأخذ له تدريس الحنفية بالقصاعية فدرس بها وكان أولاد العرب منهم القطب بن سلطان مدرس الظاهرية الجوانية وحج في السنة التي قبلها وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشرى جمادى الآخرة قادما من الحج وفيها زين الدين عبد الرحمن شيخ الصوابية بصالحية دمشق كان صالحا مسلكا توفي بها يوم الخميس ثامن عشرى

(8/164)


165 رجب وفيها علاء الدين علي بن أبي القسم الأخميمي القاهري قاضي قضاة الشافعية العدل العفيف السخي قال العلائي كان له انقطاع عن الناس وانجماع بالكلية وكان له معرفة في الصناعة وتصميم في المهمات وإن كان قليل العلم توفي سادس عشر القعدة وصلى عليه بالأزهر وفيها علاء الدين علي بن حسن السرميني ثم الحلبي الشافعي الفرضي الحبسوب كان يعرف بالنعش المخلع وهذا على عادة الحلبيين في الألقاب أخذ الفرائض والحساب عن الجمال الأسعردي ومهر فيهما واشتهر بهما وكان له في الدولة الجركسية مكتب على باب العدل بحلب يطلب منه لكتابة الوثائق ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود أخذ في كتابة المصاحف والانتفاع بثمنها وتأديب الأطفال بمكتب داخل باب أنطاكية بحلب وبه قرأ عليه ابن الحنبلي القرآن العظيم سنة سبع وعشرين وتسعمائة وتوفي صاحب الترجمة في رمضان هذه السنة بحلب وفيها تقريبا نور الدين أبو الحسن على الأشموني الشافعي الفقيه الإمام العالم العامل الصدر الكامل المقرىء الأصول يأخذ القراءات عن ابن الجزري قال الشعراوي ونظم المنهاج في الفقه وشرحه ونظم جمع الجوامع في الأصول وشرحه وشرح ألفية ابن مالك شرحا عظيما وكان متقشفا في مأكله وملبسه وفرشه قاله في الكواكب وفيها أمين الدين أبو الجود محمد بن أحمد ابن عيسى بن النجار الشافعي الدمياطي ثم المصري الإمام الأوحد العلامة الحجة ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة وأخذ العلم عن صالح البلقيني والتقي الشمني وزينب بنت عبد الرحيم العراقي وغيرهم وأخذ عنه النجم الغيطي والبدر الغزي وغيرهما وكان ممن جمع بين العلم والعمل إماما في علوم الشرع وقدوة في علوم الحقيقة متواضعا يخدم العميان والمساكين ليلا ونهارا ويقضي حوائجهم وحوائج الأرامل ويجمع لهم أموال الزكاة ويفرقه عليهم ولا

(8/165)


166 يأخذ لنفسه منه شيئا ويلبس الثياب الزرق والجبب السود ويتعمم بالقطن غير المقصور ولا يترك قيام الليل صيفا ولا شتاء وكان ينام بعد الوتر لحظة ثم يقول وينزل إلى الجامع الغمري فيتوضأ ويصلي والباقي للفجر نحو سبعين درجة ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو القرآن سرا فإذا أذن الصبح قرأ جهرا قراءة تأخذ بجوامع القلوب ومر نصراني من مباشر القلعة يوما في السحر فسمع قراءته فرق قلبه وأسلم على يديه وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من الأماكن البعيدة لحسن صوته وخشوعه وكثرة بكائه حتى يبكي غالب الناس خلفه وكان الشيخ أبو العباس الغمري يقول الجامع جثة والشيخ أمين الدين روحها وكان يقري ويضيف كل وارد ويخدم بنفسه ومع هذا فله هيبة عظيمة يكاد من لا يعرفه يرعد من هيبته وانتهت إليه الرياسة بمصر في علوم السنة في الكتب الستة وغيرها ويقرأ للأربعة عشر ومناقبه كثيرة وتوفي ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة وفيها أبو السعود محمد بن دغيم الجارحي القاهري الفقيه الصوفي المتعبد المتنسك المعتقد عند الملوك فمن دونهم وكان والده من أعيان كوم الجارح والمتسببين به في أنواع المتاجر فنشأ الشيخ أبو السعود على خير وحفظ القرآن العظيم واشتغل في الفقه والنحو ثم أقبل على العبادة والمجاهدة ومكث عشرين سنة صائما لا يدري بذلك أهله وكان يصلي مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة وأخذ في التقليل من الأكل فانتهى أكله إلى لوزة وربما تركها قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته هو عارف علوم جمة وصوفي ذو أحوال وكرامات بين الأمة قدوة في علمه ودينه فريد في عصره وحينه اجتهد وترقى في المقامات وأخذ عن الشيخ أحمد المرحومي عن الشيخ مدين عن الزاهد وارتفعت روحه وسمت عن مقعر فلك القمر وارتفع

(8/166)


167 إلى الحضرة التي لا ليل فيها ولا نهار وضوءها وضاح كحال أهل الجنة في الجنة ولما دخلها صار يكتب الكراريس العديدة حال ظلمة الليل كما يكتب نهارا بغير فرق وكان له قبول تام عند الأكابر تقف الأمراء بين يديه فلا يأذن لهم بالقعود وحملوا في عمارة زاويته الحجر والتراب وشق السلطان طومان باي وعليه جبة من جبب الشيخ وكان يقول لا يفلح الفقير القانع بالزي أبدا لقصور همته وكان يقول ينبغي للعارف أن يجعل في بيته دائما شيئا من الدنيا ولو كيميا خوفا أن يقع في رائحة الاتهام لله في أمر الرزق وكثيرا ما كان ينظر للمريد بحال فيتمزق لوقته ومحاسنه وكراماته أكثر من أن تحصر وتوفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى وصلى عليه بجامع عمرو بن العاص ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في السرداب الذي كان يتعبد فيه وقبره مشهور يزار وفيها المولى محي الدين محمد بن علي بن يوسف بالي الفناري الإسلامبولي الحنفي العالم الكامل قاضي قضاة العساكر بالولاية الأناضولية ثم بالولاية الروميلية المشهور بمحمد باشا قال في الشقاشق كان رحمه الله تعالى ذا أخلاق حميدة وطبع زكي ووجه بهي وكرم وفي وعشرة حسنة ووقار عظيم وله حواش على شرح المواقف وشرح الفرائض كلاهما للسيد الشريف وحواش على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة توفي وهو قاضي العسكر الروم ايلي ودفن عند قبره جده المولى شمس الدين بمدينة بروسا وفيها جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن محمد أو ابن أحمد الشهير بابن المبيض الحمصي الأصل ثم المقدسي ثم الدمشقي الشافعي أحد الوعاظ بدمشق العلامة المحدث ومن شعره ما كتبه عنه ابن طولون من إملائه عاقدا للحديث المسلسل بالأولية ( جاءنا فيما روينا أننا * يحرم الرحمن منا الرحما )

(8/167)


168 ( فارحموا جملة من في الأرض من * خلقه يرحمكم من في السما ) توفي بدمشق يوم الإثنين ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير وفيها قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن اسكندر بن محمد بن محمد الحلبي الحنفي المشهور والده بالخواجا ابن الجق وهو ابن أخت المحب بن أجا كاتب السر اشتغل بالفقه وغيره على الزينبي عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره وسمع على الجمال إبراهيم القلقشندي وعلى المحب أبي القسم محمد بن جرباش سيرة ابن هشام وأجاز له كل منهما ما يجوز له وعنه روايته وتولى القضاء بحلب بعناية خاله ثم ولي في الدولة الرومية تدريس الحلاوية ووظائف أخرى ثم رحل إلى القاهرة وتولى مدرسة المؤيدية بها وسار فيها السيرة المرضية وكان له شكل حسن وشهامة ورياسة وفخامة وألف رسالة في تقوية مذهب الإمام الأعظم في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده وحج من القاهرة ثم قدمها موعكا فتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر وفيها شرف الدين يونس بن محمد المعروف بابن سلطان الحرافيش بدمشق قال ابن طولون كان علامة من المتعقلين في المجالس ولكن حصل به النفع في آخر عمره بملازمته المشهد الشرقي بالجامع الأموي لاقراء الطلبة وكان في ابتداء أمره شاهدا تجاه باب المؤيدية وتوفي يوم الأربعاء حادي عشرى جمادى الآخرة ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى سنة ثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني الحرابي القحطاني الحاتمي الشافعي نزيل دمشق المقرىء الوقور أخذ عن شيخ الاقراء بدمشق الشيخ شهاب الدين الطيبي وغيره قال في الكواكب وتلمذ لشيخ الإسلام

(8/168)


169 الوالد قرأت بخط والدي رضي الله تعالى عنه بعد أن ترجم الشيخ برهان الدين المذكور ما نصه قرأ على البخاري كاملا قراءة اتقان وكتب له به إجازة مطولة وكان أحد المقتسمين للمنهاج في مرتين وللتنبيه وأجزته بهما وقرأ بعض الألفية وقرأ علي شيئا من القرآن العظيم وصلى بي وبجماعة التراويح ثلاث سنين بالكاملية ختم فيها نحو خمس وحضر دروسا كثيرة ولزمني إلى أن مات شهيدا بالطاعون ثاني عشر جمادى الثانية ودفن بباب الفراديس انتهى وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحبيشي ينتهي نسبه إلى زيد الخيل الصحابي الحبيشي الأصل الحلبي الشافعي البسطامي ذكره السخاوي في الضوء اللامع فقال ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في مستهل جمادى الأولى بحلب ولازم والده في النسك وقرأ وسمع على أبي ذر بن البرهان الحافظ وتدرب في كثير من المهمات والغريب والرجال بل وتفقه به وبالشمس البابي وأبي عبد الله بن القيم وابن الضعيف في آخرين بل أجاز له ابن حجر والعلم البلقيني وغيرهما وزار بيت المقدس وحج في سنة ست وثمانين وجاور ولازم الشمس السخاوي وحمل عنه مؤلفاته وتوفي في رجب وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي الحنفي سبط زين الدين العيني حفظ القرآن العظيم والمختار والأجرومية وغيرها وقرأ على الشمس بن طولون بدمشق وعلى عمه الجمال ابن طولون بمكة وقرأ على القطب بن سلطان بدمشق وسمع على علماء عصره وحضر بالجامع الأموي وتوفي بمطعونا يوم الثلاثاء ثالث عشر رجب وتقدم للصلاة عليه السيد كمال الدين بن حمزة وفيها صفي الدين وشهاب الدين أبو السرور أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الرحمن القاضي ابن القاضي ينتسب إلى سيف بن ذي يزن المذحجي السيفي المرادي الشهير بالمزجد بميم مضمومة ثم زاي مفتوحة ودال مهملة الشافعي الزبيدي

(8/169)


170 العلامة ذو التصانيف المجمع على جلالته وتحريه قال في النور ولد سنة سبع وأربعين وثمانمائة بجهة قرية الزيدية ونشأ بها وحفظ جامع المختصرات ثم اشتغل فيها على أبي القاسم أبي محمد مريغد ثم انتقل إلى بيت الفقيه ابن عجيل فأخذ فيها على شيخ الإسلام إبراهيم بن أبي القسم جعمان وغيره ثم ارتحل إلى زبيد واشتغل فيها بالفقه على العلامة أبي حفص الفتى ونجم الدين المقري بن يونس الجبائي وبهما تخرج وانتفع وأخذ الأصول عن الشيفكي والجبائي والحديث عن الحافظ يحيى العامري وغيره والفرائض عن الموفق الناشري وغيره وبرع في علوم كثيرة وتميز في الفقه حتى كان فيه أوحد وقته ومن مصنفاته العباب في الفقه وهو كاسمه اشتهر في الآفاق وكثر الاعتناء به وشرحه غير واحد من الأعلام منهم ابن حجر الهيثمي ومنها تجريد الزوايد وتقريب الفوائد وكتاب تحفة الطلاب ومنظومة الإرشاد في خمسة آلاف وثمانمائة وأربعين بيتا وزاد على الإرشاد شيئا كثيرا وله غير ذلك وتفقه به خلائق كثيرون منهم أبو العباس الطنبذاوي والحافظ الديبع والعلامة بحرق وله شعر حسن منه ( لا تصحب المرء إلا في استكانته * تلقاه سهلا أديبا لين العود ) ( واحذره إن كانت الأيام دولته * لعل يوليك خلقا غير محمود ) ( فإنه في مهاو من تغطرسه * لا يرعوي لك إن عادى وإن عودي ) ومنه ( قلت للفقر أين أنت مقيم * قال لي في محابر العلماء ) ( إن بيني وبينهم لإخاء * وعزيز على قطع الإخاء ) وتوفي فجر يوم الأحد سلخ ربيع الآخر بمدينة زبيد وفيها الشهاب أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني الحوراني

(8/170)


171 المقرىء الحنفي الغزي نزيل مكة ولد في حدود الستين وثمانمائة بغزة ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم ومجمع البحرين وطيبة النشر وغيرها واشتغل بالقراءات وتميز فيها وفهم العربية وقطن بمكة ثلاث عشرة سنة وتردد إلى المدينة واليمن وزيلع وأخذ عن جماعة فيها وفي القاهرة قال السخاوي قد لازمني في الدراية والرواية وكتبت له إجازة وسمعته ينشد من نظمه ( سلام على دار الغرور لأنها * مكدرة لذاتها بالفجائع ) ( فإن جمعت بين المحبين ساعة * فعما قليل أردفت بالموانع ) قال ثم قدم القاهرة من البحر في رمضان سنة تسع وثمانين وأنشدني في الحريق والسيل الواقع بالمدينة وبمكة قصيدتين من نظمه وكتبهما لي بخطه وسافر لغزة لزيارة أمه وأقبل عليه جماعلة من أهلها انتهى أي وتوفي بها وفيها أبو العباس أحمد بن محمد المغربي التونسي المشهور بالتباسي بفتح المثناة الفوقية وتشديد الموحدة ويقال الدباسي بالدال المهملة المالكي العارف بالله تعالى شيخ سيدي علي بن ميمون كان والده من أهل الثروة والنعمة فلم يلتفت إلى ذلك بل خرج عن ماله وبلاده وتوجه إلى سيدي أبي العباس أحمد بن مخلوف الشابي بالمعجمة والموحدة الهدلي القيرواني والد سيدي عرفة فخدمه وأخذ عنه الطريق ثم أقبل على العبادة والاشتغال والاشغال حتى صار شيخ ذلك القطر وتوفي بنفزاوة بالنون والفاء والزاي من معاملة الجناح الأخضر من المغرب في ذي القعدة وقد جاوز المائة وفيها الأمير عماد الدين أبو الفداء إسمعيل بن الأمير ناصر الدين بن الأكرم العنابي الدمشقي سمع شيئا من البخاري على البدر بن نبهان والجمال بن المبرد وولي إمرة التركمان في الدولتين الجركسية والعثمانية ونيابة القلعة في أيام خروج الغزالي على ابن عثمان وكان في مبدأ أمره من أفقر بني الأكرم فحصل دنيا عريضة وجهات كثيرة وفي آخر عمره انتقل من

(8/171)


172 العنابة وعمر له بيتا غربي المدرسة الفدمية داخل دمشق وكان عنده تودد لطلبة العلم ومحبة لهم واعتقاد في الصالحين وبعض إحسان إليهم وخرج مع نائب دمشق إلى قتال الدروز فتضعف بالبقاع ورجع منه في شقدوف إلى أن وصل إلى قرية دمر فمات بها وحمل إلى دمشق وهو ميت فغسل بمنزله الجديد وصلى عليه بالأموي ودفن بالعنابة صبيحة يوم الخميس حادي عشر المحرم عن نحو سبعين سنة وفيها الشريف بركات بن محمد سلطان الحجاز والد الشريف أبي نمي وفيها أمين الدين جبريل بن أحمد بن إسمعيل الكردي ثم الحلبي الشافعي الإمام العلامة أحد معتبري حلب ومدرسيها كان له القدم الراسخ في الفقه والكتابة الحسنة المعربة على رقاع الفتاوى أخذ الحديث عن السيد علاء الدين الأيجي وأجاز له جميع ما يجوز له وعنه روايته وأخذ الصحيحين عن الكمال بن الناسخ وصحيح مسلم قراءة على نظام الدين بن التادفي الحنبلي وكان دينا خيرا متواضعا مشغولا بإقراء الطلبة في الفقه والعربية وغيرهما وتوفي في هذه السنة بحلب وفيها خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي المعروف بابن البيلوني الشافعي الشيخة الصالحة المتفقهة الحنفية أجاز لها الكمال بن الناسخ الطرابلسي وغيره رواية صحيح البخاري واختارت مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه مع أن أباها وأخوتها شافعيون حفظا لطهارتها عن النتقاض بما عساه يقع من مس الزوج لها وحفظت فيه كتابا وكانت دينة صينة متعبدة مقبلة على التلاوة إلى أن توفيت في شهر رمضان وفيها السلطان صالح بن السلطان سيف متملك بلاد بني جبر كان من بيت السلطنة هو وأبوه وجده وهو خال السلطان مقرن وقد وقع بينهما وقعدة عظيمة تشهد لصالح بالشجاعة التي لا توصف فإنه كر على مقرن وعسكره وكانوا جما غفيرا بنفسه وكان خارجا لصلاة الجمعة لا أهبة معه

(8/172)


173 ولا سلاح فكسرهم ثم كان الحرب بينهما سجالا وقدم دمشق في سنة سبع وعشرين وتسعمائة فأخذ عن علمائها وأجازه منهم الرضى الغزي وولده البدر وكان في قدمته متسترا مختفيا غير منتسب إلى سلطنة وسمى نفسه إذ ذاك عبد الرحيم ثم حج وعاد إلى بلاده وكان مالكي المذهب فقيها متبحرا في الفقه والحديث وله مشاركة جيدة في الأصول والنحو وكان محبا للعلماء والصلحاء شجاعا مقداما عادلا في ملكه صالحا كاسمه توفي ببلاده قاله في الكواكب وفيها المولى ظهير الدين الأردبيلي الحنفي الشهير بقاضي زاده قرأ في بلاد العجم على علمائها ولما دخل السلطان سليم إلى مدينة تبريز لقتال شاه إسمعيل الصوفي أخذه معه إلى بلاد الروم وعين له كل يوم ثمانين درهما قال في الشقائق كان عالما كاملا صاحب محاورة ووقار وهيبة وفصاحة وكانت له معرفة بالعلوم خصوصا الإنشاء والشعر وكان يكتب الخط الحسن وذكل العلائي أنه استمال أحمد باشا إلى اعتقاد إسمعيل شاه الصوفي طلبا لاستمداده واستظهاره معه بمكاتبات وغيرها وعزم على إظهار شعار الرفض واعتقاد الإمامية على المنبر حتى قال أن مدح الصحابة على المنبر ليس بفرض ولا يخل بالخطبة فقبض عليه مع أحمد باشا الوزير يوم الخميس عشرى ربيع الثاني وقطع رأس صاحب الترجمة وعلق على باب زويلة بالقاهرة وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الله الكبيسي الأصل الحلبي المولد والدار والوفاة الحنفي العلامة ولد بعد الستين وثمانمائة واشتغل في النحو والصرف ثم حج ولازم السخاوي بمكة وسمع من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وغيره وسمع عليه البخاري ومعظم مسلم وكثيرا من مؤلفاته وأجاز له في ذي القعدة سنة ست وثمانين وفي هذه

(8/173)


174 السنة أجازت له أيضا المسند زينب الشويكية ما سمعه عليها بمكة من سنن ابن ماجه من باب صفة الجنة والنار إلى آخر الكتاب وأذنت له في رواية سائر مروياتها وأذن له الشمس البازلي بحماة بالافتاء والتدريس وأجاز له بعد أن وصفه بالإمام العالم العلامة الجامع بين المعقول والمنقول المتبحر في الفروع والأصول وأجاز له الكمال بن أبي شريف سنة خمس وتسعمائة أن يروى عنه سائر مؤلفاته ومروياته ثم أجاز له الحافظ عثمان الديمي في سنة سبع وكان قصير القامة نحيف البدن لطيف الجثة حسن المفاكهة كثير الملاطفة له إلمام بالفارسية والتركية واعتناء بالتنزهات مع الديانة والصيانة وتوفي بحلب في ذي القعدة وفيها محي الدين أبو المفاخر عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم الدمشقي الحنفي المعروف بابن يونس قاضي قضاة الحنفية بدمشق سنين إلى أن عزل عنه في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وتوفي بدمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند ضريح سيدنا بلال وفيها زين الدين عرفة بن محمد الأرموي الدمشقي الشافعي العلامة المحقق الفرضي الحيسوب كان خبيرا بعلم الفرائض والحساب ويعرف ذلك معرفة تامة وله فيه شهرة كلية وهو الذي رتب مجموع الكلائي وأخذ الفرائض عن الشيخ شمس الدين الشهير بابن الفقيرة عن العلامة شهاب الدين بن أرسلان الرملي عن العلامة شهاب الدين بن الهايم وأخذ عنه الفرائض شهاب الدين الكنجي وغيره وتوفي يوم الأحد حادي عشرى شوال وفيها نور الدين علي بن خليل المرصفي العارف بالله تعالى الصوفي قال المناوي في طبقات الأولياء كان أبوه إسكافيا يخيط النعال ونشأ هو تحت كنفه كذلك فوفق للاجتماع بالشيخ مدين وهو ابن ثمان سنين فلقنه الذكر ثم أخذ عن ولد أخته محمد وأذن له في التصدر للمشيخة وأخذ

(8/174)


175 العهد على المريد في جملة من أجاز وكانوا بضعة عشر رجلا فلم يثبت ويشتهر منهم إلا هو وأخذ عنه خلق وأذنت له مشايخ عصره واختصر رسالة القشيري قال الشعراوي لقنني الذكر ثلاث مرات بين الأولى والثانية سبع عشرة سنة وذلك أني جئت وأنا أمرد وكنت أظن أن الطريق نقل كلام كغيرها ثم قعدت بين يديه وقلت يا سيدي لقني بحال فقال اجلس متربعا وغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاثا ثم اذكر أنت ثلاثا ففعلت فما سمعت منه إلا المرة الأولى وغبت من العصر إلى المغرب وعاش حتى انقرض جميع أقرانه ولم يبق بمصر من يشار إليه في الطريق غيره ومن كلامه أجمع أهل الطريق على أن الملتفت لغير شيخه لا يفلح وقال إذا ذكر المريد ربه بشدة طويت له مقامات الطريق بسرعة وربما قطع في ساعة مالا يقطعه غيره في شهر وقال السالك من طريق الذكر كالطائر المجد إلى حضرات القرب والسالك من غير طريقه كالصلاة والصوم كمن يزحف تارة ويسكن أخرى مع بعد المقصد فربما قطع عمره ولم يصل وكان الجنيد إذا دعى لفقير قال أسأل الله أني دلك عليه من أقرب الطرق وقال إياك والأكل من طعام الفلاحين فإنه مجرب لظلمة القلب وقال الشعراوي دخل سيدي أبو العباس الحريثي يوما فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل وقت العشاء فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع فذكرت ذلك لسيدي علي المرصفي فقال يا ولدي أنا قرأت مرة حال سلوكي ثلثمائة وستين ختمة في اليوم والليلة كل درجة ختمة وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى بمصر ودفن بزاويته بقنطرة أمير حسين ولم يخلف بعده مثله وفيها نور الدين علي بن سلطان المصري الحنفي الشيخ الفاضل الناسك السالك كان متجردا منقطعا وله أخلاق حسنة دمثة وتوعك مدة وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر القعدة بمصر عن غير وارث وفيها محمد بن عز

(8/175)


177 الأذكار النووية ومختصر الترغيب والترهيب للمنذري والحديثة الأنيقة في شرح العروة الوثقبة وعقد الدرر في الإيمان بالقضاء والقدر والقول الثمين في ابطال القول بالتقبيح والتحسين والحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول ومختصر المقاصد الحسنة ومتعة الأسماع بأحكام السماع مختصر من كتاب الامتاع وشرح الملحة في النحو وشرح لأمية ابن مالك في الصرف شرحا مفيدا جيدا وله غير ذلك في الحساب والطب والأدب والفلك مما لا يحصى ومن شعره ( أنا في سلوة على كل حال * إن أتاني الحبيب أوان أباني ) ( اغنم الوصل إن دنا في أمان * وإذا ما نأى اعش بالأماني ) قال السخاوي وصاهر صاحبنا حمزة الناشري وأولدها وتولع بالنظم انتهى ملخصا وله هذا اللغز اللطيف وشرحه نثر ( يا متقنا كلمات النحو أجمعها * حدا ونوعا وأفرادا ومنتظمه ) ( ما أربع كلمات وهي أحرفها * أيضا وقد جمعتها كلها كلمه ) ثم قال هذا في تمثيل الوقف على هاء السكت أي قولك لمه فالكاف في قولك كلمه للتمثيل واللام للجر والميم أصلها ما الاستفهامية حذفت ألفها والهاء للسكت وله كرامات كثيرة وكان في غاية الكرم كثير الإيثار ومما قيل فيه ( لاي المعاني زيدت القاف في اسمكم * وما غيرت شيئا إذا هي تذكر ) ( لأنك بحر العلم والبحر شأنه * إذا زيد فيه الشيء لا يتغير ) وتوفي رحمه الله تعالى بالهند شهيدا قيل أن الوزراء حسدوه لحظوته عند السلطان فسموه وذلك في ليلة العشرين من شعبان وفيها موسى بن الحسن الشيخ الزاهد العالم المعروف بالمنلا موسى الكردي اللالاني بالنون الشافعي نزيل حلب اشتغل ببلاده على جماعة منهم المنلا محمد

تعليق المستخدم :سقطت ص 176
كتبه : عبد الرحمن الشامي

(8/177)


178 الخبيصي وأخذ عن الشمس البازلي نزيل حماة وعن المنلا إسمعيل الشرواني أحد مريدي خواجه عبيد النقشبندي أخذ عنه بمكة تفسير البيضاوي وأخذ عن الشهاب أحمد بن كلف بأنطاكية شرح التجريد مع حاشيته ومتن لجغميني في الهيئة ثم قدم حلب وأكب على المطالعة ونسخ الكتب العلمية لنفسه ولازم التدريس بزاوية الشيخ عبد الكريم الحافي بها مع كثرة الصيام والقيام والزهد والسخاء والصبر على الطلبة وممن أخذ عنه علم البلاغة ابن الحنبلي وتوفي مطعونا بحلب في شعبان ودفن بتربة أولاد ملوك سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة فيها توفي الشاب الفاضل شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي ثم الصالحي الحنبلي حفظ القرآن العظيم ثم المقنع ثم شرع في حله على ابن عمه العلامة شهاب الدين الشويكي الآتي ذكره وقرأ الشفا للقاضي عياض على الشهاب الحمصي وقرأ في العربية على ابن طولون وكان له سكون وحشمة وميل إلى فعل الخيرات وتوفي يوم الأربعاء تاسع شعبان ودفن بالسفح وتأسف الناس عليه وصبر والده واحتسب ومات وهو دون العشرين سنة وفيها المولى الفاضل بخشى خليفة الأماسي الرومي الحنفي اشتغل في العلم بأماسية على علمائها ثم رحل إلى ديار العرب فأخذ عن علمائهم وصارت له يد طولى في الفقه والتفسير وكان يحفظ منه كثيرا وكان له مشاركة في سائر العلوم وكان كثيرا ما يجلس للوعظ والتذكير وغلب عليه التصوف فنال منه منالا جليلا وفتح عليه بأمور خارقة حتى كان ربما يقول رأيت في اللوح المحفوظ مسطورا كذا وكذا فلا يخطيء أصلا وله رسالة كبيرة جمع فيها ما اتفق له من رؤية النبي في المنام وكان خاضعا خاشعا متورعا متشرعا

(8/178)


179 يلبس الثياب الخشنة ويرضى بالعيش القليل قاله في الكواكب وفيها العلامة عبد الحق بن محمد بن عبد الحق السنباطي القاهري الشافعي ويعرف كأبيه بابن عبد الحق قال في النور ولد في إحدى الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بسنباط ونشأ بها وحفظ القرآن والمنهاج الفرعي ثم أقدمه أبوه القاهرة في ذي القعدة سنة خمس وخمسين فحفظ بها العمدة والألفيتين والشاطبيتين والمنهاج الأصلي وتلخيص المفتاح والجعبرية في الفرائض والخزرجية وعرض على خلق منهم الجلال البلقيني وابن الهمام وابن الديري والولي السنباطي وجد في الاشتغال وأخذ عن الأجلاء وانتفع بالتقي الحصني ثم بالشمني وأجاز له ابن حجر العسقلاني والبدر العيني وآخرون بالتدريس والافتاء وولي المناصب الجليلة في أماكن متعددة وتصدى للأقراء بالجامع الأزهر وغيره وكثر الآخذون عنه وحج مع أبيه وسمع هناك ثم حج أيضا وجاور بمكة ثم بالمدينة ثم بمكة وأقرأ الطلبة بالمسجدين متونا كثيرة ثم رجع إلى القاهرة فاستمر على الأقراء والافتاء هذا ملخص ما ذكره السخاوي ثم قال في النور وكان شيخ الإسلام وصفوة العلماء الأعلام على أجمل طريق من العقل والتواضع وأقام بمكة بأولاده وعائلته وأقاربه وأحفاده ليموت بأحد الحرمين فانتعشت به البلاد واغتبط به العباد وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى وألحق الأحفاد بالأجداد واجتمع فيه كثير من الخصال الحميدة كالعلم والعمل والتواضع والحلم وصفاء الباطن والتقشف وطرح التكلف بحيث علم ذلك من طبعه ولا زال على ذلك إلى أن توفي بمكة المشرفة عند طلوع فجر يوم الجمعة مستهل شهر رمضان ودفن بالمعلاة وكثر التأسف عليه رحمه الله تعالى انتهى وفيها تقريبا عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي الصوفي قال في الكواكب المتخلق بالأخلاق المحمدية كان متواضعا كثير الأزراء بنفسه والحط عليها وجاءه مرة رجل فقال له يا سيدي

(8/179)


180 خذ على العهد بالتوبة فقال والله يا أخي أنا إلى الآن ما تبت والنجاسة لا تطهر غيرها وكان إذا رأى من فقير دعوى فارغة بالأدب قرأ عليه شيئا من آداب القوم بحيث يعرف ذلك المدعى أنه عار منها ثم يسأله عن معاني ذلك بحيث يظن المدعي أنه شيخ وأن الشيخ عبد الحليم هو المريد أو التلميذ وجاءه مرة شخص من اليمن فقال له أنا أذن لي شيخي في تربية الفقراء فقال الحمد لله الناس يسافرون في طلب الشيخ ونحن جاء الشيخ لنا إلى مكاننا وأخذ عن اليماني ولم يكن بذاك وكان الشيخ يربيه في صورة التلميذ إلى أن كمله ثم كساه الشيخ عبد الحليم عند السفر وزوده وصار يقبل رجل اليماني وعمر عدة جوامع في المنزلة ووقف عليها الأوقاف وله جامع مشهور في المنزلة له فيه سماط لكل وارد وبنى بيمارستان للضعفاء قريبا منه وكان يجذب قلب من يراه أبلغ من جذب المغناطيس للحديد وكان لا يسأله فقير قط شيئا من ملبوسه إلا نزعه له في الحال ودفعه إليه وربما خرج إلى صلاة الجمعة فيدفع كل شيء عليه ويصلي الجمعة بفوطة في وسطه ومناقبه كثيرة مشهورة بدمياط والمنزلة وتوفي ببلده ودفن بمقبرتها الخربة وقبره بها ظاهر يزار رحمه الله تعالى وفيها تقريبا أيضا عبد الخالق الميقاتي الحنفي المصري الشيخ الإمام العالم الصالح كان له الباع الطويل في علم المعقولات وعلم الهيئة وعلم التصوف وكان كريم النفس لا ينقطع عنه الواردون في ليل ولا نهار وكان للفقراء عنده في الجمعة ليلة يتذاكرون فيها أحوال الطريق إلى الصباح وكان له سماط من أول رمضان إلى آخره وكان دائم الصمت لا يتكلم إلى لضرورة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وفيها تقريبا أيضا عبد العال المجذوب المصري قال في الكواكب كان مكشوف الرأس لا يلبس القميص وإنما يلبس الإزار صيفا وشتاء وسواكه مربوط في إزاره وكان محافظا على الطهارة خاشعا في صلاته مطمئنا فيها متألها وكان يحمل ابريقا عظيما يسقي به الناس

(8/180)


181 في شوارع مصر وكان يطوف البلاد والقرى ثم يرجع إلى مصر وكان يمدح النبي فيحصل للناس من إنشاده عبرة ويبكون قال الشعراوي ولما دنت وفاته دخل لنا الزاوية وقال الفقراء يدفنوني في أي بلد فقلت الله أعلم فقال في قليوب قال فكان الأمر كما قال بعد ثلاثة أيام ودفن قريبا من القنطرة التي في شط قليوب وبنوا عليه قبة وفيها المولى السيد الشريف عبد العزيز بن يوسف بن حسين الرومي الحنفي الشهير بعايد جلبي خال صاحب الشقائق قرأ على المولى محي الدين الساموني ثم علي المولى قطب الدين حفيد قاضي زاده الرومي ثم المولى أخي جلبي ثم المولى علي بن يوسف الفناري ثم صار مدرسا بمدرسة كليبولي ثم قاضيا ببعض النواحي ومات بمدينة كفه قاضيا بها وفيها جمال الدين أبو عبد الله عبد القادر أو عبيد بن حسن الصاني بصاد مهملة ونون نسبة إلى صانية قرية داخل الشرقية من أعمال مصر القاهري الشافعي الإمام العلامة قال العلائي سمع على الملتوني وابن حصن وغيرهما وأخذ عن القاضي زكريا وكان رجلا معتبرا وجيها وثابا في المهمات حتى أن قيام دولة القاضي زكريا وصمدته كانت منه وكان قوي البدن ملازما للتدريس والاقراء والافتاء انتهى وقال الشعراوي كان قوالا بالمعروف ناهيا عن المنكر يواجه بذلك الملوك فمن دونهم حتى أداه ذلك إلى الحبس الضيق وهو مصمم على الحق انتهى وأخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي وغيره وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال وفيها محي الدين عبد القادر بن عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي القادري خطيب الأقصى الإمام العارف بالله تعالى أخذ عن والده وعن العماد ابن أبي شريف وعن العارف بالله سيدي أبي العون الغزي وأخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي حين ورد القاهرة في السنة التي قبلها وهو والد الشيخ عبد النبي بن جماعة وفيها علاء الدين علي بن خير الحلبي

(8/181)


182 نزيل القاهرة الحنفي الفقيه شيخ الشيخونية بمصر قال العلائي كان لين العريكة أخذ عن ابن أمير حاج وتوفي ليلة الثلاثاء رابع عشرى ربيع الأول وفيها نور الدين علي الجارحي المصري شيخ مدرسة الغوري كان مبجلا عند الجراكسة وكان من قدماء فقهاء طباقهم يكتب الخط المنسوب وظفر منهم بعز وافر قال الشعراوي كان قد انفرد بمصر بعلم القراءات هو والشيخ نور الدين السمنهودي وكان يقرىء الأطفال تجاه جامع الغمري وكان مذهب الإمام الشافعي نصب عينيه وما دخل عليه وقت وهو على غير طهارة وقال أنه كان ليله ونهاره في طاعة ربه وكان يتهجد كل ليلة بثلث القرآن انتهى وتوفي في شعبان وفيها المولى محي الدين محمد بن محمد القوجوي الرومي الحنفي كان عالما بالتفسير والأصول وسائر العلوم الشرعية والعقلية وأخذ العلم عن والده وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد الروم ثم قرأ على المولى عبدي الدرس باماسية ثم على المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناضولي ثم استعفى منه فأعفى وأعطى إحدى المدارس الثمان ثم صار قاضيا بمصر فأقام بها سنة ثم حج وعاد إلى القسطنطينية وبها مات في هذه السنة قاله في الكواكب سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة فيها توفي زين الدين أبو بكر بن عبد المنعم البكري الشافعي أحد أعيان قضاة مصر القديمة وأصلائها كان فقيها فاضلا ذا نباهة وعقل وحياء توفي في منتصف الحجة عن نحو خمسين سنة من غير وارث إلا شقيقه عمر محتسب القاهرة يومئذ وصلى عليه بجامع عمرو ودفن بالقرافة عند والده بقرب مقام الشافعي رضي الله عنه وفيها شهاب الدين أحمد بن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن أحمد الأقباعي الدمشقي الشافعي الصوفي العارف بالله

(8/182)


183 تعالى قال في الكواكب القطب الغوث ولد في سنة سبعين تقريبا واشتغل في العلم على والده وابن عمته الشيخ رضي الدين وأخذ الطريق عن أبيه وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانبا من عيون الأسئلة للقشيري وحضر بعض دروسه وتولى مشيخة زاوية جده بعد أبيه وكان على طريقة حسنة وتوفي صبيحة يوم الأربعاء سادس عشرى ربيع الأول قال الشيخ الوالد ووقفت على غسله وحملت تابوته وتقدمت في الصلاة عليه قال النعيمي ودفن على والده بمقبرة سيدي الشيخ رسلان انتهى كلام الكواكب وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد الباني المصري الشافعي الأصم كأبيه صنف تفسيرا من سورة يس إلى آخر القرآن وباعه مع بقية كتبه لفقره وفاقته ووالده الشيخ شمس الدين الباني أحد شيوخ الشيخ جلال الدين السيوطي وخرج له السيوطي مشيخة وقرأها عليه وكانت وفاة ولده صاحب الترجمة يوم الجمعة سادس عشر المحرم وفيها السلطان العظيم مظفر شاه أحمد بن محمود شاه صاحب كجرات قال في النور كان عادلا فاضلا محبا لأهل العلم حسن الخط وكتب بيده جملة مصاحف أرسل منها مصحفا إلى المدينة الشريفة وخرجت روحه وهو ساجد والظاهر أنه هو الذي وفد عليه العلامة بحرق وصنف بسببه السيرة النبوية وإن كان اسم الكتاب يشعر بغير ذلك فإنه ما كان في ذلك الزمان أحد ممن ولي السلطنة غيره ولم يزل عنده مبجلا مكرما إلى أن مات وفيها بدر الدين حسين بن سليمان بن أحمد الأسطواني الصالحي الحنبلي قال ابن طولون حفظ القرآن بمدرسة أبي عمر وقرأ على شيخنا ابن أبي عمر الكتب الستة وقرأ وسمع ما لا يحصى من الأجزاء الحديثية عليه قال وسمعت بقراءته عدة أشياء وولي إمامة محراب الحنابلة بالجامع الأموي في الدولة العثمانية انتهى وقال البدر الغزي حضر بعض دروسي وشملته إجازتي وسألني وقرأ علي في الفقه وذاكرني فيه وقرر في

(8/183)


184 سبع الكاملية إلى أن توفي في صفر ودفن بباب الفراديس وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الكتبي الدمشقي الحنفي قال في الكواكب كان عنده فضيلة وله قراءة في الحديث وكان لطيفا يميل إلى المجون والمزاح رحمه الله تعالى انتهى وفيها تاج الدين عبد الوهاب الدنجيهي المصري الشافعي الكاتب النحوي السالك الصالح المجرد القانع حفظ القرآن العظيم وصحب الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي وجود حتى حسن خطه وكتب كتبا نفيسة واشتغل في الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والأصلين والفقه على العلامة علاء الدين بن القاضي حسين الحصن كيفى وسمع عليه المطول وشرح العقائد وشرح الطوالع وغاية القصد والمتوسط وشرح الشمسية وحضر غالب دروس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري وتصانيفه وقرأ شرح قاضي زاده في علم الهيئة على العلامة عبد الله الشرواني وقرأ على غير هؤلاء وتمرض في البيمارستان شهرا وتوفي به يوم الجمعة حادي عشرى جمادى الأولى وفيها العلامة علاء الدين علي بن أحمد الرومي الحنفي الجمالي قال في الكواكب قرأ على المولى علاء الدين بن حمزة القرماني وحفظ عند القدوري ومنظومة النسفي ثم دخل إلى القسطنطينية وقرأ على المولى خسرو ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدين بن حسام وتعلل بأنه مشتغل بالفتوى وبأن المولى مصلح الدين يهتم بتعليمه أكثر منه فذهب إليه وهو مدرس سلطانية بروسا فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية وأعاد له بالمدرسة المذكورة وزوجه ابنته وولدت له ثم أعطى مدرسة بثلاثين وتنقلت به الأحوال على وجه يطول شرحه فترك التدريس واتصل بخدمة العارف بالله تعالى مصلح الدين بن أبي الوفا ثم لما تولى أبو يزيد السلطنة رآه في المنام فأرسل إليه الوزراء ودعاه إليه فامتنع فأعطاه تدريسا بثلاثين جبرا ثم رقاه حتى أعطاه

(8/184)


185 إحدى الثمانية فدرس بها مدة طويلة ثم توجه بنية الحج إلى مصر فأقام بمصر سنة ثم حج وعاد إلى الروم وكان توفي المولى أفضل الدين المفتي فولاه السلطان أبو يزيد منصب الفتوى وعين له مائة درهم ثم لما بنى مدرسته بالقسطنطينية ضمها له إلى الفتوى وعين له خمسين درهما زائدة على المائة وكان يصرف جميع أوقاته في التلاوة والعبادة والتدريس والفتوى ويصلي الخمس في الجماعة وكان كريم الأخلاق لا يذكر أحدا بسوء وكان يغلق باب داره ويقعد في غرفة له فتلقى إليه رقاع الفتاوي فيكتب عليها ثم يدليها يفعل ذلك لئلا يرى الناس فيميز بينهم في الفتوى وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ويواجه بذلك السلطان فمن دونه حتى أن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين رجلا من حفاظ الخزينة فذهب صاحب الترجمة إلى الديوان ولم يكن من عادتهم أن يذهب المفتي إلى الديوان إلا لأمر عظيم فلما دخل تحيروا وقالوا أي شيء دعا المولى إلى المجيء فقال أريد ألاقي السلطان فلي معه كلام فعرضوا أمره على السلطان فأمر بدخوله وحده فدخل وسلم وجلس وقال وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلا من أرباب الديوان لا يجوز قتلهم شرعا فغضب السلطان سليم وكان صاحب حدة وقال له لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وطيفتك فقال بل أتعرض لأمر آخرتك وهو من وظيفتي فإن عفوت فلك النجاة وإلا فعليك عقاب عظيم فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكل ثم تحدث معه ساعة ثم سأله في إعادة مناصبهم فأعادها لهم وحكى أن السلطان سليم أرسل إليه مرة أمرا بأن يكون قاضي العسكر وقال له جمعة لك بين الطرفين لأني تحققت أنك تتكلم بالحق فكتب إليه وصل إلى كتابك سلمك الله تعالى وأبقاك وأمرتني بالقضاء وأني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهدا أن لا تصدر عني لفظة حكمت فأحبه السلطان محبة

(8/185)


186 عظيمة ثم زاد في وظيفته خمسين عثمانيا فصارت مائتي عثماني وتوفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وفيها علاء الدين علي بن عبد الله العشاري نسبة إلى عشارة بضم المهملة بلدة قريبة من الدير الحلبي الشافعي القاضي المعروف بابن القطان قرأ على الجلال النصيبي وحرص على اقتناء الكتب النفيسة وولي قضاء اعزاز وسرمين وتوفي في العشر الآخر من رجب وفيها بدر الدين محمد بن أبي بكر المشهدي المصري الشافعي العلامة المسند ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي وابن الجزري والخيضري وأخذ عن الشهاب الحجازي الشاعر والرضي الاوجاقي وغيرهما وأجاز له ابن بلال المؤذن في آخرين من حلب وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر وابن عمه شعبان وغيرهما ودرس وأسمع قليلا وناب في مشيخة سعيد السعداء الصلاحية عن ابن نسيبه وكان علامة عاقلا دينا دمث الأخلاق غير أنه كان ممسكا حتى عن نفسه وفي مرض موته كما قال العلائي وقال الشعراوي كان عالما صالحا كثير العبادة محبا للخمول إن رأى أحدا يقرأ عليه وإلا أغلق باب داره قال فقلت له يوما ما أصبرك يا سيدي على الوحدة فقال من كان مجالسا لله فما ثم وحدة قال وكان يقول مدح الناس للعبد قبل مجاوزته للصراط كله غرور انتهى وتوفي يوم الإثنين سابع القعدة ودفن في تربة الصلاحية بباب النصر وهو آخر ذرية ابن خلكان فيما يعلم ولم يعقب وفيها شمس الدين محمد السروي المشهور بابن أبي الحمايل قال المناوي في طبقاته العارف الكبير الكامل الغيث الهامع الشامل زاهد قطف كروم الكرامات وعارف وصل إلى أعلى المقامات كان طودا عظيما في الولاية وملجأ وملاذا لطالب الهداية أخذ عنه خلق كالثناوي والحديدي والعدل واضرابهم وكان عالي الهمة كثير الطيران من بلد لآخر

(8/186)


187 وكان يغلب عليه الحال ليلا فيتكلم بألسنة غير عربية من عجم وهند ونوبة وغيرها وربما قال قاق قاق طول الليل ويزعق ويخاطب قوما لا يرون وإذا قال شيئا في غلبة الحال نفذ وكان مبتلى بالأذى من زوجته مع قدرته على إهلاكها وربما أدخل فقيرا الخلوة فتخرجه قبل تمام المدة وتقول له قال لك فلان أنا ما أعمل شيخا فلا يتكلم وقدم مصر فسكن الزاوية الحمراء ثم زاوية إبراهيم المواهبي وبها مات وكان يكره للمريد قراءة أحزاب الشاذلية ويقول ما ثم جلاء للقلوب مثل لا إله إلا الله وقارىء أحزاب الشاذلية كزبال خطب بنت سلطان وصار يقول للسلطان أعطني بنتك واجعلني جليسك وهو لا يعرف شيئا من آداب حضرته ومن كراماته أنه شكا له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطيخ فقال لرجل ناد في الغيط رسم لكم محمد بن أبي الحمائل أن ترحلوا فلم يبق فيها فأر فسأله أهل بلد آخر في ذلك فقال الأصل الاذن ولم يفعل وكان إذا اشتد به الحال في مجلس الذكر يحمل الرجلين وأكثر ويحمل التيغار الذي يسع ثلاثة قناطير ويجري بذلك قال الشعراوي لقنني الذكر وأنا صغير سنة اثنتي عشرة وتسعمائة ومات بمصر في هذه السنة ودفن بزاويته بين السورين وفيها شمس الدين بن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة وقرأ العربية على الشيخ محمد التونسي المغربي ثم قدم دمشق وصار من أصحاب البدر الغزي ووالده وقرأ عليهما وكانت له يد طولى في النحو والحساب والميقات وكان حافظا لكتاب الله تعالى مجودا وولي مشيخة الكلاسة وتوفي يوم الجمعة خامس عشرى ذي القعدة ودفن بباب الصغير وكان ينشد كثيرا في معنى الحديث ( والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا * حتى يروا عنده آثار إحسان ) وفيها كمال الدين محمد بن الزيني سلطان الدمشقي الصالحي الحنفي القاضي

(8/187)


188 ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة واشتغل وحصل وبرع وناب في الحكم وجمع منسكا في مجلد سماه تشويق الاسجد إلى زيارة أشرف المساجد وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر ودفن بالصالحية بتربتهم تحت المعظمية وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكفرسوسي الشافعي الفقيه المفتي العلامة تفقه بالنجم بن قاضي عجلون وأخيه التقي وغيرهما من الدمشقيين وأخذ عن القاضي زكريا وأخذ عنه جماعة منهم العلامة الشهاب الطيبي وأشار إلى ذلك في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله ( ومنهم ولي الله شيخي محمد * هو الكفرسوسي الإمام المحبر ) ( بعلم واخلاص يزين ولم يزل * معينا لخلق الله للحق ينصر ) ( وعن زكرياء المقدم قد روى * وعن غيره ممن له الفضل يغزر ) وأثنى عليه ابن طولون في مواضع من تاريخه وألف شرحا على فرائض المنهاج ومجالس وعظية وتوفي ليلة السبت الثامن والعشرين من ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الفراديس وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي نسبة إلى قرية تسمى سودة شغب على ثلاث مراحل من صنعاء اليمن الشهير بعبد الهادي اليمني الشافعي قطب العارفين وسلطان العاشقين قال في النور كان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين درس وأفتى ثم طرأ عليه الجذب وذلك أنه كان يقرأ في الفقه على بعض العلماء فلما وصل إلى هذه المسألة والعبد لا يملك شيئا مع سيده كرر هذا السؤال على شيخه كالمستفهم واعترته عند ذلك هيبة عظيمة وبهت وحصل له الجذب وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى وأقواله تدل على تفننه في العلوم الظاهرية واطلاعه على الأخبار السالفة

(8/188)


189 والأمثال السائرة حتى كأن جميع العلوم ممثلة بين عينيه يختار منها الذي يريد ولا يعدل عن شيء إلا إلى ما هو خير منه وكان مولعا بشرب القهوة ليلا ونهارا وكان يطبخها بيده ولا يزال قدرها بين يديه وقد يجعل رجله تحتها في النار مكان الحطب وكان كلما أتى إليه من النذور إن كان من المأكولات طرحه فيها وإن كان من غيرها قذفه تحتها من ثوب نفيس أو عود أو غير ذلك وقيل إن عامر بن عبد الوهاب السلطان بعث إليه بخلعة نفيسة فألقاها تحتها فاحترقت فبلغ ذلك السلطان فغضب وأرسل يطلبها منه فأدخل يده في النار وأخرجها كما كانت ودفعها إليهم وقد أشار إلى هذا الشيخ عبد المعطي ابن حسن باكثير في موشحته التي عارض فيها شيخ الإسلام أبا الفتح المالكي وكلاهما قد مدح القهوة فقال ( قهوة البن جل مقصودي * في الخفا والعلن ) ( هام فيها إمامنا السودي * قطب أهل اليمن ) ( وطبخها بالند والعود * وبغالي الثمن ) ( من ثياب حرير مع قطن * فاخر الملبس ) ( وبذاكم خوارق تثنى * عليه لم تدرس ) ولما طرأ عليه الجذب صدرت عنه أمور وكرامات تدل على أنه من العارفين بالله تعالى وأخذ ينظم حينئذ فإنه ما وقع له نظم إلا بعد الجذب حتى حكى أنه ما كان يقوله إلا في حال الوارد مثل ابن الفارض فكان يكتب بالفحم على الجدران فإذا أفاق محى ما كان كتبه من ذلك فكان فقراؤه بعد أن علموا منه ذلك يبادرون بكتب ما وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه وحكى أن بعض المنشدين أنشد بين يديه قصيدة من نظمه فطرب لها وتمايل عليها ثم سأل عن قائلها فقيل أنها من نظمك فأنكر ذلك وقال حاشا ما قلت شيئا حاشا ما قلت شيئا ومن شعره الرائق

(8/189)


191 وعليه قبة عظيمة وكان للشيخ ولدان أحدهما عبد القادر والآخر محمد مات عبد القادر في حياة أبيه وخلف بنتا ولم يبق للشيخ عبد الهادي نسل إلا منها وأما محمد فعاش بعد والده وصار قاضيا بتعز ولما استولت الأروام على تعز لزموه وبعثوه إلى مصر فمات هناك في حدود الستين وتسعمائة وفيها القاضي أفضل الدين محمد بن محمد الرومي المصريي الحنفي الإمام العلامة قرأ الفقه على ابن قاسم وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر وكان دينا عاقلا وحج صحبته الشيخ أمين الدين الأقصرائي وتوفي بمصر في المحرم وفيها محب الدين محمد بن محمد الزيتوني العوفي نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه المصري الشافعي الفاضل البارع دخل إلى دمشق وأخذ عن البدر الغزي وأجازه بصحيح البخاري وبالتنبيه والمنهاج بعد أن قرأ عليه أكثرها وفيها شمس الدين محمد بن محمد الشهير بابن الغرس بالمعجمة المصري الحنفي العلامة ابن العلامة كان ذا يد في النحو والأعاريب وله شعر وافتقر في آخر عمره وسقم سنين بعد عز وترف ووجاهة فكان صابرا شاكرا وتوفي في ذي القعدة وفيها القاضي شمس الدين محمد السمديسي الحنفي أخذ عن رضوان العقبي وعبد الدايم والأزهري والشمس محمد بن أسد والقراءات عن جعفر السمنودي وأخذ عنه الشيخ بهاء الدين القليعي والشيخ علاء الدين المقدسي نزيل القاهرة الفقه والقراءات وسمعا منه كثيرا وهو صاحب فيض الغفار شرح المختار وتوفي في هذه السنة وفيها نور الدين محمود بن أبي بكر بن محمود قاضي القضاة المصري الأصل الحموي ثم الحلبي الشافعي سبط الشيخ أبي ذر بن الحافظ برهان الدين الحلبي ولي قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة فلما مر السلطان سليم على حماة ولاه قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة فلما مر السلطان سليم على حماة ولاه قضاءها أيضا ثم لما رجع السلطان سليم بدا لصاحب الترجمة أن يترك

تعليق المستخدم :سقطت ص 190
كتبه : عبد الرحمن الشامي

(8/191)


192 القضاء في هذه الدولة تورعا عما أحدثوه من المحصول والرسم فتركه وترك غيره من المناصب الحموية فأخرجت له براءة واحدة بنحو ثلاثين منصبا ما بين تدريس وتولية ثم أنه قطن حلب هو وولده وأخوه المقر أحمد وسكن بالمدرسة الشمسية بمحلة سويقة حاتم فلم يلبثوا إلا قليلا حتى ماتوا وكانت وفاة القاضي نور الدين في هذه السنة قاله في الكواكب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي الشافعي العلامة المعروف بفقيه اليشبكية بحلب لتأديبه الأطفال بها قال في الكواكب ولد بقرية عاده بمهملتين من القصير من أعمال حلب وانتقل مع والده إلى حلب صغيرا فقطن بها وحفظ القرآن العظيم ثم الحاوي ودخل إلى دمشق فعرضه على البدر بن قاضي شهبة والنجمي والتقوى ابني قاضي عجلون وسمع الحديث بها وبالقاهرة على جماعة وبحلب على الموفق أبي ذر وغيره وأجازه الشيخ خطاب وغيره قال ابن الشماع ولم يهتك بالحديث كما ظهر لي من كلامه وإنما اشتغل في القاهرة بالعلوم العقلية والنقلية وقال ابن الحنبلي كان دينا خيرا كثير التلاوة للقرآن معتقدا عند كل إنسان طارحا للتكلف سراحا في طريق التقشف مكفوف اللسان عن الاغتياب مثابرا على إفادة الطلاب إلى أن قال وقد انتفع به كثيرون في فنون كثيرة منها العربية والمنطق والحساب والفرائض والفقه والقراءات والتفسير قال وكنت ممن انتفع به في العربية والمنطق والتجويد قال ولما كف بصره رأى النبي في المنام فوضع يده الشريفة على إحدى عينيه قال فكانت لها بعد ذلك رؤية ما كما نقل لنا عنه صاحبنا الشيخ الصالح برهان الدين إبراهيم الصهيوني قال ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة انتهى

(8/192)


193 وفيها تقريبا تقي الدين أبو بكر بن عبد المحسن البغدادي الأصل الدمشقي الموقت بالجامع الأموي كان من أهل العلم وأخذ عن البدر الغزي وغيره وفيها بدر الدين أحمد بن قاضي القضاة تقي الدين أبي بكر بن محمود الحموي ثم الحلبي الشافعي الأصيل العريق ناظر أوقاف الحرمين الشريفين بحلب كان له حشمة ورياسة وذكاء عجيب واستحضار جيد لفرائد أصلية وفرعية غير أنه انضم إلى قرا قاضي مفتش أوقاف حلب وأملاكها وداخل أمور السلطنة وصار له عنده اليد النافذة وهرع الناس إليه فلما قتل قرا قاضي في هذه السنة في جامع حلب قتل معه وأراد العامة حرقه فاستخلصه منهم أهله وجماعته فغسلوه وكفنوه ودفنوه بمقبرة أقربائه وفيها عبد الرحمن ابن موسى المغربي التادلي المالكي نزيل دمشق قال في الكواكب كان رجلا فاضلا صالحا اختص بصحبة شيخ الإسلام الوالد وجعل نفسه كالنقيب لدرسه وقرأ عليه مختصر الشيخ خليل على مذهب الإمام مالك وقرأ عليه غير ذلك ثم سافر إلى الحجاز فمات في الطريق وفيها محي الدين عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يحيى بن نصر بن عبد الرزاق بن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني السيد الشريف الحموي القادري الشافعي نقل ابن الحنبلي عن ابن عمه القاضي جلال الدين التادفي أنه ترجمه في كتابه قلائد الجواهر فقال كان صالحا مهيبا وقورا حسن الخلق كريم النفس جميل الهيئة مع كيس وتواضع وبشر وحلم وحسن ملتقى لطيف الطبع حسن المحاضرة مزاحا لا يزال متبسما معظما عند الخاص والعام له حرمة وافرة وكلمة نافذة وهيبة عند الحكام وغيرهم انتهى وتوفي في أحدى الجمادين بحماة وفيها تقريبا كريم الدين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد إبراهيم الجعبري صاحب الشرح والمصنفات المشهورة قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة قاله في الكواكب

(8/193)


194 وفيها علاء الدين علي بن سلطان الحوراني الشافعي نزيل صالحية دمشق الشيخ الصالح الزاهد كان من أصحاب الشيخ محمد العمري بالمهملة والشيخ أبي الصفا الميداني صاحب الزاوية المشهورة به بميدان الحصا وكان قد قطن بالصالحية مدة يتعبد بها وكان لشيخ الإسلام كمال الدين بن حمزة فيه اعتقاد زائد وأوصى له بشيء عند موته وتوفي صاحب الترجمة في يوم الخميس مستهل ذي الحجة وفيها السيد كمال الدين محمد بن حمزة بن أحمد بن علي ابن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي الشهير بأبيه ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة واستجاز له والده من ابن حجر واشتغل في العلم على والده وخاليه النجمي والتقوى ابني قاضي عجلون وعلى غيرهم وبرع وفضل وتردد إلى مصر في الاشتغال ثم صار أحد شيوخ الإسلام المعول عليهم بدمشق فقها وأصولا وعربية وغير ذلك وولي افتاء دار العدل بدمشق وقصده الطلبة وكان إماما علامة جامعا لأشتات العلوم مع جلالة ومهابة وهيئة حسنة وكان يقرر دروسه بسكينة ووقار وتؤدة واحتشام مع حل المشكلات وانتفع به الطلبة مصرا وشاما وما والاهما وكان يدرس ويفتي وترك الافتاء آخرا بسبب محنة حصلت له من الغوري بسبب سؤال رفع إليه فيمن بنى بنيانا في مقبرة مسبلة هل يهدم أولا فكتب أنه يهدم فهدم على الفور وكان الحق في جوابه وأجاب خاله التقوى بن قاضي عجلون بعدم الهدم وهو غير المنقول وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الافتاء بذلك وشرح القصة يطول وولي المترجم مع تدريس البقعة بالجامع الأموي تدريس الشاميتين بدمشق والعزيزية والتقوية والأتابكية وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء العلامة تقي الدين بن القاري والعلامة بهاء الدين بن سالم والعلامة كمال الدين الكردي إمام الشامية البرانية وخطيبها والعلامة شمس الدين

(8/194)


195 ابن الكيال والعلامة برهان الدين الأخنائي والعلامة جلال الدين البصروي والعلامة زين الدين بن قاضي عجلون والعلامة جمال الدين ابن حمدان والعلامة برهان الدين بن حمزة والعلامة يعقوب الواعظ والعلامة شمس الدين الوفائي الواعظ والعلامة يونس العيثاوي والعلامة شهاب الدين الطيبي وغيرهم قال الشيخ يونس العيثاوي وكان السيد كمال الدين سبب ظهور شرح المنهاج للجلال المحلى بدمشق قال وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محل إقامتي فقلت بميدان الحصا فقال لي هذه المحلة خصها الله تعالى بثلاثة أباريه كل منهم انفرد بفن لا يشاركه فيه غيره الشيخ إبراهيم الناجي بعلم الحديث والشيخ إبراهيم القدسي بفن القراءات والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف انتهى ومدح المترجم أفاضل عصره منهم العلامة علاء الدين بن صدقة بقصيدة طنانة مطلعها ( لي في المحبة شاهد بفنائي * عند الأحبة وهو عين بقائي ) وهي طويلة وتوفي رحمه الله تعالى نهار الإثنين ثالث عشر رجب الفرد وصلى عليه بالجامع الأموي وصلى عليه أيضا الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف عند باب جامع جراح في جماعة ممن لم يكن صلى ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير وقال تلميذه تقي الدين القاري يرثيه ( توفي قرة العين الكمالي * وصرنا بعده في سوء حال ) ( ولكنا صبرنا واحتسبنا * وليس القلب بعد الصبر سال ) ( ومهما كان في الدنيا جميعا * فإن مصير ذاك إلى الزوال ) وفيها بهاء الدين محمد بن عبد الله بن علي بن خليل العاتكي الدمشقي الشافعي الإمام العالم البارع ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وأخذ عن التقي بن قاضي عجلون والكمال بن حمزة وغيرهما وتوفي بالقاهرة في رجب

(8/195)


196 وفيها شمس الدين أبو علي محمد بن علي بن عبد الرحمن الشهير بابن عراق الدمشقي نزيل المدينة المنورة الإمام العلامة العارف بالله تعالى المجمع على ولايته وجلالته القطب الرباني أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون قال في الشقائق كان رحمه الله تعالى من أولاد أمراء الجراكسة وكان من طائفة الجند على زي الأمراء وكان صاحب مال عظيم وجشمة وافرة ثم ترك الكل واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى السيد علي بن ميمون المغربي واشتغل بالرياضة عنده حتى حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوما في الأيام الحارة حتى خر يوما مغشيا عليه من شدة العطش وقرب من الموت فقالوا للشيخ أن ابن عراق قرب من الموت من شدة العطش فقال الشيخ إلي رحمة الله تعالى فكرروا عليه القول فلم يأذن في سقيه وقال صبوا على راحتيه الماء ففعلوا فقام على ضعف ودهشة فلم يمض على ذلك أيام إلا وقد انفتح عليه الطريق ونال ما يتمناه انتهى وذكر هو عن نفسه في كتابه المسمى بالسفينة العراقية في لباس خرقة الصوفية أنه ولد في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وقرأ القرآن بالتجويد على الشيخ عمر الداراني قرأ عليه ختمات وعلى الشيخ إبراهيم القدسي قرأ عليه يويمات ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدين عرفة ثم جود ختمة لابن كثير وأفرد لرواييه على الشيخ عمر الصهيوني وجود عليه الخط أيضا وأخذ عنه علم الرماية ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات وفي أثنائها مات والده في سنة خمس وتسعين وثمانمائة وتزوج في تلك السنة ثم توجه إلى بيروت بنية استيفاء اقطاع والده فسمع وهو ببيروت برجل من الأولياء فيها يسمى سيدي محمد الرائق فزاره ودعا له وقال له لا خيب الله سعيك ثم رجع إلى دمشق واشتغل بالفروسية والرمي والصيد ولعب الشطرنج والنرد والنقاف والتنعم بالمأكولات والملبوسات وإنشاء الاقطاع والفدادين ولم يزل مع هذه الأمور مواظبا على الصلوات وزيارة الصالحين وحب الفقراء

(8/196)


197 والمساكين حتى تم له خمسة أعوام ولم ييسر له من يوقظه من هذا المنام حتى كان يوم جمعة صادف فيه الشيخ إبراهيم الناجي في جبانة الباب الصغير وهو راجع من ميعاده فنزل سيدي محمد عن فرسه إجلالا للشيخ وسلم عليه فقال الشيخ من يكون هذا الإنسان فقيل له فلان ابن فلان فأهل به ورحب وترحم على والده فسأله سيدي محمد أن يدعو له أن ينقذه الله مما هو فيه فقال له لو حضرت الميعاد ولازمتنا لحصل الخير فكان بعد ذلك يحضر مواعيد الشيخ وحصلت له بركته واستمر في صحبته حتى مات ولبس منه خرقة التصوف وأخذ عنه وعن الشيخ أبي الفضل بن الإمام وعن الشهاب بن مكية النابلسي علم التفسير والحديث والفقه وأخذ الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم الشيخ أبو الفتح المزي والشيخ محمد بن نصير والشيخ علي المصري وكان مع ذلك يصحب الصالحين والفقراء الصادقين مثل الشيخ محمد بن البزة والشيخ محمد يعقوب وأضرا بهما إلى أن لاحت له ناصية الفلاح وجاءه المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح وذلك مستهل سنة أربع وتسعمائة فكان كماله على يديه ودخل مصر سنة خمس فاجتمع بجماعة من الأعلام من أعلمهم وأفضلهم القاضي زكريا والجلال السيوطي والدمياطي واجتمع بجماعة من الألياء منهم الشيخ عبد القادر الدشطوطي وأبو المكارم الهيتي وابن حبيب الصفدي واضرابهم وحصلت له بركتهم ثم عاد في بحر النيل إلى دمياط واجتمع فيها بعلماء أخيار منهم الشيخ أحمد البيجوري وحضر دروسه وألف له منسكا جامعا وحصل من العلم في البلدتين المذكورتين ما لم يحصله غيره في مدة طويلة ثم رجع إلى الشام وأقام بها حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة فبعث إليه كتابا يدعوه فسار إليه مسرعا وأقام عنده بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علما من الله وهدى ثم أذن له بالمسير إلى بيروت فسار إليها وقعد لتربية

(8/197)


198 المريدين وألف في مدة إقامته بها أربعة وعشرين كتابا في طريق القوم فلما بلغ شيخه ذلك تطور عليه وكتب إليه أن يلقاه بالكتب إلى دمشق وقدم على شيخه وهو عند والدته بدمشق في سابع عشرى رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة ونزل بالصالحية فسار إليه سيدي محمد وتلقاه بالسلام والإكرام غير أنه استدعاه في ذلك المجلس وقال له يا خائن يا كذاب عمن أخذت هذا القيل والقال فقال له سيدي محمد يا سيدي قد أتيناك بالموبقات فافعل فيها ما تشاء فغسلها سيدي علي ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب ثم لزمه سيد محمد هو ووالدته وأهله وسكن بهم عنده بالصالحية وقدمه شيخه على بقية جماعته في الإمامة وافتتاح الورد والذكر بالجماعة وبقي عنده هو وأهله على قدم التجريد حتى انتقل سيدي علي إلى مجدل مغوش فسافر معه وبقي عنده حتى توفي وفي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت وبنى بها دارا لعياله ورباطا لفقرائه ثم انتقل إلى غوطة دمشق ونزل بقرية سقبا وانقطع بها عنده جماعة ثم ذهب سيدي محمد بعياله إلى الحج ماشيا سنة أربع وعشرين وقطن بالمدينة وتردد بين الحرمين مرارا وحج مرات وقصد بالمدينة للإرشاد والتربية واشتهر بالولاية بل بالقطبية وبالجملة فقد كان في عصره مفردا علما وإماما في علمي الحقيقة والشريعة مقدما وليثا على النفس قادرا وغيثا لبقاع الأرض ماطرا قال بعضهم مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم ومن آثاره بدمشق لما كان قاطنا بصالحيتها عمارته للرصفان بدرب الصالحية وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم وممن أخذ عنه أولاده الثلاثة سيدي والشيخ عبد النافع والنعمان والشيخ قطب الدين عيسى الأيجي الصفوي وصاحبه الشيخ محمد الأيجي ثم الصالحي والعارف بالله تعالى الشيخ أحمد الداجاني المقدسي والشسخ موسى الكناوي ثم الدمشقي والشيخ محمد البزوري وغيرهم قال الشيخ موسى الكناني ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة

(8/198)


199 اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف ودعا لي وأعطاني شيئا من التمر وكان ذلك آخر العهد به إلى أن قال وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة أبيض الوجه لحيته إلى شقرة مربوع القامة وقال أبو البركات البزوري رضي الله عنه اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن عراق فسألني ما اسمك قلت بركات فقال بل أنت محمد أبو البركات ثم صافحني ولقنني الذكر ودعا لي وحرضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها ( بدأت ببسم الله والحمد أولا * على نعم لم تحص فيما تنزلا ) قال في كل ليلة أحسبه قال بين المغرب والعشاء قال النجم الغزي قلت لشيخنا أبي البركات هذه القصيدة اللامية هي من نظم سيدي محمد بن عراق قال نعم هي من نظمه وأنا أخذتها عنه فلازم على قراءتها فإنها نافعة قلت له يا سيدي فنحن نرويها عنكم عن سيدي محمد بن عراق قال نعم ومن مؤلفات سيدي محمد بن عراق كتاب المنح الغنائية والنفحات المكية وكتاب هداية الثقلين في فضل الحرمين وكتاب مواهب الرحمن في كشف عورات الشيطان ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية في سائر الآفاق خصوصا بمكة العلية والمدينة المرضية وكتاب السفينة العراقية وكتاب سفينة النجاه لمن إلى الله التجاه ورسالة في صفات أولياء الله تعالى وما ينسب تأليفه إليه حزب الاشراق ومن شعره ( كلام قديم لا يمل سماعه * تنزه عن قولي وفعلي ونيتي ) ( به أشتفي من كل داء وأنه * دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي ) ( فيا رب متعني بحفظ حروفه * ونور به قلبي وسمعي ومقلتي ) وتوفي على المعتمد بمكة المشرفة يوم الثلاثاء رابع عشرى صفر ودفن من الغد بباب المعلى عن أربع وخمسين سنة تقريبا وفيها بهاء الدين محمد

(8/199)


200 ابن الشيخ العالم علاء الدين علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن مهنا بن محمد بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي المعروف بابن سالم الإمام العلامة ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وأخذ العلم عن أبيه وعن التقوى بن قاضي عجلون والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهم وكان عالما عاملا خيرا حج وجاور وتوفي بالقاهرة في رجب وفيها شمس الدين محمد بن علي المعروف بابن هلال الشافعي النحوي العرضي الأصل ثم الحلبي اشتغل بحلب على الشيخ محمد الدايخي والعلاء الموصلي فلم يبلغ مطلوبه فارتحل إلى القاهرة ولزم الشيخ خالد مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد فقدم حلب ودرس بجامعها وألف عدة كتب منها حاشية على تفسير البيضاوي وشرح على المراح وشرح على تصريف الزنجاني سماه بالتظريف على التصريف ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيمانا مقبولا وغض منه ابن الحنبلي كثيرا وقال كان له شعر يابس وفيه هجو فاحش وتوفي يوم الأربعاء سادس عشر القعدة سنة أربع وثلاثين وتسعمائة فيها كما قال في النور أخذ الإمام الجراد أحمد مدينة هرمز من بلاد الحبشة وضعف عن مقاومته سلطانها ولم يزل أمره يعظم حتى صار إلى ما صار إليه واستفتح كثيرا من بلاد الحبشة وقهر الكفار وواظب على الجهاد والغزو في سبيل الله تعالى ونقل عنه في ذلك ما يبهر العقول حتى قيل ما تشبه فتوحاته إلا بفتوحات الصحابة وناهيك بمن يكون بهذه المثابة وحكى من أمر شجاعته واجراء أموره على قوانين الشريعة المطهرة شيء كثير انتهى وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الدمشقي المالكي ابن أخي القاضي شعيب الشافعي قال في الكواكب كان من رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي وكانت عنده تواضع قال ابن طولون وأوقفني على منظومة

(8/200)


201 في علم المعاني والبيان حج في آخر عمره ورجع من الحج متضعفا واستمر مدة إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم ودفن بباب الصغير وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن أبي بكر ابن عثمان الأنصاري الحمصي الدمشقي الشافعي الإمام العلامة الخطيب البليغ المحدث المؤرخ يتصل نسبه بعبد الله بن زيد الأنصاري ولد سنة إحدى أو ثلاث وخمسين وثمانمائة واعتنى بالحديث والعلم وأخذ عن جماعة من الشاميين والمصريين وفوض إليه القضاء قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور ثم سافر إلى مصر وفوض إليه القضاء أيضا قاضي القضاة زكريا الأنصاري وكان يخطب مكانه بقلعة الجبل وكان الغوري يميل إلى خطبته ويختار تقديمه لفصاحته ونداوة صوته ثم رجع إلى دمشق في شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة وخطب بجامعها عن قاضي قضاة الشافعية اللولوي بن الفرفور وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن بباب الفراديس وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن عمران المقدسي الحنفي سمع بقراءة الشهابي أحمد بن عبد الحق السنباطي على البرهان القلقشندي وحصل وبرع وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن الصايغ المصري الحنفي أخذ عن الشيخ أمين الدين الأقصرائي والشيخ تقي الدين الشمني والكافيجي والأمشاطي وغيرهم وأجازوه بالفتيا والتدريس وكان إماما بارعا علامة في العلوم الشرعية والعقلية وله باع في الطب ولم يتعلق بشيء من الوظائف وعرضت عليه عدة وظائف فلم يقبلها وكان يؤثر الخمول ويقول أحب شيء إلي أن ينساني الناس فلا يأتوني وكان حسن الأخلاق حلو اللسان متواضعا قليل التردد إلى الناس يدرس في البيضاوي وغيره رحمه الله تعالى وفيها تقريبا أيضا شهاب الدين أحمد المسري المصري الشافعي الإمام العلامة كان بارعا في العلوم الشرعية والعقلية رث الهيئة مع الهيبة والوقار صغير

(8/201)


202 العمامة يقصده الناس في الشفاعات وقضاء الحوائج عند الأمراء والأكابر وكان مسموع الكلمة عندهم ينقادون إليه ولا يردون له شفاعة لزهده فيما في أيديهم وكان كثيرا ما يأتيه الفقير يسأله الشفاعة وهو يدرس فيترك الدرس ويقوم معه ويقول هذه ضرورة ناجزة وضرورة الحاجة إلى العلم متراخية رحمه الله تعالى وفيها عماد الدين إسماعيل بن مقبل بن محمد الغزاوي الحنفي الشيخ المفيد العالم المصري قال ابن طولون صاحبنا حفظ القرآن ببلده غزة وتلا للسبع ثم مجمع البحرين وقدم دمشق في سن الطفولة فحله على الشمسي بن رمضان شيخ القجماسية وكان نازلا بها وسمع عليه أشياء وعلى غيره ثم عاد إلى غزة إلى أن توفي والده فعاد إلى دمشق وأم بالجامع التنكزي إلى أن مات يوم الخميس تاسع عشرى صفر ودفن بتربة باب الصغير انتهى وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد المدرني الحنفي الفاضل المرشد أحد مشايخ الروم ومواليها مات والده الشيخ محمد شاه وهو شاب في تحصيل العلم وقرأ على المولى عبد الرحيم بن علاء الدين العربي والمولى محمد القرماني وكان في بدايته تابعا لهوى نفسه فرأى ليلة أباه في منامه قد ضربه ضربا شديدا ووبخه على فعله فلما أصبح ذهب إلى الشيخ رمضان المتوطن بأدرنة وتاب على يديه ودخل الخلوة وارتاض وجاهد ونال منالا عظيما حتى أجازه بالإرشاد فرجع إلى وطنه وأقام هناك يرشد ويدرس ويعظ وكان له مشاركة في سائر العلوم وله خط حسن وكان من محاسن الأيام رحمه الله تعالى وفيها محي الدين عبد القادر بن أبي بكر بن سعيد الحلبي الشافعي المشهور بابن سعيد كان جده سعيد هذا يهوديا فأسلم واشتغل صاحب الترجمة بالعلم في حلب على العلاء الموصلي ومنلا حبيب الله العجمي وأخذ عن الكمال بن أبي شريف ببيت المقدس وكان ذا همة عالية في النسخ ورحل إلى دمشق

(8/202)


203 والقاهرة قال ابن طولون قدم دمشق إماما لقصروه نائب حلب فقرأ عليه صاحبنا العلامة نجم الدين الزهيري المتوفى قبله وكانت له شهرة ولديه رياسة ثم عاد إلى حلب وصار مفتي دار العدل بها في الدولة الجركسية وولي المناصب في الدولة العثمانية مشيخة التغرمشية ومشيخة الزينبية ونظرها ونظر جامع الأطروش وتوفي بحلب في رجب وفيها تاج الدين عبد الوهاب ابن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشيخ الفاضل أخو الشيخ الإمام شمس الدين الكنجي المتقدم ذكره عني بالفرائض والحساب قال في الكواكب ولزم شيخ الإسلام الوالد كثيرا وقرأ عليه في شرح المنهاج للمحلى وغالب ترتيب المجموع في الفرائض مع أنه قرأه على مؤلفه الشيخ بدر الدين المارديني قال شيخ الإسلام الوالد وذكره في فهرست تلاميذه وهو وأخوه عماي من الرضاع قال وهو ممن أذهب عمره في الحساب مع جمود فيه وغالب عليه الحمق وقلة العقل وعدم حساب العواقب ثم قال توفي يوم الإثنين تاسع عشر شوال انتهى وفيها أبو الفضل علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشافعي نزيل دمشق الإمام العالم العلامة ولد في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثمانمائة ببيت المقدس وأخذ الفقه عن الشهاب الحجازي والسيد علاء الدين الأيجي والشيخ ماهر المصري وهو أعلى شيوخه في الفقه وتفقه أيضا بالكمال ابن أبي شريف ورحل إلى مصر فأخذ عن علمائها الفقه والحديث منهم شيخ الإسلام زكريا والتاج العبادي ورحل إلى دمشق واستوطنها وحضر دروس شيخ مشايخ الإسلام زين الدين خطاب والنجم بن قاضي عجلون وغيرهما ورافق الشيخ تقي الدين البلاطنسي والبهاء الفصي البعلي وغيرهما من الأجلة وجاور بمكة مع الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون وتزوج بمكة وحضر دروس قاضي القضاة ابن ظهيرة الشافعي وعاد إلى دمشق مستوطنا بعياله يفتي ويدرس بالجامع الأموي وبيض التحرير للنجم بن قاضي عجلون

(8/203)


204 وزاد فيه فوائد مهمة وله كتاب مر النسيم في فوائد التقسيم وكان حافظا لكتاب الله تعالى له همة مع الطلبة ومهابة ومودة للخاص والعام ونفس غنية وكان متقللا من الوظائف وتمنى الموت لفتنة حصلت له لما دخلت الدولة العثمانية ومن شعره يشير إلى ذلك ( ليت شعري من على الشام دعا * بدعاء خالص قد سمعا ) ( فكساها ظلمة مع وحشة * فهي تبكينا ونبكيها معا ) ( قد دعا من مسه الضر * من الظلم والجور اللذين اجتمعا ) ( فعلا الحجب الدعا فانبعثت * غارة الله بما قد وقعا ) ( فأصاب الشام ما حل بها * سنة الله الذي قد أبدعا ) وتوفي نهار الأحد خامس عشر صفر ودفن بباب الصغير وفيها السيد علاء الدين علي بن محمد الحسيني العجلوني ثم البروسوي المعروف بالحديدي خليفة الشيخ العارف بالله تعالى أبي السعود الجارحي توطن بروسا من بلاد الروم نحو ثلاثين سنة ثم حج وعاد إلى القاهرة وكان له عبث بعلم الوفق والأسماء وصناعة الكيميا وكان له أسانيد عالية رحمه الله تعالى وفيها محي الدين محمد بن سعيد الشيخ الإمام العلامة المعروف بابن سعيد قدم دمشق فصار إماما لنائبها قصروه وقرأ عليه عدة من الأفاضل وصارت له كلمة مسموعة وتوفي بحلب في هذه السنة وفيها شمس الدين محمد بن علي الحريري الحلبي الحنفي المعروف بابن السيوفي تعلم القراءة والكتابة على كبر وتفقه بالزين بن فخر النساء وأخذ عن الزين بن الشماع قال ابن الحنبلي وكان يترجى أن يعمل كتابا في فقه الحنفية يرتب فيه ذكر المسائل على ترتيب منهاج النووي قال وكان عبدا صالحا ملك كتبا كثيرة انتهى وفيها القاضي نجم الدين محمد الزهيري الحنفي الشيخ الفاضل كان نائب

(8/204)


205 الباب بدمشق وكان بيده تدريس الريحانية والمرشدية والمقدسية البرانية والعزية البرانية وقد كان عمرها وجدد قاعة المدرس بها وأقام فيها الجمعة وكان لها سنون بطالة نحو ثلاثين سنة مع إحسانه إلى مستحقيها ولما مات بطل ذلك وتوفي في سلخ ربيع الأول وفيها محي الدين محمد الرومي المولى الفاضل الشهير بابن المعمار الحنفي خدم المولى محمد بن الحاج حسن ثم درس باسكوب ثم بمدرسة الوزير محمود باشا ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ثم بإحدى الثمانية ثم ولي قضاء حلب ثم أعيد إلى إحدى الثمانية وعين له كل يوم ثمانون عثمانيا ثم أعيد إلى قضاء حلب ومات بها وفيها مجير الدين الرملي الشيخ الفاضل أحد العدول بدمشق قال ابن طولون كان صالحا وعنده فضيلة وببصره بعض تكسر مات رحمه الله يوم الثلاثاء ثامن عشرى ربيع الأول وفيها نور الدين محمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر القرشي البكري الحلبي الشافعي الأصيل المعمر الجليل خطيب المقام بقلعة حلب وابن خطيبه أخذ عن الحافظ أبي ذر بن الحافظ برهان الدين الحلبي وأخذ عنه ابن الحنبلي ووالده الحديث المسلسل بالأولية واستجازاه فأجاز لهما وتوفي نهار الأحد حادي عشرى ربيع الآخر بحلب ودفن بمقابر الصالحين وفيها المولى مصلح الدين مصطفى المشهور بحاكي الحنفي أحد الموالي الرومية كان رحمه الله تعالى حائكا ولما بلغ سن الأربعين رغب في العلم وبرع فيه وصار مدرسا ببلده تيره وصحب العارف بالله تعالى محمد الجمالي والعارف بالله أمير البخاري ثم انقطع عن التدريس وتقاعد بثلاثين عثمانيا وكان يكتب على الفتوى ويأخذ عليها أجرا وكان يحيى أكثر الليل وربما غلب عليه الحال في الصلاة سنة خمس وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي

(8/205)


206 الحنبلي ثم الشافعي العارف بالله تعالى ولد في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثمانمائة وقرأ على البدر الغزي في الأصول والعربية وغير ذلك وقرأ عليه البخاري كاملا في ستة أيام أولها يوم السبت حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة وصحيح مسلم كاملا في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين في خمسة أيام متفرقة في عشرين يوما وقرأ عليه نصف الشفا الأول وغير ذلك وترجمه البدر بأنه كان من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم وتوفي شهيدا بالبطن يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان وفيها المولى برهان الدين إبراهيم الحسيب النسيب أحد موالي الروم الحنفي كان والده من سادات العجم رحل إلى الروم وتوطن قرية من قرى أماسية يقال لها قريكجه وكان من أكابر أولياء الله تعالى وله كرامات وخوارق منها أنه كف بصره في آخر عمره فكشف ولده السيد إبراهيم المذكور رأسه بين يديه يوما فقال له يا ولدي لا تكشف رأسك ربما يضرك الهواء البارد فقال له ولده كيف رأيتني وأنت بهذه الحالة قال سألت الله أن يريني وجهك فمكنني من ذلك فصادف نظري انكشاف رأسك ونشأ ولده المذكور في حجره بعفة وصيانة ورحل في طلب العلم إلى مدينة بروسا فقرأ على الشيخ سنان الدين ثم اتصل بخدمة المولى حسن الساموني ثم رغب في خدمة المولى خواجه زاده ثم ولي التدريس حتى صار مدرسا بمدرسة السلطان بايزيد كل يوم بمائة عثماني على وجه التقاعد ولما جلس السلطان سليم على سرير الملك اشترى له دارا في جوار أبي أيوب الأنصاري والآن هي وقف وقفها السيد إبراهيم على من يكون مدرسا بمدرسة أبي أيوب وكان مجردا لم يتزوج في عمره بعد أن أبرم عليه والده في التزوج وكان منقطعا عن الناس للعلم والعبادة زاهدا ورعا يستوي عنده الذهب والمدر ذا عفة ونزاهة وحسن سمت وأدب واجتهاد ما رؤي إلا جاثيا على ركبتيه ولم يضطجع

(8/206)


207 أبدا مع كبر سنه وكان طويل القامة كبير اللحية حسن الشيبة يتلألأ وجهه نورا متواضعا خاشعا يرحم الصغير ويجل الكبير ويكثر الصدقة وكف في آخر عمره ثم عولج فأبصر ببعض بصره وتوفي في هذه السنة ودفن عند جامع أبي أيوب الأنصاري رحمه الله تعالى وفيها المولى جلال الدين الرومي الحنفي الفاضل خدم المولى محمد بن الحاج حسن ثم صار مدرسا بمدرسة المولى المذكور بالقسطنطينية ثم صار قاضيا بعدة من البلاد ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا وصرف جميع أوقاته في العلم والعبادة وكان محققا مدققا ذا شيبة نيرة بقية من الصالحين وفيها داود بن سليمان القصيري الشافعي الفقيه البارع أخو الشيخ عبد وأخذ الفقه عن جماعة وبرع فيه وفيها عبد الرزاق الترابي المصري الشيخ الصالح الورع الزاهد أخذ الطريق عن سيدي علي النبتيتي وسيدي أحمد الترابي والشيخ نجا النبتيتي وكان على قدم عظيم من الزهد والورع وأقبل الناس عليه بالاعتقاد بعد موت شيخه الشيخ نجا وله رسالة في الطريق ونظم لطيف انتقل من الريف إلى مصر وأقام بها مدة ثم انتقل إلى الجيزة فأقام بها إلى أن مات ومن كراماته أنه طلع مرة إلى الأمير خير بك وإلى مصر في شفاعة فلم يقبلها وأغلظ على الشيخ فخرجت له تلك الليلة جمرة ومات منها بعد سبعة أيام وفيها الشيخ عبيد الدنجاوي ثم البلقيني المصري العارف بالله تعالى أحد أصحاب الشيخ محمد الكركبي الحلبي دخل مصر من قبل الشام في زمن السلطان قايتباي وكان يعتقده أشد الاعتقاد وكان وظيفته خدمة شيخه المذكور حتى كان في كاهله أثر من حمل الماء وغيره على ظهره وكان مشغولا بالخدمة لا يحضر مع أصحاب شيخه أو رادهم قط فلما حضرت شيخه الوفاة تطاول ذو الهيئات للأذن فلم يلتفت إلى أحد منهم وقال هاتوا عبيد فلأذن له بحضرتهم فحسدوه وكادوا يقتلونه فسافر إلى مصر ودخلها مجذوبا عريان

(8/207)


208 ليس عليه سوى سراويل وطرطور وكلاهما من جلد ثم ذهب إلى الصعيد وأقام بها مدة ثم سكن بلقين وعمر بها زاوية وأقبل الناس عليه من سائر الآفاق ونزل السلطان إلى زيارته ثم سكن في مصر في الزاوية الحلاوية عمرها له الغوري وكان ينزل هو وولده إلى زيارته ثم ترك لباس الجلد وصار يلبس الملابس الفاخرة كملابس الملوك وكان له سبعة نقباء لقضاء حوايج الناس عند السلطان فمن دونه وكان لا ترد له كلمة ولا شفاعة وكان لا يرد سائلا قط ومن سأله درهما أعطاه ما يساوي خمسين دينارا أو ما يقرب منها وتوفي في جمادى الآولى وفيها قاضي القضاة نجم الدين محمد بن شيخ مشايخ الإسلام تقي الدين أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن قاضي عجلون الشافعي الإمام العلامة ولد بدمشق سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة واشتغل على والده ودرس عنه نيابة بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وولي خطابة جامع يلبغا وفوض إليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور نيابة الحكم يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعمائة ولما رجع مع أبيه إلى القاهرة في حادثة محب الدين ناظر الجيوش ولاه الغوري قضاء القضاة بالشام استقلالا وذلك في سنة أربع عشرة واعتقل بقلعة دمشق في جامعها عشية الخميس تاسع عشرى جمادى الآخرة سنة خمس عشرة ثم عزل في ثاني القعدة منها وأعيد القاضي ولي الدين بن الفرفور وتوفي القاضي نجم الدين ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني ودفن عند والده بتربة باب الصغير وفيها شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن سالم الجناجي بجيمين الأولى مضمومة بينهما نون خفيفة نسبة لجناج قرية بين البحرارية وسنهور من الغربية ثم القاهري الأزهري المكي المالكي وربما عرف بمكة بابن وحشي ولد سنة ستين وثمانمائة تقريبا وحفظ القرآن العظيم ونحو النصف الأول

(8/208)


209 من مختصر الشيخ خليل ومن ألفية النحو واشتغل في الفقه والعربية على السنهوري وغيره وقرأ على الديمي البخاري وسمع على الكمال بن أبي شريف في مسلم وعلى الشاوي في البخاري بحضرة الخيضري كذا ذكره السخاوي قال وحج غير مرة ولقيني في سنة سبع وتسعين بمكة فقرأ على الموطأ ونحو النصف من الشفا بسماع باقيه ولازمني في غير ذلك سماعا وتفهما انتهى باختصار وتوفي بمكة المشرفة في ربيع الثاني ودفن بالمعلاة وفيها القاضي رضى الدين أبو الفضل محمد بن رضى الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن بدر بن بدري بن عثمان بن جابر بن ثعلب بن ضوى بن شداد ابن عاد بن مفرج بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن جحيش بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب كذا ساق نسبه حفيده النجم في الكواكب وقال الشيخ الإمام شيخ الإسلام المحقق المدقق العمدة العلامة الحجة الفهامة الغزي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة العامري القرشي الشافعي جدي لأبي ولد في صبيحة اليوم العاشر من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وثمانمائة وتوفي والده شيخ الإسلام زين الدين خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي الشافعي شيخ الشافعية بدمشق فرباه أحسن تربية إلى أن ترعرع وطلب العلم بنفسه مشمرا عن ساق الاجتهاد مؤثرا لطريقة التصوف ومنعزلا عن الناس في زاوية جده لأمه سيدي الشيخ أحمد الأقباعي بعين اللؤلؤة خارج دمشق إلى أن برع في علمي الشريعة والحقيقة ولازم الشيخ خطاب مدة حياته وتفقه عليه وانتفع به ثم تزوج ابنته بالتماس منه ولزم أيضا الشيخ محب الدين محمد البصروي فأخذ عنه الفقه والحديث والأصول والعروض ثم لزم الشيخ برهان الدين الزرعي وأخذ عنه الحديث وغيره وولده الشيخ شهاب الدين أحمد وأخذ عنه المعقولات والمعاني والبيان والعربية وتفقه أيضا بالبدر بن قاضي شهبة والشيخ شمس الدين محمد بن حامد الصفدي وغيرهم وكان رحمه الله تعالى

(8/209)


210 ممن قطع عمره في العلم طلبا وإفادة وجمعا وتصنيفا أفتى ودرس وولي القضاء نيابة عن قريبه القطب الخيضري وسنه إذ ذاك دون العشرين سنة ثم عن الشهاب بن الفرفور ثم عن ولده القاضي ولي الدين بعد أن تنزه عن الحكم ثم ألزم به من قبل السلطان سليم خان وباشر مدة ولايته القضاء بعفة ونزاهة وطهارة يد ولسان وقيام في الحق لا يحابى أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم وهو آخر قضاة العدل وممن أخذ عنه ولده شيخ الإسلام بدر الدين وأبو الحسن البكري وأمين الدين بن النجار المصري والسيد عبد الرحيم العباسي والبدر العلائي وغيرهم ومن مؤلفاته الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع في الأصول وألفية في التصوف سماها الجوهر الفريد في أدب الصوفي والمريد وألفية في اللغة نظم فيها فصيح ثعلب وألفية في علم الهيئة وألفية في علم الطب ومنظومة في علم الخط ونظم رسالة السيد الشريف في علمي المنطق والجدل ووضع على نظمه شرحا نفيسا وألف مختصرا في علمي المعاني والبيان سماه بالافصاح عن لب الفوائد والتلخيص والمفتاح ووضع عليه شرحا حافلا وشرح أرجوزة البارزي في المعاني والبيان وشرح عقيدة جمع الجوامع ونظم عقائد الغزالي وعقائد لبعض الحنفية نخبة الفكر لابن حجر في علم الحديث وقلائد العقيان في مورثات الفقر والنسيان للشيخ إبراهيم الناجي وألف كتاب الملاحة في علم الفلاحة وغير ذلك ومن شعره ( ما كان بكر علومي قط يخطبها * إلا ذوو جدة بالفضل أكفاء ) ( وغض منه ذوو جهل معازرة * والجاهلون لأهل العلم أعداء ) وتوفي في شوال عن ثلاث وسبعين سنة ودفن بمقبرة الشيخ رسلان انتهى باختصار وفيها شمس الدين أبو البركات محمد بن العلامة شمس الدين محمد بن حسن

(8/210)


211 البابي الأصل الحلبي الشهير كأبيه بابن البيلوني وبإمام السفاحية سمع بقراءة أبيه على الكمال بن الناسخ من أول صحيح البخاري إلى تفسير سورة مريم وسمع على الزين بن الشماع الشمايل للترمذي وأجازا له وقرأ على العلاء الموصلي في شرح الألفية لابن عقيل ودرس بالحجازية وكان له حظوة عند قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري وكان له حركة وسعى في تحصيل الدنيا فعرض له شيخه ابن الشماع في ذلك فذكر أنه إنما يطلب الدنيا للاكتفاء عن الحاجة إلى الناس والاستعانة على الاشتغال بالعلم والتوسعة على المحتاجين في وجوه البر وتوفي بمنبج وهو دون الأربعين ودفن وراء ضريح سيدي عقيل المنبجي وفيها شهاب الدين محمد الحلبي المصري الإمام العالم توفي في أوائل هذه السنة وفيها محي الدين محمد الشهير بابن قوطاس المولى الفاضل الرومي الحنفي كان أبوه من بلاد العجم ودخل الروم وصار قاضيا ببعض بلادها واشتغل ابنه هذا على جماعة منهم المولى ابن المؤيد والمولى محمد بن الحاج حسن ثم ولي التداريس حتى درس باسحاقية اسكوب ثم بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية وتوفي وهو مدرس بها وكان فاضلا محققا مجتهدا في العبادة ملازما تلاوة القرآن طارحا للتكلف رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد الحصني السيد الحسيب النسيب قريب شيخ الإسلام تقي الدين الحصني رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة وتوفي بها وكان إماما علامة صالحا رحمه الله تعالى وفيها محمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل الحلبي المولد الحنفي المشهور بابن طليان ولي خطابة الجامع الكبير بحلب في أوائل الدولة العثمانية وكان فقيها جيدا يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم لكن كان عنده حدة وحج في آخر عمره وتوفي في شهر رمضان وفيها المولى مصلح الدين مصطفى بن

(8/211)


212 خليل والد صاحب الشقائق النعمانية ولد ببلدة طاش كبرى سنة خمس وخمسين وثمانمائة وهي السنة التي فتحت فيها قسطنطينية وقرأ على والده ثم على خاله المولى التكشاري ثم على المولى درويش بن المولى خضر شاه المدرس بسلطانية بروسا ثم على المولى بهاء الدين المدرس بإحدى الثمانية ثم على المولى ابن مغيسا ثم على المولى قاضي زاده ثم على المولى علاء الدين العربي ثم على المولى خواجه زاده ثم درس بالأسدية ببروسا ثم بالمدرسة البيضاء بأنقرة ثم بالسيفية بها ثم باسحاقية اسكوب ثم بحلبية أدرنة ثم صار معلما للسلطان سليم خان ثم أعطى تدريس السلطانية ببروسا ثم إحدى الثمانية وثم صار قاضيا بحلب ثم استعفى من القضاء وعرض وصية والده له في ذلك على السلطان وكان عالما زاهدا عابدا متأدبا مشتغلا بنفسه معرضا عن الدنيا وله رسائل وحواش على نبذ من شرح المفتاح ورسالة في الفرائض وغير ذلك رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزبيدي ثم الحسوي المالكي الإمام العلامة قال في الكواكب لازم شيخ الإسلام الوالد سنين وقرأ عليه في الفقه على مذهب الشافعي وفي ألفية ابن مالك وقرأ عليه شرحه المنظوم على الألفية انتهى وفيها برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حمزة الدمشقي الشافعي الإمام العلامة قال الشيخ يونس العيثاوي كان رفيقا في الاشتغال ووالده من أهل العلم الكبار وكان هو شابا مهيبا له يد طولى في المعقولات دأب وحصل وجمع بين طرفي المنهاج على شيخنا البلاطنسي ورافقنا على السيد كمال الدين بن حمزة مع الأجلة الأكابر وله أبحاث عالية وهمة سامية طارح للتكلف سكن المدرسة ومات بها ليلة الثلاثاء سابع ربيع الأول

(8/212)


213 ودفن بباب الفراديس انتهى وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد ابن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي بكر البلاطنسي الشافعي الحافظ شيخ مشايخ الإسلام العلامة المحقق الناقد المجتهد ولد يوم الجمعة عاشر رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وأخذ العلم عن والده وعن الزين خطاب والبدر ابن قاضي شهبة وشيخي الإسلام النجمي والتقوى ابني قاضي عجلون والجمال ابن الباعوني والعلاء الأيجي والبرهان الناجي والشهاب الأذرعي وغيرهم قال الشيخ يونس العيثاوي وهو تلميذه هو من بيت صلاح وعلم سمعت مدحه بذلك من السيد كمال الدين بن حمزة ودخل دمشق في طلب العلم وأخذ عن علمائها المشار إليهم ثم استوطنها ولم يتناول من أوقافها شيئا وكان يجلس في البادرائية وأرسل إليه بأموال ووظائف فلم يقبل وكان عالما عاملا ورعا كاملا له مهابة في قلوب الفقهاء والحكام يرجع إليه في المشكلات لا يتردد إلى أحد لغناه وله همة مع الطلبة ونصيحة واعتناء بالعلم أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم لا يداهن في الحق له حالة مع الله تعالى يستغاث بدعائه ويتبرك بلحظه قائما بنصرة الشريعة حاملا لواء الإسلام مجدا في العبادة مجانبا للرياء لا يحب أن يمدحه أحد يختم القرآن في كل يوم جمعة ويختم في شهر رمضان كل ليلة ختمتين وأكب في آخره على التلاوة وله شعر متوسط منه قصيدة نونية مدح فيها السلطان سليمان وتعرض فيها لما حصل في زمنه من الفتوحات كرودس وغيرها وتوفي ليلة الإثنين ثاني المحرم ودفن بباب الصغير جوار بلديه شيخ الإسلام شمس الدين البلاطنسي وقبرهما في آخر التربة من جهة الشمال وفيها أحمد بن منلا شيخ المعروف بخجا كمال العجمي اللالأئى نسبة إلى لالا قرية من أعمال تبريز الشافعي قال في الكواكب كان له فضيلة ومشاركة وهو أول من ولي نظارة النظار بدمشق وتولى الجامع الأموي والتكية السليمية والبيمارستان إلى جانبها أخذ عن شيخي الإسلام الجد والوالد

(8/213)


214 وعن غيرهما وربما انتقد عليه بعض الناس أمورا ولكن لو لم يكن له من المكرمة إلا مصاهرة شيخ الإسلام الجد له كما صاهر القاضي برهان الدين الأخنائي والقاضي أمين الدين بن عبادة لكفاه توثيقا وتعديلا قال ثم أن والد شيخنا أثنى على صاحب الترجمة لما أن حرق سوق باب البريد واحترق أبواب الجامع معه قال وكان المتكلم عليه الخجا العجمي من قبل حزم باشا وأحسن النظر فيه وعمر ما احترق من مال الوقف الذي كان مرصدا عنده والحال أنه سرق له مال من منزله وتحدث الناس أنه يدعي سرقة المال المرصد ولو ادعاه لصدقوه لكنه قال مال الجامع محفوظ لم يسرق فازداد الناس في مدحه وذكر عفته قال وكان كذلك فإنه لم يقطع على المستحقين شيئا بل هو الذي رتب القراء تحت القبة واستمر وتوفي ليلة الخميس تاسع عشرى ربيع الآخر ودفن بباب الصغير انتهى ملخصا وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر الفاكهي الأصل المصري المكي الشافعي ابن أخت السراج البلقيني قال في النور ولد في شعبان سنة ثمان وستين وثمانمائة بمكة ونشأ بها فحفظ القرآن وأربعين النواوي وارشاد ابن المقري وألفية ابن مالك وعرض على البرهان بن ظهيرة والمحب الطبري والعلمي وعمر بن فهد في آخرين قال السخاوي سمع مني بمكة والمدينة أشياء بل قرأ علي بالقاهرة في سنن أبي داود وتكرر قدومه لها وهو حاذق فطن منور وقال جار الله بن فهد واستمر على حاله في التردد والحذق وكثرة دخول القاهرة ومخالطة الأكابر مع الحرص على تحصيل الوظائف وتزوج واحدة بعد واحدة ورزق جملة أولاد أنجبهم عبد الله بن حبيشة وله غيره من مكية ومدنية وحصل الأملاك وعمرها ثم ضعف في آخر عمره وطلع له فتق في بدنه وانقطع في بيته نحو جمعة بالاسهال ثم مات بمكة يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بعد وصية وحصل له بالاسهال الشهادة

(8/214)


215 ووقى فتنة القبر بموته يوم الجمعة ودفن على قبر أبيه وجده جوار الفضيل ابن عياض وفيها المولى شمس الدين أحمد بن يوسف القسطنطيني المولد الحنفي المعروف بابن الجصاص اشتغل ثم خدم المولى ابن المؤيد ثم درس وترقى في المدارس حتى أعطى سلطانية بروسا ثم ولي قضاء الشام ثم عزل منها بعد إقامته بها شهرين وأربعة أيام ثم أتاه أمر باستمراره في دمشق مفتشا على الأوقاف وكان محافظا على الصلاة بالجماعة في الجامع الأموي لا يحب أحدا يمشي أمامه على هيئة الأكابر وصار بعد عوده إلى الروم مدرسا بإحدى الثمانية بثمانين درهما وكان عالما عاملا مدققا ماهرا في العلوم العقلية بعيدا عن التكلف صحيح العقيدة رحمه الله تعالى وفيها ظناجان التبريزي الشافعي المعروف بميرجان الكبابي القاطن بحلب قال في الكواكب كان عالما كبيرا سنيا صوفيا قصد قتله شاه إسمعيل صاحب تبريز لتسننه فخلع العذار وطاف في الأزقة كالمجنون ثم صار على أسلوب الدراويش وقال ابن الحنبلي زرته بحلب في العشر الرابع من القرن وهو بحجرة ليس فيها إلا الحصير ومن لطيف ما سمعته منه السوقية كلاب سلوقية وفي تاريخ ابن طولون المسمى مفاكهة الأخوان وفي يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان يعني سنة أربع وثلاثين قدم دمشق عالم الشرق مرجان القبالي التبريزي الشافعي وقيل أنه كان إذا طلع محل درسه نادى مناد في الشوارع من له غرض في حل اشكال فليحضر عند المنلا فلان قال ووقفت له على تفسير عدة آيات على طريقة نجم الدين الكبرى في تفسيره قال وعنده اطلاع انتهى ثم ذكر أنه سافر راجعا إلى بلاده من دمشق حادي عشر محرم سنة خمس وثلاثين قال وكان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير خف وأنه يقدم عليا رضي الله عنه وأنه استخرج ذلك من آية من القرآن العظيم انتهى وفيها عفيف الدين عبد الله بن عبد اللطيف بن أبي بدرون السيد الشريف

(8/215)


216 الحسيني الفاسي المكي قريب مؤرخ مكة القاضي تقي الدين ولد في شوال سنة سبع وأربعين وثمانمائة وأجازه الحافظ بن حجر ومن في طبقته باستدعاء المحدث نجم الدين عمر بن فهد في سنة خمسين وله سماع على الشيخ أبي الفتح المراغي العثماني وغيره وتوفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة وفيها تقريبا عبد الرحمن الشامي المدرس بخانقاة سعيد السعدا بالقاهرة قال في الكواكب الشيخ الإمام الفقيه النحوي الصوفي كان يتعمم بالصوف وله تحقيق في العلوم الشرعية والعقلية أقبلت عليه الأكابر والأمراء واعتقدوه وكانوا يجلسون بين يديه متأدبين وهو يخاطبهم بأسمائهم من غير تعظيم ولا تلقيب مات في حدود هذه الطبقة ودفن قريبا من تربة السلطان اينال ورؤيت الوحوش تنزل من الجبل فتقف على باب تربته في الليل فيخرج إليها ويكلمها فترجع ذكره الشعراوي انتهى وفيها زين الدين عبد القادر بن أحمد الحمصي المعروف بابن الدعاس الشيخ الفاضل العالم قال في الكواكب دخل دمشق وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد وكتب نسختين من مؤلفه المسمى بالدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد واجتمع به في ذهابه إلى الروم سنة ست وثلاثين ثم رجع الوالد سنة سبع وثلاثين فوجده قد مات بحمص انتهى وفيها المولى عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي أحد الموالي الرومية سبط الوزير أحمد باشا بن الفناري قال في الشقائق قرأ على علماء عصره واشتغل بالعلم غاية الاشتغال ثم وصل إلى خدمة الفاضل مصلح الدين البارحصاري ثم انتقل إلى خدمة الشيخ محمود قاضي العسكر المنصور ثم صار قاضيا بحلب وكان فاضلا ذكيا له مشاركة في العلوم ومعرفة تامة بعلم القراءات قوي الحفظ حفظ القرآن العظيم في ستة أشهر صاحب أخلاق حميدة جدا من الكرم في غاية لا يمكن المزيد عليها ملك كتبا كثيرة وهي على

(8/216)


217 ما يروى عشرة آلاف مجلد قال ورأيت له شرحا للقصيدة المسماة بالبردة وقال ابن الحنبلي وكان له مدة إقامته بحلب شغف بجمع الكتب سمينها وغثها جديدها ورثها حتى جمع منها ما يناهز تسعة آلاف مجلد وجعل فهرستها مجلدا مستقلا ذكر فيه الكتاب ومن ألفه وكان مع أصالته فاضلا سيما في القراءات عارفا باللسان العربي سخيا معتقدا في الصوفية كثير التردد إلى مجلس الشيخ علي الكيزواني لتقبيل يده من غير حائل ولا يتغالى في ملبسه ولا يبالي به وكان يقول من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحدا أوقاف انتهى ملخصا وفيها الشيخ علوان علي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الهيتي الحموي الشافعي الصوفي الشاذلي الإمام العلامة الفهامة شيخ الفقهاء والأصوليين وأستاذ الأولياء العارفين سمع على الشمس البازلي كثيرا من البخاري ومسلم وعلى نور الدين بن زهرة الحنبلي الحمصي وأخذ عن القطب الخيضري والبرهان الناجي والبدر حسن بن شهاب الدمشقيين وغيرهم من أهلها وعن ابن السلامي الحلبي وابن الناسخ الطرابلسي والفخر عثمان الديمي المصري وقرأ على محمود بن حسن البزوري الحموي ثم الدمشقي الشافعي وأخذ طريقة التصوف عن سيدي علي بن ميمون المغربي قال المترجم اجتمعت به بحماة وكنت أعظ من الكراريس بأحاديث الرقائق ونوادر الحكم فقال يا علوان عظ من الراس ولا تعظ من الكراس فلم أعبأ به فأعاد القول ثانيا وثالثا فتنبهت عند ذلك وعلمت أنه من أولياء الله تعالى فأتيت في اليوم القابل فإذا بالسيد في قبالتي قال فابتدأت غيبا وفتح الله علي واستمر الفتح إلى الآن قال وأمرني بمطالعة الأحياء وأخذت عنه طريق الصوفية وبالجملة فقد كان سيدي علوان ممن أجمع الناس على جلالته وتقدمه وجمعه بين

(8/217)


218 العلم والعمل وانتفع الناس به وبتآليفه في الفقه والأصول والتصوف وتآليفه مشهورة منها المنظومة الميمية المسماة بالجوهر المحبوك في علم السلوك وكتاب مصباح الهداية ومفتاح الدراية في الفقه وكتاب النصائح المهمة للملوك والأئمة وبيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني وعقيدة مختصرة وشرحها ورسالة سماها فتح اللطيف بأسرار التصريف على نهج رسالة شيخه التي في إشارات الجرومية وشرح يائية ابن الفارض وتائية ابن حبيب وهو أشهر كتبه وكتاب مجلى الحزن في مناق بشيخه السيد الشريف أبي الحسن والنفحات القدسية في شرح الأبيات الششترية وهي التي نقلها سيدي أحمد زروق في شرح الحكم العطائية ومن نظمه في النفحات المذكورة ( القتل في الحب أسنى منية الرجل * طوبى لمن مات بين السيف والأسل ) ( سيف اللحاظ ورمح القد كم قتلا * من مستهام فقاداه إلى الأجل ) ( لو تعلم الروح فيمن أهدرت تلفا * أضحت ومقدارها في نيل ذاك على ) ( أن الغرام وإن أشقى السقيم به * على الهلاك لدرياق من العلل ) ( ياحبذا سقمي فيهم وسفك دمي * به ارتفعت بلا شك على زحل ) ( أحباب قلبي بعيش قد مضى بكم * جودوا بوصل فأنتم غاية الأمل ) ( أشكو انقطاعي وهجري والصدود لكم * إن تقطعوا بانصرام الود ماحيلي ) ( وحق معنى جمال يجتلي أبدا * من حسن طلعتكم قدما من الأزل ) ( ما حلت عنكم ولا أبغي بكم بدلا * فليس من شيمتي ميل إلى البدل ) ( هيهات إن أنثني يوما إلى أحد * وليس غيركم في الكون يصلح لي ) وتوفي رضي الله عنه بحماة في جمادى الأولى قال ولده سيدي محمد في تحفة الحبيب ولقد أخبرني بموته قبل حلول مرضه وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشماع

(8/218)


219 الحلبي الشافعي الإمام العلامة المسند المحدث ولد سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا واشتغل على محي الدين بن الأبار والجلال النصيبي وغيرهما من علماء حلب وأخذ الحديث عن التقي الحبيشي الحلبي وغيره بحلب وعن الجلال السيوطي والقاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف بالقاهرة وقد زادت شيوخه بالسماع على مائتين وبالإجازة العامة دون السماع والإجازة الخاصة على مائة وحج وجاور بمكة مرات وصافر في طلب الحديث إلى حماة وحمص ودمشق وبيت المقدس وصفد والقاهرة وبلبيس والحرمين الشريفين وغيرها وصحب بمكة سيدي محمد بن عراق ولبس منه الخرقة وتلقن منه الذكر وأخذ الطريق أيضا عن الشيخ علوان الحموي وصحبه وأخذ عنه الشيخ علوان أيضا وكان إماما عالما أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر لا يقبل هدايا أهل الدنيا ولا يتولى شيئا من الوظائف والمناصب بل يقنع بما يحصل له من ربح مال كان يضارب به رجلا من أصحابه وله مؤلفات كثيرة منها مورد الظمآن في شعب الإيمان ومختصره تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان ومختصر شرح الروض سماه مغنى الراغب في روض الطالب وكتاب بلغة المقتنع في آداب المستمع والدر الملتقط من الرياض النضرة في فضائل العشرة والعذب الزلال في فضائل الآل واللآلىء اللامعة في ترجمة الأئمة الأربعة والمنتخب من النظم الفائق في الزهد والرقائق وعرف الند في المنتخب من مؤلفات ابن فهد والفوائد الزاهرة في السلالة الطاهرة والمنتخب المرضي من مسند الشافعي ولقط المرجان من مسند النعمان واتحاف العابد الناسك بالمنتقى من موطأ مالك والدر المنضد من مسند أحمد واليواقيت المكللة في الأحاديث المسلسلة والقبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي والمواهب الملكية وتحفة الأمجاد والتذكرة المسماة سفينة نوح والسيرة الموسومة بالجواهر والدرر وكتاب محرك همم القاصرين لذكر الأئمة المجتهدين المتعبدين

(8/219)


220 والنبذة الزاكية فيما يتعلق بذكر أنطاكية وعيون الأخبار فيما وقع له في الإقامة والأسفار ومن شعره في معنى الحديث المسلسل بالأولية ( كن راحما لجميع الخلق منبسطا * لهم وعاملهم بالبشر والبشر ) ( من يرحم الناس يرحمه الاله كذا * جاء الحديث به عن سيد البشر ) وتوفي بحلب صبح يوم الجمعة قبيل أذانه ثاني عشر صفر ودفن تحت جبل الجوشن عند الجادة التي يرد عليها من يرد من أنطاكية وفيها كمال الدين محمد بن علي القاهري الشافعي قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية الشهير بالطويل الإمام العلامة شيخ الإسلام ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة قال الشعراوي كان من أولاد الترك وبلغنا أنه كان في صباه يلعب بالحمام في الريدانية فمر عليه سيدي إبراهيم المتبولي وهو ذاهب إلى بركة الحاج فقال له مرحبا بالشيخ كمال الدين شيخ الإسلام فاعتقد الفقراء أنه يمزح معه إذ لم يكن عليه أمارة الفقهاء ففي ذلك اليوم ترك لعب الحمام واشتغل بالقراءة والعلم وعاش جماعة الشيخ إبراهيم حتى رأوه تولى مشيخة الإسلام وهي عبارة عن قضاء القضاة أخذ الشيخ كمال الدين العلم والحديث عن الشرف المناوي والشهاب الحجازي وغيرهما وسمع صحيح مسلم وغيره على القطب الخيضري وألفية العراقي وغيرها على الشرف المناوي قال الشعراوي وكان إماما في العلوم والمعارف متواضعا عفيفا ظريفا لا يكاد جليسه يمل من مجالسته انتهت إليه الرياسة في العلم ووقف الناس عند فتاويه وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه لا سيما كتب الأذرعي والزركشي وقدم دمشق وحلب وخطب بدمشق لما كان صحبة الغوري وأخذ بحلب عنه الشمس السفيري والمحيوي بن سعيد وعاد إلى القاهرة فتوفي بها ورؤى في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي سقطت ودفن بتربته خارج باب النصر وفيها شمس الدين محمد بن علاء الدين علي بن شهاب الدين أحمد الحريري

(8/220)


221 الدمشقي الشهير بابن فستق الشافعي الحافظ لكتاب الله تعالى مع الاتقان قال في الكواكب كان فاضلا صالحا مقرئا مجودا في خدمة الجد شيخ الإسلام رضى الدين الغزي ومن أخصائه ثم لازم شيخ الإسلام الوالد وحضر دروسه كثيرا انتهى وفيها أبو الفتح محمد القدسي الشافعي الإمام العلامة كان شيخ الخانقاه السميساطية جوار جامع بني أمية بدمشق وولي نظر العذراوية وكان له سكون وله شرح على البردة توفي يوم الجمعة عشرى جمادى الآخرة وفيها شمس الدين محمد البانقوسي الحلبي عرف بابن طاش بفطي تفقه على ابن فخر النساء ودرس بالأتابكية البرانية بحلب وكان صالحا مباركا قليل الكلام حسن الخط كبير السن كثير التهجد رحمه الله تعالى سنة سبع وثلاثين وتسعمائة فيها توفي المولى سليمان الرومي أحد مواليهم ترقى في التدريس حتى درس بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ومات وهو مدرس بها وكانت وفاته في مجلس غاص بالعلماء في وليمة الختان لأولاد السلطان سليمان سقط مغشيا عليه فحمل إلى خيمته فمات بها وكان فاضلا مشتغلا بنفسه وفيها عبد الله المجذوب المصري كان يصحن الحشيش في خرائب الأزبكية بالقاهرة وكان من كرامته أن من أخذ من حشيشه وأكل منه يتوب لوقته ولا يعود إليها أبدا قال الشعراوي وكان من الراسخين قال وكان كثير الكشف سمعته مرة يقول وعزة ربي ما أخذها أحد من هذه اليد وعاد إليها يعني الحشيشة مات في هذه السنة ودفن في خرائب الأزبكية مع الغرباء وفيها تقريبا فخر الدين عثمان السنباطي الشافعي الإمام العلامة أخذ عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والكمال الطويل وصحب محمد الشناوي

(8/221)


222 وكان من العلماء العاملين قليل الكلام حسن السمت ولما ضرب القانون على القضاة عزل نفسه وكان يقضي في بلده احتسابا رحمه الله تعالى وفيها ظنا عز الدين المازندراني العجمي جاور بمكة ثم قدم حلب سنة إحدى وثلاثين وظهر له فضل في علوم شتى لا سيما القراآت فإنه كان فيها أمة وألف فيها كتابا في وقف حمزة وهشام وله شرح على الجرومية أجاد فيها وأتى بعبارات محكمة لكنها مغلقة على المبتدىء ثم رحل إلى بلاده فمات بها وفيها أو ما يقرب منها علاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن موسى بن محمد الديري ثم الجوبري الدمشقي الشافعي الأديب ولد بقرية الشوبك ببلاد نابلس في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة وكان مؤذنا بالجامع الأموي متسببا باب البريد فاضلا بارعا شاعرا له ديوان شعر ولم يشتهر ومن شعره تخميس أبيات ابن حجر ( أمر يطول ومدة متقاصره * وبصائر عميت وعين باصره ) ( فإلى متى يا نفس ويحك صابره * قرب الرحيل إلى ديار الآخره ) ( فاجعل إلهي خير عمري آخره * ) ( فالعيش في الدنيا كلذة حالم * وسواك يا مولاي ليس بدائم ) ( وإليك مرجعنا بأمر جازم * فلئن رحمت فأنت أكرم راحم ) ( وبحار جودك يا إلهي زاخره * ) ( يا رب إن الدهر أبلى جدتي * وعصيت في جهل الشباب وجدتي )

(8/222)


223 ( فإذا تصرم ما بقي من مدتي * آنس مبيتي في القبور ووحدتي ) ( وارحم عظامي حين تبقى ناخره * ) ( إن كنت ترحم من مضت أعوامه * في لهوه حتى نمت آثامه ) ( والعفو منك رجاؤه ومرامه * فأنا المسيكين الذي أيامه ) ( ولت بأوزار عدت متواتره * ) ( فبوجهك الباقي وعز جلاله * ومحمد سر الوجود وآله ) ( رفقا بمن أنت العليم بحاله * وتوله باللطف عند مآله ) ( يا مالك الدنيا ورب الآخرة * ) توفي يوم الأربعاء سابع عشر صفر وفيها أقضى القضاة علاء الدين علي بن أحمد بن محمد بن عز الدين الصغير بن عز الدين بن محمد الكبير ابن خليل الحاضري الأصل الحنفي أخذ عن الشمس الدلجي وغيره وجلس بمكتب العدول على باب جامع حلب الشرقي وناب بمحكمة الجمالي يوسف ابن اسكندر الحنفي وكتب بخطه كثيرا من الكتب العلمية ووعظ بجامع حلب وكان صالحا عفيفا سليم الصدر وتوفي في شوال وفيها تقريبا قاضي القضاة فضيل بن مفتي المملكة الرومية علاء الدين علي بن أحمد بن محمد الأقصرائي الحنفي كان ينسب إلى الشيخ جمال الدين محمد الأقصرائي صاحب موجز الطب والإيضاح البياني وغيرهما وكان الشيخ جمال الدين هذا ينسب إلى الفخر الرازي الذي هو من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه كذا قال ابن الحنبلي وذكر أنه قدم حلب في ذي القعدة سنة ستين متوليا قضاء بغداد فاجتمع به واستجازه ثم ولي قضاء حلب ثم في سنة إحدى وستين دخلها متوليا ووهبه رسالة له سماها إعانة الفارض في تصحيح واقعات الفرائض ولم يؤرخ وفاته وفيها قصير الحنفي مفتي بخاري قال ابن طولون دخل دمشق في أثناء جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وتسعمائة ومعه جماعة

(8/223)


224 وزار بيت المقدس ثم عاد إلى دمشق وحج منها وكان عالما بالعربية نزل بالشامية البرانية وتردد إليه الشيخ عبد الصمد الحنفي والشيخ تقي الدين القاري وقرأ عليه الثاني في المصابيح انتهى وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن مقبل البلبيسي ثم المقدسي ثم الدمشقي الوفائي الشافعي الإمام العلامة واعظ دمشق أخذ عن الشيخ أبي الفتح المزي وغيره وكان أسن من البدر الغزي ومع ذلك أخذ عنه قال في فهرست تلاميذه أجزته ببعض مؤلفاتي وأشعاري وحضر دروسا من دروسي انتهى وكان مجاورا في خلوة بالسميساطية وانقطع بها خمس سنوات وقد تعطل شقه الأيسر وفي يوم السبت عاشر رجب سنة خمس وثلاثين وتسعمائة دخل عليه اثنان من المناحيس وهو على هذه الحال فأخذا منه منديل النفقة بما فيه وعدة من كتب وذهبا كان عنده وكان ذلك قبل صلاة الصبح فأقام الصوت عليهما فلم يدركا وكان ذلك سببا في زيادة ابتلائه وكان من عباد الله الصالحين وتوفي في رجب هذه السنة وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن إبراهيم الثنائي المالكي العلامة قاضي القضاة بالديار المصرية كان ممن جمع بين العلم والعمل صواما قواما له شرح عظيم على الرسالة وعدة تصانيف مشهورة وأجمع الناس على جلالته وتحريره لنقول مذهبه وممن أخذ عنه السيد عبد الرحيم العباسي رحمه الله تعالى وفيها ظنا شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي المعروف بجده الشيخ الصالح ولد تاسع عشر المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وأخذ ورد ابن داود عن الشيخ عبد القادر بن أبي الحسن البعلي الحنبلي بحق روايته عن ولد المصنف سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود عن أبيه وفيها قاضي القضاة ولي الدين محمد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود بن الفرفور الدمشقي الشافعي قال في الكواكب

(8/224)


225 ولد في ثامن عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين بتقديم التاء وثمانمائة وحفظ القرآن العظيم والمنهج في الفقه لشيخه شيخ الإسلام القاضي زكريا وجمع الجوامع لابن السبكي وألفية ابن مالك وأخذ الفقه بدمشق عن شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون وبالقاهرة عن القاضي زكريا والبرهان ابن أبي شريف وأخذ الحديث بدمشق عن الحافظ برهان الدين الناجي والشيخ أبي الفتح المزي والشيخ أبي الفضل بن الإمام والجمال بن عبد الهادي وبمصر عن المحدث التقي الأوجاقي وغيره وأجاز له جماعات في استدعاءات وولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق بعد وفاة أبيه وعزل عنه وأعيد إليه مرارا آخرها سنة ثلاثين وتسعمائة وولي قضاء حلب سنة ست وعشرين وكان آخر قاض تولى حلب من أولاد العرب ومع توليته بدمشق وحلب في الدولة العثمانية لم ينتقل عن مذهبه وصار لنائب دمشق عيسى باشا عليه حقد آخرا فسافر من دمشق في رمضان سنة ست وثلاثين ودخل حلب وعيد بها وفي ثالث شوال حضر أولا قان من جهة عيسى باشا نائب الشام ومعهما مكاتبات يخبر فيها بحضور مرسوم سلطاني بعود القاضي ابن الفرفور محتفظا للتفتيش عليه وتحرير ما نسب إليه من المظالم وأن المتولي لذلك عيسى باشا وقاضي الشام ابن إسرافيل المتولي مكانه فرجع ابن الفرفور إلى دمشق فوصلها تاسع عشر شوال ووضع فيه قلعتها ونودي من الغد بالتفتيش عليه أياما في نحو خمسة عشر مجلسا وخرج عليه من كان داخلا فيه وراكنا إليه وشدد عليه في الحساب من كان يعده من الأجباب فأتاه الخوف من جانب الا ومن حيث أمل الربح جاءه الغبن وبقي مسجونا بالقلعة إلى أن توفي بها يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح الشيخ أرسلان ورثاه جماعة انتهى ملخصا وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن خليل بن الحاج علي بن أحمد بن ناصر

(8/225)


226 الدين محمد بن قنبر العجمي وبه اشتهر الحلبي الإمام العالم العلامة العامل الأوحد البارع الكامل ولد سنة إحدى وتسعمائة قال في الكواكب قال شيخ الإسلام الوالد حضر بعض مجالسي في قراءة الحاوي ومغنى اللبيب في سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بدمشق ثم رحل إلى بلده حلب قلت ثم اجتمع به في حلب في رحلته إلى الروم سنة ست وثلاثين انتهى وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحيم بن المنير البعلي الشافعي الإمام العالم الفاضل الزاهد ولي الله تعالى كان رفيقا وصاحبا لشيخ الإسلام بهاء الدين الفصي وكان يحضر درسه كثيرا وكان يحترف بعمل الاسفيداج والسيرقون والزنجار ويبيع ذلك وسائر أنواع العطر في حانوت ببعلبك وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس في أوراق ملفوفة وإذا وقف عليه فقير أعطاه من تلك الأوراق ما يخرج في يده لا ينظر في الورقة المدفوعة ولا في الفقير المدفوع إليه وكان كثير الصدقة معاونا على البر والتقوى يعمر المساجد الخراب ويكفن الفقراء وكان له مهابة عند الحكام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ناصحا للطلبة في الإفادة له أوراد ومجاهدات وكرامات توفي يوم الأحد ثاني صفر ودفن ببعلبك وفيها جلال الدين محمد بن قاسم المالكي شيخ الإسلام قال الشعراوي كان كثير المراقبة لله تعالى وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى شرح المختصر والرسالة وانتفع به خلائق لا يحصون وولاه السلطان الغوري القضاء مكرها وكان أكثر أيامه صائما وكان حافظا للسانه في حق أقرانه لا يسمع أحدا يذكرهم إلا ويبجلهم وكان حسن الاعتقاد في الصوفية رحمه الله تعالى انتهى وفيها تقريبا محي الدين محمد مفتي كرمان الشافعي الإمام العلامة حج سنة خمس وثلاثين وتسعمائة وقدم مع الحاج الشامي إلى دمشق حادي عشر صفر سنة ست وثلاثين وزار الشيخ محي الدين بن عربي وصحب

(8/226)


227 بها الشيخ تقي القاري وأكرمه قاضي دمشق وجماعة من أهلها وأحسنوا إليه وأخبر عن نفسه أن له تفسيرا على القرآن العظيم وحاشية على كتاب الأنوار للأردبيلي وغير ذلك وكان صحب ذلك معه فخاف عليه من العرب فرده إلى بلاده كرمان وفيها المولى بدر الدين محمود بن عبيد الله أحد موالي الروم كان من عتقاء الوزير علي باشا وقرأ على جماعة منهم ابن المؤيد ودرس بعدة مدارس ثم صار قاضيا بأدرنة ومات وهو قاضيها في هذه السنة وفيها تقريبا بدر الدين محمود بن الشيخ جلال الدين الرومي الحنفي أحد الموالي الرومية قرأ وحصل ودرس وترقى في التدريس حتى درس بإحدى الثمانية ومات مدرسا بها قال في الشقائق كان عالما فاضلا ذا كرم ومروءة اختلت عيناه في آخر عمره انتهى وفيها أبو زكريا يحيى بن علي وقيل ابن حسين المعروف بابن الخازندار الحنفي الحلبي العالم العامل إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب ذكره البدر الغزي في المطالع البدرية وأحسن الثناء عليه وقال ابن الحنبلي كان دينا خيرا قليل الكلام كثير السكينة أخذ الحديث رواية عن الزين بن الشماع والتقي أبي بكر الحبيشي قال وكان جده قجا فيما سمعت من مسلمي التتار الأحرار الذين لم يمسهم الرق وتوفي في هذه السنة انتهى وفيها القاضي جمال الدين يوسف بن محمد بن علي بن طولون الزرعي الدمشقي الحنفي ترجمه ابن أخيه الشيخ شمس الدين بالفضل والعلم وذكر عن مفتي الروم عبد الكريم أنه لم ير في هذه المملكة أمثل منه في مذهب الإمام أبي حنيفة وتوفي ليلة الأحد رابع المحرم بعلة الاسهال ودفن بتربته بالصالحية سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن بدر بن إبراهيم الطيبي الشافعي المقرىء والد الإمام بالجامع الأموي وواعظه شيخ الإسلام الطيبي المشهور تلا

(8/227)


228 بالسبع على العلامة إبراهيم بن محمود القدسي كاتب المصاحف وعلى غرس الدين خليل وانتهى إليه علم التجويد في زمانه وكان يتسبب بحانوت بباب البريد ويقرىء الناس وتوفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى ودفن بباب الفراديس وفيها شهاب الدين أحمد البخاري المكي السيد الشريف الإمام العلامة إمام الحنفية بالمسجد الحرام توفي ببندر جدة وهو قاض بها عن مستنيبه فحمل إلى مكة على أعناق الرجال فوصلها حادي عشر ربيع الثاني ودفن على أبيه بالمعلى وفيها شهاب الدين أحمد النشيلي المصري الشافعي الإمام العالم العلامة توفي بمكة في هذه السنة وفيها شهاب الدين أحمد الزبيدي المكي قال ابن طولون كان مترجما بالعلم ودخل دمشق متوجها إلى الروم فمات بحلب أي في هذه السنة وفيها تاج الدين عبد الوهاب بن عبد القادر العنابي الدمشقي القاضي الأسلمي أبوه كان ديوانيا بقلعة دمشق هو ووالده من قبله ثم تولى عدة وظائف منها امرة التركمان واستمر على ذلك في الدولة الجركسية ثم أخذه السلطان سليم إلى اسلامبول ثم أطلقه فحج وجاور ثم عاد إلى دمشق وبقي بها إلى الممات قال ابن طولون وسمع في صغره على جماعة عدة أجزاء ولذلك استجزته لجماعة ومدحه الشعراء الأفاضل منهم شيخنا علاء الدين بن مليك وأكثر منه الشيخ شهاب الدين الباعوني وتوفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول ودفن بتربتهم لصيق الصابونية من جهة القبلة ولم يحتفل الناس بجنازته انتهى وفيها علاء الدين علي القدسي الشافعي نزيل دمشق العالم الورع قال الشيخ يونس العيثاوي كان رفيقنا على الشيخ أبي الفضل بن أبي اللطف ثم من بعده رافقنا على الإمام تقي الدين البلاطنسي إلى أن مات قال وكان يتعاطى البيع والشراء برأس مال يسير بورك له فيه مع التعفف عن الوظائف على طريقة السلف وتوفي نهار الخميس ثاني القعدة ودفن بباب الصغير

(8/228)


229 وفيها زين الدين عمر بن أحمد بن أبي بكر المرعشي العالم كان في أول أمره يتكسب بالشهادة بحلب على فقر كان له وقناعة ثم انقادت إليه الدنيا فرأس وصار عينا من أعيان حلب ولم تستهجن رياسته لأنه كان حفيدا للشيح الإمام العلامة المفنن شهاب المرعشي المتوفى سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وكان الشيخ زين الدين يتجمل بمصاحبة شيخ الإسلام البدر بن السيوفي وأحبه قاضي قضاة حلب زين العابدين بن الفناري وكان يكتب على الفتاوى وامتحن في واقعة قرا قاضي وسيق فيمن سيق هو وأولاده إلى رودس ثم أعيد إلى حلب باقيا على رياسته وشهامته ومناصبه إلى أن مات في هذه السنة وهو يحث من حضره على الذكر وتلاوة القرآن وفيها زين الدين عمر الصعتري الحنفي الإمام العلامة إمام الصخرة المعظمة بالقدس الشريف قال ابن طولون كان من أهل العلم والعمل وقرأ بمصر على جماعة منهم البرهان الطرابلسي وتوفي في جمادى الأولى وفيها المولى شاه قاسم بن الشيخ شهاب الدين أحمد الحنفي الشهير بمنلا زاده أصله من هراة وكان هو وأبوه واعظين وتوطن المترجم تبريز ولما دخلها السلطان سليم أخذه معه إلى بلاد الروم وعين له كل يوم خمسين درهما وكان عالما فاضلا أديبا بليغا له حظ من علم التصوف وخط حسن ومهارة في الانشاء أنشأ تواريخ آل عثمان فمات قبل إكمالها في هذه السنة أو في التي بعدها وفيها شمس الدين محمد بن زين الدين بركات بن الكيال الشيخ الواعظ ابن الواعظ الشافعي أسمعه والده على جماعة منهم البرهان الناجي وزوجه ابنته واشتغل ووعظ بالجامع الأمور وغيره وكان خطيب الصابونية وكان عنده تودد للناس وتوفي يوم السبت عشرى شوال وفيها محمد بن سحلول بلامين الجديثي البقاعي الشافعي قال ابن طولون كان صالحيا يحفظ القرآن حفظا جديا ويقرؤه في كل ثلاثة أيام قال وكان أفادني

(8/229)


230 عن بعض المصريين الصلحاء في دفع الفواق أن يقبض الإنسان بإبهاميه على ظهر أصلي بنصريه بقوة توفي فجأة يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الشهير بابن العجيمي المقدسي الشافعي الصوفي العلامة المحدث الواعظ أخذ عن مشايخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف والجلال السيوطي والقاضي زكريا والشمس السخاوي وناصر الدين بن زريق وتوجه إلى الروم وحصل له به الاقبال وعاد وتردد إلى دمشق مرارا ووعظ بالجامع الأموي ودرس بالفصوص فيه أيضا وكان يعتم بعمامة سوداء قال ابن الحنبلي دخل إلى حلب مرتين ووعظ بها واجتمع في سنة تسع وعشرين بمحدثها الشيخ زين الدين بن الشماع وقرئت عليهما ثلاثيات البخاري ثم أجاز كل منهما للآخر وقال فيه ابن الشماع هو خادم التفسير والسنن المنتصب لنصح المسلمين والمرغب لأهدى سنن بل هو العلم الفرد الذي رفع خبر الأولياء والعلماء ونصب حالهم ليقتدي بهم وخفض شأن أهل البطالة من الصوفية الجهلة وحذر من يدعهم واتباع طريقهم انتهى وتوفي ببت المقدس في رمضان وفيها أبو زكريا يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدين الرحبي الأصل المكي المالكي ويعرف كأبيه بالمغربي ولد ليلة الأربعاء رابع عشرى ربيع الأول سنة خمس وستين بمكة ونشأ بها وحفظ القرآن والأربعين النووية والشاطبية والرسالة وألفية النحو وعرض في سنة تسع وسبعين على قضاة مكة الأربعة وعمر بن فهد وحضر عند الفخر بن ظهيرة وأخيه البرهان مع ذكاء وفهم ثم تعانى التجارة بعد أن أثبت البرهان رشده وسلمه ماله وسافر في التجارة لدمشق وتلقن في القاهرة الذكر من ابن عبد الرحيم الأبناسي قال السخاوي وله تردد إلي وسماع علي ولي إليه زائد الميل ونعم هو تواضعا وأدبا وفهما وذكاء وحسن عشرة بحيث صار بيته بمكة وغيرها مألفا لأحبابه مع عدم اتساع دائرته وقال ابن فهد

(8/230)


231 طال مرضه حتى توفي بمكة ليلة السبت سادس عشرى شوال ودفن بالمعلاة ولم يخلف غير بنت واحدة ملكها جميع مخلفه وأثبت ذلك في حياته سنة تسع وثلاثين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم الصفوري الإمام العالم توفي بصفوريا في هذه السنة وفيها أبو الهدى بن محمود النقشواني الحنفي المنلا العالم المتبحر أخذ عن جماعة منهم منلا طالشي الدريعي ومنلا مزيد القرماني وابن الشاعر وكان يميزه على شيخيه الأولين قال ابن الحنبلي دخل حلب وسكن فيها بالكناوية وبها صحبته ثم بالأتابكية البرانية وكان عالما عامى محققا مدققا منقطعا عن الناس قليل الأكل خاشعا إذا توجه إلى الصلاة لم يلتفت يمينا ولا شمالا ينظم الشعر بالعربية والفارسية وتوفي بعين تاب في هذه السنة وفيها شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الشويكي النابلسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي مفتي الحنابلة بدمشق العلامة الزاهد ولد سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة بقرية الشويكة من بلاد نابلس ثم قدم دمشق وسكن صالحيتها وحفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر والخرقي والملحة وغير ذلك ثم سمع الحديث على ناصر الدين بن زريق وحج وجاور بمكة سنتين وصنف في مجاورته كتاب التوضيح جمع فيه بين المقنع والتنقيح وزاد عليهما أشياء مهمة قال ابن طولون وسبقه إلى ذلك شيخه الشهاب العسكري لكنه مات قبل اتمامه فإنه وصل فيه إلى الوصايا وعصريه أبو الفضل بن النجار ولكنه عقد عبارته انتهى وتوفي بالمدينة المنورة في ثامن عشرى صفر ودفن بالبقيع ورؤى في المنام يقول أكتبوا على قبري هذه الآية ( ^ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) وفيها تقريبا المولى بير أحمد أحد الموالي الرومية

(8/231)


232 الحنفي خدم المولى أحمد باشا المفتي بن المولى خضر بك وترقى في التداريس إلى مدرسة مراد خان ببروسا ثم أعطى قضاء حلب ثم عزل وأعطى تقاعدا بثمانين عثمانيا وكان له مشاركة في العلوم وعلق تعليقات على بعض المباحث وفيها باشا جلبي البكالي الحنفي الفاضل أحد موالي الروم خدم المولى مؤيد زاده وترقى في التداريس إلى دار الحديث بالمدينة المنورة وكان حليما كريما ينظم الأشعار التركية لكن كان في مزاجه اختلال وتوفي بالمدينة المنورة وفيها المولى الشهير بأمير حسن أحد موالي الروم الحنفي برع وفضل ودرس وترقى في التداريس حتى أعطى دار الحديث بأدرنة ومات عنها وكان مشتغلا بالعلم وله حواش على شرح الرسالة في آداب البحث لمسعود الرومي وحواش على شرح الفرائض للسيد وغير ذلك وفيها زين العابدين بن العجمي الرومي الشافعي نزيل دمشق قال ابن طولون أصله من بغداد واشتغل بتبريز وولي تدريسا بمدينة طوقات ورتب له أربعون عثمانيا ثم تركه وتصوف على طريقة النقشبندية ثم ورد دمشق وأقرأ فيها الأفاضل ومات شهيدا بالطاعون يوم الخميس خامس عشر شوال وفيها تقريبا محي الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي الصوفي القادري الإمام العارف بالله تعالى أخذ عنه العلامة نجم الدين الغيطي حين ورد عليهم القاهرة سنة ثلاثين أخذ عنه علم الكلام وتلقن منه الذكر قاله في الكواكب وفيها تقريبا كريم الدين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري المقرىء الإمام العلامة صاحب الشرح على الشاطبية والمصنفات المشهورة قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأخذ عنه الشيخ شهاب الدين الطيبي الحديث ومصنفات ابن الجزري رحمه الله تعالى قاله في الكواكب أيضا وأقول العبري المشهور شارح الشاطبية هو برهان الدين توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة وتقدمت ترجمته هناك

(8/232)


233 وفيها المولى عبد اللطيف الرومي الفاضل أحد موالي الرومي اشتغل بالعلم ووصل لخدمة المولى مصلح الدين البارحصاري وترقى حتى صار مدرسا بإحدى الثمانية ثم بمدرسة أبي يزيد خان بأدرنة ثم صار قاضيا بها ثم ترك القضاء وعين له كل يوم ثمانون درهما وكان عالما عاملا عابدا زاهدا صالحا تقيا نقيا مقبلا على المطالعة والأوراد والأذكار ملازما للمساجد في الصلوات الخمس معتكفا في أكثر أوقاته مجاب الدعوة صحيح العقيدة لا يذكر أحدا إلا بخير اهتمامه بالآخرة رحمه الله تعالى وفيها سيدي على الخواص البرلسي أحد العارفين بالله تعالى وأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراوي الذي أكثر اعتماده في مؤلفاته على كلامه وطريقه قال المناوي في طبقاته الامي المشهور بين الخواص بالخواص كان من أكابر أهل الاختصاص ومن ذوي الكشف الذي لا يخطىء والاطلاع على الخواطر على البديهة فلا يبطىء وكان عليه للولاية أمارة وعلامة متبجرا في الحقائق أشبه البحر اطلاعه والدر كلامه وكان في ابتداء أمره يبيع الجميز عند الشيخ إبراهيم المتبولي بالبركة ثم أذن له أن يفتح دكان زيات فمكث أربعين سنة ثم ترك وصار يضفر الخوص حتى مات وكان يسمى بين الأولياء النسابة لكونه أميا ويعرف نسب بني آدم وجميع الحيوان وكان معه تصرف ثلاثة أرباع مصر والربع مع محيسن المجذوب وكان إذا شاوره أحد لسفر يقول قل بقلبك عند الخروج من السور أو العمران دستور يا أصحاب النوبة اجعلوني تحت نظركم حتى أرجع فإنهم يحبون الأدب معهم ولهم اطلاع على من يمر في دركهم وكان إذا نزل بالناس بلاء لا يتكلم ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتى ينكشف وله كلام في الطريق كالبحر الزاخر ومن كلامه الكمل لا تصريف لهم بحال بخلاف أرباب الأحوال وقال كل فقير لا يدرك سعادة البقاع وشقاوتها فهو والبهائم سواء وقال إياك أن تصغي لقول منكر على أحد الفقراء فتسقط

(8/233)


234 من عين رعاية الله وتستوجب المقت توفي في جمادى الآخرة ودفن بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح من القاهرة انتهى ملخصا وفيها أبو الحسن محمد بن العارف بالله تعالى أبي العباس أحمد الغمري المصري الشافعي الصوفي الصالح الورع قال الشعراوي جاورت عنده ثلاثين سنة ما رأيت أحدا من أهل العصر على طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح وكان يقول إذا سمعت أحدا يعد ذهبا يضيق صدري وكان لا يبيت وعنده دينار ولا درهم ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه وكان يخدم في بيته ما دام فيه ويساعد الخدام بقطع العجين وغسل الأواني ويقد تحت القدر ويغرف للفقراء بنفسه وكان شديد الحياء لا ينام بحضرة أحد أبدا وكان جميل المعاشرة خصوصا في السفر لا يتخصص بشيء عن الفقراء وكان كثير التحمل للبلاء لا يشكو من شيء أصلا وكان حلسا من أحلاس بيته لا يخرج منه إلا للصلاة أو حاجة ضرورية وإذا خرج إلى موضع ترك الأكل والشرب لئلا يحتاج إلى قضاء الحاجة في غير منزله توفي في هذه السنة ودفن عند والده في المقصورة عند أخريات الجامع انشاء أبيه انتهى ملخصا وفيها المولى محمد شاه ابن المولى الحاج حسن الرومي الحنفي الفاضل قال في الكواكب قرأ على والده وغيره ثم درس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية ثم بإحدى الثمان وله شرح على القدوري وشرح على ثلاثيات البخاري وكان مكبا على الاشتغال بالعلم في كل أوقاته وله مهارة في النظم والنثر انتهى وفيها القاضي عز الدين محمد بن حمدان الصالحي ثم الدمشقي الحنفي أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي ناب في الحكم لعدة من القضاة منهم ابن يونس وكان ناظرا على كهف جبريل بقاسيون وله حشمة وتأدب مع الناس توفي في أوائل ربيع الأول ودفن بتربة باب الفراديس

(8/234)


235 وفيها سعد الدين محمد بن محمد بن علي الذهبي المعري الشافعي الإمام العلامة ولد سنة خمسين وثمانمائة وكان من العلماء المشهورين بدمشق أخذ عنه جماعة منهم الفلوجيان قال الشعراوي كان ورده كل يوم ختما صيفا وشتاء وكان خلقه واسعا إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل بتلاوة القرآن حتى ينقضي جدالهم وكان يحمل حوائجه بنفسه ويتلو القرآن في ذهابه وإيابه كثير الصدقة حتى أوصى بمال كثير للفقراء والمساكين لا يقبل من أحد صدقة انتهى ملخصا وفيها شمس الدين محمد الدواخلي نسبة إلى الدواخل قرية من المحلة الكبرى المصري الشافعي الإمام العلامة المحقق المحدث كان مخصوصا بالفصاحة في قراءة الحديث وكتب الرقائق والسير كريم النفس حلو اللسان كثير العبادة يقوم الليل ويحيى ليالي رمضان كلها مؤثرا للخمول وهو مع ذلك من خزائن العلم أخذ عن البرهان بن أبي شريف والكمال الطويل والشمس بن قاسم والشمس الجوجري والشمس بن المؤيد والفخر القسي والزين الأبناسي وغيرهم ودرس بجامع الغمري وغيره وانتفع به خلائق توفي بالقاهرة ودفن بتربة دجاجة خارج باب النصر وفيها المولى محمود بن عثمان بن علي المشهور باللامع يالحنفي أحد موالي الروم كان جده من بروسا ولما دخلها تيمورلنك أخذه معه وهو صغير إلى ما وراء النهر وتعلم صنعة النقش وهو أول من أحدث السروج المنقوشة في بلاد الروم وابنه عثمان كان سالكا مسلك الأمراء وصار حافظا للدفتر السلطاني بالديوان العالي وأما ولده صاحب الترجمة فقرأ العلم على جماعة منهم المولى أخوين والمولى محمد بن الحاج حسن ثم تصوف وخدم السيد أحمد البخاري ونال عنده المعارف والأحوال ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا وسكن بروسا واشتغل بالعلم والعبادة ونظم بالتركية أشياء كثيرة مقبولة مشهورة وتوفي ببروسا وفيها المنى مسعود بن عبد الله العجمي

(8/235)


236 الشيرازي الواعظ نزيل حلب كان له مطالعات في الحديث والتفسير وكان يتكلم فيهما باللسان العربي لكن انتقد عليه ابن الحنبلي أنه كان يلحن فيه ووعظ بجامع حلب الكبير فنال من الناس قبولا وصارت له فيه يوم الجمعة المجالس الحافلة توفي مطعونا في هذه السنة وفيها موسى بن الحسين الملقب بعوض بن مسافر بن الحسن بن محمود الكردي طائفة اللالأئي ناحية السرسوي قرية الشافعي نزيل حلب أخذ العلم عن جماعة منهم منلا محمد المعروف ببرقلعي وعمرت في زمانه مدرسة بالعمارية فجعل مدرسها ثم تركها وأقبل على التصوف فرحل إلى حماة وأخذ عن الشيخ علوان مع الانتفاع بغيره ثم قدم حلب لمداواة مرض عرض له ونزل بالمدرسة الشرفية فقرأ عليه غير واحد قال ابن الحنبلي وكنت ممن فاز بالقراءة عليه بها في علم البلاغة ثم ذهب إلى حماة فلما توفي الشيخ علوان عاد إلى حلب واستقر في مشيخة الزينبية وأخذ يربي فيها المريدين ويتكلم فيها على الخواطر مع طيب الكلام وإطعام الطعام وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام وحسن السمت ولين الكلمة وفصاحة العبارة والتكلم في التفسير والحديث وكلام الصوفية وتوفي بها مطعونا ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه سنة أربعين وتسعمائة فيها توفي إبراهيم العجمي الصوفي المسلك العالم نزيل مصر كان رفيقا للشيخ دمرداش والشيخ شاهين في الطريق على سيدي عمر روشني بتبريز العجم ثم دخل مصر في دولة ابن عثمان وأقام بمدرسة بباب زويلة فحصل له القبول التام وأخذ عنه خلق كثير من الأعجام والأروام وكان يفسر القرآن العظيم ويقرىء في رسائل القوم مدة طويلة حتى وشى به إلى السلطان لكثرة مريديه وأتباعه وقيل له نخشى أن يملك مصر فطلبه السلطان إلى الروم بسبب ذلك

(8/236)


237 ثم رجع إلى مصر وطرد من كان عنده من المريدين والأتباع امتثالا لأمر السلطان ثم بنى له تكية مقابل المؤيدية وجعل له فيها مدفنا وبنى حوله خلاوي للفقراء وكان له يد طولى في المعقولات وعلم الكلام ونطم تائية جمع فيها معالم الطريق وكان ينهى جماعته أن يحج الواحد منهم حتى يعرف الله المعرفة الخاصة عند القوم وتوفي بمصر وفيها إبراهيم المجذوب المصري الشهير بأبي لحاف قال في الكواكب كان في أول جذبه مقيما في البرج الأحمر من قلعة الجبل نحو عشرين سنة فلما قرب زوال دولة الجراكسة أرسل إلى الغوري يقول له تحول من القلعة واعط المفاتيح لأصحابها فلم يلق الغوري إلى كلامه بالا وقال هذا مجذوب فنزل الشيخ إبراهيم إلى مصر فزالت دولة الجراكسة بعد سنة وكان حافيا مكشوف الرأس وأكثر إقامته في بيوت الأكابر وكان يكشف له عما ينزل بالإنسان من البلاء في المستقبل فيأتي إليه فيخبره أنه نازل به في وقت كذا وكذا ويطلب منه مالا فإذا دفعه إليه تحول البلاء عنه وإلا وقع كما أخبر وكان يمكث الشهر وأكثر لا ينام بل يجلس يهمهم بالذكر إلى الفجر صيفا وشتاء توفي في هذه السنة ودفن بقنطرة السد في طريق مصر العتيقة انتهى وفيها تقي الدين أبو بكر الشريطي الصالحي الشيخ الصالح تلميذ الشيخ أبي الفتح المزي أخذ عنه ولبس منه الخرقة وتوفي بغتة يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون وفيها تقريبا أبو الفتح الخطيب بن القاضي ناصر الدين خطيب الحرم بها دخل دمشق قاصدا بلاد الروم وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة سلخ صفر من هذه السنة قاله في الكواكب وفيها شهاب الدين أحمد بن أحمد الباجي بالموحدة الأنطاكي الحلبي المشهور بابن كلف العلامة ولي قضاء العسكر بماردين في زمن السلطان قاسم بك ثم ترك ذلك وعاد إلى نشر العلم بأنطاكية ثم درس بحلب ثم ارتحل إلى

(8/237)


238 بيت المقدس فأعطى تدريس الفنارية وكان عالما عاملا مفننا طارحا للتكلف يلبس الصوف ويلف على رأسه المئزر توفي في هذه السنة ببيت المقدس وفيها شمس الدين أحمد بن سليمان الحنفي الشهير بابن كمال باشا العالم العلامة الأوحد المحقق الفهامة صاحب التفسير أحد الموالي الرومية كان جده من أمراء الدولة العثمانية واشتغل هو بالعلم وهو شاب ثم ألحقوه بالعسكر فحكى هو عن نفسه أنه كان مع السلطان بايزيد خان في سفر وكان وزيره حينئذ إبراهيم باشا بن خليل باشا وكان في ذلك الزمان أمير ليس في الأمراء أعظم منه يقال له أحمد بك بن أورنوس قال فكنت واقفا على قدمي قدام الوزير وعنده هذا الأمير المذكور جالسا إذ جاء رجل من العلماء رث الهيئة دنيء اللباس فجلس فوق الأمير المذكور ولم يمنعه أحد من ذلك فتحيرت في هذا الأمر وقلت لبعض رفقائي من هذا الذي تصدر على مثل هذا الأمير قال هو عالم مدرس يقال له المولى لطفي قلت كم وظيفته قال ثلاثون درهما قلت وكيف يتصدر على هذا الأمير ووظيفته هذا المقدار فقال رفيقي العلماء معظمون لعلمهم فإنه لو تأخر لم يرض بذلك الأمير ولا الوزير فتفكرت في نفسي فوجدت أني لا أبلغ رتبة الأمير المذكور في الإمارة وأني لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ رتبة ذلك العالم فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف فلما رجعنا من السفر وصلت إلى خدمة المولى المذكور وقد أعطى عند ذلك مدرسة دار الحديث بأدرنة وعين له كل يوم أربعون درهما فقرأت عليه حواشي شرح المطالع وكان قد اشتغل في أول شبابه في مبادىء العلوم كما سبق ثم قرأ على المولى القسطلاني والمولى خطيب زادة والمولى معرف زادة ثم صار مدرسا بمدرسة علي بك بمدينة أدرنة ثم بمدرسة أسكوب ثم ترقى حتى درس بإحدى الثمانية ثم بمدرسة السلطان بايزيد بأدرنة ثم صار قاضيا بها ثم أعطى قضاء العسكر الأناضولي ثم عزل وأعطى دار الحديث

(8/238)


239 بادرنة وأعطى تقاعدا كل يوم مائة عثماني ثم صار مفتيا بالقسطنطينية بعد وفاة المولى علي الجمالي وبقي على منصب الافتاء إلى وفاته قال في الشقائق كان من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم وكان يشتغل ليلا ونهارا ويكتب جميع ما سنح بباله وقد فتر الليل والنهار ولم يفتر قلمه وصنف رسائل كثيرة في المباحث المهمة الغامضة وعدد رسائله قريب من مائة رسالة وله من التصانيف تفسير لطيف حسن قريب من التمام اخترمته المنية ولم يكمله وله حواش على الكشاف وشرح بعض الهداية وله متن في الفقه وشرحه وكتاب في علم الكلام سماه تجريد التجريد وشرحه وكتاب في المعاني والبيان كذلك وكتاب في الفرائض كذلك وحواش على شرح المفتاح للسيد الشريف وحواش على التلويح وحواش على التهافت للمولى خواجه زادة وتوفي في هذه السنة وفيها المولى محي الدين أحمد بن المولى علاء الدين علي الفناري الحنفي أحد الموالي الرومية الإمام العلامة قرأ على علماء عصره ثم رحل إلى العجم وقرأ على علماء سمرقند وبخارى ثم عاد إلى الروم فأعطاه السلطان سليم مدرسة الوزير قاسم باشا وكان محبا للصوفية سيما الوفائية مكبا على العلم اطلع على كتب كثيرة وحفظ أكثر لطائفها ونوادرها وكان يحفظ التواريخ وحكايات الصالحين وصنف تهذيب الكافية في النحو وشرحه وحاشية على شرح هداية الحكمة لمولانا زادة وحواش على شرح التجريد للسيد وتفسيرا لسورة الضحى سماه تنوير الضحى وغير ذلك من الرسائل والتعليقات وتوفي في هذه السنة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد المرداوي ثم الصالحي الحنبلي المعروف بابن الديوان الإمام العالم إمام جامع المظفري بسفح قاسيون قال ابن طولون كان مولده بمردا ونشأ هناك إلى أن عمل ديوانها ثم قدم دمشق فقرأ القرآن

(8/239)


240 بها على الشيخ شهاب الدين الذويب الحنبلي لبعض السبعة وأخذ الحديث عن الجمال بن المبرد وغيره وتفقه عليه وعلى الشهاب العسكري وولي إمام جامع الحنابلة بالسفح نيفا وثلاثين سنة وتوفي ليلة الجمعة سابع عشر المحرم فجأة بعد أن صلى المغرب بجامع الحنابلة ودفن بصفة الدعاء وولي الإمامة بعده بالجامع المذكور الشيخ موسى الحجاوي وفيها عز الدين أحمد بن محمد بن عبد القادر المعروف بابن قاضي نابلس الجعفري الحنبلي أحد العدول بدمشق ولد سنة أربع وستين وثمانمائة قال في الكواكب وأخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد سمع منه كثيرا ونقل ابن طولون عنه أن من أشياخه الكمال بن أبي شريف والبرهان البابي والشيخ علي البغدادي وأجاوز له الشيخ البارزي وكان ممن انفرد بدمشق في جودة الكتابة وإتقان صنعة الشهادة وتوفي ليلة الإثنين مستهل ربيع الآخر ودفن بالروضة وفيها شهاب الدين أحمد البقاعي الشافعي الضرير نزيل دمشق حفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر وحفظ الشاطبية وتلا ببعضها على الشيخ علي القيمري وحل البصروية وغيرها في النحو على ابن طولون وبرع وفضل وحج وصار يقرىء الأطفال بمكتب الحاجبية بصالحية دمشق وتوفي بغتة يوم الجمعة تاسع عشرى رجب وفيها السيد شرف الدين الشريف الشافعي العلامة المدرس بزاوية الحطاب بمصر كان صامتا معتزلا عن الناس وقته معمور بالعلم والعبادة وتلاوة القرآن ورده كل ليلة قبل النوم ربع القرآن ما تركه صيفا ولا شتاء وكان على مجلسه الهيبة والوقار وله صحة اعتقاد في الصوفية يتواجد عند سماع كلامهم ذكره الشعراوي وفيها الأمير زين الدين عبد القادر بن الأمير أبي بكر بن إبراهيم بن منجك اليوسف الحنفي أحد أصلاء دمشق وأمرائها حفظ القرآن العظيم وتفقه على الشيخ برهان الدين بن عوف الحنفي وغيره وحصل كتبا نفيسة

(8/240)


241 قال ابن طولون ترددت إليه كثيرا وولي النظر على أوقافهم وحصل دنيا وكان سمحا تمرض وطالت علته إلى أن توفي يوم الأربعاء خامس ذي الحجة ودفن بتربتهم بجامع ميدان الحصا وفيها كريم الدين عبد الكريم ابن عبد اللطيف بن علي بن أبي اللطف المياهي الشافعي القادري الصوفي الصالح قال في الكواكب كان من أعيان جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه ومعتقديه وسمع الحديث على الشيخ سراج الدين الصيرفي وكان يتسبب هو ووالده ببيع المياه المستخرجة وإليه ينسبان عمر صاحب الترجمة زاوية بحذاء الجسر الأبيض وكانت قديما مسجدا ثم أخذ يقيم الأوقات فيها سنين وكان يكثر من شهود الجنائز ومجالس الفقراء ويزور الصلحاء والضعفاء وله شعر منه ( ولقد شكوتك بالضمير إلى الهوى * ودعوت من حنقي عليك فأمنا ) ( منيت نفسي من وصالك قبلة * ولقد يضر المرء بارقة المنى ) توفي ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر ودفن تحت كهف جبريل تجاه تربة السبكيين وفيها علاء الدين علي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة الشهير بابن أبي سعيد قيل أنه نسب إلى المتولي من أصحاب الشافعي ولد سنة ست وستين وثمانمائة وقرأ على جماعة من العلماء ولزم البدر الغزي وقرأ عليه شرحه على المنهاج قراءة بحث وتحقيق واتقان وقرأ عليه كتبا كثيرة في علوم متعددة وكان بارعا ذا يد في الأصول والفقه ومشاركة جيدة في البيان والنحو والمنطق وغير ذلك مع اطراح زائد وتوفي بدمشق في هذه السنة وفيها شمس الدين محمد بن محمد الديري الأصل الحلبي الشافعي الإمام العلامة الحجة الفهامة المعروف بابن الخناجري وولده بابن عجل كان له يد طولى في الفقه والفرائض والحساب مع المشاركة في فنون أخرى قرأ في الحساب على الجمال بن النجار المقدسي

(8/241)


242 الشافعي صاحب بغية الرائض في علم الفرائض وكان لطيف المحاضرة حسن المعاشرة كثير المفاكهة والممازحة معتقدا في الصوفية قال تلميذه ابن الحنبلي كان يسمع الآلات ويقول أنا ظاهري أعمل بقول ابن حزم الظاهري وقال في الكواكب وذكره شيخ الإسلام الوالد في رحلته فقال الشيخ الإمام والحبر الهمام شيخ المسلمين أبو عبد الله محمد شمس الدين الخناجري الشافعي شيخ الفواضل والفضائل وإمام الأكابر والأفاضل وبدر الإنارة المشرق لسرى القوافل وشمس الحقائق التي مع ظهورها النجوم أوافل له المناقب الثواقب والفوائد الفرائد والمناهج المباهج وله بالعلم عناية تكشف العماية ونباهة تكسب النزاهة ودراية تقصد الرواية ومباحثة تشوق ومناقشة تروق مع طلاقة وجه وتمام بشر وكمال خلق وحسن سمت وخير هدى وأعظم وقار وكثرة صمت ثم أنشد ( ملح كالرياض غازلت الشمس * رابها وافتر عنها الربيع ) ( فهو للعين منظر مونق الحسن * وللنفس سؤدد مجموع ) ومن لطائف القاضي جابر متغزلا موريا باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي شيخي حلب ( سللن سيوفا من جفون لقتلتي * وأردفنها من هدبها بالخناجر ) ( فقلت أيفتي في دمى قلن لي أجل * أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجري ) وتوفي في يوم عرفة بعد وفاة الشيخ شهاب الدين الهندي بأشهر فقال ابن الحنبلي يرثيهما ( ثوى شيخنا الهندي في رحب رمسه * ففاضت دموعي من نواحي محاجري ) ( ومن بعده مات الإمام الخناجري * وبان فكم من غصة في الحناجر ) وفيها المولى محي الدين محمد بن قاسم الرومي الحنفي الإمام العلامة أحد موالي الروم ولد بأماسية وترقى في التداريس حتى درس بإحدى الثمان ثم

(8/242)


243 أعطى مدرسة السلطان بايزيد باماسية ثم السليمانية بجوار أياصوفيا وهو أول مدرس بها ثم أعيد إلى إحدى الثمان ومات وهو مدرس بثمانين عثمانيا وكان عالما صالحا محبا للصوفية مشتغلا بنفسه قانعا مقبلا على العلم والعبادة وله مهارة في القراآت والتفسير واطلاع على العلوم الغريبة كالأوفاق والجفر والمويسقى مع المشاركة في كثير من العلوم وكان له يد في الوعظ والتذكير وصنف كتاب روضة الأخبار في علوم المحاضرات وحواشي على شرح الفرائض للسيد وحواشي على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة وتوفي في هذه السنة وصلى عليه وعلى ابن كمال باشا بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني القعدة وفيها شمس الدين محمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الغني الزحلي الشافعي الفاضل أحد مباشري الجامع الأموي قال في الكواكب حضر دروس شيخ الإسلام الوالد وسمع عليه رسالة القشيري قال ابن طولون وكان لا بأس به وكان قد باع عقاره وخرج إلى الحج عازما على المجاورة فمات في طريق الحجاز في الذهاب في الاقيرع المعروفة بمفارش الرز وفيها شمس الدين محمد بن يونس بن يوسف بن المنقار الأمير المولوي الحلبي الأصل ولي نيابة صفد ووطن دمشق قال ابن طولون كان عنده حشمة وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول ودفن بالخوارزمية تحت كهف جبريل بوصية منه وفيها المنلا شمس الدين محمد الأنطاكي الإمام العلامة توفي بالقدس الشريف في هذه السنة وفيها شمس الدين محمد بن الطلحة الشافعي العجلوني الصالح العابد المحدث البسامي نسبة إلى أحد أجداده بسام دخل دمشق وأم بالجامع نيابة وكان له سند بالمصافحة والمشابكة وإرسال العذبة أخذ عنه ابن طولون وغيره ثم عاد إلى عجلون ومات بها في إحدى الجمادين وفيها قاضي القضاة محب الدين محمد بن ظهيرة الشافعي الإمام العالم العلامة قاضي مكة توفي بها في ذي القعدة

(8/243)


244 وفيها مخلص الشيخ الصالح العابد محي السنة في بلاد الغربية من بلاد مصر بعد موت شيخه أبي الخير بن نصر بمحلة منوف كان مقيما بابشيه الملق وكان سيدي محمد الشناوي يكرمه ويجله قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي صحبته نحو ثلاث سنين بعد موت شيخي الشيخ محمد الشناوي قال وحصل لي منه دعوات صالحة وجدت بركتها وأوصاني بإيثار الخمول على الظهور وبعدم التعرف بأركان الدولة قال ولم يزل على المجاهدة التقشف على طريقة الفقراء إلى أن توفي ودفن بابشيه الملق وقبره بها ظاهر يزار وفيها نور الدين بن عين الملك الصالح يالشيخ الصالح كان محبا لطلبة العلم ملازما لعمل الوقت بزاوية جده عين الملك بسفح قاسيون توفي يوم الجمعة سادس شعبان سنة إحدى وأربعين وتسعمائة فيها توفي القاضي تقي الدين أبو بكر بن شهلا الأسمر الدمشقي المتصوف تولى نيابة القضاء مرارا وصار له صيت عند قضاة الأروام خصوصا ابن اسرافيل ثم انحرف عليه وعزله واستمر معزولا إلى أن توفي يوم الخميس ثاني صفر ودفن بتربة الشيخ أرسلان وخلف دنيا كثيرة قيل أنها سبعة عشر ألف دينار وفيها المولى أحمد وقيل عبد الأحد بن عبد الله وقيل ابن عبد الأحد الحنفي الشهير بقراأوغلى الفاضل أحد الموالي الرومية قال صاحب الشقائق كان من عتقاء السيد إبراهيم الأماسي أحد الموالي فقرأ على مولاه المذكور ثم درس ببعض نواحي أماسية ثم بمدرسة أماسية ثم بأبي أيوب الأنصاري ثم بإحدى الثمانية ثم اعطى قضاء دمشق ودخلها في إحدى الجمادين سنة أربعين وهو شيخ كبير وكان الغالب عليه محبة الصوفية والفقراء ونادى بدمشق أن لا تخرج امرأة طفلة إلى الأسواق قال وكان محبا للعلماء وقورا

(8/244)


245 صاحب شيبة حسنة صحيح العقيدة محمود الطريقة أديبا لبيبا وقال ابن طولون بعد أن وصفه بالعلامة وسماه أحمد بن عبد الأحد وكان منور الشيبة محبا للصالحين غير أن فوق يده أيديا فكان ذلك يمنعه من سماع كلمته ونفوذ أمره وتوفي وهو قاض بدمشق يوم الثلاثاء حادي عشرى ذي الحجة ودفن بباب الصغير عند سيدي بلال وفيها السيد تاج الدين عبد الوهاب الصواف الدمشقي الشافعي الشريف المقرىء قال ابن طولون سمع معي بمكة على محدثها الشيخ عز الدين بن فهد وغيره وبدمشق على مؤرخها القاضي محي الدين النعيمي وغيره وكان يقرأ للأموات خصوصا بتربة باب الصغير وكان يدعو في المحافل أدعية لطيفة وكان صالحا فقيرا توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال ودفن باب الصغير وفيها نور الدين علي البحيري الشافعي أحد علماء القاهرة قال في الكواكب بلغني أن المولى ابن كمال باشا لما كان بمصر كان يباحثه ويشهد له بالفضل التام ويقول لا تقولوا البحيري ولكنه البحري يشير إلى تبحره في العلم وتوفي بمصر في شعبان وترجمه ابن طولون بأنه خر شيوخ المصريين وفيها المنلا عماد بن محمود الطارمي قال في النور مولده بطارم قرية من خراسان ونشأ بها واشتغل بتحصيل فنون العلوم حتى برع ثم جاء إلى كجرات وأقام بها إلى أن مات وكان بارعا في كثير من العلوم سيما العقليات وكانت له يد طولى في علم السيميا ويحكى عنه فيها حكايات مشهورة وممن أخذ عنه من الأعلام مولانا وجيه الدين ومولانا العلامة القاضي عيسى انتهى وفيها بهاء الدين محمد بن محمد بن علي الفصي البعلي الشافعي مفتي بعلبك الإمام العلامة المدقق الفهامة ولد ببعلبك سنة سبع وخمسين وثمانمائة وعرض المنهاج على البدر بن قاضي شهبة ثم جد في الاشتغال في سنة إحدى وسبعين على جماعة منهم الزين خطاب وندم الدين وتقي الدين ابنا قاضي عجلون وأذن له الشيخ تقي الدين بالافتاء

(8/245)


246 والتدريس وقرأ على القاضي زكريا الأنصاري وأذن له أيضا بالافتاء والتدريس في سنة خمس وثمانين وكان عنده ذكاء وشاب سريعا وكان ألثغ قاله النعيمي وقال في الكواكب كان من اخوان شيخ الإسلام الجد وشيخ الإسلام الوالد ومشاركيهما في الشيوخ وإن كان الشيخ الوالد دونه في السن وتوفي ببعلبك يوم الأربعاء رابع عشرى المحرم قال ابن طولون ولم يخلف بعده مثله ولا في دمشق في فقه الشافعية وفيها محي الدين محمد بن بير محمد باشا الحنفي أحد موالي الروم الإمام العلامة قرأ على والده ثم خدم المولى ابن كمال باشا ثم المولى علاء الدين الجمالي وصار معيدا لدروسه ثم درس بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية ثم بإحدى الثمان ثم صار قاضي أدرنة ومات قاضيا بها وكان عالي الهمة رفيع القدر ذا أدب ووقار وحظ وافر من العلوم المتداولة سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة فيها توفي إبراهيم المصري المجذوب الصالح المعروف بعصيفير قال في الكواكب كان من أهل الكشف الكامل وأصله من نواحي الصعيد وكان ينام مع الذئاب في القفار ويمشي على الماء جهارا قال الشعراوي وأخبرني بحريق يقع في مكان فوقع فيه تلك الليلة ومر عليه شخص بإناء فيه لبن فرماه منه فانكسر فإذا فيه حية ميتة وأحواله عجيبة توفي بمصر ودفن تجاه زاوية أبي الحمايل وفيها أبو الفضل الأحمدي صاحب الكشوفات الربانية والمواهب الصمدانية أخذ الطريق عن سيدي على الخواص والشيخ بركات الخواص وغيرهما قال في الكواكب وكان من أهل المجاهدات وقيام الليل والتخشن في المأكل والملبس وكان يخدم إخوانه ويقدم لهم نعالمهم ويهيىء الماء لطهارتهم وكان له كشف عجيب بحيث يرى بواطن

(8/246)


247 الخلق وما فيها كما يرى ما في داخل البلور وقال سألت الله تعالى أن يحجب ذلك عني فأبى علي وكان يقول أعطاني الله تعالى أن لا يقع بصري على حب فيسوس وجرب ذلك فيه وقال الشعراوي وقع بيني وبينه اتحاد عظيم لم يقع لي قط مع أحد من الأشياخ وكنت إذا جالسته وسرى ذهني إلى مكان أو كلام يقول ارجع بقلبك من الشيء الفلاني فيعرف ما سرح قلبي إليه وكنت إذا ورد على شيء من الحقائق وأردت أقوله له يقول لي قف لا تخبرني حتى أسمعك ما ورد عليك فيقوله حرفا بحرف وقال في الطبقات الكبرى حج مرات على التجريد فلما كان آخر حجة كان ضعيفا فقلت له في هذه الحال تسافر فقال لترابي فإن طينتي مرغوها في تربة الشهداء ببدر فكان كما قال وتوفي ببدر وفيها إسمعيل الشرواني الحنفي الإمام العلامة المحقق المدقق الصالح الزاهد العارف بالله تعالى قرأ على علماء عصره منهم الجلال الدواني ثم خدم العارف بالله خواجه عبيد الله السمرقندي وصار من كمل أصحابه ولما مات خواجه عبيد الله ارتحل المترجم إلى مكة المشرفة وتوطنها ودخل الروم في ولاية السلطان أبي يزيد ثم عاد إلى مكة وأقام بها إلى أن مات قال في الشقائق كان رجلا معمرا وقورا مهيبا منقطعا عن الناس مشتغلا بنفسه طارحا للتكلف حسن المعاشرة له فضل عظيم في العلوم الظاهرة وألف حاشية على تفسير البيضاوي وكان يدرس بمكة فيه وفي البخاري وتوفي بها في عشر ذي الحجة عن نحو أربع وثمانين سنة وفيها بديع بن الضيا قاضي مكة المشرفة وشيخ الحرم بها قال ابن طولون كان من أهل الفضل والرياسة قدم دمشق ثم سافر إلى مصر فبلغه تولية قضاء مكة للشيخ زين الدين عبد اللطيف بن أبي كثير فرجع إلى دمشق وأقام بها مدة ثم سافر إلى الروم سنة إحدى وأربعين بعد أن حضر عند الشيخ علي الكيزواني تجاه مسجد العفيف بالصالحية وسمع المولد وشرب

(8/247)


248 هو والشيخ علي وجماعته القهوة المتخذة من البن ولا أعلم أنها شربت في بلدنا هذه يعني دمشق قبل ذلك فلما وصل القاضي بديع إلى الروم أعيد إليه قضاء جدة ثم رجع فتوفي بمدينة بدليس من أطراف ديار بكر انتهى ملخصا وفيها جابر بن إبراهيم بن علي التنوخي القضاعي الشافعي القاطن بجبل الأعلى من معاملة حلب ولي نيابة القضاء به وكان شاعرا عارفا بالعروض والقوافي وطرفا من النحو مستحضرا لكثير من اللغة ونوادر الشعراء حافظا لكثير من مقامات الحريري حضر دروس العلاء الموصلي بحلب وذاكره ومن نظمه ( طاب الزمان وراقت الصهباء * وشدت على أوراقها الورقاء ) وهي طويلة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد بافضل العدني الشافعي قال في النور تفقه بوالده وانتصب بعده للتدريس بعدن وكان فقيها محدثا فاضلا حسن الأخلاق شريف النفس مخالقا للناس حسن السعي في حوائج المسلمين محببا إليهم سليم الصدر عمي في آخر عمره وتطبب فرد الله عليه بصره ولم يزل على الحال المرضى إلى أن توفي ضحى يوم الخميس حادي عشر شعبان بعدن وفيها زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن حسن الشهير بابن القصاب الكردي الحلبي الشافعي الإمام العالم العامل الكامل أحد المدرسين بحلب أخذ عن البدر بن السيوفي وغيره وتوفي بحلب وفيها زين الدين عبد الرحمن بن جلال الدين محمد البصروي الحنفي الشافعي والده وهو أي المترجم سبط العلامة زين الدين عبد الرحمن بن العيني الحنفي قال ابن طولون رأيته يدرس في المختار وتوفي بالحسا أحد منازل الحاج وفيها زين الدين عبد القادر بن اللحام البيروتي الشافعي العلامة توفي ببيروت قاله في الكواكب وفيها نور الدين علي بن يس الطرابلسي

(8/248)


249 الحنفي الشيخ الإمام شيخ الإسلام شيخ الحنفية بمصر وقاضي قضاتها اشتغل على الشمس الغزي والصلاح الطرابلسي وكان دينا متقشفا مفننا في العلوم ولي قضاء القضاة في الدولة السليمانية إلى أن جاء قاض لمصر رومي من قبل السلطان سليمان فاستمر معزولا يفتي ويدرس إلى أن مات وهو ملازم على النسك والعبادة قال الشعراوي كان كثير الصدقة سرا وجهرا وأنكر عليه قضاة الأروام بسبب افتائه بمذهبه الراجح عنده وكاتبوا فيه السلطان وجرحوه بما هو برىء منه فأرسل السلطان يأمر بنفيه أو قتله فوصل المرسوم يوم موته بعد أن دفناه وكانت هذه كرامة له انتهى وفيها قاسم بن زلزل بن أبي بكر القادري أحد أرباب الأحوال المشهورين بحلب قال ابن الحنبلي كان في أول أمره ذا شجاعة حمى بها أهل محلته المشارفة بحلب من اللصوص وكان يعارضهم ليلا في الطرقات ويقول لهم ضعوا ما سرقتم وفوزوا بأنفسكم أنا فلان فلا يسعهم إلا وضعه ثم صار مريدا للشيخ حسين بن أحمد الأطعاني كما كان أبوه مريدا لأبيه ثم صار مريدا لابن أرسلان الرملي وعلى يده حصلت له حال وهو الذي حمله على سقاية الماء فكان يسقي الماء في الطرقات وهو يذكر الله تعالى وتحصل له الحال الصادقة فيرفع رجله ويبطش بها على الأرض وذكر له كرامات كثيرة قال وتوفي في أواخر السنة وفيها القاضي شمس الدين محمد بن يوسف الدمشقي الحنفي ناب في القضاء عن قاضي القضاة ابن الشحنة وعن قاضي القضاة يونس بدمشق ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البقسماطي عند قاضي دمشق أنهما رافضيان فحرقا تحت قلعة دمشق بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد وألقى عليهما القنب والبواري والحطب ثم أطلقت النار عليهما حتى صار رمادا ثم ألقى رمادهما في بردى وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب قال ابن

(8/249)


250 طولون وسئل الشيخ قطب الدين بن سلطان مفتي الحنفية عن قتلهما فقال لا يجوز في الشرع بل يستتابان وفيها بدر الدين محمد العلائي الحنفي المصري العلامة المسند المؤرخ قال في الكواكب أخذ عن شيخ الإسلام الجد وغيره وأثنى عليه العلامة جار الله ابن فهد وغيره انتهى وفيها الشيخ شمس الدين محمد الشامي قال العلامة الشعراني في ذيله على طبقاته ما نصه ومنهم الأخ الصالح العام الزاهد الشيخ شمس الدين محمد الشامي المتمسك بالسنة المحمدية نزيل التربة البرقوقية وكان عالما صالحا مفننا في العلوم وألف السيرة النبوية المشهورة التي جمعها من ألف كتاب وأقبل الناس على كتابتها ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه أحد كان عزبا لم يتزوج قط وإذا قدم عليه المضيف يعلق القدر ويطبخ له كان حلو المنطق مهيب النظر كثير الصيام والقيام بت عنده الليالي فما كنت أراه ينام في الليل إلا قليلا كان إذا مات أحد من طلبة العلم وخلف أولادا قاصرين وله وظائف يذهب إلى القاضي ويتقرر فيها ويباشرها ويعطي معلومها للأيتام حتى يصلحوا للمباشرة كان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئا ولا يأكل من طعامهم وذكر لي شخص من الذين يحضرون قراءة سيرته في جامع الغمري أن أسأله في اختصار السيرة وترك ألفاظ غريبها وأن يحكي السير على وجهها كما فعل ابن سيد الناس فرأيته بين القصرين وأخبرته الخبر فقال قد شرعت في اختصارها من مدة كذا فرأيت ذلك هو الوقت الذي سألني فيه ذلك الرجل وكانت عمامته نحو سبعة أذرع على عرقية لم يزل غاضا طرفه سواء كان ماشيا أو جالسا رحمه الله وأخلاقه الحسنة كثيرة مشهورة بين أصحابه ورفقائه انتهى كلام الشعراوي وقال سيد أحمد العجمي المتولي سنة ست وثمانين وألف أنه توفي يوم الإثنين رابع عشر شعبان أي

(8/250)


251 من هذه السنة وله من المؤلفات عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان الجامع الوجيز الخادم للغات القرآن العزيز مرشد السالك إلى ألفية ابن مالك النكت عليها اقتضبه من نكت شيخه السيوطي عليها وعلى الشذور والكافية والشافية والتحفة وزاد عليه يسيرا والآيات العظيمة الباهرة في معراج سيد أهل الدنيا والآخرة ومختصره المسمى بالآيات البينات في معراج سيد أهل الأرض والسموات رفع القدر ومجمع الفتوة في شرح الصدر وخاتم النبوة كشف اللبس في رد الشمس شرح الجرومية الفتح الرحماني شرح أبيات الجرجاني الموضوعة في الكلام وجوب فتح ان وكسرها وجواز الأمرين اتحاف الراغب الواعي في ترجمة أبي عمرو الأوزاعي النكت المهمات في الكلام على الأبناء والبنين والبنات تفصيل الاسفتادة في بيان كلمتي الشهادة اتحاف الأريب بخلاصة الأعاريب الجواهر النفائس في تحبير كتاب العرائس الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة عين الإصابة في معرفة الصحابة انتهى وفيها المولى محيى الدين محمد القرماني الحنفي أحد الموالي الرومية قرأ على علماء العجم ثم دخل الروم فقرأ على المولى يعقوب بن سيدي علي شارح الشريعة وصار معيدا لدرسه ثم درس ببعض المدارس ثم أعطى مدرسة أزنيق ومات عنها وكان مشتغلا بالعلم ليلا ونهارا علامة في التفسير والأصول والعربية له تعليقات على الكشاف والقاضي والتلويح والهداية وشرح رسالة اثبات الواجب الوجود للدواني وله حواش على شرح الوقاية لصدر الشريعة وكتاب في المحاضرات سماه جالب السرور وفيها جمال الدين يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنصاري السعدي العبادي الحلبي الحنفي كان فرضيا حيسوبا فقيها ولي نيابة القضاء في الدولتين

(8/251)


252 ومات فقيرا بأنطاكية سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة في ثالث رمضانها قتل السلطان بهادر بن السلطان مظفر صاحب كجرات من بلاد الهند قتل في بندر الديو وجاء تاريخ قتله قتل سلطاننا بهادر وفيها توفي شهاب الدين أبو النجيب أحمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي قال ابن الحنبلي وبموته انقرض الذكور من بيت الحبيشي وفيها السيد الحاضري المغربي المالكي نزيل دمشق بالتربة الأشرفية شمالي الكلاسة جوار الجامع الأموي تزوج بابنة القاضي كمال الدين البقاعي الشافعي ثم سافر من دمشق إلى الروم وحصل له إقبال زائد من السلطان والوزير اياس باشا وأعطى دنيا ووظائف منها إمامة المالكية بالجامع ثم عاد فمات بحلب وفيها عفيف الدين عبد الله بن أحمد سرومي الشحري اليمني الفقيه الشافعي ولد بالشحر ونشأ بها وقرأ القرآن ثم ارتحل إلى زبيد لطلب العلم فأخذ عن إمامها الفقيه كمال الدين موسى بن الزين والعلامة جمال الدين القماط وغيرهما ثم رجع إلى بلده الشحر فأخذ عن عالمها عفيف الدين المعروف بالحاج ولازمه ثم سعى له في وظيفة القضاء بها فاستمر قاضيا بها إلى أن عزم على الحج وكان رحمه الله يحب الطلبة ويؤهلهم ويحب الإفادة والاستفادة لطيفا قريب الجناب سليم الباطن قوي الصبر على الطاعة والأوراد النبوية كثير التعظيم للأكابر من العلماء والصالحين واعتنى بحاشية على الروضة لكن عدمت وذلك أن أحد أولاده دخل بها الهند فعدمت هناك وتوفي بمكة المشرفة في ذي القعدة قبل أن يحج بالمعلاة وفيها عبد الغني العجلوني الأربدي الجمحي بضم الجيم وإسكان الميم وبالحاء المهملة نسبة إلى قرية جمحي كقربى من قرى اربد قال في الكواكب

(8/252)


253 كان من أولياء الله تعالى حسن الطريقة صحيح العقيدة ضابطا للشريعة كافا للسانه تردد إلى دمشق مرارا وكان سيدي محمد بن عراق يجله ويعظمه وكان قانعا زاهدا متواضعا ملاحظا للإخلاص ليس له دعوى حافظا لجوارحه ولسانه مقبلا على شأنه مات ببلده جمحي انتهى ملخصا وفيها شمس الدين محمد بن ولي الدين الحنفي الحلبي المقرىء المجود الشهير بابيه كان من تلاميذ العلامة شمس الدين بن أمير حاج الحلبي الحنفي ومن مريدي الشيخ عبد الكريم الحافي وكان له خط حسين وهيئة مقبولة وسكينة وصلاح وكان يؤدب الأطفال داخل باب قنسرين وله في كل سنة وصية وفي سنة موته أوصى مرتين ومات مسموما رحمه الله تعالى وفيها صدر الدين محمد ابن الناسخ الإمام العلامة شيخ مدينة طرابلس الشام توفي بها رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد الأويسي البعلي الحنفي خليفة الشيخ أويس وكان أجل خلفائه يعرف التصوف معرفة جيدة وله مشاركة في غيره توفي ببعلبك رحمه الله وفيها القاضي جمال الدين يوسف بن يونس بن يوسف بن المنقار الحلبي الأصل الدمشقي الصالحي قطن بصالحية دمشق وولي قضاء صفد ثم خرت برت ولم يذهب إليها وولي نظر الماردانية والمعزية بالشرف الأعلى وأثبت أنه من ذرية واقفيها ثم لما توفي نازع ولديه في العزية يحيى بن كريم الدين وأثبت أنه من ذرية واقفيها وقد ذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل أن ذرية محمد الواقف قد انقرضت وولي المذكور نظر البيمارستان القيمري وغيره ثم أنه أثبت أنه منسوب إلى الخلفاء العباسيين قاله في الكواكب سنة أربع وأربعين وتسعمائة فيها توفي المولى أبو الليث الرومي الحنفي أحد موالي الروم خدم المولى

(8/253)


254 الشهير بضميري وبه اشتهر وصار معيدا لدرسه ثم صار مدرسا بمدرسة الوزير محمود باشا بالقسطنطينية ثم بأبي أيوب ثم بإحدى الثمان ثم صار قاضيا بحلب قال ابن الحنبلي أنه كان علائي الأصل نسبة إلى العلائية قصبة قريب أدنة قال وكان له إلى إحسان برقم بعض العروض في بعض المناصب الحلبية حتى نظمت له ما نظمت وأنا بمجلسه وقد دفع إلى عرضا وكان على وفق المراد فقلت ( أتمحل أرض أو يشيب بناتها * وأنت لأرض يا أخا الغيث كالغيث ) ( محال وما من همة قسورية * تفوت أخا عدم وأنت أبو الليث ) ثم ولي قضاء دمشق ودخلها يوم الخميس تاسع شعبان سنة أربع وأربعين وتسعمائة ثم توفي بها يوم الأربعاء حادي عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن بباب الصغير وفيها المولى إسحق بن إبراهيم الأسكوبي وقيل البروصاوي أحد موالي الروم طلب العلم وأخذ عن جماعة وخدم المولى بالي الأسود ثم صار مدرسا بمدرسة إبراهيم باشا بأدرنة ثم بمدرسة اسكوب إلى أن درس بإحدى الثمان ثم أعطى قضاء دمشق فدخلها في ثامن ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ولما دخلها قال لا يدخل علي أحد إلى ثلاثة أيام لأستريح فإني شيخ كبير مسفور ثم برز للناس واجتمعوا به وحكم بينهم فشكر في أحكامه واشتهرت عفته واستقامته وتوفي ليلة الإثنين خامس عشرى ربيع الثاني بدمشق ودفن بباب الصغير وفيها كما قال في النور توفي جدي الشريف عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس ولد سنة سبع وثمانين وثمانمائة وكان من كبار الأولياء صحب عمه الشيخ الكبير فخر الدين أبا بكر بن عبد الله العيدروس صاحب عدن واختص به وكذا صحب عمه الشيخ حسين وأباه الشيخ شيخ وغيرهما من الأكابر وأخذ عنهم وتخرج بهم إلى أن بلغ المرتبة التي تعقد عليها الخناصر وكان له جاه عظيم في قطر اليمن وقبول كثير عند الخاص والعام

(8/254)


255 خصوصا في ثغر عدن ولبس منه الخرقة جماعة منهم ابن حجر المكي وكان حسن الأخلاق كثير الإنفاق شريف النفس والأوصاف نقيب السادة الاشراف وافر العقل ظاهر الفضل غني النفس قانعا بالكفاف وضىء الوجه أخضر اللون طويل القامة كثير المناقب عظيم المواهب ليس له في زمانه نظير ذا كرامات ظاهرة كثيرة توفي ليلة الأربعاء رابع عشر شعبان بتريم ودفن بها انتهى وفيها الحافظ وجيه الدين أبو محمد عبد الرحمن ابن علي الديبع الشيباني العبدري الزبيدي الشافعي قال رحمه الله في آخر كتابه بغية المستفيد بأخبار زبيد كان مولدي بمدينة زبيد المحروسة في يوم الخميس الرابع من المحرم الحرام سنة ست وستين وثمانمائة في منزل والدي منها وغاب والدي عن مدينة زبيد في آخر السنة التي ولدت فيها ولم تره عيني قط ونشأت في حجر جدي لأمي العلامة الصالح العارف بالله تعالى شرف الدين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي وانتفعت بدعائه لي وهو الذي رباني جزاه الله عني بالإحسان وقابله بالرحمة والرضوان وقال في النور هو الإمام الحافظ الحجة المتقن شيخ الإسلام علامة الإمام الجهبذ الإمام مسند الدنيا أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين خاتمة المحققين ملحق الأواخر بالأوائل أخذ عمن لا يحصى وأخذ عنه الأكابر كالعلامة ابن زياد والسيد الحافظ الطاهر بن حسين الأهدل والشيخ أحمد بن علي المزجاجي وغيرهم وأجاز لمن أدرك حياته أن يروى عنه فقال ( أجزت لمدركي وقتي وعصري * رواية ما تجوز روايتي له ) ( من المقروء والمسموع طرا * وما ألفت من كتب قليله ) ( ومالي من مجاز من شيوخي * من الكتب القصيرة والطويله ) ( وأرجو الله يختم لي بخير * ويرحمني برحمته الجزيلة ) وكان ثقة صالحا حافظا للأخبار والآثار متواضعا انتهت إليه رياسة الرحلة

(8/255)


256 في علم الحديث وقصده الطلبة من نواحي الأرض ومن مصنفاته تيسير الوصول إلى جامع الأصول في مجلدين ومصباح المشكاة وشرح دعاء ابن أبي حربة وغاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب به الجنة وبغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد وكتاب قرة العيون في أخبار اليمن الميمون وله مولد شريف نبوي وكتاب المعراج إلى غير ذلك ومن شعره قوله في صحيح البخاري ومسلم ( تنازع قوم في البخاري ومسلم * لدي وقالوا أي ذين يقدم ) ( فقلت لقد فاق البخاري صنعة * كما فاق في حسن الصياغة مسلم ) ومنه فيهما ( قالوا لمسلم سبق * قلت البخاري جلى ) ( قالوا تكرر فيه * قلت المكرر أحلى ) ولم يزل على الإفادة وملازمة بيته ومسجده لتدريس الحديث والعبادة واشتغاله بخويصته عما لا يعنيه إلى أن توفي ضحى يوم الجمعة السادس والعشرين من رجب وفيها المولى عبد الرحيم بن علي بن المؤيد المشهور بحاجي جلبي الرومي القسطنطيني الحنفي عرف بابن المؤيد الفاضل العلامة أحد الموالي الأصلاء قال في الشقائق كان أولا من طلبة العلم الشريف وقرأ على المولى الفاضل سنان باشا وعلى المولى خواجه زادة وكان مقبولا عندهما ثم سلك مسلك التصوف واتصل بالشيخ العارف بالله محي الدين الأسكليبي ونال عنده غاية متمناه وحصل له شأن عظيم وجلس للارشاد في زاوية شيخه الشيخ مصلح الدين السروري وربى كثيرا من المريدين قال وبالجملة فقد كان جامعا بن الفضيلتين العلم والعمل وكان فضله وذكاؤه في الغاية لا سيما في العلوم العقلية وأقسام العلوم الحكمية وقد ظهرت له كرامات وقال في الكواكب ذكره والده فقال استفدت منه واستفاد مني وأخذت عنه وأخذ

(8/256)


257 عني واستجزته لولدي أحمد ولمن سيحدث لي من الأولاد ويوجد على مذهب من يرى ذلك ومما أخذ عني كثير من مؤلفاتي وأن كتابة خلاق عليم ينفع لدفع الطاعون فإنه مجرب كما رواه لنا الأئمة الواعون ومما أفادني أن الإنسان إذ قال ربنا خمس مرات ودعا استجيب له واحتج بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام ( ^ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) إلى قوله ( ^ ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) قال فاستحضرت في الحال دليلا آخر ببركته وهو قوله تعالى ( ^ ربنا ما خلقت هذا بطلا سبحانك ) إلى قوله ( ^ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) الآية وهي تمام الخمس ثم عقبها بقوله ( ^ فاستجاب لهم ربهم ) فسر بذلك انتهى ويؤيد هذا ما روى عن جعفر الصادق من حزبه أمر من قال خمس مرات ربنا أنجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ ( ^ ربنا ما خلقت هذا باطلا ) الآيات انتهى ملخصا وفيها عبد الواحد المغربي المالكي نزيل دمشق الشيخ الصالح قرأ على ابن طولون عدة مقدمات في النحو ثم الألفية وشرحها لابن المصنف وسمع عليه في الحديث كثيرا وبرع في فقه المالكية تخرج فيه على أبي الفتح المالكي ودرس بالجامع الأموي حسبة وكان يقرىء الأطفال بالكلاسة ثم بالأمينية وتوفي في البيمارستان النوري يوم الإثنين ثاني عشرى صفر وفيها عبد الواسع المولى الفاضل العلامة الحنفي الديمتوقي المولد أحد موالي الروم كان والده من الأمراء واشتغل هو بالعلم وقرأ على المولى شجاع الدين الرومي ثم على المولى لطفي التوقاتي وغيرهما ثم ارتحل إلى بلاد العجم ووصل إلى هراة من بلاد خراسان وقرأ هناك على العلامة حفيد السعد التفتازاني حواشي شرح العضد للسيد الشريف ثم عاد إلى الروم في أواخر دولة السلطان سليم فأنعم عليه بمدرسة علي بك بأدرنة إلى أن وصل إلى إحدى الثمان ثم ولاه قضاء بروسا ثم ولاه السلطان سليمان قضاء القسطنطينية وبعد

(8/257)


258 يومين جعله قاضيا بالعسكر الأناضولي ثم عين له كل يوم مائة عثماني بطريق التقاعد ثم صرف جميع ما في يده في وجوه الخيرات وبنى مكتبين ومدرسة ووقف جميع كتبه على العلماء بأدرنة وكان عنده جارية فأعتقها وزوجها من رجل صالح ثم ارتحل إلى مكة المشرفة وانفرد بها عن الأهل والمال والولد واشتغل بالعبادة إلى أن توفي وفيها فخر الدين أبو النور عثمان بن شمس الآمدي ثم الدمشقي الحنفي الإمام العلامة المفنن الخطيب ولي خطابة السليمية بصالحية دمشق ومشيخة الجقمقية بالقرب من جامع الأموي ودرس بالجامع المذكور وكان ساكنا يجيد تدريس المعقولات وله يد طولى في علم النغمة وله كتابة حسنة وحوى كتبا نفيسة وتوفي يوم الإثنين ثاني عشرى ربيع الأول وهو في حدود السبعين ودفن في طرف تربة باب الفراديس الشمالي وفيها نور الدين على الشوني الشافعي الصالح المجمع على جلالته وصلاحه أول من عمل طريقة المحيا بالصلاة على النبي بمصر ولد بشونى قرية بناحية طندتا من غربية مصر ونشأ في الصلاة على النبي وهو صغير ببلده ثم انتقل إلى مقام سيدي أحمد البدوي فأقام فيه مجلس الصلاة على النبي ليلة الجمعة ويومها فكان يجلس في جماعة من العشاء إلى الصبح ثم من صلاة الصبح إلى أن يخرج إلى صلاة الجمعة ثم من صلاة الجمعة إلى العصر ثم من صلاة العصر إلى المغرب فأقام على ذلك عشرين سنة ثم خرج يودع رجلا من أصحابه في المراكب أيام النيل كان مسافرا إلى مصر ففات المركب بهم وما رضي الريس يرجع بالشيخ فدخل مصر فأقام بالتربة البرقوقية بالصحراء وكان يتردد إلى الأزهر للصلاة على النبي فاجتمع عليه خلق كثير منهم الشيخ عبد الوهاب الشعراوي لازمه نحو خمس سنين ثم أذن له أن يقيم الصلاة في جامع الغمري ففعل وكان الشيخ عبد القادر بن سوار يتردد إلى مصر في التجارة والطلب فلازم

(8/258)


259 الشوني ورجع إلى دمشق بهذه الطريقة ثم اصطلح على تسمية هذه الطريقة بالمحيا وانتشرت طريقة الشوني ببركته في الآفاق وتوفي بالقاهرة ودفن بزاوية مريده الشيخ عبد الوهاب الشعراوي وفيها مبارك بن عبد الله الحبشي الدمشقي القابوني الشيخ الصالح المربي قال ابن المبرد في رياضه الشيخ مبارك ظهر في سنة سبع وتسعين وثمانمائة وصار له مريدون وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر من إراقة الخمور وغيرها بعد ما أبطل ذلك وقام على الأتراك وقاموا عليه وقال ابن طولون قرأ الشيخ مبارك في غاية الاختصار على التقي بن قاضي عجلون وبنى له زاوية بالقرب من القابون التحتاني وأقام هو جماعته بها وكان يتردد إليه شيخ الإسلام المذكور وكان هو وجماعته يترصدون الطريق على نقلة الخمر فيقطعون ظروفها ويريقونها فبلغ الحكام ذلك فقبض النائب على بعض اجماعة الشيخ وحبسهم في سجن باب البريد فنزل الشيخ مبارك ليشفع فيهم فحبس معهم فأرسل ابن قاضي عجلون يشفع فيه فأطلق ثم هجم بقية جماعة الشيخ مبارك على السجن وكسروا بابه وأخرجوا من فيه من رفاقهم فبلغ النائب فأرسل جماعة من مماليكه فقتلوا منهم نحو سبعين نفسا عند باب البريد وقرب الجامع الأموي ثم ترك الشيخ مبارك ذلك ولازم حضور الزوايا كزاوية الشيخ أبي بكر بن داود بالسفح ووقت سيدي سعد بن عبادة بالمنيحة وكان شديد السواد عظيم الخلقة له همة عظيمة وقوة بأس وشدة وله معرفة تامة بالنغمة والصيد والسباحة يغوص في تيار الماء ويخرج وبين أصابع يديه ورجليه السمك وحج ومعه جماعة من أصحابه فلما دخلوا مكة فرغت نفقتهم فقال لبعض أصحابه خذ بيدي إلى السوق واقبض ثمني واصرفه على بقية الجماعة ففعل ذلك واشتراه بعض تجار العجم ثم أعتقه قال ابن طولون والشيخ مبارك هو الذي أحدث اللهجة في الذكر قال وحقيقتها أنه يذكرون إلى أن يقتصروا من الجلالة على

(8/259)


260 الهمزة والهاء الكنهم يبدلون الهاء حاء مهملة فيقولون اح اح وتوفي يوم الخميس مستهل ربيع الأول ودفن بتربة القابون التحتاني وفيها شمس الدين محمد بن عبد القادر بن أبي بكر بن الشحام العمري الحلبي الموقت الفقيه سمع الحديث المسلسل بالأولية على المحدث عبد العزيز بن فهد المكي وكان دينا خيرا رئيسا بجامع حلب قال ابن الحنبلي قرأت عليه في الميقات سافر إلى دمشق فمرض بها وتوفي ببيمارستانها وفيها شمس الدين محمد الظني الشافعي العالم المعتقد كان يؤدب الأطفال وفي آخر عمره استمر مؤدبا لهم بالقيمرية الجوانية وأعطى مشيخة القراء بالشامية البرانية وباشرها أشهرا ثم مات عنها يوم الخميس رابع المحرم وفي حدودها الشيخ تقي الدين أبو بكر الأبياري المصري الصوفي كان فقيها زاهدا عابدا يعرف الفقه والأصول والحديث والقراآت والنحو والهيئة وكان يقرىء الأطفال احتسابا ولم يتناول على التعليم شيئا وما قرأ عليه أحد إلا انتفع وكان موردا للفقراء ببلده ابيار لا ينقطع عنه الضيف ومع ذلك لا راتب له ولا معلوم بل ينفق من حيث لا يحتسب وأخذ الطريق عن الشيخ محمد الشناوي وأذن له في تربية المريدين فلم يفعل احتقارا لنفسه رحمه الله تعالى سنة خمس وأربعين وتسعمائة فيها توفي الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد بن يوسف القاري ثم الدمشقي الشافعي الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق المدقق الفهامة شيخ الإسلام أخذ عن البرهان بن أبي شريف والقاضي زكريا وغيرهما من علماء مصر وبالشام عن الحافظ برهان الدين الناجي وغيره وتفقه بالتقي بن قاضي عجلون وابن أخته السيد كمال الدين بن حمزة والتقي البلاطنسي وولي إمامة المقصورة بالأموي شريكا للقاضي شهاب الدين الرملي وولي نظر الحرمين وغيره وتدريس الشامية

(8/260)


261 البرانية آخرا مدة يسيرة واخترمته المنية ولزم المشهد الشرقي بالجامع الأموي بعد شيخه ابن قاضي عجلون وردت المشكلات إليه وعكف الطلبة عليه وممن أخذ عنه الشهاب الطيبي والعلاء بن عماد الدين وتزوج بنت مفتي الحنفية قطب الدين بن سلطان ورزق منها ابنا مات بعده بمدة يسيرة وكان محققا مدققا واقفا مع المنقول عالما بالنحو والقراآت والفقه والأصول نظم أرجوز لطيفة في عقيدة أهل السنة وله شعر حسن وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها تقريبا المنلا أبو بكر العلوي الحنفي نسبة إلى محمد بن الحنيفية رضي الله عنه الحنفي المذهب المعروف بشيخ زاده كان من كبار الفضلاء الأذكياء مع ماله من المال والرزق والكتب النفيسة وكان صالحا متواضعا لا يحب التصنع من نفسه ولا من غيره وكان جليل القدر بسمرقند بواسطة أن خالته كانت زوجا لملكها ودخل حلب سنة ثلاث وثلاثين ورافق ابن الحنبلي في صدر الشريعة على الشهاب الأنطاكي ثم سافر إلى مكة وجاور بها سنين ثم عاد إلى حلب ثم سافر منها إلى بلده وهي في الهند وقطن بها إلى أن مات وفيها أبو العباس الحريثي المصري نشأ في العبادة والاشتغال بالعلم وقرأ القرآن بالسبع ثم خدم سيدي محمد بن عنان وأخذ عنه الطريق وزوجه بابنته وقربه أكثر من جميع أصحابه ثم صحب بعده سيدي على المرصفي وأذن لله أن يتصدى للارشاد ولم يرشد حتى سمع الهواتف تأمره بذلك فدعا إلى طريق الله تعالى ولقن نحو عشرة آلاف مريد ولما حضرته الوفاة قال خرجنا من الدنيا ولم يصح معنا صاحب في الطريق وبنى له زاوية بمصر وعدة مساجد بدمياط والمحلة وغيرهما قال الشعراوي ووقع له كرامات كثيرة منها أنه جلس عندي بعض المغرب في رمضان فقرأ قبل أذان العشاء خمس ختمات وطوى أربعين يوما وكان كثير التحمل لهموم الخلق حتى صار كأنه شن بال وكان

(8/261)


262 مع ذلك لا يعد نفسه من أهل الطريق وتوفي بثغر دمياط ودفن بزاوية الشيخ شمس الدين الدمياطي وقبره بها ظاهر يزار وفيها المولى نور الدين حمزة الشهير باوج باشا الحنفي أحد موالي الروم اشتغل وخدم المولى معرف زاده ثم درس بمدرسة مغنيسا ثم بمدرسة أزنيق ثم بمدرسة أبي أيوب ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ثم بإحدى الثمان ثم بمدرسة السلطان بايزيد باماسية ونصب مفتيا بها وعين له كل يوم سبعون عثمانيا بالتقاعد ومات بها وكان حريصا على جمع المال يتقلل في معاشه ويلبس الثياب الدنية ولا يركب دابة حتى جمع أموالا عظيمة وبنى في آخر عمره مسجدا بالقسطنطينية قريبا من داره وبنى بها حجرا لطلبة العلم ووقف عليها أوقافا كثيرة قال له الوزير إبراهيم باشا يوما أني سمعت بأنك تحب المال فكيف صرفته في الأوقاف قال هو أيضا من غاية محبتي في المال حيث لم أرض أن أخلفه في الدنيا فأريد أن يذهب معي إلى الآخرة قاله في الكواكب وفيها سليمان الصواف الشيخ الصالح العارف بالله تعالى والد الشيخ أحمد ابن سليمان قال في الكواكب كان قادريا لحق سيدي علي بن ميمون وأخذ عن شيخ الإسلام الجد وعده شيخ الإسلام الوالد ممن تلمذ لوالده من أولياء الله تعالى وأخبرني ولده الشيخ أحمد أن ابن طولون كان يتردد إلى والده ويعتقده وأنه توفي في هذه السنة انتهى ملخصا وفيها تقريبا محيي الدين عبد القادر بن أحمد بن الجبرتي الدمشقي الشافعي الفاضل أخذ عن جماعة منهم البدر الغزي قرأ عليه شرح جمع الجوامع قراءة تحقيق وتدقيق وشهد له أنه كان من أهل الفضل والذكاء والصلاح وفيها علاء الدين علي التميمي الشافعي الشيخ العلامة عالم بلاد الخليل أخو القاضي محمود التميمي نزيل دمشق توفي المترجم ببلد الخليل قاله في الكواكب وفيها المولى سعد الدين عيسى بن أمير خان الحنفي المعروف بسعدى جلبي الإمام العامل العلامة أحد

(8/262)


263 موالي الروم المشهورين بالعلم والدين والرياسة كان أصله من ولاية قسطموني ثم دخل القسطنطينية مع والده ونشأ في طلب العلم وقرأ على علماء ذلك العصر ووصل إلى خدمة الساموني ثم صار مدرسا بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية ثم سلطانية بروسا ثم صار قاضيا بالقسطنطينية ثم عزل وأعيد إلى إحدى الثمان ثم صار مفتيا مدة طويلة قال في الشقائق كان فائقا على أقرانه في تدريسه وفي قضائه مرضى السيرة محمود الطريقة وكان في افتائه مقبول الجواب مهتديا إلى الصواب طاهر اللسان لا يذكر أحدا إلا بخير صحيح العقيدة مراعيا للشريعة محافظا على الأدب من جملة الذين صرفوا جميع أوقاتهم في الاشتغال بالعلم الشريف وقد ملك كتبا كثيرة واطلع على عجائب منها وكان ينظر فيها ويحفظ فوائدها وكان قوي الحفظ جدا وله رسائل وتعليقات وكتب حواشي مفيدة على تفسير البيضاوي وهي متداولة بين العلماء وله شرح مختصر مفيد للهداية وبنى دارا للقراء بقرب داره بمدينة قسطنطينية انتهى وكان السيد عبد الرحيم العباسي خليل السعدى جلبي ولكل منهما بالآخر مزيد اختصاص وللسيد عبد الرحيم فيه مدائح نفيسة وقال ابن طولون توفي عند صلاة الجمعة ثاني عيد الفطر بعلة النقرس وأقيم مفتيا عوضه جوى زاده وفيها المولى آشق قاسم الحنفي أحد الموالي الرومية كان من أزنيق واشتغل بالعلم وخدم المولى عبد الكريم ثم درس بالحجرية بمدينة أدرنة وتقاعد بثلاثين عثمانيا قال في الشقائق كان ذكيا مقبول القول صاحب لطائف ونوادر متجردا عن الأهل والولد كثير الفكر مشتغلا بذكر الله تعالى خاشعا في صلاته بلغ قريبا من المائة توفي بأدنة انتهى وفيها جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن مولانا جلال الدين الخالدي البكشي ثم السمرقندي الحنفي المشهور بمنلا محمد شاه العجمي

(8/263)


264 كان شيخا معمرا نحيف البدن محققا متفقها متواضعا سخيا قرأ على أكابر علماء العجم كالمنلا عبد الغفور اللاري أحد تلامذة منلا عبد الرحيم الجامي وقدم حلب في هذه السنة وولده منلا عبد الرحيم قال ابن الحنبلي اجتمعت به مرارا وانتفعت به واستفدت منه وتوفي بحلب ودفن بمقبرة الصالحين وفيها شمس الدين محمد بن حسان الدمشقي الشافعي أحد الفضلاء البارعين قال ابن طولون كان الغالب عليه التنزه توفي يوم الإثنين ثالث القعدة ودفن بباب الفراديس وفيها شمس الدين محمد الداودي المصري الشافعي وقيل المالكي الشيخ الإمام العلامة المحدث الحافظ كان شيخ أهل الحديث في عصره أثنى عليه المسند جار الله بن فهد والبدر الغزي وغيرهما قال ابن طولون وضع ذيلا على طبقات الشافعية للتاج السبكي وقال النجم الغزي جمع ترجمة شيخه الحافظ السيوطي في مجلد ضخم ورأيت على ظهر الترجمة المذكورة بخط بعض فضلاء مصر أن مؤلفها توفي قبل الزوال بيسير من يوم الأربعاء ثامن عشرى شوال ودفن بتربة فيروز خارج باب النصر وفيها شمس الدين محمد بن مكية النابلسي الشافعي الإمام العلامة توفي بنابلس في هذه السنة كما قاله في الكواكب وفيها المولى سنان الدين يوسف بن المولى علاء الدين على البكالي الرومي الحنفي أحد موالي الروم قرأ على والده وعلى غيره وترقى في التدريس حتى درس بإحدى الثمان وتقاعد عنه بثمانين عثمانيا وبقي على ذلك إلى أن مات وكان مشتغلا بالعلم يحب الصوفية وله لطف وكرم وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وله حواش على شرح المواقف للسيد ورسائل كثيرة رحمه الله تعالى سنة ست وأربعين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأريحاوي الأصل

(8/264)


265 الحلبي الدار الصيرفي الشافعي قال في الكواكب كان يحب خدمة العلماء بالمال واليد وكان يجمع نفائس الكتب الحديثية والطبية وغيرها ويسمح بإعارتها وقرأ على البرهان العمادي وابن مسلم وغيرهما وولي وظيفة تلقين القرآن العظيم بجامع حلب وغيرها قال ابن الحنبلي وأعرض في آخره عن حرفته وقنع بالقليل وأكب على خدمة العلم ورافقنا في أخذ العلم عن الزيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره رحمه الله وفيها تقريبا تقي الدين أبو بكر بن فهد الحنفي المكي الإمام العلامة قال في الكواكب قدم دمشق من مكة صحبة الوزير الطواشي ثم عاد إليها مع الحاج مبشرا للسلطان سليمان عنه انتهى وفيها ظنا المولى أبو السعود الشهير بابن بدر الدين زادة الحنفي أحد موالي الروم ولد ببروسا وتزوجت أمه بعد أبيه بالمولى سيدي الحميدي فقرأ عليه مبادىء العلوم وقرأ على غيره وخدم المولى ركن الدين ثم أعطى قضاء بعض البلاد وله كتاب بالتركية سماه سليم نامه وهو مقبول عند أربابه وله ديوان بالتركية أيضا وكان فاضلا صاحب ذكاء وفطنة رحمه الله تعالى وفيها شهاب الدين أحمد بن بركات بن الكيال الدمشقي الشافعي الفاضل خطيب الصابونية بعد أخيه وناظر أوقاف سيدي سعد بن عبادة رضي الله عنه توفي يوم الأربعاء خامس رمضان وفيها خليل المصري المالكي الإمام العلامة مفتي المالكية بالديار المصرية توفي بالقاهرة وتأسف الناس عليه وفيها بعد الحميد بن الشرف القسطموني الرومي الحنفي العالم العامل الواعظ طلب العلم ثم رغب في التصوف فصحب الشيخ مصلح الدين الطويل النقشبندي ثم اختار بعد وفاته طريقة الوعظ فكان يعظ الناس بالقسطنطينية وعين له في كل يوم ثلاثون

(8/265)


266 عثمانيا وكانت له يد طولى في التفسير وكان يدرس في بيته ويفسر القرآن بتقريرات واضحة بليغة وعبارات رائقة فصيحة واستفاد منه كثير من الناس وكان فراغ الهم من أشغال الدنيا مقبلا على صلاح حاله طويل الصمت كثير الفكر وقورا مهيبا رحمه الله تعالى وفيها تقريبا عبد الوهاب بن إبراهيم العرضي الحلبي الشافعي مفتي الشافعية بحلب قال في الكواكب ذكره الوالد في رحلته ووصفه بالشيخ الفاضل والعالم الكامل البارع في فنون العلم وأنواع الأدب انتهى وفيها زين الدين عمر بن معروف الجبرتي المعروف بأبيه معروف ثم الدمشقي إمام الصابونية كان فاضلا عالما علامة من نوادر الزمان في الحفظ فإنه كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره كلما ختم آية افتتح الآية التي قبلها قال ابن طولون تردد إلى مرات وفي كل مرة نستفيد منه في علم التفسير غرائب وتوفي في أواخر شعبان رحمه الله تعالى وفيها القاضي جلال الدين محمد بن القاضي علاء الدين بن يوسف بن علي البصروي الدمشقي الإمام العلامة شيخ التبريزية بمحلة قبر عاتكة وخطيب الجامع الأموي ولد عاشر رجب سنة تسع وستين وثمانمائة واشتغل على والده وغيره وولي خطابة الثابتية وتدريس الغزالية ثم العادلية وفوض إليه نيابة الحكم الولولي بن الفرفور وخطب في الأموي نيابة ثم استقلالا إلى أن مات وكان لخطبته وقع في القلوب وتذرف منه العيون وكان يقرأ سيرة ابن هشام في الجامع الأموي في كل عام بعد صلاة الصبح شرقي المقصورة وكان من العلم والصلاح له محفوظات في الفقه وغيره وقيام في الليل حافظا لكتاب الله تعالى مواظبا على تلاوته راكبا وماشيا وفي آخر خطبة خطبها بالأموي وكانت في ثامن ربيع الآخر من هذه السنة وكان مريضا سقط عن المنبر مغشيا عليه قال ابن طولون ولولا أن المرقي احتضنه

(8/266)


267 لسقط إلى أسفل المنبر قال ولم يكمل الخطبة الثانية فصلى الجمعة إمام الجامع يومئذ الشيخ عبد الوهاب الحنفي وتوفي المترجم ليلة الثلاثاء رابع عشرى جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه الشيخ نصر المقدسي وفيها تقريبا محي الدين محمد الأشتيتي الرومي الصالح كان عابدا صالحا متورعا يربي المريدين بزاويته بأشتيت في ولاية روم ايلي رحمه الله وفيها المولى بدر الدين محمود أحد الموالي الرومية الحنفي الشهير ببدر الدين الأصفر قرأ على المولى الفناري والمولى لطفي وغيرهما ثم درس بمدرسة بالي كبرى وترقى إلى إحدى الثمان ثم درس بايا صوفيا ثم تقاعد بمائة عثماني ومات على ذلك وكان الغالب عليه العلوم العقلية وله مشاركة في سائر العلوم وله تعليقات لم يدونها وكان يحب الصوفية قاله في الكواكب وفيها شرف الدين موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي قال ابن طولون كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزي والمحدث جمال الدين بن المبرد ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية وقرأ على محنة الإمام أحمد جمع ابن الجوزي وأشياء أخرى وتوفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني سنة سبع وأربعين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر الشهير بابن المؤيد أحد العدول بدمشق بل عين الموقعين بالشام قال في الكواكب كان من أخصاء شيخ الإسلام الوالد وأعيان طلبته مولده سنة ثمان وستين وثمانمائة وتوفي مستهل القعدة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن يونس المصري الحنفي المعروف بابن الشلبي الإمام العالم العلامة الأوحد المحقق المدقق الفهامة كان عالما كريم النفس كثير الصدقة له اعتقاد في الصالحين والمجاذيب ذا حياء وحلم وعفو وكان رفيقا لمفتي دمشق القطب بن سلطان في الطلب على قاضي

(8/267)


268 القضاة شرف الدين ابن الشحنة والبرهان الطرابلسي ثم المصري في الفقه وعلى الشيخ خالد الأزهري في النحو وتوفي بالقاهرة ودفن خارج باب النصر وله من العمر بضع وستون سنة وفيها الطيب بن عفيف الدين عبد الله بن أحمد مخرمة اليمني العدني الشافعي الإمام العلامة المحدث قال في النور ولد بعدن ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبعين وثمانمائة وأخذ عن والده وعن الفقيه محمد بن أحمد فضل وانتفع به كثيرا ولازمه وكذلك أخذ عن محمد بن حسين القماط وأحمد بن عمر المزجد وغيرهم وتفنن في العلوم وبرع وتصدر للفتوى والاشغال وكان من أصح الناس ذهنا وأذكاهم قريحة وأقربهم فهما وأحسنهم تدريسا حتى يذكر أنه لم ير مثله في حسن التدريس وحل المشكلات في الفقه وصار في آخره عمدة الفتوى بعدن وكان يقول أني أقرىء أربعة عشر علما وولي القضاء بعدن ومن مؤلفاته شرح صحيح مسلم وأسماء رجال مسلم وتاريخ مطول مرتب على الطبقات والسنن ابتدأ به من أول الهجرة وكتاب في النسبة إلى البلدان مفيد جدا وتوفي بعدن في سادس المحرم ودفن في قبر جده لأمه القاضي العلامة محمد بن مسعود أبي شكيل بوصية ودفن في قبة الشيخ جوهر وفيها زين الدين عبد القادر بن الشيخ شمس الدين محمد القويضي الدمشقي الصالحي الحنفي الطبيب الحاذق أخذ الطب عن الرئيس خشمش الصالحي وكان أستاذا في الطب يذهب إلى الفقراء في منازلهم ويعالجهم ويفاقرهم وربما لم يأخذ شيئا وقد يعطى الدواء من عنده أو يزكيه من كيسه وكان في آخره يتلو القرآن في ذهابه وإيابه من الصالحية إلى دمشق وكان ساكنا بالصالحية بالقرب من الجامع الجديد وكان حسن المحاضرة جميل المذاكرة وله شعر وسط وتوفي ثامن عشر جمادى الأولى بالصالحية ودفن تجاه تربة السبكيين وتأسف الناس عليه وفيها الشيخ على المعروف بالذويب

(8/268)


269 الصالح المكاشف أقام بمصر نحو عشرين سنة ثم نزل إلى الريف وظهرت له كرامات وخوارق أخذ عن الشيخ محمد العدل الطناخي وغيره وكان ملاميا يلبس تارة لباس الحمالين وتارة لباس التراسين ولما مات وجدوا في داره نحو ثمانين ألف دينار مع أنه كان متجردا من الدنيا قال الشعراوي اجتمعت به مرة واحدة عقب منام رأيته وذلك أني سمعت قائلا يقول لي في المنام الشيخ علي الذويب قطب الشرقية ولم أكن أسمع به أبدا فسألت الناس عنه فقالوا لي هذا رجل من أولياء الله تعالى قال وكان يمشي كثيرا على الماء فإذا أبصره أحد اختفى وكان يرى كل سنة بعرفة ويختفي من الناس إذا عرفوه انتهى وفيها زين الدين عمر التنائي المالكي الشيخ العلامة المصري توفي بها في هذه السنة قاله في الكواكب وفيها تقريبا سراج الدين عمر العبادي المصري الشافعي الإمام العلامة المعلم بالبرقوقية من الصحراء خارج القاهرة كان على قدم عظيم في العبادة والزهد والورع والعلم وضبط النفس وكانت نقول مذهب الشافعي نصب عينيه وشرح قواعد الزركشي في مجلدين أخذ عن سميه وبلديه السراج العبادي الكبير وعن الشمس الجوجري ويحيى المناوي وغيرهم وأجازوه وكان مجاب الدعوة ولما حج وزار رسول الله فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال كما كانت رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن الشويكي الصالحي الحنبلي العلامة كان إماما فقيها أفتى مدة ثم امتنع من الافتاء في الدولة الرومية وكان إماما بالحاجبية وكان أستاذا في الفرائض والحساب وله يد في غير ذلك توفي يوم الإثنين عاشر المحرم ودفن بالروضة إلى جانب قبر العلامة علاء الدين المرداوي وفيها المولى محي الدين محمد بن إدريس الحنفي الشهير بمعلول أفندي أحد موالي الروم تنقل في المدارس والمناصب إلى أن ولي قضاء مصر وكان

(8/269)


270 سيدا شريفا فاضلا وفيها نجم الدين محمد بن علي بن النعيل الغزي الشافعي الإمام العالم العامل توفي بالقدس رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي العثماني الشافعي الإمام العلامة ولد سنة ستين وثمانمائة بدلجة وحفظ القرآن العظيم بها ثم دخل القاهرة فقرأ التنبيه وغيره على علمائها ثم رحل إلى دمشق وأقام بها نحو ثلاثين سنة وأخذ عن البرهان البقاعي والحافظ برهان الدين الناجي والقطب الخيضري والقاضي ناصر الدين بن زريق الحنبلي والإمام المحدث شمس الدين السخاوي وسافر إلى بلاد الروم واجتمع بسلطانها أبي يزيد وحج من بلاد بالشام ثم عاد إلى القاهرة وكتب شرحا على الخزرجية وشرحا على الأربعين النواوية وشرحا على الشفا للقاضي عياض وشرحا على المنفرجة واختصر المنهاج والمقاصد وسماه مقاصد المقاصد وشرحه وأخذ عنه جماعة منهم النجم الغيطي قال سمعت عليه كثيرا وأجاز لنا وتوفي بالقاهرة رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن محمد التونس المالكي الملقب بمغوش بمعجمتين الإمام المحقق المدقق العلامة اشتغل على علماء المغرب وسمع الصحيحين والموطأ والترمذي والشفا وقرأ البعض على الإمام العلامة أبي العباس أحمد الأندلسي المعروف بالمشا وسمع على غيره وفضل في بلاده وبرع وتميز وولي قضاء عسكر تونس ثم قدم من طريق البحر إلى القسطنطينية في دولة السلطان سليمان فعظمه وأكرم مثواه ورتب له علوفة حسنة وشاع فضله بين أكابرها وأخذ عنه جماعة من أعيانها حتى قاضيا العسكر إذ ذاك ولم يزل بها معظما مبجلا ينشر الفوائد وينثر الفرائد وأملى بها أمالي على شرح الشاطبية للجعبري ثم استأذن من السلطان في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الروم وشدة بردها فأذن له وأمر له أن يستوفي ما عين له من خزينتها فتوجه إليها من طريق البر سنة أربع وأربعين فدخل حلب فانتدب

(8/270)


271 للقراءة عليه والأخذ عنه جماعة من أهلها منهم ابن الحنبلي ثم دخل طرابلس ثم دمشق وانتفع به أهلها وشهدوا له بالعلم خصوصا في التفسير والعربية والمنطق والكلام والعروض والقراآت والمعاني والبيان وقرأ عليه العلاء بن عماد الدين الشافعي في أوائل تفسير البيضاوي فأفاد وأجاد حتى أذهل العقول وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف وبعض شرح آداب البحث للمسعودي وقرأ عليه الشهاب الطيبي في القراآت وأجازه إجازة حافلة ثم سافر من دمشق في يوم الإثنين سادس عشر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وألف تليمذه الشيخ شهاب الدين الطيبي مؤلفا في تاريخ سفره بالكسور العددية سماه بالسكر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش وقال ابن الحنبلي في ترجمته كان عالما علامة متقنا متفننا ذا إدراك عجيب واستحضار غريب حتى أنه كان في قوته أنه يقرىء مثل العضد المرة بعد المرة من غير مطالعة قال وكان دأبه الاستلقاء على القفا ولو حالة التدريس وعدم النهوض لمن ورد عليه من الأكابر كل ذلك لما كان عنده من حب الرفاهية والارحة والانبساط والشهامة انتهى وكان يطالع من حفظه كلما أراد من العلوم ولم يكن عنده كتاب ولا ورقة أصلا وكان يحفظ شرح التلخيص مع حواشيه وشرح الطوالع وشرح المواقف وشرح المطالع كما قاله في الشقائق وبالجملة فإنه كان من أعاجيب الدنيا وتوفي في العشر الأواخر من شعبان بالقاهرة ودفن بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه وكتب على قبره ( ألا يا مالك العلماء يا من * به في الأرض أثمر كل مغرس ) ( لئن أوحشت تونس بعد بعد * فأنت بمصر ملك الحسن تونس ) وفيها شمس الدين محمد الدمنهوري المصري المالكي الشيخ العلامة توفي بمصر في أواخر ربيع الثاني وفيها محي الدين يحيى بن إبراهيم بن قاسم ابن الكيال الإمام المحدث سمع على والده في مسند الإمام أحمد وباشر في

(8/271)


272 الجامع الأموي وكان له فيه قراءة حديث وكان عنده حشمة وأجازه البدر الغزي وتوفي يوم الإثنين سلخ القعدة سنة ثمان وأربعين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن نجم الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة الإمام العلامة المحدث المقدسي الشافعي ولد يوم الإثنين خامس عشر المحرم سنة سبعين وثمانمائة وسمع على والده الكتب الستة وغيرها وأجاز له البرهان بن قاضي عجلون والتقي الشمني والقاضي أبو العباس بن نصر الله والتقي بن فهد والشمس بن عمران وأمين الدين الأقصرائي والشرف المناوي والبدر بن قاضي شهبة والجمال الباعوني وأخوه البرهان وولي تدريس الصلاحية ببيت المقدس سنين ثم قطن دمشق وحدث بها كثيرا عن والده وغيره وولي تدريس الشامية البرانية سنين ثم تدريس التقوية ونظرها وسافر من دمشق فمات بقرية سعسع في آخر ليلة الثلاثاء خامس عشرى شوال بعد أن بقي سنين مستلقيا على ظهره من زلقة حصلت له بسبب رش الماء بداخل دمشق فانفك فخذه ولم يمكنه الصبر على علاجه لنحافة بدنه ولطف مزاجه ثم حمل من سعسع وأعيد إلى دمشق وغسل بمنزله ودفن بباب الصغير وفيها تقريبا برهان الدين إبراهيم بن المبلط شاعر القاهرة من شعره في القهوة ( يا عائبا لسواد قهوتنا التي * فيها شفاء النفس من أمراضها ) ( أو ما تراها وهي في فنجانها * تحكي سواد العين وسط بياضها ) وفيها شهاب الدين أحمد الطيب بن شمس الدين الطنبذاوي البكري الصديقي الشافعي قال في النور هو شيخ الإسلام الحبر الإمام العارف بالله القانت الأواه ولد بعد السبعين وثمانمائة تقريبا وتفقه بالنور السمهودي

(8/272)


273 والقاضي أحمد المزجد وغيرهما وكان في أهل عصره بمنزلة الشمس من النجوم وتميز في معرفة المنطق والمفهوم وكان شديد التصلب في الدين والصدع بالحق لا يخاف في الله لومة لائم وكان يقول لتلميذه ابن زياد أنتم نفعكم أحمد المزجد ونحن بلحظه ولفظه وأخذ عنه خلق منهم شيخ الإسلام ابن زياد والحافظ شهاب الدين أحمد الخزرجي والغريب الأكسع وعبد الملك بن النقيب وعبد الرحمن البجلي وصالح النماري وغيرهم وانتهت إليه رياسة الفتوى والتدريس وانتفع به الخاص والعام ومن مصنفاته فتاوى مشهورة عليها الاعتماد بزبيد وشرح التنبيه في أربع مجلدات وله حاشية مفيدة على العباب قال الشيخ صالح النماري ومن عجيب ما سمعته منه أنه قال طالعت جميع الإيضاح شرح الحاوي للناشري في ليلة واحدة وهو مجلدان ضحمان وعلقت من كل باب فائدة وهذا خرق عادة وقال الخولاني سمعته يقول كانت الفوائد التي كتبتها تلك الليلة ثلاثة كراريس وكان مفرط الذكاء يحفظ الأرشاد ومن نظمه ( ومذ كنت ما أهديت للحب خاتما * ومسكا وكافورا ولابست عينه ) ( ولا القلم المبري أخشى عداوة * تكون مدى الأيام بيني وبينه ) ولا أعلم لهذه الخصال أصلا من كتاب ولا سنة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن الشمس محمد بن القطب محمد بن السراج البخاري الأصل المكي الحنفي ولد بمكة في صفر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة واشتغل بالعلم فقرأ على السخاوي في سنن أبي داود والشفا ودخل القاهرة مرارا وسمع الحديث فيها على جماعة منهم الحافظ الديمي والجلال السيوطي ولبس خرقة التصوف من بعض المشايخ وولي المناصب الجليلة كالقضاء والإمامة والمشيخة وأجازه بعضهم وقرأ الكتب الستة وغيرها وسمع كثيرا من الفقه والحديث مع قوة حافظة حسن كتابة وناطقة وتوفي بجدة ظهر يوم السبت عاشر ربيع الثاني وحمل إلى مكة فدفن بالمعلاة

(8/273)


274 وفيها شهاب الدين أحمد بن قطب الدين محمد الصفوري الصالحي الشافعي الشيخ الفاضل كان ذكيا ينظم الشعر الحسن وسمع على ابن طولون في الحديث وأضر قبل بلوغه وكان يقرأ في البخاري في المواعيد عن ظهر قلب بعد أن أضر وتوفي يوم الإثنين سادس عشر رجب ودفن عند جده بتربة السبكيين وفيها عماد الدين إسمعيل بن زين الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الذنابي الصالحي الحنبلي خطيب الجامع المظفري سمع على أبي بكر بن أبي عمرو وأبي عمر بن عبد الهادي وأبي الفتح المزي وقرأ على ابن طولون في العربية وتوفي يوم السبت تاسع عشرى شعبان ودفن بوصية منه شمالي صفة الدعاء أسفل الروضة وفيها القاضي زين الدين عبد الرحمن بن عبد الملك بن الموصلي الدمشقي الميداني الشافعي درس بالجامع الأموي والظاهرية الجوانية والقيمرية الكبرى وولي نيابة القضاء بالصالحية وغيرها ثم ترك ذلك وتوفي يوم السبت مستهل ربيع الأول ودفن بزاويتهم بميدان الحصا وفيها عز الدين عبد العزيز المقدسي الحنفي الضرير الإمام العلامة مفتي بلاد القدس وأحد الأصلاء بها كان يكتب عنه الفتوى ويتناول الكاتب خاتمة ليختم على السؤال خوفا من التدليس وتوفي بالقدس في أواسط شوال وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي الحلبي الحنبلي المعروف بابن الدغيم قال ابن الحنبلي ولي تدريس الحنابلة بجامع حلب وكان هينا لينا صبورا على الأذى مزوحا وتوفي يوم الجمعة ثاني عشر رمضان ودفن بجوار مقابر الصالحين بوصية منه وفيها شرف الدين أبو الوفا وأبو السعادات قاسم بن خليفة بن أحمد ابن محمد الحلبي الشافعي المعروف بابن خليفة ولد بحلب ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين وثمانمائة ونشأ بها وحمله والده على طلب العلم واشترى له نفائس الكتب فلزم كثيرا من العلماء منهم البدر السيوفي ومنلا عرب والمظفر

(8/274)


275 ابن علي الشيرازي والبرهان العمادي وغيرهم وباشر في أول أمره صنعة الشهادة وجلس بمكتب العدل خراج باب النصر وولي إعادة العصرونية للبرهان العمادي ووظائف أخرى واستنيب في الدولة العثمانية كثيرا في فسوخ الأنكحة وجلس لتعاطي الأحكاز الشرعية برهة من الزمان وكان يخدم العلماء ويبذل الماء في خدمتهم وكان له تواضع طارحا للتكلف وتوفي بحلب في ذي الحجة ودفن بمقبرة السيد علي بالهزازة ومازال يقول في نزعه الله الله حتى مات وفيها شمس الدين محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد بن صالح بن حميس بن محمد بن عيسى بن داود بن مسلم الصمادي ثم الدمشقي القادري الشيخ الصالح المعتقد المسلك المربي ولي الله تعالى العارف به شيخ الطائفة الصمادية بالشام كان من أولياء الله تعالى تظهر منه في حال الذكر أمور خارقة للعادة وكانت عمامته وشده من صوف أحمر وله مجالسة حسنة وللناس فيه اعتقاد خصوصا أعيان الأروام وسافر إلى الروم واجتمع بالسلطان سليم فاعتقده اعتقادا زائدا وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء ثم استقر الأمر على أن عين له قرية كنا كر تابع وادي العجم وغلالها إلى الآن تستوفيه الصمادية بعضه لزاوية الشيخ محمد المذكور بمحلة الشاغور وبعضه لذريته وشاتهر أمره وأمر آبائه من قبل بدق الطبول عند هيمان الذاكرين واشتداد الذكر واستفتى فيه ابن قاضي عجلون والشمس بن حامد والبدر الغزي فأفتوا بإباحته قياسا على طبل الحجيج وطبل الحرب قال في الكواكب وبالجملة أن مجالسهم مهيبة عليها الوقار والأنس تخشع القلوب لسماع طبولهم وإنشادهم خالون عن التصنع واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة هي أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديما بين يدي الشيخ في حلقتهم يوم الجمعة بعد الصلاة فأمر بعض الحكام بمنعهم من ذلك فأخرج الطبل إلى خارج الجامع فدخل الطبل محمولا يضرب عليه ولا يرون له حاملا ولا عليه ضاربا واستمر في

(8/275)


276 هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع مما يلي باب جيرون وتوفي المترجم يوم الجمعة خامس عشرى جمادى الأولى ودفن بايوان زاويته وخلف ثمانة عشر ولدا ذكورا وإناثا ودنيا عريضة انتهى ملخصا وفيها القاضي شمس الدين محمد بن رجب البهنسي الحنفي والد الشيخ نجم الدين البهنسي مفتي الحنفية بدمشق قال ابن طولون كان نقيب الحكم ثم فوض إليه قاضي قضاة الحنفية زين الدين بن يونس نيابة القضاء وتوفي يوم الأربعاء عشرى رجب وفيها القاضي كمال الدين محمد بن قاضي القضاة قطب الدين محمد بن محمد الخيضري الدمشقي الشافعي ولي القضاء بميدان الحصا وغيره في أيام قاضي دمشق ابن اسرافيل وكان عنده حشمة وفضيلة وكان أحد المدرسين بالجامع الأموي إلا أنه كان يستعمل الأفيون وكان في الغالب مستغرقا وربما حدث له ذلك وهو ماش في الطريق فدخل يوم السبت مستهل ربيع الثاني إلى ميضأة العنبرانية بالقرب من الجامع الأموي لقضاء الحاجة وأغلق عليه الباب فكأنه سرد على عادته فسقط على رأسه في الخلا فلما أحسوا به أخرجوه فخرجت روحه في الحال فحمل إلى بيته فغسل وكفن وصلى عليه بالأموي ودفن بمقبرة باب الصغير قاله في الكواكب سنة تسع وأربعين وتسعمائة فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار الإمام العلامة شيخ الإسلام ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة ومشايخه تزيد على مائة وثلاثين شيخا وشيخة وكان عالما عاملا متواضعا طارحا للتكلف سمع منه ابن الحنبلي حين قدم حلب مع السلطان سليم سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة المسلسل بالأولية وقرأ عليه في الصرف وأجاز له ثم أجاز له بالقاهرة اجازة ثانية بجميع ما تجوز له وعنه

(8/276)


277 روايته بشرطه كما ذكره في تاريخه وقال في الكواكب ذكر والد شيخنا أنه لما دخل دمشق صحبة الغوري هو وقاضي القضاة كمال الدين الطويل الشافعي وقاضي القضاة عبد البر بن الشحنة الحنفي وقاضي القضاة المالكي هرع إليهم جماعة للأخذ عنهم لعلو أسانيدهم وكان ذلك في أوائل جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وذكر الشعراوي أن صاحب الترجمة لم يل القضاء إلا بعد إكراه الغوري له المرة بعد الأخرى ثم ترك القضاء في الدولة العثمانية وأقبل على العبادة وأكب على الاشتغال في العلم حتى كأنه لم يشتغل بعلم قط مع أنه انتهت إليه الرياسة في تحقيق نقول مذهبه وفي علوم السنة في الحديث والطب والمعقولات وكان في أول عمره ينكر على الصوفية ثم لما اجتمع بسيدي علي الخواص وغيره أذعن لهم واعتقدهم وصار بعد ذلك يتأسف على عدم اجتماعه بالقول في أول عمره ثم فتح عليه في الطريق وصار له كشف عظيم قبيل موته وتوفي بمصر انتهى وفيها بدر الدين حسن بن علي الطبراني من بلدة عند بركة طبرية الشافعي المقرىء نزيل دمشق حفظ القرآن العظيم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر ثم تلاه بعدة روايات على الشيخ علاء الدين القيمري واشتغل بالنحو على ابن طولون وتسبب بقراءة الأطفال في مكتب عز الدين غربي المدرسة المذكورة وصلى عدة ممن أقرأه بالقرآن وكان أحد شقيه بطالا لا يمشي إلا بعكاز وتوفي ليلة الأحد ليلة عيد الفطر وفيها عرفة القيرواني المغربي المالكي العارف بالله تعالى شيخ سيدي علي بن ميمون وسيدي أحمد بن البيطار من كراماته ما حكاه سيدي محمد بن الشيخ علوان في كتابه تحفة الحبيب أن سلطان المغرب كان قد حبسه بنقل واش كاذب فوضعه في السجن وقيده بالحديد فكان الشيخ عرفة إذا حضر وقت من أوقات الصلوات أشار إلى القيود فتتساقط فيقوم ويصلي فقال له بعض من كان معه في السجن إذا كان

(8/277)


278 مثل هذا المقام لك عند الله فلأي شيء ترضى ببقائك في السجن فقال لا يكون خروجي إلا في وقت معلوم لم يحضر إلى الآن واستمر على حاله حتى رأى سلطان المغرب رسول الله فقال له عجل بإطلاق عرفة من السجن مكرما وإياك من التقصير تكن مغضوبا عليك فإنه من أولياء الله تعالى فلما أصبح أطلقه مكرما مبجلا رحمه الله تعالى وفيها علاء الدين علي بن حسن بن أبي مشعل الجراعي ثم الدمشقي الشافعي المشهور بالقيمري لكونه كان يسكن بمحلة القيمرية تجاه القيمرية الكبرى كان إماما مقرئا علامة قرأ في علم القراآت على الشمس بن الملاح وفيه وفي العربية على الجمال البويضي وتفقه بالتقي القاري وأجازه بالتدريس والافتاء وأم للشافعية بالأموي توفي شهيدا بعلة البطن يوم السبت حادي عشرى جمادى الأولى ودفن بوصية منه في باب الصغير إلى جانب أخ له في الله صالح وفيها قاضي علي بن عبد اللطيف بن قطب بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد الحسيني القزويني الشافعي المعروف بقاضي علي كان من بيت علم وقضاء وولي قضاء قزوين ثم تركه وكتب على الفتوى ثم دخل بلاد الشام وحج وأخذ الحديث عن التقي القاري وغيره ثم عاد إلى بلاده فدخل حلب فاستجازه ابن الحنبلي فأجاز له وتوفي ببلاده في هذه السنة وفيها شمس الدين محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى الضيروطي المصري الشافعي المشهور بابن عروس الإمام العلامة ولد سنة سبعين وثمانمائة بسندبون تجاه ضيروط وأخذ العلم عن الشهاب بن شقير المغربي التونسي وعن النور المحلى وأجاز له تدريس العلوم المتعارفة لتضلعه منها وصحب سيدي الشيخ أبا العون المغربي ودعا له وقرأ ثلاثيات البخاري على أمة الخالق بنت العقبى بحق جازتها من عائشة بنت عبد الهادي عن الحجار وكان ذكيا متواضعا طارحا للتكلف يصل إلى المدارك الدقيقة بفهم ثاقب وكان يحفظ كتبا كثيرة

(8/278)


279 يسردها عن ظهر قلب حتى كأنها لم تغب عنه وجمع الله له بين الحفظ والفهم وكان مدرسا بمقام الإمام الشافعي بمصر فأخذه عنه رجل أعجمي فرحل إلى الروم واسترده مضموما إليه تدريس الخشابية بمصر المشروطة لأعلم علماء الشافعية ودخل في رحلته إلى الروم دمشق وحلب وأخذ عنه بهما جماعة من أهلهما منهم ابن الحنبلي وأجازه بسائر مروياته ثم دخل دمشق ثانيا في العود واجتمع بأعيان علمائها وأضافوه وأكرموه وشهدوا له بالفضل الباهر وتوفي بالقاهرة ليلة الجمعة سابع عشرى شوال وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن الصهيوني الشافعي الإمام العلامة خطيب جامع الأطروش بطرابلس توفي بها في ذي القعدة وفيها هداية الله بن بار علي التبريزي الأصل القسطنطيني الحنفي أحد موالي الروم كان فصيحا مقتدرا على التعبير بالعربية يغلب عليه علم الكلام ويميل إلى اقتناء الكتب النفيسة وكان عارفا بالأصلين والفقه مشاركا في غيرهما قرأ على المولى بير أحد والمولى محي الدين الفناري وابن كمال باشا وغيرهم ثم تنقل في المدارس إلى أن عطي قضاء مكة فقدم حلب ودمشق ذاهبا إليها سنة ست وأربعين ثم رحل من مكة إلى مصر وترك القضاء لعلة ألمت به بعينيه وأخذ في علاجها بمصر فلم يبرأ فبقي بها إلى أن مات وفيها تقريبا شرف الدين يحيى الرهاوي المصري الحنفي الإمام العلامة كان نازلا بدمشق وسافر مع الشيخ الضيروطي إلى مصر سنة اثنتين وأربعين وتوفي بها وفيها جمال الدين يوسف بن يحيى الجركسي الحنفي ابن الأمير محي الدين ابن الأمير أزبك الفاضل قرأ شرحي الشيخ خالد على الجرومية والقواعد على ابن طولون ثم أخذ في حل الألفية عليه وكتب له إجازة وحل الكنز على القطب بن سلطان ثم عرض له السفر إلى مصر لأجل استحقاقه في وقف جده فتوفي بها غريقا ودفن بتربة جده المنسوب إليه الأزبكية

(8/279)


280 سنة خمسين وتسعمائة فيها توفي المولى أحمد بن المولى حمزة الرومي الحنفي المعروف بعرب جلبي العالم الفاضل اشتغل وحصل وخدم ابن أفضل زادة ثم رحل إلى مصر في دولة السلطان بايزيد وقرأ على علمائها في الكتب الستة والتفسير والفقه والأصول والهندسة والهيئة وقرأ المطول بتمامه وأجازه ودرس بمصر وأقرأ المطول والمفصل ثم عاد إلى بلاد الروم فبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبي أيوب الأنصاري ودرس بها مدة عمره وكان أكثر أشغاله بالفقه وتفسير البيضاوي وكان عالما عابدا صحيح العقيدة حسن السمت انتفع به كثير من الناس رحمه الله تعالى وفيها شهاب الدين أحمد بن حمزة القلعي الحلبي الحنفي ثم الشافعي المشهور بابن قيما اعتنى بالقراآت وتزوج بابنة الشيخ نور الدين البكري الشافعي خطيب المقام فانتقل إلى مذهبه فصار شافعيا بعد أن كان حنفيا هو وأبوه وقرأ عليه بحلب وأخذ أيضا بالقاهرة عن النشار المقري صاحب التآليف المشهورة وتوفي بحلب في أوائل ذي الحجة وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الحق بن محمد السنباطي المصري الشافعي الواعظ بالجامع الأزهر الإمام العالم العلامة أخذ عن والده وغيره وكان معه بمكة في مجاورته بها سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة ووعظ بالمسجد الحرام في حياة أبيه وفتح عليه في الوعظ حينئذ وهو الذي تقدم للصلاة على والده حين توفي بمكة قال الشعراوي لم نر أحدا من الوعاظ أقبل عليه الخلائق مثله وكان إذا نزل عن الكرسي يقتتل الناس عليه قال وكان مفننا في العلوم الشرعية وله الباع الطويل في الخلاف ومذاهب المجتهدين وكان من رؤس أهل السنة والجماعة واشتهر في أقطار الأرض كالشام والحجاز واليمن والروم وصاروا يضربون به المثل وأذعن له علماء مصر الخاص منهم

(8/280)


281 والعام وولي تدريس الخشابية بمصر بعد الضيروطي وهي مشروطة لأعلم علماء الشافعية كالشامية البرانية بدمشق وكان يقول بتحريم قهوة البن ثم انعقد الآن الاجماع على حلها في ذاتها وتوفي في أواخر صفر قال الشعراوي ولما مات أظلمت مصر لموته وانهدم ركن عظيم من الدين وما رأيت في عمري كله أكثر خلقا من جنازته الا جنازة الشهاب الرملي وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن عبد القادر البغدادي الأصل الصالحي الحنفي الشهير بابن الحصري قال ابن طولون هو أخونا وابن شيخنا العلامة جمال الدين حفظ القرآن والمختار وغيرهما وسمع الحديث على شيخنا ابن عبد الهادي وأخيه الشهاب أحمد وولده واشتغل وحصل وألف ثم سلك طريق السلف الصالح وحضر كثيرا عندي وتوفي ليلة الأحد خامس عشر رجب عن نحو خمس وستين سنة ودفن عند والده أي بسفح قاسيون لصيق تربة العم من جهة الشرق انتهى وفيها المولى إسحق الرومي أحد موالي الروم الطبيب كان نصرانيا طبيبا وكان يعرف علم الحكمة معرفة تامة وقرأ على المولى لطفي التوقاتي المنطق والعلوم الحكمية وباحث معه فيها ثم أنجز كلامهم إلى العلوم الإسلامية وقرر عنده حقيقة الإسلام فاعترف وأسلم ثم ترك الطب واشتغل بتصانيف الإمام حجة الإسلام الغزالي والإمام فخر الدين الرازي وداوم على العمل بالكتاب والسنة وصنف شرحا على الفقه الأكبر لأبي حنيفة رضي الله عنه وفيها الشيخ شيخ بن إسمعيل بن إبراهيم بن الشيخ عبد الرحمن السقاف اليمني السيد الجليل صاحب الكرامات الخارقة والآيات الصادقة كان من كبار مشايخ اليمن حكى عنه أنه قيل له ههنا رجل تحصل له حالة عظيمة عند السماع فقال ليس الرجل الذي يحتاج إلى محرك يحركه إنما الرجل الذي لا يغيب عنه الشهود حتى في حالة الجماع فضلا عن غيره توفي بالشحر ودفن بها

(8/281)


282 وفيها عبد الرحمن بن المناوي المصري الشيخ الصالح العالم العابد الورع أحد تلامذة سيدي محمد الشناوي كان رضي الله عنه جميل الأخلاق كريم النفس حمالا للأذى صبارا على البلاء كثير الحياء لا يكاد يرفع بصره إلى السماء ولا إلى جليسه أقام في طنتدا ثم انتقل إلى الجامع الأزهر فأقام به مدة وانتفع به خلائق ثم رجع إلى بلده المناوات ومات بها وفيها زين الدين عبد اللطيف بن علم الدين سليمان بن أبي كثير المكي الإمام العلامة قدم دمشق وأقام بها مدة وقرأ الشفا على الشمس بن طولون الصالحي في مجلسين في رجب سنة ثمان وثلاثين ثم سافر إلى السلطان سليمان حين كان ببغداد فولاه قضاء مكة عن البرهان بن ظهيرة وأضيف إليه قضاء جده ونظر الحرم الشريف ثم رجع إلى دمشق وتوجه إلى مكة مع الحاج هو والشيخ أبو الفتح المالكي وتوفي بها وكان له شعرحسن منه الموشح المشهور في القهوة الذي مطلعه ( قهوة البن مرهم الحزن * وشفا الأنفس ) ( فهي تكسو شقائق الحسن * من لها يحتسي ) وقد عارضه الشيخ أبو الفتح المالكي المغربي بموشح على وزنه وقافيته وفيها عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن الخراساني الجامي الأحمدي الهمداني الطريقة العارف بالله تعالى خرج من بلاده يريد الحج في جم غفير من مريديه فدخل القسطنطينية في دولة السلطان سليمان فأكرم مثواه هو وأركان دولته وتلقن السلطان منه الذكر ثم دخل حلب وقرأ بها الأوراد الفتحية على وجه خشعت له القلوب وذرفت منه العيون قال ابن الحنبلي وسألته عن وجه قوله في نسبته الأحمدي فقال هي نسبة إلى جدي مير أحمد أحد شيوخ جام في وقته قال ونسبي متصل بجابر بن عبد الله البجلي قال واستخبرته عن شيخه في الطريق فقال هو حاجي محمد الجوشاني قال

(8/282)


283 وسألته تلقين الذكر فلقنني إياه وكتب لي دستور العمل ولكن بالفارسية ثم حج وتوجه إلى بلاده وتوفي ببخارى قال ابن الحنبلي وكان محدثا مفسرا مستحضرا للأخبار معدودا من أرباب الأحوال والصواب أنه توفي سنة ثلاث وستين وفيها عبد اللطيف الخراساني الحنفي العالم العلامة دخل دمشق سنة تسع وثلاثين حاجا فنزل بالصالحية وظهر علمه وعمله خصوصا في التفسير وفيها عيسى باشا بن إبراهيم الرومي الحنفي أمير أمراء دمشق كان له أولا اشتغال بالعلم وصار مدرسا بعدة مدارس حتى اتصل إلى إحدى الثمان ثم صار موقعا بالديوان السلطاني ثم ولي الإمارة في بعض البلاد ثم إمارة حلب فأحسن فيها السيرة ثم إمارة دمشق وعزل منها ثم أعيد إليها ورسخ فيها وكان عالما بعدة من العلوم ولم يترك المطالعة أيام الإمارة وكان له حسن أدب ولطف معاشرة إلا أنه كان إذا اشتد غضبه خمش يديه فيدميها وهو لا يدري وأبطل كثيرا من الظلامات وعاش أهل القرى أيام ولايته عيشة طيبة وكان مكرما لأهل العلم ومشايخ الصوفية ولبس الخرقة القادرية من الشيخ حسن الكيلاني لما قدم دمشق في يوم الأحد تاسع صفر وأوصى أن يلقن فلقنه الشيخ أبو الفتح المالكي وأوصى أن يسحب على الأرض قبل الدفن إلى قبره تعزيزا لنفسه فحمل سريره إلى الصالحية فلما قرب من قبره سحب على الأرض قليلا تنفيذا لوصيته ودفن في حوش الشيخ محي الدين العربي عند شباكه الشرقي بوصية منه وفيها قطب الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الدمشقي الصالحي الحنفي شيخ الإسلام مفتي بلاد الشام الإمام العلامة ولد ليلة ثاني عشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة وأخذ عن القاضي عبد البر بن الشحنة وغيره وكان بيده تدريس القصاعية المختصة بالحنفية وتدريس الظاهرية التي هي مسكنه والنظر

(8/283)


284 عليها وكان له تدريس في الجامع الأموي وغير ذلك من المناصب العلية وولي القضاء بمصر في زمن الغوري نيابة عن شيخه ابن الشحنة وكف بصره من بعد مع بقاء جمال عينيه بحيث يظن أنهما بصيرتان وكان حسن الوجه والذات جليل المقدار مهيبا معظما نافذ الكلمة عند الدولة يردون الأمراء إليه في الفتوى ماسك زمام الفقهاء وكان يملي من يكتب الجواب على الأسئلة التي ترفع إليه واتخذ ختما منقوشا يختم به على الفتوى خوفا من التلبيس عليه وكان يقول بتحريم القهوة وصنف مؤلفا في الفقه ورسالة في تحريم الأفيون والبرق اللامع في المنع من البركة في الجامع وغير ذلك وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشرى ذي القعدة ودفن داخل تربة القلندرية من باب الصغير في بيت مسقف معد للعلماء والصلحاء من الموتى وفيها نجم الدين محمد بن أحمد بن عمر البابي الحلبي الشافعي المعروف في مدينة الباب بابن صليلة وفي حلب بالنجم الإمام لأنه كان إماما لخير بك الأشرفي كافل حلب الإمام الفقيه الأصولي الخطيب ابن الخطيب كانت له قراءة حسنة وصوت جهور وتوفي في أواخر الحجة وفيها المولى محي الدين محمد بن عبد الله أحد موالي الروم الحنفي الشهير بمحمد بيك كان من مماليك السلطان أبي يزيد ورغب في العلم وترك طريق الإمارة وقرأ على جماعة منهم المولى مظفر الدين العجمي والمولى محي الدين الفناري وغيرهما ثم خدم ابن كمال باشا وصار معيدا لدرسه ثم تنقل في المدارس ثم اختل دماغه ثم برىء فسافر إلى مصر في البحر فأسرته النصارى فاشتراه بعض أصدقائه منهم ثم عاد إلى قسطنطينية فأعطاه السلطان سليمان سلطانة بروسا ثم مدرسة أبي يزيدخان بأدرنة ثم قضاء دمشق فدخلها حادي عشر صفر سنة ست وأربعين وعزل عنها في صفر سنة تسع وأربعين فعاد إلى الروم واختل مزاجه غاية الاختلال وأعطى في أثناء المرض قضاء مصر

(8/284)


285 فسافر إليها في أيام الشتاء فأدركته المنية في الطريق وكان محبا للعلم وأهله وللصوفية وله مهارة في العلوم العقلية ومعرفة بالعلوم الرياضية وله تعليقات على بعض الكتب وتوفي في بلدة كوتاهية وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد الرعيني الأندلسي الأصل الطرابلسي المولد المالكي نزيل مكة ويعرف هناك كسلفه بالحطاب ويتميز عن شقيق له أكبر منه اسمه محمد أيضا بالرعيني وذلك بالحطاب ويتميز عن شقيق له أكبر منه اسمه محمد أيضا بالرعيني وذلك بالحطاب ويعرف في مكة بالطرابلسي ولد في سفر سنة إحدى وستين وثمانمائة بطرابلس ونشأ بها فحفظ القرآن والرائية والجزرية وتفقه فيها يسيرا على محمد القابسي وعلى أخيه ثم تحول مع أبويه وأخيه وجماعتهم إلى مكة سنة سبع وسبعين فحجوا ورجعوا وقد توفي بعضهم فأقاموا بها سنين ومات كل من أبويه في أسبوع واحد في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين بالطاعون واستمر هو وأخوه بها إلى أن عادا لمكة في موسم سنة أربع وثمانين فحجا ثم جاورا بالمدينة النبوية التي تليها وعاد الأخ بعد حجه منها إلى بلاده وهو إلى المدينة وقرأ على الشمس العوفي في العربية وعلى السراج معمر في الفقه وغيره وعاد لمكة فلازم الشيخ موسى الحاجبي وقرأ فيها القراآت على موسى المراكشي وصاهر ابن حزم على ابنته وسمع من الحافظ السخاوي كل ذلك مع الفاقة والعفة ونعم الرجل كان قال جار الله ابن فهد وقد فتح الله عليه في آخر عمره وصار من المعتقدين في العلم والدين وظهر له ثلاثة من الأولاد هم الجمال محمد وزينى بركات والشهاب أحمد وزوجهم في حياته ورأى أولادهم مع نجابتهم وصار أكثرهم من المفتين والمدرسين بحرم الله الأمين وانقطع بمنزله عدة سنين وهو نيدرس فيه ورتب له مرتب في الجوالي واعتقده الناس في الآفاق وقصد بالفتوحات والودائع وناله الضرر من الدولة بسببها وهو متقنع متعفف مجتهد في عمارة الأوقاف التي تحت نظره وكذلك ولده الأكبر وتحمل

(8/285)


لذلك كثيرا من الديون وقاسى
286 شدة في مرضه حتى توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر عن تسعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن عبدو الشيخ الصالح الزاهد المعمر الخاقوني الأردبيلي الخرقة الحنفي ولد بسرة الفرات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة وحملته أمه إلى الشيخ محمد الكواكبي الحلبي فأمر خليفته الشيخ سليمان العيني أن يربيه ولم يزل يتعاطى الذكر والفكر حتى فتح عليه وكان يتردد إليه الزوار فلا يرى نفسه إلا ذليلا ولا يطلب أحد منه الدعاء إلا سبقه إلى طلبه منه وكان زاهدا متعففا عما في أيدي الناس وعن أموال عظيمة كانت تدفعها إليه الحكام وكان يؤثر العزلة وشاع عنه أنه كان ينفق من الغيب وكانت مكاشفاته ظاهرة وكان كثيرا يقول لست بشيخ ولا خليفة وتوفي بحلب في أواخر شوال وفيها المولى محي الدين محمد بن مصطفى القوجوي الحنفي الإمام العلامة اشتغل وحصل ثم خدم المولى ابن فضل الدين ثم درس بمدرسة خواجه خير الدين بالقسطنطينية ثم آثر العزلة فترك التدريس وتقاعد بخمسة عشر عثمانيا وكان يستكثرها على نفسه ويقول يكفيني منها عشرة ولازم بيته وأقبل على العلم والعبادة وكان متواضعا يحب أهل الصلاح وكان يروى التفسير في مسجده فيجتمع إليه أهل البلد يسمعون كلامه ويتبركون بأنفاسه وانتفع به كثيرون وكان يقول إذا شككت في آية من القرآن أتوجه إلى الله تعالى فيتسع صدري حتى يصير قدر الدنيا ويطلع فيه قمران لا أدري هما أي شيء ثم يظهر نور فيكون دليلا إلى اللوح المحفوظ فاستخرج منه معنى الآية وممن أخذ عنه صاحب الشقائق قال وهو من جلة من افتخرت به وما اخترت منصب القضاء إلا بوصية منه وله حواش على البيضاوي جامعة لما تفرق من الفوائد في كتب التفسير سهة قريبة وشرح على الوقاية في الفقه وشرح الفرائض السراجية وشرح المفتاح للسكاكي وشرح البردة وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن يوسف الحريري الأنطاكي ثم الحلبي

(8/286)


287 الحنفي عرف بابن الحمصاني ولد بأنطاكية سنة تسعين وثمانمائة وجود القرآن على الشيخ محمد الداديخي وغيره وقرأ الجزرية على البدر السيوفي وغيره والسراجية على الزين بن فخر النساء وسمع عليه صدر الشريعة وقرأ على الشيخ عبد الحق السنباطي كتاب الحكم لابن عطاء الله وأجاز له إسماعيل الشرواني وابن فخر النساء وحج أربع مرات منها ثنتان في المجاورة وزار بيت المقدس ودخل القاهرة وغيرها وطاف البلاد واجتمع بمشاهير العلماء والصوفية ثم قطن بعد أسفاره العديدة المديدة بحلب وصحب بها ابن الحنبلي ثم توفي بالرملة وفيها المولى محمد المعروف بشيخي جلبي أحد موالي الروم كان فاضلا ذكيا متواضعا محبا لأهل الخير خدم المولى محي الدين الفناري ثم المولى بالي الأسود ثم درس بمدرسة مولانا خسرو ثم بمدرسة ابن ولي الدين ثم بمدرسة بيري باشا ثم بأبي أيوب ثم بإحدى الثمان ومات على ذلك وفي حدودها المولى محمد وقيل مصطفى الشهير بمرحبا أحد الموالي الرومية كان يعرف بابن بيري محمد جلبي وكان محققا مدققا محبا للفقراء قرأ على المولى ركن الدين بن زيرك والمولى أمير جلبي ثم خدم المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس حتى درس بإحدى الثمان ثم صار قاضيا بدمشق فدخلها في رابع عشرى محرم سنة خمس وأربعين وعزل عنها في عشرى ذي القعدة من السنة المذكورة وأعطى قضاء بروسا ومات وهو قاض بها وفيها السيد الشريف محمود العجمي الشافعي العلامة مدرس الأتابكية بصالحية دمشق وكان مقيما بالبادرائية داخل دمشق وكان مقصدا للطلبة ينتفعون به وكانت له يد طولى في المعقولات وتوفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر ودفن بباب الصغير

(8/287)


288 سنة إحدى وخمسين وتسعمائة فيها توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن داود المنزلاوي الشافعي الشيخ الصالح الزاهد الورع كان محدثا فقيها صوفيا كريما يخدم الفقراء بنفسه كما كان والده ويقري الضيوف وتظهر عليه خوارق في ذلك فربما يجعل الماء والأرز في القدر فيجعل الله فيه الدسم من لبن وغيره حتى يقول الضيف ما ذقت ألذ منه وربما ملأ الابريق من البئر شيرجا أو عسلا وكانت له هيبة عند الحكام وكان قائما بشعار السنة في بلاد المنزلة ودمياط بحيث لا يقدر أحد أن يتظاهر فيهما بمعصية أو ترك صلاة توفي بالمنزلة عن نيف وثمانين سنة ودفن عند والده وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن العلامة سراج الدين عمر البارزي الحموي الشافعي المعمر الإمام الفاضل وفيها أمير شريف العجمي المكي العلامة في الطب قدم دمشق سنة تسع وأربعين وتسعمائة متوجها إلى الروم قال ابن طولون وبلغني أنه شرح رسالة الوجود للسيد الشريف وشرح الفصوص للمحيوي ببن العربي انتهى وفيها بدر الدين حسن بن اسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن النصيبي الحلبي ثم المصري الضرير الشافعي المعروف بالشيخ حسن ولد سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وكان عالما بارعا في الفقه والقراآت والنحو والتجويد قال الشعراوي شيخي وقدوتي إلى الله تعالى العلامة الورع الزاهد كان عالما عاملا حافظا لمتون الكتب الشرعية وآلاتها على ظهر قلب حافظا للسانه ملازما لشأنه مواظبا على الطهارة الظاهرة والباطنة غزير الدمعة لا يسمع آية أو حديثا أو شيئا من أحوال الساعة وأهوال يوم القيامة إلا بكى حتى أرحمه من شدة البكاء قال وكان كريم النفس جميل المعاشرة أمارا بالمعروف لا يداهن أحدا في دين الله تعالى وهو أكثر أشياخه نفعا لي قرأت عليه القرآن والمنهاج والألفية والشاطبية والتوضيح وجمع الجوامع وتلخيص المفتاح وقواعد

(8/288)


289 الأعراب وتوفي بمصر ودفن خارج باب النصر انتهى ملخصا وفيها المولى عبد العزيز بن زين العابدين الحنفي أحد موالي الروم الشهير بابن أم ولد شهرة جده لأمه اشتغل بالعلم وحصل واتصل بخدمة المولى ابن المؤيد ودرس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية ثم بدار الحديث بادرنة ثم ولي قضاء حلب ثم صار مفتيا ومدرسا باماسية ثم ترك المناصب وتقاعد فعين له كل يوم سبعون عثمانيا وكان عالما كاملا شاعرا لطيفا ومن شعره ما كتبه على وثيقة وهو قاض بمغنيسا ( هذه حجة مباينها * أسست بالوثاق تأسيسا ) ( صح عندي جميع فحواها * لن ترى في السطور تلبيسا ) ( ثم عبد العزيز ورقعها * قاضيا في ديار مغنيسا ) قال ابن الحنبلي كان فاضلا فصيحا حسن الخط لطيف الشعر باللسان العربي بديع المحاضرة جميل المذاكرة انتهى وتوفي بالقسطنطينية وفيها الشيخ زين الدين عمر العقيبي العارف بالله تعالى المربي المسلك الحموي الأصل ثم العقيبي الدمشقي المعروف بالاسكاف كان في بدايته اسكافا يصنع النعال الحمر ثم صحب الشيخ علوان الحموي وبقي على حرفته غير أنه كان ملازما للذكر أو الصمت ثم غلبت عليه الأحوال فترك الحرفة وأقبل على المجاهدات ولزم خدمة أستاذه الشيخ علوان حتى أمره أن يذهب إلى دمشق ويرشد الناس وكان كثير المجاهدات شديد التقشف ورعا وكان أميا لكن ببركة صدقه فتح الله عليه في الكلام في طريق القوم والتكلم على الخواطر التي يشكوها إليه الفقراء وكان مدة إقامته بدمشق يسافر لزيارة شيخه في كل سنة مرة يقيم بحماة ثلاثة أيام ويرجع قال الشيخ إبراهيم بن الأحدب وأخذت عنه الطريق وانتفعت به وانتفع به كثير من الناس انتهى وكان يعامل أصحابه ومريديه بالمجاهدات الشاقة على النفوس وكان ربما أمر بعضهم بالركوب على

(8/289)


290 بعير ويعلق في عنقه بعض الأمتعة ويأمر آخر أن يقود به البعير وهما يجهران بذكر الله تعالى كما هو المشهور من طريقته وله أحوال خارقة ومن جملة مريديه وملازميه الشيخ محمد الزغبي المجذوب المعتقد وكان للشيخ عمر ولدان وكان عيسى باشا كافل دمشق من جملة معتقديه وأخذ عنه الطريق وتوفي الشيخ عمر في هذه السنة ودفن بزاويته بمحلة العقيبة وظهر في الشمس تغير وظلمة شبه الكسوف يوم موته وفيها أقضى القضاة محب الدين محمد بن قاضي القضاة سرى الدين عبد البر بن محمد بن الشحنة المصري المولد والمنشأ الحنفي كان أسمر من سرية أبيه المسماة غزال واشتغل بالعلم على أبيه وغيره وولي نيابة الحكم عنده ثم نيابة الحكم عنه ثم قدم حلب عند انقضاء الدولة الجركسية بعد أن حج وجاور وكان مقداما محتشما حسن الملبس لطيف العمامة حسن المطارحة لطيف الممازحة رقيق الطبع سريع الشعر مع حسنه ورقته في الجملة ومن شعره في مليح اسمه إبراهيم ( يا حبيبي صل معنى * ذاب وجدا وغراما ) ( وارحمن صبا كساه * غزل عينيك سقاما ) ( ورماه عن قسى الحاجب * اللحظ سهاما ) ( انحلته رقة الخصر * نحولا حيث هاما ) ( لا يرى إلا خيالا * ان تقل فيه نظاما ) ( لم يذق من يوم غبتم * عنه لا أكلا ولاما ) ( أطلقت عيناه نهرا * طلقت منه المناما ) ( أوقدت حشى حشاه * نار خديك ضراما ) ( عجبا للنار فيه * وبه حزت المقاما ) ( إن بعد الوصل عادت * بك بردا وسلاما ) وتوفي بحلب ليلة الأحد تاسع شعبان قبيل الفجر ودفن بتربة موسى الحاجب

(8/290)


291 خارج باب المقام وفيها قاضي القضاة عفيف الدين محمد بن علي بن عمر بن علي بن جنغل بضم الجيم والغين المعجمة بينهما نون ساكنة الحلبي المالكي آخر قضاة المالكية بحلب وابن قضاتها ولد يوم الأربعاء تاسع عشرى شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة وتفقه بالشيخ علي الكناسي المغربي المالكي وولي القضاء من قبل السلطان الأشرف قايتباي تاسع عشرى شوال سنة سبع وتسعين وهو ابن نيف وعشرين سنة ثم انكف عن المناصب في الدولة العثمانية ولزم بيته آخرا في رفاهية وطيب عيش والمسلمون سالمون من يده ولسانه ولم يكن يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة والعيدين وربما شهد بعض الجنائز وتوفي في نهار الأربعاء ثاني شوال وفي حدودها عصام الدين إبراهيم بن محمد بن عرب شاه من ذرية أبي إسحق الأسفراييني قرية من قرى خراسان كان أبوه قاضيا بها وجده في أيام أولاد تيمور وهو من بيت علم ونشأ هو طالبا العلم فحصل وبرع وفاق أقرانه وصار مشارا إليه بالبنان وكان بحرا في العلوم له التصانيف الحسنة النافعة في كل فن خرج في أواخر عمره من بخارى إلى سمرقند لزيارة الشيخ العارف وخواجه عبيد الله النقشبندي فمرض بها مدة اثنين وعشرين يوما ثم قضى نحبه عن اثنتين وسبعين سنة وكان آخر ما تلفظ به الله وازدحم الناس للصلاة عليه ودفن بسمرقند قرب الشيخ المذكور وفيها جمال الدين أبو مخرمه محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي يجتمع مع الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه في الأب السادس ولد ببلدة الهجرين من اليمن ونشأ بها ثم ارتحل إلى عدن لطلب العلم فأخذ عن إماميها الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه والفقيه محمد بن أحمد فضل ثم ارتحل إلى زبيد وأخذ عن علمائها ثم رجع إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن أحمد مخرمه وولده العلامة شهاب الدين أحمد وانتفع بهما وتخرج عليهما ولما وصل العلامة

(8/291)


292 محمد بن الحسين القماط قاضيا على عدن ثم بعده العلامة أحمد بن عمر المزجد قاضيا أيضا لازم كلا منهما ولم يزل مجتهدا حتى فاق أقرانه في الفقه وصار في عدن هو المشار إليه والعلم المعول عليه واحتاج الناس إلى علمه وقصدوه بالفتوى من النواحي البعيدة لكنه كان قد يتساهل في الفتاوى ويترك المراجعة لا سيما في أواخر عمره فاختلفت أجوبته وتناقضت فتاويه وكان ذلك مما عيب عليه ثم كان السلطان عامر بن داود وهو آخر ملوك بني طاهر بعدن استماله في آخر عمره وأحسن إليه لأغراض فاسدة عزم عليها فكان إذا عزم على أمر فاسد يتعلق بالشرع أرسل إليه من يشاوره في كتب سؤال في القضية فيجيبه إلى ذلك ويكتب على سؤالاتهم أجوبة توافق أغراضهم فيتوصلون بها إلى مفاسد لا تحصى فلا حول ولا قوة إلا بالله وتوفي ببلدة الهجرين سامحه الله تعالى سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة فيها توفي المولى بير أحمد بن حمزة الشهير بابن بليس الحنفي الفاضل اشتغل بالعلم وحصل ودرس ببعض المدارس ثم بمدرسة أسكوب ثم وصل إلى إحدى الثمان ثم صار قاضيا بمصر ثم أعطي تقاعدا عنها بمائة عثماني ومات على ذلك وخلف دنيا طائلة وكتبا نفيسة وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن جلال الدين محمد البكري الصديقي الشافعي الشيخ الإمام المحدث نادرة الزمان وأعجوبة الدهر الصوفي الأستاذ أخذ الفقه والعلوم عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف وغيرهما وأخذ التصوف عن الشيخ رضى الدين الغزي العامري والشيخ عبد القادر الدشطوطي قال الشعراوي أخذ العلم عن جماعة من مشايخ الإسلام والتصوف عن الشيخ رضى الدين الغزي وتبحر في علوم الشريعة من فقه وتفسير وحديث وغير ذلك وكان

(8/292)


293 إذا تكلم في علم منها كأنه بحر زاخر لا يكاد السامع يحصل من كلامه على شيء ينقله منه لوسعه إلا أن يكتبه قال وأخبرني من لفظه ونحن بالمطاف أنه بلغ درجة الاجتهاد المطلق وقال إنما أكتم ذلك عن الأقران خوفا من الفتنة بسبب ذلك كما وقع للجلال السيوطي قال وكانت مدة اشتغاله على الأشياخ نحو سنتين ثم جاء الفتح من الله فاشتغل بالتأليف انتهى ومن مؤلفاته شرح المنهاج وشرح الروض وشرح العباب للمزجد وحاشية على شرح المحلى قال الشعراوي وهو أول من حج من علماء مصر في محفة ثم تبعه الناس قال وحججت معه مرة فما رأيت أوسع خلقا ولا أكثر صدقة في السر والعلانية منه وكان لا يعطي أحدا شيئا نهارا إلا نادرا وأكثر صدقته ليلية وكان له الاقبال العظيم من الخاص والعام وشاع ذكره في أقطار الأرض مع صغر سنه وكان له كرامات كثيرة وخوارق وكشوفات وترجمه الناس بالقطبية العظمى ويدل على ذلك ما أخبرنا به الشيخ خليل الكشكاوي قال رأيت الشيخ أبا الحسن البكري وقد تطور فكان كعبة مكان الكعبة ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص قال وكان له النظم السائغ في علوم التوحيد وأطلعني مرة على تائية عملها نحو خمسة آلاف بيت أوائل دخوله في طريق القوم ثم أنه غسلها وقال أن أهل زماننا لا يحتملون سماعها لقلة صدقهم في طلب الطريق انتهى ومن شعره التائية المشهورة التي أولها ( بوجودكم تتجمل الأوقات * وبجودكم تتنزل الأقوات ) وهي طويلة مشهورة وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة ودفن بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنهما وفيها تقريبا المولى محي الدين محمد بن بهاء الدين بن لطف الله الصوفي الحنفي الإمام العلامة المحقق المعمر المنور أحد الموالي الرومية الشهير ببهاء الدين زادة قرأ على المولى مصلح الدين القسطلاني ثم على المعرف معلم السلطان أبي يزيد ثم مال إلى التصوف فخدم العارف

(8/293)


394 محي الدين الأسكليبي وأجازه بالارشاد وجلس مدة في وطنه بالي كسرى ثم عاد إلى القسطنطينية وجلس في زاوية شيخه المذكور بعد موت المولى عبد الرحيم ابن المريد وكان عالما بالعلوم الشرعية والفرعية ماهرا في العلوم العقلية عارفا بالتفسير والحديث والعربية زاهدا ورعا ملازما لحدود الشريعة مراعيا لآداب الطريقة جامعا بين علوم الشرع ومعارف الحقيقة أمارا بالمعروف لا تأخذه في الله لومة لائم ومن تصانيفه شرح الأسماء الحسنى وتفسير القرآن العظيم وشرح الفقه الأكبر للإمام الأعظم جمع فيه بين طريق الكلام وطريق التصوف وله في التصوف رسائل كثيرة وحج في سنة إحدى وخمسين فدخل بلاد الشام وتوفي ببلدة قيصرية ودفن بها عند قبر الشيخ إبراهيم القيصري وهو شيخ شيخه وفيها شمس الدين محمد بن علي بن الفلوجي الدمشقي الشافعي الواعظ المقرىء أخو الشيخ أحمد القلوجي الآتي وأسن منه إلا أنه توفي شابا أخذ عن البدر الغزي والتقي القاري والسعد الذهبي وغيرهم ومكث في القاهرة سنين في الاشتغال ثم قدم دمشق يوم السبت ثاني عشرى رمضان سنة تسع وثلاثين وتسعمائة ثم شرع يعظ تحت قبة النسر بالأموي عقب صلاة الجمعة وابتدأ يوم عيد الفطر وتكلم على أول الأعراف وكان شابا ذكيا واعظا يفتي ويدرس في الشامية البرانية وأم بمقصورة الأموي شريكا للشهاب الطيبي وكان عارفا بالقراآت وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر رمضان ودفن بباب الصغير وتأسف الناس عليه سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة فيها توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الأنطاكي الحلبي الحنفي المعروف بابن حمارة الإمام العلامة الورع ولد بأنطاكية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وتخرج في صنعة

(8/294)


295 التوقيع بجده وأخذ النحو والصرف عن الشيخ علاء الدين العداسي الأنطاكي والمنطق والكلام والأصول عن منلا محي الدين بن عرب الأنطاكي الحنفي ثم قدم حلب ولازم فيها البدر السيوفي واشتغل في القراآت على الشيخ محمد الداديخي وتعاطى صنعة الشهادة ثم صار مدرسا في توسعة جامع الضروي بحلب وحج وأجاز له بمكة المحدث عبد العزيز بن الحافظ نجم الدين بن فهد وبالقاهرة القاضي زكريا والشيخ شهاب الدين القسطلاني ولم يزل مكبا على التدريس والتحديث والتكلم على الأحاديث النبوية بالعربي والتركي بالجامع المذكور وعرض عليه تدريس السلطانية بحلب فأعرض عنه وولي خطابة الجامع المذكور والحلاوية والافتاء بحلب ثم حج ثانيا فتحرك عليه وجع النقرس وهو بدمشق وكان يعتريه أحيانا واستمر به حتى دخل المدينة فخف عنه قال ابن الحنبلي وكان له الخط الحسن والتحشية اللطيفة على حواشي الكتب ولم تكن له خبرة بأساليب أهل الدنيا مع الصلاح الزائد وله من التآليف منسك لطيف وتوفي يوم عرفة طلوع الفجر وهو يتلو القرآن وفيها بدر الدين حسن الشهير بابن الينابيعي الحلبي الشافعي المقرىء قال ابن الحنبلي كان عالما فاضلا تلميذا للبدر السيوفي وغيره وأدرك الشيخ جاكير صاحب الزاوية المشهورة بسرمين وأخذ عنه القراآت وكان من العارفين بها وتوفي في هذه السنة وقد قارب المائة وقوته محفوظة وفيها تقريبا السيد عفيف الدين حسين بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يحيى بن أحمد بن محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن القطب الكبير سيدي عبد القادر الكيلاني الحلبي ثم الحموي الشافعي سبط النظام التادفي الحنبلي ولد بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة ثم قطن حماة وقرأ في الفقه وسمع الحديث على الشهاب البازلي وسافر إلى دمشق فتلقاه الفقراء والمشايخ وبعض الأعيان ولبس منه الخرقة جماعة وحصل له القبول من عيسى باشا نائب دمشق

(8/295)


296 وصار له حلقة في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة ثم عاد إلى حماة فودعه الناس في يوم مشهود ثم سافر إلى الروم فطلبه السلطان سليمان فدخل عليه فأمره بالجلوس وأمر له بعشرين عثمانيا في زوائد عمارة والده بدمشق فأبى ثم قبل بعد التصميم عليه ثم عاد فدخل حلب سنة اثنتين وخمسين وتوفي بحماة وفيها سعد الدين سعد بن علي بن الدبل بالدال المهملة ثم الموحدة من تحت الأنصاري الحلبي ثم الدمشقي الحنفي قال ابن طولون هو مدرس الماردانية بالجسر الأبيض بسفح قاسيون اشتغل وحصل وبرع وتفقه وولي القضاء بحلب نيابة ثم قدم دمشق ونزل بالخانقاة السميساطية ونظم الشعر بالعربي والتركي والفارسي ونظم قصيدة في قاضي دمشق السيد عربية ملمعة باللسانين وشكره عليها وتوفي يوم السبت سلخ صفر سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وجد مرميا على باب الخانقاة المذكورة تحت روشن خلوته بها وإبهاماه مربوطان وهو مخنوق ولم يعلم له غريم ودفن بتربة باب الفراديس ولعله في عشر السبعين انتهى وفيها ظنا المولى سنان جلبي أحد الموالي الرومية الحنفي الإمام العلامة ترقى في التداريس ثم أعطى قضاء دمشق فدخلها في صفر سنة تسع وأربعين وتسعمائة وحكم فيها نحو ثلاث سنين وحمدت سيرته في قضائها وفيها عبد الوهاب بن أبي بكر الليموني الغزي الأصل الحلبي المولد الشافعي الصوفي الهمداني الخرقة أحد أكابر حفاظ القرآن العظيم بحلب لبس الخرقة وتلقن الذكر من الشيخ يونس بن إدريس وألم بالشاطبية وأقرأ فيها وأم بجامع حلب وتوفي في رمضان وفيها الشيخ علي البحيري قال المناوي في طبقاته هو ذو العلم الكثير والزهد الجم الغفير والخوف الذي ليس له في عصره نظير لا يكاد يغيب شيء من أحوال القيامة عنه وكثيرا ما يقول نسأل الله السلامة ومنذ نشأ لم يضع له زمان ولا وضع جنبه على الأرض مدى الأزمان ولا

(8/296)


297 ظفر الفراغ منه بأمان وقال الشعراوي صحبته نحو عشرين سنة وكان جامعا بين الشريعة والحقيقة أخذ علم الظاهر عن جمع منهم ابن الأقطع وكان أكثر إقامته بالريف يدور البلاد فيعلم الناس دينهم ويرشدهم وكان يفتي في الوقائع التي لا نقل فيها بأجوبة حسنة فيعجب منها علماء مصر وكان يهضم نفسه وإذا زاره عالم أو فقير يبكي ويقول يزورك مثل فلان يا فضيحتك بين يدي الله وإذا سئل الدعاء يقول كلنا نستغفر الله ثم يدعو وكان يلام على كثرة الدعاء فيقول وهل خلقت النار إلا لمثلي وحكى عنه مناقب كثيرة وتوفي في شوال ودفن بزاوية سيدي محمد المنير خارج الخانقاة السرياقوسية وفيها زين الدين عمر بن نصر الله الشيخ العالم الزاهد العارف بالله تعالى الصالحي الدمشقي الحنفي وكان من أهل العلم والصلاح طارحا للتكلف يلبس العباءة قانعا باليسير يرجع إليه في مذهبه وكان القطب بن سلطان يستعين به في تأليف ألفه في فقه الحنفية وتوفي مقهورا لما رآه من ظهور المنكرات وحدوث المحرمات وضرب اليسق على الأحكام وكانت وفاته في سادس رجب ودفن بسفح قاسيون بالصالحية وفيها السيد قطب الدين أبو الخير عيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد الشريف العلامة المحقق المدقق الحسني الحسيني الأيجي الشافعي الصوفي المعروف بالصفوي نسبة إلى جده لأمه السيد صفي الدين والد الشيخ معين الدين الأيجي الشافعي صاحب التفسير ولد سنة تسعمائة واشتغل في النحو والصرف على أبيه وتفقه به وأخذ عنه الرسالة الصغرى والكبرى للسيد الشريف في المنطق ثم لازم الشيخ أبا الفضل الكازواني صاحب الحاشية على تفسير البيضاوي والشرح على ارشاد القاضي شهاب الدين الهندي بكجرات من بلاد الهند فقرأ عليه المختصر والمطول وغيرهما وأجاز له ثم فارقه وسمع بالهند أيضا على أبي الفضل الاستراباذي أشياء بقراءة غيره ورحل إلى دلى

(8/297)


298 وحضر مجالس علمائها وبحث معهم فظهر فضله وأكرمه السلطان إبراهيم بن سكندرشاه وأدرك الجلال الدواني وأجاز له ثم حج وجاور بمكة سنين وزار قبر النبي وصحب بالمدينة الشيخ الزاهد أحمد بن موسى الشيشني المجاور بها وأرخى له العذبة وأذن له في ذلك ثم دخل بلاد الشلام في حدود سنة تسع وثلاثين وأخذ عنه جماعة من أهل دمشق وحلب ودرس بدمشق في شرح الكافية للرضى وكان يعتمد على كلام الشيخ جمال الدين بن مالك ما لا يعتمد على كلام ابن هشام وزار بدمشق قبور الصالحين وزار بيت المقدس وسافر إلى الروم مرتين وأنعم عليه السلطان سليمان بخمسين عثمانيا في خزينة مصر ثم رجع إلى حلب فقدمها الشيخ محمد الأيجي للقائه وعادا جميعا إلى دمشق وأخذ عنه بحلب ابن الحنبلي ولبس منه الخرقة وتلقن الذكر ثم دخل مصر واستوطنها وله مؤلفات منها شرح مختصر على الكافية وشرح الغرة في المنطق للسيد الشريف وشرح الفوائد الضيائية في المعاني والبيان قال ابن الحنبلي وهو مما لم يكمله ومختصر النهاية لابن الأثير في نحو نصف حجمها وتفسير من سورة عم إلى آخر القرآن وكان من أعاجيب الزمان رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الشهير بابن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي الإمام العلامة المسند المؤرخ ولد بصالحية دمشق بالسهم الأعلى قرب مدرسة الحاجبية سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا وسمع وقرأ على جماعة منهم القاضي ناصر الدين بن زريق والسراج بن الصيرفي والجمال ابن المبرد والشيخ أبو الفتح المزي وابن النعيمي في آخرين وتفقه بعمه الجمال ابن طولون وغيره وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين من أهل الحجاز وكان ماهرا في النحو علامة في الفقه مشهورا بالحديث وولي تدريس الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وإمامة السليمية بالصالحية وقصده الطلبة في النحو ورغب الناس في السماع منه وكانت

(8/298)


299 أوقاته معمورة بالتدريس والإفادة والتأليف وكتب بخطه كثيرا من الكتب وعلق ستين جزءا سماها بالتعليقات كل جزء منها يشتمل على مؤلفات كثيرة أكثرها من جمعه ومنها كثير من تأليفات شيخه السيوطي وكان واسع الباع في غالب العلوم المشهورة حتى في التعبير والطب وأخذ عنه جماعة من الأعيان وبرعوا في حياته كالشهاب الطيبي شيخ الوعاظ والمحدثين والعلاء ابن عماد الدين والنجم البهنسي خطيب دمشق ومن آخرهم الشيخ إسمعيل النابلسي مفتي الشافعية والزين بن سلطان مفتي الحنفية والشهاب العيثاوي مفتي الشافعية والشهاب بن أبي الوفا مفتي الحنابلة والقاضي أكمل بن مفلح وغيرهم ومن شعره ( ارحم محبك يارشا * ترحم من الله العلي ) ( فحديث دمعي من جفاك * مسلسل بالأول ) ومنه ( ميلوا عن الدنيا ولذاتها * فإنها ليست بمحموده ) ( واتبعوا الحق كما ينبغي * فإنها الانفاس معدوده ) ( فأطيب المأكول من نحلة * وأفخر الملبوس من دودة ) وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى ودفن بتربتهم عند عمه القاضي جمال الدين بالسفح قبلي الكهف والخوارزمية ولم يعقب أحدا وفيها محي الدين محمد الحنفي الرومي المعروف بإمام خانة لكونه إمام قلندر خانة كان بارعا في العلم أصولا وفروعا وعربية وتفسيرا ثم تصوف فصحب الشيخ حبيب القرماني والشيخ ابن أبي الوفاء والسيد أحمد البخاري ثم صار إمام وخطيب جامع قلندرخان وانقطع إلى الله تعالى ولازم بيته وكان مباركا صحيح العقيدة محافظا على حدود الشريعة قال في الشقائق وكان شيخا هرما سألته عن سنه فقال مائة أو أقل سنين وعاش بعد ذلمك مقدار ثمان سنين رحمه الله تعالى

(8/299)


300 وفي حدودها شمس الدين محمد القهستاني الحنفي المفتي ببخارا وهو من شركاء المولى عصام الدين وكان إماما عالما زاهدا فقيها متبحرا جامعا يقال أنه ما نسي قط ما طرق بسمعه وله شرح لطيف على الوقاية ألفه برسم الملك البطل الشجاع العالم العامل المستنصر السلطان ابن السلطان أبي المغازي عبيد الله خان السيبكي وقهستان قصبة من قصبات خراسان سنة أربع وخمسين وتسعمائة فيها توفي القاضي برهان الدين إبراهيم بن أحمد الأخنائي الشافعي الدمشقي الإمام العلامة كان من العلماء والرؤساء ماسكا زمام الفقهاء أحد قضاة العدل يلبس أحمد الثياب وأفخرها ويركب حسان الخيل اشتغل أولا على القاضي برهان الدين بن المعتمد ورافق تقي الدين القاري عليه وعلى غيره في الاشتغال وأخذ عن الكمال بن حمزة وكانت له ديانة ومهابة ووقار وتوفي ليلة الأربعاء سابع رجب ودفن بتربته المعمورة قرب جامع جراح وفيها برهان الدين إبراهيم بن العلامة زين الدين حسن بن عبد الرحمن بن محمد الحلبي الشافعي الشهير بابن العمادي الشيخ الإمام ولد بحلب بعد الثمانين وثمانمائة ونشأ بها وأخذ العلوم عن جماعة من أهلها وممن ورد إليها منهم والده والشمس البازلي والشيخ أبو بكر الحبيشي ومظفر الدين الشيرازي نزيل حلب وقرأ المطول وبعض العضد على البدر بن السيوفي والفقه وغيره عن المحيوي عبد القادر الأبار وغيرهم وجد واجتهد حتى فضل في فنون ودرس وأفتى ووعظ مع الديانة والسكون ولين الجانب وحسن الخلق وحج من طريق القاهرة وأخذ عن جماعة من أهلها كالقاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والنور المحلى والشهاب القسطلاني قرأ عليه شرحه على البخاري والمواهب اللدنية وغيرهما وأخذ بمكة عن العز بن فهد وابن عمه الخطيب وغيرهما ولقي

(8/300)


301 بها من مشايخ القاهرة عبد الحق السنباطي وعبد الرحيم بن صدقة وأخذ عنهما وأخذ بغزة عن شيخها الشهاب بن شعبان ثم أكب على إفادة الوافدين إليه في العربية والقراآت والفقه وأصوله والحديث وعلومه والتفسير وغير ذلك وكان لا يرد أحدا من الطلبة وإن كان بليدا وأفتى وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا وانتهت إليه رياسة الشافعية بحلب وتوفي يوم الجمعة في رجب ودفن وراء المقام الإبراهيمي خارج باب المقام وفيها جار الله بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي الإمام العلامة المسند المؤرخ ولد ليلة السبت العشرين من رجب سنة إحدى وتسعين وثمانمائة بمكة ونشأ بها في كنف أبويه فحفظ القرآن العظيم وكتبا منها الأربعين النواوية والمنهاج الفقهي وسمع من السخاوي والمحب الطبري وأجاز له جماعة كعبد الغني البساطي وغيره ولازم والده في القراءة والسماع وتوجه معه للمدينة وجاورا بها سنة تسع وتسعمائة وسمع بها من لفظ والده تجاه الحجرية الشريفة الكتب الستة والشفا لعياض وغيرها وعلى السيد السمهودي بعضها وتاريخه الوفا وفتاواه وألبسه خرقة التصوف ولما عاد إلى مكة أكثر على والده من قراءة الكتب الكبار والأجزاء الصغار وانتفع بإرشاده وخرج الأسانيد والمشيخات لجماعة من مشايخه وغيرهم واستوفى ما عند مشايخ بلده من السماع ورحل إلى مصر والشام وبيت المقدس وحلب واليمن وأخذ بها وبغيرها من البلدان عن نحو السبعين من المسندين وأجازه خلق كثيرون جمعهم في مجمع حافل ولازم الشيخ عبد الحق السنباطي وخرج له مشيخة اغتبط بها وكذا المحب النويري وغيرهما من الأكابر وبرع في العلوم العقلية والشرعية ودخل بلاد الروم ورزق الأولاد وحدث بالحرمين وغيرهما وتوفي ليلة الثلاثاء خامس عشر جمادى الآخرة

(8/301)


302 وفيها ظنا المولى داود بن كمال أحد موالي الروم قال في الشقائق كان عالما فاضلا ذكيا مدققا له يد طولى في العلوم كريم الطبع مراعيا للحقوق قوالا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم اشتغل في طلب العلم حتى توصل إلى خدمة المولى الفاضل ابن الحاج حسن ثم انتقل إلى خدمة المولى ابن المؤيد ثم ولي التداريس ثم صار قاضيا بمدينة بروسا مرتين ثم اختار التقاعد فعين له كل يوم مائة درهم عثماني ولم يشتغل بالتصنيف ومات على ذلك وفيها شاهين بن عبد الله الجركسي العابد الزاهد بل الشيخ العارف بالله تعالى الدال عليه والمرشد إليه كان من مماليك السلطان قايتباي وكان مقربا عنده فسأل السلطان أن يعتقه ويخليه لعبادة ربه ففعل وساح إلى بلاد العجم وغيرها وأخذ الطريق عن سيدي أحمد بن عقبة اليمني المدفون بحوش السلطان برقوق فلما مات صحب نحو ستين شيخا ولما دخل العجم أخذ عن سيدي عمر روشني بتبريز ثم رجع إلى مصر وأقام بالمحل الذي دفن فيه من جبل المقطم وبنى له فيه معبدا وكان لا ينزل إلى مصر إلا لضرورة شديدة ثم انقطع لا ينزل من الجبل سبعا وأربعين سنة واشتهر بالصلاح في الدولتين وكان أمراء مصر وقضاتها وأكابرها يزورونها ويتبركون به وكان يغتسل لكل صلاة ومن كراماته أنه قام للوضوء بالليل فلم يجد ماء فبينما هو واقف وإذا بشخص طائر في الهواء وفي عنقه قربة ماء فأفرغها في الخابية ثم رجع طائرا نحو النيل وتوفي في شوال ودفن بزاويته في الجبل وبنى السلطان عليه قبة ووقف على مكانه أوقافا وفيها السيد عبد الرحمن بن حسين الرومي الحسيني الحنفي أحد الموالي الرومية ولد سنة أربع وستين وثمانمائة وقرأ في شبابه على المولى محي الساموني والمولى على الفناري وغيرهما ثم صار مدرسا بمدرسة جندبك بمدينة بروسا وكان بارعا في العلوم العقلية مشاركا في غيرها من العلوم محققا مدققا زاهدا ورعا راضيا من العيش بالقليل ثم غلب عليه الانقطاع إلى الله والتوجه إلى

(8/302)


303 الحق وترك التدريس فعين له كل يوم خمسة عشر عثمانيا فقنع بها ولم يقبل الزيادة عليها وانقطع بمدينة بروسا وحكى عن نفسه أنه مرض في مدينة أدرنة وهو ساكن في بيت وحده وليس عنده أحد فكان في كل ليلة ينشق له الجدار ويخرج منه رجل يمرضه ثم يذهب فلما برىء من المرض قال له الرجل لا أجيء إليك بعد هذا وتوفي بمدينة بروسا وفيها محي الدين محمد الياس الحنفي أحد الموالي الرومية الشهير بجوى زاده المولى العالم العلامة قرأ على علماء عصره ووصل إلى خدمة سعدى جلبى وبالي الأسود وصار معيدا لدرسه ثم تنقل في المدارس حتى أعطى إحدى الثمان ثم صار قاضيا بمصر وعاد منها وقد أعطى قضاء العساكر الأناضولية ثم صار مفتيا بالقسطنطينية ثم تقاعد من الفتيا وعين له كل يوم مائتا عثماني وكان سبب عزله عن الفتوى انحراف الملك عليه بسبب انكاره على الشيخ محي الدين العربي ثم صار بعد التقاعد مدرسا بإحدى الثمان ثم قاضيا بالعساكر الروم ايلية وكان مرضي السيرة محمود الطريقة طارحا للتكلف متواضعا مقبلا على الاشتغال بالعلم مواظبا على الطاعات مثابرا على العبادات قوالا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم حافظا للقرآن العظيم له يد طولى في الفقه والتفسير والأصول ومشاركة في سائر العلوم سيفا من سيوف الحق قاطعا فاصلا بين الحق والباطل حسنة من حسنات الأيام وله تعليقات ولكنها لم تشتهر مرض رحمه الله تعالى بعد صلاة العشاء فلم يمض نصف الليل حتى مات وفيها المولى محمد بن عبد الأول التبريزي أحد موالي الروم الحنفي رأى الجلال الدواني وهو صغير وقرأ على والده قاضي حنفية مدينة تبريز ودخل في حياة والده الروم فعرضه المولى ابن المؤيد على السلطان أبي يزيد لسابقة بينه وبين والده فأعطاه مدرسة ثم تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ثم بإحدى الثمان وعزل ثم أعطى إحداهن ثانيا ثم أضرت عيناه فأعطى تقاعدا بثمانين

(8/303)


304 درهما وكان فاضلا زاهدا صحيح العقيدة له حاشية على شرح هداية الحكمة لمولانا زادة وفيها شمس الدين محمد بن علي بن عطية الحموي الشافعي الإمام العلامة الأوحد المحقق الفهامة شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام العارف بالله ابن العارف بالله أخذ العلوم الظاهرة والباطنة عن أبيه وعن كثير من الواردين إليه ولقنه والده الذكر وألبسه الخرقة وكان قد ابتلى في صغره بسوء الفهم والحفظ حتى ناهز الاحتلام وفهمه في ادبار فبينما هو ليلة من الليالي عند السحر إذا هو بوالده قد أخذته حالة فأخذ في إنشاد شيء من كلام القوم فلما سرى عنه خرج من بيته وأخذ في الوضوء في إناء واسع من نحاس فلما فرغ والده من وضوئه أخذ الشيخ شمس الدين ماء وضوء والده وشربه فوجد بركته وتيسر عليه الفهم والحفظ من يومئذ ولم يتوقف عليه بعد ذلك شيء من المطالب القلبية كما ذكر ذلك صاحب الترجمة في رسالته التي ألفها في علم الحقيقة وأكملها في سنة ثلاث وأربعين وسماها تحفة الحبيب وكان يعظ بحماة بعد والده ويدرس في العلوم الشرعية والعقلية وتشكي إليه الخواطر فيجيب عنها وكان في وعظه وفصاحته وبلاغته آية وحج هو وأخوه أبو الوفا سنة ثمان وثلاثين وعمل مجلسه بعد عوده في مجلس القصب خارج دمشق وهرعت أهل دمشق إليه قال ابن الحنبلي ومما من الله به على صاحب الترجمة سرعة الانشاء بحيث لو أخذ في وضوء صلاة الجمعة وطلب منه أن يخطب لعمل على البديهة في سره خطبة عجيبة وخطب بها حالا ولم يتوقف على رسمها ورقمها مآلا قال وكان دمث الأخلاق جمالي المشرب عنده طرف جذب وبالجملة فقد كان من أخيار الأخيار وآثاره من بديع الآثار ولله دره فيما أنشدنيه من شعره ( تنفس قلب الصب في كل ساعة * لا كؤس هم ذا الزمان أدارها ) ( إلى الله أشكو أن كل قبيلة * من الناس قد أفنى الحمام خيارها )

(8/304)


305 وتوفي بمدينة حماة في أوائل رمضان رحمه الله تعالى وفيها المولى شمس الدين محمد بن العلامة علي الفناري الحنفي أحد الموالي الرومية قرأ على والده في شبابه وبعد وفاته على المولى خطيب زادة والمولى أفضل الدين وترقى في المدارس حتى صار مفتيا أعظم واشتغل باقراء التفسير والتصنيف وألف عدة رسائل وحواش على شرح المفتاح للسيد وغير ذلك وكان آية في الفتوى باهرا فيها وله احتياط في المعاملة مع الناس متحرزا عن حقوق العباد محبا للفقراء والصلحاء لا تأخذه في الله لومة لائم توفي بالقسطنطينية ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وفيها شمس الدين محمد بن يعقوب الصفدي الشافعي الشيخ الإمام شيخ الإسلام عالم صفد ومفتيها سبط ابن حامد قرأ وحصل في بلده وغيرها ورحل إلى دمشق للطلب فقرأ على الكمال بن حمزة والكمال العيثاوي وغيرهما ورحل إلى مصر فأخذ عن أكابر علمائها وكان كثير الرحلة إلى دمشق شديد المحبة لأهلها عالما عاملا ذا مهابة وجلالة وكلمة نافذة توفي في أواخر الحجة بصفد وفيها شرف الدين يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن أبي جرادة نسبة إلى أبي جرادة حامل لواء أمير المؤمنين على رضي الله عنه يوم النهروان وكان اسم أبي جرادة عامرا كان صاحب الترجمة حسن الشكل نير الشيبة كثير الرفاهية ولي عدة مناصب بحلب مولده سنة إحدى وسبعين وثمانمائة ووفاته في هذه السنة سنة خمس وخمسين وتسعمائة فيها توفي بدر الدين حسن بن قاضي القضاة جلال الدين عمر بن محمد الحلبي الشافعي المعروف بابن النصيبي ولد سنة سبع وتسعمائة واشتغل بالعلم مدة على العلاء الموصلي والبرهان اليشبكي وغيرهما ثم رحل لأجل المعيشة

(8/305)


306 إلى الروم فصار يكتب القصص التي ترفع للسلطان بالتركية على أحسن وجه ثم تقرب إلى نيشانجي الباب العالي فقربه وأحبه وتولى بهيبته نظر الأوقاف بحلب ونظر الحرمين والبيمارستان الأرغوني ثم وشى به إلى عيسى باشا لما دخل حلب مفتشا على ما بها من المظالم وقيل له أن عليه ما ينوف على عشر كرات فاختفى منه مدة وشدد عيسى باشا في طلبه فتمثل بين يديه ملقيا سلاحه ثم عاد من عنده سليما وتولى نظر الأمور السلطانية بحلب بعد وفاة عيسى باشا فهابه الأمراء والكتاب حتى تولى أسكندر بيك دفتر دارية حلب فأظهر عليه أموالا كثيرة بمعونة أهل الديوان وأخذها منه حتى لم يبق معه ولا الدرهم الفرد وتوفي مسموعا ودفن بمقبرة سيدي على الهروي خارج باب المقام بحلب وفيها تقريبا المولى شعثل أمير الحنفي أحد الموالي الرومية العلامة كان مدرسا بإحدى الثمان ثم ولي قضاء دمشق فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين واستمر قاضيا بها نحو سنتين وحمدت سيرته وكانت له صلابة في أحكامه وحرمة وافرة رحمه الله تعالى وفيها المولى صالح جلبى بن جلال الدين الأماسي الجلدي بفتحتين نسبة إلى جلد من أعمال أماسية الحنفي أحد الموالي الرومية العلامة ترقى في التدريس إلى إحدى الثمان ثم أعطى قضاء حلب فدخلها يوم الخميس ثالث شوال سنة إحدى وخمسين ثم عزل منها في ثاني عشرى ذي القعدة منها ثم ولي قضاء دمشق فدخلها في رجب سنة أربع وخمسين وباشر الأحكام بها نحو سنة وكان محمود السيرة ذا تواضع وأخلاق حسنة قال ابن الحنبلي وكان ممن منع شرب القهوة بحلب على الوجه المحرم من الدور المراعي في شرب الخمر وغيره وكنت عنده يوم منع ذلك فسأل أيشربونها بالدور فقلت نعم والدور كما شاع باطل وأنشدته من نظمي ( قهوة البن أضحى * بها الحمى غير عاطل )

(8/306)


307 ( لكنهم شربوها * بالدور والدور باطل ) وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزواني الحموي الصوفي المسلك المربي العارف بالله تعالى منسوب إلى كازوا فقياس النسبة الكازواني لكن اشتهر بالكيزواني وكان يقول أنا مالكي زواني ولد تقريبا في عاشر رجب سنة ثمان وثمانين وثمانمائة وتوجه صحبة الشيخ علوان الحموي إلى بروسا من بلاد الروم وأقام في صحبته عند سيدي علي بن ميمون وانتفع به وتهذب بأخلاقه ودخل حلب وجلس في مجلس التسليك فاجتمع عليه خلق كثير ودخل دمشق ونزل بالصالحية وكان له اطلاع على الخواطر عابدا قانتا قال ابن الحنبلي وتوفي بين مكة والطائف أي في هذه السنة وحمل إلى مكة فدفن بها وأورد له الشعراوي في الطبقات الكبرى ( القصد رمز فكن ذكيا * والرسم ستر على الأشاير ) ( فلا تقف مع حروف رسم * كل المظاهر لها ستاير ) وفيها شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس العجلوني الديموني الشافعي قاضي عجلون قال في الكواكب كان من أخص جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه قسم عليه المنهاج والتنبيه والمنهج وغير ذلك وسمع عليه جانبا من صحيح البخاري بقراءة الشيخ برهان الدين البقاعي وقرأ عليه شيئا كثيرا وقال عنه أنه من الفضلاء المتمكنين ذو يد طولى في القراآت والفقه ومشاركة حسنة في الحديث والأصول والنحو وغير ذلك وكتب له إجازة مطولة أذن له فيها بالافتاء والتدريس انتهى وفيها أقضى القضاة أبو اليمن محمد بن القاضي محب الدين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن قاضي عجلون الشافعي الإمام العالم قال في الكواكب كان من العلماء الكمل والصلحاء الكبار له في اليوم والليلة ختمات لكتاب الله تعالى لا يفتر عن القراءة في ممشاه وقعوده نير الوجه حسن الشكل ولي

(8/307)


308 القضاء مدة يسيرة نيابة عن ابن عمه قاضي القضاة نجم الدين بن قاضي عجلون وكان يباشر عنه الخطابة بالجامع الأموي وكان يلبس الثياب الحسنة وفي آخر عمره طرح التكلف ولبس الثياب الخشنة واستوى عنده كلاهما وتوفي بعد عشاء ليلة الخميس سابع عشر جمادى الآخرة ودفن بباب الصغير بمقبرة أهله قريبا من عمه شيخ الإسلام تقي الدين وفيها مروان المجذوب كان في أول أمره قاطع الطريق ببلاد الشرقية من مصر وكان مشهورا بالفروسية ثم لما جذب كان يدور في أسواق دمشق وتظهر عليه للناس كرامات وخوارق وكان إذا خطر لأحد ممن يصادفه معصية أو عمل بمعصية يصكه حتى يدع خاطره وربما منعه بعضهم فشلت يده وتوفي بمصر ودفن بجانب البنهاوي خارج باب الفتوح وفيها السيد الشريف ولي بن الحسين العجمي الشرواني الشافعي المعروف بوالده حج من بلاده وعاد فدخل دمشق وحلب سنة تسع وعشرين وتسعمائة وقرأ بحلب صحيح البخاري على البرهان العمادي تاما وقرأ عليه بها جماعة منهم ابن الحنبلي قال قرأت عليه في متن الجغميني في الهيئة وانتفعت به وهو أول أشغالي بهذا الفن ثم رحل إلى بلاده وحدث بها واشتهر بالمحدث وكان يعرف البيان معرفة حسنة وتوفي ببلاده سنة ست وخمسين وتسعمائة فيها توفي المولى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي الإمام العلامة قال في الشقائق كان من مدينة حلب وقرأ هناك على علماء عصره ثم ارتحل إلى مصر وقرأ على علمائها في الحديث والتفسير والأصول والفروع ثم إلى بلاد الروم وقطن بقسطنطينية وصار إماما ببعض الجوامع ثم صار إماما وخطيبا بجامع السلطان محمد ومدرسا بدار القراء التي بناها سعدى جلبى المفتي قال وكان إماما عالما بالعلوم العربية والتفسير والحديث وعلوم القراآت وله

(8/308)


309 يد طولى في الفقه والأصول وكانت مسائل الفروع نصب عينيه وكان ملازما لبيته مشتغلا بالعلم لا يرى إلا في بيته أو المسجد ولم يسمع أحد منه أنه ذكر أحدا بسوء ولم يلتذ بشيء من الدنيا إلا بالعلم والعبادة والتصنيف والكتابة وقال ابن الحنبلي كان سعدى جلبى مفتي الديار الرومية يعول عليه في مشكلات الفتاوى إلا أنه كان منتقدا على ابن العربي كثير الحط عليه ومن مؤلفاته شرح منية المصلى وملتقى الأبحر ونعم التأليف هو ومات في هذه السنة وفيها إسمعيل الكردي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة قال في الكواكب قال والد شيخنا كان من أهل العلم والعمل والصلاح والورع والمجاهدة والتوكل صحبني ثم حج وجاور بمكة وتزوج بامرأة من العمادية وعاد وهي معه ورزق منها ولدا صالحا سماه سليمان ثم رجع إلى بلاده وتزوج امرأة أخرى من الأكراد وعاد إلى دمشق بزوجتيه ورزق من الأخرى أولادا وسكن بهما في بيت من بيوت الشامية الجوانية وصار يتردد إليه الطلبة يشتغلون عليه في المعقولات مع تردده إلى قال وقرأ على بعض المنهاج قراءة تحقيق وتدقيق وتوفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى بالطاعون بعد أن صلى المغرب والعشاء جماعة ودفن بمقبرة باب الصغير ومن علامة صلاحه أنه استخرج من قبره المحفور له حجر عليه ( ^ يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ) وفيها جهانكير بن السلطان سليمان بن سليم كان بحلب مع والده في هذه السنة فتوفي بها وصلى عليه أبوه في مشهد عظيم وحمل إلى الفردوس ثم شق بطنه وصبر وحمل إلى الروم وفيها محي الدين عبد القادر ابن لطف الله بن الحسن بن محمد بن سليمان بن أحمد الحموي ثم الحلبي السعدي العبادي الشافعي المقرىء ابن المقرىء ابن المقرىء ويعرف بابن المحوجب أحد

(8/309)


310 أكابر حفاظ القرآن العظيم ورئيس قراءته بالجماعة بحلب ولد سنة تسع وستين وثمانمائة وقرأ القرآن العظيم بحماة برواية أبي عمرو سبع مرات على عالمها ومحدثها ومقرئها عبد الرحمن البرواني قاضي الحنابلة بها ثم قطن حلب فأقرأ بها مماليك نائب قلعتها ثم انحصرت فيه رياسة القراء بها وكان البدر السيوفي يحب قراءته ويميل إليه ويعظمه حتى تلا عليه الفاتحة برواية أبي عمرو واستجازه مع جلالته لما علم له من السند العالي قال ابن الحنبلي وكان مبتلى بعلم جابز مشغوفا بالتزوج حتى تزوج أكثر من ثلاثين امرأة وفيها المولى عبد الكريم الملقب بمفتي شيخ الرومي الحنفي مفتي التخت السلطاني الإمام العلامة العارف بالله تعالى ولد بمدينة كرماسي وحفظ القرآن العظيم واشتغل على علماء عصره ووصل إلى خدمة المولى بالي الأسود ثم سلك طريقة التصوف وصحب العارف إمام زادة ثم جلس باياصوفيا بقسطنطينية مشتغلا بالإرشاد والفقه حتى أتقن مسائله وعين له السلطان سليمان كل يوم مائة عثماني ونصبه مفتيا فأفتى وظهرت مهارته في الفقه وملك كتبا كثيرة وكان يطالع فيها غالب أوقاته وكان يعظ الناس ولكلامه تأثير في القلوب وله في كل سنة خلوة أربعين يوما يحفر له سربا كالقبر ويصلي فيه ولا يخرج للناس وتحكى عنه كرامات كثيرة وكان معطل الحواس جملة من شدة الرياضة وكان مع ذلك حلو المحاضرة حافظا لنوادر الأخبار وعجائب المسائل كريم الأخلاق متواضعا حج في سنة ثلاثين وتسعمائة ورجع على الطريق المصري ودخل دمشق فنزل ببيت الكاتب بمأذنة الشحم وتردد إليه الأفاضل ورفعت إليه أسئلة فكتب عليها كتابة عجيبة وتوفي مفتيا بالقسطنطينية وفيها على العياشي قال المناوي في طبقاته هو المعروف بالتعبد المشهور بالتزهد أجل أصحاب الشيخ أبي العباس الغمري

(8/310)


311 والشيخ إبراهيم المتبولي مكث نحو سبعين سنة لا يضع جنبه إلى الأرض إلا عن غلبة ويصوم يوما ويفطر يوما ولم يمس بيده دينارا ولا درهما ولا يغسل عمامته إلا من العيد إلى العيد وكان إذا ذكر ينطق قلبه مع لسانه فلا يقول السامع إلا أنهما اثنان يذكران قال الشعراوي أول اجتماعي به رأيته يذكر ليلا فاعتقدت أنهما اثنان فقربت منه فوجدته واحدا وكان كثيرا ما يرى ابليس فيضربه فيقول له لست أخاف من العصا إنما أخاف من النور الذي في القلب مات بالمنزلة انتهى وفيها تقريبا علي الأثميدي المصري المالكي الإمام العالم الصالح المحدث أخذ الطريق عن سيدي محمد بن عنان واختصر كثيرا من مؤلفات الشيخ جلال الدين السيوطي ومؤلفات حسنة وكان يعظ الناس في المساجد مقبلا على الله تعالى حتى توفي ويده تتحرك بالسبحة ولسانه مشغول بذكر الله تعالى وفيها ظنا المولى محي الدين محمد بن حسام أحد الموالي الرومية الحنفي المعروف بقرا جلبي ترقى في التداريس ثم صار قاضيا بدمشق فدخلها في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وتسعمائة ولم تطل مدة ولايته بها وفيها المولى محي الدين محمد بن المولى علاء الدين علي الجمالي الحنفي أحد موالي الروم قرأ على جده لأمه حسام الدين زادة ثم على والده ثم على سويد زادة ثم درس بمدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية ثم بإحدى الثمان ثم تقاعد وعين له كل يوم مائة درهم وكان مشتغلا بنفسه حسن السمت والسيرة محبا للمشايخ والصلحاء له معرفة تامة بالفقه والأصول وفيها شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عمر بن ولي الله الشيخ شهاب الدين السفيري الحلبي الشافعي الإمام العلامة ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة ولازم العلاء الموصلي والبدر السيوفي في فنون شتى وقرأ على الكمال ابن أبي شريف في حاشيته على شرح العقائد النسفية ورسالة العذبة له وقدم

(8/311)


312 مع أخيه الشيخ إبراهيم بن أبي شريف إلى دمشق فأجاز له ولبعض الدمشقيين ثم إلى حلب فقرأ عليه بها مختصر الرسالة القشيرية وقرأ على البازلي وأبي الفضل الدمشقي والشيخ محمد الداديخي وغيرهم أنواع العلوم ودرس بالجامع الكبير بحلب والعصرونية والسفاحية وسافر إلى القاهرة واجتمع بها بالقاضي زكريا وصلى عليه لما مات واجتمع بآخرين كالنور البحيري والشهاب الأنطاكي وتوفي بحلب في هذه السنة وفيها عفيف الدين أبو اليمن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن فضل بن عميرة الغزي الأصل الحلبي المولد والدار والوفاة الحنفي العالم أخذ بحلب عن الشمسين ابن هلال وابن بلال وله شيوخ آخرون بها وبغيرها واجتمع بالشيخ أبي العون الغزي وكان يدرس ويفتي بحلب وكف بصره فكان يأمر بالكتابة على الفتوى وأمر آخرا أن يكتب في نسبه الأنصاري لما بلغه أنه من ذرية خباب بن المنذر بن الجموح الخزرجي وكان من العلماء العاملين وفيها حميد الدين محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن خليل الحاضري الأصل الحلبي ثم القاهري الحنفي جاور بمكة المشرفة وقرأ بها الفقه ثم أخذ بحلب عن الشهاب الأنطاكي ثم دخل القاهرة فاستنابه بالمنزلة القاضي جلال الدين التادفي فأحبه أهلها واستوطن بها وتزوج من نسائها وولد له بنون وكان فقيها فاضلا حسن الشكل والهيئة ساكنا محتشما وتوفي بالمنزلة وفيها قاضي القضاة كمال الدين أبو اللطف محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الربعي الحلبي التادفي الشافعي قال في الكواكب ذكره شيخ الإسلام الوالد في الرحلة فقال في وصفه الشيخ الأوحد والأصيلي الأمجد ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار وانتظمت أسلاك أصالته في أجياد الأسطار وسرت سمات فضيلته مسمار نسيمات باسمات الأزهار إلى أن قال تصطفيه الرتب العلية السنية وتستأنس به الخطط الشرعية السنية فطورا مقدما في أندية الأمراء والأعيان

(8/312)


313 وتارة صدرا في قضاة العدل والإحسان القضائي الكمالي التادفي قاضي حلب ثم مكة كان صحبني من حلب إلى البلاد الرومية فأسفر عن أعذب أخلاق وأكرم أعراق وأحسن طويلة وولد كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي سنة أربع وسبعين وثمانمائة وتفقه على الفخري عثمان الكردي والجلال النصيبي وغيرهما وأجاز له باستدعاء والده المحب بن الشحنة وولده الأثير محمد والسرى عبد البر بن الشحنة الحنفيون والقاضي زكريا والجمال القلقشندي والقطب الخيضري والفخر الديمي في آخرين ولبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني ثم ترك مخالطة الناس ولف المئزر وأقدم على خشونة اللباس وأخذ في مخالطة الفقراء والصوفية فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعا بأن يكون شيخ الشيوخ بحلب ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس وبحلب وفوض إليه الجمال القلقشندي قضاء القضاة بالممالك الإسلامية ونيابة الحكم بالديار المصرية ومضافاتها مضافا إلى قضاء حلب بسؤاله ثم ولي في الدولة العثمانية وتدريس العصرونية والحاجبية ونظر أوقاف الشافعية بحلب وولاه خير بك كافل الديار المصرية قضاء الشافعية بمكة وجدة وسائر أعمالهما ونظر الحرمين وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكة في الدولة العثمانية وبقي في دولة القضاء حتى مات خير بك خرج بعد مدة من مكة معزولا سنة إحدى وثلاثين وكان إماما عالما كاملا شاعرا ومن شعره ( لولا رجائي أن الشمل يجتمع * ما كان لي في حياتي بعدكم طمع ) ( يا جيرة قطعوا رسلي وما رحموا * قلبا تقطع وجدا عند ما قطعوا ) ( أواه وأطول شوقي للأولى سكنوا * في الصرح يا ليت شعري ما الذي صنعوا ) ( لا عشت إن كنت يوما بعد بعدكم * أملت أني بطيب العيش أنتفع ) ( هم أطلقوا أدمعي والنار في كبدي * كذاك نومي وصبري في الهوى منعوا )

(8/313)


314 ( دع يفعلوا ما أرادوا في عبيدهم * لا واخذ الله أحبابي بما صنعوا ) وتوفي رحمه الله تعالى في أواسط الحجة وفيها كمال الدين محمد البقاعي ثم الدمشقي الشافعي الإمام الفاضل كان يحب الإصلاح بين الأخصام والتودد إلى الناس ويتردد إلى المتصوفة توفي فجأة بعد خروجه من الحمام في نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب الفراديس وفيها محب الدين أبو السعود محمود بن رضى الدين محمد بن عبد العزيز بن عمر بن أحمد الحلبي الشافعي الموقع والده بديوان الإنشاء في الدولة الجركسية ولد بالقاهرة سنة اثنتين وتسعمائة وحفظ بها كتبا وجود الخط بها وعرض بها في سنة خمس عشرة مواضع من ألفية ابن مالك والشاطبية والمنهاج الفقهي على الشهاب الشيشيني الحنبلي والبرهان بن أبي شريف وغيرهما وأجازوا له وأجازه القاضي زكريا وكان شهما حسن الملبس والعمامة توفي بحلب في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن علي المعروف بابن البيكار المقدسي الأصل ثم الدمشقي نزيل حلب العلامة البصير المقرىء المجود ولد بقرية القابون من غوطة دمشق سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وقرأ القرآن بدمشق بالروايات على جماعات ثم رحل إلى مصر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فقرأ على الشمس السمديسي وأبي النجا النحاس والنور السمهودي قال ابن الحنبلي ومما يحكى عنه أنه كان كثيرا ما يمرض فيرى رسول الله في المنام فيشفى من مرضه وكان مجتهدا في أن لا ينام إلا على طهارة وتوفي بحلب وفيها القاضي باعلوي أحمد شريف بن علي بن علوي خرد الشافعي اليمني الشريف العلامة قال في النور ولد يوم الجمعة تاسع ذي الحجة سنة أربع أو خمس وتسعماية واشتغل بالفقه على جماعة

(8/314)


315 منهم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بافضل صاحب المختصر المشهور والعلامة محمد الأصفع وغيرهما وجد واجتهد حتى برع وأشير إليه بالرياسة والفتوى وذكره أخوه المعلم في طبقات فقهاء آل باعلوي قال وولي قضاء وادي ابن راشد وهو مشتمل على مدن متعددة من أرض حضرموت أشهرها تريم لم يعارضه معارض ولم ينقض عليه ناقض ولم يل أحد من آل باعلوي القضاء غيره رحمه الله وبلغني أنه لم يكن من القضاة الورعين سامحه الله وإيانا وفي تاريخ سنبل أنه وأخاه عبد الله شريف ولدا توأمين في بطن وعزل من القضاء فقال أنا لا أعزل وإن عزلني السلطان بسبب أنه ليس في الجهة من هو أعلم مني وهذا الذي ذكره أحمد شريف لا أدري أهو وجه ضعيف له في المسألة أو أراد به التنكيت والمطايبة وأن سيادته ثابتة قاضيا كان أو غير ذلك كقول بعضهم ( أن الأمير هو الذي * يضحى أميرا يوم عزله ) ( إن زال سلطان الولاية * لم يزل سلطان فضله ) وما أحسن قوله إن أردت أن لا تعزل فلا تتول انتهى وفيها أحمد الشبيني المصري كان مجذوبا غارقا لا يصحو إلا وقت الوضوء والصلاة وإذا صلى أذن للصلاة ورفع صوته وكان إذا رأى مجذوبا لم يصل يقول هذا قليل الدين ووقع من المنارة العالية التي في مدينة منوف إلى الأرض فلم ينكسر من أعضائه شيء ونزل واقفا ومشى مسرعا على الأرض وفيها تقريبا المولى شمس الدين أحمد المشهور بورق جلبي أحد الموالي الرومية ترقى في التداريس إلى مدرسة أبي أيوب الأنصاري وكان فاضلا

(8/315)


316 مفيدا صالحا طيب الأخلاق وانتفع به كثير من الناس وفيها ظنا الشيخ الإمام العالم أحمد الأنقروي الرومي ثم الحلبي اشتغل في شبابه بالعلم ثم رغب في التصوف وانتسب إلى الخلوتية وكان في أول أمره يدور البلاد ويعظ الناس ثم توطن في بلده في شيخوخته وأقبل على الوعظ إلى أن توفي وفيها شهاب الدين أحمد البرلسي المصري الشافعي الملقب بعميرة الإمام العلامة المحقق أخذ العلم عن الشيخ عبد الحق السنباطي والبرهان بن أبي شريف والنور المحلى وكان عالما زاهدا ورعا حسن الأخلاق يدرس ويفتي وانتهت إليه الرياسة في تحقيق المذهب وفيها شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشافعي الإمام العلامة الناقد الجهبذ شيخ الإسلام والمسلمين أخذ عن القاضي زكريا ولازمه وانتفع به وكان يجله وأذن له بالافتاء والتدريس وأن يصلح في كتبه في حياته وبعد مماته ولم يأذن لأحد سواه في ذلك وأصلح عدة مواضع في شرح البهجة وشرح الروض في حياة شيخ الإسلام وكتب شرحا عظيما على صفوة الزبد في الفقه وله مؤلفات أخرى وجمع الشيخ شمس الدين الخطيب الشربيني فتاويه فصارت مجلدا وأخذه عنه ولده سيدي محمد والخطيب الشربيني والشهاب الغزي وغيرهم وانتهت إليه الرياسة في العلوم الشرعية بمصر حتى صارت علماء الشافعية كلهم تلامذته إلا النادر وجاءت إليه الأسئلة من سائر الأقطار ووقف الناس عند قوله وكان جميع علماء مصر وصالحيهم حتى المجاذيب يعظمونه وكان يخدم نفسه ولا يمكن أحدا أن يشتري له حاجة إلى أن كبر سنه وعجز وتوفي يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة وصلوا عليه في الأزهر قال الشعراوي وما رأيت في عمري جنازة أعظم من جنازته ودفن بتربته قريبا من جامع الميدان وأظلمت مصر وقراها بعد موته وفيها إسمعيل الشيخ الصالح العابد الورع إمام جامع الجوزة خارج باب

(8/316)


317 الفراديس بدمشق قال في الكواكب قال والد شيخنا كان له مكاشفات وحالات مع الله تعالى وكان لا نظير له في الملازمة للخيرات توفي في أوائل الحجة ودفن بمقبرة باب الفراديس وفيها حسام الدين جلبي الفراصوي أحد موالي الروم قرأ على العلماء وخدم المولى عبد الكريم بن المولى علاء الدين العربي وتنقل في المدارس حتى درس بإحدى الثمان ثم صار قاضيا بأدرنة ثم بالقسطنطينية ثم أعطى إحدى الثمان أيضا وعين له كل يوم مائة عثماني إلى أن توفي وكان سخي النفس حليما صبورا على الشدائد طارحا للتكليف منصفا من نفسه رحمه الله تعالى وفيها شمس بن عمر بن اق شمس الدين البرسوي الحنفي خواجة السلطان سليم المشهور شمس جلبي دخل حلب واجتمع به ابن الحنبلي وأثنى عليه بالفضل والعلم ثم دخل دمشق قاصدا للحج الشريف فمات في طريق الحج قبله عند المعظم وفيها عبد الله بن منلا صدر الدين بن منلا كالي الهندي الحنفي اشتغل بحلب في كبره بالعلم واعتنى بالقراءات فجمع للسبعة وللعشرة وأخذ بها عن إبراهيم اليشبكي وإبراهيم الصيرفي وابن قيما ثم رجع إلى القاهرة فأخذ عن الناصر الطبلاوي وغيره ثم رجع إلى حلب ولزم الطلبة في القراآت وحج في هذه السنة فتوفي وهو راجع في الطريق وفيها أقضى القضاة محي الدين عبد القادر بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عمر بن علي بن عبيد الفريابي المدني المالكي ناب عن أبيه في قضاء المدينة وكان فقيها فاضلا لطيفا ماجنا توفي بالمدينة المنورة وفيها القاضي محي الدين عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني الأصل الدمشقي الحنبلي أخو القاضي برهان الدين بن مفلح ناب في القضاء ببر الشام ثم بالمؤيدية وقناة العوني والميدان والصالحية وطالت إقامته بها نحو خمس وثلاثين سنة وكانت له معرفة تامة بأحوال القضاء وتوفي

(8/317)


318 بدمشق ودفن بمقبرة الفراديس وفيها كمال الدين التبريزي العجمي الشيخ العالم الصالح المحقق العارف بالله تعالى الصوفي نزيل دمشق كان يأكل الطيب ويلبس الحسن ولا يخالط إلا من يخدمه وله باع في العلوم وغلب عليه التصوف وتوفي بسكته العزيزية شمالي الكلاسة في سادس عشر ربيع الآخر ودفن بباب الفراديس وفيها حافظ الدين محمد بن أحمد بن عادل باشا الحنفي أحد الموالي الرومية الشهير بالمولى حافظ أصله من ولاية بردعة في حدود العجم قرأ في صباه على مولانا مزيد بتبريز وحصل عنده وبرع عليه واشتهرت فضائله وبعد صيته ولما وقعت في العجم فتنة إسمعيل بن أردبيل ارتحل إلى الروم وخدم عبد الرحمن بن المؤيد وبحث معه وعظم اعتقاده فيه ورباه عند السلطان أبي يزيد فأعطاه تدريسا بأنقرة فأكب على الاشتغال هناك وكان حسن الخط سريع الكتابة كتب الكثير ودرس هناك شرح المفتاح للسيد وكتب عليه حواشي ثم رحل إلى القسطنطينية وعرض ما حشاه على ابن المؤيد فابتهج به ثم صار مدرسا بمدرسة علي باشا بالقسطنطينية وكتب بها حواشي على مواضع من شرح المواقف للسيد ثم صار مدرسا بمدينة أزنيق وكتب هناك رسالة في الهيولي عظيمة الشأن ثم أعطى إحدى الثمان وكتب بها شرحا على التجريد ثم درس بأياصوفيا وألف كتابا سماه مدينة العلم ثم تقاعد وعين له كل يوم سبعون عثمانيا وأكب على الاشتغال والاشغال ليلا ونهارا لا يفتر وأتقن العلوم العقلية ومهر في الأدبية ورسخ في التفسير وألف رسائل كثيرة منها نقطة العلم ومنها السبعة السيارة وكان له أدب ووقار رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو اللطف محمد بن خليل القلعي الدمشقي الشافعي إمام جامع الجوزة بالقرب من قناة العوني كان فاضلا صالحا زاهدا ورعا كوالده متعففا يعتزل الناس ويخدم نفسه سالكا طريق السلف مؤثرا

(8/318)


319 لخشونة العيش يلبس العباءة له زاوية يقيم بها الوقت يذكر الله على طريقة حسنة وكانت له خطبة بليغة نافعة وموعظة من القلوب واقعة وتوفي يوم الإثنين ثالث جمادى الأولى وفيها شمس الدين محمد بن عمر البقاعي الشافعي المذوخي بمعجمتين نسبة لقرية مذوخا بالضم من عمل البقاع حفظ القرآن العظيم واشتغل بالعلم وحصل وفضل وكره الأكل من الأوقاف فرجع إلى بلدته المذكورة وتعاطى الزراعة فأثرى وتمول ورحل إلى مصر فاشتغل بها قليلا ثم رجع إلى بلده فأم بها وخطب وصار يدعو أهلها إلى طاعة الله تعالى إلى أن توفي بها ليلة الجمعة خامس المحرم وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد العيني الأصل الحلبي الحنفي عرف بابن بلال الإمام العلامة ولد بحلب سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة وقرأ على العلا قل درويش أربع سنوات في علوم شتى وقرأ أيضا على منلا مظفر الدين الشيرازي والبرهان العرضي والبدر السيوفي وغيرهم ثم لازم الافتاء والتدريس والتأليف بجامع حلب حتى أسن فانقطع بمنزله وأكب على التصنيف في علوم متنوعة إلا أنه كان لا يسمح بتآليفه ولم تظهر بعده وكان كثير الصيام والقيام لا يمسك بيده درهما ولا دينارا وكان وقورا مهيبا نير الشيبة كثير التواضع له قوة ذكاء ومزيد حفظ ورسوخ قدم في العربية والمعقولات وحج وجاور ودخل القاهرة وأصابه فالج وعوفي منه وتوفي بحلب ودفن بمقابر الحجاج وأوصى أن يغسله شافعي وأن يلقن في قبره وفيها نظام الدين محمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن كوجك الحموي المولد الحنفي ثم الحنبلي عرف بالكوكاجي رديف الكوجكي ولد في ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة وقرأ الكنز على ابن رمضان الدمشقي وغيره ثم قلد الإمام أحمد وولي قضاء الحنابلة بمدينة طرابلس الشام وناب عن

(8/319)


320 النظام التادفي الحنبلي بحلب وفيها محي الدين محمد بن محمد الحنفي أحد موالي الروم المعروف بابن قطب الدين قرأ على الشيخ مظفر الدين العجمي ثم على سيدي جلبي القوجوي وغيرهما وترقى في التداريس إلى أن ولي قضاء حلب ثم بروسا ثم إسلام بول ثم قضاء العساكر الأناضولية ثم ذهب إلى الحج بعد العزل ثم رجع إلى القسطنطينية وتقاعد بمائة وخمسين عثمانيا كل يوم قال في الشقائق وكان عالما فاضلا صالحا ورعا محبا للصوفية سالكا طريقهم واعتزل الناس واشتغل بخويصة نفسه له معاملة مع الله تعالى رحمه الله تعالى وفيها المولى حسام الدين يوسف القراصوي الحنفي أحد موالي الروم قرأ على علماء عصره وخدم المولى عبد الكريم ثم درس بعدة مدارس حتى أعطى إحدى الثمان ثم صار قاضيا بأدرنة ثم بالقسطنطينية ثم أعيد إلى إحدى الثمان وعين له كل يوم مائة عثماني إلى أن مات وكان سخي النفس حليما طارحا للتكلف منصفا من نفسه سنة ثمان وخمسين وتسعمائة فيها كانت وقعة الجرب بجيم وموحدة بينهما راء ساكنة وقعة مشهورة باليمن حتى صارت تاريخا عند أهل حضر موت يقولون سنة وقعة الجرب وفيها توفي تقي الدين أبو بكر بن عبد الكريم الخليصي الأصل الحلبي الشافعي المشهور بالزاهد وهو سبط العالم المفتي أبي بكر الخليصي كان شيخا صالحا منورا زاهدا ورعا ذا تهجد وبكاء لا يراه أهل محلته إلا أوقات الصلوات وفي غيرها يتردد إلى المقابر والمزارات وكان كثيرا ما يقصده الزوار يسمعون ما يقرؤه عليهم من رياض الصالحين وغيره وتوفي بحلب وفيها حسين بن أحمد بن إبراهيم الخوارزمي العباد الصوفي كان شيخا معمرا مهيبا ذكر أن له من الاتباع نحو مائة ألف ما بين خليفة ومريد وكان

(8/320)


321 من أحواله إذا ذكر في المسجد الذي هو فيه مع مريديه يطول حتى يراه من كان خارج المسجد من غير منفذ من منافذه ودخل بلاد الشام حاجا فحج ورجع إلى دمشق فأعجبته فعمر بها خانقاة للفقراء من ماله وكان متمولا جدا حتى عمر عدة خوانق في بلاد عديدة ثم عاد إلى حلب وأراد أن يعمر بها عمارة فمرض بها وتوفي في عشر شعبان ودفن بها في تابوت ثم نقل بعد أربعة أشهر إلى دمشق ولم يتغير أصلا ودفن بها قاله في الكواكب وفيها باقشير عبد الله بن محمد الشافعي اليمني الحضرمي الفقيه ابن الفقيه قال في النور أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ أبو بكر العيدروس والشيخ عبد الرحمن بن علي باعلوي والشيخ عبد الله بن الحاج وكان من الأئمة المحققين والعلماء العاملين والفقهاء البارعين له تصانيف مفيدة وحيد زمانه علما وعملا وزهدا وورعا جمع بين معالم الشيعة وسلوك الطريقة وعلوم الحقيقة ومن تصانيفه كتاب قلائد الخرائد وفرائد الفوائد في الفقه مجلد ضخم نافع جدا والقول الموجز المبين وكتاب السعادة والخير في مناقب السادة بني قشير ورسالة في الفرج وله كرامات وأحوال وتوفي في شعبان ببلده قسم من أرض حضرموت وقبره بها معروف يزار وفيها تاج الدين عبد الوهاب بن شرف الدين يونس بن عبد الوهاب العيثاوي الشافعي الإمام العلامة أخو الشيخ شهاب الدين لأبيه ولد ليلة الأربعاء ثالث عشرى رمضان سنة إحدى وعشرين وتسعمائة وقرأ على والده وحصل له بركة أشياخه منهم الشيخ تقي الدين البلاطنسي وابن أبي اللطف المقدسي وأجازاه وأجازه بالمكاتبة مفتي بعلبك البهاء بن الفصي واجتمع بالجمال الديروطي وأجازه وقرأ على آخرين وسافر إلى حلب فحضر دروس التاج العرضي واجتمع بقاضي قضاة العساكر المولى سنان بن حسام الدين فعظمه وأثنى عليه ونشأ من صغره في طاعة الله تعالى متأدبا متواضعا سليم الفطرة منور الطلعة أقرأ ودرس في الفقه والنحو والتفسير والحديث

(8/321)


322 وانتفع به الطلبة وولي تدريسا بالأموي وبمدرسة أبي عمر وبالظاهرية وأم وخطب نيابة عن أبيه بالجامع الجديد خارج باب الفراديس وكان يود أن يموت قبل أبيه فبلغه الله أمنيته وتوفي نهار الأربعاء خامس عشرى رجب عن سبع وثلاثين سنة وشهر وثمانية عشر يوما وخرجت روحه قائلا الله الله الله لا إله إلا الله وفيها المولى محب الدين ويقال محب الله التبريزي الشافعي الصوفي المشهور نزيل دمشق رحل من بلاده إلى بلاد الشام وحج منها وجاور ثم عاد إليها ومكث بالتكية السليمية بسفح قاسيون لمزيد شغفه بالشيخ محي الدين بن عربي واعتقاده وكثرة تعلقه بكلامه وحله وتشديد النكير على من ينكر عليه وصار يقرأ عليه بها جماعة في التفسير وغيره وكان يجمع إلى تفسير الآية تأوليها على طريقة القوم ويورد على تأويلها ما يحضره من كلام المسنوي وتوفي بدمشق قاله في الكواكب وفيها أبو الفتح محمد بن صالح الكيلاني الشافعي الإمام العلامة خطيب المدينة المنورة وإمامها قدم دمشق وحلب واجتمع بعلمائها وشهدوا له بالفضل والتقدم وتوفي بالمدينة المنورة وفيها قطب الدين محمد بن عبد الرحمن الصفوري ثم الصالحي الشافعي الإمام الفاضل قال الشيخ يونس العيثاوي أخذ عن والده والجلال السيوطي وغيرهما وكان له وعظ حسن وخطبة بليغة وهو من بيت علم وصلاح ودين توفي تاسع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون وفيها السيد جمال الدين يوسف بن عبد الله الحسني الأرميوني الشافعي الإمام العلامة تلميذ الجلال السيوطي وغيره وأخذ عنه العلامة منلا على الشهرزوري نزيل دمشق وغيره سنة تسع وخمسين وتسعمائة فيها كان ترميم عمارة البيت الشريف زاده الله تعظيما وأرخ ذلك الشيخ عبد العزيز الزمزمي فقال

(8/322)


323 ( وقد أتى تاريخ ترميمه * رمم بيت الله سلطاننا ) وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن الحلبي الحنفي الشهير بابن الحنبلي وهو والد الشيخ شمس الدين بن الحنبلي المؤرخ المشهور وسبط قاضي القضاة أثير الدين بن الشحنة قال ولده في در الحبب ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة واشتغل بها في الصرف والنحو والعروض والمنطق على العلاء بن الدمشقي المجاور بجامع المهمندار وعلى الفخر عثمان الكردي والزين بن فخر النساء وغيرهم وجود الخط على الشيخ أحمد أخي الفخر المذكور وألم بوضع الأوفاق العددية وتلعق بأذيال القواعد الرملية والفوائد الجفرية وأجازه البرهان الرهاوي رواية الحديث المسلسل بالأولية بعد أن سمعه منه بشرطه وجميع ما تجوز له وعنه روايته ثم ذكر أنه أستجيز له باستدعاء والده جماعة كثيرون من المصريين كالمحب بن الشحنة والقاضي زكريا وغيرهما وأنه سمع على البرهان بن أبي شريف ما اختصره من رسالة القشيري وأنه لبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الكيلاني الحموي قال ثم لبستها أنا من يده وذكر عنه أنه رأى في المنام شخصا باديا نصفه الأعلى من ضريح وهو يقول له إذا وقعت في شدة فقل يا خضير يا خضير وأنه كان إذا حزبه أمر قال ذلك ففرج عنه وذكر من تأليفه كتابه المسمى ثمرات البستان وزهرات الأغصان والسلسل الرائق المنتخب من الفائق وكتابا انتخبه من آداب الرياسة سماه مصابيح أرباب الرياسة ومفاتيح أبواب الكياسة وغير ذلك وأنه توفي ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة وفيها زين الدين زكريا المصري العلامة الشافعي حفيد شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري أخذ العلم عن جده المذكور والبرهان بن أبي شريف والشيخ عبد الحق والكمال الطويل ولبس خرقة التصوف من جده ومن سيدي علي المرصفي وغيرهما وكان جده يحبه محبة عظيمة وكان ذكيا فطنا

(8/323)


324 خاشعا أفتى ودرس قال الشعراوي سافرت معه إلى مكة سنة سبع وأربعين وهو قاضي المحمل فكان يقضي بالنهار ولا يمل من الطواف بالليل كثير الصدقة والافتقاد لفقراء الركب وتوفي في شوال بالقاهرة ودفن خارج باب النصر تجاه مقام السيدة زينب وفيها عثمان بن عمر الشيخ المعمر الحلبي الشافعي المعروف بابن شيء لله حفظ القرآن العظيم وتفقه على الفخر عثمان الكردي والبرهاني فقيه اليشبكية وحج وانتفع به الطلبة وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن حسن الدمشقي المعروف بابن الشيخ حسن كان من أهل الفضل والعلم والصلاح وكان خطيبا بجامع الأفرم وأخذ عن جماعة منهم البدر الغزي حضر دروسه بالشامية وغيرها كثيرا وفيها نجم الدين محمد بن محمد بن عبيد الشيخ الفاضل الصالح الواعظ ابن الشيخ الصالح المقرىء المجيد الضرير إمام مسجد الباشورة توفي يوم الجمعة بعد العصر سادس عشرى القعدة وفيها قاضي القضاة نظام الدين أبو المكارم يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن الحلبي التادفي الحنلي القادري سبط الأثير بن الشحنة وهو عم ابن الحنبلي شقيق والده ولد سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وتفقه على أبيه وبعض المصريين وأجاز له باستدعاء من أبيه وأخيه جماعة من المصريين منهم المحب بن الشحنة والقاضي زكريا والبرهان القلقشندي والديمي والخيضري وغيرهم وقرأ بمصر على المحب بن الشحنة والجمال بن شاهين سبط بن حجر جميع مجلس البطاقة سنة سبع وثمانين ثم لما عاد والده إلى حلب متوليا قضاء الحنابلة ناب عنه فيه وسنه دون العشرين فلما توفي والده أوائل سنة تسعمائة استقل بالقضاء بعده وبقي إلى أن انصرمت دولة الجراكسة وكان آخر قاض حنبلي بها بحلب ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق وبقي بها مدة ثم استوطن مصر وولي بها نيابة قضاء الحنابلة بالصالحية النجمية وغيرها وحج منها وجاور ثم عاد إلى حكمه وكان

(8/324)


325 لطيف المعاشرة حسن الملتقى حلو العبارة جميل المذاكرة يتلو القرآن العظيم بصوت حسن ونغمة طيبة وتوفي بالقاهرة رحمه الله تعالى سنة ستين وتسعمائة فيها وقع عمارة ميزاب الرحمة من البيت الشريف وقال في ذلك أبو بكر اليتيم المكي مؤرخا ( يا أيها المولى الجليل ومن له المجد الأثيل الفائق المريخا * ) ( ميزاب بيت الله جدد فاقتبسنا رحمة من ربك التاريخا * ) وفيها توفي الأمير برهان الدين إبراهيم بن والي بن نصر خجا بن حسين الذكرى المقدسي الفقيه الحنفي قال ابن الحنبلي قدم حلب سنة ست وأربعين واردا من بغداد لتيمار كان له بها وكان لطيف المذاكرة حسن المحاضرة اشتغل بالعربية وغيرها وتعاطى الأدب وله منظومة في النحو سماها البرهانية وقرض عليها سيدي محمد بن الشيخ علوان وغيره ووضع رسالة في الصيد وما يتعلق بالخيل برسم وزير السلطنة السليمانية وقدمها إليه بالروم ومن شعره ( قال الفؤاد مقالات يوبخني * لما رآني على طول من الأمل ) ( أن ليس تنفع أقوال تقررها * ما لم تكن عاملا بالفعل يا ابن ولي ) عاد إلى وطنه من غير الطريق المعتاد ففقد في الطريق في هذه السنة وفيها إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني ثم الحلبي الشافعي قال ابن الحنبلي فقيه صوفي سليم الصدر معمر اجتمع بالسيد علي بن ميمون بعد أن رآه في المنام فألبسه ثوبا أبيض قال وكان مغرما بالكيميا توفي بحلب ودفن خارج باب قنسرين وفيها تقي الدين أبو بكر بن شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن أبي اللطف المقدسي الشافعي الإمام العلامة

(8/325)


326 أخذ عن والده وغيره وحضر هو وأخوه الشيخ عمر إلى دمشق فقرأ على البدر الغزي جميع شرح جمع الجوامع للمحلى ثم برع صاحب الترجمة في فنون من العلم خصوصا الأصول حتى كان يعرف بالشيخ أبي بكر الأصولي وسكن دمشق آخرا وتزوج بها وتوفي بها في هذه السنة تقريبا وفيها زين الدين رجب بن علي بن الحاج أحمد بن محمود اليعفوري الحموي الشافعي الشهير بالعزازي الإمام العلامة قال في الكواكب وهو جد صاحبنا العلامة تاج الدين القطان النحوي الشافعي لأبيه أخذ عن البازلي الكردي الحموي وبمصر عن العلامة عبد الحق السنباطي وتفقه به وبالشمس النشيلي والشهاب الرملي وغيرهم ثم دخل دمشق فقرأ على شيخ الإسلام الوالد واعتنى بجمع المهم من فتاواه فجمع منها ثلاث مجلدات ثم عاد إلى بلده حماة مستقرا مفتيا مدرسا وكان مخلصا في محبة الوالد ومصافاته ووصفه شيخ الإسلام الوالد بالفضل والصلاح وفي تاريخ ابن الحنبلي أنه مر بحلب سنة إحدى وخمسين متوجها إلى إسلام بول لعزله عن عصرونية حماة وأنه أنشد للبهاء الفصي البعلي الشافعي ( إن صار عبدك حيث شئت تواضعا * لجلال قدرك ما تعدى الواجبا ) ( فلئن تأخر كان خلفك خادما * ولئن تقدم كان دونك حاجبا ) ثم توجه إليه مرة أخرى فتوفي بالقسطنطينية في المحرم ودفن بالقرب من ضريح أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وفيها عبد القادر السبكي المصري المجذوب قال في الكواكب كان مجذوبا ثم أفاق في آخر عمره وصار يصلي ويقرأ كل يوم ختمة مع بقاء أحواله من الكشف ورؤى وهو راكب حمارته يسوقها على الماء أيام وفاء النيل وكان يخدم الأرامل ويشتري لهم الحوائج ويضع كل ما يشتريه في إناء واحد من زيت وشيرج وعسل ورب وغير ذلك ثم يعطي كل واحدة حاجتها من غير اختلاط وكان تارة يلبس

(8/326)


327 زي الجند وتارة زي الريافة وتارة زي الفقراء وكان يعطب من ينكر عليه مات في جمادى الآخرة انتهى وفيها الشريف الفاضل جمال الدين محمد بن علي بن علوي صاحب كتاب غرر البهاء قاله في النور وفيها الأمير نجم الدين محمد بن محمد القرشي الدمشقي كان فاضلا يقرأ القرآن ويبكي عند التلاوة وكان بينه وبين الشيخ علاء الدين بن عماد الدين الشافعي مودة ومحبة مات في هذه السنة أو التي بعدها ومات بعده ولده الأمير شمس الدين محمد بتسعة أشهر وهو والد محمد جلبي القرمشي رحمهم الله تعالى وفيها تقريبا نجم الدين محمد الماتاني الحنبلي الإمام العالم الفقيه المحدث الصالحي أخذ الحديث عن الشيخ أبي الفتح المزي وغيره وتفقه بفقهاء الشاميين وكان ينسخ بخطه كثيرا وكتب نسخا كثيرة من الاقناع وفيها شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي الإمام العلامة مفتي الحنابلة بدمشق وشيخ الإسلام بها كان إماما بارعا أصوليا فقيها محدثا ورعا من تأليفه كتاب الاقناع جرد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد لم يؤلف أحد مؤلفا مثله في تحرير النقول وكثرة المسائل ومنها شرح المفردات وشرح منظومة الآداب لابن مفلح وزاد المستقنع في اختصار المقنع وحاشية على الفروع وغير ذلك وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ربيع الأول ودفن بأسفل الروضة تجاه قبر المنقح من جهة الغرب يفصل بينهما الطريق وفيها محي الدين يحيى الذاكر الشيخ الصالح قال في الكواكب هو أحد أصحاب الشيخ تاج الدين الذاكر الدين أذن لهم في افتتاح الذكر كان معتزلا عن الناس ذاكرا خاشعا عابدا صائما أقبل عليه أمراء الدولة إقبالا عظيما ثم تظاهر بمحبة الدنيا والتجارة فيها طلبا للستر حتى اعتقد فيه غالب أهل الدنيا أنه يحب الدنيا مثلهم قال الشعراوي

(8/327)


328 قال لي مرات ما بقي الآن لظهور الفقر فائدة بأحوال القوم قال وقد عوضني الله تعالى بدل ذلك مجالسته سبحانه في حال تلاوتي كلامه ومجالسة نبيه في حال قراءتي لحديثه فلا تكاد تراه إلا وهو يقرأ القرآن والحديث قال وأخبرني أن النبي أذن له يعني في المنام أن يربي المريدين ويلقن الذكر انتهى سنة إحدى وستين وتسعمائة قال في النور في ليلة ثلاثة عشر من ربيعها الأول قتل السلطان محمود شاه بن لطيف شاه صاحب كجرات شهيدا وسببه أن بعض خدمه سولت له نفسه قتله فدبر الحيلة وواطأ بعض الوزراء والحرس فقيل دس له سما في شرابه وفي حلواه فشكا السلطان عقب تناوله حرارة عظيمة اشتعلت بباطنه فاستغاث فقيل بل له سكرا نباتا ودس له سما ليعجل موته قبل أن يشعر به وقيل بل طلب السلطان الطبيب فبادر ذلك الشقي وذبح السلطان والطبيب ولم يشعر أحد ثم أرسل رسل السلطان المعتادين إلى وزرائه وطلبوهم على لسان السلطان فقدم كل على انفراده من غير شعور له بشيء فكل من دخل من الوزراء قتلوه فلما كثر القتل وقع الإحساس ببعض ما جرى انتهى وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشماع الحلبي الشافعي الشهير بابن الطويل العالم الزاهد قرأ في سنة سبع عشرة وتسعمائة على الحافظ عبد العزيز بن فهد المكي شيئا من كتب الحديث وسمع عليه غالب البخاري وأجازه له وألبسه خرقة التصوف وكان شيخا صالحا حسن السمت يميل إلى كلام القوم وكتب الوعظ وكان يأكل الخبز اليابس منقوعا بالماء وإذا حصل له مأكل نفيس آثر به الفقراء وترك أكل قوت حلب قدر ست عشرة سنة لما بلغه من بيع ثمرها قبل بدو صلاحه وفيها السيد أحمد بن أبي نمي صاحب مكة قال في النور وهو الذي داس

(8/328)


329 بساط سلطان الروم سليمان ولم يدس غيره من سلاطين مكة وشوكته استقوت في حياة أبيه وحكاياته مشهورة انتهى وفيها السلطان بايزيد بن سليمان العثماني قتله شاه طهمان بأمر أبيه السلطان سليمان وفيها برهان نظام شاه سلطان الدكن وفيها سليم شاه بن شير شاه قال في النور فهؤلاء خمسة سلاطين أي محمود شاه وابن أبي نمى وهؤلاء الثلاثة اتفق موتهم في هذه السنة فقال بعضهم مؤرخا لذلك زوال خسروان انتهى وفيها بشر المصري الحنفي الإمام العلامة الصالح أخذ العلم عن البرهان والنور الطرابلسيين وعن شيخ الإسلام عبد البر بن الشحنة وأجازه بالافتاء والتدريس فدرس وأفتى وانتفع به خلائق وغلب عليه في آخره محبة الخفاء والخمول وعدم التردد إلى الناس وناب في القضاء مدة ثم ترك ذلك وأقبل على العبادة وكان يديم الصيام والقيام رحمه الله تعالى وفيها حسن الدنجاوي ذكره الشعراوي وأشار إلى أنه كان من أصحاب النوبة والتصرف بمصر وتوفي في جمادى الأولى وفيها تقريبا سليمان الخضيري المصري الشافعي الشيخ الصالح الفاضل العارف بالله تعالى أخذ العلم عن الجلال السيوطي والقطب الأوجاقي وأخذ الطريق عن الشهاب المرحومي وأذن له أن يربي المريدين ويلقنهم الذكر فتلمذ له خلائق لا يحصون وكان زاهدا دينا لا ينتقص أحدا من أقرانه ويقول لا يتعرض لنقائص الناس إلا كل ناقص قال الشعراوي أدركت الأشياخ وهم يضربون به وبجماعته المثل في الاجتهاد في العبادات وصحب بعد موت شيخه مشايخ لا يحصون كسيدي محمد بن عنان وسيدي علي المرصفي وسيدي محمد المنزلاوي وغيرهم وكانوا يحبونه وغلب عليه في آخر عمره الخفاء لعلو مقامه وكان له مكاشفات وكرامات قال الشعراوي أخبرني في سنة تسع وخمسين وتسعمائة أن عمره مائة سنة وثمان سنين انتهى وفيها زين الدين عبد الرحمن الأجهوري المالكي الشيخ الإمام العلامة

(8/329)


330 الزاهد الخاشع مفتي المسلمين تلا على الشهاب القسطلاني للأربعة عشر وحضر عليه قراءة كتابه المواهب اللدنية وأخذ الفقه وغيره عن شمس الدين اللقاني وعن أخيه ناصر الدين وغيرهما وأجازوه بالافتاء والتدريس فأفتى ودرس وصنف كتبا نافعة منها شرح مختصر الشيخ خليل وسارت الركبان بمصنفاته حتى إلى المغرب والتكرور وكان الشيخ ناصر الدين اللقاني إذا جاءته الفتيا يرسلها إليه من شدة اتقانه وحفظه للنقول وكان كريم النفس قليل الكلام واللغو حافظا لجوارحه كثير التلاوة والتهجد قال الشعراوي لما مرض دخلت إليه فوجدته لا يقدر يبلع الماء من غصة الموت فدخل عليه شخص بسؤال فقال اجلسوني قال فأجلسناه وأسندناه فكتب على السؤال ولم يغب له ذهن مع شدة المرض وقال لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه فمات تلك الليلة ودفن بالقرافة وكان كلما مر على موضع قبره يقول أنا أحب هذه البقعة فدفن بها وقبره ظاهر يزار وفيها علي البرلسي المجذوب المصري قال في الكواكب كان نحيف البدن يكاد يحمله الطفل وكان يتردد بين مدينة قليوب ومصر لا بد له كل يوم من الدخول إلى قليوب ورجوعه إلى مصر وكان من أصحاب الخطوة وكثيرا ما يمر عليه صاحب البغلة الناهضة وهو نائم تحت الجيزة بقليوب فيدخل مصر فيجده ماشيا أمامه وكان كثيرا ما يغلقون عليه الباب فيجدونه خارج الدار قال وما رؤى قط في معدية إنما يرونه في ذلك البر وهذا البر وربما رآه في البرلس وفي دسوق وفي طندتا وفي مصر في ساعة واحدة وهذه صفة الأبدال وأما رؤيته بعرفة كل سنة فكثير توفي في ربيع الأول ودفن في زاويته المرتفعة داخل باب الشعرية وفيها شمس الدين محمد بن يوسف الحلبي ثم القسطنطيني الشافعي الإمام العلامة إمام عمارة محمود باشا أخذ عن البدر السيوفي وغيره من علماء حلب

(8/330)


331 وطن القسطنطينية حتى مات وكان حسن السمت والمبلبس وكان يعظ المواعظ الحسنة وله حظوة تامة عند أكابر الدولة وذكر ابن الحنبلي أن أباه كان جمالا سنة اثنتين وستين وتسعمائة فيها توفي قاضي قضاة الشافعية بمكة المشرفة برهان الدين إبراهيم بن ظهيرة ميلاده سنة خمس عشرة وتسعمائة وتوفي في هذه السنة كذا بخط ابن صاحب العنوان وفيها أبو الفتح السبستري ثم التبريزي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة المحقق المدقق الفهامة انتفع به الطلبة وهرعوا إليه ورغبوا فيما عنده وكان ذا علم جزل وأخلاق حسنة وآداب جميلة أخذ عنه النجم البهنسي والشيخ إسمعيل النابلسي والشيخ عماد الدين والشمس المنقاري والمنلا أسد والقاضي عبد الرحمن بن الفرفور وغيرهم وكان له خلوة في السميساطية يدرس العلوم فيها وتوفي بالصالحية شهيدا بالطاعون في هذه السنة ودفن بسفح قاسيون وفيها حامد بن محمود نزيل مكة المشرفة الإمام الهمام العلامة قال في النور كان إليه النهاية في العلم والعبادة ورثاه الشيخ عبد العزيز الزمزمي بقصيدة طنانة مطلعها ( أيها الغافل الغبي تنبه * إن بالنوم يقظة الناس أشبه ) ومنها ( قد مضى حامد حميدا فما لي * بعده في الحياة والعيش رغبه ) ( صاحبي من قريب خمسين عاما * ما تراءيت في محياه غضبه ) ومنها ( من جميع العلوم حاز فنونا * فتسامى بها لارفع رتبه ) وهي طويلة جيدة انتهى وفيها عبد الله بن عبد الرحمن بن اصفهان الكردي الشافعي المنسوب إلى بزين بالموحدة والتصغير قبيلة من الأكراد قرأ في الصرف وغيره على أبيه الفقيه المحرر عبد الرحمن والنحو على مولانا

(8/331)


332 حسين العمادي المقيم بسمرقند والمنطق على منلا نصير الاستراباذي والكلام على منلا الكردي الحوزي بحاء مهملة وواو ساكنة وزاي ومن سنة تسع وأربعين لزم ابن الحنبلي في علم البلاغة قال ابن الحنبلي وكان فاضلا ذكيا كتب بخطه تفسير منلا عبد الرحمن الجامي وطالعه وتوفي ببلد القصير مطعونا في هذه السنة وفيها عبد الرؤوف اليعمري المصري الأزهري أحد شعراء مصر قال في الكواكب قدم حلب هو وصاحبه الشيخ نور الدين العسيلي ونزل بالمدرسة الشرفية وكان حسن الشعر لطيف الطباع مات بالقاهرة انتهى وفيها شرف الدين عبد القادر بن محمد بن محمد بن محمد بن قاضي سراسيق الصهيوني ثم الطرابلسي ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة قال في الكواكب أخذ عن شيخ الإسلام الوالد قرأ عليه في البهجة جانبا صالحا وفي صحيح مسلم وفي الأذكار وغير ذلك وولي إعادة الشامية البرانية بدمشق وقدم حلب في حياة الشهاب الهندي فقرأ عليه في شرح الشمسية للقطب وسمع عليه في غيره ثم عاد إلى طرابلس فدرس بجامع العطار وانتفع به الطلبة وكان الثناء عليه جميلا في الديانة وحسن الخلق إلا أنه كان ينكر على ابن العربي وتوفي بطرابلس انتهى ملخصا وفيها شرف الدين أبو حمزة عبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الدمشقي الأصل الحجازي الحنبلي ثم الحنفي القاضي الفاضل المفنن أحد أولاد القطب الكبير سيدي محمد بن عراق ولد بمجدل مغوش سنة عشرين وتسعمائة وكان فاضلا لبيبا أديبا حسن المحاضرة مأنوس المعاشرة دخل بلاد الشام مرات وتولى قضاء زبيد باليمن وله مؤلف سماه بيان ما تحصل في جواب أي المسجدين أفضل أهو القائم بالعبادة المعمور أم الداثر العادي المهجور وله شعر حسن منه

(8/332)


333 ( إن الغرام حديثه لي سنة * مذ صح أني فيه غير مدافع ) ( يا حائزا لمنافعي ومملكا * رقى تهن برق عبد النافع ) ومنه ( ورشيق مليح قد وصوره * قال إن القلوب لي مأموره ) ( رام كشفا لما حوته ضلوعي * قلت بالله خلها مستوره ) ومنه ( يا رب أثقلني ذنب أقارفه * فهل سبيل إلى الاقلاع عن سببه ) ( وأنت تعلمه فاغفره لي كرما * وخذ بناصيتي عن سوء مكتسبه ) توفي بمكة المشرفة رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو اليسر محمد بن محمد بن حسن بن البيلوني الحلبي المقرىء الخير سمع على ابن الناسخ كأخيه بقراءة أبيه ولا أجاز له ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي ثم الشيخ تقي الدين الأرمنازي وكانت له معرفة جيدة بالطب وكان صالحا متواضعا أثوابه إلى أنصاف ساقيه كأبيه وربما حمل طبق العجين على عاتقه مع جلالته توفي مطعونا ودفن عند والده وفيها شمس الدين أبو الطيب محمد بن محمد بن علي الحساني الغماري الأصل المدني المولد والمنشأ والوفاة المالكي عرف بابن الأزهري كان كثير الفضائل حسن المحاضرة صوفي المشرب له ميل إلى كتب ابن العربي من غير غلو وله نثر ونظم منه أرجوزة سماها لوامع تنوير المقام في جوامع تفسير المنام دخل بلاد الشام قاصدا الروم فدخل دمشق وحلب واجتمع فيها بابن الحنبلي فأخذ كل منهما عن الآخر وأجاز كل منهما الآخر وتوفي بالمدينة المنورة وفيها نصر الله بن محمد العجمي الخلخالي الشافعي الفقيه ابن الفقيه درس بالعصرونية بحلب وكان ذكيا فاضلا صالحا متواضعا ساكنا ملازما على الصلوات في الجماعة حسن العبارة باللسان العربي توفي مطعونا في هذه السنة رحمه الله وفيها السلطان همايون بن بابور وكان سبب موته سقوطه من سقف فقال مؤرخ وفاته بالفارسي همايون بادشاه ازبام افتاد قاله في النور

(8/333)


334 سنة ثلاث وستين وتسعمائة فيها توفي أحمد بن حسين بن حسن بن محمد المعروف بابن سعد الدين الشامي القبيباتي الجبائي الصالح القدوة العارف بالله تعالى شيخ بني سعد الدين بدمشق قال في الكواكب كان له أوقات يقيم فيها الذكر والسماع ويكتب النشر والحجب على طريقة أهله المعروفة وكان له الكشف التام والكرامات الكثيرة وكان له سخاء وقرى للواردين على عادتهم وتوفي يوم الجمعة من شهر شعبان ودفن بتربة الشيخ تقي الحصني خارج باب الله وخلفه في المشيخة أخوه الشيخ سعد الدين وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن حسين بن حسن بن عمر البيري الأصل الحلبي الشافعي العلامة الصوفي ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة ولقنه الذكر وهو صغير الشيخ علاء الدين الأنطاكي الخلوتي سنة ست وتسعمائة وألبسه الخرقة والتاج الأدهميين الشيخ عبد الله الأدهمي وكان عنده وسوسة زائدة في الطهارة ولا يلبس الملبس الحسن قال في الكواكب ذكره شيخ الإسلام الوالد في فهرست تلاميذه وأثنى عليه كثيرا وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق وقرأ عليه مدة في الفقه والنحو والأصول والحديث شيئا كثيرا وكتب له إجازة حافلة بما قرأه وبالاذن بالافتاء والتدريس انتهى ملخصا وفيها شهاب الدين أحمد بن الشيخ مركز الإمام العالم العامل قرأ في العربية والتفسير والحديث على والده واشتغل بالوعظ والتذكير فانتفع الناس به وله رسائل في بعض المسائل قاله في الكواكب وفيها صدر الدين إسمعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدين بن عربشاه الشافعي ولد منلا عصام البخاري المشهور بالحواشي على شرح الكافية للجامي قدم حلب سنة ثمان وأربعين وقرأ شيئا من البخاري على شيخ الشيوخ الموفق ابن أبي بكر وأجاز له وظهر له فضل حسن وتوفي بين الحرمين الشريفين وهو ذاهب من المدينة إلى مكة وفيها أقضى القضاة سعد الدين

(8/334)


335 الأنصاري ابن القاضي علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنطاكي الحلبي الدمشقي قال ابن طولون لازم شيخنا العلاء المرحل في قراءة قطر الندى والوافية وعروض الأندلسي وغير ذلك واشتغل على الجلال النصيبي وغيره وعنى بالأدب وتولع بمقامات الحريري فحفظ غالبها وخط الخط الحسن وأخذ في صنعة الشهادة وناب في القضاء بأنطاكية فلم يشك منه أحد وتزوج ثم ترك التزوج مع الديانة والصيانة ومن شعره ( نظري إلى الأعيان قد أعياني * وتطلبي الأدوان قد أدواني ) ( من كل إنسان إذا عاينته * لم تلق الا صورة الإنسان ) انتهى وكان فاضلا ناظما ناثرا يعرف باللسان التركي والفارسي وكان ساكنا في خلوة بالسميساطية فأصبح مخنوقا ملقى على باب الخانقاة المذكورة يوم السبت ختام صفر ودفن بباب الفراديس وفيها بدر الدين أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد السيد شريف العباسي الشافعي القاهري ثم الاسلامبولي ولد في سحر يوم السبت رابع عشرى شهر رمضان سنة سبع وستين وثمانمائة بالقاهرة وأخذ بالعلم بها عن علمائها فأول مشايخه الشمس النشائي وأخذ عن محي الدين الكافيجي وأمين الدين الأقصرائي والمحب بن الشحنة والشريف بن عيدو البرهان اللقاني والسراج العبادي والشمس الجوجري والجلال البكيري والشمس بن قاسم والفخر الديمي والبرهان بن ظهيرة والمحب بن الفرس البصروي وسمع صحيح البخاري على المسندين العز الصحراوي وعبد الحميد الحرستاني بالأزهر وقرأه على البدر بن نبهان ثم لازم آخرا الرضى الغزي قال في الشقائق كانت له يد طولى وسند عال في علم الحديث ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد الفرائد وكان له إنشاء بليغ ونظم حسن وخط مليح وبالجملة كان من مفردات العالم صاحب خلق عظيم وبشاشة ووجه بسام لطيف المحاورة عجيب النادرة متواضعا متخشعا أديبا لبيبا يبجل الصغير ويوقر الكبير كريم الطبع سخي

(8/335)


336 النفس مباركا مقبولا انتهى باختصار وأتى إلى القسطنطينية في زمن السلطان بايزيد ومعه شرح له على البخاري أهداه إلى السلطان فأعطاه بايزيد جائزة سنية ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرىء فيها الحديث فلم يرض ورغب في الذهاب إلى الوطن ثم لما انقرضت دولة الغوري أتى القسطنطينية وأقام بها وعين له كل يوم خمسون عثمانيا على وجه التقاعد ومن مؤلفاته شرح البخاري شرحه في القاهرة وآخر مبسوط ألفه بالروم والظاهر أنه لم يتم وشرح على مقامات الحريري حافل جدا وقطعة على الارشاد في فقه الشافعي وشرح على الخزرجية في علم العروض وشرح على شواهد التلخيص واختصره في مختصر لطيف جدا ومن شعره ( إن رمت أن تسبر طبع امرىء * فاعتبر الأقوال ثم الفعال ) ( فإن تجدها حسنت مخبرا * من حسن الوجه فذاك الكمال ) ومنه ( حال المقل ناطق * عما خفى من عيبه ) ( فإن رأيت عاريا * فلا تسل عن ثوبه ) ومنه ( يا من بنى داره لدنيا * عاد بها الربح منه خسرا ) ( لسان أقوالها ينادي * عمرت دارا لهدم أخرى ) ومنه ( دع الهوى واعزم على * فعل التقى ولا تبل ) ( فآفة الرأي الهوى * وآفة العجز الكسل ) ومنه ( أرعشني الدهر أي رعش * والدهر ذو قوة وبطش ) ( قد كنت أمشي ولست أعيا * والآن أعيا ولست أمشي ) وتوفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وفيها تقريبا عز الدين عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز المكي الزمزمي الشافعي الإمام العالم المفنن ولد سنة تسعمائة ودخل بلاد الشام مارا بها إلى الروم سنة اثنتين وخمسين وله مؤلفان سمى أحدهما بالفتح المبين والثاني

(8/336)


337 بفيض الجود على حديث شيبتني هود ومن شعره وفيه تورية من ثلاثة أوجه ( وقال الغواني ما بقي فيه فضلة * لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخ ) ( وفي ظل دوح المرخ مرخي غصونه * فحيث انثنى أعرضن عن ذلك المرخي ) قال في الكواكب هو والد شيخنا شيخ الإسلام شمس الدين محمد الزمزمي أخذت عنه واستجزت منه لنفسي ولولدي البدري والسعودي في سنة سبع وألف وتوفي سنة تسع وألف أخذ عن والده المذكور وعن العلامة شهاب الدين بن حجر المكي انتهى وفيها محي الدين عبد القادر بن أحمد القيصري البكراوي شهرة الشافعي تفقه بالسيد كمال الدين بن حمزة والبرهان العمادي الحلبي وأخذ عن غيرهما أيضا وكان علامة عارفا بالفقه والفرائض والأصول ولي مشيخة خانقاة أم الملك الصالح بحلب ودرس بالفردوس وولي تدريس الجامع الكبير بها وتوفي وهو يذكر اسم الله تعالى ذكرا متواليا ودفن بمقابر الصالحين بحلب وفيها سعد الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق ولد سيدي محمد الفقيه المقرىء الشامي الحجازي الشافعي ولد كما ذكره والده في السفينة العراقية سنة سبع وتسعمائة بساحل بيروت وحفظ القرآن العظيم وهو ابن خمس سنين في سنتين ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة ست سنين فعادت بركة الله عليه وحفظ كتبا عديدة في فنون شتى وأخذ القراآت عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية مجدل مغوش وعن غيره وكان ذا قدم راسخة في الفقه والحديث والقراآت ومشاركة جيدة في غيرها وله اشتغال في الفرائض والحساب والميقات وقوة في نظم الأشعار الفائقة واقتدار على نقد الشعر وكان ذا سكينة ووقار لكنه أصم صمما فاحشا وولي خطابة المسجد النبوي ودخل دمشق وحلب في رحلته إلى الروم قال ابن طولون وعرض له الصمم في البلاد الرومية قال وذكر لي

(8/337)


338 أنه عمل شرحا على صحيح مسلم كصنيع القسطلاني على صحيح البخاري وشرع في شرح على العباب في فقه الشافعية قال وسافر من دمشق في عوده من الروم لزيارة بيت المقدس يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين ثم انصرف إلى مصر وذكر أنه في مدة إقامته بدمشق كان يزور قبر ابن العربي ويبيت عنده وأنه أشهر شرب القهوة بدمشق فكثرت من يومئذ حوانيتها قال ومن العجيب أن والده كان ينكرها وخرب بيتها بمكة وتوفي المترجم بالمدينة المنورة وهو خطيبها وإمامها وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري التبريزي الشافعي ثم الحنفي صدر تبريز وأحد الموالي الرومية المعروف بشصلى أمير اشتغل على والده وعلى منلا محمد البرلسي الشافعي وغيرهما ودرس في حياة أبيه الدرس العام سنة ست عشرة ثم دخل الروم وترقى في مدارسها إلى أن وصل إلى إحدى الثمان ثم ولي قضاء حلب في أواخر سنة تسع وأربعين ثم قضاء دمشق فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين ووافق القطب بن سلطان والشيخ يونس العيثاوي في القول بتحريم القهوة ونادى بإبطالها ثم عرض بإبطالها إلى السلطان سليمان فورد أمره بإبطالها في شوال سنة ثلاث وخمسين وأشهر النداء بذلك وكان عالما فصيحا حسن الخط قال ابن الحنبلي وكان له ذؤابتان يخضبهما ولحيته بالسواد وذكر ابن طولون أنه كان محمود السيرة له حرمة زائدة وتوفي بالقسطنطينية وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي الإمام العلامة ولد خامس عشر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة وأخذ عن جماعة منهم البدر الغزي والشهاب الرملي وغيرهما وأجيز بالتدريس والافتاء وكان أحد المدرسين بجامع الأزهر وله حاشية حافلة على الجامع الصغير للحافظ السيوطي وكتاب سماه ملتقى البحرين وكان متضلعا من

(8/338)


339 العلوم العقلية النقلية قوالا بالحق ناهيا عن المنكر له توجه عظيم في قضاء حوائج اخوانه وعمر عدة جوامع في بلاد الريف رحمه الله تعالى وفيها محمد بن عبد القادر أحد الموالي الرومية أخذ عن جماعة منهم المولى محي الدين الفناري وابن كمال باشا والمولى حسام جلبي والمولى نور الدين ثم خدم خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس حتى أعطى إحدى الثمان ثم ولي قضاء مصر ثم قضاء العساكر الأناضولية ثم تقاعد بمائة عثماني لاختلال عرض له برجله منعه من مباشرة المناصب ثم ضم له في تقاعده خمسون درهما وكان عارفا بالعلوم العقلية والنقلية وله ثروة بنى دارا للقراء بالقسطنطينية ودارا للتعليم في قرية قرملة رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن محمود الطنيخي المصري الشافعي الإمام العلامة المجمع على جلالته إمام جامع الغمري أخذ عن الشيخ ناصر الدين اللقاني والشهاب الرملي والشمس الدواخلي وأجازوه بالافتاء والتدريس وكان كريم النفس حافظا للسانه مقبلا على شأنه زاهدا خاشعا سريع الدمعة لم يزاحم قط على شيء من وظائف الدنيا رحمه الله تعالى وفيها المولى محمد بن محمود المغلوي الوفائي الحنفي أحد الموالي الرومية المعروف بابن الشيخ محمود خدم المولى سيدي القرماني وصار معيدا لدرسه وتنقل في المدارس ثم اختار القضاء فولي عدة من البلاد ثم عاد إلى التدريس حتى صار مدرسا بإحدى الثمان ثم أعطى قضاء القسطنطينية ثم تقاعد بمائة عثماني إلى أن مات وكان عارفا بالعلوم الشرعية والعربية له إنشاء بالتركية والعربية والفارسية يكتب أنواع الخط وله تعليقات على بعض الكتب وكان له أدب ووقار ولا يذكر أحدا إلا بخير رحمه الله تعالى وفيها قاضي القضاة جلال الدين أبو البركات محمد بن يحيى بن يوسف الربعي التادفي الحلبي الحنبلي ثم الحنفي ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع

(8/339)


340 وتسعين وثمانمائة وأخذ عن أحمد بن عمر البارزي وأجاز له وعن الشمس السفيري والشمس بن الدهن المقرىء بحلب والشهابي بن النجار الحنبلي بالقاهرة وغيرهم وبرع ونظم ونثر وولي نيابة قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه وعمره ست عشرة سنة إلى آخر الدولة الجركسية ثم لم يزل يتولى المناصب السنية في الدولتين بحلب وحماة ودمشق فإنه تولى بها نظر الجامع الأموي عن والده ثم ضم إليه نظر الحرمين الشريفين ثم سافر إلى القاهرة فناب للحنابلة بمحكمة الصالحية النجمية ثم بباب الشعرية ثم ولي نظر وقف الإشراف بالقاهرة ثم استقل بقضاء رشيد ثم تولى قضاء المنزلة مرتين ثم ولي قضاء حوران من أعمال دمشق ثم عزل عنه سنة تسع وأربعين فذهب إلى حماة وألف بها قلائد الجواهر في مناق بالشيخ عبد القادر وضمنه أخبار رجال أثنوا عليه وجماعة ممن لهم انتساب إليه من القاطنين بحماة وغيرهم ومن شعره ( يا رب قد حال حالي * والدين أثقل ظهري ) ( وقد تزايد مابي * والهم شتت فكري ) ( ولم أجد لي ملاذا * سواك يكشف ضري ) ( وعافني واعف عني * وامنن بتيسير أمري ) ( بباب عفوك ربي * أنخت أنيق فقري ) ( فلا ترد سؤالي * واجبر بحقك كسرى ) وتوفي بحلب قال ابن عمه ابن الحنبلي في تاريخه ولم يعقب ذكرا وفيها تقريبا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدين الخجندي المدني الحنفي قاضي الحنفية بالمدينة الشريفة وإمامهم بها بالمحراب الشريف النبوي كان عالما عاملا فاضلا عالي الإسناد معمرا ولي القضاء بغير سعي ثم عزل عنه فلم يطلبه ثم عزل عن الإمامة وكان معه ربعها فصبر على لأواء

(8/340)


341 المدينة مع كثرة أولاده وعياله ثم توجه إلى القاهرة فعظمه كافلها وعلماؤها وأخرج له من حواليها شيئا ثم عرض له بحيث يستغني عن القضاء ثم قدم حلب في حدود سنة ثلاث وخمسين والسلطان سليمان بها واجتمع به ابن الحنبلي وغيره من الأعيان قال ابن الحنبلي وكنت قد اجتمعت به في المدينة عائدا من الحج وتبركت به انتهى سنة أربع وستين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي المزجاجي الحنفي الإمام العلامة قال في النور ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة وحفظ القرآن وسمع الحديث على جماعة منهم الشيخ عبد الرحمن الديبع وكتب له الإجازة والأسانيد بخطه وتفقه بجماعة من الحنفية وكتب في كتب الرقائق وسمع على الشيخين الوليين الكاملين المحققين يحيى بن الصديق النور وبه تخرج وانتفع والشيخ أبي الضياء وجيه الدين العلوي ولبس الخرقة من والده ثم ألبسه مرة أخرى أخوه لأمه الشيخ إسماعيل المزجاجي وأذن له في إلباسها وكان إماما علامة محققا عارفا مدققا بحرا من بحار الحقيقة والشريعة مرشدا مسلكا بلغ من كل فضل الأمل له اليد الطولى في كتب القوم وتخرج به جماعة منهم ولده العلامة المجتهد الحافظ شيخنا ومولانا أبو الحسن شمس الدين علي والشريف حاتم بن أحمد الأهدل وخلائق لا تحصى وبالجملة فقد كان فريد دهره ونادرة عصره ونسيج وحده ولازم بده علما وعملا وإفادة وسيادة وله كلام في الحقائق يشهد له بذلك وكان علماء وقته يجلونه غاية الاجلال ويشهدون له بالتقدم على الامثال وتوفي في جمادى الأولى بقرية الظاهر التي أنشأها جده الشيخ الصديق بن عبد الله المزجاجي الصوفي انتهى وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي البصروي الحنفي خلاف أبيه وجده فإنهما شافعيان العالم ابن العالم ابن العالم قرأ على والده والبدر الغزي

(8/341)


342 وغيرهما وولي قضاء فارا ثم الصلت وعجلون وتوفي في هذه السنة وتاريخ وفاته قاضي أحمد وفيها عبد الرحمن بن رمضان القصار والده اشتغل في العلم على ابن الحنبلي والجمال بن حسن ليه وكان صالحا دينا عفيفا طارح التكلف قانعا بأجرة أزرار كان يصنعها وكان له ذوق صوفي ومشرب صفي حج وجاور ومرض ثم شفي وعاد إلى حلب ومات بها في شعبان قاله في الكواكب وفيها عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي المالكي الإمام العالم الأديب شيخ القراء بالمدينة المنورة كان فاضلا علامة مفننا شاعرا صالحا دمث الأخلاق كثير التواضع له عدة منظومات في علوم شتى منها منهج الوصول ومهيع السالك للأصول في أصول الدين ونظم جواهر السيوطي في علم التفسير ودرر الأصول في أصول الفقه ونتائج الأنظار ونخبة الأفكار في الجدل ونظم العقود في المعاني والبيان وتحفة الأحباب في الصرف وغنية الأعراب في النحو ونزهة الألباب في الحساب والدر في المنطق وقدم دمشق بعد أن زار بيت المقدس من جهة المدينة في سنة إحدى وخمسين وأنشد ( قالوا دمشق جنة زخرفت * من كل ما تهوى نفوس البشر ) ( أما ترى الأنهار من تحتها * تجري فقلت مجاوبا بل سقر ) ( لأنها حفت بما تشتهي * فهي إذا نار كما في الخبر ) ودخل حلب واستجاز بها الشمس السفيري والموفق بن أبي ذر ومن شعره أيضا ( ذوو المناصب إما أن يكون لهم * نصب وإلا فهم فيها ذوو نصب ) ( فلا تعرج عليها ما بقيت وكن * بالله محتسبا في تركها تصب ) ( لا سيما منصب القاضي فإنك إن * تزغ عن الحق فيه كنت ذا عطب ) ( فإن قضى الله يوما بالقضاء أخي * عليك فاعدل ولكن لا إلى الذهب )

(8/342)


343 وتوفي بالمدينة المنورة رحمه الله تعالى وفيها محي الدين عبد القادر ابن حسن العجماوي الشافعي العالم الفاضل أخذ عن علماء عصره وبرع ومهر وأخذ عنه جماعات منهم شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن حسن البيلوني وأجازه في خامس عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وتوفي في هذه السنة ظنا وفيها محب الدين محمد بن عبد الجليل بن أبي الخير محمد المعروف بابن الزرخوني المصري الأصل الدمشقي الشافعي الإمام العلامة الأستاذ ابن الأستاذ القواس قال في الكواكب ولد سنة خمس وتسعين وثمانمائة وطلب العلم على كبر وحصل عدة فنون وكان من أخصاء الشيخ الوالد ومحبيه وكان ينوب عنه في إمامة الجامع الأموي قال الوالد ولزمني كثيرا وقرأ على ما لا يحصى كثرة انتهى وفيها محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي الشافعي العبد الصالح الورع والد الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا بدمشق أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفوري وكان صواما قواما ينسج القطن ويأكل من كسب يمينيه وما فضل من كسبه تصدق به وتعاهد الأرامل واليتامى قال في الكواكب وأخبرني بعض جماعته قال كان ربما سقى الشاش العشرة أذرع بكرة النهار ونسجه فيفرغ من نسجه وقت الغداء من ذلك اليوم فيمد له في الزمان انتهى سنة خمس وستين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عثمان بن محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن محمد العمودي اليمني الشافعي الإمام العلامة الفقيه ابن الفقيه قال في النور ولد بزبيد سنة خمس عشرة وتسعمائة تقريبا واشتغل في العلوم وبرع وكان من كبار أهل العلم والفتيا والتدريس مع الورع التام والزهد العظيم والاقبال على الطاعة وكثرة العبادة والسلوك على نهج السلف الصالح ولزوم الخمول وترك ما لا يعني والإحسان الدائم إلى الفقراء والمحتاجين

(8/343)


344 والطلبة وكان يعرف اسم الله الأعظم وينفق من الغيب وتعظمه الأكابر ومن محفوظاته الارشاد في الفقه وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعدية فيجيب عنها وتوفي يوم السبت حادي عشر المحرم بتعز وبنيت على قبره قبة عظيمة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن ناصر الأعزازي الأصل الشافعي إمام الثانية بجامع المهمندار تفقه على البرهان العمادي كأبيه وأشغل بعض الطلبة قاله في الكواكب وفيها القاضي شهاب الدين أحمد ابن العلاوي قال في الكواكب كان يعرف الفرائض والحساب وكان يتولى القضاء في بر الشام فقتل في بعض القرى وهو والد يوسف الشاعر انتهى وفيها المولى نور الدين حمزة الكرماني الرومي الحنفي الصوفي طلب العلم ثم رغب في التصوف وخدم العارف بالله تعالى سنبل سنان ثم العارف بالله تعالى محمد بن بهاء الدين وصار له عنده القبول التام وكان خيرا دينا قوالا بالحق مواظبا على آداب الشيعة مراعيا لحقوق الاخوان توفي بالقسطنطينية رحمه الله تعالى وفيها عبد الصمد بن الصالح المرشد محي الدين محمد العكاري الحنفي نزيل دمشق الإمام العلامة قال الشيخ يونس العيثاوي كان رجلا صالحا وانتهت إليه الفتيا في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وحصل له محنة من نائب دمشق سنان الطواشي والقاضي السيد المعروف بشصلي أمير قال وحصل الانكار عليه بسكنه في المدرسة العادلية المقابلة للظاهيرة وكان له تدريس مدرسة القصاعية وحصل له ثروة وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان في الجامع الأموي وكان والده يربي الفقراء على طريقة حسنة وتوفي عبد الصمد يوم الإثنين ثامن رجب وفيها كريم الدين عبد الكريم ابن إبراهيم بن مفلح الحنبلي الشيخ الفاضل كان كاتبا في المحكمة الكبرى بدمشق ومات فجأة فإنه بيض أربعة أوراق مساطير ثم خرج فبينما هو في الطريق سقط لوجهه وحمل إلى منزله فلما وضع مات ودفن بالقلندرية بباب

(8/344)


345 الصغير وصبر والده واحتسب وفيها عبد الملك بن عبد الرحمن ابن رمضان بن حسن الحلبي الشافعي المعروف بابن القصاب قال ابن الحنبلي تفقه على والده وحبس بعده لشكاية الخواطر على حسب حاله وحدث على كرسي جامع دمرداش انتهى وفيها محمد بن سويدان الحلبي الصوفي قال في الكواكب كان شيخا صالحا منورا همذاني الخرقة أدرك السيد عبد الله التستري الهمذاني وتلقن منه الذكر وذكر في حلقته كوالده الشيخ سويدان وتوفي عن نحو مائة سنة رحمه الله تعالى انتهى وفيها أبو الفتح محمد بن فتيان المقدسي الشافعي الإمام العلامة كان إمام الصخرة بالمسجد الأقصى أربعين سنة وتوفي في ربيع الآخر رحمه الله تعالى وفيها أبو البقاء محمد البقاعي الحنفي خطيب الجامع الأموي بدمشق وكان خادم سيدي الشيخ أرسلان ميلاده يوم الإثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة تسعين وثمانمائة وتوفي فجأة ليلة الخميس عاشر ذي القعدة كذا بخط ابن صاحب العنوان سنة ست وستين وتسعمائة فيها توفي تقريبا برهان الدين إبراهيم بن بخشي بالموحدة بن إبراهيم الحنفي المشهور بدادة خيلفة مفتي حلب قيل كان في الأصل دباغا فمن الله تعالى عليه بطلب العلم حتى صار من موالي الروم وهو أول من درس بمدرسة خضر باشا بحلب وأول من أفتى بها من الأروام قال ابن الحنبلي صحبناه فإذا هو مفنن ذو حفظ مفرط ترجمة عبد الباقي العربي وهو قاضيها لأنه انفرد في المملكة الرومية بذلك مع غلبة الرطوبة على أهلها واستيلاء النسيان عليهم بواسطتها قال وذكر هو عن نفسه أنه كان بحيث لو توجه إلى حفظ التلويح في شهر لحفظه إلا أنه كان واظب على صوم داود عليه السلام ثمان سنوات فاختلف دماغه

(8/345)


346 فقل حفظه ولم يزل في حلب على جد في المطالعة وديانة في الفتوى حتى ولي منصب الافتاء بأزنيق من بلاد الروم وكان يقول لو أعطيت بقدر هذا البيت ياقوتا ما حلت عن الشرع شبرا وألف رسالة في تحريم اللواط وأخرى في أقسام أموال بيت المال وأحكامها ومصارفها وثالثة في تحريم الحشيش والبنج انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن القاضي برهان الدين إبراهيم الأخنائي الشافعي أحد أصلاء دمشق كان قليل المخالطة ملازما للأموي توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ودفن عند والده بالقرب من جامع جراح وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الأول القزويني المشهور في دياره بالسعيدي الإمام العلامة المفنن المحقق سئل عن مولده فأخبر أنه ولد سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وأن له نسبا إلى سعيد بن زيد الأنصاري أحد العشرة وذكر أنه ختم القرآن وهو ابن ست سنين وأربعة أشهر وأربعة أيام وأنه أخذ الفرائض عن أبيه وأفتى فيها صغيرا سنة إحدى وتسعمائة وله مؤلفات منها شرح ايساغوجي ألفه ببلاده ثم دخل بلاد العرب واستوطن دمشق وحج منها ثم سافر إلى حلب فأكرم مثواه دفتردارها اسكندر بيك ثم سافر معه وجمعه بالسلطان سليمان وأعطى بالقسطنطينية تدريسا جليلا وسافر مع السلطان إلى قتال الأعاجم وعاد معه وألف هناك كتبا منها حاشية على شرح فرائض السراجي للسيد ناقش فيها ابن كمال باشا ثم عاد إلى دمشق سنة أربع وستين واشترى بيت ابن الفرفور وعمره عمارة عظيمة وجعل فيه حماما وبيوتا كثيرة بالسقوف الحسنة والأرائك العظيمة وغرس أشجارا ومات وأرباب الصنائع يشتغلون عنده في أنواع العماير وتوفي ليلة الأحد رابع عشر شعبان ودفن بباب الصغير بالقلندرية قاله في الكواكب وفيها بدر الدين حسن بن يحيى بن المزلق الدمشقي الشافعي العالم الواعظ قال الشيخ يونس العيثاوي كان من أهل العلم والديانة ولي تدريس الأتابكية

(8/346)


347 بالصالحية وتفقه على الشيخ تقي الدين القاري أي وعلى الشيخ يونس العيثاوي وأخذ عن القاضي زكريا والتقوى بن قاضي عجلون والبدر الغزي وتوفي يوم الأربعاء سادس عشرى صفر ودفن بتربة أهله خارج باب الجابية بدمشق في المحلة المحروقة تجاه تربة باب الصغير وخلف كتبا كثيرة اشتراها جد الشيخ إسمعيل النابلسي وفيها حسين جلبي متولي تكية السلطان سليم خان بالصالحية بدمشق قال في الكواكب شنق هو وسنان القرماني يوم الخميس رابع عشر شوال صلبا معا بدار السعادة وشاشاهما وعمامتاهما على رؤسهما وهما ذوا شيبتين نيرتين رحمهما الله تعالى انتهى وفيها سنان القرماني نزيل دمشق قال في الكواكب هو والد أحمد جلبي ناظر أوقاف الحرمين الآن بدمشق ولي نظارة البيمارستان ثم نظارة الجامع الأموي وانتقد عليه أنه باع بسط الجامع وحصره وأنه خرب مدرسة المالكية التي بقرب البيمارستان النوري وتعرف بالصمصامية وحصل به الضرر بمدرسة النورية فشنق بسبب هذه الأمور هو وحسين جلبي انتهى ملخصا وفيها كريم الدين عبد الكريم بن الشيخ الإمام قطب الدين محمد بن عبادة الصالحي الحنبلي الأصيل العريق الفاضل قال في الكواكب توفي في أواخر ذي القعدة عن بنتين ولم يعقب ذكرا وانقرضت به ذكور بني عبادة ولهم جهات وأوقاف كثيرة انتهى وفيها فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان الشهيرة ببنت قريمزان الشيخة الفاضلة الصالحة الحنفية الحلبية شيخة الخانقتين العادلية والدجاجية معا كان لها خط جيد ونسخت كتبا كثيرة وكان لها عبارة فصيحة وتعفف وتقشف وملازمة للصلاة حتى في حال المرض ولدت في رابع محرم سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ثم تزوجها الشيخ كمال الدين محمد بن مير جمال الدين بن قلى درويش الأردبيلي الشافعي نزيل المدرسة الرواحية بحلب الذي قيل أن جده أول من شرح المصباح قالت

(8/347)


348 وعن زوجي هذا أخذت العلم وكان يقول ملكني الله تعالى ستة وثلاثين علما وتوفيت في هذه السنة وأوصت أن تدفن معها سجادتها قال ابن الحنبلي وقد ظفرت بشهود جنازتها وحملها فيمن حمل رحمها الله تعالى وفيها ناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي الشافعي الإمام العلامة أحد العلماء الأفراد بمصر أجاز العلامة محمد البيلوني كتابة في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة قال فيها تلقيت العلم عن أجلة من المشايخ منهم قاضي القضاة زكريا وحافظو عصرهم الفخر بن عثمان الديمي والسيوطي والبرهان القلقشندي بسندهم المعروف وبالإجازة العالية مشافهة عن الشيخ شهاب الدين البيجوري شارح جامع المختصرات نزيل الثغر المحروس بدمياط بالأجازة العالية عن شيخ القراء والمحدثين محمد بن الجزري وقال الشعراوي صحبته نحو خمسين سنة فما رأيت في أقرانه أكثر عبادة لله تعالى منه لا تكاد تراه إلا في عبادة وانتهت إليه الرياسة في سائر العلوم بعد موت أقرانه وكان مشهورا في مصر بكثرة رؤية رسول الله وأقبل عليه الخلائق إقبالا كثيرا بسبب ذلك فأشار عليه بعض الأولياء بإخفاء ذلك فأخفاه قال وليس في مصر الآن أحد يقرىء في سائر العلوم الشرعية وآلاتها إلا هو حفظا وقد عدوا ذلك من جملة إمامته فإنه من المتبحرين في التفسير والقراآت والفقه والنحو والحديث والأصول والمعاني والبيان والحساب والمنطق والكلام والتصوف وما رأيت أحدا في مصر أحفظ لمنقولات هذه العلوم منه وجمع على البهجة شرحين جمع فيهما ما في شرح البهجة لشيخ الإسلام وزاد عليهم ما في شرح الروض وغيره وولي تدريس الخشابية وهي من أجل تدريس في مصر وشهد له الخلائق بأنه أعلم من جميع أقرانه وأكثرهم تواضعا وأحسنهم خلقا وأكرمهم نفسا لا يكاد أحد يغضبه وتوفي بمصر عاشر جمادى الآخرة ودفن في حوش الإمام الشافعي رضي

(8/348)


349 الله عنه وعمر نحو مائة سنة وفيها شمس الدين محمد الجعيدي الدمشقي الشافعي رئيس دمشق في عمل الموالد كان من محاسن دمشق التي انفردت بها قاله في الكواكب وفيها يونس بن يوسف الطبيب رئيس الأطباء بدمشق الشيخ الفاضل وهو والد الشيخ شرف الدين الخطيب قال الشيخ يونس العيثاوي كان ذكيا فطنا انتهت إليه رياسة الطب بدمشق وأقبلت عليه الدنيا انتهى وأخذ عنه الطب ولده الشيخ شرف الدين والشيخ محمد الحجازي وتوفي يوم الإثنين رابع عشر شعبان أو خامس عشره سنة سبع وستين وتسعمائة فيها تقريبا توفي أحمد بن محمود بن عبد الله الحنفي أحد موالي الروم المعروف بابن حامد الإمام العلامة تنقل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب وأثنى على فضله ابن الحنبلي وله مؤلفات منها شرح المفتاح للسيد الجرجاني وحاشية على كتاب الهداية في الفقه وفيها وجيه الدين عبد الرحمن بن الشيخ عمر بن الشيخ أحمد بن عثمان بن محمد العمودي الشافعي أخذ عن الحافظ شهاب الدين بن حجر الهيتمي والشيخ أبي الحسن البكري وغيرهما وتفقه وبرع وكان إماما وليا قدوة حجة من الأولياء الصالحين والمشايخ العارفين كثير العبادة والاجتهاد عظيم الورع والزهد والمثابرة على الأعمال الصالحة مع الاشتغال بالعلوم النافعة والتواضع الزائد والاستقامة العظيمة قال الشيخ عبد القادر الفاكهي فيه حين ذكر أنه أخذ عن ابن حجر أخذ عنه أخذ رواية أخذ شيخ عن شيخ كما قيل في أخذ أحمد عن الشافعي وأن جل الشيخ يعني ابن حجر ومن تصانيفه حاشية على الارشاد وكان أراد محوها فمنعه ابن حجر من ذلك ومنها النور المذرور ولم يتزوج مدة عمره قال الفاكهي ومناقبه أفردتها برسالة وجاور بمكة المشرفة سنين ومات بها يوم الجمعة تاسع عشرى

(8/349)


350 رجب وفيها تقريبا مصلح الدين محمد بن صلاح بن جلال الملتوي الأنصاري السعدي العبادي الشافعي المشهور بمنلا مصلح الدين اللاري تلميذ ميرغياث الدين بن أمير صدر الدين محمد الشيرازي قال ابن الحنبلي قدم حلب سنة أربع وستين في تجارة فأسفر عن علوم شتى وتأليفات متنوعة منها شرح الشمايل وشرح الأربعين النووية وشرح الارشاد في الفقه وشرح السراجية وحاشية على بعض البيضاوي وحاشية على مواضع من المطول وأخرى على مواضع من المواقف وأخرى على شرح الكافية للجامي انتصر فيه لمحشيه عبد الغفور اللاري على محشيه منلا عصام البخاري وهي كثيرة الفوائد والزوائد وغير ذلك قال ولما دخل حلب دخلها في ملبس دنيء وهو يستفسر عن أحوال علمائها ثم لبس المعتاد وطاف بها ومعه بعض العبيد والخدم في أموال التجارة ولكن من غير تعاظم في نفسه ولا تكثر في حد ذاته لما كان عنده من مشرب الصوفية واشتغل عليه بعض الطلبة واستفتاه بعض الناس هل اجتماع الدف والشبابة في السماع مباح أم لا فأجاب أن كلا منهما مباح فاجتماعهما مباح أيضا واستند إلى قول الغزالي في الأحياء إن أفراد المباحات ومجموعها على السواء إلا إذا تضمن المجموع محذورا لا يتضمنه الآحاد قال وقد وقع المنع من قبل أهل زماننا وأفتى جدي بالجواز وصحح فتواه أكابر العلماء من معاصرين ببلاد فارس ثم نقل فتوى جده بطولها ونقل قول البلقيني في تحريم النووي الشبابة لا يثبت تحريمها إلا بدليل معتبر ولم يقم النووي دليلا على ذلك ثم نقل تصحيح الجلال الدواني لفتوى جده ثم كلام الدواني في شرح الهياكل حيث قال الإنسان يستعد بالحركات العبادية الوضعية الشرعية للشوارق القدسية بل المحققون من أهل التجريد قد يشاهدون في أنفسهم طربا قدسيا مزعجا فيتحركون بالرقص والتصفيق والدوران ويستعدون بتلك الحركة لشروق أنوار أخر إلى أن ينقص ذلك الحال عليهم بسبب من الأسباب

(8/350)


351 كما يدل عليه تجارب السالكين وذلك سر السماع وأصل الباعث للمتألهين على وضعه حتى قال بعض أعيان هذه الطائفة أنه قد ينفتح لهم في الأربعينيات قال ابن الحنبلي وكان مصلح الدين قد حكم قبل هذا النقل بإباحة الرقص أيضا بشرط عدم التثني والتكسر في كلام مطول قال ثم أن مصلح الدين رحل في تلك السنة إلى مكة فحج وجاور ثم رجع من مكة إلى حلب فقطن بها واستفتى ثم توجه إلى الباب الشريف ومعه عرض من قاضي مكة عتيق الوزير الأعظم فخلع عليه خلعة ذات وجهين وأهدى إليه مالا وأعطاه من جوالي مصر أربعين درهما في كل يوم فظهر لها مستحقون فلم يتصرف بها ثم عاد إلى حلب ثم رحل منها إلى آمد انتهى وفيها ظنا زين الدين منصور بن عبد الرحمن الحريري الدمشقي الشافعي الشهير بخطيب السقيفة الإمام العلامة كان خطيبا بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة وكانت له يد طولى في علوم كالتفسير والعربية وكان صوفي المشرب رسلاني الطريقة أخذ عن جماعة منهم البدر الغزي وله أرجوزة في حفظ الصحة ورسالة سماها برسالة النصيحة في الطريقة الصحيحة قال ابن الحنبلي تعاني الأدب ونظم ونثر وألف مقامة حسنة غزلة سماها لوعة الشاكي ودمعة الباكي وشاع ذكره بحل الزايرجة للسبتي واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان فأكرم مثواه وبلغه مناه ثم عاد إلى وطنه ومأواه ثم دخل إلى حلب سنة خمس وستين ثم ذكر كلاما يقتضي الطعن فيه ومن شعره ( يا صاحبي اهجرا جنح الدجى الوسنا * لتخبرا في الورى عن بهجة وسنى ) ( هذا من الشرع ميزان لفعلكما * ولا تميلا إلى مستقبح وزنا ) ومنه مقتبسا ( عاذلي ظن قبيحا * مذ رأى عشقي ينم ) ( ظن بي ما هو فيه * أن بعض الظن إثم )

(8/351)


352 وله ( ظن بالناس جميلا * وابتع الخيرات تسمو ) ( واجتنب ظنا قبيحا * أن بعض الظن اثم ) وله ( إن عزت الصهباء يا سيدي * وكان في الحضرة عذب اللمى ) ( جعلت سكري ماء ريق له * ولا واخذ الله السكارى بما ) سنة ثمان وستين وتسعمائة فيها كما في النور جاء جنكزخان إلى سرت وأحرق دورها وخربها وسبى أهلها واستأثر وقتل صاحبها خداوندخان قتل يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة بجلنجان وكان خداوند هذا أميرا كبيرا جليلا رفيع المنزلة حسن الأخلاق جميل الصورة طيب السيرة جوادا سخيا محببا إلى الناس محبا لأهل الخير مجمعا لأهل العلم حسن العقيدة في الأولياء عريق الرياسة وكانت سرت في زمنه مأوى للأفاضل ورثاه أبو السعادات الفاكهي بقصيدة طنانة مطلعها ( الدهر في يقظة والسهو للبشر * والموت يبدو ببطش البدو والحضر ) ( والسام أصعب كاس أنت ذائقه * قبل التدثر للأجساد بالحفر ) انتهى وفيها توفي القطب العارف بالله تعالى أحمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد الله العيدروس قال في النور كان من سادات مشايخ الطريقة المكاشفين بأنوار الحقيقة جمع له بين كمال الخلق والخلق وبسط المعرفة وصحة النية وصدق المعاملة ومناقبه كثيرة وأحواله شهيرة وتوفي في سابع جمادى الأولى بتريم ورثاه والدي بمرثية عظيمة مطلعها ( تقضي فتمضي حكمها الأقدار * والصفو تحدث بعده الأكدار ) انتهى وفيها المولى عصام الدين أبو الخير أحمد بن مصلح الدين المشتهر بطاش كبرى زادة صاحب الشقائق النعمانية قال في ذيل الشقائق المذكورة المسمى بالعقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم كان من العلماء

(8/352)


353 الأعيان توفي وهو مدرس بإحدى المدارس الثمان بعد ما كان قاضيا بحلب وأخذ عن أبيه الحديث والتفسير ثم قرأ على المولى سيدي محمد القوجوي وصار ملازما منه ثم على المولى محمد الشهير بميرم جلبي وكمل عنده العلوم الرياضية وقرأ على غير هؤلاء ودرس بعدة مدارس ثم قلد قضاء قسطنطينية فأجرى الأحكام الدينية إلى أن رمد رمدا شديدا انتهى إلى أن عميت كريمتاه فكان مصداق ما جاء في الأثر إذا جاء القضاء عمى البصر فاستعفى عن المنصب واشتغل بتبييض بعض تآليفه وكان بحرا زاخرا منصفا مصنفا راضيا بالحق عاريا عن المكابرة والعناد وإذا أحس من أحد مكابرة أمسك عن التكلم وحكى عنه أنه مسك لسان نفسه وقال أن هذا فعل ما فعل من التقصير والزلل وصدر عنه ما صدر من الحق والغلط غير أنه ما تكلم في طلب المناصب الدنيوية قط ومن مصنفاته المعالم في الكلام وحاشية على حاشية التجريد للشريف الجرجاني من أول الكتاب إلى مباحث الماهية جمع فيه مقالات المولى القوشي والجلال الدواني ومير صدر الدين وخطيب زادة وشرح القسم الثالث من المفتاح وكتاب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية وقد جمعه بعد عماه وهو أول من تصدى له وكتاب ذكر فيه أنواع العلوم وضروبها وموضوعاتها وما اشتهر من المصنفات في كل فن مع نبذ من تواريخ مصنفيها وهو كتاب نفيس غزير الفوائد وجمع كتابا في التاريخ كبيرا واختصره وله غير ذلك وابتلي بمرض الباسور وبه توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة انتهى ما ذكره صاحب ذيل الشقائق باختصار وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي الحلبي الحنفي المشهور بابن درهم ونصف الإمام العلامة ولد في محرم سنة ست وثلاثين وتسعمائة وحفظ القرآن العظيم وتخرج بعمه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخط والقراءة ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون كالعربية والمنطق وآداب

(8/353)


354 البحث والحكمة والكلام والأصول والفرائض والحديث والتفسير وأجازه إجازة حافلة في سنة سبع وستين وحج وجاور سنة فأخذ فيها عن السيد قطب الدين الصفوي المطول وعاد إلى حلب فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام والتفسير وتولى مدرسة الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب وطالع كتب القوم وتواريخ الناس ونظم الشعر ومن شعره مقتبسا ( يا غزالا قد دهاني * لم يكن لي منه علم ) ( لا تظنن ظن سوء * إن بعض الظن إثم ) وفيها القاضي أبو الجود محمد بن محمد بن محمد الأعزازي قال في الكواكب كتب بخطه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد يخرج عن طوق البشر من ذلك خمس نسخ من القاموس وعدة نسخ من الأنوار وعدة نسخ من شرح البهجة وشرح الروض وكتب البخاري وشرحه لابن حجر في كتب أخرى لا تحصى كثرة وكتب نحو خمسين مصحفا كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء ووقف نسخة من البخاري على طلبة اعزاز قبل وفاته انتهى وفيها المولى محمود الايدني المعروف بخواجة قيني قال في العقد المنظوم كان أبوه من كبار قضاة القصبات ثم طلب ابنه هذا العلم وأكب حتى صار ملازما وتزوج المولى خير الدين معلم السلطان باخته فعلت به كلمته وارتفعت مرتبته فقلد مدارس عدة ثم قلد قضاء حلب ثم قضاء مكة مرتين وكان حسن الخلق بشوشا حليما لا يتأذى منه أحد أدركته منيته بقصبة اسكدار انتهى وفيها المولى يحيى بن نور الدين الشهير بكوسج الأمين الحنفي كان أبوه من الأمناء العثمانية متوليا على الخراجات الخاصة فاختار صاحب الترجمة طريق العلم على طريق آبائه فاشتغل على أفاضل زمانه حتى صار معيدا لدرس علاء الدين الجمالي وتميز في خدمته حتى زوجه بابنته ودرس بعدة مدارس ثم

(8/354)


355 قلد قضاء بغداد وكان من أفاضل الروم صاحب يد طولى في الحديث والتفسير والوعظ بحيث لما بنى السلطان سليمان مدرسته بقسطنطينية وجعلها دار حديث أعطاها له لاشتهاره بعلم الحديث وعين له كل يوم مائة درهم ثم اتفق أنه اتهم ببيع الإعادة والملازمة وأخذ الرشى على اعطاء الحجرات فغضب عليه السلطان وعزله فاغتم لذلك غما شديدا فلم يمض إلا القليل حتى توفي وكان لذيذ الصحبة حلو المحاورة خاليا عن الكبر والخيلاء مختلطا بالمساكين والفقراء إلا أن فيه خصلة سميه يحيى بن أكتم قاله في ذيل الشقائق سنة تسع وستين وتسعمائة فيها توفي القاضي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني الحنبلي الإمام العلامة ولد في رابع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعمائة وقرأ على والده وغيره ودأب وحصل وباشر القضاء وتوفي ليلة الاثنين ثالث أو رابع عشرى شعبان وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن يس الدجاني الشافعي الإمام العالم العامل العارف بالله تعالى أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون وصاحب سيدي محمد بن عراق كان يحفظ القرآن العظيم ومنهاج النووي قال تلميذه يوسف الدجاني الأربدي كان الشيخ أحمد الدجاني لا يعرف النحو فبنيما هو في خلوته بالأقصى إذ كوشف بروحانية النبي فقال له يا أحمد تعلم النحو قال فقلت له يا رسول الله علمني فألقى علي شيئا من أصول العربية ثم انصرف قال فلما ولي لحقته إلى باب الخلوة فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول الله وضممت اللام من من رسول فعاد إلي وقال لي أما علمتك النحو أن لا تلحن قل يا رسول الله بفتح اللام قال فاشتغلت بالنحو ففتح علي فيه دخل دمشق في أوائل سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بسبب قضاء حوائج للناس عند نائب الشام

(8/355)


356 وكاتب الولايات وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة منتصف رجب وشكره الناس على خطبته وزار الشيخ محي الدين بن عربي وأقام الذكر عنده وكان صالحا قانتا عابدا خاشعا وتوفي ببيت المقدس في جمادى الأولى وفيها شاه علي جلبي ابن المرحوم قاسم بك قال في العقد المنظوم كان أبوه من الغلمان الذين يخدمون في دار السعادة العامرة في عهد السلطان محمد خان ولما خرج منها صار متوليا لبعض العماير ونشأ ابنه صاحب الترجمة في حجر أبيه وسار نحو تحصيل العلوم الظاهرة وأسباب الفوز في الآخرة فقرأ على عبد الرحمن بن علي بن المؤيد حتى حصل طرفا صالحا ثم تفرغ للعبادة وصحب رجال الطريقة منهم الشيخ محمود النقشبندي والشيخ جمال الدين الخلوتي ثم وزع أوقاته بين العلم والعبادة والإفادة وكان عالما عاملا مثابرا على الطاعة إلى أن توفي عن خمس وستين سنة انتهى وفيها مصلح الدين بن شعبان المعروف بسروزي الحنفي الإمام العلامة ولد بقصبة كليبولي وكان أبوه تاجرا صاحب يسار فبذل له مالا عظيما لطلب العلم ودار به على الاعلام فأخذ عن المولى القادري وطاش كبرى زادة وغيرهما وبرع وأحرز فضائل جمة وقال الشعر اللطيف فلقب بسروري وكان فارسا في لغة فارس وله مؤلفات عربية ورومية وفارسية وتنقل في المدارس وأكب على الاشتغال والتصنيف وكان بهي المنظر حلو المخبر تلوح عليه آثار الفوز والفلاح جوادا سمحا ومن مصنفاته الحواشي الكبرى على تفسير البيضاوي وأولها الحمد لله الذي جعلني كشاف القرآن وصيرني قاضيا بين الحق والبطلان والحواشي الصغرى عليه أيضا وشرح قريبا من نصف البخاري وحاشية على التلويح وحاشية على أوائل الهداية وشروح لبعض المتون المختصرة وغير ذلك وتوفي بمرض الهيضة عن اثنتين وسبعين سنة ودفن عند مسجده بقصبة قاسم باشا

(8/356)


357 وفيها أبو محمد معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد اليمني الشيخ الكبير القدوة الشهير العارف بالله تعالى قال في النور ولد بشبام في ليلة الجمعة حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة وكان كبير الشأن ذا كرامات ظاهرة وآيات باهرة أفرد مناقبه بعض الفضلاء بالتصنيف وكان ذا جاه عظيم وقبول عند الخاص والعام وكان سبب خروجه من بلده إلى دوعان أنه وشى به إلى السلطان بدر الكثيري بأشياء منها فرط اعتقاد الناس فيه وامتثالهم أوامره ونواهيه فأمر بنفيه من البلاد بعد الاشهار بإهانته فنودي عليه هذا معبودكم يا أهل شبام وجعل في عنقه حبلا وطيف به ومن غريب الاتفاق أن السلطان أمر بعض أمرائه أن يتولى فعل ذلك وكان ذلك الأمير من معتقدي الشيخ المذكور فتوقف لذلك فأرسل إليه الشيخ أن افعل ما أمرت به وأنا ضمينك على الله بالجنة فرضى الله عنه وتوفي ليلة السبت خامس عشر صفر بدوعان انتهى سنة سبعين وتسعمائة فيها كمال قال في النور كان في ثاني يوم من شوال السيل العظيم الهائل بحضرموت الذي لم يسمع بمثله أخرب كثيرا من تلك الجهة وأتلف كثيرا من النخيل وهم يذكرونه ويؤرخون به وهو المسمى عندهم سيل الاكليل وقد ضمن تاريخه صاحبنا الفاضل الفقيه عبد الله بن أحمد بن فلاح الحضرمي فقال ( سيل بوادي حضرموت أذاه عم * في نوء اكليل النجوم لقد نسم ) ( وضعوا له تاريخ ناسب جوره * يلقاه من يطلبه في أحرف ظلم ) وفيها توفي المولى أحمد أفندي بن المفتي أبي السعود قال في ذيل الشقائق كان من الأفاضل الأماثل ظهرت عليه النجابة من صغره ودأب في الطلب فاشتغل على أبيه حتى صار معيد درسه واشتغل أيضا على طاش كبرى زادة وبرع في عدة فنون وتنقل في المدارس إلى أن صار مدرسا بإحدى الثمان ثم

(8/357)


358 صحب بعض الأراذل فرغبه في أكل بعض المعاجين فلما أدام أكله تغير مزاجه وآل به الأمر إلى أن توفي في جمادى الأولى وما بلغ ثلاثين سنة وفيها خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع الحمصي الحلبي المولد والمنشأ الشافعي المشهور بابن النقيب الإمام العالم توفي في هذه السنة أو التي قبلها كما قاله في الكواكب وفيها الشيخ زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي الإمام العلامة قال ولده الشيخ أحمد هو الإمام العالم العلامة البحر الفهامة وحيد دهره وفريد عصره كان عمدة العلماء العاملين وقدوة الفضلاء الماهرين وختام المحققين والمفتين أخذ عن العلامة قاسم بن قطلوبغا والبرهان الكركي والأمين بن عبد العال وغيرهم وألف رسائل وحوادث ووقائع في فقه الحنفية من ابتداء أمره يحتاج إليها في زماننا وشرح الكنز وسماه بالبحر الرائق شرح كنز الدقائق وصل إلى آخر كتاب الاجارة وكتاب الاشباه والنظائر وكتاب شرح المنار في الأصول وكتاب لب الأصول مختصر تحرير الأصول لابن الهمام وكتاب الفوائد الزينية في فقه الحنفية وصل فيها إلى ألف قاعدة وأكثر وتعليق على الهداية وحاشية على جامع الفصولين وغير ذلك وتوفي صبيحة يوم الأربعاء من رجب انتهى ملخصا أي وتأخرت وفاة أخيه الشيخ عمر إلى بعد الألف وفيها شمس الدين أبو عبد الله عبد البر بن قاضي القضاة الحنابلة بدمشق زين الدين عمر بن مفلح الحنبلي ميلاده يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة كذا في العنوان وتوفي ثالث عشرى جمادى الأولى كذا بخط ابن صاحب العنوان سنة إحدى وسبعين وتسعمائة فيها كان سيل عظيم بمكة المشرفة بل سيول فدخل السيل الحرم الشريف وعلا على الركن اليماني ذراعا فقال مؤرخا لذلك الأديب صلاح الدين القرشي

(8/358)


359 ( يا سائلي تاريخ سيل طمى * علا على الركن اليماني ذراع ) وفيها توفي تقريبا إن لم يكن تحديدا برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التسيلي بفتح المثناة الفوقية وبالمهملة وبعد المثناة التحتية لام الصالحي الشافعي الإمام العالم المحدث المسند العارف بالله تعالى أخذ عن الإمام محمد بن علي الحنفي الصالحي الإمام وسمع منهم ومن غيرهم من الأعلام ما لا يحصى ودأب وحصل وشاع ذكره وبعد صيته بعلو الاسناد وأخذ عنه الأعيان منهم شيخ شيوخنا الشيخ إبراهيم بن الأحدب وأثنى عليه بالعلم ووصفه بالتصوف والولاية وبالجملة فقد كان آية من آيات الله تعالى علما وعملا زهدا وورعا سند رحمه الله تعالى وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن أحمد بن حمزة الرملي الأنصاري الشافعي الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام تلميذ القاضي زكريا أخذ الفقه عنه وعن طبقته وكان من رفقاء البدر الغزي وأخذ عنه النور الزيادي والنور الحلبي وأضرابهما وأقرأ وأفتى وخرج وصنف ومن مصنفاته شرح الزبد لابن أرسلان وشرح منظومة البيضاوي في النكاح ورسالة في شروط الإمامة وشرح شروط الوضوء وغير ذلك قاله ولده وقال توفي في بضع وسبعين وتسعمائة وفيها حسين بن علي الحصكفي الشافعي الإمام العالم قال في الكواكب مولده سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة ونظم تصريف العزي وهو ابن أربع عشرة سنة وقرظ له عليه شيخ الإسلام الوالد انتهى وفيها المولى عبد الباقي بن المولى علاء الدين العربي الحلبي الحنفي اشتغل بطلب العلوم حتى وصل إلى مجلس المفتي علاء الدين الجمالي وصار ملازما منه ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي قضاء حلب ثم قضاء مكة ثم قضاء بروسة ثم قضاء القاهرة ثم قضاء مكة ثانيا وكان من أعلام العلماء صاحب يد في العلوم وربى أكابر من أعيان الروم وكان كثير العناية بالدرس وجمع الأماثل صاحب اشتهار

(8/359)


360 كثير حتى قيل لم يبلغ أحد مبلغه في الاشتهار والظهور وكان يلقى مدة اقامته سبعة دروس أو ثمانية لكنه كان في غاية الحرص على حب الرياسة والجاه وقد بذل في تحصيل قضاء العسكر أموالا عظيمة منها أنه كان بنى زمن قضائه ببرسا حماما عاليا على ماء جار من غرائب الدنيا يحصل منه مال عظيم في كل سنة فوهبه للوزير رستم باشا فلم يثمل له بثمرة وتوفي بحلب في الطاعون ولم يعقب قاله في ذي الشقائق وفيها المولى عبد الرحمن بن جمال الدين الحنفي الشهير بشيخ زادة الإمام العلامة قال في العقد المنظوم ولد بقصبة من زيقون وطلب العلم وخدم العلماء كالمولى حافظ العجمي والمولى محمد القراماني وحصل طرفا من العلم ثم اتصل بخدمة عرب جلبي فأخذ عنه وأقام على قدم الاقدام واهتم في تحصيل المعارف فمهر في العلوم العربية والفنون الأدبية وتميز في الحديث والتفسير والوعظ ثم ولي مدرسة دار الحديث بقصبة أبي أيوب الأنصاري وخطابة جامع قاسم باشا وكان حسن النغم طيب الألحان ومن جملة من يتغنى بالقرآن ثم عين له وظائف الوعظ والتذكير في عدة جوامه وتميز على أقرانه وكان من جلة العلماء وأكابر الفضلاء ويكفيه من الفخر ما كتب له به أبو السعود أفندي المفتي في صورة اجازته وهو هذا اللهم رب الأرباب مالك الرقاب منزل الكتاب محق الحق وملهم الصواب صل وسلم على أفضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب وعلى آله الأوتاد وصحبه الأقطاب وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وبعد فلما توسمت في رافع هاتيك الأرقام زين العلماء الأعلام الألمعي الفطن اللبيب واللوذعي اللقن الأريب ذي الطبع الوقاد والذهن القوي النقاد العاطف لأعنة عزئامه إلى ابتغاء مرضاة الله تعالى من غير عاطف يثنيه والصارف لازمة مراده نحو تحصيل زلفاه بلا صارف يلويه الساعي في تكميل النفس بالكمالات العلية بحسب قوتيه النظرية والعملية سليل المشايخ الأخيار نجل العلماء

(8/360)


361 الأبرار مولانا الشيخ عبد الرحمن بن قدوة العارفين الشيخ جمال الدين وفقه الله تعالى لما يحبه ويرضاه وأتاح له في أولاه وأخراه ما هو أولاه وأحراه دلائل نبل ظاهر في الفنون ومخائل فضل باهر في معرفة الكتاب المكنون أجزت له في مطالعة الكتب الفاخرة واحتياض المعالم الزاخرة التي ألفها أساطين أئمة التفسير من كل وجيز وبسيط وصنفها سلاطين أسرة التقرير من كل شامل ومحيط واستخراج ما في بطونها من الفوائد البارعة واستنباط ما في تضاعيفها من الفوائد الرائعة وسوغت له إفادتها للمقتبسين من أنوارها تفسيرا وتقريرا ولفاضتها على المغتنمين من مغانم آثارها عظة وتذكيرا على ما نظمه بنان البيان في سمط السطور ورقمه يراعة البراعة في طي رقها المنشور حيثما أجاز لي شيخي ووالدي المرحوم بحر المعارف ولجة العلوم صاحب النفس المطمئنة القدسية محرز الملكات الأنسية المنسلخ من النغوت الناسوتية الفاني في أحكام الشؤن اللاهوتية العارف لاطوار خطرات النفس الواقف على أسرار الحضرات الخمس مالك زمام الهداية والارشاد حجة الخلق على كافة العباد محي الحقيقة والشريعة والدين محمد بن مصطفى العمادي المجاز له من قبل مشايخه الكبار لا سيما أستاذه الجليل المقدار الجميل الآثار الحبر السامي والبحر الطامي الصنديد الفريد والنحرير المجيد عم والدي علاء الملة والدين المولى الشهير بعلي القوشجي صاحب الشرح الجديد للتجريد وأستاذي العلامة العظيم الشان والفهامة الجلي العنوان الإمام الهمام السميذع القمقام نسيج وحده ووحيد عهده عبقري لا يوجد له مثال أو حدي تضرب بمآثره الأمثال المولى البارع الأمجد أبو المعالي عبد الرحمن بن علي بن المؤيد المجاز له من قبل أستاذه المشهور جلالة قدره فيما بين الجمهور المعروف فضائله لدى القاصي والداني جلالة الملة والدين محمد بن أسعد الدواني المجاز له من قبل أساتذته العظام الذين من زمرتهم والده العلي القدر سعد الملة والدين أسعد

(8/361)


362 الصديقي المجاز له من قبل مشايخه الفهام لا سيما أستاذه علامة العالم مسلم الفضل بين جماهير الأمم الغني عن التعريف على الاطلاق المشتهر بلقبه الشريف في أكناف الآفاق زين الملة والدين علي المحقق الجرجاني وأستاذي الماجد الخطير النقاب المحدث النحرير ذو القدر الأتم والفخر الأشم أبو الفضائل سيدي محمد بن محمد المجاز له من قبل أستاذه الفاضل وشيخه الكامل ذو النسب السامي والفضل العصامي المولى الشهير بحسن جلبي محشي شرح المواقف والتلويح والمطول المجاز له من جهة شيخه الأجل وأستاذه الشامخ المحل وحيد عصره وأوانه وفريد دهره وزمانه علاء المجد والدين المشهور بالمولى علي الطوسي صاحب كتاب الذخر وغيره والله سبحانه أسأل مكبا على وجه الذل والمهانة ساجدا على جبهة الضراعة والاستكانة أن يفيض عليهم سجال عفوه وغفرانه وشآبيب رحمته ورضوانه ويهدينا سبل الهدى ومناهج الرشاد ويقينا مصارع السوء يوم التناد أنه رؤف بالعباد كتبه العبد الفقير إلى الله سبحانه الراجي من جنابه عفوه وغفرانه أبو السعود الفقير عفى عنه وتوفي شيخ زادة في هذه السنة انتهى وفيها بدر الدين حسين بن السيد كمال الدين محمد بن السيد عز الدين حمزة بن السيد شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد السيد الشريف الحسيني الشافعي الدمشقي ولد سنة ست وعشرين وتسعمائة وأخذ عن والده وغيره وكان مدرسا في الشامية الجوانية والجامع الأموي وفيه انحصر نسب هذا البيت من الذكور وكانت وفاته بعد صلاة الجمعة سابع عشرى ذي القعدة ودفن بتربة والده بالقرب من سيدي بلال الحبشي وفيها السيد وجيه الدين عبد الرحمن بن حسين بن الصديق الأهدل اليمني الشافعي قال في النور ولد سنة إحدى وتسعين وثمانمائة بمدينة زبيد ونشأ بها وقرأ القرآن وصحب جماعة من المشايخ ونصبه الشيخ المعروف بابن إسمعيل الجبرتي شيخا وهو ابن ثلاث عشرة سنة

(8/362)


363 وظهرت عليه آثار بكرة المشايخ الصالحين وفتح عليه فتوح العارفين حتى لحق من قبله وساد أهله وتضاءلت المشايخ الأكابر وشهدت له بالتقدم على الأوائل والأواخر فأصبح فريد دهره ووحيد عصره منقطع النظير متصلا بجده بالأثير كثرت أتباعه وأصحابه من المشايخ والعلماء والقضاة والأمراء والوزراء والأغنياء والفقراء وكان كثير الإنفاق ميسرة عليه الأرزاق ما قصده سائل فخاب ولا أمه وافد إلا ورجع بزلفى وحسن مآب وهو مع ذلك على قدم التوكل والفتح الرباني وكان مشاركا في كثير من العلوم وجمع كتبا كثيرة في فينون شتى وكان إذا خرج من بيته تزدحم عليه الناس تلتمس بركته ومن كراماته أنه جاءه مريض قد عظم من الاستسقاء فقرب إليه طعاما وأمره أن يأكله جميعه ففعل ما أمره فزال عنه ذلك المرض في الحال وكراماته لا تنحصر وتوفي بزبيد في جمادى الأولى وقبره بها مشهور مزور عليه قبة حسنة انتهى وفيها علاء الدين علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن محمد الدمشقي الشافعي الشهير بابن عماد الدين وبابن الوس بكسر الواو وتشديد السين المهملة الإمام العلامة كان أبوه سمسارا في القماش بسوق جقمق وولد صاحب الترجمة ليلة السبت خامس عشرى رجب سنة سبع عشرة وتسعمائة ولاوزم في الفقه الشيخ تقي الدين القاري وغيره وأخذ الحديث عن جماعات منهم الشهاب الحمصي ثم الدمشقي والبرهان البقاعي وأخذ العربية عن الشمس ابن طولون والكمال بن شقير والأصول عن المولى أميرجان التبريزي حين قدم دمشق والكلام والحكمة عن منلا حبيب الله الأصفهاني والعربية أيضا والتفسير عن الشيخ مغوش المغربي وأخذ عن خلائق وحج وقرأ على قاضي مكة ابن أبي كثير وولي نيابة القضاء بمحكمة الميدان ثم نيابة الباب مدة طويلة وأقامه بعض قضاة القضاة مقامه وسافر إلى الروم فعجب علماء الروم

(8/363)


364 من فطانته وفضيلته مع قصر قامته وصغر جثته وسموه جك علاء الدين وكانوا يضربون المثل به وأعطى ثم تدريس دار الحديث الأشرفية بثلاثين عثمانيا قال ابن طولون وهو درس متجدد لم يكن بالدار المذكورة سوى مشيخة الحديث ثم أعرض عن نيابة القضاء وأقبل على التدريس وغلبت عليه المعقولات وعمل حواشي على شرح الألفية لابن المصنف وكان يقرىء ويدرس ويفتي وكان يحفظ القرآن العظيم ويكثر تلاوته وانتفع به كثيرون منهم الشيخ إسماعيل النابلسي والشيخ عماد الدين والشمس بن المنقار والمنلا أسد وغيرهم ومن شعره ( لولا ثلاث هن لي بغية * ما كنت أرضى أنني أذكر ) ( عز رفيع وتقي زائد * والعلم عنى في الملا ينشر ) ومنه ( قل لأبي الفتح إذا جئته * قول عجول غير مستأن ) ( أدرك بني البرش على برشهم * قد منعوا من قهوة البن ) وتوفي بدمشق بعد ظهر يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر وحضر جنازته قنالي زادة وفيها غرس الدين جلبي بن إبراهيم بن أحمد الحنفي الإمام العلامة نشأ بمدينة حلب وطلب العلم وجد واجتهد فبلغ ما قصد وقرأ بحلب على الشيخ حسن السيوفي ثم ارتحل ماشيا إلى دمشق وأخذ فيها الطب عن ابن المكي وانتقل إلى القاهرة ماشيا أيضا فاشتغل بها على ابن عبد الغفار أخذ عنه الحكميات والرياضات والعلوم العقلية وأخذ علوم الدين عن القاضي زكريا وفاق أقرانه وسار بذكره الركبان ورفع منزلته الملك الغوري ولما وقع بينه وبين سلطان الروم حضر الوقعة مع الجراكسة إلى أن استولى السلطان سليم على الديار المصرية وتم الأمر جيء بابن الغوري وصاحب الترجمة أسيرين فعفا عنهما وصحبهما إلى قسطنطينية فاستوطنها المترجم وشرع في إشاعة معارفه حتى اشتغل عليه كثير من ساداتها وكان رأسا في جميع العلوم خصوصا

(8/364)


365 الرياضيات صاحب فنون غريبة وكان مشهورا بالبخل في التعليم ولم يقبل مدة عمره وظيفة وكان يلبس لباسا خشنا وعمامة صغيرة ويقنع بالنزر من القوت ويكتسب بالتطبب ومن مصنفاته التذكرة في علم الحساب ومتن وشرح في الفرائض وحاشية على فلكيات شرح المواقف وحاشية على الجامي إلى آخر المرفوعات وحاشية على شرح النفيسي للموجز في الطب وشرح جزءين من تفسير القاضي البيضاوي وكتاب في علم الزايرجة وشرح القصيدة الميمية للمفتي أبي السعود وأتى به إليه فعانقه وأكرمه غاية الإكرام ولما نظر إلى ما كتبه استحسنه وأعطاه جائزة سنية وفيها المولى محمد بن المفتي أبي السعود وربى في حجر والده وأخذ عنه العلوم حتى برع فيها واستدل بطيب الأصل على طيب الثمر ثم أخذ عن المولى محي الدين الفناري ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء دمشق فحسنت سيرته ثم قضاء حلب ثم بعد مضي سنة انتقل إلى رحمه الله تعالى في حياة أبيه وما ناف عمره على أربعين سنة وفيها رضى الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن المعروف بابن الحنبلي الحنفي الحلبي الإمام العلامة المؤرخ أخذ عن الخناجري والبرهان الحلبي وعن أبيه وآخرين وقد استوفى مشايخه في تاريخ وحج سنة أربع وخمسين وتسعمائة ودخل دمشق وانتفع به جماعة من الأفاضل بدمشق كشيخ الإسلام محمود البيلوني والشمس بن المنقار وأخذ عنه جماعات منهم العلامة أحمد بن المنلا والقاضي محب الدين وكان إماما بارعا مفننا مسندا مصنفا وله مؤلفات في عدة فنون منها حاشية على شرح تصريف العزى للتفتازاني وشرح على النزهة في الحساب والكنز المظهر في حل المضمر ومخايل الملاحة في مسائل المساحة وسرح المقلتين في مساحة القلتتين وكنز من حاجي وعمى في الأحاجي والمعمي ودر الحبب في تاريخ حلب ونظم الشعر فمنه قوله مضمنا ( بالله أن نشوات شمطاء الهوى * نشأت فكن للناس أعظم ناس )

(8/365)


366 ( متغزلا في هالك بجماله * بل فاتك بقوامه المياس ) ( واشرب مدامة حب حب وجهه * كاس ودع نشوات خمر الطاس ) ( وإذا شربت من المدام وشربها * فاجعل حديثك كله في الكاس ) وله ( يا من لمضطرم الأوام * حديثه المروي رى ) ( أروى شمائلك العظام * لرفقة حضروا لدى ) ( على أنال شفاعة * تسدى لدى العقبى إلى ) ( وإذا شفعت لذنبه * ولأنت لم تنعت بلى ) ( حاشا شمائلك اللطيفة * أن ترى عونا على ) وتوفي يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى ودفن بمقابر الصالحين بالقرب من قبر الشيخ الزاهد محمد الخاتوني بين قبريهما نحو عشرة أذرع وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي الأصل المقدسي الشافعي الإمام العلامة عالم بلاد القدس الشريف وابن عالمها وأحد الخطباء بالمسجد الأقصى كان كأبيه وجده علامة فهامة جليل القدر رفيع المحل شامل البر للخاصة والعامة كثير السخاء وافر الحرمة دينا صالحا ماهرا في الفقه وغيره تفقه على والده ورحل إلى مصر فأخذ عن علمائها كالقاضي زكريا والنور المحلى ودخل دمشق بعد موت عمه الشيخ أبي الفضل لاستيفاء ميراثه فخطب بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشرى ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة وتوفي ببيت المقدس في رجب سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة فيها توفي العلامة عبد الله بن أحمد الفاكهي المكي الشافعي النحوي قال في النور أمه أم ولد حبشية وولد سنة تسع وتسعين وثمانمائة وكان من كبار

(8/366)


367 العلماء مشاركا في جميع العلوم وله مصنفات مفيدة منها شرح الأجرومية وشرح على متمميها للحطاب أجاد فيهما كل الإجادة وشرح على قطر ابن هشام في غاية الحسن وصنفه عام ستة عشر وتسعمائة وعمره حينئذ ثمان عشرة ولما سار إلى مصر وجد جماعة يقرؤونه وقد أشكل عليهم محل منه فأجاب علن الاشكال فلم يثقوا بالجواب لعدم علمهم بأنه مصنفه حتى أخبرهم أنه هو الشارح واستشهد على ذلك من كان هناك من المكيين وشرح الملحة واستنبط حدودا للنحو في نحو كراسة ثم شرحها أيضا في كراريس ولم يسبق إلى مثل ذلك وبالجملة فإنه لم يكن له نظير في زمانه في علم النحو فإنه كان فيه آية من آيات الله تعالى انتهى ملخصا وفيها عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد مخرمة اليمني الشافعي أخذ عن والده وعمه العلامة الطيب والقاضي عبد الله باسرومي وكان يقول أني استفدت من هذا الولد أكثر مما استفاد مني وجد واجتهد حتى برع وانتصب للتدريس والفتوى وصار عمدة يرجع إلى فتواه وانتهت إليه رياسة العلم والفتوى في جميع جهات اليمن وقصد بالفتاوى من الجهات النازحة والأقاليم البعيدة وأخذ عنه الأعلام منهم محمد بن عبد الرحيم باجابر وأبحاثه في كتبه وأجوبته تدل على قوة فطنته وغزارة مادته وكانت تغلب عليه الحرارة حتى على طلبته وكان فيه على ما قيل بأومفرط والكمال لله وكان ناثرا ناظما فصيحا مفوها ومن تصانيفه كتاب ينكت فيه على شرح المنهاج للهيتمي في مجلدين وفتاوى في مجلد ضخم والمصباح لشرح العدة والسلاح وشرح الرحبية وذيل على طبقات الشافعية للأسنوي ورسالتان في الفلك والميقات ورسالة في الربع المجيب وغير ذلك ومن شعره ( قلت سلام الله من مغرم * ما ان سلا عنكم فقالوا سلا )

(8/367)


368 ( فقلت هل ترضون لي وقفة * قالوا فما تطلب قلت الكلا ) ومنه ( الواو من صدغه في العطف يطعمني * والسيف من لحظه يومي إلى العطب ) ( فحين ما حرت قام الهجر ينشدني * السيف أصدق أنباء من الكتب ) ومنه ( قالت أراك من الذكاء في غاية * جلت عن الاسهاب والاطناب ) ( فعلام تبدي في الأمور تغابيا * فأجبت سيد قومه المتغابي ) وتوفي بعدن ليلة الإثنين لعشر مضت من رجب عن خمس وستين سنة وفيها السيد الشريف عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان العباسي البيروتي ثم الدمشقي الصوفي قال في الكواكب جاور بمكة نحو عشرين سنة وكان يعتمر كل يوم مرة أو مرتين مع كبر سنه وربما اعتمر في اليوم والليلة خمس مرات قيل كان يطوف في اليوم والليلة مائة أسبوع من الصوم والعبادة إلى أن توفي بمكة ودفن بالمعلاة وفيها شمس الدين محمد الطبلني بضم الطاء المهملة والباء الموحدة وإسكان اللام ثم نون نسبة إلى طبلنة قرية من قرى تونس المغربي المالكي الإمام العلامة تلميذ الشيخ مغوش برع في العربية والمنطق وشرح مقامات الحريري وحشى توضيح ابن هشام وتوفي بطرابلس خامس عشر صفر وفيها المولى مصلح الدين بن المولى محي الدين المشتهر بابن المعمار الحنفي الإمام العلامة قال في ذيل الشقائق توفي أبوه قاضيا بحلب فوجه هو همته إلى العلوم وقرأ على المولى محي الدين الشهير بالمعلول والشيخ محمد جوى زادة ثم صار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء برسا ثم قضاء أدرنة ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء المدينة المنورة وكان عالما عاملا قليل الكبر كثير الانشراح محبا للمفاكهة والمزاح وقد علق حواشي على حاشية حسن جلبي على

(8/368)


369 التلويح على الدرر والغرر ولم تتم ولما انفصل عن المدينة المنورة وعاد فلما بلغ مصر أدركته منيته في شوال انتهى سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة فيها توفي تاج الدين إبراهيم بن عبد الله الحميدي الحنفي قال في العقد المنظوم اشتغل بالعلوم وأفنى عنفوان شبابه في ذلك وتلقى من الأفاضل كالمولى صار لوكوز وصار منه ملازما ثم تنقل في المدارس وكتب حاشية على صدر الشريعة رد فيها على المولى ابن كمال باشا في مواضع كثيرة ثم كتب رسالة وجمع فيها من مواضع رده عليه ستة عشر موضعا وقال في أول ديباجتها اعلموا معاشر طلاب اليقين سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين أن المختصر الذي سوده الحبر الفاضل والبحر الكامل الشهير بابن كمال باشا رحمه الله وسماه بالاصلاح والإيضاح مع خروجه عن سنن الفلاح والصلاح باشتماله على تصرفات فاسدة واعتراضات غير واردة من السهو والزلل والخبط والخلل لاتيانه بما لا ينبغي وتحرزه عما ينبغي مشتمل على كثير من المسائل المخالفة للشرع بحيث لا يخفى بعد التنبيه للأصل والفرع ولا ينبغي الانقياد لحقيقتها للمبتدي ولا العمل بها للمنتهي لوجود خلافها صريحا في الكتب المعتبرات من المطولات والمختصرات ثم كتب منها نسختين دفع إحداهما إلى الوزير محمد باشا الصوفي وكان ينتسب إليه والثانية إلى الوزير الكبير رستم باشا فلما أخذها طلب قراءتها فلما وصل إلى تشنيعه على المولى المزبور تغير غاية التغير بسبب أنه كان قرأ على المولى المزبور وكان ذلك سببا لخموله ثم تنبه له الدهر فولي المدارس إلى أن صار مفتيا بأماسية وكان بحر المعارف ولجة العلوم بارعا في العلوم العقلية والنقلية خصوصا الفقه قانعا باليسير سخيا وأخذ عنه الأجلاء وكثر الازدحام عليه وكتب حاشية على بعض المواضع من شرح المفتاح للسيد يرد فيها على المولى ابن كمال باشا في المواضع التي يدعي التفرد فيها وله

(8/369)


370 عدة رسائل على مواضع من شرح التجريد للشريف وله شرح على متن المراح وتوفي في أول الربيعين انتهى وفيها أحمد بن علوي بن محمد بن علي بن جحدب بن محمد بن عبد الله بن علوي بن باعلوي اليمني الزاهد قال في النور كان يعد في حكم رجال الرسالة لشدة ورعه وتقشفه واستقامته وحسن طريقته وله في الزهد والتقلل من الدنيا حكايات لعلها لا توجد في تراجم كبار الأولياء ولم يتقدموه إلا بالسبق في الزمان ومن كراماته أنه لما حج رؤي يشرب من ماء البحر فقيل له في ذلك فقال أليس كل أحد يشربه فأخذ بعضهم ما بقي في الإناء فشربه فإذا هو حلو وكف بصره في آخر عمره وحصل عليه قبل انتقاله بأربعة أيام جذبة من جذبات الحق دهش بها عقله وتحير لبه وانغمر بها سره وأخذ عن نفسه فكان يقوم إلى الصلاة بطريق العادة وهو مأخوذ عن حسه وربما صلى إلى غير القبلة وتوفي ببلدة تريم يوم الثلاثاء ثامن عشر شهر رمضان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر نسبة على ما قيل إلى جد من أجداده كان ملازما للصمت فشبه بالحجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي الإمام العلامة البحر الزاخر ولد في رجب سنة تسع وتسعمائة في محلة أبي الهيتم من اقليم الغربية بمصر المنسوب إليها ومات أبوه وهو صغير فكفله الإمامان الكاملان شمس الدين بن أبي الحمايل وشمس الدين الشناوي ثم أن الشمس الشناوي نقله من محلة أبي الهيتم إلى مقام سيدي أحمد البدوي فقرأ هناك في مبادىء العلوم ثم نقله في سنة أربع وعشرين إلى جامع الأزهر فأخذ عن علماء مصر وكان قد حفظ القرآن العظيم في صغره وممن أخذ عنه شيخ الإسلام القاضي زكريا والشيخ عبد الحق السنباطي والشمس المشهدي والشمس السمهودي والأمين الغمري والشهاب الرمي والطبلاوي وأبو الحسن البكري والشمس

(8/370)


371 اللقاني الضيروطي والشهاب بن النجار الحنبلي والشهاب بن الصائغ في آخرين وأذن له بالافتاء والتدريس وعمره دون العشرين وبرع في علوم كثيرة من التفسير والحديث والكلام والفقه أصولا وفروعا والفرائض والحساب والنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والتصوف ومن محفوظاته المنهاج الفرعي ومقروآته لا يمكن حصرها وأما إجازات المشايخ له فكيرة جدا استوعبها في معجم مشايخه وقدم إلى مكة في آخر سنة ثلاث وثلاثين فحج وجاور بها ثم عاد إلى مصر ثم حج بعياله في آخر سنة سبع وثلاثين ثم حج سنة أربعين وجاور من ذلك الوقت بمكة وأقام بها يدرس ويفتي ويؤلف ومن مؤلفاته شرح المشكاة وشرح المنهاج وشرحان على الارشاد وشرح الهمزية البوصيرية وشرح الأربعين النواوية والصواعق المحرقة وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع والزواجر عن اقتراف الكبائر ونصيحة الملوك وشرح ألفية عبد الله بافضل الحاج المسمى المنهج القويم في مسائل التعليم والأحكام في قواطع الإسلام وشرح العباب المسمى بالايعاب وتحذير الثقات عن أكل الكفتة والقات وشرح قطعة صالحة من ألفية ابن مالك وشرح مختصر أبي الحسن البكري في الفقه وشرح مختصر الروض ومناقب أبي حنيفة وغير ذلك وأخذ عنه من لا يحصى كثرة وازدحم الناس على الأخذ عنه وافتخروا بالانتساب إليه وممن أخذ عنه مشافهة شيخ مشايخنا البرهان بن الأحدب وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الاعلام بحرا لا تكدره الدلا إمام الحرمين كما أجمع عليه الملا كوكبا سيارا في منهاج سماء الساري يهتدي به المهتدون تحقيقا لقوله تعالى ( ^ وبالنجم هم يهتدون ) واحد العصر وثاني القطر وثالث الشمس والبدر أقسمت المشكلات ألا تتضح إلا لديه وأكدت المعضلات أليتها أن لا تنجلي إلا عليه لا سيما في الحجاز عليها قد حجر ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر وتوفي رحمه الله تعالى بمكة في رجب ودفن بالمعلاة

(8/371)


372 في تربة الطبريين وفيها المولى صالح بن جلال الحنفي قال في العقد المنظوم كان أبوه من كبار قضاة القصبات ونشأ هو مشغولا بالعلم وأربابه واهتم بالتحصيل وقرأ على الأجلاء وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس والمناصب إلى أن ولي قضاء حلب ثم قضاء دمشق ثم قضاء مصر ثم كف فتقاعد بمدرسة أبي أيوب الأنصاري بمائة درهم وكان مشاركا في أكثر العلوم له منها حظ وافر زكي النفس كثير السخاء محسنا متفضلا كتب حواشي على شرح المواقف وعلى شرح الوقاية لصدر الشريعة وعلى شرح المفتاح للشريف الجرجاني وجمع لطائف علماء الروم ونوادرهم وله ديوان شعر وديوان انشاء كلاهما بالتركي انتهى وفيها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته هو شيخنا الإمام العامل العابد الزاهد الفقيه المحدث الأصولي الصوفي المربي المسلك من ذرية محمد بن الحنفية ولد ببلده ونشأ بها ومات أبوه وهو طفل ومع ذلك ظهرت فيه علامة النجابة ومخايل الرياسة والولاية فحفظ القرآن وأبا شجاع والأجرومية وهو ابن نحو سبع أو ثمان ثم انتقل إلى مصر سنة إحدى عشرة وتسعمائة وهو مراهق فقطن بجامع الغمري وجد واجتهد فحفظ عدة متون منها المنهاج والألفية والتوضيح والتلخيص والشاطبية وقواعد ابن هشام بل حفظ الروض إلى القضاء وذلك من كراماته وعرض ما حفظ على علماء عصره ثم شرع في القراءة فأخذ عن الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري قرأ عليه ما لا يحصى كثرة منها الكتب الستة وقرأ على الشمس الدواخلي والنور المحلى والنور الجارحي ومنلا على العجمي وعلي القسطلاني والأشموني والقاضي زكريا والشهاب الرملي ما لا يحصى أيضا وحبب إليه الحديث فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله ومع ذلك لم يكن عنده جمود المحدثين ولا لدونة النقلة

(8/372)


373 بل هو فقيه النظر صوفي الخبر له دربة بأقوال السلف ومذاهب الحلف وكان ينهى عن الحط على الفلاسفة وتنقيصهم وينفر ممن يذمهم ويقول هؤلاء عقلاء ثم أقبل على الاشتغال بالطريق فجاهد نفسه مدة وقطع العلائق الدنيوية ومكث سنين لا يضطجع على الأرض ليلا ولا نهارا بل اتخذ له حبلا بسقف خلوته يجعله في عنقه ليلا حتى لا يسقط وكان يطوي الأيام المتوالية ويديم الصوم ويفطر على أوقية من الخبز ويجمع الخروق من الكيمان فيجعلها مرقعة يستتر بها وكانت عمامته من شراميط الكيمان وقصاصة الجلود واستمر كذلك حتى قويت روحانيته فصار يطير من صحن الجامع الغمري إلى سطحه وكان يفتتح مجلس الذكر عقب العشاء فلا يختمه إلا عند الفجر ثم أخذ عن مشايخ الطريق فصحب الخواص والمرصفي والشناوي فتسلك بهم ثم تصدى للتصنيف فألف كتبا منها مختصر الفتوحات وسنن البيهقي الكبرى ومختصر تذكرة القرطبي والميزان والبحر المورود في المواثيق والعهود وكشف الغمة عن جميع الأمة والمنهج المبين في أدلة المجتهدين والبدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير ومشارق الأنوار القدسية في العهود المحمدية ولواقح الأنوار واليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر والجوهر المصون في علوم الكتاب المكنون وطبقات ثلاث ومفحم الأكباد في مواد الاجتهاد ولوائح الخذلان على من لم يعمل بالقرآن وحد الحسام على من أوجب العمل بالالهام والبراق الخاطف لبصر من عمل بالهواتف ورسالة الأنوار في آداب العبودية وكشف الران عن أسئلة الجان وفرائد القلائد في علم العقائد والجواهر والدرر والكبريت الأحمر في علوم الكشف الأكبر والاقتباس في القياس وفتاوى الخواص والعهود ثلاثة وغير ذلك وحسده طوائف فدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع وعقائد زائغة ومسائل تخالف الاجماع وأقاموا عليه القيامة وشنعوا وسبوا ورموه بكل

(8/373)


374 عظيمة فخذلهم الله وأظهره عليهم وكان مواظبا على السنة مبالغا في الورع مؤثرا ذوي الفاقة على نفسه حتى بملبوسه متحملا للأذى موزعا أوقاته على العبادة ما بين تصنيف وتسليك وافادة واجتمع بزاويته من العميان وغيرهم نحو مائة فكان يقوم بهم نفقة وكسوة وكان عظيم الهيبة وافر الجاه والحرمة تأتي إلى بابه الأمراء وكان يسمع لزاويته دوي كدوي النخل ليلا ونهارا وكان يحيى ليلة الجمعة بالصلاة على المصطفى ولم يزل مقيما على ذلك معظما في صدور الصدور إلى أن نقله الله تعالى إلى دار كرامته ومن كلامه دوروا مع الشرع كيف كان لا مع الكشف فإنه قد يخطىء وقال ينبغي إكثار مطالعة كتب الفقه عكس ما عليه المتصوفة الذين لاحت لهم بارقة من الطريق فمنعوا مطالعته وقالوا أنه حجاب جهلا منهم وقال كل إنسان لا يعذب في النار إلا من الجزء الناري الذي هو أحد أركان بدنه وقال ذهب بعض أهل الكشف إلى أن جميع الحيوان لهم تكليف إلهي برسول منهم في ذواتهم لا يشعر به إلا من كشف عن بصره فإن لله الحجة على خلقه فلا يعذب أحدا إلا جزاءا فلا إشكال في إيلام الدواب وقال الجبر آخر ما تنتهي إليه المعاذير وذلك سبب مآل أهل الرحمة إلى الرحمة وتوفي رحمه الله في هذه السنة ودفن بجانب زاويته بين السورين وقام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن لكنه أقبل على جمع المال ثم توفي في سنة إحدى عشرة بعد الألف انتهى ملخصا وفيها المولى كمال الدين المعروف بددة خليفة الحنفي الإمام العلامة قال في ذيل الشقائق كان من أولاد الأتراك ومن أصحاب البضائع وعالج صنعة الدباغة سنين حتى أناف عمره على العشرين مقيما ببلدة أماسية على ذلك فاتفق أن صنع لمفت من علماء العصر وليمة ببلده فذهب متطفلا فلما باشروا أمر الطعام طلبوا من يجمع لهم الحطب فرأوا صاحب الترجمة

(8/374)


375 قائما بزي الدباغين فأشار المفتي إلى صاحب الترجمة وقال ليذهب هذا الجاهل فعلم حينئذ وخامة الجهل وتأثر تأثيرا عظيما من الازدراء به ثم تضرع إلى الله تعالى وطلب منه الخلاص من ربقة الجهل وباع حانوته واشترى مصحفا وذهب إلى باب المفتي وبدأ في القراءة وقام في الخدمة حتى ختم القرآن العظيم وتوجهت همته إلى طلب العلم فأكب على الاشتغال حتى صار معيدا للمولى سنان الدين المشتهر باقلق ثم تولى عدة مدارس ثم عين مفتيا ببعض الجهات ثم تقاعد وكان عالما فاضلا آية في الحفظ والاحاطة له اليد الطولى في الفقه والتفسير وكتب حاشية على شرح تصريف العزى للتفتازاني وبسط فيه الكلام وله منظومة في الفقه وعدة رسائل في فنون عديدة انتهى ملخصا وفيها المولى محي الدين الشهير بابن الإمام نشأ طالبا للعلم مكبا عليه وقرأ على جماعات منهم المولى كمال وغيره ثم تنقل في الوظائف إلى أن قلد قضاء حلب بلا رغبة منه في ذلك ولا طلب فباشره قدر سنتين ولم يتلفظ بلفظ حكمت ثم صار مفتيا بأماسية وكان من العلماء العاملين والفضلاء الكاملين يحقق كلام القدماء ويدقق النظر في مقالات الفضلاء وقد علق على أكثر الكتب المتداولة حواشي إلا أنه لم يتيسر له جمعها وتبييضها وتوفي في أول الربيعين سنة أربع وسبعين وتسعمائة فيها توفي المولى تاج الدين إبراهيم المناوي الحنفي قال في العقد المنظوم قرأ على علماء زمانه حتى اتصل بابن كمال باشا فتقيد به وصار ملازما منه وحصل وبرع ودرس بعدة من المدارس إلى أن وصل إلى إحدى الثمان وتولى مدرسة السلطان سليمان بدمشق والافتاء بها وكان عالما دينا فقيها لين الجانب صحيح العقيدة حميد الأخلاق وتوفي بدمشق انتهى وفيها أو في التي بعدها جزم بالأول في النور السافر وبالثاني في الاعلام السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان الحادي عشر من ملوك بني عثمان

(8/375)


376 قال في الاعلام كان سلطانا سعيدا ملكا أيده الله لنصر الإسلام تأييدا ولي السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان سليم خان في سنة ست وعشرين وتسعمائة وجلس على تخت السلطنة وما دمى أنف أحد ولا أريق في ذلك محجمة من دم ومولده الشريف سنة تسعمائة واستمر في السلطنة تسعا وأربعين سنة وهو سلطان غاز في سبيل الله مجاهد لنصرة دين الله مرغم أنوف عداه بلسان سيفه وسنان قناه كان مؤيدا في حروبه ومغازيه مسددا في آرائه ومعازيه مسعودا في معانيه ومغانيه مشهودا في وقائعه ومراميه أيان سلك ملك وأنى توجه فتح وفتك وأين سافر سفر وسفك وصلت سراياه إلى أقصى الشرق والغرب وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب وأخذ الكفار والملاحدة بقوة الطعان والضرب وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية في القرن العاشر مع الفضل الباهر والعلم الزاهر والأدب الغض الذي يقصر عن شأوه كل أديب وشاعر إن نظم عقود الجواهر أو نثر آثر منشور الأزاهر أو نطق قلد الأعناق نفائس الدر الفاخر له ديوان فائق بالتركي وآخر عديم النظير بالفارسي تتداولهما بلغاء الزمان وتعجز أن تنسج على منواله فضلاء الدوران وكان رؤوفا شفوقا صادقا صدوقا إذا قال صدق وإذا قيل له صدق لا يعرف الغل والخداع ويتحاشى عن سوء الطباع ولا يعرف المكر والنفاق ولا يألف مساوي الأخلاق بل هو صافي الفؤاد صادق الاعتقاد منور الباطن كامل الإيمان سليم القلب خالص الجنان ( وما تناهيت في بثي محاسنه * إلا وأكثر مما قلت ما أدع ) وأطال في ترجمته وترجمة أولاده وذكر غزواته فذكر له أربع عشرة غزوة انتصر وفتح في جميعها وذكر كثيرا من مآثره فمن ذلك الصدقة الرومية التي هي الآن مادة حياة أهل الحرمين الشريفين فإنه أضاف إليها من خزائنه الخاصة مبلغا كبيرا ومنها صدقات الجوالي وهي جمع

(8/376)


377 جالية ومعناه ما يؤخذ من أهل الذمة في مقابلة استمرارهم في بلاد الإسلام تحت الذمة وعدم جلائهم عنها وهي من أحل الأموال ولأجل حلها جعلت وظائف للعلماء والصلحاء والمتقاعدين من الكبراء ومنها إجراء العيون ومن أعظمها إجراء عين عرفات إلى مكة المشرفة ومنها بمكة المدارس الأربعة السليمانية ومنها تكيته ومدرسته العظيمة الشأن الكائنة بمرجة دمشق إلى غير ذلك مما لا يحصى كثيرة فرحمه الله تعالى رحمة واسعة انتهى ملخصا ومن أراد البسط الزائد فليراجع الأعلام سنة خمس وسبعين وتسعمائة قال في النور فيها غرق مركب بالهند فكان فيه عشرة من السادة آل باعلوي فكانوا من جملة من غرق وحصلت لهم الشهادة وفيها توفي أبو الضياء عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي بن زياد الغيثي المقصري نسبة إلى المقاصرة بطن من بطون عك بن عدنان الزبيدي مولدا ومنشأ ووفاة الشافعي مذهبا لاشعري معتقدا لحاكمي خرقة اليافعي تصوفا وفي ذلك يقول رحمه الله تعالى ( أنا شافعي في الفروع ويافعي * في التصوف أشعري المعتقد ) ( وبذا أدين الله ألقاه به * أرجو به الرضوان في الدنيا وغد ) ولد في رجب سنة تسعمائة وحفظ القرآن والاشارد وأخذ عن محمد بن موسى الضجاعي وأحمد المزجد وتلميذه الطنبذاوي وبه تخرج وانتفع وأذن له في التدريس والافتاء فدرس وأفتى في حياته وأخذ التفسير والحديث والسير عن الحافظ وجيه الدين بن الديبع وغيره والفرائض عن الغريب الحنفي والأصول عن جمال الدين يحيى قبيب والعربية عن محمد مفضل اللحاني وجد واجتهد حتى صار عينا من أعيان الزمان يشار إليه بالبنان وقصدته الفتاوى

(8/377)


378 من شاسع البلاد وضربت إليه آباط الابل من كل ناد وعقدت عليه الخناصر وتلمذت له الأكابر وحج وزار القبر الشريف فاجتمع بفضلاء الحرمين ودرس فيهما واشتغل بالافتاء من وفاة شيخه أبي العباس الطنبذاوي وذلك سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وكان من الفقر على جانب عظيم بحيث كان كما أخبر عن نفسه يصبح وليس عنده قوت يومه حتى اتفق أن زوجته وضعت وليس عنده شيء حتى عجز عن المصباح وباتوا كذلك وفي سنة أربع وستين نزل في عينيه ماء فكف بصره فاحتسب ورضي وقال مرحبا بموهبة الله وجاءه قداح فقال له أنا أصلح بصرك وقال بعض أهل الثروة وأنا أنفق عليك وعلى عيالك مدة ذلك فامتنع وقال شيء ألبسنيه الله لا أتسبب في إبطاله ومع ذلك كان على عادته من التدريس والافتاء والتصنيف ومن مصنفاته اثبات رفع اليدين عند الاحرام والركوع والاعتدال والقيام من الركعتين وكتاب فتح المبين في أحكام تبرع المدين والمقالة الناصة على صحة ما في الفتح والذيل والخلاصة وهذه الكتب الثلاثة صنفها بسبب ما وقع بينه وبين ابن حجر في عدم بطلان تبرع المدين وله كتاب النخبة في الأخوة والصحبة والأدلة الواضحة في الجهر بالبسملة وأنها من الفاتحة وهو كتاب مشتمل على مناقب الأئمة الأربعة والتقليد وأحكام رخص الشريعة وله كتاب إقامة البرهان على كمية التراويح في رمضان وكشف الغمة عن حكم المقبوض عما في الذمة وكون الملك فيه موقوفا عند الأئمة ومزيل العناء في أحكام الغناء وسمط اللآل في كتب الأعمال وكشف النقاب عن أحكام المحراب وله غير ذلك مما لا يعد كثرة وتوفي بزبيد ليلة الأحد حادي عشر رجب قاله في النور وفيها عز الدين أبو نصر عبد السلام بن شيخ الإسلام وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد اليمني الشافعي ولد سنة ثلاث وأربعين

(8/378)


379 وتسعمائة ونشأ في حجر والده وتغذى بدر علومه وفوائده وقرت به عينه وتفقه بوالده كثيرا ورأس على الأكابر صغيرا ودرس وأفتى في حياة أبيه وصنف مصنفات لا يستغني عنها فقيه وكتب معاصرو أبيه على فتاويه وانفرد بعد والده بالافتاء مع زحمة البلد بأئمة شتى وكان من الولاية والعلم على جانب عظيم ومن مصنفاته شرح على مولد السيد حسين بن الأهدل وشرح لوداع ابن الجوزي مات عنهما مسودتين وتشنيف الأسماع بحكم الحركة في الذكر والسماع والقول النافع القويم لمن كان ذا قلب سليم والتحرير الواضح الأكمل في حكم الماء المطلق والمستعمل والمطالع الشمسة وبالجملة فإنه كان مفتي الأنام وعلامة الأعلام توفي في ثاني عشر شوال قاله في النور أيضا وفيها علي المتقي بن حسام الدين الهندي ثم المكي كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين على جانب عظيم من الورع والتقوى والاجتهاد في العبادة ورفض السوى وله مصنفات عديدة وكرامات كثيرة وتوفي بمكة المشرفة بعد مجاورته بها مدة طويلة وفيها الشيخ محمد بن خليل بن قيصر القبيباتي الحنبلي الصوفي الفاضل الصالح المعتقد توفي في هذه السنة وقد جاوز المائة رحمه الله تعالى وفيها المولى محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم الشهير بعبد الكريم زادة الحنفي الإمام العلامة قال في العقد المنظوم كان جده عبد الكريم قاضيا بالعسكر في دولة السلطان محمد خان وولي أبوه عبد الوهاب الدفتردارية في عهد السلطان سليم خان ونشأ هو غائصا في بحار العلوم ولجج المعارف طالبا لدرر الفضائل واللطائف واشتغل على إسرافيل زادة وجوى زادة وابن كمال باشا والمولى أبي السعود وغيرهم وتبحر وتمهر وفاق أقرانه وطار صيته في الآفاق وجمع أشتات العلوم وتنقل في المدارس على عادة أمثاله إلى أن صار طودا من المعارف نحوا وعربية وأدبا وفقها وغير ذلك حلو المفاكهة

(8/379)


380 طيب المعاشرة وكان من عادته أن لا يكتب بالقلم الذي يكتب به اسم الله تعالى ولا ينام ولا يضطجع في بيت كتبه تعظيما للعلم ومن تصانيفه عدة مقامات على منوال الحريري وحاشية على تفسير البيضاوي من أوله إلى سورة طه وحواش على حاشية المولى جلال الدين الدواني للتجريد وكتب أشياء أخر إلا أنها لم تظهر بعد موته وكان ينظم بعدة لغات نظما جيدا منه ( كفاني كفاف النفس ما أنا قاصد * إلى دولة فيها الأنام خصام ) ( فهل هي إلا نحو طيف لناعس * وهل هي إلا ما يراه نيام ) ( فياعجبا للمرء يعقد قلبه * على شهوات صرمهن لزام ) ( ولله صعلوك قنوع بحظه * وما معه عند اللئام لوام ) ( قناعته أغنته عن كل حاجة * فذاك أمير والزمان غلام ) وتوفي في سابع عشرى رمضان وفيها القاضي أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الربعي التونسي الخروبي لإقامته باقليم الخروب بدمشق نزيل دمشق المالكي الإمام العلامة المفنن قال في الكواكب ولد ليلة الإثنين غرة شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة ودخل دمشق قديما وهو شاب فكان يتردد إلى ضريح الشيخ محي الدين بن عربي وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد وكان فقيها أصوليا يفتي الناس على مذهبه وفتاويه مقبولة وله حرمة ووجاهة وكان علامة في النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض والمنطق وأكثر العلوم العقلية والنقلية وكان له الباع الطويل في الأدب ونقد الشعر وشعره في غاية الحسن إلا أنه كان متكيفا يأكل البرش والأفيون لا يكاد يصحو منه وربما قرأ الناس عليه في علوم شتى وهو يسرد فإذا فرغ القارىء من قراءته المقالة فتح عينيه وقرر العبارة أحسن تقرير وكان على مذهب الشعراء من التظاهر بمحبة الاشكال والصور الحسنة حتى رمي واتهم وكان هجاءا يتفق

(8/380)


381 له النكات في هجائه وفي شعره ولو على نفسه وكان يقع في حق العلماء والأكابر وإذا وصله من أحدهم نوال مدحه وأثنى عليه وكانوا يخافون من لسانه وولي نيابة القضاء بالمحكمة الكبرى زمانا طويلا مع الوظائف الدينية وحمل عنه الناس العلم وانتفعوا به وأنبل من تخرج به في الشعر والعربية العلامة درويش ابن طالو مفتي الحنفية بدمشق انتهى ملخصا ومن شعره مؤرخا عمارة الحمام الذي بناه مصطفى باشا تحت قلعة دمشق ( لما كملت عمارة الحمام * وازداد به حسن دمشق الشام ) ( قالت طربا وأرخت منشدة * حمامك أصل راحة الأجسام ) ومنه مواليا موجها بأسماء الكواكب السبعة ( كم صدغ عقرب على مريخ خدك دب * وقوس حاجبك دايم مشتريه الصب ) ( وكم أسد شمس حسنك يا قمر قد حب * والعاذل الثور في زهرة جمالك سب ) وتوفي قاضيا في غرة شوال ودفن بمقبرة باب الفراديس وكانت له جنازة مشهورة حمل بها مصطفى باشا الوزير وهو إذ ذاك متولي الشام ورثاه بعض أدباء عصره مؤرخا وفاته فقال ( مذ عالم الدنيا قضى نحبه * منتقلا نحو جوار الاله ) ( فأغلق الفضل له بابه * مؤرخا مات أبو الفتح آه ) سنة ست وسبعين وتسعمائة فيها توفي عبد العزيز الزمزمي المكي الإمام العلامة قال في النور ولد سنة تسعمائة وكان من علماء مكة وفضلائها وأكابرها ورؤسائها وله النظم البديع الرائق منه قوله في قصيدته المسماة بالفتح المبين في مدح سيد المرسلين ( فاز بالرفع مغلق لك وشى * كيف ترقى وافحم الشعراء ) ( ونخفض الجنان جوزي منشى * ذكر الملتقى جزاءا وفاءا )

(8/381)


381 ( جئت من بعدذا وذاك أخيرا * فلهذا نظمي على الفتح جاء ) وكان له جاريتان إحداهما اسمها غزال والأخرى دام السرور فاتفق أنه باعهما ثم ندم على ذلك فقال ( بجاريتي كنت قرير عين * وأفق مسرتي بهما منير ) ( فنفر صرف أيامي غزالي * فلا دامت ولا دام السرور ) وله غير ذلك مما لا يحصى وكان من أجلاء عصره رحمه الله تعالى انتهى وفيها مصلح الدين المشتهر بالدرزاداة الحنفي والإمام العلامة قال في العقد المنظوم قرأ على أفاضل عصره منهم محي الدين قطب الدين زادة وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء المدينة المنورة ويحكى أنه لما دخل الحرم أعتق مماليكه واجتهد في أداء مناسك الحج وكان صاحب يد في العلوم سهل القياد صحيح الاعتقاد سمحا جوادا إلا أن فيه خصلة ابن حزم الذي قيل فيه لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان وعلق حواشي في أثناء دروسه على بعض المواضع من شرح المفتاح للشريف الجرجاني وتوفي بعد أن تمم أعمال حجة بمكة المشرفة ودفن بالبقيه انتهى وفيها القاضي كمال الدين محمد بن القاضي شهاب الدين أحمد بن يوسف بن أبي بكر الزبيري الصفدي ثم الدمشقي الحنفي الشهير بابن الحمراوي قال في الكواكب قال والدي حضر كثيرا من دروسي وذكر أن مولده سنة تسع وتسعمائة وتولى وظائف متعددة كنظر النظار ونظر الجامع الأموي والحرمين الشريفين وكان الحرب بينه وبين السيد تاج الدين وولده محمد قائمة وكان هو المؤيد عليهما وكان من رؤساء دمشق وأعيانها المعدودين جوادا له في كل يوم أول النهار وآخره مائدة توضع بألوان الأطعمة المفتخرة وكان ذا مهابة وحشمة ووجاهة لا ترد شفاعته في قليل ولا كثير وكان ينفع الناس بجاهه ويكرم القادمين إلى دمشق من أعيان

(8/382)


383 أهل البلاد ويتردد إليه الفضلاء والأعيان وكان باب الخضر الذي يمر منه إلى الطواقية ضيقا فوسعه من ماله وللشعراء فيه مدائح طنانة وتوفي نهار الاثنين رابع عشر ربيع الأول ودفن بباب الصغير سنة سبع وسبعين وتسعمائة فيها كما قال في النور توفي السلطان بدر بن السلطان عبد الله بن السلطان جعفر الكثيري سلطان حضرموت ولد سنة اثنتين وتسعمائة وولي السلطنة وهو شاب وطالت مدته وحسنت سيرته وكان جميل الأخلاق جوادا وافر العقل جميل الصورة كان كاسمه بدرا منيرا مقداما هزبرا محظوظا جدا بحيث لا يقصد بابا مغلقا إلا افنتح ولا يتقدم على أمر مهم إلا اتضح وتوفي في آخر شعبان بعد أن قبض عليه ولده السلطان عبد الله وحجر عليه حتى مات وتولى بعده وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام بن أحمد البتروني ثم الطرابلسي ثم الحلبي الشافعي ثم الحنفي الإمام العلامة الصوفي واعظ حلب ووالد مفتيها الشيخ أبي الجود قرأ على الشيخ علوان الحموي وغيره من علماء عصره وجد واجتهد فبلغ ما قصد ونظم تصريف الزنجاني في أرجوزة وشرح الجزرية وكتب على تائية ابن حبيب تعليقة استمد فيها من شرح شيخه الشيخ علوان وفيها محي الدين يحيى بن عبد القادر بن محمد النعيمي الشافعي الفقيه المحدث الإمام العلامة ولد سنة اثنتين وتسعمائة وأخذ عن والده وغيره وعنى بالحديث أتم عناية وبرع في الفقه وغيره وأخذ عنه الشيخ شمس الدين الميداني وغيره وكان من محاسن الدنيا رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن عبد الوهاب الأبار الدمشقي العاتكي الشافعي الخطيب التبريزي الشيخ الإمام العالم الصالح كان من العلماء العاملين والورثة

(8/383)


384 الكاملين والجلة المتعبدين رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن محمد الشربيني القاهري الشافعي الخطيب الإمام العلامة قال في الكواكب أخذ عن الشيخ أحمد البرلسي الملقب عميرة والنور المحلى والنور الطهواني والشمس محمد بن عبد الرحمن بن خليل النشكي الكردي والبدر المشهدي والشهاب الرملي والشيخ ناصر الدين الطبلاوي وغيرهم وأجازوه بالافتاء والتدريس فدرس وأفتى في حياة أشياخه وانتفع به خلائق لا يحصون وأجمع أهل مصر على صلاحه ووصفوه بالعلم والعمل والزهد والورع وكثرة النسك والعبادة وشرح كتاب المنهاج والتنبيه شرحين عظيمين جمع فيهما تحريرات أشياخه بعد القاضي زكريا وأقبل الناس على قراءتهما وكتابتهما في حياته وله على الغاية شرح مطول حافل وكان من عادته أن يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد وكان إذا حج لا يركب إلا بعد تعب شديد وإذا خرج من بركة الحاج لم يزل يعلم الناس المناسك وآداب السفر ويحثهم على الصلاة ويعلمهم كيف القصر والجمع وكان يكثر من تلاوة القرآن في الطريق وغيره وإذا كان بمكة أكثر من الطواف ومع ذلك فكان يصوم بمكة والسفر أكثر أيامه ويؤثر على نفسه وكان يؤثر الخمول ولا يكترث بأشغال الدنيا وبالجملة كان آية من آيات الله تعالى وحجة من حججه على خلقه وتوفي بعد عصر يوم الخميس ثاني شعبان سنة سبع وسبعين وتسعمائة وهي سنة ميلادي انتهى ملخصا وفيها شمس الدين محمد بن مسلم بتشديد اللام المفتوحة المغربي التونسي الحصيني نسبة إلى حصين مصغرا طائفة من عرب المغرب المالكي ثم الحنفي نزيل حلب كان إماما عالما صالحا توفي بحلب في هذه السنة وفيها المولى مصلح الدين المشتهر بمعلم السلطان جهانكير قال في ذيل الشقائق طلب العلوم وشمر عن ساق الاجتهاد وأخذ عن جوى زادة والمولى

(8/384)


385 عبد الواسع وصار ملازما منه ثم تنقلت به الأحوال إلى أن صار معلم السلطان جهانكير بن سليمان خان واستمر على تعليمه إلى أن توفي فلم تطل مدة المترجم أيضا وكان عالما عاملا ورعا دينا سريع الفهم قوي الذهن حسن الأخلاق وتوفي في المحرم انتهى وفيها المولى مصلح الدين الشهير ببستان الحنفي قال في العقد المنظوم ولد بقصبة نيرة سنة أربع وتسعمائة وطلب العلم ورحل في الطلب وأخذ عن علماء عصره كالمولى محي الدين الفناري والمولى شجاع وابن كمال باشا وتخرج به وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس وقضاء القصبات إلى أن قلد قضاء برسة ثم قضاء أدرنة ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء عسكر أناضول ثم بعد عشرة أيام قضاء روم ايلي لموت جوى زادة فاستقر فيه خمس سنين ثم عزل وعين له مائة وخمسون درهما كل يوم وكان من أكابر العلماء وفحول الفضلاء إذا باحث أقام للأعجاز برهانا وأصمت البابا وأذهانا وكان المشاهير من كبار التفاسير مركوزة في صحيفة خاطره وأما العلوم العقلية فاليه فيها المنتهى وكتب حاشية على تفسير البيضاوي لسورة الأنعام ثم سلك مسلك الزهد والصلاح وكان يحفظ القرآن العظيم ويختمه في صلاته كل أسبوع وتوفي في العشر الأخير من شهر رمضان ودفن بقر بزاوية السيد البخاري خارج قسطنطينية سنة ثمان وسبعين وتسعمائة فيها كان ميلاد صاحب النور السافر في أعيان القرن العاشر في عشية يوم الخميس لعشرين خلت من شهر ربيع الأول كما قاله في نوره وفيها توفي المولى أحمد بن عبد الله المعروف بفوري أفندي مفتي الحنفية بدمشق الشام قال في الكواكب كان من العلماء البارعين والفضلاء المحققين ولي تدريس السليمانية بدمشق والافتاء بها وعمل درسا عاما استدعى له العلماء

(8/385)


386 وكتب إلى شيخ الإسلام الوالد يستدعيه إليه وكان الشيخ مريضا مدة طويلة فكتب يعتذر إليه ( حضوري عند مولاي منائي * ولكن الضرورة لا تساعد ) ( لضعف ليس يمكنني ركوب * ولا مشى يقارب أو يباعد ) ( وأشهر علتي لا شك عشر * تعذر إن أرى فيهن قاعد ) ( وأحسن حالتي ذا الحين مشى * يكون به المعاون والمساعد ) ( ولولا ذاك مولانا قعدنا * لسمع دروسك العليا مقاعد ) ( بقيت مدى الزمان فريدعصر * إلى أعلى المراتب أنت صاعد ) وكانت وفاة المفتي يوم الثلاثاء ختام شوال ودفن بتربة باب الصغير بالقلندرية رحمه الله تعالى وفيها رحمة الله قاضي بن قاضي عبد الله السندي الحنفي نزيل مكة قال في الكواكب كان عاملا فاضلا له رسالة سماها غاية التحقيق ونهاية التدقيق في مسائل ابتلى بها أهل الحرمين الشريفين انتهى وفيها الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله المعروف بالزغبي الشيخ الصالح المجذوب قال في الكواكب كان سمينا طويل اللحية له شيبة بيضاء وكان له ذوق ونكت ولطائف على لسان القوم واشارات الصوفية وكان قد صحب في طريق الله جماعة منهم الشيخ عمر العقيبي وحدثني بعض اخواننا الصالحين قال كنت مرة مع الزغبي بقرية برزة بالمقام فسألته بماذا أعطى ما أعطى قال فقال لي مالك بهذا السؤال فقلت لا بد أن تخبرني فقال يا ولدي ما نلت هذه الرتبة حتى سحت في البرية أربع عشرة سنة وحكى لي أنه في بدء أمره وحال تجرده وقف على جبل الربوة المعروف بالمنشار فوثب منه إلى جبل المزة وأنا أنظر وكان الزغبي يحب أن يشرب الماء عن الرماد وسصفه لكل من شكا إليه مرضا أي مرض كان وكان يقول هو الصفوة وكان منزله بمحلة القيمرية ومر يوما على دكان جزار بمحلة القيمرية

(8/386)


387 فوجد الشيخ شهاب الدين الطيبي واقفا على الجزار فقال الزغبي للجزار يا معلم توص من هذا الشيخ فإنه يتصرف من الألوف من الناس ويطاوعونه ولا يتجرأ أحد على مخالفته إن طأطأ رأسه طأطؤوا معه وإن رفع رأسه رفعوا معه قال وسأله بعض الناس عن أسفار زوجته فقال ( ^ والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ) الآية وكانت وفاة زوجته قبله في سنة سبع وسبعين بقرية حرستا ودفنت هناك ولما توفيت قال تقدمتنا الحجة واتسعنا لحزنها ولو تقدمناها ما وسعت حزننا ومر قبل موته بنحو سنة بالمكان الذي هو مدفون فيه الآن فقال لا إله إلا الله ان لنا هنا حبسة طويلة فلما توفي دفن هناك قريبا من الشيخ أبي بكر بن قوام وقبره مشهورا يزار وعليه قبة حسنة وقيل أن يوم موته وافق فتح قبرس انتهى باختصار سنة تسع وسبعين وتسعمائة فيها توفي الفقيه بافضل حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي الحضرمي قال في النور كان من أكمل المشايخ العارفين الجامعين بين علوم الشريعة وسلوك الطريقة وشهود الحقيقة صاحب أحوال سنية ومقامات عليه وفراسات صادقة وكرامات خارقة وله في التصوف رسالة سماها الفصول الفتحية والنفثات الروحية فيما يوجب الجمعية وعدم البراح من الحق والفناء والبقاء به بالكلية والجزئية وتوفي بتريم رحمه الله ورضي عنه وفيها الشيخ رمضان المعروف ببهشتي كان من قصبة ديزه فخرج منها لطلب العلم واتصل بمجالس الأعلام فقرأ على المولى محمد الشهير بمرحبا ثم اتصل بخدمة الملوى سعد الله ثم حببت إليه العزلة والقناعة ورغب عن قبول المناصب واختار خطابة جامع أحمد باشا في قصبة جورلي وأكب على الاشتغال والاشغال وانتفع به الطلبة وهرعوا إليه وكتب في أثناء دروسه حاشية لطيفة على حواشي الخيالي وعلى شرح المسعود الرومي في آداب البحث وحواشي

(8/387)


388 على بعض المواضع من شرح المفتاح للشريف وكان عالما فاضلا مدققا لطيف الطبع حسن الصحبة حلو المحاورة ينظم الشعر التركي أبلغ نظام فاتسم فيه ببهشتي على عادتهم وتوفي في القصبة المزبورة وفيها المولى خواجه عطاء الله معلم السلطان سليم خان بن السلطان سليمان خان قال في ذيل الشقائق نشأ بقصبة بركى من ولاية ايدين صارفا لرائج عمره في احراز العلوم والمعارف بحيث لا يلويه عن تحصيلها عائق ولا صارف وقرأ على ابن كمال باشا والمولى أبي السعود المفتي وسعد الله محشي تفسير البيضاوي وهو قاضي بقسطنطينية ثم صار ملازما بطريق الاعادة من اسرافيل زادة ثم تنقل في المدارس ثم عين لتعليم السلطان سليم خان وهو يومئذ أمير بلواء مغنيسا ولما وصلت السلطنة إلى مخدومه علت كلمته وارتفعت رتبته واستقام أمره واشتعل جمره فبالغ في اكرامه وأفرط في اعظامه وكان يدعوه إلى داره العامرة فيجتمع به ثم قدم صغار طلبته على المشايخ الكبار وقلدهم المناصب الجليلة في الأزمنه القليلة فضج الناس عليه بالدعاء وكان عالما فاضلا ورعا دينا قوي الطبع صحيح الفكر إلا أن فيه التعصب الزائد وكتب رسالة تشتمل على خمسة فنون الحديث والفقه والمعاني والكلام والحكمة وتوفي في أوائل صفر بقسطنطينية وصلى عليه المولى أبو السعود المفتي وفيها المولى علي قال في الكواكب ابن اسرافيل وقال في العقد المنظوم ابن محمد الشهير بقنالي زادة ولد سنة ثمان عشرة وتسعمائة في قصبة أسبارتة من لواء حميد وكان أبوه من قضاة بعض القصبات ثم اشتغل المترجم بالعلوم فقرأ على المولى محي الدين المشتهر بالمعلول والمولى سنان الدين محشى تفسير البيضاوي والمولى محي الدين المشتهر بمرحبا ثم صار معيدا لدرس المولى صالح الأسود وعلى جوى زادة ولازمه وصار ملازما من المولى محي الدين الفناري ثم عمل رسالة حقق فيها بحث نفس الأمر وعرضها على أبي السعود افندي وهو

(8/388)


389 يومئذ قاضي روم ايلي فقلده المدرسة الحسامية بادرنة بعشرين ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء دمشق ثم القاهرة ثم بروسه ثم ادرنة ثم قسطنطينية ثم قضاء عسكر أناضولي وكان رحمه الله تعالى إماما عالما بليغا واسع المعرفة كثير الافتنان جاريا في مجاري المعارف بغير عنان اخترع الكثير من المعاني وولد وقلد جيد الزمان من منثوره ومنظومه ما قلد فمن نظمه ( أرى من صدغك المعوج دالا * ولكن نقطت من مسك خالك ) ( فصارت داله بالنقط ذالا * فها أنا هالك من أجل ذلك ) ومنه ( لهيب نار الهوى من أين جاء إلى * أحشاك حتى رأينا القلب وهاجا ) ( وما دروا أنه من سحر مقلته * ألفي سبيلا إلى قلبي ومنهاجا ) ومنه ( أنفق فإن الله كافل عبده * فالرزق في اليوم الجديد جديد ) ( المال يكثر كلما أنفقته * كالبير ينزح ماؤها فيزيد ) ومن نثره قوله في رسالة قلمية مد باعه في العلوم وقده قيد شبر حبر باهر إذا رأيت آثاره تقول أحسن بهذا الخبر قادر على تحرير العلوم وتحبيره يتكلم ويدر على الكافور عبيرا فياحسن تعبيره إذا شكل رفع الاشكال وإذا قيد أطلق العقول من العقال طورا يجلس على الدست مثل الكرام الصيد وطورا يبيت على المجرة باسطا ذراعيه بالوصيد يتنزه في مراتع الطرب ويتبختر في غلايل القصب إذا شط داره نشط عنه مزاره فهو يبكي كالغمام وينوح كالحمام يذكر لذاته وأترابه ويحن إلى أول أرض مس جلد ترابه على منبر الأنامل خطيب مصقع ألف تراه تارة في الدواة وطورا على الاصبع يقوم في خدمة الناس وإذا قلت له أجر يقول على الرأس يتعيش بكسب يمينه ويقتات من عرق جبينه لفظا باسمه فصيحا وهو محرف أرادوا أن يصحفوه فلم يصحف ميزاب عين الحكمة عنه نابعة مقياس بمصر العلم يعتبرون أصابعه أخرس ولكن

(8/389)


390 لسانه قارىء يتكلم بعد ما قطع رأسه وهو حكمة الباري مداح لكنه لا يفارقه الهجا سترطرة صبح تحت أذيال الدجى وله رسالة سيفية طنانة وأشعار فارسية وغيرها وكان أعجوبة من الأعاجيب وتوفي رحمه الله شهيدا في سابع شهر رمضان بمدينة أدرنة وذلك أنه سافر مع السلطان إلى أدرنة وكان مبتلى بعرق النسا فاشتد ألمه بالحركة وشدة البرد فعالجه بعض المتطببة ودهنه بدهن فيه بعض السموم ثم أعقبه بالطلاء بدهن النفط فوصل السم إلى باطنة فكان سبب موته وفي حدودها الإمام العلامة تقي الدين أحمد بن شهاب الدين الفتوحي صاحب المنتهى قال الشعراوي في ذيله على طبقاته ومنهم سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الشيخ تقي الدين ولد شيخنا شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين الشهير بابن النجار صحبته أربعين سنة فما رأيت عليه ما يشينه في دينه بل نشأ في عفة وصيانة ودين وعلم وأدب وديانة أخذ العلم عن والده شيخ الإسلام المذكور وعن جماعة من أرباب المذاهب المخالفة وتبحر في العلوم حتى انتهت إليه الرياسة في مذهبه وأجمع الناس أنه إذا انتقل إلى رحمة الله تعالى مات بذلك فقه الإمام أحمد من مصر وسمعت القول مرارا من شيخنا الشيخ شهاب الدين الرملي وما سمعته قط يستغيب أحدا من أقرانه ولا غيرهم ولا حسد أحدا على شيء من أمور الدنيا ولا تزاحم عليها وولي القضاء بسؤال جميع أهل مصر فأشار عليه بعض العلماء بالولاية وقال يتعين عليك كذلك فأجاب مصلحة للمسلمين وما رأيت أحدا أحلى منطقا منه ولا أكثر أدبا مع جليسه حتى يود أنه لا يفارقه ليلا ولا نهارا وبالجملة فأوصافه الجميلة تجل عن تصنيفي فأسأل الله أن يزيده من فضله علما وعملا وورعا إلى أن يلقاه وهو عنه راض آمين اللهم آمين انتهى وفيها يعقوب أفندي الكرماني الحنفي الإمام العالم الزاهد الناسك ولد ببلدة شيخلو وكان أبوه من الأجناد العثمانية ورغب هو في العلم وأهله فجد واجتهد وأخذ عن علماء عصره ثم

(8/390)


391 رأى صورة المحشر في المنام وشاهد فيه شدائد الساعة وأهوال القيام فلما استيقظ سلك طريق الصوفية فاختار سلوك منهج الخلوتية فأخذ ذلك عن مصلح الدين المشتهر بمركز أنف وصار خليفة من خلفائه إلى أن فوض إليه مشيخة زاوية مصطفى باشا بقسطنطينية فسلك بها أحسن الطرق مع العلم والدين والوعظ والتذكير والتفسير وانتفع به الناس إلى أن توفي في ذي القعدة سنة ثمانين وتسعمائة فيها كما قال في النور أخذ السلطان أكبر بن همايون كجرات وهو من ذرية تيمورلنك بينه وبينه أربعة آباء وكان عظيم الشأن ورزق السعد وطالت أيامه واتسع ملكه جدا وكان عادلا إلا أنه كان يميل إلى الكفرة ويستصوب أقوالهم ويستحسن أفعالهم وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وألف وكانت مدة سلطنته خمسين سنة وتولى بعده ولده سليم شاه انتهى وفيها توفي الشيخ بالي الخلوتي المعروف بسكران قال في العقد المنظوم نشأ في طلب العلم وتحصيل الفضائل حتى صار ملازما من الولى خير الدين معلم السلطان سليمان ودرس في عدة مدارس ثم رأى مناما كان سببا لتركه ذلك واقباله على طريق التصوف وتلقن الذكر وسلك الطريق وفوضت إليه زاوية داخل قسطنطينية فاشتغل بالارشاد والافادة وتربية المريدين وكان عالما فاضلا عابدا صالحا معرضا عن أبناء الدنيا غير مكترث بالأغنياء لم يدخل قط إلى باب أمير ولا صاحب منصب غاية في الميل إلى الخيل الجياد ويرسل بعضها إلى الغزو وصاحب جذبة عظيمة وله في تعبير الرؤيا ما يدهش وتوفي في ذي القعدة ودفن بقسطنطينية وفيها زينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزي الشافعية قال في الكواكب كانت من أفاضل النساء من أهل العلم والدين والصلاح مولدها في القعدة سنة عشر وتسعمائة وقرأت على والدها

(8/391)


392 وعلى أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيرا وكتبت له كتبا بخطها ومدحته بقصيدة تقول فيها ( إنما العالم الذي * جمع العلم واكتمل ) ( قام فيه بحقه * يتبع العلم بالعمل ) ( سهر الليل كله * بنشاط بلا كسل ) ( فهو في الله دأبه * أبد الدهر لم يزل ) ( حاز علما بخشية * وبدنياه ما اشتغل ) ( حاسديه تعجبوا * ليس ذا الفضل بالحيل ) ( ذاك مولاه خصه * بكمال من الأزل ) ( من يرم مشبها له * في الورى عقله اختبل ) ( أو بلوغا لفضله * فله قط ما وصل ) ( فهو شيخي وسيدي * وبه النفع قد حصل ) وشعرها في المواعظ وغيرها في غاية الرقة والمتانة اتصلت بمنلا كمال وبعده بالقاضي شهاب الدين البصروي انتهى وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الغزي الأزهري الشافعي الإمام العلامة المعمر أخذ عن القاضي زكريا وغيره وكان إماما محدثا مسندا جليل القدر وافر العلم رحمه الله تعالى وفيها المولى مصلح الدين المشتهر بمعلم زادة الحنفي ينتهي نسبه إلى السلطان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه قرأ على سعد الله بن عيسى بن أميرخان وتنقل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب ثم قضاء برسه ثم قضاء العسكر الأناضولي ثم الروم ايلي ودام فيه خمس سنين وكان بينه وبين عطاء الله معلم السلطان مصاهرة واتصال فلذا حصلت له الحظوة وعظم الشوكة ولما مات عطاء الله اغتنم أعداؤه الفرصة وسعوا به حتى عزل وكان عالما فاضلا محققا كاملا مجيدا للكتابات على الفتاوى لين الجانب مجبولا

(8/392)


393 على الكرم وحسن المعاشرة غير أن فيه طمعا زائدا وحرصا وافرا وتوفي في ربيع الأول وقد أناف على سبعين سنة ومات وهو متوض وصلى ركعتين وأخذ سبحته بيده واضطجع فخرجت روحه ودفن بفناء مسجده الذي بناه في مدينة برسه سنة إحدى وثمانين وتسعمائة فيها وقيل سنة تسع وسبعين وهو الصحيح توفي الشيخ شهاب الدين أحمد الطيبي الشافعي الإمام العلامة أخذ عن الكمال بن حمزة وغيره من علماء عصره وأجازوه وعنى بالحديث والقراآت فصار ممن يشار إليه فيهما بالبنان وكان إماما بجامع بني أمية علامة محدثا فاضلا عديم النظير ومن شعره عاقدا لما أخرجه أبو المظفر بن السمعاني عن الجنيد رحمه الله إنما تطلب الدنيا لثلاثة أشياء الغني والعز والراحة فمن زهد فيها عز ومن قل سعيه فيها استراح ومن قنع فيها استغنى ( لثلاث يطلب الدنيا الفتى * للغنى والعز أو أن يستريح ) ( عزه في الزهد والقنع غنى * وقليل السعي فيها مستريح ) وبالجملة فكان أحد مشايخ دمشق وعلمائها وصدورها رحمه الله تعالى وفيها تقريبا شمس الدين محمد الفارضي القاهري الحنبلي الشاعر المشهور الإمام العلامة قال في الكواكب أخذ عن جماعة من علماء مصر واجتمع بشيخ الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين وكان بدينا سمينا فقال الوالد يداعبه ( الفارضي الحنبلي الرضى * في النحو والشعر عديم المثيل ) ( قيل ومع ذا فهو ذو خفة * فقلت كلا بل رزين ثقيل ) واستشهد الشيخ شمس الدين العلقمي بكلامه في شرح الجامع الصغير فمن ذلك قوله في معنى ما رواه الدينوري في المجالسة والسلفي في بعض تخاريجه

(8/393)


394 عن سفيان الثوري قال أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام لأن تدخل يدك إلى المنكبين في فم التنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر ( ادخالك اليد في التنين تدخلها * لمرفق منك مستعد فيقضمها ) ( خير من المرء يرجى في الغنى وله * خصاصة سبقت قد كان يسنمها ) ومن بدائع شعره ( إذا ما رأيت الله للكل فاعلا * رأيت جميع الكائنات ملاحا ) ( وإن لا ترى إلا مضاهي صنعه * حجبت فصيرت المساء صباحا ) ومن محاسنه أيضا أنه صلى شخص إلى جانبه ذات يوم فخفف جدا فنهاه فقال أنا حنفي فقال الفارضي ( معاشر الناس جمعا حسما رسمت * أهل الهدى والحجا من كل من نبها ) ( ما حزم العلم النعمان في سند * يوما طمأنينة أصلا ولا كرها ) ( وكونها عنده ليست بواجبة * لا يوجب الترك فيما قرر الفقها ) ( فيا مصرا على تفويتها أبدا * عد وانتبه رحم الله الذي انتبها ) انتهى ملخصا وأخذ عن الفارضي كثير من الاجلاء منهم العلامة شمس الدين محمد المقدسي العلمي مدرس القصاعية بدمشق وأنشد له وذكر أن القاضي البيضاوي خطأ من أدغم الراء في اللام ونسبه إلى أبي عمرو ( أنكر بعض الورى على من * تدغم في اللام عنه راء ) ( ولا نخطى أبا شعيب * والله يغفر لمن يشاء ) وله ( ألا خذ حكمة مني * وخل القيل والقالا ) ( فساد الدين والدنيا * قبول الحاكم المالا ) وقال يرثي الشيخ مغوش التونس لما مات بمصر ( تقضي التونسي فقلت بيتا * يروح كل ذي شجن ويونس )

(8/394)


395 ( أتوحشنا وتؤنس بطن لحد * ولكن مثل ما أوحشت تونس ) وفيها تقريبا أيضا قال في الكواكب ما لفظه محمد بن عبد الله بن علي الشيخ العلامة الشنشوري المصري الشافعي مولده تقريبا سنة ثمان وثمانين وثمانمائة وأخذ عن الجلال السيوطي والقاضي زكريا والديمي والقلقشندي والسعد الذهبي والكمال الطويل والنور المحلى وله مؤلفات في الفرائض وغيرها وأجاز ابن كسباي في ربيع الثاني سنة ثمانين وتسعمائة وقال ولده الشيخ عبد الله شارح الترتيب في اجازة ذكر فيها مشايخه ومن مشايخي الشيخ العلامة والدي الشيخ بهاء الدين محمد بن الشيخ الصالح عبد الله بن الشيخ المسلك نور الدين علي الشنشوري الشافعي وتوفي والدي سابع عشر الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وله من العمر تسع وتسعون سنة انتهى ومن خطه نقلت وفيها المولى علي بن عبد العزيز المشتهر بأم ولد زادة قال في العقد المنظوم صار ملازما من المولى محي الدين الفناري وتنقل في المدارس وقاسى فقرا شديدا أيام طلبه إلى أن ولي قضاء حلب فلم يكمل سنة حتى توفي وكان عالما أديبا وفاضلا لبيبا مبرزا على أقرانه حائزا قصبات السبق في ميادين العلوم وله رسائل أنيقة وألفاظ رشيقة ومن شعره القصيدة الميمية الطنانة التي أولها ( أبا لصد تحلو عشرة وتدام * وفي القلب من نار الغرام ضرام ) ( شربت بذكر العامرية قهوة * فسكرى إلى يوم القيام مدام ) وهي طويلة انتهى ملخصا سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة فيها عمر درويش باشا الوزير جامعا بدمشق المحروسة فجعل له مامية تاريخا فقال ( في دولة السلطان بالعدل مراد * من قام بالفرض وأحيا السنه )

(8/395)


396 ( درويش باشا قد أقام معبدا * وكم له أجر به ومنه ) ( بناه خير جامع تاريخه * لله فاسجد واقترب بجنه ) وفيها توفي السلطان الأعظم سليم بن سليمان قال في الأعلام مولده الشريف سنة تسع وعشرين وتسعمائة وجلوسه على تخت ملكه الشريف بالقسطنطينية العظمى في يوم الاثنين لتسع مضين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وتسعمائة ومدة سلطنته الشريفة تسع سنين وسنه حين تسلطن ست وأربعون سنة وعمره كله ثلاث وخمسون سنة وكان سلطانا كريما رؤفا بالرعية رحيما عفوا عن الجرائم حليما محبا للعلماء والصلحاء محسنا إلى المشايخ والفقراء طالما طافت بكفيه الآمال واعتمرت وصدع بأوامره الليالي والأيام فائتمرت كم أظهرت لسواد الكفرة يد صارمة البيضاء آية للناظرين وكم جهز جيوشا للجهاد في سبيل الله فقطع دابر القوم الكافرين فمن أكبر غزواته فتح جزيرة قبرس بسيف الجهاد ومنها فتح تونس المغرب وحلق الواد ومنها فتح ممالك اليمن واسترجاعها من العصاة البغاة أهل الإلحاد ومن خيراته تضعيف صدقة الحب على أهل الحرمين والأمر ببناء المسجد الحرام وتوفي لسبع مضين من شهر رمضان ودفن بقرب أياصوفيا وتولى بعده ولده السلطان مراد ولماميه الروم في تاريخ جلوسه ( بالبخت فوق التخت أصبح جالسا * ملك به رحم الاله عباده ) ( وبه سرير الملك سر فارخوا * حاز الزمان من السرور مراده ) وفيها الياس القرماني الطبيب الحنفي قال في العقد المنظوم ولد بولاية قرمان ثم خرج من بلاده لطلب العلم بعد ما بلغ الحنث وتنقل في البلدان حتى وصل إلى خدمة الحكيم اسحق وحصل عنده بعض العلوم سيما الطب وفتح حانوتا في بعض الأسواق وتكسب بالطب وبيع المعاجين والأشربة ثم فرغ عن الحانوت وشمر عن ساق الاجتهاد وبعد ما ظهر فيه الشيب وتقيد بأخي زاده

(8/396)


397 وحصل عليه كثيرا من العلوم هذا مع العائلة والاحتياج إلى أن برع وفاق أقرانه وكان من العلماء العاملين مع كمال الورع والتصلب في الدين آية في الزهد والتقوى متبحرا في الفنون الشرعية والنقلية مشاركا في العلوم العقلية وكان يفسر القرآن العظيم وينتفع به الناس إلى أن توفي شهيدا في ذي القعدة وذلك أنه طبب فرهاد باشا الوزير من سلس البول فمات في أيام قلائل بالزحير فاتهم بقتله فترصد له جماعته ساعة حتى خرج من داره فضربوه بالسكاكين حتى قتلوه فغضب السلطان لذلك وصلب بعضهم ونفى الباقين وفيها الشيخ عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي المكي الشافعي قال في النور ولد في ربيع الأول عام عشرين وتسعمائة وكان إماما عالما وله تصانيف كثيرة لا تحصى منها شرحان على البداية للغزالي ورأيت منها جملة عديدة في فنون شتى ولعمري أنه كان يشبه الجلال السيوطي في كثرتها بحيث أنه يكتب على كل مسئلة رسالة مع أن عبارته ما هي بذاك رحمه الله وتوفي بمكة انتهى وفيها سراج الدين عمر بن عبد الوهاب الناشري اليمني الشافعي قال في النور ولد بمدينة زبيد وكان إماما علامة وكان سئل عما يعتاد أهل زبيد من العيد الذي في أول خميس من رجب هل له أصل وهل هو سنة أم لا فأجاب بهذه الأبيات ( وسائل سال عن قوم وعادتهم * عيد الخميس الذي في مبتدا رجب ) ( أتى معاذ بأمر الله فيه لنا * بالاتباع إلى منهاج خير نبي ) ( فصار ذلك عيدا عندنا فلذا * نخصه لمزيد الحب بالقرب ) ( ولا نقول بتخصيص الصيام له * ولا صلاة ولا شيء من القرب ) ( نعم لنا فيه تخصيص المحبة إذ * كان النجاة لنا فيه من العطب ) ( فصار اقباله فيه القبول على * قوابل القابلين الكل عن أرب ) ( ثم الصلاة مع التسليم لابرحا * على محمد خير العجم والعرب )

(8/397)


398 ( والآل والصحب ثم التابعين لهم * ما انهل مزن على الاشجار والكثب ) وفيها القاضي عيسى الهندي العلامة المفنن قال في النور كان من أعيان العلماء المشهورين وواحد المشايخ المدرسين وله تصانيف نافعة رحمه الله تعالى وتوفي بأحمداباد انتهى وفيها ناصر الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عيسى بن شرف المعروف بابن أبي الجود وبابن أبي الحيل قديما وبابن الكشك الشلاح أبوه قال في الكواكب قال الوالد قال الوالد قرأ علي من الترمذي إلى كتاب الصلاة والبردة والمنفرجة وسمع قصيدتي القافية والخائية مرثيتي شيخ الإسلام وغير ذلك وأجزته مولده سنة تسع عشرة وتسعمائة انتهى وأخبرنا الشيخ أبو اليسر القواس أنه كان له ذكاء مفرط وعرض له أكل الأفيون وهو لبن الخشخاش وغلب عليه فكتبت إليه العمة خالة أبي اليسر المذكور السيدة زينب بنت الشيخ رضى الدين تنصحه ( يا ناصر الدين يابن الكشك ياذا الجود * اسمع أقول لك نصيحة تطرب الجلمود ) ( بسك تعاني اللبن فهمك هو المفقود * يصير بالك ومالك والذكا مفقود ) وكان المذكور رئيس الكتبة بمحكمة القسمة وماميه ترجمانها وكان يصير بينهما لطائف ووقائع وتوفي يوم السبت رابع عشر الحجة ودفن بباب الفراديس انتهى ملخصا وفيها المولى أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي الإمام العلامة قال في العقد المنظوم ولد سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بقرية قريبة من قسطنطينية وقرأ على والده كثيرا من جملة ما قرأه عليه حاشية التجريد للشريف الجرجاني بتمامها وشرح المفتاح للشريف أيضا قرأه عليه مرتين وشرح المواقف له أيضا وصار ملازما من المولى سعدى جلبي وتنقل في المدارس ثم قلد قضاء برسه ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء العسكر في ولاية روم ايلي ودام عليه مدة ثمان سنين ثم لما توفي

(8/398)


399 المولى سعد الله بن عيسى بن أميرخان تولى مكانه الفتيا فقام باعبائها أتم قيام وذلك سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة واستمر على ذلك إلى أن مات وسارت أجوبته في جميع العلوم وجميع الآفاق مسير النجوم وجعلت رشحات أقلامه تميمة نحر لكونها يتيمة بحرياله من بحر وكان من الذين قعدوا من الفضائل والمعارف على سنامها وغاربها وضربت له نوبة الامتياز في مشارق الأرض ومغاربها تفرد في ميدان فضله فلم يجاره أحد وانقطع عن القرين والمماثل في كل بلد وحصل له من المجد والاقبال والشرف والأفضال ما لا يمكن شرحه بالمقال وقد عاقه الدرس والفتوى والاشتغال بما هو أهم وأقوى عن التفرغ للتصنيف سوى أنه اختلس فرصا وصرفها إلى التفسير الشريف وقد أتى فيه بما لم تسمح به الاذهان ولم تقرع بمثله الآذان وسماه بارشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ولما وصل منه إلى آخر سورة ص ورد التقاضي من طرف السلطان سليمان خان فبيض الموجود وأرسله إليه وبعد ذلك تيسر له الختام وأنعم عليه السلطان بما لم يدخل تحت الحصر وله حاشية على العناية من أول كتاب البيع وبعض حواش على بعض الكشاف وجمعها حال اقرائه له وكان طويل القامة خفيف العارضين غير متكلف في الطعام واللباس غير أن فيه نوع اكتراث بمداراة الناس والميل الزائد لأرباب الرياسة فكان ذا مهابة عظيمة واسع التقرير سائغ التحرير يلفظ الدرر من كلمه وينثر الجوهر من حكمه بحرا زاخرا وطودا باذخا وله شعر كثير مطبوع منه قصيدته الميمية الطويلة التي أولها ( أبعد سليمي مطلب ومرام * وغير هواها لوعة وغرام ) ( وفوق حماها ملجأ ومثابة * ودون ذراها موقف ومقام ) ( وهيهات أن تثنى إلى غير بابها * عنان المطايا أو يشد حزام ) وهي طويلة انتهى ملخصا وينسب إليه البيتان اللذان أجيب بهما بيتا العجم وهما

(8/399)


400 ( نحن أناس قد غدا دأبنا * حب علي بن أبي طالب ) ( يعيبنا الناس على حبه * فلعنة الله على العائب ) فأجاب المولى أبو السعود بقوله ( ما عيبكم هذا ولكنه * بغض الذي لقب بالصاحب ) ( وقولكم فيه وفي بنته * فلعنة الله على الكاذب ) وتوفي بقسطنطينية مفتيا في أوائل جمادى الأولى وصلى عليه المولى سنان محشى تفسير البيضاوي ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة فيها توفي شمس الدين أحمد السرائي الحنفي الإمام العالم ولد بمدينة سراي ونشأ بها وطلب العلم وأكثر من الشيوخ حتى صار ملازما من محي الدين عرب زادة ومعيدا له وصار معلما للوزير محمود الشهير بزال فارتفع قدره وعظم شأنه ثم تنقلت به الأحوال وتقلب في المدارس وكان عارفا عالما حسن السمت مرضي السيرة صاحب ذهن سليم وطبع مستقيم معرضا عن البطالة مكبا على الاشتغال حسن النثر والنظم باللسان العربي وله رسالتان سيفية وقلمية في غاية البلاغة وتوفي في رجب وفيها المولى محمد بن عبد العزيز المشتهر بمعيد زادة قال في ذيل الشقائق ولد بمرعش سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة واشتغل على علماء بلده ثم جاء إلى قسطنطينية فقرأ على معمار زادة ثم على المولى سنان وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس إلى أن توفي ولم يجلس بمجلس القضاء وكان عالما محققا مدققا صاحب يد طولى في العلوم الأدبية وقدم راسخة في فنون العربية مع المشاركة التامة في سائر العلوم المتداولة وله تعليقات على بعض المواضع من التفسير والفروع وغيرهما ومن شعره

(8/400)


401 ( لقد جار الزمان على بنيه * عليهم ضاق بالرحب البقاع ) ( ترى الأشعار في الأسعار أغلى * وعلم الشرع أكسد ما يباع ) ( فقد صارت جوائزهم عقودا * وغايتها خماس أو رباع ) ( وكم من شاعر أمسى عزيزا * لقد أضحى له أمر مطاع ) ( وذي فضل ينادي في النوادي * أضاعوني وأي فتى أضاعوا ) توفي ببيت المقدس لما توجه قاضيا لها قبل أن يباشر الحكم في ذي القعدة انتهى وذكر في الكواكب أنه كان مفتيا بدمشق ومدرسا بالسليمانية بها وفيها محمود بن أحمد المشتهر بابن برزان ولد بقصبة اسكليب ونشأ على طلب العلم والفضائل وأخذ عن أعيان الأفاضل حتى صار ملازما من المولى أبي السعود وتنقل في المدارس وأذن له في الافتاء فلم تطل مدته وكان عارفا كاملا مطلعا على دقائق العربية له باع في العلوم الأدبية عالما بالفقه والكلام وتوفي بقسطنطينية في شوال وفيها المولى محمود بن حسن السامون الحنفي الإمام العلامة قرأ على علماء عصره ومهر وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان وتنقل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب ثم دمشق ثم مكة ثم تقاعد بوظيفة مثله وكان عالما صالحا مشتغلا بنفسه جيد الحفظ كثير العلوم محمود السيرة في قضائه وتوفي في ذي القعدة وفيها الشيخ محي الدين الأسكليبي الحنفي ولد بقصبة تسمى اسكليب ونشأ في طلب العلم ودار البلاد العجمية والرومية والعربية في طلبه واجتمع بكثير من الأعيان وتلقى عن جلة من علماء الزمان إلى أن برع في العلوم وتضلع من المنطوق والمفهوم ثم سلك طريق السادة الصوفية وتسلك بالشيخ إبراهيم القيصري إلى أن صار كما قال فيه محي الدين المشتهر بحكيم جلبي من الرجال الكاملين مملوءا من المعارف الآلهية من فرقه إلى قدمه وروحه المطهرة متصرفة الآن في هذه الأقطار وأن أرباب السلوك وطلبة المعارف الآلهية مستفيدون

(8/401)


402 من معارفه وتوفي رحمه الله تعالى باسكليب وفيها مصلح الدين مصطفى بن الشيخ علاء الدين المشتهر بجراح زاده الحنفي ولد بمدينة أدرنة في صفر سنة إحدى وتسعمائة ونشأ بها طالبا للعلوم والمعارف وقرأ كتاب المفتاح باتقان وتحقيق على المولى لطف الله بن شجاع ثم هبت عليه نسمات الزهد فتلقى طريق القوم من سادات زمانه وتحمل مشاق العبادات والمجاهدات حتى صار بحرا من بحار الحقيقة وكهفا منيفا لأرباب الطريقة متخليا عن الأخلاق الناسوتية متحليا بمفاخر الحلل اللاهوتية منجمعا عن الناس معرضا عن تكلفاتهم راغبا عن بدعهم وعن خرافاتهم لا يطرق أبواب الأمراء ولا يطرف مجالس الأغنياء وله كشوفات عجيبة واشرافات على الخواطر غريبة وتوفي بأدرنة في المحرم ودفن بقرب زاوية الشيخ شجاع سنة أربع وثمانين وتسعمائة فيها توفي المولى رمضان المعروف بناظر زادة الرومي الحنفي الإمام العلامة قال في العقد المنظوم ولد بقصبة صوفية من بلاد الروم ونشأ في طلب العلم والأدب وأخذ عن المولى عبد الباقي والمولى برويز وصار ملازما من قطب الدين زادة وحفظ الكنز وقلد المدارس ثم قلد قضاء الشام ثم مصر ثم بروسه ثم أدرنة وقبل أن يصل إليها قلد قضاء قسطنطينية وكان ممن حاز قصب السبق في مضمار الفضائل وشهد بوفور علمه وغزارة فضله الأفاضل علما مستقيما عفيفا نزها جميل الصورة حسن السيرة متواضعا ومع هذا الفضل الباهر والتقدم الظاهر لم ير له تأليف لغاية احترازه عن النسبة إلى الخطأ وتوفي بقسطنطينية فجأة في أواسط شعبان وفيها زين العباد القيصري الحنفي ولد ببلدة قيصرية واشتغل على الشيخ شمس الدين مدرس البكتوتية ببلدة مرعش ثم رحل إلى القسطنطينية وقرأ على علمائها حتى وصل إلى خدمة سعدى جلبى محشى البيضاوي ثم بعد موته بجوى زاده وصار

(8/402)


403 ملازما منه وتنقل في المدارس حتى وصل إلى مدرسة بايزيد خان باماسية بثمانين وأقام بها على الافتاء والدرس إلى الموت وكان واسع العلم كثير المحفوظ قليل الاعتناء بزخارف الدنيا مكبا على الاشتغال والاشغال وكان له أخ يسمى عبد الفتاح كان فاضلا كاملا تنقل في مدارس عديدة إلى أن نقل إلى مدرسة السلطان سليمان خان بدمشق فباشرها مع الافتاء بها واستمر فيها إلى أن توفي في هذه السنة أيضا وفيها سعيد سلطاني الحبشي الحنفي قال في النور كان عالما فاضلا صالحا دينا فقيها مشاركا في كثير من العلوم يحفظ القرآن العظيم كثير العبادة يختم في رمضان خمس ختمات في الصلاة وكان أمراء الجيوش يحترمونه ويجلونه وجعلوا له معلوما يوازي خمسة عشر ألف دينار وكان محسنا لأهل العلم ولما حج قرأ على ابن حجر الهيتمي وكان له رغبة في تحصيل الكتب وابتنى بأحمداباد مسجدا حسنا إلا أنه كان فيه كبر والكمال لله وتوفي بأحمداباد يوم الإثنين ثالث شوال ودفن بمسجده ثم دفن إلى جنبه شيخنا الشيخ عبد المعطي باكثير انتهى وفيها عبد الله بن سعد الدين المدني السندي قال في النور أيضا كان من كبار العلماء البارعين وأعيان الأئمة المتبحرين وله جملة مصنفات منها حاشية على العوارف للسهروردي وتوفي بمكة في ذي الحجة انتهى وفيها شمس الدين محمد بن شمس الدين محمد بن الشيخ علوان الحموي الشافعي أخذ عن أبيه وغيره وتفقه وكان إماما كاملا وتوفي بحماة وفيها بدر الدين أبو البركات محمد بن القاضي رضي الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر بن عثمان بن جابر الغزي العامري القرشي الشافعي الإمام العلامة شيخ الإسلام بحر العلوم قال ولده النجم في الكواكب ولد في وقت العشاء ليلة الإثنين رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعمائة وحمله والده إلى الشيخ أبي الفتح المزي الصوفي فألبسه خرقة التصوف ولقنه الذكر

(8/403)


404 وأجاز له بكل ما تجوز له وعنه روايته وهو دون السنتين وأحسن والده تربيته وهو أول من فتق لسانه بذكر الله تعالى ثم قرأ القرآن العظيم على عدة مشايخ منهم البدر السنهوري بروايات العشرة ثم لزم في الفقه والعربية والمنطق والده الشيخ رضي الدين وقرأ في الفقه أيضا على تقي الدين بن قاضي عجلون وكان معجبا به يلقبه شيخ الإسلام وأكثر انتفاعه بعد والده عليه وسمع عليه في الحديث ثم أخذ الحديث والتصوف عن البدر ابن الشويخ المقدسي ثم رحل مع والده إلى القاهرة فأخذ عن مشايخ الإسلام بها القاضي زكريا وأكثر انتفاعه في مصربه والبرهان بن أبي شريف والبرهان القلقشندي والقسطلاني وغيرهم وبقي في الاشتغال بمصر مع والده نحو خمس سنوات واستجاز له والده قبل ذلك من الحافظ جلال الدين السيوطي وبرع ودرس وأفتى وألف وشيوخه أحياء فقرت أعينهم به وجمعه بجماعة من أولياء مصر وغيرها والتمس له منهم الدعاء كالشيخ عبد القادر الدشطوطي وسيدي محمد المنير الخانكي ثم تصدر بعد عوده مع والده من القاهرة في سنة إحدى وعشرين للتدريس والافادة واجتمعت عليه الطلبة وهو ابن سبع عشرة سنة واستمر على ذلك إلى الممات مشتغلا بالعلم تدريسا وتصنيفا وافتاء ليلا ونهارا مع الاشتغال بالعبادة وقيام الليل وملازمة الأوراد وتولى الوظائف الدينية كمشيخة القراء بالجامع الأموي وإمامة المقصورة ودرس بالعادلية ثم بالفارسية ثم الشامية البرانية ثم المقدمية ثم التقوية ثم جمع له بينهما وبين الشامية الجوانية ومات عنهما وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة ورحلوا إليه من الآفاق ولزم العزلة عن الناس في أواسط عمره لا يأتي قاضيا ولا حاكما ولا كبيرا بل هم يقصدون منزله الكريم للعلم والتبرك وطلب الدعاء وإذا قصده قاضي قضاة البلد أو نائبها لا يجتمع به إلا بعد الاستئذان عليه والمراجعة في الاذن وقصده نائب الشام مصطفى باشا فلم

(8/404)


405 يجتمع به إلا بعد مرات وكذا درويش باشا نائب الشام وقال له يا سيدي ما تسمع عني قال الظلم وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا بل سد باب الهدية مطلقا فلم يقبل إلا من أخصائه وأقاربه ويكافىء أضعافا وكان يحب الصوفية ويكرمهم وأخذ عنه العلم من لا يحصى كثرة وأما تصانيفه فبلغت مائة وبضعة عشر مصنفا من أشهرها التفاسير الثلاثة المشهورة المنثور والمنظومات وأشهرها المنظوم الكبير في مائة ألف بيت وثمانين ألف بيت وحاشيتان على شرح المنهاج للمحلى وشرحان على المنهاج كبير وصغير وكتاب فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة من الخلاف المطلق والتنقيب على ابن النقيب والبرهان الناهض في نية استباحة الوطء للحائض وشرح خاتمة البهجة والدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد والتذكرة الفقهية وشرحان على الرحبية وثلاثة شروح على الألفية في النحو منظومان ومنثور وشرح الصدور بشرح الشذور وشرح على التوضيح لابن هشام وشرح شواهد التلخيص وأسباب النجاح في آداب النكاح وكتاب فصل الخطاب في وصل الأحباب ومنظومة في خصائص النبي ومنظومة في خصائص يوم الجمعة وشرحها ومنظومة في موافقات سيدنا عمر للقرآن العظيم وشرحها والعقد الجامع في شرح الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع وغير ذلك ومن شعره ( إله العالمين رضاك عنى * وتوفيقي لما ترضى منائي ) ( فحرماني عطائي إن ترده * وفقري إن رضيت به غنائي ) ومنه ( بالحظ والجاه لا بفضل * في دهرنا المال يستفاد ) ( كم من جواد بلا حمار * وكم حمار له جواد ) وكان ابتداء مرضه في ثاني شوال من هذه السنة واستمر مريضا إلى يوم الأربعاء سادس عشرى شوال المذكور وصلى عليه الشهاب العيثاوي ودفن بتربة الشيخ أرسلان وقال ماميه الشاعر مؤرخا لوفاته

(8/405)


406 ( أبكي الجوامع والمساجد فقد من * قد كان شمس عوارف التمكين ) ( وكذا المدارس أظلمت لما أتى * تاريخه بخفاء بدر الدين ) وفيها نجم الدين محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الغيطي السكندري ثم المصري الشافعي الإمام العلامة المحدث المسند شيخ الإسلام ولد في أثناء العشر الأول من القرن العاشر قال في الكواكب كان رفيقا لوالدي على والده وعلى القاضي زكريا قرأ عليه البخاري ومسلم كاملين وسنن أبي داود إلا يسيرا من آخرها وجمع عليه للسبعة ولبس منه خرقة التصوف وسمع على الشيخ عبد الحق السنباطي سنن ابن ماجه كاملا والموطأ وغير ذلك وقرأ عليه في التفسير والقراآت والنحو والصرف وأذن له بالافتاء والتدريس وقرأ وسمع على السيد كمال الدين بن حمزة لما قدم مصر وقرأ على الكمال الطويل كثيرا وأجازه بالتدريس والافتاء وأخذ عن الأمين بن النجار والبدر المشهدي كثيرا وعن الشمس الدلجي وأبي الحسن البكري وغيرهم قال الشعراوي أفتى ودرس في حياة مشايخه باذنهم وألقى الله محبته في قلوب الخلائق فلا يكرهه إلا مجرم أو منافق وانتهت إليه الرياسة في علم الحديث والتفسير والتصوف ولم يزل أمارا بالمعروف ناهيا عن المنكر يواجه بذلك الأمراء والأكابر لا يخاف في الله لومة لائم قال وتولى مشيخة الصلاحية بجوار الإمام الشافعي ومشيخة الخانقاة السرياقوسية وهما من أجل وظائف مشايخ الإسلام من غير سؤال منه وأجمع أهل مصر على جلالته وما رأيت أحدا من أولياء مصر إلا يحبه ويجله وذكره القاضي محب الدين الحنفي في رحلته إلى مصر فقال وأما حافظ عصره ومحدث مصره ووحيد دهره الرحلة الإمام والعمدة الهمام الشيخ نجم الدين الغيطي فإنه محدث هذه الديار على الاطلاق جامع للكمالات الجميلة ومحاسن الأخلاق حاز أنواع الفضائل والعلوم واحتوى على بدائع المنثور والمنظوم إذا تكلم في الحديث بلفظه الجاري أقر كل مسلم بأنه البخاري

(8/406)


407 أجمعت على صدارته في العلم علماء البلاد واتفقت على ترجيحه بعلو الاسناد وقفت له على مؤلف سماه القول القويم في اقطاع تميم انتهى أي ومن مؤلفاته المعراج المتداول بأيدي الناس يقرؤه علماء الأزهر كل سنة في رجبها سنة خمس وثمانين وتسعمائة فيها كما قال في النور طلع نجم ذو ذؤابة كهيئة الذنب طويل جدا له شعاع ومكث كذلك يطلع نحو شهرين انتهى قلت قال السيوطي في كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ما لفظه ذكر كوكب الذنب قال صاحب المرآة أن أهل النجوم يذكرون أن كوكب الذنب طلع في وقت قتل قابيل هابيل وفي وقت الطوفان وفي وقت نار إبراهيم الخليل وعند هلاك قوم عاد وقوم ثمود وقوم صالح وعند ظهور قوم موسى وهلاك فرعون وفي غزوة بدر وعند قتل عثمان وعلي وعند قتل جماعة من الخلفاء منهم الراضي والمعتز والمهتدي والمقتدر وأدنى الأحداث عند ظهور هذه الكواكب الزلازل والأهوال قلت يدل لذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه من طريق ابن أبي مليكة قال غدوت على ابن عباس فقال ما نمت البارحة قلت لم قال طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرف انتهى ما أورده السيوطي بحروفه وفيها توفي المولى حامد أفندي المفتي قال في العقد المنظوم ولد بقونية وطلب العلم في كبره بعد أن ذهب شبابه لكنه أكب على الطلب ولازم الأفاضل وحصل له منهم قبول زائد منهم المولى سعدى محشى تفسير البيضاوي وصار ملازما من المولى القادري ثم تنقل في المدارس من سنة أربعين وتسعمائة إلى أن قلد قضاء دمشق فلم يمكث فيه سنة حتى نقل إلى قضاء مصر فأقام فيها ثلاث سنين ثم قلد قضاء برسه ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء العسكر بولاية روم ايلي فاستمر فيه تسع سنين سالكا أحسن مسلك وكان السلطان لكثرة اعتماده عليه وحبه له أراد أن يوليه

(8/407)


408 الوزارة العظمى فوافق موت المرحوم المولى أبي السعود أفندي المفتي فأقيم مقامه وسلم إليه المجد زمامه فدام في الفتوى إلى أن توفي وذلك في أوائل شعبان ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وفيها ميان عبد الصمد الهندي الرجل الصالح قال في النور كان من الأخيار عالما فاضلا محسنا متواضعا وحكى أنه كان إذا لم يكن على طهارة وثم أحد ممن اسمه اسم نبي لم يتلفظ باسمه تعظيما واحتراما لذلك الاسم الشريف رحمه الله تعالى انتهى وفيها شمس الدين أبو النعمان محمد بن كريم الدين محمد الأيجي العجمي الشافعي الصالحي نزيل صالحية دمشق الإمام العلامة العارف بالله تعالى قال في الكواكب قدم دمشق وهو شاب في سنة عشرين وتسعمائة وصحب سيدي محمد بن عراق سنين كثيرة وتعانى عنده المجاهدات واشتغل بالعلم قبل أن يدخل بلاد الشام وبعده على الشيخ الصفوي الأيجي وغيره وكان له يد في المعقولات وتولى تدريس الشامية عن شيخ الإسلام الوالد بعد ما كان بينهما من المودة والصحبة ما لا يوصف وانتقد على الأيجي ذلك وعوض الله على الوالد بأحسن منها وكان الأيجي ملازما على الأوراد والعبادات أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر وكان يتردد إلى الحكام وغيرهم لقضاء حوائج الناس وسافر إلى الروم مرتين انتهى وكان إماما عالما عاملا زاهدا وليا من أولياء الله تعالى له كرامات كثيرة شهيرة توفي بصالحية دمشق يوم الجمعة بعد الصلاة عاشرى جمادى الأولى وصلى عليه بجامع الحنابلة قاضي قضاة دمشق حسين جلبي ابن قرا ونائب الشام حسن باشا ابن الوزير محمد باشا ودفن من الغد بمنزله بسفح قاسيون وفيها الشيخ مسعود بن عبد الله المغربي المعتقد العارف بالله تعالى قال في الكواكب صحب بدمشق الشيخ شهاب الدين الاخ وكان يجلس عنده في درسه عن يمينه فيقول له الاخ يا سيدي مسعود احفظ لي قلبي فإن جدي الشيخ رضى

(8/408)


409 الدين كان يجلس إلى جانبه سيدي علي بن ميمون في درسه فيقول له يا سيدي علي امسك لي قلبي ولما دخل سيدي مسعود دمشق كان يقتات من كسب يمينه فكان يضرب الأبواب المغربية جدرانا لبساتين دمشق فكان يبقى ما يعمله خمسين سنة وأكثر لا يتهدم من اتقانه لها وأخبرت أنه عرض له جندي والشيخ في لباس الشغل فقال له خذ هذه الجرة واحملها وكان بها خمر فحملها الشيخ معه فلما وضعها له وجدها الجندي دبسا فجاء إلى الشيخ واعتذر إليه وتاب على يديه وكان لأهل دمشق فيه كبير اعتقاد يتبركون به ويقبلون يديه وكان الشيخ يحيى العمادي يزوره قال النجم الغزي ولقد دعا لي ومسح على رأسي وأنا أجد بركة دعائه الآن وتوفي رحمه الله يوم الخميس رابع عشري شهر رمضان ودفن بالزاوية سنة ست وثمانين وتسعمائة فيها توفي المولى أحمد بن محمد المشتهر بنشانجي زاده قال في ذيل الشقائق ولد بمدينة قسطنطينية سنة أربع وثلاثين وتسعمائة وقرأ على علماء عصره كالمولى شيخ زاده شارح البيضاوي والمولى عبد الكريم زاده والمولى برويز وصار ملازما من المولى سنان وتنقل في المدارس ثم اتفق أن مات عدة من أولاده فترك تصاريف الدنيا وأعرض عن المدارس واختار الانزواء ثم رجع وصار مدرسا بإحدى المدارس الثمان ثم قلد قضاء مكة ثم مصر ثم المدينة المنورة وقبل توجهه إليها تغير عليه خاطر السلطان فعزله وأمره بالخروج عن البلدة فخرج متوجها إلى الحج فلما حج وعاد توفي بقرب دمشق فحمل إليها ودفن فيها وكان رحمه الله طويل الباع في العلوم العربية مائلا إلى الصلاح متصلا بأسباب الفلاح مكبا على الاشتغال والاشغال بدأ باعراب القرآن العظيم مقتفيا أثر السفاقسي والسمين وصل به إلى سورة الاعراف وشرح الحزب المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب الذي أوله اللهم يا من ولع لسان الصبح

(8/409)


410 وعلق حواشي على مواضع من تفسير البيضاوي والهداية وشرح المواقف والمفتاح وله رسائل كثيرة بقيت في المسودات ومن شعره ( بفضل الله إنا لا نبالي * وإن كان العدو رمى بجهله ) ( وليس يضرنا الحساد شيئا * فسوء المكر ملتحق بأهله ) وفيها جمال الدين محمد طاهر الهندي الملقب بملك المحدثين قال في النور ولد سنة ثلاث عشرة وتسعمائة وحفظ القرآن قبل أن يبلغ الحنث وجد في طلب العلم نحو خمس عشرة سنة وبرع في فنون عديدة حتى لم يعلم أن أحدا من علماء كجرات بلغ مبلغه في الحديث وورث من أبيه مالا جزيلا فأنفقه على طلبة العلم وكان يرسل إلى معلمي الصبيان ويقول أيما صبي حسن ذكاؤه فأرسله إلي فيرسل إليه جماعة فيقول لكل واحد كيف حالك فإن كان غنيا أمره بطلب العلم وإن كان فقيرا يقول له تعلم ولا تهتم من جهة معاشك ثم يتعهده بجميع ما يحتاج إليه وكان هذا دأبه حتى صار منهم جماعة كثيرة علماء في فنون كثيرة ولما حج أخذ عن أبي الحسن البكري وابن حجر الهيتمي والشيخ علي المتقي الهندي وجار الله بن فهد والشيخ عبد الله العيدروس وغيرهم وكان عالما عاملا متضلعا متبحرا ورعا وله مصنفات منها مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار وكان يقوم على طائفتي الرافضة والمهدوية ويناظرهم ويريد ارجاعهم إلى الحق وقهرهم في مجالس وأظهر فضائحهم وقال بكفرهم فسعوا عليه واحتالوا حتى قتلوه في سادس شوال وفيها شمس الدين وقيل نجم الدين محمد بن محمد بن رجب البهنسي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة الحنفي الإمام العلامة شيخ الإسلام ولد في صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة وأخذ عن ابن فهد المكي وغيره وتفقه بالقطب بن سلطان وبه تخرج لأنه كان يكتب عنه على الفتوى لأن القطب كان ضريرا ثم أفتى استقلالا من سنة خمسين واشتغل في بقية

(8/410)


411 العلوم على الشيخ أبي الفتح المالكي والشيخ محمد الأيجي نزيل الصالحية وتخرج به غالب حنفية دمشق منهم الشيخ عماد الدين المتوفي قبله ورأس في دمشق وكان إماما بارعا وولي خطابة الجامع الأموي ودرس بالأموي والسيبائية ثم بالمقدمية ثم بالقصاعية ومات عنا وعلوفته في التدريس بها ثمانون عثمانيا وحج مرتين وألف شرحا على كتاب منتهى الإرادات لم يكمله وكان من أفراد الدهر وأعاجيب العصر وتوفي بعد ظهر يوم الأربعاء رابع أو خامس جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب الصغير وأرخ موته بعض الشعراء فقال ( لما لدار التقى مفتي الأنام مضى * فالعين تبكي دما من خشية الله ) ( لفقد مولى خطيب الشام سيدنا * من لم يزل قائما في نصرة الله ) ( وفاته قد أتت فيما أؤرخه * البهنسي عليه رحمة الله ) وفيها عماد الدين محمد بن محمد البقاعي الأصل ثم الدمشقي الحنفي الإمام الأوحد العلامة قال في الكواكب مولده في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة وقرأ في النحو والعروض والتجويد على الشهاب الطيبي المقرىء والمعقولات على أبي الفتح المالكي والشيخ علاء الدين بن عماد الدين رفيقا عليهما للشيخ إسمعيل النابلسي والشمس بن المنقار والأسد والشيخ محمد الصالحي وغيرهم وقرأ في الفقه على النجم البهنسي وغيره وبرع في العربية وغيرها وتصدر للتدريس بالجامع الأموي ودرس بالريحانية والجوهرية والخاتونية والناصرية ومات عنها وقصده للقراءة عليه الفضلاء وتردد إليه النواب وغيرهم وكان حسن الأخلاق ودودا وكان في ابتداء أمره فقيرا ثم حصل دنيا ونال وجاهة وثروة ولم يتزوج حتى بلغ نحو أربعين سنة وكان حسن الشكل لطيف الذات جميل المعاشرة خفيف الروح عنده عقل وشرف نفس وكان يدرس في التفسير وغيره

(8/411)


412 وانتفعت به الطلبة منهم إبراهيم بن محمد بن مسعود بن محب الدين والشيخ تاج الدين القطان والشيخ حسن البوريني وغيرهم ومن شعره معمى في عمر ( ولم أنس إذ زارني منيتي * عشية عنا الرقيب احتبس ) ( فمن فرحتي رحت أتلو الضحى * وحاسدنا مر يتلو عبس ) وله معمى في علي ( قد زارني من أحب ليلا * بطلعة البدر والكمال ) ( وبت منه بطيب عيش * أوله بالهنا وفالي ) وله في القهوة ( هذه القهوة الحلال أتتكم * تتهادى والطيب يعبق منها ) ( سودوها على الحرام بحل * وأماطوا غوائل الغول عنها ) وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر شعبان ودفن بمقبرة باب توما جوار الشيخ أرسلان انتهى ملخصا وفيها المولى يوسف المشتهر بالمولى سنان قال في العقد المنظوم ولد بقصبة صونا وجد في الطلب ورحل فيه وتحمل المتاعب وأخذ عن أفاضل عصره منهم المولى محي الدين الفناري والمولى علاء الدين الجمالي وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس ثم صار مفتشا ببغداد ثم عزل وقبل وصوله إلى قسطنطينية بشر بقضاء دمشق ثم نقل إلى قضاء أدرنة ثم إلى قضاء قسطنطينية وقبل الوصول إليها بشر بقضاء العساكر في ولاية أناضولي وجلس للدرس العام بحضرة الأعيان وكان رحمه الله تعالى جميل الصورة من جلة وأعيان أفاضل الروم شهد بفضله الخاص والعام واعترفوا برسوخ قدمه في الفنون ومن تصانيفه حاشية على تفسير البيضاوي أظهر فيها اليد البيضاء والحجة الزهراء وشرح لكتاب الكراهية وكتاب الوصايا من الهداية وامتحن في آخر أمره بأن أشاع عنه بعض الحسدة ما هو برىء منه فعزل من قضاء العسكر

(8/412)


413 وأمر بالتفتيش عليه مع شريكه المولى مصلح الدين الشهير ببستان فلما ظهرت براءة ذمته عينت له وظيفة أمثاله وقلد تدريس دار الحديث التي بناها السلطان سليمان ثم استعفى منها لهرمه وتوفي في صفر وقد أناف على التسعين سنة سبع وثمانين وتسعمائة فيها كما قال في النور مات السلطان حيدرة بن حنش صاحب أحور وفيها درويش باشا بن رستم باشا الرومي هو ابن أخت محمد محمد باشا الوزير تولى ايالة دمشق وعمر بها الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية وعمر الحمام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي ويعرف الآن بحمام القيشاني وعمر القيسارية والسوق والقهوة ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي وكان خصيصا به وعمر الجسر على نهر بردا عند عين القصارين بالمرجة ومات ببلاده قرمان وحمل تابوته إلى دمشق فدفن بها وفيها نور الدين علي بن صبر اليافعي الشافعي قاله في النور كان فقيها صالحا قانتا ذا كرامات انتهى وفيها عمر بن عبد الله بن عمر باعلوي الهنداوي قال في النور اشتهر بذلك لقوة كانت في بدنه ودينه تشبيها بالحديد الهنداوي وكان وليا صالحا شريفا ومن كراماته أنه أخبر أخي السيد عبد الله عن شيء يقع من شخص بعينه فكان كما قال بعد موته بيسير وتوفي بتريم وفيها محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بماميه الرومي الشاعر المشهور أصله من الروم وقدم دمشق في حال صغره فلما التحى صار ينكجريا بخمسة عثمانية وحج في زمرة الينكجرية سنة ستين وتسعمائة وكان في تلك الحال يميل إلى الأدب ونظم الشعر ثم عزل عن الينكجرية وصحب الشيخ أبا الفتح المالكي وعليه تخرج بالأدب قال في الكواكب وقرأ على الشيخ شهاب الدين الأخ في الجرومية وكان قبل قراءته في النحو جمع لنفسه ديوانا كله ملحون فلما

(8/413)


414 ألم بالنحو أصلح ما أمكن إصلاحه وأعرض عن الباقي وتولى آخر الترجمة بمحكمة الصالحية ثم بالكبرى وعزل منها ثم أعيد إليه زمن جوى زادة ثم عزل ثم ولي ترجمة القسمة فأثرى وكان إليه المنتهى بالزجل والموال والموشحات وقال فيه أستاذه أبو الفتح ( ظهرت لماميه الأديب فضيلة * في الشعر قد رجحت بكل علوم ) ( لا تعجبوا من حسن رونق نظمه * هذا إمام الشعر ابن الرومي ) وجمع لنفسه ديوانا وجعل تاريخ جمعه قوله ( ^ وأتوا البيوت من أبوابها ) وذلك سنة إحدى وسبعين وتسعمائة وله التواريخ التي لا نظير لها كقوله في تاريخ عرس ( هنئتم بعرسكم * والسعد قد خولكم ) ( وقد أتى تاريخه * نساؤكم حرث لكم ) ولقد أحسن في قوله ( قل لقوم ضلوا عن الرشد لما * أظهروا منهم اعتقادا خبيثا ) ( كيف تنبي عن القديم عقول * لا يكادون يفقهون حديثا ) وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة أو في محرم التي بعدها ودفن بباب الفراديس بالقرب من قبري ابن مليك وأبي الفتح المالكي وفيها محمد باشا الوزير وزير السلطان سليمان ثم السلطان سليم ثم السلطان مراد وقف الطاحون خارج باب الفراديس وغيرها على المقرئة وتوفي شهيدا بالقسطنطينية سنة ثمان وثمانين وتسعمائة فيها توفي المولى شمس الدين أحمد المشتهر بقاضي زادة قال في العقد المنظوم قرأ على علماء عصره منهم جوى زادة وسعدى جلبى وصار ملازما من المولى القادري وتنقل في المدارس ثم قلد قضاء حلب فأقام فيه عدة سنين ثم ولي قضاء قسطنطينية بعد تعب شديد ثم صار قاضيا

(8/414)


415 بعساكر روم ايلي فبعد سبعة أشهر اختل أمره وتراجع سعره ففر طائر عزه وطار قبل أن يقضي الأوطار بسبب وحشة كانت بينه وبين المولى عطاء الله معلم السلطان سليم خان فتقاعد بوظيفة مثله ثم لما جلس السلطان مراد خان على سرير السلطنة أعاده إلى قضاء العسكر بالولاية المزبورة لما سمع عنه من الفضيلة الباهرة والصلابة الدينية الظاهرة فاستمر مدة ثم قلد الفتوى بدار السلطنة السنية فاستمر فيها إلى أن دخل في خبر كان وأيلى ديباجة حياته الجديدان وكان رحمه الله تعالى من أساتذة العلوم والجهابذة القروم طالما جال في ميدان الفضائل وبرز وأحرز من قصبات السبق في مضمار المعارف ما أحرز أفحم من عارضه بشقاشقه الهادرة وأرغم من عاناه بحقائقه النادرة كثير الاعتناء بدرسه دائم الاشتغال في يومه وأمسه رفيع القدر شديد البأس عزيز النفس يهابه الناس ومن تصانيفه شرح الهداية من أول كتاب الوكالة إلى آخر الكتاب وحاشية على شرح المفتاح للسيد الشريف من أوله إلى آخر الفن الثاني وحاشية على أوائل صدر الشريعة وحاشية التجريد في بحث الماهية ورسائل أخرى وكان أيام قضائه بالعسكر ثانيا سببا لسنن جميلة منها تقديم قضاء العسكر على غير الوزراء وأمير الأمراء وكانوا قبل ذلك يتقدم عليهم من كان أمير الأمراء في الممالك وبالجملة فإنه كان رحمه الله عين الأعيان وقدوة الزمان وفارس الميدان غير أن فيه من التهور المفرط والحدة ما زاد علة المعتاد ستره الله بفضله يوم التناد وتوفي بآخر الربيعين بقسطنطينية ودفن قريبا من جامع السلطان محمد سنة تسع وثمانين وتسعمائة فيها توفي ظنا داود بن عمر الأنطاكي الطبيب الأكمه العالم العلامة قال

(8/415)


416 الطالوي في السانحات داود بن عمر الأنطاكي نزيل القاهرة المعزية والمميز على من له فيها المزية المتوحد بأنواع الفضائل والمتفرد بمعرفة علوم الأوائل سيما علم الأبدان المقدم على علم الأديان فإنه بلغ فيه الغاية التي لا تدرك وأما معرفته لأقسام النبض فآية له باهرة وكرامة على صدق دعواه ظاهرة ولقد سألته عن مسقط رأسه ومشعل نبراسه فأخبرني أنه ولد بأنطاكية بهذا العارض قال وقد بلغت سيارة النجوم وأنا لا أستطيع أن أقوم لعارض ريح تحكم في الأعصاب وكان والدي رئيس قرية حبيب النجار واتخذ قرب مزار سيدي حبيب رباطا للواردين وبنى فيه حجرات للمجاورين ورتب لها في كل يوم من الطعام ما يحمله إليه بعض الخدام وكنت أحمل إلى الرباط فأقيم فيه سحابة يومي وإذا برجل من أفاضل العجم يدعى محمد شريف نزل بالرباط فلما رآني سأل عني فأخبر فاصطنع لي دهنا مسدني به في حر الشمس ولفني في لفافة من فرقي إلى قدمي حتى كدت أموت وتكرر منه ذلك الفعل مرارا من غير فاصل فقمت على قدمي ثم أقرأني في المنطق والرياضي والطبيعي ثم أفادني اللغة اليونانية وقال إني لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها غيري فأخذتها عنه وأنا الآن فيها بحمد الله هو إذ ذاك ثم سار فسرت إلى جبل عاملة ثم إلى دمشق واجتمعت ببعض علمائها كأبي الفتح المغربي والبدر الغزي والعلاء العمادي ثم دخلت مصر وها أنا فيها إلى الآن قال وكان فيه دعابة وحسن سجايا وكرم نجار وخوف من المعاد وخشية من الله كان يقوم الليل إلا قليلا ويتبتل إلى ربه تبتيلا وكان إذا سئل عن شيء من العلوم الحكمية والطبيعية والرياضية أملى ما يدهش العقل بحيث يجيب على السؤال الواحد بنحو الكراسة ومن مصنفاته التذكرة جمع فيها الطب والحكمة ثم اختصرها في مجلدة وشرح قصيدة النفس لابن سينا شرحا حافلا نفيسا وقرىء عليه قال وأجازني إجازة طنانة ثم أوردها في السانحات فراجعه

(8/416)


417 وفيها المولى أحمد المشتهر بمظلوم ملك قال في ذيل الشقائق اشتغل بالعلوم وصار من ملازمي المولى جعفر وتنقل في المدارس ثم قلد قضاء بيت المقدس ثم المدينة المنورة ثم مكة المشرفة وكان رحمه الله تعالى عالما فصيحا حازما جيد العقيدة صاحب أخلاق حميدة ووقار واتعاظ وتوفي بقسطنطينية انتهى وفيها المولى خضر بك ابن القاضي عبد الكريم ولد بقسطنطينية المحمية ونشأ في خدمة الفضل وذويه وقرأ على علماء عصره حتى صار ملازما من المولى أحمد المشتهر بمعلم زادة ودرس بعدة مدارس إلى أن قلد المدرسة المشهورة بمناستر بمحروسا بروسة وتوفي مدرسا بها وكان من الغائصين في لجج بحار العلوم على درر دقائق الفهوم مكبا على الاشتغال غير أنه لا يخلو عن القيل والقال مطلق اللسان في السلف ومزدريا بشأن الخلف مع غاية الاعجاب بنفسه عفا الله عنه بلطفه في رمسه قاله في العقد المنظوم وفيها باكثير عبد المعطي بن الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله المكي الحضرمي الشافعي الإمام العالم المحدث المعمر قال في النور ولد بمكة في رجب سنة خمس وتسعمائة ونشأ بها ولقي جماعة من العلماء منهم الشيخ زكريا الأنصاري سمع عليه صحيح البخاري بقراءة والده فهو يرويه عنه سماعا كما في اصطلاح أهل الحديث وأخذ عن جماعة وقرأ على بعض شيوخه كتاب الشفا في مجلس واحد من صلاة الصبح إلى الظهر وكان عالما مفننا لطيف المحاورة فكها له ملح ونوادر أديبا شاعرا مصقعا ومن شعره ( قلت إذ أقبل الربيع ووافى * ورده الغض ليت ذاك نصيبي ) ( فخدود الملاح تعزى إليه * وشذاه أربى على كل طيب ) ومنه ( الورد سلطان الزهور * وما سواه الحاشية ) ( فللونه المحمر ينسب * حسن خد الغانية ) ( وإذا تضوع نشره * يهدى إليك الغالية )

(8/417)


418 ومنه ( وميمات الدواة تعد سبعا * وسبعا عدهن بلا خفاء ) ( مداد ثم محبرة مقص * ومرملة ومصمغة الغراء ) ( ومكشطة ومقلمة مقط * ومصقلة ومموهة لماء ) ( ومحراك ومسطرة مسن * وممسحة لختم وانتهاء ) ومنه في القهوة ( أهلا بصافي قهوة كالاثمد * جليت فزينت بالخمار الأسود ) ( لما أديرت في كؤوس لجينها * بيمين ساق كالقضيب الأملد ) ( يحكى بياض إنائها وسوادها * طرفا كحيلا لا بكحل المرود ) ودخل الهند بآخره وأقام بها إلى أن مات بأحمداباد ليلة الثلاثاء لثلاث بقين من ذي الحجة وفيها السيد علاء الدين علي بن محمد بن حمزة الفقيه الشافعي المسند قاضي القضاة الشافعية بدمشق ونقيب الأشراف بها ولد يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة وأخذ عن والده وغيره وسمع على والده المشيخة التي خرجها لنفسه بقراءة الشيخ شرف الدين موسى الحجاوي الحنبلي في مجلسين آخرهما يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة بمنزل والده شمالي المدرسة البادرائية وأجازه أن يرويها عنه وجميع ما يجوز له وعنه روايته وقد تسلسل له فيها من المسلسلات قبل ذلك وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ زين الدين الشهير بابن صارم الدين الصيداوي الشافعي وروى عنه المسلسل بالقضاة وتوفي يوم الأحد سابع عشرى القعدة الحرام رحمه الله تعالى وفيها قطب شاه سلطان كلكندة قال في النور كان عادلا كريما إلا أنه كان غاليا في التشيع وفيها تقريبا ولي الدين محمد بن علي بن سالم الشبشيري القاهري الشافعي العالم الفاضل المعمر قال في الكواكب أخذ عن السخاوي والديمي والسيوطي والقاضي زكريا وآخرين وتوفي في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى

(8/418)


419 انتهى وفي حدودها شمس الدين محمد الصفري القدسي الشافعي الإمام العالم الواعظ بالجامع الأزهر أخذ عن علماء عصره ودأب وحصل ووعظ وأفاد رحمه الله تعالى وفيها المولى محمد المعروف بصاروكز زاده نسبة إلى جده من قبل أبيه الحنفي الرومي قال في العقد المنظوم نشأ في مجالس الأفاضل الأكارم ومحافل الأماثل الأعاظم مغترفا من حياض معارفهم ومتأنقا في رياض لطائفهم إلى أن صار ملازما من المولى أبي السعود وتنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء المدينة المنورة فتبرم من ذلك فبدل بقضاء حلب فلم يبارك له في عمره بل في مدة تقرب من سنتين توفي وكان رحمه الله تعالى عالما عاملا فاضلا كاملا حليما سليما لطيف الطبع وقورا صبورا مهتما بدرسه مشتغلا بنفسه وله تعليقة على كتاب الصوم من الهداية وحواش على المفتاح من القانون الأول إلى آخر بحث الاستعارة وحواش على الهيئات من شرح المواقف وله رسالة بليغة في وصف العلم مطلعها ( لك الحمد يا من أنطق النون والقلم * فأوصافه جلت عن النقص والعدم ) ( وأضحك من طرس ثغورا بصنعه * وأبكى به عين اليراع من السقم ) ( صلاة وتسليم على الروضة التي * تعطر من أنفاسها المسك والشمم ) وبقيتها سجع في غاية البلاغة سنة تسعين وتسعمائة فيها توفي القاضي الشريف حسين المكي المالكي الملقب بالكرم لفرط كرمه قيل كان سماطه في الأعياد ألف صحن صيني قال في النور كان من أعيان مكة وفضلائها وأجوادها ورؤسائها لم يخلف مثله ولبعض فضلاء مكة هذا التخميس على البيتين المشهورين جعله رثاء فيه ( لهفي على بدر الوجود وسعده * ومغيبه تحت الثرى في لحده )

(8/419)


420 ( مات الحسين المالكي بمجده * يا دهر بع رتب العلا من بعده ) ( بيع الهوان ربحت أم لم تربح * ) ( وافعل مرادك يا زمان كما ترى * وارفع من الغوغا وحط ذوي الذرى ) ( لا تعتذر لذوي النهى عما جرى * قدم وأخر من أردت من الورى ) ( مات الذي قد كنت منه تستحي * ) ومن شعره هو وقد أهدى إليه القطب الحنفي سمكا ( يا أيها القطب الذي * بوجوده دار الفلك ) ( لو لم تكن بحر الندى * ما جاءنا منك السمك ) وولي قضاء المدينة المنورة مدة طويلة مع حسن السيرة وتوفي في تاسع صفر وفيها قطب الدين محمد بن علاء الدين أحمد بن محمد بن قاضي خان بن بهاء الدين بن يعقوب بن حسن بن علي النهرواني الهندي ثم المكي الحنفي الإمام العلامة ولد سنة سبع عشرة وتسعمائة وأخذ عن والده والشيخ عبد الحق السنباطي وهو أجل من أخذ عنه من المحدثين والشيخ محمد التونسي والشيخ ناصر اللقاني والشيخ أحمد بن يونس بن الشلبي وغيرهم وذكره ابن الحنبلي في تاريخه إلا أنه سمى والده على والصحيح الأول وأثنى عليه ثناءا حسنا قال ومن مؤلفاته طبقات الحنفية احترقت في جملة كتبه وقال النجم الغزي وقفت له على تاريخ كتبه لمكة المشرفة وكان بارعا مفننا في الفقه والتفسير والعربية ونظم الشعر وشعره في غاية الرقة منه الزائية المشهورة وهي ( أقبل كالغصن حين يهتز * في حلل دون لطفها الخز ) ( مهفهف القد ذو محيا * بعارض الخد قد تطرز ) ( دار بخديه واو صدغ * والصاد من لحظه تلوز ) ( الخمر والجمر من لماه * وخده ظاهر وملغز ) ( يشكو له الخصرجور ردف * أثله حمله وأعجز )

(8/420)


421 ( طلبت منه شفاء سقمي * فقال لحظي لذاك أعوز ) ( قد غفر الله ذنب دهر * لمثل هذا المليح أبرز ) ( حز فؤادي بسيف لحظ * أواه لو دام ذلك الحز ) ( أفديه من أغيد مليح * بالحسن في عصره تميز ) ( كان نديمي فمذ رآني * أسيره في الهوى تعزز ) ( يا قطب لا تسل عن هواه * وأثبت وكن في الغرام مركز ) وقال في النور ومن شعره ( الدن لي والكاس والقرقف * وللفقيه الكتب والمصحف ) ( إن كان ما تعجبه قسمتي * فليقتسمها مثل ما يعرف ) ( لا تنكروا حالي ولا حاله * كل بما ينفعه أعرف ) ( لكنه ينكر أذواقنا * وما له ذوق ولا ينصف ) ( كم يزدري الراح وشرابها * أخشى على هذا الفتى يقصف ) ( دعني وحالي يا فقيه الورى * فأنت عن إدراكه تكسف ) ( هيهات أن يدرك طعم الهوى * من لم يكن في ذوقه يلطف ) ( للعشق سر لم يزل غامضا * لغير أهل الحب لا يكشف ) ( فيا نديمي اشرب على رغمه * ودعه في انكاره يرشف ) ( واحبسه في باب الطهارات من * كتابه لعله ينظف ) ( وبي غزال طاب مرعاه في * كناس قلبي وهو لا يألف ) ( بدر كمال لا يرى حسنه * نقصا ولا محقا ولا يكسف ) ( في خده أنبت ماء الحيا * وردا بغير اللحظ لا يقطف ) ( عارضه لام وفي صدغه * واو ولكن آه لو يعطف ) ( عزيز مصر الحسن لو كان في * زمانه هام به يوسف ) ومنه معمى في علي

(8/421)


422 ( بلغ حبيبي بعض ما * ألقاه إن أبصرته ) ( أما عذولي قل له * دع عنك ما أضمرته ) ومنه معمى في أحمد ( لنا إن دارت الكاس العقار * بأطراف الرماح دم مدار ) ومن إفاداته أن لفظ ابن خلكان ضبط على صورة الفعلين خل أمر من التخلية وكان الناقصة قال وسببه أنه كان يكثر قوله كان والدي كذا كان جدي كذا كان فلان كذا فقيل له خل كان فغلبت عليه انتهى وتوفي رحمه الله تعالى بمكة المشرفة وفيها الشريف أبو نمى محمد بن بركات صاحب مكة قال في النور ولبعض فضلاء مكة في تاريخ وفاته ( يا من به طبنا وطاب الوجود * قد كنت بدرا في سماء السعود ) ( ما صرت في الترب ولكنما * أسكنك الله جنان الخلود ) ولد سنة عشر وتسعمائة وتوفي يوم عاشوراء انتهى وفيها المولى محمد بن نور الله المشتهر بأخي زادة نسبة إلى جده من قبل أمه المولى أخي يوسف التوقاتي محشى صدر الشريعة قال في العقد المنظوم نشأ صاحب الترجمة في طلب العلم والسيادة وأخذ عن جلة من المشايخ منهم عرب جلبي والمولى عبد الباقي ثم صار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم قلد المدارس إلى أن قلد قضاء حلب ثم برسة ثم أدرنة ثم صار قاضيا بالعساكر في ولاية أناضولي ثم تقاعد بوظيفة مثله ثم قلد تدريس دار الحديث السليمانية فدام على الدرس والإفادة ونشر العلوم والمعارف إلى الوفاة وكان بحرا من بحار العلوم زاخرا وطودا من أطواد الفهوم باذخا يقذف للقريب من جواهر معارفه عجائب ويبعث للغريب من طماطم فضائله سحائب طالما فتح بمفاتيح أنظاره الدقيقة مغالق المعضلات وحل بخاطره اليقظان وفكره العجيب الشان عقد المشكلات عديم النظير

(8/422)


423 في سرعة الانتقال وحسن التقرير وصاحب أدب وسكينة ومعارف رصينة أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه وتوفي في آخر ذي القعدة انتهى ملخصا وفيها الشيخ العارف بالله تعالى شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني الشافعي قال ولده في النور السافر في أعيان القرن العاشر ولد سنة تسع عشرة وتسعمائة بتريم من اليمن وصار شيخ زمانه باتفاق عارفي وقته ولقد ألهم الله أهله حيث سموه شيخا كما ألهم الله آل النبي حيث سموه محمدا وكان علامة وقته وشيخ الطريقة حقيقة واسما فإن الشيخ أبا بكر باعلوي كان يقول ما أحد من آل باعلوي أولهم وآخرهم أعطى مثله وقال غيره والله ما هو إلا آية من آيات الله تعالى وما ألف مثل كتابه الفوز والبشرى وحكى من مجاهداته أنه كان يعتمر غالبا في رمضان أربع عمرات بالليل وأربعا بالنهار وهذا شيء من أعظم الكرامات وممن أخذ عنه العلم ابن حجر الهيتمي والعلامة عبد الله باقشير الحضرمي وله من كل منهما إجازة في جماعة آخرين يكثر عددهم ومن مصنفاته العقد النبوي والسر المصطفوي والفوز والبشرى وسرحان على قصيدته المسماة تحفة المريد ومولدان كبير وصغير ومعراج ورسالة في العدل وورد سماه الحزب النفيس ونفحات الحكم على لامية العجم وهو على لسان التصوف ولم يكمله وديوان شعر ومن شعره ( كفاني أن أزهو بجد ووالد * ولي حسب من فوق هام الفراقد ) ( ولي نسب بالمصطفى وابن بنته * حسين علا زينا زكي المحاتد ) ( أبا وأبا من سيد الرسل هكذا * إلى العيدروس المجتبى خير ماجد ) ( وراثة خير الخلق أحمد جدنا * ونحن به نعلو العلا في المعاقد ) ( ورثنا العلا أكرم بنا خير سادة * شذا مجدنا يشذو بطيب المحامد ) وقد أفرد ترجمته ومناقبه غير واحد بالتأليف كالعلامة حميد بن عبد الله السندي

(8/423)


424 وقال فيه الفاضل عبد اللطيف الدبيري ( شيخ الأنام مفيد كل محقق * بحر العلوم العارف الرباني ) ( ابن العفيف أبو الشهاب المجتبى * قطب الزمان العيدروس الثاني ) ( شرف السيادة والزهادة والتقى * فخر الحماة الغر من عدنان ) ( هو كالسفينة من تولاه نجا * وسواه لم يأمن من الطوفان ) دخل الهند سنة ثمان وخمسين وتسعمائة فأقام بها إلى أن توفي بأحمداباد ليلة السبت لخمس وعشرين خلت من شهر رمضان انتهى ما أورده ولده ملخصا سنة إحدى وتسعين وتسعمائة فيها تقريبا توفي برهان الدين إبراهيم بن المبلط القاهري شاعر القاهرة كان فاضلا أديبا شاعرا ومن شعره في القهوة ( يقول عذولي قهوة البن مرة * وشربة حلو الماء ليس لها مثل ) ( فقلت على ما عبتها من مرارة * قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو ) وقال ( أرى قهوة البن في عصرنا * على شربها الناس قد أجمعوا ) ( وصارت لشرابها عادة * وليست تضر ولا تنفع ) وقال ( يا عائبا لسواد قوتنا التي * فيها شفاء النفس من أمراضها ) ( أو ما تراها وهي في فنجانها * تحكي سواد العين وسط بياضها ) وفيها نور الدين علي بن علي السنفي المصري ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة قال في الكواكب ولد بمصر سنة إحدى وتسعمائة وأخذ الفقه وغيره عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والبرهان القلقشندي والكمال الطويل وغيرهم وورد الشام وقطنها وانتفع به الفضلاء كالشيخ إسماعيل النابلسي وشيخنا شيخ الإسلام أحمد العيثاوي وولي نيابة القضاء بالكبرى وتنزه عن المحصول برهة ثم تناوله وكانت وفاته بدمشق ليلة الأحد رابع

(8/424)


425 شعبان وفيها جمال الدين محمد بن أبي بكر الأشخر بالشين المعجمة الساكنة والخاء المعجمة بعدها راء اليمني الشافعي الإمام العلامة قال في النور ولد في اليوم الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وأربعين وتسعمائة وتخرج بأبيه وقرأ على جماعة من الجلة وحصل له من الجميع الإجازة وبرع في العلوم حتى صار شيخ الإسلام ومفتي الأنام الفرد الحافظ الحجة السالك بالطالبين في أوضح المحجة إمام الفنون الذي اعترف بتقدمه المفتون وله التصانيف المفيدة والتآليف العديدة منها منظومة الارشاد وشرح الشذور ومنظومة في أصول الفقه وشرحها ومختصر المحرر للسمهودي في تعليق الطلاق ومنظومة في أسماء الرجال وألفية في النحو نظمها في مرض موته وله فتاوى مجلد ضخم وشرح بهجة المحافل واختصر التفاحة في علم المساحة وله غير ذلك ومن نظمه جامعا غزوات النبي ( غزوة بدر أحد فالخندق * بني قريظة بني المصطلق ) ( وخيبر وطائف بالاتفاق * قاتل فيها المصطفى أهل الشقاق ) ( والخلف في بني النضير ذكرا * فتح حنين غابة وادي القرى ) وله فيها مرتبا على سني الهجرة الشريفة ( فبدر فأحد بعد هاذين خندق * فذات رقاع والمريسيع خيبر ) ( وفتح تبوك رتبت هذه على * سنى هجرة كل بذاك يخبر ) ومنه مما يتعلق بالبروج والمنازل ( وزنوا عقربا بقوس شتاءا * غفروا للبليد لما أساء ) ( شرب الجدي دلو حوت ربيعا * فله الذبح حيث حل الرشاء ) ( حمل الثور جوزة نحو صيف * شاركا للذراع لما أشاء ) ( سرط الليث سنبلا بخريف * ناثرا أنجم السماك شراء ) ونظمه كثير وعلمه غزير ونظم كثيرا من المسائل العلمية والقواعد الفقهية

(8/425)


426 ليقرب ضبطها ويسهل حفظها وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى خاتمة المحققين لم يخلف بعده مثله وتخرج به جماة من بلده وغيرها منهم أخوه العلامة أحمد الاشخر وناهيك به إذ حفظ العباب للمزجد وكان أخوه يعظمه ويقدمه على سائر الطلبة غير أنه بعد ذلك ظهرت فيه طبيعة السوداء فترك الاجتماع بالناس إلا نادرا ومع ذلك لما اجتمع به الفقيه أحمد ابن الفقيه محمد باجابر حصل له عنده الحظوة التامة واختلى به أياما مدة إقامته عنده وأملى عليه شيئا كثيرا من نظم أخيه وبحث معه في مسائل فقهية وتعجب الناس لذلك فرحمهم الله تعالى جميعا سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة فيها توفي الولي الكبير الشيخ أبو بكر بن سالم باعلوي قال في النور كان من المشايخ الأفراد المقصودين بالزيارة من أقصى البلاد وانتفع ببركته الحاضر والباد وانغمرت بنفحات أنفاسه العباد واشتهرت كراماته ومناقبه في الآفاق وسارت بها الركبان والرفاق ووقع على ولايته الاجماع والاتفاق توفي رحمه الله تعالى ليلة الأحد السابع والعشرين من ذي الحجة بعينات بكسر المهملة وسكون المثناة التحتية وقبل الالف نون وبعدها مثناة فوقية من قرى حضرموت على نصف مرحلة من تريم وفيها شهاب أحمد الشيخ بدر الدين العباسي المصري الشافعي ولد بمصر سنة ثلاث وتسعمائة وأخذ عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والنور المحلى وكمال الدين الطويل ونور الدين المليجي بالجيم وأبي العباس الطنبذاوي البكري بزبيد وحفظ المنهاج الفقهي والشاطبية والعمدة في الحديث للحافظ عبد الغني المقدسي والأربعين النواوية والأجرومية ومختصر أبي شجاع وكان عالما عاملا علامة شديد الورع قليل الاختلاط بالناس متمسكا بالكتاب والسنة وطريقة السلف الصالح له اليد الطولى في علم الحرف والفلك

(8/426)


427 والميقات وله الشعر الرائق فمنه ( كان البخاري حافظا ومحدثا * جمع الصحيح مكمل التحرير ) ( ميلاده صدق ومدة عمره * فيها حميد وانقضى في نور ) ولما وقف على هذه الأبيات التي نظم فيها بعضهم ما لكل فصل من المنازل على اصطلاح أهل اليمن وهي ( شرط البطين ثريا دبر هقعقها * وهنة الذرع فصل الصيف قد كملا ) ( فنثرة الطرف جبه الزبرة انصرفت * عوا سماك فذا فصل الخريف خلا ) ( غفر زبانا تكلل قلب شولتها * نعامة بلدة فصل الشتا كملا ) ( واذبح بلاعا سعودا واخب مزعمها * في بطن حوت فذا فصل الربيع تلا ) استحسنها وقال أنه أجاد فيها غير أنه اعتمد في ذلك على حساب المتقدمين في المنازل حيث بدأ بالشرطين وعلى حساب المتأخرين يبدأون بالفرع المؤخر وتوفي بالهند بأحمداباد ليلة الجمعة رابع صفر ودفن بها بتربة العرب بالقرب من تلميذه وصاحبه الشيخ عبد الرحيم العمودي وكانا في حياتهما روحين في جسد وفيها القاضي زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الفرفور الحنفي كان إماما فاضلا شاعرا بارعا من شعره ( اترك الدنيا لناس زعموا * أن فيها مرهم القلب الجريح ) ( ذاك ظن منهم بل غلط * آه منها ما عليها مستريح ) وأهدى سفينة لبعض أصحابه وكتب معها ( سفينة وافتك يا سيدي * مشحونة بالنظم والنثر ) ( قد ملئت بالدر أرجاؤها * من أجل ذا جاءت إلى البحر ) وفيها أبو السعادات محمد بن أحمد بن علي الفاكهي المكي الحنبلي الإمام العلامة ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وقرأ في المذاهب الأربعة فكانت له اليد الطولى وتفنن في العلوم ومن شيوخه الشيخ أبو الحسن البكري

(8/427)


428 وابن حجر الهيتمي والشيخ محمد الحطاب في آخرين من أهل مكة وحضرموت وزبيد يكثر عددهم بحيث يزيدون على التسعين وأجازوه وحفظ الأربعين النواوية والعقائد النسفية والمقنع في فقه الحنابلة وجمع الجوامع الأصولي وألفية ابن مالك وتلخيص المفتاح وغير ذلك منها القرآن العظيم وقرأ للسبعة ونظم ونثر وألف من ذلك شرح مختصر الأنوار المسمى نور الأبصار في فقه الشافعي ورسالة في اللغة وغير ذلك ورزق الحظوة في زمنه وكان جوادا سخيا لا يمسك شيئا ولذلك كان كثير الاستقراض وكانت تغلب عليه الحدة ودخل الهند وأقام بها مدة مديدة ثم رجع إلى وطنه مكة سنة سبع وخمسين وتسعمائة وفي ذلك العام زار النبي ثم حج في السنة التي تليها وعاد إلى الهند فمات بها ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة وفي حدودها بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله المصري النحوي الشيخ العالم الصالح قال في الكواكب ولد تقريبا سنة ثمان وتسعمائة وتوفي في عشر التسعين انتهى وفيها قطعا شهاب الدين محمود بن شمس الدين محمد السندي الطبيب قال في النور كان آية في الطب والمعالجات حكى أن بعض السلاطين أهدى إلى السلطان محمود صاحب كجرات أشياء نفيسة من جملتها جارية وصيفة فأعطاها السلطان لبعض الوزراء فاتفق أن صاحب الترجمة جس نبضها قبل أن يمسها ذلك الوزير فحذره من جماعها وقال كل من جامعها يموت فأرادوا تجربته في ذلك وجاءوا بعبد وأدخلوه عليها فمات لوقته فازدادوا تعجبا منه وسأله الوزير عن السبب فقال إنهم أطعموها أشياء أورثت ذلك وأن مهديها قصد هلاك السلطان ويقرب من هذا بل يؤيده أن القزويني ذكر في عجائب البلدان عند الكلام على عجائب الهند ومن عجائبها البيش وهو نبت لا يوجد إلا في الهند سم قاتل أي حيوان يأكل منه يموت ويتولد تحته حيوان يقال له فأرة

(8/428)


429 للبيش تأكل منه ولا يضرها ومما ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهن زمانا ثم تحت فرشهن زمانا ثم تحت ثيابهن زمانا ثم يطعمونهن منه في اللبن حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرها ثم يبعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإذا غشيها مات انتهى سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة فيها توفي الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد الحمامي والده الصهيوني الشافعي الإمام العلامة قال في الكواكب قرأ على الشيخ شهاب الدين الطيبي في القراآت وغيرها وعلى الشيخ شهاب الدين أخي في الحساب وغيره وكان يعتمد علم الحرف ويعمل الأوفاق اعتقده الحكام بسبب ذلك وعاش فقيرا ثم أثرى في آخر عمره فقال لبعض أصحابه حيث وسعت علينا الدنيا فالأجل قريب فمات عن قرب ومن كلامه ليس في التردد إلى من ليس فيه كبير فائدة كبير فائدة وله نظم لطيف منه ( أضنى الجوانح بالهوى ولهيبه * بدر تزايد في الهوى ولهى به ) ( وجوانحي جنحت إلى ذاك الذي * شغل الفؤاد بحبه ولهيبه ) ( وعلى هواه مقلتي سحت وما * شحت بفيض مدامعي وصبيبه ) ( فإذا أصبت أذى بأوصاف الهوى * لا تنكروا بحياتكم وصبى به ) ( لله صب ما تذكر للهوى * إلا وهام بذكره وصبى به ) ذكر الشيخ حسن البوريني أنه ذاكرا أبا بكر الصيوني فوجده فاضلا في علوم إلا أنه اشتهر بعلم النجوم انتهى ملخصا وفيها الشيخ إسمعيل بن أحمد بن الحاج إبراهيم النابلسي الشافعي قال في الكواكب هو شيخ الإسلام ومفتي الأنام أستاذ العصر ومفرد الوقت تصدر للافتاء والتدريس وصار إليه المرجع بعد شيخ الإسلام الوالد مولده وجدته بخط المنلا أسد سنة

(8/429)


430 سبع وثلاثين وتسعمائة واشتغل على جماعة من أهل العلم في النحو والصرف وحفظ القرآن العظيم وألفية ابن مالك ثم لازم الشيخ أبا الفتح الشيشري هو وصاحبه الشيخ عماد الدين الحنفي ثم لزم العلامة الشيخ علاء الدين بن عماد الدين في المعقولات وغيرها وأخذ عن شيخ الاقراء الشيخ شهاب الدين الطيبي وقرأ المنهاج على العلامة الفقيه السنفي ودرس بالجامع الأموي ثم بدار الحديث الأشرفية وبالشامية البرانية عن الشهاب القلوجي ودرس بالدرويشة بشرط واقفها وضم إليها تدريس العادلية الكبرى وكانت دروسه حافلة لصفاء ذهنه وطلاقة لسانه وحسن تقريره وله شعر منه قوله محاجيا في عاقر قرحا ( مولاي يا خير مولى * ويا سليم القريحه ) ( ما مثل قول المحاجي * يوما عجوز قريحه ) وأجاب عن قول بعضهم ( يا أيها النحوي ما اسم قد حوى * من مانعات الصرف خمس موانع ) ( وتزول من تلك الموانع علة * فيصير مصروفا بغير منازع ) بقوله ( يا أكمل الفضلاء يا من قد غدا * في فضله فردا بغير مدافع ) ( في أذربيجان لقد ألغزت إذ * شنفت باللغز البديع مسامعي ) توفي رحمه الله تعالى يوم السبت ثالث عشر المحرم ودفن بمقبرته التي أنشاها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جراح وفيها رحمة الله بن عبد الله السندي الحنفي نزيل المدينة المشرفة قال في النور كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين وتوفي في مكة في ثامن عشر المحرم وكان له أخ اسمه حميد وكان أيضا من أهل العلم والصلاح حسن الأخلاق كثير التواضع ظاهر الفضل جليل القدر وحصل له في آخر الأمر جاه عظيم وجاور بها تسع سنين ومات بها أيضا انتهى وممن أخذ عنه

(8/430)


431 النجم الغيطي وممن أخذ عن الشيخ حميد الشيخ محمد علي ابن ابن الشيخ محمد علان المكي الشافعي الصديقي الشهير بابن علان شيخ شيخنا السيد محمد بن السيد حمزة الحسيني نقيب السادة الأشراف بدمشق وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أبي اللطف المقدسي الشافعي المتقدم ذكر والده في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة ولد صاحب الترجمة سنة أربعين وتسعمائة وبرع وهو شاب وفضل وتقدم على من هو أسن منه حتى على أخويه وصار مفتي القدس الشريف على مذهب الإمام الشافعي وكان له يد طولى في العربية والمعقولات وله شعر منه قوله مقيدا لأسماء النوم بالنهار وما في كل نوع منها ( النوم بعد صلاة الصبح غيلوله * فقر وعند الضحى فالنوم فيلوله ) ( وهو الفتور وقبل الميل قيل له * إذ زاد في العقل أي بالقاف قيلوله ) ( والنوم بعد زوال بين فاعله * وبين فرض صلاة كان ميلوله ) ( وبعد عصر هلاك كان مورثا وكذاك * قلة العقل بالاهمال عيلوله ) وكان إماما علامة وتوفي رحمه الله تعالى بالقدس الشريف في أواخر صفر وفيها الاستاذ الأعظم شمس الدين محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن يعقوب بن نجم الدين بن عيسى بن داود ابن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه البكري الصديقي الشافعي الأشعري المصري قال في النور أخذ عن والده والقاضي زكريا وغيرهما وكان من آيات الله في الدرس والاملاء يتكلم بما يحير العقول ويذهل الأفكار بحيث لا يرتاب سامعه في أن ما يتكلم به ليس من جنس ما ينال بالكسب وربما كان يتكلم بكلام لا يفهمه أحد من أهل مجلسه مع كون كثير منهم أو أكثرهم على الغاية من التمكن في سائر مراتب

(8/431)


432 العلوم وكان إليه النهاية في العلم حتى كان بعض الأجلاء ممن يحضر دروسه يقول لولا أن باب النبوة سد لاستدلينا بما نسمعه منه على نبوته وأما مجالسه في التفسير وما يقرره فيها من المعاني الدقيقة والأبحاث الغامضة مع استيعاب أقوال الأئمة وذكر المناسبات بين السور والآيات وبين أسماء الذات المقدس والصفات وما قاله أئمة الطريق في كل آية من علوم الإشارة فمما يحير العقول ويدهش الخواطر وجميع ما يلقيه بألفاظ مسجعة معربة موضوع كل لفظ في محله الذي لا أولى به ولم يحفظ أحد له هفوة في لفظ من ألفاظه من جهة اعراب أو تصريف أو تقديم أو تأخير أو غير ذلك من هفوات الألسن وما من درس من دروسه إلا وهو مفتتح بخطبة مشتملة على الاشارة إلى كل ما اشتمل عليه ذلك الدرس على طريق براعة الاستهلال وهكذا كانت مجالسه في الفقه والحديث وكل علم يتصدى لتقريره وله جملة تصانيف منها شرح مختصر على أبي شجاع في الفقه وكتب أيضا على أوائل منهج القاضي زكريا وله رسائل في أنواع من العلوم والمعارف والآداب كرسالته في الاسم الاعظم ورسالته في الصلاة على النبي ورسالته في السماع وغير ذلك وله ديوان شعر كبير منه قوله ( ما أريض مفتح الأزهار * وبهيج مشعشع الأنوار ) ( ولآل منظمات عقودا * لغوان عرائس أبكار ) ( وشموس تضيء في أفق السعد * زها ضوؤها على الأقمار ) ( وغصون بايكها تسجع الورق * فتنسى ترنم الأوتار ) ( مثل قول الاله في حق جدي * ( ^ ثاني اثنيين هما في الغار ) ) ومنه قصيدته الطويلة التي مطلعها ( ما أرسل الرحمن أو يرسل * من رحمة تصعد أو تنزل ) ( في ملكوت الله أو ملكه * من كل ما يختص أو يشتمل )

(8/432)


433 ( الا وطه المصطفى عبده * نبيه مختاره المرسل ) ( واسطه فيها وأصل لها * يفهم هذا كل من يعقل ) ومنه ( إذا خطب ذنب علينا دجا * أنرنا دجاه بنور الرجا ) ( فكم شدة من ذنوب عظام * لها الله بالعفو قد فرجا ) ( وكم ضقت ذرعا بجرمي فما * وجدت سوى العفو لي مخرج ) ( فلله فالجأ ولا تيأسن * فما خاب عبد إليه التجا ) ومنه ( انظر إلى الماء الذي * بيد النسيم تجعدا ) ( قد شبهوه بمبرد * فلأجل ذا يبري الصدا ) وكان رضي الله عنه يحج في كل عامين مرة وبالجملة فلم يكن له نظير في زمانه ولم يخلف مثله وتوفي بالقاهرة في ربيع الثاني وقيل في تاريخ وفاته ( مات من نسل أبي بكر فتى * كان في مصر له قدر مكين ) ( قلت لما الدمع من عيني جرى * أخروه مات قطب العارفين ) وفيها المولى السيد محمد بن محمد بن عبد القادر أحد موالي الروم وابن أحد مواليها السيد الشريف الحنفي المعروف بابن معلول قال في الكواكب ولي قضاء الشام وكلف الناس المبالغة في تعظيمه وماتت له بنت فصلى عليها شيخ الإسلام الوالد وعزاه بالجامع الأموي ولم يذهب معه فحنق عليه ثم لما ولى مصر ثم قضاء العساكر فوجه التقوية عن الوالد للشيخ محمد الحجازي المعروف بابن سماقة ثم باشر قضاء العسكر سبعة عشر يوما ثم جن وأخذ من مجلس الديوان محمولا وولي قضاء العسكر بعده جوى زادة فأعاد التقوية إلى الشيخ ثم ولي ابن معلول الافتاء ثم عزل عنه سريعا وأعطي نقابة الأشراف ومات وهو نقيب عن ثمان وخمسين سنة انتهى باختصار سنة أربع وتسعين وتسعمائة فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي

(8/433)


434 القاهري الشافعي الإمام العلامة أخو الشيخ شمس الدين العلقمي ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وهو منسوب إلى بلدة العلاقمة قرية من كورة بلبيس ونشأ بها ثم رحل إلى القاهرة وتفقه بأخيه والشيخ شهاب الدين البلقيني وقرأ البخاري كاملا وثلث مسلم وجميع الشفا على قاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي وسمع عليه الأكثر من بقية الكتب الستة بقراءة الشمس البرهمتوشي وقرأ جميع سيرة ابن هشام علي المحيوي يحيى الوفائي قاضي الحضرة وجميع رياض الصالحين على العارف بالله تعالى أحمد بن داود النسيمي وجميع البخاري وسيرة ابن سيد الناس علي السيد الشريف يوسف بن عبد الله الأرميوني وأجازه بالفقه والنحو الشهاب البلقيني تلميذ القسطلاني وقرأ الكثير من حلية أبي نعيم على الإمام المحدث أحمد بن عبد الحق وكان في ابتداء أمره يلازم دروس الشهاب الرملي ويسمعه وله مشايخ غير هؤلاء وبالجملة فقد كان إماما عالما عاملا رحمه الله تعالى وفيها شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي القاهري الشافعي الإمام العلامة الفهامة أخذ العلم عن الشيخ ناصر الدين اللقاني ومحق عصره بمصر شهاب الدين البرلسي المعروف بعميرة والعلامة قطب الدين عيسى الصفوي وبرع وساد وفاق الأقران وسارات بتحريراته الركبان وتشنفت من فرائد فوائده الآذان ومن مصنفاته الحاشية على شرح جمع الجوامع المسماة بالآيات البينات وحاشية على شرح الورقات وحاشية على المختصر في المعاني والبيان وحاشية على شرح المنهج وأخذ عنه الشيخ محمد بن داود المقدسي وغيره وتوفي بالمدينة المنورة عائدا من الحج وفيها تقريبا نور الدين علي بن محمد العسيلي المصري الشافعي الإمام العلامة الأديب المفنن في العلوم النقلية والعقلية ذكره الشعراوي وأثنى عليه بالخشية والبكاء عند سماع القرآن والتهجد قال وكان يغلب عليه أحوال الملامية وإن غالب أعماله قلبية وكان

(8/434)


435 إماما علامة له حاشية حافلة على مغنى ابن هشام ومن نظمه قوله في صدر قصيدة ( رعى الله ليلة وصل خلت * خلوت بها وضجيعي القمر ) ( صفت عن رقيب وعن عاذل * فلم تك إلا كلمح البصر ) ( وقد قصرت بعد طول النوى * وما قصرت مع ذاك القصر ) وقوله في عبد له اسمه فرج ( لكل ضيق إذا استبطأته فرج * وكل ضيق أراه فهو من فرج ) وكان الشيخ نور الدين من أخص الناس بالشيخ محمد بن أبي الحسن البكري وفيها شمس الدين أبو مسلم محمد بن محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد الصمادي الدمشقي القادري الشافعي ولد سنة إحدى عشرة وتسعمائة قال في الكواكب وكان من أمثل الصوفية في زمانه وله شعر في طريقتهم إلا أنه لا يخلو من مؤاخذة في العربية وكان شيخ الإسلام الوالد يجله ويقدمه على أقرانه من الصوفية ويترجمه بالولاية وأفتى شيخ الإسلام الوالد تبعا لشيخي الإسلام شمس الدين بن حامد والتقوى بن قاضي عجلون بإباحة طبولهم في المسجد وغيره قياسا على طبول الجهاد والحجيج لأنها محركة للقلوب إلى الرغبة في سلوك الطريق وهي بعيدة الأسلوب عن طريقة أهل الفسق والشرب وكان الأستاذ الشيخ محمد البكري يبجل صاحب الترجمة لأنهما اجتمعا في بيت المقدس وعرف كل منهما مقدار الآخر قال النجم الغزي وما رأيت في عمري أنور من أربعة إذا وقعت الأبصار عليهم شهدت البصائر بنظر الله إليهم أجلهم والدي والشيخ محمد الصمادي والشيخ محمد اليتيم ورجل رأيته بمكة المشرفة سنة إحدى وألف وكان الشيخ محمد الصماد معتقدا للخواص والعوام خصوصا حكام دمشق والواردين إليها من الدولة وكانوا يقصدونه في زاويته للتبرك وطلب الدعاء منه وبالجملة كان من أفراد الدهر توفي رضي الله عنه ليلة الجمعة عاشر صفر ودفن بزاويتهم داخل باب الشاغور وكانت

(8/435)


436 دمشق قبل ذلك بثلاثة أيام مزينة لفتح تبريز وقيل في تاريخ وفاته ( لهف قلبي على الصمادي يوما * الحسيب النسيب أعني محمد ) ( مذ توفي أهل النهى أرخوه * مات قطب من الرجال ممجد ) انتهى باختصار وفيها المولى محمد بن عبد الكريم الملقب بزلف نكار الحنفي الرومي القسطنطيني الإمام العلامة قال في العقد المنظوم وهو آخر من ترجم فيه كان من ملازمي المولى جعفر وتنقل في المدارس وله حواش مقبولة على حواشي التجريد للشريف الجرجاني ورسالة على أول كتاب العتاق من الهداية ورسائل أخر في علم البيان وغيره وكان فاضلا عالما عاملا أديبا وقورا خيرا صبورا انتهى سنة خمس وتسعين وتسعمائة فيها توفي المولى محي الدين محمد بن محمد بن الياس المعروف بحوى زادة الحنفي الإمام العلامة قال في الكواكب هو أحسن قضاة الدولة العثمانية وأعفهم وأصلحهم سيرة ترقى في المدارس على عادة موالي الروم وولي قضاء دمشق فدخلها في خامس عشر صفر سنة سبع وسبعين وتسعمائة وهي سنة ميلادي وانفصل في ختام السنة عن قضاء دمشق وأعطى قضاء مصر ثم صار قاضيا بالعساكر وفي آخر أمره صار مفتيا بالتخت السلطاني وكانت سيرته في قضاءه في غاية الحسن بحيث يضرب بها المثل وكان عالما فاضلا بارعا دينا خيرا عفيفا كان رسم الحجة في دمشق قبل ولايته أربع عشرة قطعة فجعله عشرا وكان رسم الصورة ثمان قطع فجعله ستا ودام على ذلك وأخذ بعض نوابه في بعض الوقائع ما زاد على ذلك فرده وقرأ على الشيخ الوالد في أوائل الكتب الستة وغير ذلك وحضر بعض دروسه في الفقه والتفسير واستجازه فأجازه وكان يفتخر بقراءته على الشيخ وإجازته وكان رحمه الله تعالى حليما إلى الغاية إلا في أمر الدين ومصالح المسلمين فإنه كان صلبا

(8/436)


437 يغضب لله تعالى وبالغ في ردع السياسة وربما ضرب بعضهم ولم يقبل من أحد هدية أيام قضاءه ولما انفصل عن دمشق أمر مناديا ينادي يوم الجمعة بالجامع الأموي أن قاضي القضاة عزل عن دمشق فمن أعطاه شيئا أو أخذ منه أحد من جماعته شيئا أو تعدى عليه أحد من جماعته فليرفع قصته إليه حتى يرد إليه ما انتزع منه فرفعت الناس أصواتهم بالبكاء والدعاء له ودام في ولاياته كلها على التعبد والورع في طعامه وشرابه ولباسه ومات وهو مفتي التخت السلطاني ليلة الخميس سادس جمادى الآخرة انتهى ملخصا وفيها مصطفى بن محمد العجي الحلبي ثم الدمشقي الشافعي كان أبوه من تجار دمشق وأهل الخير وكان لصاحب الترجمة معرفة بالفرائض والحساب ومشاركة في عدة فنون وله شعر لطيف قاله في الكواكب سنة ست وتسعين وتسعمائة فيها توفي المولى برويز بن عبد الله الرومي الحنفي الإمام العالم العلامة قرأ على علماء عصره وتنقل في المدارس وولي عدة من المناصب الشريفة وكان بارعا مفننا له حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على الهداية ورسائل في فنون عديدة وفيها الشريف الفاضل محمد بن الحسين الحسيني السمرقندي قال في النور كان فاضلا منشئا يعرف عدة ألسن مثل العربية والفارسية والرومية والهندية والحبشية وكان أهل المدينة إذا أرادوا مكاتبة أحد الأكابر لا يكتبون ذلك إلا بإنشائه ولما مات أحصيت كتبه فكانت ألفا وتسعين كتابا ووجد بخطه هذا البيتان ( روحي ائتلفت بحبكم في القدم * من قبل وجودها وبعد العدم ) ( ما يجمل بي من بعد عرفانكم * إن أنقل من طرق هواكم قدمي ) وذكر أنهما لسيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه وأنهما إذا

(8/437)


438 قرئا في اذن المصروع أفاق البتة وتوفي بالمدينة المشرفة ليلة الخميس تاسع المحرم انتهى وفيها جمال الدين محمد بن الصديق الخاص الحنفي اليمني الزبيدي قال في النور كان إماما عالما رحلة محققا مدققا من كبار علماء زبيد وأعيان المدرسين بها والمفتين على مذهب الإمام الأعظم ليس له نظير في زمانه ولم يخلف في ذلك القطر مثله وتوفي بزبيد عصر يوم الأربعاء رابع شعبان انتهى سنة سبع وتسعين وتسعمائة فيها توفي شهاب الدين أحمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الحق المصري الشافعي الإمام العلامة أخذ عن والده وغيره من أعيان علماء مصر ودأب وحصل ودرس وأفتى وصار ممن يشار إليه في الاقليم المصري بالبنان وتتشنف بفرائد فوائده الآذان رحمه الله تعالى سنة ثمان وتسعين وتسعمائة فيها توفي المنلا أسد بن معين الدين الشيرازي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة المحقق المدقق قال في الكواكب أكثر انتفاعه بالشيخ علاء الدين بن عماد الدين قرأ عليه الارشاد في الفقه لابن المقري وقرأ عليه في شرح المفتاح في المعاني والبيان وشرح الطوالع للأصبهاني والعضدوفي الكشاف والقاضي وكتب بخطه المطول وديوان أبي تمام والمتنبي وشرح ابن المصنف على الألفية وغير ذلك ودرس بالناصرية البرانية ثم بالشامية وجمع له بينهما وأفتى بعد موت الشيخ إسماعيل النابلسي وعنه أخذ أكثر فضلاء الوقت كالشيخ حسن البوريني والشهاب أحمد بن محمد المنقار والشيخ محمد بن حسين الحمامي وغيرهم وله شعر رائق بليغ كأنه لم يكن أعجميا ومن شعره ( قال لي صاحبي غداة التقينا * إذ رآني بمدمع مهراق ) ( لم تبكي فقلت قد أنشدوني * مفردا فائقا لطيف المذاق )

(8/438)


439 ( كل من كان فاضلا كان مثلي * فاضلا عند قسمة الأرزاق ) وتوفي في جمادى الثانية ودفن بسفح قاسيون انتهى وفيها الحافظ جمال الدين الطاهر بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي محدث الديار اليمنية قال في النور ولد سنة أربع عشرة وتسعمائة بقرية المراوعة وبها نشأ وتعلم القرآن وقرأ على إمام جامعها فخر الدين بن أبي بكر المعلم علوم النحو والفقه والحساب وغير ذلك ثم انتقل إلى مدينة زبيد ولازم الحافظ عبد الرحمن بن الديبع وانتفع به انتفاعا رقى به إلى درجة الكمال وساد على الأمثال وله مشايخ كثيرة في الحديث وغيره منهم أبو العباس الطنبذاوي ووجيه الدين ابن زياد والسيد عبد المحسن الأهدل وبرهان الدين مطير وخلائق وأجازوا له وارتحل إلى مكة المشرفة وجاور بها واجتمع فيها بجماعة من العلماء مثل شيخ الإسلام أبي الحسن البكري وقرأ عليه وعلى الحافظ أبي السعادات المالكي وغيرهما ثم أنه انفرد بعد شيخه ابن الديبع برياسة الحديث وارتحل إليه الناس وكثر الآخذون عنه منهم الحافظ محي الدين البزاز ومحمد بن أحمد الصابوني وبرهان الدين بن جعمان وعبد الرحمن الضجاعي وأمين الدين الأعمر وتخرج به ابن ابنه العلامة السيد الحسين بن أبي بكر بن الطاهر المترجم وعمى بآخر عمره بعد أن حصل بخطه كتبا كثيرة وصنف أشياء حسنة وبالجملة فإنه كان أوحد عصره علما وعملا وحفظا واتقانا وضبطا ومعرفة بأسماء الرجال وجميع علوم الحديث بحيث كان مسند الدنيا وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول بمدينة زبيد ودفن بباب سهام بمقبرة أهله انتهى وفيها وجيه الدين ميان الهندي قال في النور توفي بأحمداباد وكان من أهل العلم والزهد وحصل له القبول التام من الناس وانتفع به الطلبة في كثير من الفنون واشتهر أمره جدا انتهى وتقدمت ترجمة عبد الصمد ميان الهندي أيضا وهذا غيره

(8/439)


440 سنة تسع وتسعين وتسعمائة قال في النور في يوم الأربعاء رابع عشر رجب زالت الدولة المهدوية بأحمد نكر من بلاد الدكن وقتل الوزير جمال خلان وجيء برأسه إلى أحمد نكر وطيف به فيها ثم علق أياما وتسلطن برهان شاه انتهى وفيها توفي المولى عبد الغني بن ميرشاه الحنفي أحد الموالي الرومية تنقل في المدارس إلى أن وصل إلى السلمانية ثم أعطى منها قضاء دمشق عوضا عن محمد أفندي بن بستان في سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وعزل عنها بتولية قضاء مصر سنة أربع وثمانين وتسعمائة ثم ولي دمشق بعد قضاء العسكرين في سنة أربع وتسعين وتسعمائة ثم عزل عنها وعاد إلى الروم فمات بها وفيها الشيخ محمد بن محمد بن موسى البقاعي الحمادي الشافعي نزيل دمشق المعروف بالعره الزاهد الصالح العارف بالله تعالى قال في الكواكب كان دسوقي الطريقة وصحب سيدي محمد الأسد الصفدي من أصحاب سيدي محمد ابن عراق وكان بينهما مصاهرة أو قرابة وكان الشيخ محمد العره مواظبا على ذكر الله لا يفتر عنه طرفة عين ووجهه مثل الورد يتهلل نورا بحيث أن من رآه ذكر الله تعالى عند رؤيته وعلم أنه من أولياء الله تعالى إلى أن قال بعد ثناء طويل حسن وهو ممن أرجو أن ألقى الله على محبته واعتقاده رضي الله تعالى عنه وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الأول وفيها المولى محمد بن حسن الشريف الحسيب المعروف بالسعودي أخذ هو وأخوه محمد المعروف بالحبابي عن المولى أبي السعود وتوفي أخوه قبله بعد أن ولي عدة مناصب منها قضاء حلب وكان صاحب الترجمة إماما محققا مدققا وتوفي بآمد سنة ألف فيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف

(8/440)


441 ابن حسين بن يوسف بن موسى الحصكفي الأصل الحلبي المولد والدار الشافعي المعروف بابن المنلا جده لأبيه كان قاضي قضاة تبريز شهرته منلا جامي شرح المحرر وجده لأمه الشرفي يحيى أجا بن أجا قال في الكواكب مولده سنة سبع وثلاثين وتسعمائة ونشأ في كنف أبيه واشتغل بالعلم فقرأ على ابن الحنبلي في مغنى اللبيب فما دونه من كتب النحو وفي شرح المفتاح والمنطق والقراآت والحديث وفي مؤلفاته وصحب سيدي محمد بن الشيخ علوان وهو بحلب سنة أربع وخمسين وسمع منه نحو الثلث من البخاري وحضر مواعيده وسمع المسلسل بالأولية من البرهان العمادي وأجاز له وقرأ بالتجويد على الشيخ إبراهيم الضرير الدمشقي نزيل حلب كثيرا وأجاز له وذلك في سنة ست وخمسين ورحل إلى دمشق رحلتين وأخذ بها عن شيخ الإسلام الوالد وحضر دروسه بالشامية وبحث فيها بحوثا حسنة مفيدة أبان فيها عن يد في الفنون طولى وكلما انتقل من مسئلة إلى غيرها تلا لسان حاله ( ^ وللآخرة خير لك من الأولى ) كما شهد بذلك الوالد في إجازته له البهجة وأجاز له وقرأ بها شرح منلا زادة على هداية الحكمة وعلى محب الدين التبريزي مع سماعه عليه في التفسير وقرأ قطعتين صالحتين من المطول والأصفهاني على الشيخ أبي الفتح الشبشيري ورحل إلى القسطنيطينية سنة ثمان وخمسين فأخذ رسالة الاسطرلاب عن نزيلها الشيخ غرس الدين الحلبي واجتمع بالفاضل المحقق السيد عبد الرحيم العباسي واستجاز منه رواية البخاري فأجاز له فمدحه بقوله ( لك الشرف العالي على قادة الناس * ولم لا وأنت الصدر من آل عباس ) ( حويت علوما أنت فيها مقدم * وفي نشرها أضحيت ذا قدم راس ) ( وفقت بنى الآداب قدرا ورتبة * وسدتهم بالجود والفضل والباس ) ( فيا بدر أفق الفضل يا زاهر السنا * ويا عالم الدنيا ويا أوحد الناس ) ( إلى بابك العالي أتاك ميمما * كليم بعضب عدت أنت له آس )

(8/441)


442 ( فتى عاري الآداب بادي الحجا فما * سواك لعار عن سنى الفضل من كاس ) ( فأقبسه من مشكاة نورك جذوة * وعلله من ورد الفضائل بالكاس ) ( وسامحه في تقصيره ومديحه * فمدحك بحر فيه من كل أجناس ) ( فلا زلت محمود المآثر حاوي المفاخر * مخصوصا بأطيب أنفاس ) ( مدى الدهر ما احمرت خدود شقائق * وما قام غصن الورد في خدمة الآس ) ودرس وأفاد وصنف وأجاد وله شرح على المغنى جمع فيه بين حاشيتي الدماميني والشمني وشرح شواهده للسيوطي وكتب ونظم الشعر الحسن فمن شعره في مليح لابس أسود ( ماس في أسود اللباس حبيبي * ورمى القلب في ضرام بعاده ) ( لم يمس في السواد يوما ولكن * حل في الطرف فاكتسى من سواده ) وتوفي سنة ألف قتله اللصوص في بعض قراه رحمه الله تعالى ثم تحرر لي من خط العلامة الشيخ عمر العرضي أنه مات في سنة ثلاث وألف انتهى وفيها بدر الدين حسين بن عمر بن محمد النصيبي الشافعي أخذ النحو والصرف عن العلاء الموصلي والفقه عن البرهان التسيلي والبرهان العمادي والشمس الخناجري والنحو وغيره عن الشهاب الهندي وعن منلا موسى بن عوض الكردي والشيخ محمد المعرى الشهير بابن المرقي ورحل إلى حماة فدخل في مريدي الشيخ علوان وزوجه الشيخ ابنته وكان إماما عالما شاعرا مطبوعا له مساجلات مع ابن المنلا وكان بينهما غاية الاتحاد والمحبة وفيها سراج الدين عمر بن عبد الله العيدروس الشريف الحسيب اليمني الشافعي الإمام العالم قال في النور كان من العلماء العاملين والمشايخ العارفين وكان عيدروسيا من الأب والأم الشيخ عبد الله العيدروس جده من الطرفين وتصدر بمكة المشرفة سنة ثمان وسبعين وتسعمائة فقام بالمقام أتم قيام ومشى على طريق السلف الصالح وتوفي بعدن في المحرم ودفن بها في قبة جده لأمه الشيخ أبي

(8/442)


443 بكر العيدروس وفيها جمال الدين محمد بن علي الحشيبري الشيخ الكبير قال في النور كان من المشايخ المشهورين ورزق القبول في حركاته وسكناته وحصلت له شهرة عظيمة ورويت عنه كرامات ولا يقدح في جلالته ذم بعض العلماء له وتنقيصه إياه بحسب ما يظهر لهم من أموره من غير نظر إلى خصوصيته فقد قيل المعاصر لا يناصر ولا زالت الأكابر على هذا وفيما يقع له من التخريفات والشطحات له أسوة بغيره من الصوفية كما أن للمنكرين أسوة بغيرهم من العلماء وحمل ما يصدر منه من الأحوال الغريبة على أحسن المحامل أولى فإن بنى حشيبر أهل صلاح وولاية وخرقتهم تعود إلى أبي الغيث بن جميل اليمني وتوفي المترجم ليلة الأحد سابع عشر ربيع الثاني بأحمداباد انتهى والله أعلم قال مؤلفه شيخنا أمتع الله به وأطال بقاءه ونفع به المسلمين وهذا آخر ما أردنا جمعه من شذرات الذهب في أخبار من ذهب وقد بذلت في تهذيبه وتنقيحه وسعي وسهرت لأجله ليالي من عمري ونقحت عبارات رأيت ناقليها انحرفوا فيها عن نهج الصواب إما لغط أو سبق قلم أو تحامل على مترجم ونحو ذلك وتحريت ما صح نقله وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبته ولطلب الاختصار وأنا أرجو الله تعالى أن ييسر لي عمل ذيل لأهل القرن الحادي عشر بمنه وكرمه وكان الفراغ من تأليفه في يوم الاثنين تاسع عشر شهر رمضان المعظم من شهور سنة ثمانين وألف على يد جامعه أفقر العباد أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد غفر الله له ولمن ستر عيبا رآه وأصلح فيه خللا أبصرته عيناه آمين والحمد لله رب العالمين وكان الفراغ من نسخة يوم الخميس خامس عشر شهر رجب الفرد الذي هو من شهور سنة أربع وثمانين وألف على يد الفقير الحقير محمد بن أحمد المحيوي الصالحي عفى عنهم آمين وهي أول نسخة نقلت من خط المصنف حفظه الله تعالى 

تم بحمد الله 

قلت المدون اللهم تقبل واستجب لدعائي امين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع ابن حجر الهيتمي الباب الثاني{الجزء الثاني}

كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع/الباب الثاني المحتويات  القسم الأول: اللعب بالنرد  القسم [الثاني]: اللعب بالشِّطرَنج  القسم الثالث: ...